الفقه على المذاهب الأربعة
السلم
مباحث السلم
تعريفه
السلم - بفتح السين واللام - اسم مصدر لأسلم ومصدره الحقيقي الإسلام ومعناه في اللغة : استعجال رأس المال وتقديمه ويقال للسلم سلف لغة إلا أن السلم لغة أهل الحجاز والسلف لغة أهل العراق . على أن السلف أعم من السلم لأنه يطلق على القرض . فالسلف يستعمل على وجهين :
أحدهما : القرض الذي لا منفعة فيه للمقرض سوى الثواب من الله تعالى وعل المقترض رده كما أخذه على ما سيأتي بيانه
والثاني : هو أن يعطي ذهبا أو فضة في سلعة معلومة إلى امد معلوم بزيادة في السعر الموجود عند السلف وفي هذا منفعة للمسلف . والوجه الثاني : هو الذي يقال له سلم
والسلف اسم مصدر أسلف ومصدره الحقيقي إسلاف . ويقال أيضا سلفه ومصدره التسليف
أما تعريفه اصطلاحا عند الشرعيين ففيه تفصيل المذاهب
الشافعية - قالوا : السلم بيع شيء موصوف في ذمة بلفظ سلم ك أن يقول : أسلمت غليك عشرين جنيها مصرية في عشرين إردبا من القمح الموصوف بكذا على أن أقبضها بعد شهر مثلا أما إن كان بلفظ البيع كأن قال : بعني عشرين إردبا من القمح الموصوف بكذا أقبضها بعد مدة معينة بعشرين جنيها ففيه خلاف : فبعضهم يقول : إنه بيع فيصح فيه ما يصح في البيع من تأجيل الثمن وتأخير قبضه في المجلس وجواز استبداله بغيره وشرط الخيار فيه وبعضهم يقول إنه سلم لأن العقد في معنى السلم ولا نظر للفظ فلا يصح استبدال ثمنه بغيره فإذا كان الثمن ذهبا فلا يصح أن يعطيه حنطة كما لا يصح استبدال المثمن - وهو المسلم فيه فإذا أسلم في حنطة فلا يصح أن يدفع بدلها ذرة وكذلك لا يصح تأجيل قبض الثمن عن المجلس ولا يصح شرط الخيار فيه . ولكن المعتمد أن السلم لا يتحقق إلا إذا ذكر لفظ السلم فإذا ذكر لفظ البيع كان بيعا وهذا أحد أمور ثلاثة تتوقف على لفظ مخصوص وهي : السلم والنكاح والكتابة
الحنفية - قالوا : السلم هو شراء آجل بعاجل . ويسمى صاحب النقدين الذهب والفضة : مسلم - بكسر اللام - كما يسمى رب السلم . ويسمى صاحب السلعة المؤجلة : مسلم إليه وتسمى السلعة كالقمح والزبد : مسلم فيه . ويسمى الثمن : رأس مال السلم فإذا أراد شخص أن يشتري قمحا مؤجلا إلى أجل مسمى بنقد يدفعه فورا كان ذلك سلما ويسمى المشتري مسلما والبائع مسلما إليه والقمح مسلما فيه والثمن رأس مال السلم ولا يشترط فيه أن يكون بلفظ السلم ولا بلفظ السلف بل ينعقد البيع والشراء بلفظ السلم أيضا
المالكية - قالوا : السلم عقد معاوضة يوجب شغل ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين فقوله معاوضة معناه : ذو عوض يدفعه كل واحد من طرفي العقد لصاحبه خرج به الهبة والصدقة وغيرهما من العقود التي لا معاوضة فيها بل فيها بذل من جانب واحد فقط وقوله بغير عين خرج به بيع سلعة بعين مؤجلة من ذهب أو فضة كما تقدم في تعريف البيع وقوله ولا منفعة . خرج به كراء الداء ونحوه المضمون فإنه عقد معاوضة بغير عين ولكن أحد عوضيه منفعة وقوله غير متماثل العوضين خرج به السلف " القرض " فإن المقترض يرد ما أخذه كما هو
الحنابلة - قالوا : السلم عقد على شيء يصح بيعه موصوف في الذمة إلى أجل . والذمة هي وصف يصير به المكلف أهلا للإلزام والالتزام وهو معنى عام عند غيرهم وقد تقدم . ويصح بلفظ البيع كأن يقول : ابتعت منك قمحا صفته كذا وكيله كذا أقبضه بعد شهر مثلا كما يصح بلفظ سلم وسلف . بل يصح بكل ما يصح به البيع كتملكت واتهبت ونحوه
حكم السلم ودليله
وحكم السلم الجواز فهو رخصة مستثناة من بيع ما ليس عند بائعه . ودليل جوازه الكتاب والسنة والإجماع
فأما الكتاب فقوله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه }
والدين عام يشمل دين السلم ودين غيره وقد فسره ابن عباس بدين السلم
وأما السنة فمنها خبر الصحيحين : " ومن أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " . وقد أجمع أئمة المسلمين على جوازه
أركان السلم وشروطه
السلم قسم من أقسام البيع كما تقدم فأركان البيع أركان له وشروطه شروطه غلا أنه للسلم شروط زائدة على شروط البيع
والغرض منها على وجه الإجمال أن يكون البدلان في السلم وهما رأس المال " ويسمى في البيع ثمنا " والمسلم فيه ويسمى في البيع مبيعا ومثمنا منضبطين محدودين بحيث لا يكون فيهما جهالة من أي وجه فيقع النزاع بين المتعاقدين ويثور بينهما الخصام وذلك ما تأباه الشريعة الإسلامية ولا ترضاه فيصح السلم فيما يمكن ضبطه كالأشياء التي تباع بالكيل أو بالوزن أو بالعد أو بالذرع لأنها محدودة يمكن ضبطها وإنما يصح لشروط تذكر في العقد : منها : بيان جنس المسلم فيه وجنس رأس المال كأن يقول : أسلمت إليك جنيها في تمر أو قمح
ومنها : بيان النوع كأن يقول : تمر زغلول أو أسيوطي وقمح بعلي أو مسقي . ومنها : بيان الصفة كأن يقول : جيد
الشافعية - قالوا : ذكر الجودة والرداءة في المسلم فيه ليس بشرط وإذا أطلق ينصرف الجيد للعرف وينزل على أقل درجاته ولكن يجوز أن يشترط الجودة والرداءة وإنما الذي يشترط هو أن يكون للمسلم فيه صفات تضبطه وتعينه ويعرف بها على أن تكون هذه الصفات كثيرة الوجود فإن كانت نادرة فلا يصح السلم فمثال ما له صفات كثيرة الوجود : الحبوب . في البلاد الزراعية والحيوان وغيرهما مما يأتي مفصلا ومثال ما له صفات نادرة الوجود : الجواهر الكبيرة التي تستعمل للزينة فإنها لا يصح فيها السلم وذلك لأن السلم يستلزم أن يبين حجمها ووزنها وشكلها وصفاءها واجتماع هذه الصفات نادر فلا يصح السلم . أما الجواهر الصغيرة التي تستعمل للتداوي فإنه يصح فيها السلم إلا العقيق فإنه لا يصح فيه لاختلاف أحجاره . والشرط أن يعرف المتعاقدان الصفات التي يختلف بها الغرض من استعمال المسلم فيه بطريق الإجمال كأن يعرفا أن القمح منه بعلي ومنه : مسقي . وأن الغنم منها : " أو سيمي " وصعيدي كمعرفة الأعمى الأوصاف بالسماع ولكن لا بد من وجود عدلين يعرفان الصفات تفصيلا بالتعيين يرجع إليهما عند التنازع فلا بد أن يكون لهما خبرة بصفات المبيع
أو رديء وبيان العد في المعدود والذرع في المذروع ومنها : بيان قدره بالكيل في المكيال والوزن في الموزون والعد في المعدود والذرع في المذروع . ومنها : أن يكون المسلم فيه مؤجلا
الشافعية - قالوا : لا يشترط في المسلم فيه أن يكون مؤجلا بل يصخ أن يكون حالا
إلي أجل معلوم أقله شهر
الشافعية - قالوا : أقل الاجب ما يزيد على نصف شهر " خمسة عشر يوما " ولو زيادة يسيرة
فلا يصح أن يكون المسلم فيه حالا أما رأس المال وهو الثمن فإنه يشترط فيه الحلول على تفصيل في المذاهب
الحنفية - قالوا : يشترط أن يكون رأس مال السلم " الثمن " مقبوضا في المجلس سواء كان عينا " سلعة معينة " أو كان جنيهات أو غيرها من العملة . ولا يشترط قبضه في أول المجلس بل يكفي أن يقبض قبل التفرق ولو طال المجلس وإذا قاما من المجلس يمشيان ثم قبض المسلم إليه رأس السلم بعد مسافة فإنه يصح إن لم يتفرقا . وكذلك إذا تعاقدا ثم قام رب السلم " المشتري " ليحضر الدراهم من داره فإنه إن لم يغب عن المسلم إليه " يصح وإلا فلا
المالكية - قالوا : إذا تأخر قبض رأس المال وهو المسلم - بفتح اللام - الثمن عن مجلس العقد فلا يخلو : إما أن يكون ذلك التأخير بشرط كأن يشترط المسلم بكسر اللاز " المشتري " تأخيره فسد السلم اتفاقا سواء كان التأخير كثيرا جدا بأن أخره إلى حلول أجل المسلم فيه أو لم يكن كذلك . وإما أن يكون التأخير بلا شرط وفي هذه قولان : أحدهما : فساده سواء كان التأخير كثيرا أو قليلا . ثانيهما : عدم فساده سواء كان التأخير كثيرا أو قليلا
الحنابلة - قالوا : يشترط قبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل التفرق ويقوم مقام القبض ما كان في معناه كما إذا كان عند المسلم إليه أمانة أو عين مغصوبة فإنه يصح أن يجعلها صاحب السلم رأس مال ما دامت ملكا له لأن ذلك في معنى القبض
الشافعية - قالوا : يشترط قبض راس المال في المجلس قبضا حقيقيا فلا ينفع فيه الحوالة ولو قبضه من المحال عليه في المجلس لأن المحال عليه ما دفعه عن نفسه إلا إذا قبضه رب السلم وسلمه بنفسه للمسلم إليه . وإذا كان رأس المال منفعة كما إذا قال له : أسلمت إليك داري هذه لتنفع بها في عشرين نعجة آخذها في وقت كذا فإنه يصح ولكن يشترط أن يسلمها له قبل أن يتفرقا وهذا وإن لم يكن قبضا حقيقيا كما هو الشرط إلا أن تسليمها هو الممكن في قبضها فكان بمنزلة القبض الحقيقي وليس معنى القبض في المجلس أن يحصل القبض قبل الانتقال من مجلس العقدن بل معناه أن يحصل قبل تفرقهما بأبدانهما فلو فاما ومشيا مسافة ثم حصل القبض قبل أن يتفرقا فإنه يصح
ومنها غير ذلك مما هو مفصل في المذاهب
الحنفية - قالوا : شروط السلم تنقسم إلى قسمين : قسم منها يرجع إلى العقد وقسم يرجع إلى البدل . فأما الذي يرجع إلى العقد فهو شرط واحد وهو : أن يكون العقد عاريا عن شرط الخيار للعاقدين أو لأحدهما . أما إذا كان رأس المال مستحقا للغير وليس ملكا لرب السلم فدفعه إليه في المجلس ثم تفرقا فللمالك الخيار في إجازة العقد أو فسخه فلو أجازه صح السلم وأما الذي يردع إلى البدل فهو خمسة عشر شرطا . منها ستة في رأس المال وعشرة في المسلم فيه
فأما الستة التي في رأس المال فهي أولا : بيان جنسه إن كان من النقدين الجنيهات أو غيرها من أنواع العملة . أو كان عينا كالقمح أو الشعير أو غير ذلك . ثانيا : بيان نوعه كأن يبين أن هذا الجنيه " مصري أو انكليزي " أو هذا القمح " بعلي أو مسقي " . ثالثا : بيان صفته كأن يقول : هذا جيد أو رديء أو متوسط . رابعا : بيان قدره كأن يقول : خمسة جنيهات أو عشرة أرادب من القمح أو الشعير . وهل تقوم الإشارة مقام بيان القدر أو لا ؟ والجواب أنها تقوم مقامه إذا كان الثمن من المذروعات أو المعدودات المتفاوتة . فإذا قال له : أسلمت إليك هذا الثوب أو هذه الكومة من البطيخ في كذا فإنه يصح وإن لم يبين عدد أذرع الثوب ولا عدد الكومة من البطيخ . أما إذا كان الثمن من المكيلات أو الموزونات فإن فيه خلافا : فقيل : الإشارة تكفي وقيل : لا تكفي ولا بد من بيان القدر . خامسا : أن يكون مقبوضا في مجلس السلم وقد تقدم . وأما العشرة التي في المسلم فيه فمنها الأربعة الأول التي في رأس المال وهي : بيان الجنس والنوع والوصف والقدر . والخامس : أن يكون مؤجلا وقد تقدم بيانه . والسادس : أن يكون الصنف موجودا في الأسواق وسيأتي . السابع : أن يكون مما يتعين بالتعيين وقد تقدم : الثامن : بيان مكان الدفع فيما يحتاج إلى نفقات كالبر ونحوه . التاسع : أن لا يشمل البدلان على علة ربا والفضل وهي القدر والجنس كما تقدم . والعاشر : أن يكون من الأجناس الأربعة المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة والذرعيات . رابعا : بيان قدره فلا بد أن يكون معلوم القدر بالكيل أو الوزن أن العد أو الذرع فأما المكيلات فإنه يصح فيها السلم سواء كانت حبوبا أو عسلا أو لبنا أو سمنا أو تمرا . وهل يصح أن يسلم فيها بالوزن أو لا ؟ خلاف : المعتمد أنه يصح لأن المعول عليه إنما هو الضبط ولا بد أن يكون قدر المكيال معروفا بين الناس فلا يصح أن يقول له : أسلمت إليك جنيها في 20 قصعة من القمح إذا لم تكن القصعة مكيالا معروفا بين الناس كالكيلة ونحوها . وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم إلا إذا كانت أثمانا وهي النقدان من الذهب والفضة فلا يصح أن تقول : أسلمت إليك هذا الثوب في جنيه زنته كذا آخذه بعد شهر مثلا لأن الجنيه لا يصح أن يكون مسلما فيه لأن شرط السلم أن يكون المسلم فيه مما يتعين بالتعيين وقد عرفت أن النقدين من الذهب والفضة لا تتعين بالتعيين وهل يعتبر ذلك بيعا للثوب بأن يجعل الثوب مبيعا والجنيه ثمنا مؤجلا أو لا ؟ قولان فقيل : يعتبر ورجحه بعضهم . وقيل : لا وصححه بعضهم
وأما المعدودات فإنه يصح السلم في المتقاربة منها كجوز الشام " عين الجمل " فإن آحاده متقاربة حتى إذ استهلك أحد شيئا منها كان لمالكه الحق في أخذ مثله أما المتفاوتة إذا استهلكت فإنه يكون لمالكها قيمتها ومن المتفاوت القرع والرمان فلا يصح أن يقول : أسلمت إليك جنيها في مائة بطيخة أو مائتي رمانة لأن آحاده متفاوتة فلا يمكن ضبطها . ومن المتقارب بيض الدجاج لأنه وإن كان بعضه أكبر من بعض ولكن الكمية التي يحتوي عليها البياض والصفار متقاربة ومثله بيض النعام إذا كان الغرض من شرائه أكله . أما إذا كان الغرض استعمال قشره زينة فإنه يكون متفاوتا لأن بعض قشره كبير وبعضه صغير ومن المعدود المتقارب . الفلوس : " العملة المتخذة من غير الذهب والفضة " كالقروش النيكل والنحاس فيجوز فيها السلم فيصح أن يسلم إليه جنيها في مائة وعشرين قرشا يأخذها بعد شهر
ومن المعدود المتقارب اللبن : الطوب النيء . وكذلك الآخر : والطوب المحروق فيصح أن يقول لأحد العمال : أسلمت إليك جنيها في ألفين من الأخضر . ولكن يشترط أن يبين صفة القالب الذي يضرب به كأن يقول : حجمه كذا طولا وعرضا وكذلك يبين مكان الأرض التي يضرب الطوب عليها كما يبين العدد
وأما المذروع الذي يباع بالذراع كالقماش والبسط والحصر فإنه يصح فيها السلم أيضا بشروط : الأول : أن يبين مقدار طوله وعرضه
الثاني : أن يبين صفته كأن يقول : ثوب غير مخيط من قطن أو كتان أو صوف أو حرير مركب من نوعين مختلفين
الثالث : أن يبين محل صنعه كأن يقول : قطنية شامية أو مصرية . أو يقول : مقطع سكاروت ياباني أو هندي أو ملاءة محلاوي أو إخميمي ونحو ذلك . وإن كان حريرا فينبغي أن يبين زنته مع عدد الأذرع لأن الوزن له مدخل في اختلاف الثمن فإن الديباج وهو نوع من الحرير كلما ثقل وزنه زادت قيمته وبالعكس غيره من أنواع الحرير
ويصح السلم في السمك القديد الذي فيه الملح " البكلاه " ثم إن كان كبيرا فإنه يصح فيه السلم بالعدد وإن كان صغيرا فإنه يصح فيه وزنا وكيلا فيصح أن يسلمه جنيها فأكثر على أن يأخذ به عددا معينا من سمك البطلاه الموصوف بالأصناف التي تعينه كفرنساوي أو انكليزي إذا كان كبيرا أما إذا كان صغيرا " كالسردين " المقدد المملوح فإنه يجوز وزنا وكيلا وكذلك يصح السلم في السمك الطري " الطازة " ولكن إن كان لا ينقطع في وقت من الأوقات صح فيه بدون قيد . أما إن كان ينقطع في بعض الأحيان كالجهات التي يتجمد فيها الماء في الشتاء فلا يوجد فيها السمك فإن الأجل يجب أن يكون ملاحظا فيه وجود السمك فلا يصح امتداده إلى الزمن الذي ينقطع فيه
ولا يصح السلم في الحيوان مطلقا وهل يصح في أطرافه بعد ذبحه كالأكارع ؟ خلاف : المشهور أنه لا يصح أيضا كالحيوان وقال بعضهم : لا بأس به وزنا بعد ذكر النوع وباقي الشروط . وكذلك اللحم فإن فيه خلافا والفتوى على أنه يصح فيه السلم . ولا يصح السلم في الحطب بالحزمة كأن يقول له : أسلمتك جنيها على أن آخذ به مائة حزمة لعدم ضبط ويصح فيه وزنا . وكذلك لا يصح السلم في الحشائش الخضراء التي ترعاها الدواب كالبرسيم ونحوه بالقت والقتة : الحزمة . وإذا ضبط بما لا يؤدي إلى نزاع فإنه يجوز . ولا يصح السلم في العقيق والبلور ونحوهما لتفاوت آحادهما تفاوتا كبيرا . وكذا لا يصح في اللآلئ الكبار أما اللآلئ الصغيرة التي تباع وزنا فإنه يصح فيها السلم فيجوز أن يقول للصائغ ونحوه : أسلمتك مائة جنيه في لؤلؤة صفتها كذا وزنتها كذا
الحنابلة - قالوا : شروط السلم سبعة : أحدها : أن يصف المسلم فيه بما يختلف به الثمن اختلافا ظاهرا بأن يذكر جنسه ونوعه ولونه وبلده وكونه قديما أو جديدا
ثانيها : أن يذكر قدره وقد تقدم ولا بد أن يكون المكيال معروفا عند العامة
ثالثها : أن يشترط أجلا معلوما . رابعا : أن يكون المسلم فيه كثير الوجود في وقته . أما إن كان نادرا كالعنب في غير وقته فإنه لا يصح خامسها : أن يكون رأس المال مقبوضا في مجلس العقد وقد تقدم . سادسها : أن يكون المسلم فيه دينا في الذمة فإذا أسلم في دار أو عين موجودة فإنه لا يصح . السابع : أن يكون المسلم إليه من الأمور التي تضبط صفاتها كالمكيلات والموزونات والمعدودات والمذروعات . فأما المكيلات فيصح السلم فيها سواء كانت حبوبا أو غيرها كالألبان والأدهان والعسل ونحوه . فإن أسلم في حبوب فإنه يشترط أن يصفه بأربعة أمور :
أحدها : ذكر النوع فيقول مثلا : قمح مواني أو بعلي أو غيره
ثانيها : ذكر البلد فيقول : قمح بحيري أو صعيدي أو هندي أو استرالي
ثالثها : ذكر قدر الحب من صغر أو كبر
رابعها : ذكر القديم والجديد وكذلك العدس فإنه يشترط ذكر نوعه كصحيح أو مدشوش وبلده كإسناوي أو غيره وكونه قديما أو جديدا وكون حبه كبيرا أو صغيرا أو سليما أو مكسرا وهكذا سائر أصناف الحبوب
ولا يصح السلم في القمح إلا إذا فصل من تبنه ومثله باقي الحبوب
وإذا أسلم في تمر فإنه يشترط أن يذكره فيقول : تمر ويذكر نوعه فيقول : زغلول أو سمان ويذكر قدر حبه صغيرا أو كبيرا ويذكر لونه فيقول : أحمر أو أصفر ويذكر بلده فيقول : واحي أو أسيوطي ويذكر حداثته وقدمه فيقول : جديد أو قديم ويذكر جودته وردائته فيقول : جيد أو رديء
ومثل التمر اليابس الرطب فينبغي وصفه بهذه الأوصاف
وإذا أسلم في عسل فينبغي أن يذكر فيه بلده كمصري أو غيره وأن يذكر زمنه فيقول : ربيعي أو صيفي ويذكر لونه فيقول : أبيض أو أسود ويذكر جودته وردائته وأنه مصفى من الشمع أو لا
[ يتبع . . . ]
وإذا أسلم في سمن فينبغي أن يضبطه بالنوع يقول : سمن ضأن أو معز أو بقر أو جاموس وباللون فيقول : أبيض أو أصفر أو أخضر وبالجودة والرداءة فيقول : جيد أو رديء . وبالمرعى فيقول : بحيري أو صعيدي لأن قيمة الثمن تختلف باختلاف المرعى ولا حاجة إلى ذكر القديم والحديث لأن القدم عيب في السمن يرد به ويصف الزبد بأوصاف السمن ويزيد زبد يومه أو أمسه وإذا أسلم في لبن فإنه يضبطه بذكر النوع فيقول : لبن ضأن أو معز أو جاموس أو بقر ويذكر المرعى ولا يحتاج إلى ذكر اللون ولا إلى ذكر اليوم أو الأمس لأنه إذا أطلق ينصرف إلى اليوم وأما الموزونات فإنه يصح فيها السلم سواء كانت خبزا أو فاكهة أو لحما نيئا ولو مع عظمه أو رصاصا أو نحاسا أو غير ذلك . فإذا أسلم في لحم فينبغي بيان قدره أولا وبيان نوعه من بقر جواميس أو ضأن أو معز وبيان سنه وبيان ذكورته وأنوثته وبيان كونه خصيا أو غيره وبيان كونه رضيعا أو فطيما معلوفا أو راعية سمينا أو هزيلا . فإن كان السلم في لحم طير فإنه لا حاجة فيه إلى ذكر الأنوثة والذكورة إلا إذا كانت تختلف قيمته بهما كلحم الدجاج فإن لحم الديك أقل من لحم الأنثى فيه ولا حاجة إلى أن يبين موضع القطع فيقول : من الفخذ مثلا إلا إذا كان الطير كبيرا يؤخذ منه بعضه كلحم النعام فإنه يبين موضع القطع لاختلاف العظم ولا يصح السلم في اللحم المطبوخ ولا اللحم المشوي
وإذا أسلم في الخبز فينبغي أن يذكر كونه خبز بر أو شعير أو دخن أو ذرة ويذكر اليبوسة والرطوبة واللون
وإذا أسلم في السمك فينبغي أن يذكر نوعه فيقول : من النهر أو من البركة وأن يذكر صنفه فيقول : بوري أو بلطي مثلا وأن يذكر كبره أو صغره وسمنه وهزاله وأن يذكر كونه طريا أو مملوحا " بكلاه "
وإذا أسلم في رصاص أو نحاس أو حديد فإنه يضبطه بذكر نوعه ولونه إن كان يختلف به ثمنه كالنحاس الأصفر والأحمر والأبيض وذكر نعومته وخشونته ويزيد في الحديد كونه ذكرا أو أنثى إن كان العرف على أن ثمنه يختلف باختلاف ذلك ولا يصح السلم في الفلوس وزنا بشيء موزون فإن كانت الفلوس وزنية فلا يصح أن يسلم فيها شيئا يباع بالوزن كأن يقول أسلمت إليك ثوبا من الحرير زنته كذا في مائتي قرش من النيكل مثلا فإنه لا يصح لتحقق علة ربا النسيئة فيهما وهو الوزن إذ لا يحل بيع موزون بموزون مع التفاضل نسيئة . أما إن كان الفلوس عددية فإنه يصح السلم فيها على الأصح ولو كانت مستعملة لأنها عرض لا ثمن كما تقدم وقيل لا يصح على أنه يصح في الأثمان الخالصة بشرط أن يكون رأس المال غير سلم فيصح أن يقول له أسلمتك هذا الثوب في جنيه آخذه بعد شهر . أما إذا قال له : أسلمتك هذا الجنيه في ستة من " الريالات " آخذها بعد شهر مثلا فإنه لا يجوز لأنه يكون ربا
وأما المعدود المختلف الذي تتفاوت آحاده فإنه لا يصح السلم فيه إلا في الحيوان لأنه هو الذي يمكن ضبط صفاته فلا يصح في بيض ولا رمان ولا بطيخ إلى غير ذلك من الأشياء المختلف آحادها التي تباع عدا وقيل يصح في المتقارب منها كالجوز الشامي وبيض الدجاج . وينضبط الحيوان بذكر سنه وذكورته وأنوثته وسمنه وهزاله . وكونه راعيا معلوفا بالغا أو صغيرا ولونه إن كان نوعه مختلف اللون كالغنم البيضاء أو السوداء أو الحمراء وتضبط الإبل بأربعة أوصاف :
النتاج فيقول : من نتاج بني فلان والسن فيقول : بنت مخاض مثلا واللون فيقول : بيضاء أو حمراء أو زرقاء . والأنوثة فيقول : ذكرا أو أنثى
وتضبط الخيل بأوصاف الإبل الأربعة المذكورة ولا بد من ذكر نوعها فيقول في الإبل : بختية أو عرابية ويقول في الخيل : عربية أو هجين أو برذون ويقول في الغنم : ضأن أو معز إلا البغال والحمير فإنه لا أنواع لها
ويضبط اللبن " الطوب النيء " بالتراب الذي يضرب منه والثخانة
وأما المذروع كالثياب فإنها تنضبط بذكر نوعها فيقول : كتان أو قطن أو حرير . أو صوف وبذكر بلدها فيقال قماش مصري أو شامي ويذكر طولها أو عرضها وصفاقتها ورقتها وغلظها ونعومتها وخشونتها ولا يذكر زنتها فإن ذكرها لم يصح السلم
وبالجملة فإنه ينبغي أن يذكر في كل نوع من هذه الأنواع الصفة التي يترتب على ذكرها وعدمه اختلاف في الثمن اختلافا ظاهرا
وإذا أسلم فيما يباع كيلا بالوزن كأن قال : أسلمتك جنيها في قنطارين من القمح فقيل : يصح وقيل : لا . واختار الأول كثير لأن الغرض معرفة القدر والمكان وذلك متحقق
المالكية - قالوا : شروط صحة السلم الزائدة على شروط صة البيع سبعة : الشرط الأول : قبض رأس المال كله وقد تقدم الكلام في جواز تأخيره وعدمه ويجوز شرط الخيار في رأس المال أو في المسلم إليه قبل قبض المال مدة ثلاثة أيام لا أكثر . ولو كان رأس المال دارا على المعتمد . فإن نقد رأس المال فسد العقد بشرط الخيار . وذلك لأنه بعد أن يقبض المسلم إليه الذي هو في حكم البائع رأس المال الذي هو في حكم الثمن مع شرط الخيار كان رأس المال مترددا بين كونه سلفا يصح أن يأخذه من دفعه وبين كونه ثمنه فلا ينعقد السلم . وإذا شرط نقد رأس المال مع شرط الخيار بطل العقد أيضا وإن لم ينعقد بالفعل لأن المشروط لازم للشرط حتى ولو نزل عن الشرط فإن العقد لا يرجع صحيحا وإذا تطوع رب السلم ونقده رأس المال فإن كان معينا كثوب معين أو حيوان معين فإنه يصح . أما إن كان غير معين كالجنيه فإنه لا يصح
ويصح أن يكون رأس المال منفعة شيء معين كسكنى دار أو استخدام حيوان فإذا قال له : أسلمتك سكني داري مدة كذا في عشرين نعجة آخذها بعد شهر مثلا فإنه يصح . أما جعل المنفعة بدلا عن الدين فإن فيها خلافا فإذا كان له عند نجار مثلا دينا فكلفه بعمل صندوق واحتسب له ذلك الدين . قيل : يصح وقيل : لا . ولا بد من قبض الدار التي جعلت منفعتها رأس مال قبل تمام أيام ثلاثة . أما الحيوان فيجوز تأخيره أكثر بدون أن يشترط التأخير لأن الحيوان يجوز تأخيره كذلك سواء جعل هو رأس المال أو جعله منفعة أما إذا اشترط التأخير فإنه لا يجوز
الشرط الثاني من شروط السلم : ما اشتمل على نفي خمسة أشياء :
أحدها : أن لا يكون رأس المال والمسلم فيه طعامين سواء كانا متحدي الجنس أو لا فلا يصح أن يقول : أسلمتك إردب قمح في إردب قمح كما لا يصح أن يقول : أسلمتك إردب قمح في إردب فول آخذه بعد شهر مثلا لأن في هذا ربا النساء فإذا قالله : أسلمتك إردب قمح في إردب ونصف قمح آخذه بعد شهر كان فيه ربا فضل ونساء فإذا وقع بلفظ القرض بدون زيادة جاز كأن يقول له : أقرضتك إردب قمح آخذه بعد شهر
ثانيها : أن لا يكونا نقدين فلا يصح أسلمتك جنيها في جنيه كما لا يصح أسلمتك جنيها في " خمسة ريالات " وإنما لا يصح لعلة الربا المذكورة والفلوس الجدد في باب السلم مثل النقدين فلا يجوز سلم بعضها في بعض فلا يجوز أنيقول : أسلمتك عشرين قرشا في عشرين قرشا من النحاس
ثالثا : أن لا يكون رأس المال أقل من المسلم فيه إذا كان من جنسه فلا يصح أن يقول : أسلمتك هذا الثوب في ثوبين من جنسه أو أسلمتك قنطارا من القطن في قنطارين أو إردبا من الجبس في إردبين . إلا إذا اختلفت المنفعة في أفراد الجنس الواحد بحيث تعادل منفعة الواحد منفعة الاثنين كالحمار السريع المشي فإنه يصح أن يكون سلما في حمارين ضعيفين مشيهما بطيء وكالحصان الذي يسبق غيره أكثر منه غير سابق وكسيف قاطع جيد في سيفين أقل منه أما الجنسان المختلفان فإنه يجوز أن يسلم أحدهما في الآخر ولو كانت منفعتهما متقاربة كثوب رقيق من القطن وثوب غليظ . فإنه يصح أن يجعل أحدهما رأس مال السلم والآخر مسلما فيه
رابعها : أن لا يكون رأس المال رديئا والمسلم فيه جيدا إذا كانا من جنس واحد فلا يصح أن يقول له : أسلمت إليك قطنية شامية في قطنية بلدية آخذها بعد شهر . أو يقول له : أسلمتك قنطارا من الكتان الأسمر في قنطار من الكتاب الأبيض الناصع آذه بعد شهر إلا إذا اختلفت المنفعة بحيث تكون منفعة الشيء الواحد من الجنس تعادل اثنين كالقطن " السكلاريدس " فإن القنطار الواحد من الثاني يعادل اثنين من الأول فيصح أن يسلم الواحد في اثنين
خامسها : أن لا يكون رأس المال جيدا والمسلم فيه رديئا فلا يصح أن يسلم إردبا من القمح في إردب من الشعير ولا ثوبين في ثوب لأنه يكون من باب الضمان بجعل وذلك لأن المسلم إليه ضمن لرب السلم الثوب الذي لا يدفعه له في الوقت الذي أجل إليه في نظير الثوب الذي يأخذه الآن وهو ممتنع أو ضمن له إردب الشعير في نظير المنفعة التي يأخذها زيادة عليه من إردب القمح
الشرط الثالث : من شروط السلم : أن يكون المسلم فيه مؤجلا أجلا معلوما للمتعاقدين وأقله خمسة عشر يوما كما تقدم إلا إذا أسلم في شيء واشترط تسليمه في بلد العقد بمجرد وصوله لذلك البلد ولذلك شروط :
الأول : أن يكون على بعد مسافة يومين من بلد العقد على الأقل وإن لم يلفظ بذكر المسافة فإن كانت أقل فلا بد من التأجيل خمسة عشر يوما
الثاني : أن يشترط العاقدان الخروج من بلد العقد وأن يخرجا فورا بالفعل منها كي يدفع المسلم إليه لرب السلم المسلم فيه بمجرد وصولهما إلى البلد طبقا للشرط فإن لم يشترطا الخروج ولم يخرجا بالفعل فلا بد من التأجيل نصف شهر
الثالث : تعجيل رأس المال في المجلس أو قريبا منه
الرابع : أن يكون سفرهما أو وكيلهما في يومين بالبر أو بباخرة لا تتأثر بالرياح حتى لا يتعطل سيرها
الخامس : أن يخرجا في نفس اليوم الذي حصل فيه العقد فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين التأجيل لمدة خمسة عشر يوما
الشرط الرابع من شروط السلم : أن يضبط المسلم فيه أو رأس السلم بما جرت عادة الناس في الجهة التي وقع فيها العقد أن يضبطوا به من كيل أو وزن أو عد
فالقمح جرت عادة الناس أن يضبطوه بالكيل ومنهم من يضبطه بالوزن فيصح السلم فيه كيلا ووزنا واللحم جرت عادة الناس أنيضبطوه بالوزن فيصح السلم فيه وزنا
والرمان جرت عادة الناس أن يضبطوه بالعد ومنهم من يضبطه بالوزن فيصح السلم فيه عدا ووزنا . ولما كان الرمان مما تتفاوت احاده فيجب أن يقيس طول كل رمانة وعرضها بخيط ونحوه ويحفظ ذلك المقياس ليرجع إليه عند اللزوم وسواء وضع ذلك المقياس عند أمين أو كتب بيانه في ورقة أمضاها العاقدان فإن الغرض من التوثيق يحصل فيصح أن يقول : أسلمك جنيها في قنطار من الرمان كل رمانة سعة هذا الخيط . أو أسلمك جنيها في مائة رمانة حجم كل رمانة كذا طولا وكذا عرضا وعمقا ومثل الرمان البيض
ويصح السلم في الخضر والحشائش كالبرسيم " والدراو " ويضبط بالحمل - بكسر الحاء - كأن يقول له : أسلمتك جنيها في مائة حمل برسيم كل حمل ملء هذا الحبل ويوضع الحبل تحت يد أمين أو يقاس طوله وسمكه بمقياس مخصوص ويكتب في ورقة ومثل ذلك الكراث والكزبرة ولا بد أن تكون آلة الكيل أو الوزن معلومة فإذا ضبط بشيء مجهول كملء هذه القصعة مثلا أو وزن هذا الحجر ولم يكن مقدارا بمعيار مخصوص فإن السلم يفسد
الشرط الخامس : أن يبين الصفات التي تختلف رغبات الناس من أجلها كالصنف والجودة والرداءة والتوسط بينهما واللون إذا كان له دخل في اختلاف قيمة المسلم فيه أو رأس المال فإن رغبة بعض الناس تنبعث إلى لون الغنم البيضاء للانتفاع بأصوافها البيضاء . وبعضهم بالعكس يرغبون في الحمراء أو السوداء فيترتب على ذلك اختلاف في قيمتها . أما إذا لم يترتب عليه اختلاف في القيمة بحسب العرف فلا يشترط ذكره
فإذا أسلم في قمح فإنه يشترط أن يبين قدره بالكيل أو الوزن إن تعارف الناس على وزنه ويبين صنفه فيقول : بعلي أو مسقي ويبين جودته وغيرها ويبين كونه ملآنا أو ضامرا ويبين كونه قديما أو جديدا إن ترتب على ذلك البيان اختلاف الثمن أما بيان لون القمح فليس شرطا لأن ذكر الصنف يغني عنه . وكذا لا حاجة إلى بيان كونه خاليا من الطين أو لا " غلت أو نظيف " لأن هذا يحمل على الغالب المتعارف فإن لم يكن فيحمل على المتوسط . ويندب البيان دفعا للنزاع . ويجب بيان الجهة الوارد منها إذا كان في بلده غير أصناف النابت فيها كالهندس والأسترالي والروسي
وإذا أسلم في حيوان فإنه يشترط أن يبين نوعه هل هو غنم أو بقر ضأن أو معز ؟ ويبين جودته ورداءته ويبين لونه إن ترتب عليه اختلاف في الثمن . وكذلك يبين سنه وكونه ذكرا أو أنثى وكونه سمينا أو غير سمين
وإذا أسلم في تمر فإنه يبين نوعه وجودته ورداءته وكبره وصغره وقدره والجهة التي ورد منها
وإذا أسلم في عسل فإنه يبين نوعه هل هو عسل نحل أو قصب أو بنجر أو سكر ؟ ويبين جودته ورداءته ولونه إن ترتب عليه اختلاف في الثمن . وإن كان عسل نحل فإنه يبين مرعاه لأنه يختلف بذلك طعما فإن الذي يقتطف من زهر الكروم أجود عسلا من غيره وأغلى ثمنا
وإذا أسلم في لحم فإنه يشترط أن يبين نوعه في ضأن أو معز إلخ الصفات المذكورة في الحيوان ويزيد عليها بيانه كونه خصيا أو لا معلوفا أو راعيا . ولا يشترط أن يبين المكان الذي يقطع منه اللحم كالفخذ والذراع . إلا إذا اختلفت الأغراض في ذلك فإنه يجب البيان
وإذا أسلم في سمك فإنه يشترط أن يبين صنفه وجودته ويبين كونه كبيرا أو صغيرا أو متوسطا وبالجملة فينبغي أن يبين في كل نوع ما يضبطه من الصفات التي يترتب عليها اختلاف في الثمن عادة في مكان العقد
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: السلم قسم من أقسام البيع كما تقدم فأركان البيع أركان له وشروطه
الشرط السادس من شروط السلم : أن يكون المسلم فيه دينا في ذمة المسلم إليه فلا يصح أن يكون معينا سواء كان حاضرا كأن يقول : أسلمت إليك جنيها في هذا الثوب الحاضر أو غائبا كأن يقول له : أسلمت إليك جنيها في الثوب الفلاني المعروف لي لأن تعيينه يستلزم أن يبيع شيئا معينا يتأخر قبضه وهو غير جائز فإن لم يكن عنده كان بيعا لشيء غير موجود وهو منهي عنه أيضا والذمة وصف اعتباري يحكم به الشرع ويقدر وجوده في الشخص من غير أن يكون له وجود حقيقي قابل للالتزام كأن يلتزم على نفسه شيئا كضمان ودين وقابل للالتزام من الغير كأن يقول له : ألزمك حق فلان
الشرط السابع : أن يوجد المسلم فيه عند حلول الأجل فلا يصح أن يسلم في فاكهة مثلا مؤجلة إلى زمن لا توجد فيه
الشافعية - قالوا : شرط السلم شروط البيع ما عدا رؤية المبيع فإنها شرط في صحة البيع كما تقدم بخلاف رؤية المسلم فيه فإنها ليست بشرط لأنها رخصة مستثناة من منع بيع المعدوم ويزيد السلم على البيع شروطا أخرى بعضها يتعلق برأس مال المسلم وبعضها يتعلق بالمسلم فيه . وكلها شروط لصحة عقد السلم فلا يصح إذا تخلف شرط منها . فأما التي تتعلق برأس المال فهي شرطان :
الشرط الأول : أن يكون رأس المال مال السلم حالا غير مؤجل فلا يصح تأجيله
الثاني : تسليمه بالمجلس وقد تقدم قريبا لأنه لو تأخذر يكون بيع دين بدين ولا فرق في ذلك بين أن يكون رأس المال عينا أو منفعة كأن يقول : أسلمت إليك سكنى داري مدة كذا في كذا من الغنم فلا بد من تسليمها كما تقدم . وأما التي تتعلق بالمسلم فيه فهي :
أولا : بيان مكان تسليم المسلم فيه إن لم يكن المكان الذي حصل فيه العقد صالحا للتسليم سواء كان السلم حالا أو مؤجلا . أما إذا كان المكان صالحا للتسليم فإن كان نقله يحتاج إلى نفقات وجب البيان في السلم المؤجل دون الحال . وإذا كان نقله لا يحتاج إلى نفقات فلا يجب البيان سواء كان السلم حالا أو مؤجلا . وقد تقدم أن السلم يصح حالا أو مؤجلا
ثانيا : القدرة على تسليم " المسلم فيه " عند حلول الأجل إن كان مؤجلا أو بالعقد إن كان حالا فإذا أسلم في فاكهة وأجلت إلى أمد لا توجد فيه فلا يصح السلم
ثالثا : أن يكون المسلم فيه مقدورا على تسليمه عند وجوبه بلا مشقة عظيمة ويجب التسليم في السلم الحال بالعقد وفي المؤجل بحلول الأجل وهذا الشرط من شروط البيع أيضا فليس بزائد عليها وإنما يترتب عليه شيء آخر زائد على شروط البيع وهو : ما إذا أسلم في شيء يندر وجوده كالجواهر الكبار والياقوت فإنه لا يصح السلم فيها لتعذر وجود الصفات المطلوبة في السلم فيها إذ لا بد من التعرض للحجم والشكل وصفاء اللون ونحو ذلك وهذه الصفات يندر اجتماعها فالشرط أن لا يسلم في شيء يندر وجوده أو يكثر وجوده ولكنه ينقطع عند حلول الأجل فلا يصح السلم في الفاكهة ونحوها بعد انقطاعها
فإذا حصل عقد السلم فيما يندر وجوده أو فيما ينقطع عند حلول الأجل كان لرب السلم " المشتري " الحق في الخيارين بين أمرين : فإما أن يصبر حتى يوجد المسلم فيه وإما أن يفسخ العقد وله هذا الحق على التراخي فله أن يستعمله في أي وقت شاء ولو أسقط حقه في الفسخ لم يسقط على الأصح
رابعا : أن يكون المسلم فيه منضبطا فلا يصح السلم فيما تركب من أجزاء مختلفة لا يمكن ضبطها كالكشك والقمح المخلوط بالشعير الكثير والأحذية المبطنة . أما غير المبطنة " كالصنادل " والخف غير المبطن فإنه يصح السلم فيه بشرط أن تكون متخذة من الجوخ ونحوه . أما المتخذة من الجلد فإنه لا يصح السلم فيها لأن الجلد لا يصح فيه السلم . ومن المركب من أجزاء رؤوس الحيوانات المذبوحة فإنه لا يصح السلم فيها ولو بعد تنقيتها من الشعر . ومنه معجون الروائح العطرية الغالية المركبة من نحو مسك وعنبر ودهن فلا يصح السلم فيها
خامسا أن لا يكون المسلم فيه معينا بل دينا لأن السلم موضوع لبيع شيء في الذمة . فإذا قال أسلمت إليك هذا الجنيه في هذا الثوب فإنه لا يصح . وكذلك لا يصح أن يكون جزءا من معين : كأسلمت إليك هذا الجنيه في إردب قمح من هذا الجرن بخصوصه
سادسا : أن يبين جنسه ونوعه ويذكر الصفات التي يترتب عليها اختلاف الثمن عادة فإذا أسلم في حيوان فعليه أن يذكر جنسه ونوعه فيقول : غنما أو بقرا أو إبلا . ثم يذكر سنه ولونه وهل هو ذكر أو أنثى ؟ . ويذكر في الطير زيادة على ذلك كونه صغيرا أو كبيرا أما سنه فلا يلزم ذكره إلا إذا كان معروفا
وإذا أسلم في ثياب فعليه أن يذكر عرضها وطولها ورقتها وثخانتها ونعومتها وخشونتها ويبين إن كانت خاما أو مقصورا
وإذا أسلم في سمن أو زبد فعليه أن يبين قدره وزنا أو كيلا ويبين الحيوان الذي أخذه منه فيذكر إن كان سمن بقر أو غنم أو جاموس أو جمال ويبين كونه جديدا أوقديما ومثله الزبد فعليه أن يبين الصفات المذكورة في السمن ويزيد عليها إن كانت جافة أو رطبة
وإذا أسلم في جبن فعليه أن يذكر نوعه فيقول : جبن غنم أو بقر أو جاموس ويذكر صنفه إن كان مأخوذا من الرائب أو الخض أو اللبن ويذكر بلده فيقول : صعيدي أو بحيري ومثله القشدة " القشطة " فيصح السلم فيها مع هذه البيانات
سابعا : أن يكون المسلم فيه معلوم القدر بأن يكون مما يكال أو يوزن أو يعد أو يذرع فإذا أسلم في حبوب فإن عليه أن يذكر قدرها ولا يجوز تعيين مكيال غير معروف القدر ككوز أو قصعة فلو عينه فسد السلم . ويصح السلم فيما يكال بالوزن وعكسه بخلاف ما تقدم في الربا فهنا يصح أن يسلم في الحنطة كيلا ووزنا إن كان ينضبط بالوزن . ومثل الحبوب : الجوز واللوز والفستق والبن فيصح السلم في ذلك كيلا ووزنا . أما المعدود المتفاوت الآحاد فإنه يصح فيه السلم وزنا كالبطيخ والقثاء ونحو ذلك مما هو أكبر من التمر فإنه لا يصح فيه الكيل فيصح أن يسلم فيه بالوزن
ومثل ذلك أيضا الخضر : كالملوخية والبامية والرجلة فإنه يضح فيها السلم وزنا . وكذلك الخشب والدريس والتبن فإنه يصح فيها السلم وزنا ويصح السلم في النقدين " الذهب والفضة " ولكن بالوزن فقط
فإذا جمع بين العدد والوزن فيها فإنه يفسد . ومثلها الجمع بين الوزن والعد فيما تفاوتت آحاده كالبطيخ فلا يصح أن يقول له : أسلمتك هذا الجنيه في مائة بطيخة زنة كل واحدة منها ثلاثة أرطال لأنه يحتاج مع ذلك إلى ذكر حجمها فيتعذر وجوده
ويصح السلم في الطوب بالعد والوزن معا كأن يقول له : أسلمت إليك جنيها في ألف طوبة زنة الواحدة منها رطلان لأن ذلك ليس بمتعذر إذ يمكن وضع قالب بهذا الوزن ومثل الطوب الخشب ثامنا : أن يشترط في عقد السلم الخيار لأحد المتعاقدين أو لهما : لأنه لا يحتمل التأجيل في رأس المال فكيف يصح معه الخيار الذي يترتب عليه عدم الإلزام بقبض رأس المال ؟ ولكن يدخله خيار المجلس لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " وهذا الشرط متعلق بالعقد لا بالمسلم فيه
- موضعات الفقة