الفقه على المذاهب الأربعة

الرھن

مباحث الرهن


تعريفه


الرهن في اللغة معناه : الثبوت والدوام يقال ماء راهن : أي راكد . ونعمة راهنة : أي دائمة وقال بعضهم : إن معناه في اللغة الحبس لقوله تعالى : { كل نفس بما كسبت رهينة } أي محبوسة بما قدمته ومن ذلك قوله عليه الصلاة و السلام : " نفس المؤمن مرهونة بدينه حتى يقضى عنه " فمعنى مرهونة : محبوسة في قبرها والمعنى الثاني لازم للمعنى الأول لأن الحبس يستلزم الثبوت بالمكان وعدم مفارقته أما في الشرع : فهو جعل عين لها قيمة مالية في نظر الشرع وثيقة بدين بحيث يمكن أخذ الدين أو أخذ بعضه من تلك العين ومعنى وثيقة : متوثق بها من وثق كظرف صار وثيقا والوثيق : المحكم فقد توثق الدين وصار محكما بهذه العين وخرج بقوله قيمة مالية في نظر الشرع : العين النجسة والمتنجسة لا يمكن إزالتها فإنها لا تصلح أن تكون وثيقة للدين ومثل ذلك ما إذا كانت طاهرة ولكنها لا تساوي شيئا ماليا على قياس ما تقدم في تعريف البيع


حكمه ودليله


أما حكمه فهو الجواز مثل البيع لأن كل ما جاز بيعه جاز رهنه إلا ما ستعرفه
وأما دليله فقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب : فقد قال تعالى : { وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة } والرهان جمع رهن مثل حبل وحبال . ويجمع على رهن بضم الهاء ومعنى الآية : أن الله تعالى أمر من يتعاقد مع غيره ولم يجد كاتبا يوثق له فليرهن شيئا يعطيه لمن له الدين كي يطمئن الدائن على ماله ويحفظ المدين بما استدان به خوفا على ضياع ماله المرهون فلا يتسامح فيه ويبذر بدون حساب ولا خوف
وأما السنة : فلما روي في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه و سلم : " رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله "
وفي هذا الحديث دلالة على ما كان عليه نبينا صلى الله عليه و سلم من الانصراف عن مظاهر الحياة الدنيا وزخارفها والزهد فيحطامها فرسول الله الذي كانت تهتز لذكره عروش القياصرة وكانت الأموال تجبى إليه كومات مكدسة يرهن ردعه من أجل التافه اليسير الذي تقتضيه ضرورة القوت ما ذاك إلا لأن نفسه الكريمة تأبى أن يكنز شيئا من المال ولو يسيرا فيقسم كل ما يأتي إليه بين الناس ولا يأخذ منه لا قليلا ولا كثيرا . ألا إنه لرسول الله حقا وصدقا . وفي الرهن عند اليهودي دلالة على جواز معاملة أهل الكتاب . وأما لإجماع : فقد أجتمع أئمة الدين على جواز الرهن بالشروط الآتية :


أركان الرهن


أما أركانه فهي



الحنفية - قالوا : للرهن ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأنه هو حقيقة العقد وأما غيره فهو خارج عن ماهيته كما تقدم في البيع



ثلاثة :
الأول : عاقد ويشمل الطرفين : وهو المالك والمرتهن وهو صاحب الدين الذي أخذ الرهن في نظير دينه
الثاني : معقود عليه ويشمل أمرين : العين المرهونة والدين المرهون به الثالث : الصيغة


شروط الرهن


يشترط لصحة عقد الرهن أمور منها : أن يكون الراهن والمرتهن ممن تحققت فيهما أهلية البيع فلا يصح عقد الرهن من مجنون وصبي غير مميز ومنها : غير ذلك على تفصيل مبين في المذاهب



المالكية - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى أربعة أقسام : قسم يتعلق بالعاقدين الراهن والمرتهن . وقسم يتعلق بالمرهون وقسم يتعلق بالمرهون به وهو دين الرهن . وقسم يتعلق بالعقد فأما الأول : فهو كل من يقع بيعه صحيحا فكذلك يقع رهنه . وكل من يقع بيعه لازما فكذلك يقع رهنه فيشترط لصحة الرهن أن يكون الراهن مميزا فلا يصح من مجنون ولا من صبي غير مميز . أما الصبي المميز والسفيه ونحوهما فإن رهنهم يقع صحيحا ولكن لا يكون لازما إلا إذا أجازه الولي ويشترط أن يذكر ذلك في صلب عقد البيع أو القرض كأن يقول : بعتك هذه السلعة بثمن قدره كذا مؤجلا لمدة كذا برهن كذا أو أقرضتك مبلغ كذا إلى أجل كذا برهن كذا على أن هناك فرقا بين البيع وبين الرهن في حالة المرض فإن المريض إذا استدان وهو سليم فلا يصح أن يرهن في نظير الدين وهو مريض بخلاف البيع فإن له أن يقترض مالا وهو سليم ثم يبيع به عينا وهو مريض :
أما إذا استدان وهو مريض فله أن يرهن في نظير ذلك الدين وهو مريض كما أن له بيعه . ويشترط للزوم الرهن التكليف فلا يلزم من الصبي كما ذكر آنفا . والرشد فلا يلزم رهن السفيه إلا بإذن الولي ويتضح من هذا أنه يجوز للولي سواء كان أبا أو وصيا أو قاضيا أن يرهن مال المحجور عليه الذي له عليه ولاية بشرط أن يكون ذلك في مصلحة المحجور عليه . كأن يرهنه لكسوته أو لطعامه أو لتعليمه إذا لم يجد شيئا غير ذلك . أما إذا كان الرهن لمصلحة الولي فإنه يقع باطلا ولا يلزم الولي ونحوه بيان السبب في الرهن . أما البيع فإنه لا يصح له أن يبيع مال المحجور عليه إلا بعد أن يثبت أن ذلك فيه مصلحة للمحجور عليه عند الحاكم
وإذا كان للمحجور عليه وصيان فإنه لا يصح لأحدهما أن ينفرد برهن مال المحجور عليه بدون الاتحاد مع الآخر كما لا يصح له أن ينفرد ببيعه . وأما القسم الثاني وهو ما يتعلق بالمرهون : فهو أن ما يصح بيعه يصح رهنه وبالعكس . فلا يصح رهن النجس كجلد الميتة ولو بعد دبغه ولا رهن الخنزير ولا الكلب لأنه لا يجوز بيع ذلك . وكذلك الخمر سواء كانت ملكا لمسلم ورهنها عند مسلم أو ذمي أو كانت ملكا لذمي ورهنها عند مسلم . فإن رهنها فاسد على أي حال على أنه يستثنى من قاعدة كل ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه : الأشياء التي بها غرر كالثمرة التي لم تخلق والجنين الذي في بطن أمه والثمر قبل بدو صلاحه ونحو ذلك مما فيه غرر " أي خطر " بمعنى أن وجوده غير متحقق فقد يوجد لا يوجد فإنه لا يصح بيعه ولكن يصح رهنه
فأما الذي فيه غرر شديد كالجنين في بطن أمه والثمرة التي لم توجد ففيه خلاف فقيل : لا يجوز رهنه كما لا يجوز بيعه وقيل : يجوز رهنه ولو عدة سنين . ومحل الخلاف ما إذا اشترط الراهن في عقد البيع أو القرض كأن قال له : بعتك هذه السلعة بثمن إلى أجل بشرط أن ترهن لي الجنين الذي في بطن الناقة أو ثمر حديقتك سنتين قبل أن يخلق . ومثل ذلك ما إذا قال له : أقرضتك كذا الخ أما إذا لم يشترط الرهن في عقد البيع أو القرض . بل باع لأجل أو أقرضه لأجل ولم يشترط رهن الجنين فإنه يجوز له أن يرهنه بعد ذلك بلا خلاف
وأما الذي غرره غير شديد كالثمر قبل ظهور صلاحه فلا خلاف في جواز رهنه فإذا رهن الثمرة قبل بدو صلاحها فإنه ينتظر بدو صلاحها ثم يبيعها في الدين . وإذا مات الراهن أو أفلس قبل ظهور الصلاح وكان عليه دين لغير المرتهن وعنده مال آخر غير المرهون فإن للمرتهن أن يتشرك مع الغرماء بجميع دينه في المال الذي تركه غير المرهون لأن الدين متعلق بالذمة لا بالعين المرهونة وما دامت غير صالحة ووجد ما يفي لغيره من أرباب الديون فإن له الحق أن يسترك معهم في ذلك حتى إذا ظهر صلاح الثمرة بيعت واختص بثمنها إن وفى دينه ورد ما أخذه أولا وإن زاد رد الزيادة وإن نقص استوفى ماله والفرق بين حالة البيع وحالة الرهن : أن المالك له أن يقرض ماله أو بيعه لأجل بدون أن يرهن شيئا أصلا فيصح له أن يرهن شيئا محتمل الوجود والعدم لأنه خير من لا شيء على كل حال . ويشترط أن يكون الدين عينا فيصح رهن الدين بالدين سواء كان للمدين نفسه أو لغيره . ويشترط في رهن الدين للمدين : أن يكون أجل الدين الذي جعل رهنا أبعد من أجل الدين الذي هو سبب في الرهن أو مساويا له . فإن كان أقرب منه فإنه لا يصح . مثاله : أن يشتري شخص من آخر قمحا مثلا بمائة جنيه بثمن مؤجل إلى ثلاثة أشهر . أو كان للمشتري على البائع دين اقترضه منه أو اشترى به سلع ويحل دفعه بعد ثلاثة أشهر أو أربعة فإنه يصح أن يجعل الدين الذي له رهنا في الدين الذي عليه . أما إن كان الدين له وهو ما جعل رهنا أجله أقرب أو حل فإنه لا يصح جعله رهنا لأنه بعد حلول أجله يكون بقاؤه عند المدين سلفا في نظير بيعه القمح واجتماع بيع وسلف " باطل لما يجر إليه من الربا "
أما رهن الدين بغير المدين وهو ما إذا كان لزيد مائة جنيه على عمرو وكان لعمرو مائة على خالد فإنه يصح لعمرو أن يرهن ماله من الدين على خالد لزيد في دينه الذي عليه وذلك بأن يسلم عمرا وثيقة الدين على خالد حتى يقبضه دينه
ولا يشترط في صحة الرهن أن يكون المرهون مقبوضا كما لا يشترط القبض في انعقاده ولزومه فيصح الرهن وينعقد ويلزم وإن لم يقبض المرتهن المرهون بل يتحقق الرهن بالإيجاب والقبول فليس للراهن أن يرجع بعد ذلك وعلى المرتهن أن يطالب بالقبض
ولا يشترط أن يكون المرهون غير مشاع بل يصح رهن المشاع كما تصح هبته وبيعه ووقفه سواء كان عقارا أو عروض تجارة أو حيوانا فإذا كان لشخص دين على آخر فله أن يرهنه جزءا مشاعا من داره مقابل ذلك الدين ولو كانت الدار ملكا للراهن كما أن له أن يرهنه نصيبه المشاع في دار له شريك فيها إلا أنه إذا رهن جزءا شائعا من دار يملكها جميعها . فإن المرتهن يضع يده عليها كلها لأن الراهن لو وضع يده معه لكانت يده ممتدة إلى الجزء الشائع أيضا فيبطل الرهن لأن من شروط صحته أن لا يكون للراهن عليه يد
ولا يشترط أن يستأذن الراهن شريكه في رهن نصيبه إنما يندب له ذلك كما أن لشركيه الحق في أن يقسم ولكن بإذن الراهن وله أنيبيع بدون إذنه
ويصح رهن المستعار كأن يستعير شخص من آخر عينا ليرهنها في دين عليه فإن وفى المستعير دينه رجعت العين المستعارة لصاحبها وإلا بيعت في الدين المرهونة بسببه ورجع صاحبها وهو المعير بقيمة العين على الذي استعارها وتعتبر القيمة يوم إعارتها وإذا استعار سلعة على أن يرهنها في ثمن قمح فرهنها في ثمن لحم كان عليه ضمانها لتعديه بمخالفته لما وصفه لصاحبها وللمعير أن يأخذها من المرتهن وتبطل العارية
ويصح رهن الشيء المستأجر عنده من استأجره له قبل مضي مدة الإجارة فإذا استأجر دارا من شخص لمدة سنة ثم رهنها منه قبل مضي تلك المدة فإنه يصح ووضع يده عليها أولا يعتبر قبضا لها
ويصح رهن المكيل والموزون والمعدود بشرط أن يجعل في مكان مغلق عليه طابع " ختم " بحيث لو فتح مكانه يعرف فإذا لم يطبع عليه لا يصح رهنه خوفا من أن يجعل الدين الذي أخذه الراهن سلفا وأن السلعة التي رهنها هي رهن صوري وإنما هي فائدة للمدين فيكون ربا . وإذا وضع المكيل والموزون عند أمين : لا يشترط طبعه . وأما القسم الثالث وهو ما يتعلق بدين الرهن : فيشترط فيه أن يكون الدين لازما حالا أو مالا فيصح الرهن في الجعل وهو ما يجعله الإنسان لآخر في نظير عمل فإذا قال له : ابن لي هذه الدار بمائة فإنه يصح أن يرهنه في نظيرها عينا لأن المائة وإن لم تكن دينا لازما ابتداء ولكن مآلها إلى اللزوم / وخرج بالدين : الوديعة ونحوها مما ليس بدين فإنه لا يصح أن يرهن لمودع عنده عينا للمودع مقابل وديعته لأن الوديعة ليست دينا عنده
ويصح أن يبيع شخص شيئا لآخر بثمن مؤجل ثم يرهن في نظير ثمنه شيئا كما يصح للأجير أن يأخذ رهنا في أجر عمله الذي يشرع فيه لأنه دين لازم مآلا كالحداد والنجار والبناء . وكذلك يصح لمن يستأجر على عمل أن يأخذ رهنا من العامل الذي أعطاه أجره حتى يتمه له . ويصح أن يرهنه شيئا مقابل الوعد بإعطائه قرضا كأن يقول له : خذ هذا رهنا عندك في نظير ما أقترضه منك أو ما يقترضه منك فلان أو في نظير ما تبيعه لي أو تبيه لفلان فالرهن صحيح لازم لأنه ليس من شرط صحة الرهن أن يكون الدين ثابتا قبل الرهن ولكن لا يستمر لزومه إلا إذا حصل قرض أو بيع في المستقبل فإن لم يحصل كان للراهن أخذ رهنه . وأما القسم الرابع وهو ما يتعلق بالعقد : فهو أن يشترط شرطا منافيا لمقتضى العقد مثلا : عقد الرهن يقتضي أن المرهون يقبض من الراهن وأنه يباع إذا لم يوف الراهن الدين فإذا شرط الراهن أن لا يقبض منه وأن لا يباع في الدين الذي رهن فيه كان ذلك الشرط مناقضا لما يقتضيه عقد الرهن فيبطل
الحنفية - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى ثلاثة أقسام
- 1 - شرط انعقاد
- 2 - شرط صحة . ويسمى الجواز
- 3 - شرط لزوم . فأما القسم الأول وهو شرط الانعقاد : فهو أن يكون المرهون مالا وأن يكون المرهون به المقابل له وهو دين الرهن مضمونا فمثال ما ليس بمال : الميتة والدم ونحوهما من كل ما لا يعتبره الشرع مالا فلا يصح أن يكون شيء منه مرهونا : ومثال المرهون به غير المضمون : الأمانات . والوديعة . فإذا وضع شخص عند آخر أمانة فلا يصح أن يرهن بها عينا فإذا فعل ذلك وقع الرهن باطلا لأن الأمانة إذا هلكت عند الأمين بآفة سماوية فلا يضمنها ولا يلزم بشيء لصاحبها وإذا استهلكت بفعل فاعل لم تكن أمانة وإنما تكون مغصوبة وعلى كل حال فلا تصلح بعنوان كونها أمانة أن تكون سببا في الرهن . ومثل الأعيان غير المضمونة : الأعيان الشبيهة بالمضمونة وتسمى الأعيان المضمونة بغيرها كالمبيع قبل قبضه فإذا باع شخص لآخر سلعة ولم يقبضها المشتري فإنه لا يجوز للبائع أن يرهن للمشتري سلعة أخرى في مقابلها حتى يسلمها له فإذا فعل يقع الرهن باطلا لأن المبيع إذا هلك في يد البائع لا يكون مضمونا عليه بغير الثمن بمعنى أنه يرد الثمن على المشتري إن كان قد قبضه فإن لم يكن قد قبضه فإنه يسقط ولا شيء عليه . وبعضهم يقول : إن الرهن جائز وعليه الفتوى لأن المرهون مال والمبيع متقوم مضمون بالثمن فيصح أن يكون سببا في الرهن كالدين
أما الأعيان المضمونة بأنفسها فإنه يصح أن تكون مرهونا بها : وهي الأعيان التي لها مثل كالمكيلات والموزونات والمعدودات والأعيان التي ليس لها مثل ولكن لها قيمة كالحيوان والثوب لأنها إذا هلكت تكون مضمونة بمثلها إن كان لها مثل وبقيمتها إن لم يكن لها مثل
ومن ذلك تعلم أن الأعيان بالنسبة للضمان وغيره ثلاثة أقسام : مضمونة بأنفسها . وهي : المثلية والقيمية ومضمونة بغيرها وهي المضمونة بمثنها وليست مضمونة أصلا
فالمضمونة يصح أن تكون سببا في الرهن بلا خلاف . والشبيهة بالمضمونة فيها الخلاف الذي سمعته وغير المضمونة لا يصح أن تكون سببا في الرهن بلا خلاف . ومن المضمونة العين المغصوبة فإذا باع شخص لآخر عينا مغصوبة ورهن له شيئا في نظيرها حتى يستلمها فإن الرهن يصح لأنها إذا هلكت تكون مضمونة على الغاصب ومثلها العين التي جعلها مهرا أو بدلا عن خلع فإنه يصح أن يرهن شيئا في مقابلها حتى يستلمها صاحبها لأنها مضمونة
ومن الأعيان غير المضمونة : العين المأخوذة بالشفعة فإذا اشترى شخص عينا فطلبها من له حق الشفعة فإنه يجب في هذه الحالة تسليمها ولا يصح للمشتري أن يرهن بها للشفيع عينا حتى يسلمها له وإذا فعل يقع ذلك في الرهن باطلا لأن الرهن يكون قد وقع في مقالبل عين غير مضمونة لأن العين المبيعة ليست مضمونة على المشتري فإذا هلكت في يده قبل أن يستلمها الشفيع فلا شيء عليه
ومثل ذلك الكفالة بالنفس كما إذا كان لمحمد دين على خالد فكفل عمرو شخص خالد على أن يحضره لمحمد بعد سنة مثلا فإن لم يحضره يكون ملزما بالدين الذي عليه فلا يصح لعمرو في هذه الحالة أن يأخذ رهنا من المكفول وهو خالد في نظير هذه الكفالة لأنه لا يجب على خالد دين حتى يأخذ عمرو في نظيره رهنا . فإذا وقع يكون باطلا . وذلك لأن سبب الرهن وهو المرهون به إما أن يكون دينا حقيقة أو دينا حكما
والدين الحكمي : هو الأعيان المضمونة بأنفسها لأنها هي ليست نفس الدين وإنما الدين مثلها أو قيمتها لأنها إذا هلكت كان الواجب المثل في المثلي أو القيمة في القيمي فيصح أن تكون الأعيان المضمونة سببا للرهن كالدين الحقيقي
ولا يشترط في الدين أن يكون مقدما على الرهن بل يصح أن يرهن شيئا في مقابل دين يعده به فإذا وعده أن يقرضه ألفا على أن يرهنه داره فرهنها له على ذلك صح الرهن فإذا دفع له بعض ما وعده به وامتنع فإنه لا يجبر على دفع الباقي . وإذا هلك هذا الرهن في يد المرتهن كان مضمونا عليه بالدين إذا كان الدين مساويا للقيمة أو أقل . أما إذا كان الدين أكثر كان مضمونا بالقيمة . وكذلك يشترط في الدين أن يكون عينا فلا يصح رهن الدين ابتداء أما إذا رهن عينا فباعها المرتهن بإذنه فإن ثمنها يكون رهنا بدلها لأن الثمن وإن لم يكن عينا لكنه يرهنه ابتداء بل هو بدل عن القيمة المرهونة
هذا ويصح رهن الذهب والفضة . فإن رهن كل منهما بجنسه وهلك هلك بمثله وإن رهن بغير جنسه كالذهب بالفضة أو الحنطة وهلك هلك بقيمته
[ يتبع . . . ]
ويصح أن يجعل رأس السلم سببا في الرهن كما يصح أن يجعل المسلم فيه كذلك فإذا أسلم شخص مائة جنيه في مائة إردب من القمح يأخذها بعد سنة ولم يدفع الجنيهات ولكنه رهن في مقابلها داره فإنه يصح لأن الجنيهات دين حقيقي عند المسلم . وكذلك إذا رهن المسلم إليه للمسلم داره حتى يسلمه القمح فإنه يصح
وإذا اشترى شخص من آخر دارا ولكنه خشي أن تكون مملوكة لغيره أو لغيره فيها حق فأخذ منه رهنا على هذا الخوف فإن الرهن يقع باطلا ويسمى رهن الدرك لأن الخوف ليس مالا حتى أن يكون سببا للرهن . وأما القسم الثاني وهو شروط الصحة : فهي ثلاثة أنواع : النوع الأول : يتعلق بالعقد وهو شيئان : الأول : أن يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد . الثاني : أن لا يكون مضافا إلى وقت كأن يقول : رهنتك هذا مدة شهرين أو ثلاثا
والنوع الثاني : يتعلق بالمرهون وهو أمور :
الأول : أن يكون المرهون متميزا فلا يصح رهن المشاع غير المميز سواء كان مشاعا يحتمل القسمة أو لا يحتملها وسواء رهنه من أجنبي أو من شريكه . فإذا كان لشخص دين على آخر وكان شريكا له في دار على الشيوع فإنه لا يصح أن يرهن منه نصيبه في الدار نظير دينه
الثاني : أن يكون المرهون في حياة المرتهن بعد قبضه فلا يصح رهن الثمر على الشجر بدون الشجر كما لا يصح رهن الزرع على الأرض بدون الأرض لأن الشجر المتعلق به الثمر لم يكن في حيازة المرتهن فكذلك الثمر المرهون ومثله الزرع الذي على الأرض إذ لا يمكن حيازة ثمر بدون شجر . ولا زرع بدون الأرض التي عليها . ومعنى في حيازة المرتهن أن لا يكون مجتمعا في يده
الثالث : أن يكون المرهون فارغا غير مشغول بحق الراهن فلا يصح رهن الشجر مع شغله بالثمر الذي هو حق الراه وكذلك لا يكون رهن دار مشغولة بمتاع للراهن ثم استلمها المرتهن قبل إخلائها
الرابع : أن لا يكون المرهون نجسا فلا يصح للمسلم أن يرهن الخمر من مسلم أو يرتهنها كما لا يصح أن يفعل ذلك مع ذمي . وإذا رهن الخمر عند ذمي فأهلكها الذمي فلا ضمان عليه . أما إذا رهنها ذمي عند مسلم فأراقها المسلم أو أضاعها فإن عليه ضمانها للذمي . ومع ذلك فقد قالوا : إن رهنها غير صحيح ومقتضى القاعدة المتقدمة في بيان الرهن الباطل وهي : أن لا يكون المرهون مالا يقتضي صحة رهن الذمي الخمر عند مسلم لأنها مال متقوم عند الذمي ومضمون على المسلم إذا أضاعه
الخامس : أن لا يكون من الأعيان المباحة التي لا يتعلق بها الملك كالأعشاب المباحة للرعي والصيد المباح فإن رهنها فاسد . أما كون الأعيان مملوكة للراهن فليس بشرط في الرهن . فإن للإنسان أن يرهن ملك غيره إذا كانت له عليه ولاية كما إذا رهن الولي مال المحجور عليه لصغر أو سفه أو نحوهما سواء كان أبا أو وصيا عليه فإن الرهن يكون صحيحا ولو كان ذلك لمصلحة الولي كأن يرهن الأرب مال ابنه الصغير في دين على الأب فإنه يصح فإذا هلك الرهن في يد المرتهن قبل أن يفك الأب الرهن ضمنه الأب بالأقل من قيمته ومما رهن به فإذا كانت قيمة المرهون ثلاثين جنيها ورهنه بدين مقداره خمسة وعشرون ضمنه بخمسة وعشرين وبالعكس إذا بلغ المحجور عليه رشده والرهن باق في يد المرتهن فليس له أن يسترد إلا بقضاء الدين ولكن يؤمر الأب بقضاء الدين ورد المرهون على ولده . ولو قضى الولد دين أبيه وافتك المرهون لم يكن متبرعا ويرجع بجميع ما قضى على أبيه
ومثل الأب الوصي إلا أنه هلك المرهون في حالة ما إذا كان الراهن الوصي فإنه يضمنه بقيمته لا بالأقل للفرق الظاهر بين الأب وغيره لا لأن الأب له أن ينتفع بمال ابنه
وكذلك يصح له أن يرهن ملك غير المستعار بإذنه فإذا استعار شخص عينا من صديق أو قريب أو غيرهما ليرهنها في دين عليه فإنه يصح متى رضي له صاحبها بذلك ولا يشترط أن يبين له جنس الرهن ولا قدره ولا أمد أجله فإذا فعل شيئا من ذلك وجب عليه أن يتقيد به فإن خالف فللمعير أن يأخذ ما أعاره ويفسخ الرهن
وبالجملة : فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا أمور : أهمها المشاع والمشغول بحق الراهن والمتصل بغيره كالزرع المتصل بالأرض وقد بينا ذلك
النوع الثالث يتعلق بالعاقدين : وهو العقل فلا يصح الرهن من المجنون والصبي غير المميز . أما الصبي المميز والسفيه اللذان يعرفان معنى المعاملة فإن تصرفهما في ذلك يكون صحيحا بإذن الولي فالبلوغ ليس شرطا في صحة الرهن ومثله الحرية
وحكم الرهن الفاسد : أنه يكون مضمونا بقبضه بخلاف الرهن الباطل فإنه لا يكون مضمونا وأما القسم الثالث : وهو شرط اللزوم : فهو قبض المرهون فإذا حصل الإيجاب والقبول مع شرط الانعقاد انعقد الرهن صحيحا ولكنه لا يكون لازما إلا بالقبض فللراهن أن يرجع في رهنه قبل أن يسلم المرهون فهو نظير الهبة فإن للواهب الحق في الرجوع عن هبته قبل أن يقبضها الموهوب له . أما بعد قبضها فإنه ليس له الرجوع إلا برضا الموهوب له أو بالقضاء كما سيأتي في بابها إن شاء الله
وصحح بعضهم أن القبض شرط في الانعقاد فإذا لم يقبض المرهون كان العقد باطلا ولكن الأول أصح ومن شروط اللزوم أيضا : الرشد والتكليف
ويشترط في القبض إذن الراهن صريحا أو دلالة فالأول كأن يقول للمرتهن : أذنتك بقبض العين المرهونة أو رضيت بقبضها فيجوز للمرتهن بعد التصريح أن يقبضها في المجلس أو بعد الافتراق والثاني كأن يقبض المرتهن العين بحضرة الراهن فيسكت ولا ينهاه وبهذا يكون القبض صحيحا لأن سكوته يدل على الإذن بالقبض وإذا قبض المرهون مع الإخلال بشرط من الشروط السابقة كان القبض فاسدا فلا يلزم به العقد كما إذا كان المرهون مشغولا بحق الراهن أو كان مما لا يمكن حيازته وحده كالثمر على الشجر والزرع على الأرض أو كان مشاعا وكذلك إذا كان القابض غير عاقل فإن قبضه لا يصح فهذه شروط لصحة القبض أيضا كما أنها شروط لصحة الرهن
الشافعية - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى قسمين :
القسم الأول : شرط لزوم وهو قبض المرهون فإذا رهن دارا ولم يستلمها المرتهن لم يلزم العقد فيصح للراهن أن يرجع فيه
وإذا كانت العين المرهونة تحت يد المرتهن قبل العقد سواء كان ذلك بإجارة أو إعارة أو غصب أو غير ذلك فإنها تكون مقبوضة له بعد العقد إذا مضى زمن يمكن قبضها فيه ويشترط لصحة القبض إذن الراهن
القسم الثاني : شروط الصحة وهي أنواع :
النوع الأول يتعلق بالعقد : وهو أن لا يكون معلقا على شرط لا يقتضيه العقد عند حلول الدين فإن هذا يبطل الرهن أما إذا اشترط شرطا يقتضيه العقد كشرط تقدم المرتهن على غيره من الغرماء في الاختصاص بالعين المرهونة فإنه لا يضر
النوع الثاني يتعلق بالعاقدين الراهن والمرتهن : وهو أهلية العاقدين بأن يكون كل منهما بالغا عاقلا غير محجور عليه فلا يصح رهن الصبي والمجنون والسفيه مطلقا ولو بإذن الولي على أن يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور عليه بالرهن في حالتين :
الحالة الأولى : أن تكون ضرورة تدعوه إلى الرهن كاحتياجى المحجور عليه لطعام أو كسوة أو تعليم أو نحو ذلك بشرط أن لا يجد الولي وسيلة للإنفاق عليه سوى رهن ماله
الحالة الثانية : أن يكون في الرهن مصلحة مالية تعود على المحجور عليه كما إذا وجد عينا تباع وفي شرائها ربح للمحجور عليه ولم يجد مالا يشتريها به فيصح له أن يرهن ملكه ليشتري به هذه العين حرصا على فائدة المحجور عليه
النوع الثالث : يتعلق بالمرهون وهو أمور :
أولا : أن يكون للراهن ولاية على المرهون بأن كان ماله محجورا عليه وهو ليه أو وصيه أو كان مالا استعاره من شخص ليرهنه في دينه ويشترط في الاستعارة لذلك ثلاثة شروط :
أحدها : أن يبين المستعير لمن يريد أن يستعير منه جنس الدين وقدره وصفته كأن يقول له : إن دينه الذي يريد أن يرهنها فيه عشرون جنيها مصرية أو إنكليزية أو مائة ريال فضة مصرية أو غيرها
ثانيها : أن يبين له أجل الدين إن كان بعيدا أو قريبا
ثالثها : أن يذكر له المرتهن الذي يريد أن يرهنها عنده . وليس لصاحب العارية أن يرجع فيها بعد أن يقبضها وإذا تلفت العين المستعارة بعد ذلك فلا ضمان على الراهن ولا على المرتهن وعند حلول الأجل يطلب المرتهن دينه من المالك والراهن معا . وإذا بيعت العارية كان لصاحبها الثمن الذي بيعت له فقط وإن كان أقل من قيمتها
ثانيا : أن يكون المرهون عينا فلا يصح رهن سكنى الدار ونحوها من المنافع التي ليست عينا وكذلك لا يصح رهن الدين ابتداء فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر وكان مدينا لغيره بمائة جنيه فإنه لا يصح أن يرهن المائة التي له في المائة التي عليه لأنها ليست عينا . نعم يصح رهن الدين دواما كما إذا رهن شخص عينا في دين عليه فأتلفها المرتهن وهي عنده فإنها في هذه الحالة تكون مضمونة على المرتهن إن كانت مثلية وبقيمتها إن كانت قيمية ويكون بدلها عنده مرهونا في مقابل دينه فيصح رهن الدين في هذه الحالة لأنه ليس دينا من أول الأمر بل هو في الأول رهن عين فلذا صح رهنه بعد أن ينقلب دينا
ثالثها : أن لا تكون العين سريعة الفساد والدين مؤجل إلى أمد بعيد بحيث يلحق العين الفساد قبل حلول الأجل سواء اشترط عدم بيعها أو لم يشترط شيئا
[ يتبع . . . ]
أما إذا اشترط بيعها قبل أن يلحقها الفساد أو كانت لا تفسد قبل حلول الأجل فإنه يصح رهنها ومثال ما لا يصح رهنه : أن يرهن لدائنه ثلجا في نظير دين يحل موعده بعد شهر وشرط أن لا يبيع الثلج أو لم يشترط شيئا فإن الرهن فاسد إلا إذا أمكن حفظ الثلج كل هذه المدة أما إذا رهن له ثلجا يمكن تجفيفه وحفظه فإنه يصح : وعلى الراهن نفقة تجفيفه
رابعا : أن تكون طاهرة فلا يصح رهن النجس على ما تقدم في البيع
خامسا : أن يكون منتفعا به انتفاعا شرعيا ولو في المستقبل كالحيوان الصغير فإنه يصح رهنه لكونه ينتفع به مستقبلا وغير ذلك من الشروط المذكورة في البيع فكل ما يصح بيعه يصح رهنه إلا المنفعة فإنه يصح بيعها ولا يصح رهنها فلا يصح أن يرهن منفعة حق المرور ولكن يصح بيعها كما تقدم
النوع الرابع : يتعلق بالمرهون به " سبب الرهن " وهو أربعة أمور :
الأول : أ يكون دينا فلا يصح الرهن بسبب غير الدين كالمغصوب والمستعار ونحوهما . فإذا باع أرضا مغصوبة فلا يصح أن يرهن داره بسببها . وكذلك إذا استعار دابة فإنه لا يصح أن يرهن ثوبا من أجلها لأنها ليست بدين لأن فائدة الرهن أن يؤخذ منه في نظير الدين والعين ما دامت موجودة فإن اللازم ردها بنفسها
الثاني : أن يكون الدين ثابتا فلا يصح الرهن قبل ثبوته كما إذا رهنه داره على أن يقرضه مائة جنيه أو يرهن ساعته في الأشياء التي يشتريها من حانوت الزيات ونحوه لأن الثمن لم يثبت قبل أن يأخذها
أما إذا اشترى بثمن مؤجل ورهن عينا مقابل الدين الذي لم يحل في عقد البيع فإنه جائز كأن يقول له : بعتك أرض كذا بمائة جنيه وارتهنت منك دارك في ثمنها فيقول المشتري : اشتريت ورهنت
الثالث : أن يكون الدين لازما في الحال أو في المآل فيصح الرهن بسبب الثمن في مدة الخيار فإذا باعه دارا بشرط الخيار واستلمها المشتري ولم يقبض البائع الثمن فإن له أن يأخذ رهنا مقابل ثمنها لأن الثمن وإن لم يكن دينا لازما في الحال ولكنه لازم مآلا
الشرط الرابع : أن يكون الدين معلوما عينا وقدرا وصفة فلا يصح الرهن مع جهل شيء من ذلك
الحنابلة - قالوا : تنقسم شروط الرهن إلى قسمين : شروط لزوم وشروط صحة فأما القسم الأول وهو شروط اللزوم : فهو قبضه المرهون فإذا قبض المرتهن لزم الرهن في حق الراهن فليس له الرجوع بعد ذلك . أما قبل القبض فإنه لا يلزم ويصح له أن يتصرف فيه كما يشاء حتى إن له أن يرهنه لشخص آخر ويكون ذلك إبطالا للرهن الأول . ولو أذن الراهن للمرتهن في قبضه ولكنه لم يقبضه فإنه يصح له أن يتصرف فيه أيضا . وكذلك لا يلزم في حق المرتهن مطلقا فله فسخه متى شاء لأنه هو الذي ينتفع به في حفظ دينه وحده فإن شاء أبقاه وإن شاء فسخه . والدليل على أنه لا يلزم إلا بعد القبض وقوله تعالى : { فرهان مقبوضة } فالقبض شرط في لزومه
ويشترط في صحة القبض : أن يأذن له الراهن فإن قبضه من غير إذنه لم يكن الرهن لازما وصفة قبضه كصفة قبض البيع فإن كان منقولا فيكون قبضه بنقله كالحلي أو تناوله كالنقدين وإن كان مكيلا فيكون قبضه بكيله أو موزونا فبوزنه أو معدودا فبعده أو مذروعا فبذرعه
أما إن كان غير منقول كعقار من أرض وبناء وشجر وثمر على شجر وزرع على أرض فإن كل ذلك يصح رهنه ويكون قبضه بالتخلية بينه وبين مرتهنه من غير حائل واستدامة القبض شرط في اللزوم فإن رد المرتهن المرهون للراهن بإجارة أو إعارة أو إيداع أو نحو ذلك زال لزومه وأصبح كأنه لم يكن مقبوضا فإن أعاده الراهن إلى المرتهن ثانيا باختياره عاد لزومه بالعقد السابق
أما إذا انتزع المرهون من يد المرتهن بغير اختياره كأن اغتصبه الراهن منه أو سرق منه فإن العقد يبقى على لزومه
وأما شروط الصحة فهي أربعة أنواع : نوع يتعلق بالعقد ونوع يتعلق بالمتعاقدين الراهن والمرتهن ونوع يتعلق بالمرهون ونوع يتعلق بالمرهون به
النوع الأول : ما يتعلق بالعقد وهو : أن لا يكون العقد معلقا بشرط لا يقتضيه العقد كما تقدم في البيع النوع الثاني : ما يتعلق بالعاقدين وهو : أن تتحقق الشروط السابقة في صحة بيعها فيصح الرهن ممن يصح منه البيع فلا يصح الرهن من سفيه ولا من مفلس ولا من مجنون غير مميز على التفصيل المتقدم في البيع
النوع الثالث : ما يتعلق بالمرهون وهو أمور : منها : أن تكون العين مملوكة للراهن بنفسها أو بمنافعها كأن يستأجر عينا من شخص ليرهنها في نظير دين عليه فإنه يصح ومثل ذلك ما إذا استعار من شخص عينا ليرهنها كذلك . ولا يشترط أن يبين المدين للمؤجر والمعير قدر الدين الذي يرهنهما به . إنما ينبغي بيانه وبيان المرتهن ومدة الرهن وجنس الرهن فإذا اشترط شيئا من ذلك وخالفه لم يصح الرهن
ومنها أن يكون المرهون عينا فيصح رهن كل عين يجوز بيعها أما إذا لم يكن عينا فإنه لا يصح رهنه كما لا يصح بيعه فلا يصح رهن المنافع فلو رهنه سكنى داره في نظير دين عليه فإنه لا يصح وكذلك لا يصح رهن العين النجسة وغير ذلك مما تقدم في شرائط البيع النوع الرابع : ما يتعلق بالمرهون به أعني سبب الرهن وكل دين واجب أو مآله إلى الوجوب كالثمن في مدة الخيار فإذا باع لشخص عينا على أن يكون لأحدهما الخيار فإنه يصح للبائع أن يأخذ رهنا بالثمن لأنه وإن لم يكن واجبا الآن ولكنه يجب بعد مضي مدة الخيار ومثل ذلك الأعيان المضمونة فإنه يصح أخذ الرهن عليها كالمغصوب فإذا باع أرضا مغصوبة لشخص فإنه يصح أن يرهنه داره ونحوها حتى يستلمها ومثلها العارية . فإذا استعار شخص من آخر شيئا فإنه يصح أن يرهنه عينا في نظير عاريته لأن الرهن بسبب هذه الأعيان يحمل الراهن على أدائها فإذا تعذر أداؤها يؤخذ بدلها من المرهون فأشبهت الدين الذي في الذمة ويصح أخذ الرهن على إجارة في الذمة " كما إذا أجر بنائين على بناء دار فإنه يصح أن يأخذ رهنا منهم في نظير عملهم حتى إذا لم يبنوا الدار فإن للمرتهن الحق في بيع المرهون ويستأجر منه من يعمله " وقريب من هذا : ما تأخذه المصالح من التأمينات التي يدفعها العمال حتى لا يهملوا في أدار أعمالهم "
ويصح رهن الأشياء التي تفسد بسرعة كالخضر والفواكهة الرطبة ونحو ذلك فإن كان تجفيفها ممكنا كالبلح والعنب فإن الراهن يلزم بتجفيفها وتبقى حتى يحل أجل الدين وإن لم يمكن تجفيفها وبقاؤها كالبطيخ والثلج فإن اشترط المرتهن بيعه فإنه يبيعه ويجعل ثمنه رهنا وإن لم يشترط بيعه ورضي الراهن ببيعه فذاك وإن لم يرض أمر الحاكم ببيعه وإذا شرط عدم بيعه في العقد بطل الشرط
ويصح رهن المشاع للشريط وللأجنبي فإذا كان شريكا لآخر في دار وله عليه دين فإن له أن يرهنه نصيبه في الدار مقابل دينه كما يصح أن يرهن نصيبه المشاع للأجنبي وكذلك يصح أن يرهن بعض نصيبه ثم إن كان المرهون مما لا ينقل كالعقار فإن قبضه يكون بأن يخلي الراهن بين المرهون وبين المرتهن وإن لم يحضر الشريك وإن كان مما ينقل فإن اتفق المرتهن وشريكه على أن يبقى في يد أحدهما فذاك وإلا جعله الحاكم في يد أمين وللحاكم أن يؤجره عليهما إذا كان في ذلك مصلحة ويصح رهن المبيع قبل قبضه إذا كان غير مكيل أو موزون أو معدود أو مذروع فإذا اشترى دارا ولم يستلمها فإن له رهنا لغير البائع كما يجوز رهنها للبائع ولو في ثمنها . لأن الثمن دين في ذمة المشتري والمبيع ملك له فيصح أن يرهنه



مبحث الانتفاع بالمرهون


ثمرة المرهون وما ينتج منه سواء كان أرضا زراعية أو دارا يمكن استغلالها أو حيوانا هل تكون للراهن أو للمرتهن ؟ في ذلك تفصيل المذاهب



المالكية - قالوا : ثمرة المرهون وما ينتج منه من حقوق الراهن فهي له ما لم يشترط المرتهن ذلك فإنها تكون له بثلاثة شروط :
الأول : أن يكون الدين بسبب البيع لا بسبب القرض . وذلك كما إذا باع شخص لآخر عقارا أو عروض تجارة أو غير ذلك بثمن مؤجل ثم ارتهن به عينا مقابل دينه
الشرط الثاني : أن يشترط المرتهن أن تكون المنفعة له فإن تطوع بها الراهن له لا يصح له أخذها
الشرط الثالث : أن تكون مدة المنفعة التي يشترطها معينة . فإذا كانت مجهولة فإنه لا يصح . فإذا تحققت هذه الشروط الثلاثة صح للمرتهن أن يستولي على منفعة المرهون ويأخذها له أما إذا كان بسبب القرض فإنه لا يصح له أن يأخذ المنفعة على أي حال سواء اشترطها أو لم يتشرطها أباحها له الراهن أو لم يبحها عين مدتها أو لم يعينها وذلك لأنه يكون قرضا جر نفعا للمقرض فيكون ربا حراما
ولا يلزم من كون المنفعة للراهن أن يتصرف في المرهون أو يكون المرهون تحت يده كلا فإن الرهن يكون تحت يد المرتهن ولكنه يعطي منفعته للراهن إذا لم يشترطها بالكيفية المتقدمة فإذا رهن دارا فإن المرتهن هو الذي يؤجرها ولكن يعطي أجرتها للراهن فإذا أذن المرتهن الراهن في إجارتها بطل الرهن ولو لم يؤجرها بالفعل
ومثل ذلك ما أذنه بالسكنى . أما إذا كان الرهن يمكن نقله كأدوات الفراش فإن مجرد الإذن بإجارتها لا يبطل الرهن بل لا بد في بطلانه من تأجيرها بالفعل : وكذلك إذا أذن الراهن المرتهن في بيع الرهن وسلمه له فإن الرهن يبطل بذلك ويبقى دينه بلا رهن
الشافعية - قالوا : الراهن هو صاحب الحق في منفعة المرهون على أن المرهون يكون تحت يد المرتهن ولا ترفع يده عنه إلا عند الانتفاع بالمرهون فترد العين المرهونة للراهن مدة الانتفاع إن لم يمكن استثمارها وهي تحت يد المرتهن ثم إذا لم يأتمن المرتهن الراهن على إعارة المرهون إليه يشهد عليه
ويجوز للراهن أن ينتفع بكل ما لا ينقص العين المرهونة كسكنى الدار وركوب الدابة بدون إذن المرتهن وإلى ذلك يشير الحديث الصحيح " الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا "
وليس للراهن أن يبني على الأرض المرهونة أو يغرس فيها أشجارا فإذا فعل ذلك لم يلزم بهدم البناء ولا بقلع الأشجار قبل حلول الدين . أما بعد حلول الدين فإن كان البناء أو الشجر يضر بثمن الأرض فلا تفي بالدين فإنه يلزم بإزالته وإلا فلا . ولا يدخل الشجر ولا البناء في الرهن لأنه طرأ بعد العقد
أما التصرف الذي ينقص الذي ينقص قيمة المرهون فإنه لا يصح إلا بإذن المرتهن فلا يصح للراهن أن يؤجر المرهون بعد قبضه مدة تزيد على مدة الرهن . أما إذا كانت الإجارة تنتهي عند حلول الدين أو قبله فإنه يصح لأن ذلك لا يضر المرتهن . أما إذا أذن المرتهن فإنه يصح وللمرتهن الرجوع عن الإذن قبل أن يتصرف الراهن . وإذا رجع ولم يعلم الراهن برجوعه وتصرف بطل تصرفه
وإذا اشترط المرتهن أن تكون منفعة المرهون له في عقد الرهن فإن العقد يفسد على الراهن وقيل : إن الذي يفسد هو الشرط والعقد صحيح وعلى كل حل فلا يحل للمرتهن أن ينتفع بالعين المرهونة إذا اشترطها في العقد . أما إذا أباح الراهن للمرتهن منفعة العين التي يريد رهنها قبل العقد فإنه يحل له الانتفاع بها بعد العقد كما إذا أعطاه مالا قبل عقد القرض بدون ذكر للقرض ثم عقد معه قرضا بعد ذلك فإنه يصح
ثم إن الزيادة التي تتعلق بالمرهون تنقسم إلى متصلة ومنفصلة فإن كانت منفصلة فلا تدخل في المرهون كالبيض والتمر والولد المنفصل
أما إذا رهن له دابة حاملا ولم تلد عند بيعها لسداد الرهن فإنها تباع بحملها ويكون الولد تابعا لأنه متصل وكذلك لو ولدت فإنه يباع تبعا على الصحيح . أما لو حملت بعد الرهن فإنه لا يكون داخلا في المرهون على الأظهر . ومثله الزيادة المتصلة كالسمن وكبر الدابة والشجر فإنه يدخل في المرهون تبعا
أما إذا أذنه في بيعه ولم يسلمه له وادعى أنه أذنه في بيعه لأن بيعه خير من بقائه فإنه يحلف على ذلك ويبقى ثمنه رهنا للآجل إن لم يأت الراهن برهن كالأول . وكذلك يبطل الرهن إذا أعار المرتهن الرهن للراهن أو لغير الراهن بإذنه إن لم يشترط رده إليه قبل مضي أجل الدين فإن اشترط ذلك فإن إعارة المرهون لا تبطل الرهن . ومثل الشرط العرف فغذا كان العرف جاريا على أن المستعير يرد العارية قبل مضي أجل الرهن فإنه لا يبطل بالإعارة
وكذلك يبطل الرهن بإعادته للراهن باختيار المرتهن فإذا تصرف فيه الراهن ببيع ونحوه صح تصرفه . أما إذا لم يتصرف فيه فإن للمرتهن أن يأخذه ثانيا بعد أن يحلف أنه جاهل بأن ذلك نقض للرهن
هذا واعلم أن الزيادة المتعلقة بالمرهون إن كانت منفصلة كاللبن والسمن والزبد وعسل النحل والبيض وأجرة الدار ونحوها فهي للراهن ولا تدخل في المرهون إلا بالشرط . وقد عرفت ما يصح للمرتهن الانتفاع به منها وما لا يصح وأما الزيادة المتصلة كالجنين في بطن الدابة سواء حملت به وقت الرهن أو بعده وفسيل النخل " وهو ولد النخلة الملتصق بها " فإنه يندرج في المرهون تبعا . أما الصوف على ظهر الغنم فإنه إذا كان تاما فإنه يندرج في المرهون لأن تركه على ظهرها بعد تمامه من غير جز دليل على أن المقصود رهنه مع الغنم أما إذا كان ناقصا لا يمكن جزه فإنه يكون كالزيادة المنفصلة فلا يتبع المرهون فللراهن جزه بعد تمامه
الحنفية - قالوا : لا يجوز للراهن أن ينتفع بالمرهون بأي وجه من الوجوه إلا بإذن المرتهن فلا يصح له أن يستخدم دابة ولا يسكن دارا ولا يؤجرها ولا يلبس ثوبا ولا يعير شيئا منها ما دامت مرهونة إلا بإذن المرتهن ولا فرق بين أن يكون استعمال المرهون منقصا لقيمته أو لا فإذا أذنه المرتهن فإنه يصح . على أن منافع المرهون وثمرته الناشئة منه من حقوق الراهن مما يتولد من المرهون كالولد والثمر واللبن والبيض والصوف والوبر ونحو ذلك فهو من حقوق الراهن . فإذا بقي إلى فكاك الدين حسب بقسط من الدين
أما إذا هلك قبل ذلك فلا يحتسب منه شيء بل يعتبر كأنه لم يكن . أما ما كان بدلا عن منفعة كأجرة الدابة المرهونة فإنه ليس من حقوق الراهن . أما المرتهن فإن في جواز انتفاعه بالمرهون بإذن الراهن خلافا : فبعضهم يقول : لا يحل الانتفاع بالمرهون ولو أذنه الراهن سواء كان سبب الدين بيعا أو قرضا لأنه يستوفي دينه كاملا . فتبقى له المنفعة زيادة بدون مقابل وهذا هو عين الربا ولكن الأكثر على أنه يجوز انتفاع المرتهن بالمرهون إذا أذنه الراهن بشرط أن لا يشترط ذلك في العقد لأنه إذا شرطه يكون قرضا جر نفعا وهو ربا . ونظير هذا : ما لو اقترض من شخص مالا ثم أهدى له هدية . فإن كانت الهدية مشروطة فإنها تكون مكروهة أما إذا كانت بدون شرطها فإنها جائزة له وإذا أذنه فليس له الرجوع . فإذا استعمل المرتهن المرهون بإذن الراهن وهلك أثناء استعماله فإنه يهلك أمانة فلا شيء على المرتهن ويبقى دينه . أما إذا هلك بعد استعماله أو قبله فإنه يهلك بالدين
وإذا تصرف الراهن في المرهون بالبيع بدون إذن المرتهن فإن بيعه لا ينفذ إلا إذا قضاه دينه . وإذا لم يجز المرتهن البيع فإنه لا يملك فسخ البيع بل يبقى موقوفا ويكون للمشتري الخيار بين أن يصبر إلى فكاك الرهن وبين أن يرفع الأمر للقاضي ليفسخ البيع وله حق الخيار سواء كان عالما بأن مرهون قبل أن يشتريه أو لا على الصحيح
وكذلك إذا باعه المرتهن بدون إذن الراهن فإن أجازه الراهن نفذ وإلا فلا وله أن يبطله ويعيده رهنا وهذا هو الصحيح . وبعضهم يقول : ينفذ بيع المرتهن بدون إذن الراهن فإذا أذن الراهن المرتهن في بيع المرهون يبقى ثمنه مرهونا بدله سواء قبض الثمن من المشتري أو لا لقيامه مقام العين والثمن وإن كان لا يصح رهنه ابتداء لأنه دين والدين لا يصح رهنه كما تقدم ولكنه لا يصح في هذه الحالة لأنه لم يرهن الدين ابتداء
وإذا رد المرتهن المرهون للراهن بإعارته له فإن عقد الرهن لا يبطل بذلك وإنما يبطل ضمان المرتهن لأنه ضامن للمرهون ما دام تحت يده فإذا رد للراهن وهلك عنده لا يكون المرتهن مسؤولا عنه فلا يسقط شيء من دينه بهلاكه
فإذا أعاده الراهن للمرتهن ثانيا عاد ضمانه عليه وللمرتهن أن يسترده إلى يده فإذا مات الراهن قبل رجوع المرهون للمرتهن كان المرتهن أحق به من سائر أرباب الديون الأخرى لأن عقد الرهن باق وتسمية رد المرهون للراهن إعارة فيها تسامح لأن الإعارة تمليك المنافع بلا عوض والمرتهن لم يملكها غيره ؟
ولكن لم يترتب على رد المرهون للراهن ما يترتب على الإعارة من عدم الضمان ومن جواز استردادها اشبه الإعارة فسمي إعارة . ومثل العارية في هذه الأحكام الوديعة إلا إذا أذن الراهن المرتهن في أن يودع المرهون إنسانا فإنه إذا هلك المرهون عند من أدع عنده فإنه يهلك بالدين ففيه فرق بين الوديعة والعارية في حالة ما إذا أودع عند أجنبي بإذن . وحاصل هذا المقام : أن جملة ما يقع من التصرفات في المرهون ستة :
أحدها : العارية
ثانيها : الوديعة وقد عرفت حكمها
ثالثها : الرهن وهو مبطل للرهن فغذا أذن الراهن للمرتهن في أن يرهن العين المرهونة لغيره ثانيا بطل عقد الرهن الأول وكذلك إذن المرتهن للراهن في ذلك
رابعها : الإجارة ولها حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون المستأجر هو الراهن كما إذا رهن محمد لخالد فدانا ثم استأجره محمد منه وحكم هذه الحالة : أن الإجارة تكون باطلة وأن المرهون يكون كالمستعار أو المودع فلا ضمان بهلاكه وللمرتهن أن يسترده متى أراد
الحالة الثانية : أن يكون المستأجر هو المرتهن وجدد استلام المرهون بالإجارة أو يكون المستأجر أجنبيا عنهما بإذنهما وفي هذه الحالة يبطل عقد الرهن وتكون الأجرة للراهن ويقبضها من باشر العقد منهما إذا كانت الإجارة منهما لأجنبي ولا يعود المرهون مرهونا إلا بعقد جديد
خامسها : البيع وقد عرفت حكمه
سادسها : الهبة وهي مثل البيع فإذا أذن الراهن للمرتهن في أن يهب المرهون بطل الرهن ولا يبطل بموت الراهن ولا المرتهن ولا بموتهما ويبقى المرهون عند الورثة على حاله
الحنابلة - قالوا : المرهون إما أن يكون حيوانا يركب ويحلب أو يكون غير حيوان فإن كان محلوبا أو مركوبا فللمرتهن أن ينتفع بركوبه ولبنه بغير إذن الراهن نظير الإنفاق عليه وعليه أن يتحرى العدل في ذلك
أما إن كان المرهون غير مركوب ومحلوب فإنه يجوز للمرتهن أن ينتفع بالمرهون بإذن الراهن مجانا بدون عوض ما لم يكن سبب الرهن قرضا فإنه لا يحل للمرتهن الانتفاع به ولو بإذن الراهن وكذلك لا يصح للراهن أن يتصرف في المرهون بدون إذن المرتهن فلا يصح له أن يجعله وقفا أو يهبه لأحد أو يرهنه ثانيا أو يبيعه . كما لا يصح له أن ينتفع به بالسكنى والإجارة والإعارة وغير ذلك بغير رضا المرتهن . وكذلك لا يملك المرتهن شيئا من ذلك بغير رضا الراهن فإذا لم يتفقا تعطلت منافع المرهون فإن كان دارا أغلقت وإن كان أرضا تعطلت منفعتها حتى يفك الرهن فلا يصح أن ينفرد أحدهما بالتصرف
وما يتولد من المرهون سواء كان متصلا به أو منفصلا عنه كاللبن والبيض والصوف وما يسقط من الليف والسف والعراجين وما قطع من الشجر من حطب وأنقاض الدار كل ذلك يكون رهنا بيد المرتهن أو وكيله أو من اتفقا عليه فيباع مع الأصل إذا بيع فإن كان مما لا يمكن بقاؤه فإنه يباع ويجعل ثمنه رهنا كما تقدم
ويصح أن يأذن الراهن في بيع المرهون وهو على ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يأذنه قبل حلول الدين مع اشتراط جعل الثمن رهنا وفي هذه الحالة يصح البيع والشرط
والصورة الثانية : أن يأذنه في بيعه بعد حلول جزء من الدين وفي هذه الحالة يصح البيع ويأخذ من ثمنه قيمة ما حل من الدين ويبقى الباقي رهنا إن شرط ذلك
الصورة الثالثة : أن يأذنه بالبيع قبل حلول شيء من الدين بدون أن يشترط شيئا وفي هذه الحالة يبطل الرهن وينفذ البيع ويبقى دين المرتهن بلا وثيقة