الفقه على المذاهب الأربعة

الصلوة

كتاب الصيام



[ مباحث عامة ]


تعريف الصيام

معنى الصيام في اللغة مطلق الإمساك عن الشيء فإذا أمسك شخص عن الكلام أو الطعام فلم يتكلم ولم يأكل فإنه يقال له في اللغة : صائم ومن ذلك قوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما } أي صمتا وإمساكا عن الكلام وأما معناه في اصطلاح الشرع فهو الإمساك عن المفطرات يوما كاملا من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بالشروط الآتي بيانها . وهذا التعريف متفق عليه بين الحنفية والحنابلة أما المالكية والشافعية فإنهم يزيدون في آخره كلمة " بنية " وذلك لأن النية ليست بركن من أركان الصيام عند الحنفية والحنابلة فليست جزءا من التعريف على أنها شرط لازم لا بد منه فمن لم ينو بالكيفية الآتي بيانها فإن صيامه يبطل باتفاق ومن هذا تعلم أن الخلاف في كون النية شرطا أو ركنا فلسفة فقهية يحتاج إلى معرفتها طلبة العلم أما إيرهم فإنهم ملزمون بمعرفة أن نية الصيام لازمة فلا يصح الصيام بدونها


أقسام الصيام

اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على أن الصيام ينقسم إلى أربعة أقسام : أحدها صيام مفروض وهو صيام شهر رمضان أداء وقضاء وصيام الكفارات والصيام المنذور ثانيها : الصيام المسنون ثالثها : الصيام المحرم رابعها : الصيام المكروه وسيأتي بيان كل قسم من هذه الأقسام عند الثلاثة أما الحنفية فقالوا : إن أقسام الصيام كثيرة فانظرها تحت الخط



الحنفية : قد اختلفت آراؤهم في الصيام المنذور سواء كان معينا . وهو نذر صوم يوم بعينه . كيوم الخميس مثلا . أو غير معين . كنذر صيام يوم أو شهر بدون تعيين فمنهم من قال : إن قضاء هذا النذر واجب لا فرض . وقد عرفت مما تقدم أن الواجب عندهم بمعنى السنة المؤكدة فلا يعاقب تاركه بالنار . وإن كان يحرم من شفاعة النبي المختار . وحجة هذا القائل أن الوفاء بالنذر ثبت بقوله تعالى : { وليوفوا نذورهم } وهذه الآية ليست قطعية الدلالية . لأن من نذر معصية فإنه لا يلزمه الوفاء بها . ومتى خصصت الآية ينذر المعصية . فإنها لا تكون قطعية الدلالة . على فرضية الوفاء بالنذر وأيضا فقد فرق الحنفية بين قضاء الصلاة المنذورة وقضاء الصلاة المفروضة فقالوا : لو نذر شخص أن يصلي لله ركعتين مثلا فإنه لا يصح له أن يصليهما بعد صلاة العصر بخلاف ما لو فاتته صلاة الصبح مثلا فإن له أن يصليهما بعد صلاة العصر فدل ذلك على أن النذر واجب لا فرض لاختلافه عن الفرض في الأداء ومنهم من قال : إن الوفاء بالنذر فرض فمن نذر أن يصوم يوما معينا أو أكثر أو نذر أن يصوم يوما بغير تعيين فإنه يفترض عليه الوفاء بهذا النذر ولم تثبت الفرضية بآية { وليوفوا نذورهم } وإنما ثبتت بالإجماع وهذا الرأي هو الراجح عند الحنفية وبه قال غيرهم من الأئمة فعلى الرأي الأول تنقسم الصيامات عندهم إلى ثمانية أقسام : أحدها : الصيامة المفروض فرضا معينا كصوم رمضان أداء في وقته ثانيها : الصيام المفروض فرضا غير معين كصوم رمضان قضاء في غير وقته فمن فاته صيام شهر رمضان أو بعضه فإنه لا يلزمه أن يقضيه في وقت خاص ومثله صوم الكفارات فإنه فرض غير معين ثالثها : صيام واجب معين كالنذر المعين رابعها : صيام واجب غير معين كالنذر المطلق خامسها : صيام النفل سادسها الصيام المسنون سابعها : الصيام المستحب ثامنها : المكروه تنزيها أو تحريما فالأقسام عنده ثمانية أما على الرأي الثاني فإنها تنقسم إلى سبعة أقسام : الأول : فرض معين وهو ماله وقت خاص كصوم رمضان أداء والنذر المعين الثاني : فرض غير معين وهو ما ليس له وقت خاص كصوم رمضان قضاء والنذر غير المعين الثالث : الواجب وهو صوم التطوع بعد الشروع فيه فمن أراد أن يتطوع بصوم يوم الخميس مثلا . ثم شرع فيه فإنه يجب عليه أن يتمه بحيث لو أفطر يأثم إثما صغيرا كما تقدم وكذلك يجب عليه قضاؤه إذا أفطره . ومثله صوم الاعتكاف غير المنذور فإنه واجب كذلك الرابع : الصيام المحرم الخامس : الصيام المسنون السادس صيام النفل : السابع : الصيام المكروه وسيأتي بيان كل قسم منها



القسم الأول : الصيام المفروض

قد عرفت أن الصيام المفروض هو صيام شهر رمضان أداء وقضاء وصيام الكفارات والصيام المنذور . وعرفت أن هذا القدر متفق عليه عند الأئمة وإن كان بعض الحنفية يخالف في الصيام المنذور ويقول : إنه واجب لا فرض وإليك بيان الصيامات المذكورة على هذا الترتيب :


صيام شهر رمضان - دليله

هو فرض عين على كل مكلف قادر على الصوم وقد فرض في عشر من شهر شعبان بعد الهجرة بسنة ونصف ودليل الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام } إلى قوله : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } فشهر رمضان خير لمبتدأ محذوب تقديره هو شهر رمضان أي المكتوب عليكم صيامه هو شهر رمضان . . . الخ وقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه و سلم : " بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان " رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر وأما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته ولم يخالف أحد من المسلمين فهي معلومة من الدين بالضرورة ومنكرها كافر كمنكر فرضية الصلاة والزكاة والحج


أركان الصيام

للصيام ركن واحد عند الحنفية والحنابلة وهو الإمساك عن المفطرات الآتي بيانها أما المالكية والشافعية فانظر مذهبيهما تحت الخط




المالكية : اختلفوا فقال بعضهم : إن للصيام ركنين : أحدهما : الإمساك ثانيهما : النية فمفهوم الصيام لا يتحقق إلا بهما ورجح بعضهم أن النية شرط لا ركن فمفهوم الصيام يتحقق بالإمساك فقط
الشافعية قالوا : أركان الصيام ثلاثة : الإمساك عن المفطرات والنية والصائم فمفهوم الصيام عندهم لا يتحقق إلا بهذه الثلاثة وقد عرفت أن الحنابلة والحنفية يقولون : إن النية والصائم شرطان خارجان عن مفهوم الصيام ولكن لا بد منهما



شروط الصيام

تنقسم شروط الصيام الى : شروط وجوب وشروط صحة وشروط أداء على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط




الشافعية قالوا : تنقسم شروط الصيام إلى قسمين : شروط وجوب وشروط صحة أما شروط وجوبه فأربعة : أحدها البلوغ فلا يجب الصيام على الصبي ولكن يؤمر به لسبع سنين إن أطاقه ويضرب على تركه لعشر سنين ووافقهم على هذه الحنفية أما المالكية فقد قالوا : لا يجب على الولي أمر الصبي بالصيام ولا يندب ولو كان الصبي مراهقا
الحنابلة قالوا: المعول في ذلك على القدرة والإطاقة فإذا كان الصبي مراهقا يطيق الصيام فيجب على الولي أن يأمره به ويضربه إذا امتنع ثاينها : الإسلام فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة وإن كان يعاقب عليه في الآخرة أما المرتد فإنه يجب عليه وجوب مطالبة فيطلب منه بعد عوده إلى الإسلام ثالثها : العقل فلا يجب على المجنون إلا أن كان زوال عقله بتعديه فإنه يلزمه قضاءه بعد الإفاقة ومثله السكران إن كان متعديا بسكره فيلزمه قضاؤه وإن كان غير متعد كما إذا شرب من إناء يظن أن فيه ماء فإذا به خمر سكر متعديا بسبب الإغماء أم لا رابعها : الإطاقة حسا وشرعا فلا يجب على من لم يطقه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه لعجزه حسا ولا على نحو حائض لعجزها شرعا وأما شروط صحته فأربعة أيضا : الأول : الإسلام حال الصيام فلا يصح من كافر أصلي ولا مرتد الثاني : التمييز فلا يصح من غير مميز فإن كان مجنونا لا يصح صومه وإن جن لحظة من نهار وإن كان سكران أو مغمى عليه لا يصح صومهما إذا كان عدم التمييز مستغرقا لجميع النهار أما إذا كان في بعض النهار فقط فيصح ويكفي وجود التمييز ولو حكما فلو نوى الصوم قبل الفجر ونام إلى الغروب صح صومه لأنه مميز حكما الثالث : خلو الصائم من الحيض والنفاس والولادة وقت الصوم وإن لم تر الوالدة دما الرابع : أن يكون الوقت قابلا للصوم . فلا يصح صوم يومي العيد وأيام التشريق فإنها أوقات غير قابلة للصوم ومنها يوم الشك إلا إذا كان هناك سبب يقتضيه كأن صامه قضاء عما في ذمته أو نذر صوم يوم الاثنين القابل فصادف يوم الشك فله صومه أو كان من عادته صوم الخميس وصادف ذلك يوم الشك فله صومه أيضا أما إن قصد صومه لأنه يوم الشك فلا يصح صومه كما سيأتي في مبحث " صيام يوم الشك " وكذلك لو صام النصف الثاني من شعبان أو بعضه فإنه لا يصح ويحرم إلا إن كان هناك سبب يقتضي الصوم من نحو الأسباب التي بينا في يوم الشك أو كان قد وصله ببعض النصف الأول ولو بيوم واحد هذه هي الشروط عند الشافعية وليست منها النية لأنها ركن كما تقدم ويجب تجديدها لكل يوم صامه ولا بد من تبييتها أي وقوعها ليلا قبل الفجر ولو من المغرب ولو وقع بعدها ليلا ما ينافي الصوم لأن الصوم يقع بالنهار لا بالليل وإن كان الصوم فرضا كرمضان والكفارة والنذر فلا بد من إيقاع النية ليلا مع التعيين بأن يقول بقلبه : نويت صوم غد من رمضان أو نذرا علي أو نحو ذلك ويسن أن ينظق بلسانه بالنية لأنه عون للقلب كأن يقول : نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان الحاضر لله تعالى وأما إن كان الصوم نفلا فإن النية تكفي فيه ولو كانت نهارا بشرط أن تكون قبل الزوال وبشرط أن لا يسبقها ما ينافي الصوم على الراجح ولا يقوم مقام النية التسحر في جميع أنواع الصوم إلا إذا خطر له الصوم عند التسحر ونواه كأن يتسخر بنية الصوم وكذلك إذا امتنع من الأكل عند طلوع الفجر خوف الإفطار . فيقوم هذا مقام النية
الحنفية قالوا : شروط الصيام ثلاثة أنواع : شروط وجوب وشرطو وجوب الأداء وشروط صحة الأداء . فأما شروط الوجوب فهي ثلاثة : أحدها : الإسلام فلا يجب على الكافر لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة كما تقدم وكذا لا يصح منه لأن النية شرط لصحته كما سيأتي وقد تقدم أن النية لا تصح إلا من مسلم فالإسلام شرط للوجوب وللصحة ثانيها العقل فلا يجب على المجنون حال جنونه ولو جن نصف الشهر . ثم أفاق . وجب عليه صيام ما بقي . وقضاء ما فات أما إذا أفاق بعد فراغ الشهر فلا يجب عليه قضاؤه ومثل المجنون المغمى عليه . والنائم إذا أصيب بمرض النوم قبل حلول الشهر ثم ظل نائما حتى فرغ الشهر ثالثها : البلوغ فلا يجب الصيان على صبي ولو مميزا ويؤمر به عند بلوغ سبع سنين ويضرب على تركه عند بلوغ سنه عشر سنين إن أطاقه وأما شروط وجوب الأداء فاثنان : أحدهما : الصحة فلا يجب الأداء على المريض وإن كان مخاطبا بالقضاء بعد شفائه من مرضه ثانيهما : الإقامة فلا يجب الأداء على مسافر وإن وجب عليه قضاءه وأما شروط صحة الأداء . فاثنان أيضا : أحدهما : الطهارة من الحيض والنفاس فلا يصح للحائض والنفساء أداء الصيام وإن كان يجب عليهما ثانيهما : النية فلا يصح أداء الصوم إلا بالنية تمييزا للعبادات عن العادات . والقدر الكافي من النية أن يعلم بقلبه أنه يصوم كذا ويسن له أن يتلفظ بها ووقتها كل يوم بعد غروب الشمس إلى ما قبل نصف النهار . والنهار الشرعي : من انتشار الضوء في الأفق الشرقي عند طلوع الفجر إلى غروب الشمس فيقسم هذا الزمن نصفين . وتكون النية في النصف الأول بحيث يكون الباقي من النهار إلى غروب الشمس أكثر مما مضى فلو لم يبيت النية بعد غروب الشمس حتى أصبح بدون نية ممسكا فله أن ينوي إلى ما قبل نصف النهار . كما سبق ولا بد من النية لكل يوم من رمضان والتسحر نية إلا أن ينوي معه عدم الصيام ولو نوى الصيام في أول الليل ثم رجع عن نيته قبل طلوع الفجر صح رجوعه في كل أنواع الصيام ويجوز صيام رمضان والنذر المعين والنفل بنية مطلق الصوم أو بنية النفل من الليل إلى ما قبل نصف النهار ولكن الأفضل تبييت النية وتعيينها : ونوى صوما واجبا فإنه يقع عن ذلك الواجب لأنه مرخص له بالفطر حال السفر أما القضاء والكفارة والنذر المطلق فلا بد من تبييت النية فيها وتعيينها أما صيام الأيام المنهي عنها كالعيدين وأيام التشريق فإنه يصح ولكن مع التحريم فلو نذر صيامها صح نذره ووجب عليه قضاؤها في غيرها من الأيام ولو قضاه فيها صح مع الإثم
المالكية قالوا : للصوم شروط وجوب فقط وشروط صحة فقط وشروط وجوب وصحة معا أما شروط الوجوب فهي اثنان : البلوغ والقدرة على الصوم فلا يجب على صبي ولو كان مراهقا ولا يجب على الولي أمره به ولا يندب ولا على العاجز عنه وأما شروط صحته فثلاثة : الإسلام فلا يصح من للكافر وإن كان واجبا عليه ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر والزمان القابل للصوم فلا يصح في يوم العيد . والنية على الراجح . وسيأتي تفصيل أحكامها وشروط وجوبه وصحته معا ثلاثة : العقل فلا يجب على المجنون والمغمى عليه : ولا يصح منهما وأما وجوب القضاء ففيه تفصيل حاصله : أنه إذا أغمي على الشخص يوما كاملا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس أو أغمي عليه معظم اليوم سواء كان مفيقا وقت النية أو لا في الصورتين أو أغمي عليه نصف اليوم أو أقله ولم يكن مفيقا وقت النية في الحالتين فعليه القضاء بعد الإفاقة في كل هذه الصور أما إذا أغمى عليه اليوم أو أقله وكان مفيقا وقت النية في الصورتين : فلا يجب على التقصاء متى نوى قبل حصول الإغماء والجنون كالإغماء في هذا التفصيل ويجب عليه القضاء على التفصيل السابق إذا جن أو أغمي عليه ولو استمر ذلك مدة طويلة والسكران كالمغمى عليه في تفصيل القضاء سواء كان السكر بحلال أو حرام وأما النائم فلا يجب عليه قضاء ما فاته وهو نائم متى بيت النية في أول الشهر . الشرط الثاني : النقاء من دم الحيض والنفاس . فلا يجب الصوم على حائض ولا نفساء ولا يصح منهما . ومتى طهرت إحداهما قبل الفجر ولو بلحظة وجب عليها تبييت النية ويجب على الحائض والنفساء قضاء ما فاتهما من صوم رمضان بعد زوال المانع . الشرط الثالث : دخول شهررمضان فلا يجب صوم رمضان قبل ثبوت الشهر ولا يصح أما النية فهي شرط لصحة الصوم الراجح كما تقدم وهي قصد الصوم وأما نية التقرب إلى الله تعالى فهي مندوبة فلا يصح صوم فرضا كان أو نفلا بدون النية . ويجب في النية تعيين المنوي بكونه نفلا أو قضاء أو نذرا مثلا فإن جزم بالصوم وشك بعد ذلك هل نوى التطوع أو النذر أو القضاء انعقد تطوعا وإن شك هل نوى النذرأو القضاء فلا يجزئ عن واحد منهما وانعقد نفلا فيجب عليه إتمامه ووقت النية من غروب الشمس إلى طلوع الفجر فلو نوى الصوم في آخر جزء من الليل بحيث يطلع الفجر عقب النية صحت والأولى أن تكون متقدمة على الجزء الأخير من الليل لأنه أحوط ولا يضر ما يحدث بعد النية من أكل أو شرب أو جماع أو نوم بخلاف الإغماء والجنون إذا حصل أحدهما بعدها فتبطل ويجب تجديدها وإن بقي وقتها بعد الإفاقة ولا تصح النية نهارا في أي صوم ولو كان تطوعا وتكفي النية الواحدة في كل صوم يجب تتابعه كصيام رمضان وصيام كفارته وكفارة القتل أو الظهار ما دام لم ينقطع تتابعه فإن انقطع التتابع بمرض أو سفر أو نحوهما فلا بد من تبييت النية كل ليلة ولو استمر صائما على المعتمد فإذا انقطع السفر والمرض كفت نية للباقي من الشهر وأما الصوم الذي لا يجب فيه التتابع كقضاء رمضان وكفارة اليمين فلا بد فيه من النية كل ليلة ولا يكفيهنية واحدة في أوله والنية الحكمية كافية فلو تسحر ولم يخطر بباله الصوم وكان بحيث لو سئل لماذا تتسحر ؟ أجاب بقوله : إنما تسحرت لأصوم كفاه ذلك
الحنابلة قالوا: شروط الصوم ثلاثة أقسام : شروط وجوب فقط وشروط صحة فقط وشروط وجوب وصحة معا فأما شروط الوجوب فقط فهي ثلاثة : الإسلام والبلوغ والقدرة على الصوم فلا يجب على صبي ولو كان مراهقا ويجب على وليه أمره به إذا أطاقه ويجب أن يضربه إذا امتنع ولا يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه وأما المريض الذي يرجى برؤه فيجب عليه الصيام إذا برأ وقضاء ما فاته من رمضان وأما شروط الصحة فقط فهي ثلاثة : أولها : النية ووقتها الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر إن كان الصوم فرضا أما إذا كان الصوم نفلا فتصح نيته نهارا ولو بعد الزوال إذا لم يأت بمناف للصوم من أكل أو شرب مثلا من أول النهار ويجب تعيين المنوي من كونه رمضان أو غيره ولا تجب نية الفرضية وتجب النية لكل يوم سواء رمضان وغيره ثانيها : انقطاع دم الحيض ثالثها : انقطاع دم النفاس فلا يصح صوم الحائض والنفساء وإن وجب عليهما القضاء وأما شروط الوجوب والصحة معا فهي ثلاثة : الإسلام فلا يجب الصوم على كافر ولو كان مرتدا ولا يصح منه . والعقل فلا يجب الصوم على مجنون ولا يصح منه والتمييز فلا يصح من غير مميز كصبي لم يبلغ سبع سنين لكن لو جن في أثناء يوم من رمضان أو كان مجنونا وأفاق أثناء يوم رمضان وجب عليه قضاء ذلك اليوم وأما إذا جن يوما كاملا أو أكثر فلا يجب عليه قضاؤه بخلاف المغمى عليه فيجب عليه القضاء لو طال زمن الإغماء والسكران والنائم كالمغمى عليه لا فرق بين أن يكون السكران معتديا بسكره أو لا



ثبوت شهر رمضان



يثبت شهر رمضان بأحد أمرين : الأول : رؤية هلاله إذا كانت السماء خالية مما يمنع الرؤية من غيم أو دخان أو غبار أو نحوها : الثاني : إكمال شعبان ثلاثين يوما إذا لم تكن السماء خالية مما ذكر لقوله صلى الله عليه و سلم : " صوموا لريته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين " رواه البخاري عن أبي هريرة ومعنى الحديث : أن السماء إذا كانت صحوا أمر الصوم متعلقا برؤيته الهلال فلا يجوز الصيام إلا إذا رئي الهلال أما إذا كان بالسماء غيم فإن المرجع في ذلك يكون إلى شعبان بمعنى أن نكمله ثلاثين يوما . بحيث لو كان ناقصا في حسابنا نلغي ذلك النقص وإن كان كاملا وجب الصوم وهذه القاعدة وضعها الشارع الذي أمر بالصيام فهو صاحب الحق المطلق في نصب العلامات التي يريدها وهو قد قال لنا : إن كانت السماء صحوا ويمكن رؤية الهلال فارصدوه وصوموا عند رؤيته وإلا فلا أما إذا كانت غيما فلنرجع إلى حساب شهر شعبان ونكمله ثلاثين يوما وبهذا أخذ ثلاثة من الأئمة وخالف الحنابلة حال الغيم عملا بلفظ آخر ورد في حديث آخر وهو صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له . فقالوا : إن معنى " فاقدروا له " احتاطوا له بالصوم وقد احتج الحنابلة لذلك بعمل ابن عمر راوي الحديث فقد ثبت أنه كان إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب وقتر أصبح مفطرا وإن حال أصبح صائما . ولا يقال لهذا اليوم : يوم شك في هذه الحالة بل الشك عندهم لا يوجد إلا إذا كان اليوم صحوا وتقاعد الناس عند رؤية الهلال وقد ذكرنا مذهب الحنابلة تحت الخط




الحنابلة قالوا: إذا غم الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان فلا يجب إكمال شعبان ثلاثين يوما . ووجب عليه تبيين النية وصوم اليوم التالي لتلك الليلة سواء كان في الواقع من شعبان أو رمضان وينويه عن رمضان فإن ظهر في أثنائه أنه من شعبان لم يجب إتمامه



أما كيفية إثبات الهلال ففيها تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط




الحنفية قالوا : إذا كانت السماء خالية من موانع الرؤية فلا بد من رؤية جماعة كثيرين يقع بخبرهم العلم وتقدير الكثرة منوط برأي الإمام أو نائبه فلا يلزم فيها عدد معين على الراجح وشترط في الشهود في هذه الحالة أن يذكروا في شهادتهم لفظ : " أشهد " وإن لم تكن السماء خالية من الموانع المذكورة وأخبر واحد أنه رآه اكتفى بشهادته إن كان مسلما عدلا عاقلا بالغا ولا يشترط أن يقول : أشهد كما لا يشترط الحكم . ولا مجلس القضاء ومتى كان بالسماء علة فلا يلزم أن يراه جماعة لتعسر الرؤية حينئذ ولا فرق في الشاهد بين أن يكون ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا وإذا رآه واحد ممن تصح شهادته وأخبر بذلك واحد آخر تصح شهادته فذهب الثاني إلى القاضي وشهد على شهادة الأول فللقاضي أن يأخذ بشهادته ومثل العدل في ذلك مستور الحال على الأصح ويجب على من رأى الهلال ممن تصح شهادته أن يشهد بذلك في ليلته عند القاضي إذا كان في المصر فإن كان في قرية فعليه أن يشهد بين الناس بذلك في المسجد ولو كان الذي رآه امرأة مخدرة ويجب على من رأى الهلال وعلى من صدقه الصيام ولو ورد القاضي شهادته إلا أنهما لو أفطرا في حالة رد الشهادة فعليهما القضاء دون الكفارة
الشافعية قالوا : يثبت رمضان برؤية عدل ولو مستورا سواء كانت السماء صحوا أو بها ما يجعل الرؤية متعسرة ويشترط في الشاهد أن يكون مسلما عاقلا بالغا حرا ذكرا عدلا ولو بحسب ظاهره وأن يأتي في شهادته بلفظ : أشهد كأن يقول أمام القاضي : أشهد أنني رأيت الهلال ولا يلزم أن يقول : وإن غدا من رمضان ولا يجب الصوم على عموم الناس إلا إذا سمعها القاضي ولو لم يشهد عند القاضي أو شهد ولم تسمع شهادته وكذا يجب على كل من صدقه أن يصوم متى بلغته شهادته ووثف بها ولو كان الراي صبيا أو امرأة أو عبدا أو فاسقا أو كافرا
المالكية قالوا : يثبت هلال رمضان بالرؤية وهي على ثلاثة أقسام : الأول : أن يراه عدلان والعدل هو الذكر الحر البالغ العاقل الخالي من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو فعل ما يخل بالمروءة الثاني : أن يراه جماعة كثيرة يفيد خبرهم العلم ويؤمن تواطؤهم على الكذب ولا يجب أن يكونوا كلهم ذكورا أحرارا عدولا الثالث : أن يراه واحد ولكن لا تثبت الرؤية بالواحد إلا في حق نفسه أو في حق من أخبره إذا كان من أخبره لا يعتني بأمر الهلال أما من له اعتناء بأمره فلا يثبت في حقه الشهر برؤية الواحد وإن وجب عليه الصوم برؤية نفسه ولا يشترط في الواحد الذكورة ولا الحرية فمتى كان غير مشهور بالكذب وجب على من لا اعتناء لهم بأمر الهلال أن يصوموا بمجرد إخباره ولو كان امرأة أو عبدا متى وثقت النفسبخبره واطمأنت له ومتى رأى الهلال عدلان أو جماعة مستفيضة وجب على كل من سمع منهما أن يصوم كما يجب على كل من نقلت إليه رؤية واحد من القسمين الأولين إنما إذا كان النقل عن العدلين فلا بد أن يكون الناقل عن كل منهما عدلين ولا يلزم تعدد العدلين في النقل فلو نقل عدلان الرؤية عن واحد ثم نقلاها عن الآخر أيضا وجب الصوم على كل من نقلت إليه أو جماعة مستفيضة ولا يكفي نقل الواحد وأما إذا كان النقل عن الجماعة المستفيضة فيكفي فيه العدل الواحد كما يكفي إذا كان النقل ثبوت الشهر عند الحاكم أو عن حكمه بثبوته وإذا رأى الهلال عدل واحد أو مستور الحال وجب عليه أن يرفع الأمر للحاكم ليفتح باب الشهادة فربما ينضم إليه واحد آخر إذا كان عدلا أو جماعة مستفيضة إن كان غير عدل ولا يشترط في إخبار العدلين أو غيرهم أن يكون بلفظ : أشهد
الحنابلة قالوا: لا بد من رؤية هلال رمضان من إخبار مكلف عدل ظاهرا وباطنا فلا تثبت برؤية صبي مميز ولا بمستور الحال ولا فرق في العدل بين كونه ذكرا أو أنثى . حرا أو عبدا ولا يشترط أن يكون الإخبار بلفظ : أشهد فيجب الصوم على من سمع عدلا يخبر برؤية هلال رمضان ولو رد الحاكم خبره لعدم عمله بحاله ولا يجب على من رأى الهلال أن يذهب إلى القاضي ولا إلى المسجد كما لا يجب عليه إخبار الناس



إذا ثبت الهلال بقطر من الأقطار

إذا ثبت رؤية الهلال بقطر من الأقطار وجب الصوم على سائل الأقطار لا فرق بين القريب من جهة الثبوت والبعيد إذا بلغهم من طريق موجب للصوم . ولا عبرة باختلاف مطلع الهلال مطلقا عند ثلاثة من الأئمة وخالف الشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط




الشافعية قالوا : إذا ثبتت رؤية الهلال في جهة وجب على أهل الجهة القريبة منها من كل ناحية أن يصوموا بناء على هذا للثبوت والقرب يحصل باتحاد المطلع بأن يكون بينهما أقل من أربعة وعشرين فرسخا تحديدا أما أهل الجهة البعيدة فلا يجب عليهم الصوم بهذه الرؤية لاختلاف المطلع



هل يعتبر قول المنجم ؟

لا عبرة بقول المنجمين فلا يجب عليهم الصوم بحاسبهم ولا على من وثق بقولهم لأن الشارع علق الصوم على أمارة ثابتة لا تتغير أبدا وهي رؤية الهلال أن إكمال العدة ثلاثين يوما أما قول المنجمين فهو إن كان مبنيا على قواعد دقيقة فإنا نراه غير منضبط بدليل اختلاف آرائهم في أغلب الأحيان وهذا هو رأي ثلاثة من الأئمة وخالف الشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط




الشافعية قالوا : يعتبر قول المنجم في حق نفسه وحق من صدقه ولا يجب الصوم على عموم الناس بقوله على الراجح



حكم التماس الهلال

يفترض على المسلمين فرض كفاية أن يلتمسوا الهلال في غروب اليوم التاسع والعشرين من شعبان ورمضان حتى يتبينوا أمر صومهم وإفطارهم ولم يخالف في هذا سوى الحنابلة فقالوا : إن التماس الهلال مندوب لا واجب ولا يخفى أن رأي غيرهم هو المعقول لأن صيام رمضان من أركان الدين وقد علق على رؤية الهلال فكيف يكون طلب الهلال مندوبا فقط وإذا رئي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده وجب صوم اليوم الذي يليه إذا كانت الرؤية في آخر شعبان ووجب إفطار اليوم الذي يليه إن كان آخر رمضان ولا يجب عند رؤية الهلال الإمساك في الصورة الأولى ولا الإفطار في الثانية وهذا الحكم عند المالكية والحنفية وخالف الشافعية والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط




الشافعية و الحنابلة قالوا: إن رؤية الهلال نهارا لا عبرة بها وإنما المعتبر رؤيته بعد الغروب



هل يشترط حكم الحاكم في الصوم ؟

لا يشترط في ثبوت الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس حكم الحاكم . ولكن لو حكم بثبوت الهلال بناء على أي طريق في مذهبه وجب الصوم على عموم المسلمين . ولو خالف مذهب البعض منهم . لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف وهذا متفق عليه إلا عند الشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط




الشافعية قالوا : يشترط في تحقيق الهلال ووجوب الصوم بمقتضاه على الناس أن يحكم به الحاكم فمتى حكم به وجب الصوم على الناس ولو وقع حكمه عن شهادة واحد عدل



ثبوت شهر شوال

يثبت شهر شوال برؤية هلاله كبعا وفي كيفية تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط




الحنفية قالوا : يثبت شوال بشهادة رجلين عدلين أو رجل وامرأتين كذلك إن كانت السماء بها علة كغيم ونحوه أما إن كانت صحوا فلا بد من رؤية جماعة كثيرين ويلزم أن يقول الشاهد : أشهد
المالكية قالوا : يثبت هلال شوال برؤية العدلين أو الجماعة المستفيضة وهي الجماعة الكثيرة التي يؤمن تواطؤها على الكذب ويفيد خبرها العلم ولا يشترط فيها الحرية ولا الذكورة كما تقدم في " ثبوت هلال رمضان " وتكفي رؤية العدل الواحد في حق نفسه ويجب عليه أن يفطر بالنية فلا ينوي الصوم ولكنه لا يجوز له أن يأكل أو يشرب أو نحو ذلك من المفطرات ولو أمن اطلاع الناس عليه نعم إن طرأ له ما يبيح السفر أو طرأ عليه مرض فإنه يجوز له أن يأكل ويشرب وغير ذلك وإذا أفطر بغير عذر مبيح بالأكل ونحوه وعظ وشدد عليه إن كان ظاهر الصلاح فإن لم يكن ظاهر الصلاح عاقبه القاضي بما يراه تعزيرا
الشافعية قالوا : تكفي شهادة العدل الواحد في ثبوت هلال شوال فهو كرمضان على الراجح ويلزم أن يقول الشاهد أشهد فلفظ الشهادة متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة ما عدا المالكية
الحنابلة قالوا: لا يقبل في ثبوت شوال إلا رجلان عدلان يشهدان بلفظ الشهادة



فإن لم يرهلال شوال وجب إكمال رمضان ثلاثين . فإذا تم رمضان ثلاثين يوما ولم يلا هلال شوال فإما أن تكون السماء صحوا أو لا فإن كانت صحوا فلا يحل الفطر في صبيحة تلك الليلة بل يجب الصوم في اليوم التالي وكذب شهود هلال رمضان وإن كانت غير صحو وجب الإفطار في صبيحتها واعتبر ذلك اليوم من شوال عند الحنفية والمالكية وخالف الشافعية والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط




الشافعية قالوا : إذا صام الناس بشهادة عدل وتم رمضان ثلاثين يوما وجب عليهم الإفطار على الأصح سواء كانت السماء صحوا أو لا
الحنابلة قالوا: إن كان صيام رمضان بشهادة عدلين وأتموا عدة رمضان ثلاثين يوما ولم يروا الهلال ليلة الواحد والثلاثين وجب عليهم الفطر مطلقا أما إن كان صيام رمضان بشهادة عدل واحد أو بناء على تقدير شعبان تسعة وعشرين يوما بسبب غيم ونحوه فإنه يجب عليهم صيام الحادي والثلاثين



مبحث صيام يوم الشك


في تعريف يوم الشك وحكم صومه تفصيل في المذاهب . فانظره تحت الخط




الحنفية قالوا : يوم الشك هو آخر يوم من شعبان احتمل أن يكون من رمضان وذلك بأن يم ير الهلال بسبب غيم بعد غروب يوم التاسع والعشرين من شعبان فوقع الشك في اليوم التالي له هل هو من شعبان أو من رمضان أو حصل الشك بسبب رد القاضي شهادة الشهود أو تحدث الناس بالرؤية ولم تثبت أما صومه فتارة يكون مكروها تحريما أو تنزيها وتارة يكون مندوبا وتارة يكون باطلا فيكره تحريما إذا نوى أن يصومه جازما أنه من رمضان ويكره تنزيها إذا نوى صيامه عن واجب نذر وكذا يكره تنزيها إذا صامه جازما أنه من رمضان ويكره تنزيها إذا نوى صيامه عن واجب نذر وكذا يكره تنزيها إذا صامه مترددا بين الفرض والواجب بأن يقول : نويت صوم غد إن كان من رمضان وإلا فعن واجب آخر أو مترددا بين الفرض والنفل بأن يقول : نويت صوم غد فرضا إن كان من رمضان وتطوعا إن كان من شعبان ويندب صومه بنية التطوع إن وافق اليوم الذي اعتاد صومه ولا بأس بصيامه بهذه النية وإن لم يوافق عادته ويكون صومه باطلا إذا صامه مترددا بين الصوم والإفطار بأن يقول نويت أن أصوم غدا إن كان من رمضان وإلا فأنا مفطر وإذا ثبت أن يوم الشك من رمضان أجزأه صيامه ولو كان مكروها تحريما أو تنزيها أو مندوبا أو مباحا
الشافعية قالوا : يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث الناس برية الهلال ليلته ولم يشهد به أحد أو شهد به من لا تقبل شهادته كالنساء والصبيان ويحرم صومه سواء كانت السماء في غروب اليوم الذي سبقه صبحوا أو بها غيم ولا يراعى في حالة الغيم خلاف الإمام أحمد القائل بوجوب صومه حينئذ لأن مراعاة الخلاف لا تستحب متى خالف حديثا صريحا وهو هنا خبر : " فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما فإن لم يتحدث الناس برؤية الهلال فهو من شعبان جزما وإن شهد به عدل فهو من رمضان جزما ويستثنى من حرمة صومه ما إذا صامه لسبب يقتضي الصوم كالنذر والقضاء أو الاعتياد كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس فصادف يوم الشك . فلا يحرم صومه بل يكون واجبا في الواجب ومندوبا في التطوع وإذا أصبح يوم الشك مفطرا ثم تبين أنه من رمضان وجب الإمساك باقي يومه ثم قضاه بعد رمضان على الفور وإن نوى صيام يوم الشك على أنه من رمضان فإن تبين أنه من شعبان لم يصح صومه أصلا لعدم نيته وإن تبين أنه من رمضان فإن كان صومه مبنيا على تصديقه من أخبره ممن لا تقبل شهادته كالعبد والفاسق صح عن رمضان وإن لم يكن صومه مبنيا على هذا التصديق لم يقع عن رمضان وإن نوى صومه على أنه إن كان من شعبان فهو نفل وإن كان من رمضان فهو عنه صح صومه نفلا إن ظهر أنه من شعبان فإن ظهر أنه من رمضان لم ي صح فرضا ولا نفلا
المالكية قالوا : عرفوا يوم الشك بتعريفين : أحدها : أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث ليلته من لا تقبل شهادته برؤية هلال رمضان : كالفاسق والعبد والمرأة الثاني : أنه يوم الثلاثين من شعبان إذا كان بالسماء ليلته غيم ولم ير هلال رمضان وهذا هو المشهور في التعريف وإذا صامه الشخص تطوعا من غير اعتياد أو لعادة كما إذا اعتاد أن يصوم كل خميس فصادف يوم الخميس يوم الشك كان صومه مندوبا وإن صامه قضاء عن رمضان السابق أو عن كفارة يمين أو غيره أو عن نذر صادفه كما إذا نذر أن يصوم يوم الجمعة فصادف يوم الشك وقع واجبا عن القضاء وما بعده إن لم يتبين أنه من رمضان فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزي عن رمضان الحاضر لعدم نيته ولا عن غيره من القضاء والكفارة والنذر لأن زمن رمضان لا يقبل صوما غيره ويكون عليه قضاء ذلك اليوم عن رمضان الحاضر وقضاء يوم آخر عن رمضان الفائت أو الكفارة أما النذر فلا يجب قضاؤه لأنه كان معينا وفات وقته وإذا صامه احتياطا بحيث ينوي أنه إن كان من رمضان لحتسب به وإن لم يكن من رمضان كان تطوعا . ففي هذه الحالة يكون صومه مكروها فإن تبين أنه من رمضان فلا يجزئه عنه . وإن وجب الإمساك فيه لحرمة الشهر وعليه قضاء يوم وندب الإمساك يوم الشك حتى يرتفع النهار ويتبين الأمر من صوم أو إفطار فإن تبين أنه من رمضان وجب إمساكه وقضاء يوم بعدن فإن أفطر بعد ثبوت أنه من رمضان عامدا عالما فعليه القضاء والكفارة
الحنابلة قالوا: يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال ليلته مع كون السماء صحوا لا علة بها ويكره صومه تطوعا . إلا إذا وافق عادة له أو صام قبله يومين فأكثر فلا كراهة . ثم إن تبين أنه من رمضان . فلا يجزئه عنه ويجب عليه الإمساك فيه وقضاء يوم بعد أما إذا صامه عن واجب كقضاء رمضان الفائت ونذر كفارة فيصح ويقع واجبا إن ظهر أنه من شعبان فإن ظهر أنه من رمضان فلا يجزئ لا عن رمضان ولا عن غيره ويجب إمساكه وقضاؤه بعد وإن نوى صومه عن رمضان إن كان منه لم يصح عنه إذا تبين أنه منه وإن وجب عليه الإمساك والقضاء كما تقدم إن لم يتبين أنه من رمضان فلا يصح لا نفلا ولا غيره



الصيام المحرَّم - صيام يوم العيد، وصيام المرأة بغير إذن زوجها


حرم الشارع الصوم في أحوال : منها الصيام يوم العيدين : عيد الفطر وعيد الأضحى وثلاثة أيام بعد عيد الأضحى عند ثلاثة من الأئمة إلا أن الحنفية قالوا : إن ذلك مكروه تحريما وقال المالكية يحرم صوم يومين بعد عيد الأضحى لا ثلاثة أيام وقد ذكرنا تفصيل كل مذهب في ذلك تحت الخط




المالكية قالوا : يحرم صيام يوم عبد الفطر وعيد الأضحى ويومين بعد عيد الأضحى إلا في الحج للتمتع والقارن فيجوز لهما صومهما وأما صيام اليوم الرابع من عيد الأضحى فمكروه
الشافعية قالوا : يحرم ولا ينعقد صيام يوم عيد الفطر وعيد الأضحى وثلاثة أيام بعد عيد أضحى مطلقا ولو في الحج
الحنابلة قالوا: يحرم صيام يوم عيد الفطر وعيد الأضحى وثلاثة أيام بعد عيد الأضحى إلا في الحج للمتمتع والقارن
الحنفية قالوا : صيام يومي العيد وأيام التشريق الثلاثة مكروه تحريما إلا في الحج



ومنها صيام المرأة نفلا بغير إذن زوجها أو بغير أن تعلم بكونه راضيا عن ذلك وإن لم يأذنها صراحة إلا إذا لم يكن محتاجا لها كأن كان غائبا أو محرما أو معتكفا . وهذا هو رأي الشافعية والمالكية أما الحنفية والحنابلة فانظر رأيهما تحت الخط




الحنفية قالوا : صيام المرأة بدون إذن زوجها مكروه
الحنابلة قالوا: متى كان زوجها حاضرا فلا يجوز صومها بدون إذنه ولو كان به مانع من الوطء كإحرام أو اعتكاف أو مرض



الصوم المندوب - تاسوعاء - عاشوراء - الأيام البيض - وغير ذلك

الصوم المندوب منه صوم شهر المحرم وأفضله يوم التاسع والعاشر منه والحنفية يقولون : إن صومهما سنة لا مندوب وقد عرفت أن الشافعية والحنابلة يوافقون على هذه التسمية إذا لا فرق عندهم بين السنة والمندوب أما المالكية فلا يوافقون للفرق عندهم بين المندوب والسنة كما هو عند الحنفية ومنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر . ويندب أن تكون هي الأيام البيض أعني الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر العربي وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط




المالكية قالوا : يكره قصد الأيام البيض بالصوم



صوم يوم عرفة


يندب صوم اليوم التاسع من ذي الحجة ويقال له : يوم عرفة . وإنما يندب صومه لغير القائم بأداء الحج أما إذا ان حاجا ففي صومه هذا اليوم تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط




الحنابلة قالوا: يندب أن يصوم الحاج يوم عرة إذا وقف بها ليلا ولم يقف بها نهارا أما إذا وقف بها نهارا فيكره له صومه
الحنفية قالوا : يكره صوم يوم عرفة للحاج إن أضعفه وكذا صوم يوم التروية وهو ثامن ذي الحجة
المالكية قالوا : يكره للحاج أن يصوم يوم عرفة كما يكره له أيضا أن يصوم يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة
الشافعية قالوا : الحاج إن كان مقيما بمكة ثم ذهب إلى عرفة نهارا فصومه يوم عرفة خلاف الأولى وإن ذهب إلى عرفة ليلا فيجوز له الصوم أما إن كان الحاج مسافرا فيسن له الفطر مطلقا



صوم يوم الخميس والإثنين


يندب صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع وأن في صومها مصلحة للأبدان لا تخفى


صوم ست من شوال


يندب صوم ستة من شوال مطلقا بدون شروط عند الأئمة الثلاثة وخالف المالكية والأفضل أن يصومها متتابعة بدون فاصل عند الشافعية والحنابلة أما المالكية والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط




المالكية قالوا : يكره صوم ستة أيام من شوال بشروط : - 1 - أن يكون الصائم ممن يقتدي به أو يخاف عليه أن يعتقد وجوبها - 2 - أن يصومها متصلة بيوم الفطر - 3 - أن يصومها متتابعة - 4 - أن يظهر صومها فإن انتقى شرط من هذه الشروط فلا يكره صومها إلا إذا اعتقد أن وصلها بيوم العيد سنة فيكره صومها ولو لم يظهرها أو صامها متفرقة
الحنفية قالوا : تستحب أن تكون متفرقة في كل أسبوع يومان



صوم يوم وإفطار يوم


يندب للقادر أن يصوم يوما ويفطر يوما وقد ورد أن ذلك أفضل أنواع الصيام المندوب


صوم رجب وشعبان وبقية الأشهر الحرم


يندب صوم شهر رجب وشعبان باتفاق ثلاثة من الأئمة وخالف الحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط




الحنابلة قالوا: إفراد رجب بالصوم مكروه إلا إذا أفطر في أثنائه فلا يكره



أما الأشهر الحرم وهي أربع : ثلاثة متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفرد وهو رجب فإن صيامها مندوب عند ثلاثة من الأئمة وخالف الحنفية فانظر مذهبهم تحت الخط




الحنفية قالوا : المندوب في الأشهر الحرم أن يصوم ثلاثة أيام من كل منها وهي : الخميس والجمعة والسبت



إذا شرع في صيامه النفل ثم أفسده


إتمام صوم التطوع بعد الشروع فيه وقضاؤه إذا أفسده مسنون عند الشافعية والحنابلة وخالفهم المالكية والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط




الحنفية قالوا : إذا شرع في صيام نفل ثم أفسده فإنه يجب عليه قضاؤه والواجب عندهم بمعنى السنة المؤكدة فإفساد صوم النفل عندهم مكروه تحريما وعدم قضائه مكروه تحريما كما تقدم في أقسام " الصوم "
المالكية قالوا : إتمام النفل من الصوم بعد الشروع فيه فرض وكذلك قضاؤه إذا تعمد إفساده ويستثنى من ذلك من صام تطوعا ثم أمره أحد والديه أو شيخه بالفطر شفقة عليه من إدامة الصوم فإنه يجوز له الفطر ولا قضاء عليه



ومثل ذلك صوم الأيام التي نذر اعتكافها كأن يقول : لله علي أن أعتكف عشرة أيام فإنه يسن له أن يصوم هذه الأيام العشرة ولا يفترض صيامها عند الشافعية والحنابلة وخالفهم المالكية والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط




الحنفية قالوا : يشترط الصوم في صحة الاعتكاف المنذور كما تقدم
المالكية قالوا : الاعتكاف المنذور يفترض فيه الصوم بمعنى أن نذر الاعتكاف أياما لا يستلزم نذر الصوم لهذه الأيام فيصح أن يؤدي الاعتكاف المنذور في صوم تطوع ولا يصح أن يؤدي في حال الفطر لأن الاعتكاف من شروط صحته الصوم عندهم



الصوم المكروه


صوم يوم الجمعة وحده والنيروز والمهرجان وصوم يوم أو يومين قبل رمضان من الصوم المكروه صوم يوم النيروز ويوم المهرجان منفردين بدون أن يصوم قبلهما أو بعدهما ما لم يوافق ذلك عادة له فإنه لا يكره عند ثلاثة وقال الشافعية : لا يكره صومها مطلقا ومن المكروه صيام يوم الجمعة منفردا وكذا صيام يوم السبت منفردا وقال المالكية : لا يكره إفراد يوم الجمعة أو غيره بالصوم ومن المكروه أن يصوم قبل شهر رمضان بيوم أو يومين لا أكثر عند الحنفية والحنابلة أما المالكية فقالوا : لا يكره صوم يوم أو يومين قبل رمضان و الشافعية قالوا يحرم صوم أو يومين قبل رمضان وكذا صوم النصف الثاني من شعبان إذا لم يصله بما قبله ولم يوجد سبب يقتضي صومه من نذر أو عادة ومن المكروه صوم يوم الشبك وقد تقدم بيانه في المذاهب وهناك مكروهات أخرى مفصلة في المذاهب : فانظرها تحت الخط




الحنفية قالوا : الصوم المكروه ينقسم إلى قسمين : مكروه تحريما وهو صوم أيام الأعياد والتشريق فإذا صامها انعقد صومه مع الإثم وإن شرع في صومها ثم أفسدها لا يلزمه القضاء ومكروه تنزيها وهو صيام يوم عاشوراء منفردا عن التاسع أو عن الحادي عشر ومن المكروه تنزيها إفراد يوم النيروز والمهرجان بالصوم إذا لم يوافق عادة له كما ذكر في أعلى الصحيفة ومنه صيام أيام الدهر لأنه يضعف البدن عادة ومنه صوم الوصال وهو مواصلة الإمساك ليلا ونهارا ومنه صوم الصمت وهو أن يصوم ولا يتكلم ومنه صوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها إلا أن يكون مريضا أو صائما أو محرما بحج أو عمرة ومنه صوم المسافر إذا أجهده الصوم
المالكية قالوا : يكره صوم رابع النحر ويستثنى من ذلك للقارن ونحوه كالمتمتع ومن لزمه هدي ينقص في حج أو عمرة فإنه يصومه ولا كراهة وإذا صام الرابع تطوعا فيعقد وإذا أفطر فيه عامدا ولم يقصد بالفطر التخلص من النهي وجب عليه قضاؤه وإذا نذر صومه لزمه نظرا لكونه عبادة في ذاته ويكره سرد الصوم وتتابعة لمن يضعفه ذلك عن عمل أفضل من السوم ويكره أيضا صوم يوم المولد النبوي لأنه شبيه بالأعياد ويكره صوم التطوع لمن عليه صوم واجب كالقضاء وصوم الضيف بدون إذن رب المنزل أما صوم المرأة تطوعا بدون إذن زوجها فهو حرام كما تقدم وكذا يحرم الوصال في الصوم وهو وصل الليل بالنهار في الصوم وعدم الفطر وأما صوم المسافر فهو أفضل من الفطر إلا أن يشق عليه الصوم فالأفضل الفطر
الشافعية قالوا : يكره صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا مشقة شديدة وقد يكون محرما في حالة ما إذا خافوا على أنفسهم الهلاك أو تلف عضو بترك الغذاء ويكره أيضا إفراد يوم الجمعة أو يوم سبت أو أحد بالصوم إذا لم يوجد لهم سبب من نذر ونحوه أما إذا صام لسبب فلا يكره كما إذا وافق عادة له أو وافق يوما في صومه وكذا يكره صوم الدهر ويكره التطوع بصيام يوم وعليه قضاء فرض لأن أداء الفرض أهم من التطوع
الحنابلة قالوا: يكره أيضا صيام الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها ويكره إفراد رجب بالصوم



ما يفسد الصيام


تنقسم مفسدات الصيام إلى قسمين : قسم يوجب القضاء والكفارة وقسم يوجب القضاء دون الكفارة وإليك بيان كل قسم :


ما يوجب القضاء والكفارة


في مفسدات الصيام التي توجب القضاء والكفارة اختلاف المذاهب فانظره تحت الخط




الحنفية قالوا : يوجب القضاء والكفارة أمران : الأول أن يتناول غذاء أو ما في معناه بدون عذر شرعي كالأكل والشرب ونحوهما ويميل إليه الطبع وتنقضي به شهوة البطن الثاني : أن يقضي شهوة الفرج كاملة وإنما تجب الكفارة في هذين القسمين بشروط :
أولا : أن يكون الصائم المكلف مبيتا للنية في أداء رمضان فلو لم يبيت النية لا تجب عليه الكفارة كما تقدم وكذا إذا بيت النية في قضاء ما فاته من رمضان أو في صوم آخر غير رمضان ثم أفطر فإنه لا كفارة عليه ثانيا : أن لا يطرأ عليه ما يبيح الفطر من سفر أو مرض فإنه يجوز له أن يفطر بعد حصول المرض . أما لو أفطر قبل السفر فلا تسقط عنه الكفارة
ثالثا : أن يكون طائعا مختارا لا مكرها
رابعا : أن يكون متعمدا . فلو أفطر ناسيا أو مخطئا تسقط عنه الكفارة كما تقدم . ومما يوجب الجماع في القبل أو الدبر عمدا . وهو يوجب الكفارة على الفاعل والمفعول به . بالشروط المتقدمة . ويزاد عليها . أن يكون المفعول به آدميا حيا يشتهي . وتجب الكفارة بمجرد لقاء الختانين . وإن لم ينزل وإذا مكنت المرأة صغيرا أو مجنونا من نفسها فعليها الكفارة بالاتفاق . أما إذا تلذذت امرأة بامرأة مثلها بالمساحقة المعروفة وأنزلت . فإن عليها القضاء دون الكفارة وأما وطء البهيمة والميت والصغيرة التي لا تشتهي فإنه لا يوجب الكفارة ويوجب القضاء بالإنزال . كما تقدم ومن القسم الأول شرب الدخان المعروف وتناول الأفيون الحشيش ونحو ذلك . فإن الشهوة فيه ظاهرة . ومنه ابتلاع ريق زوجته للتلذذ به . ومنه ابتلاع حبة حنطة أو سمسمة من خارج فمه لأنه يتلذذ بها . إلا إذا مضغها فتلاشت ولم يصل منها شيء إلى جوفه ومنه أكل الطين الأرمني كما تقدم . وكذا قليل الملح ومنه أن يأكل عمدا بعد أن يغتاب آخر ظنا منه أنه أفطر بالغيبة لأن الغيبة لا تفطر فهذه الشبهة لا قيمة لها وكذلك إذا أفطر بعد الحجامة أو المس أو القبلة بشهوة من غير إنزال لأن هذه الأشياء لا تفطر فإذا تعمد الفطر بعدها لزمته الكفارة ومنه غير ذلك مما يأتي بيانه بيما يوجب القضاء فقط
الشافعية قالوا : ما يوجب القضاء والكفارة ينحصر في شيء واحد وهو الجماع بشروط . الأول : أن يكون ناويا للصوم فلو ترك النية ليلا لم يصح صومه ولكن يجب عليه الإمساك فإذا أتى امرأته في هذه الحالة نهارا لم تجب عليه الكفارة لأنه ليس بصائم حقيقة الثاني : أن يكون عامدا فلو أتاها ناسيا لم يبطل صومه وليس عليه قضاء ولا كفارة الثالث : أن يكون مختارا فلو أكره على الوقاع لم يبطل صومه الرابع : أن يكون عالما بالتحريم وليس له عذر مقبول شرعا في جهله فلو صام وهو قريب العهد بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء وجامع في هذه الحالة لم يبطل صومه أيضا والخامس : أن يقع منه الجماع في صيام رمضان أداء بخصوصه ولو فعل ذلك في صوم النفل أو النذر أو في صوم القضاء أو الكفارة فإن اكفارة لا تجب عليه ولو كان عامدا السادس : أن يكون الجماع مستقلا وحده في إفساد الصوم فلو أكل في حال تلبسه بالفعل فإنه لا كفارة عليه وعليه القضاء فقط السابع : أن يكون آثما بهذا الجماع بأن كان مكلفا عاقلا أما إذا كان صبيا وفعل ذلك وهو صائم فإنه لا كفارة عليه ومن ذلك ما لو كان مسافرا ثم نوى الصيام وأصبح صائما : ثم أفطر في أثناء اليوم بالجماع : فإنه لا كفارة عليه بسبب رخصة السفر الثامن : أن يكون معتقدا صحة صومه : فلو أكل ناسيا فظن أن هذا مفطر ثم جامع بعد ذلك عمدا . فلا كفارة عليه . وإن بطل صومه ووجب عليه القضاء التاسع : أن لا يصيبه جنون بعد الجماع وقبل الغربو . فإذا أصابه ذلك الجنون فإنه لا كفارة عليه . العاشر : أن لا يقدم على هذا الفعل بنفسه . فلو فرض وكان نائما وعلته امرأته . فأتاها وهو على هذه الحالة . فإنه لا كفارة عليه . إلا أن أغراها على عمل ذلك الحادي عشر : أن لا يكون مخطئا . فلو جامع ظانا بقاء الليل أو دخول المغرب . ثم تبين أنه جامع نهارا . فلا كفارة عليه وإن وجب عليه القضاء والإمساك الثاني عشر : أن يكون الجماع بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ونحوه فلو لم يدخلها أو أدخل بعضها فقط لم يبطل صومه . وإذا أنزل في هذه الحالة فعليه القضاء فقط . ولكن يجب عليه الإمساك فإن لم يسمك بقية اليوم فقد أثم الثالث عشر : أن يكون الجماع في فرج دبرا كان أو قبلا ولو لم ينزل فلو وطئ في غير ما ذكر فلا كفارة عليه الرابع عشر : أن يكون فاعلا لا مفعولا فلو أتى أنثى أو غيرها فالكفارة على الفاعل دون المفعول مطلقا . هذا وإذا طلع الفجر وهو يأتي زوجه فإن نزع حالا صح صومه وإن استمر ولو قليلا بعد ذلك فعليه القضاء والكفارة إن علم بالفجر وقت طلوعه أما إن لم يعلم فعليه القضاء دون الكفارة
الحنابلة قالوا: يوجب القضاء والكفارة شيئان : أحدهما : الوطء في نهار رمضان في قبل أو دبر سواء كان المفعول به حيا أو ميتة عاقلا أو غيره ولو بهيمة وسواء كان الفاعل متعمدا أو ناسيا عالما أو جاهلا مختارا أو مكرها أو مخطئا كمن وطئ وهو يعتقد أن الفجر لم يدخل وقته ثم تبين أنه وطئ بعد الفجر ودليلهم على ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر المجامع في نهار رمضان بالقضاء والكفارة ولم يطلب منه بيان حاله وقت الجماع والكفارة واجبة في ذلك سواء كان الفاعل صائما حقيقة أو ممسكا إمساكا واجبا وذلك كمن لم يبيت النية فإنه لا يصح صومه مع وجوب الإمساك عليه فإذا جامع في هذه الحالة لزمته الكفارة مع القضاء الذي تعلق بذمته
هذا والنزع جماع : فمن طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزع وجب عليه القضاء والكفارة أما الموطوء فإن كان مطاوعا عالما بالحكم غير ناس للصوم فعليه القضاء والكفارة أيضا : ثانيهما : إذا باشرت امرأة أخرى وأنزلت إحداهما وجبت عليها الكفارة ويقال لذلك : المساحقة
هذا وإذا جامع وهو في حال صحته ثم عرض له مرض لم تسقط الكفارة عنه بذلك ومثل ذلك إذا جامع وهو طليق ثم حبس أو جامع وهو مقيم ثم سافر أو جومعت المرأة وهي غير حائض ثم حاضت فإن الكفارة لا تسقط بشيء من ذلك
المالكية قالوا : موجبات القضاء والكفارة هي كل ما يفسد الصوم بشرائط خاصة وإليك بيان مفسدات الصوم الموجبة للقضاء والكفارة
أولا : الجماع الذي يوجب الغسل ويفسد به صوم البالغ سواء كان قاعلا أو مفعولا وإذا جامع بالغ صغيرة لا تطيقه فإن صومه لا يفسد إلا بالإنزال وإذا خرج المني من غير جماع فإنه يوجب الكفارة دون القضاء إلا أنه إذا كان بنظر أو فكر فإنه لا يوجب الكفارة إلا بشرطين : أحدهما : أن يديم النظر والفكر . فلو نظر إلى امرأة ثم غض بصره عنها بدون أن يطيل النظر وأمنى بهذا فلا كفارة عليه . الثاني : أن تكون عادته الإنزال عند استدامة النظر . فإن لم يكن الإنزال عادته عند استدامة النظر ففي الكفارة وعدمها قولان : وإذا خرج المني بمجرد نظر أو فكر مع لذة معتادة بلا استدامة أوجب القضاء دون الكفارة . وأما إخراج المذي فإنه يوجب القضاء فقط على كل حال ومن أتى امرأة نائمة في نهار رمضان وجب عليه أن يكفر عنها كما تجب الكفارة على من صب شيئا عمدا في خلق شخص آخر وهو نائم ووصل لمعدته وأما القضاء فيجب على المرأة وعلى المصبوب في حلقه لأنه لا يقبل النيابة
ثانيا : إخراج القيء وتعمده سواء ملأ الفم أو لا فمن فعل ذلك عمدا بدون علة وجب عليه القضاء والكفارة أما إذا غلبه القيء فلا يفسد الصوم إلا إذا رجع شيء منه ولو غلبه فيفسد صومه وهذا بخلاف البلغم إذا رجع فلا يفسد الصوم ولو أمكن الصائم أن يطرحه وتركه حتى رجع
ثالثا : وصول مائع إلى الحلق من فم أو أذن أو عين أو أنف . سواء كان المائع ماء أو غيره إذا وصل عمدا فإنه تجب به الكفارة والقضاء أما إذا وصل سهوا كما إذا تمضمض فوصل الماء إلى الحلق قهرا فإنه يوجب القضاء فقط وكذا إذا وصل خطأ كأكله نهارا معتقدا بقاء الليل أو غروب الشمس أو شاكا في ذلك ما لم تظهر الصحة كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس أو شاكا في ذلك ما لم تظهر الصحة كأن يتبين أن أكله قبل الفجر أو بعد غروب الشمس وإلا فلا يفسد صومه وفي حكم المائع : البخور وبخار القدر إذا استنشقهما فوصلا إلى حلقه وكذلك الدخان الذي اعتاد الناس شربه وهو مفسد للصوم بمجرد وصوله إلى الحلق وإن لم يصل إلى المعدة وأما دخان الحطب فلا أثر له كرائحة الطعام إذا استنشقها فلا أثر لها أيضا ولو اكتحل نهارا فوجد طعم الكحل في حلقه فسد صومه ووجبت عليه الكفارة إن كان عامدا وأما لو اكتحل ليلا ثم وجد طعمه نهارا فلا يفسد صومه ولو دهن شعره عامدا بدون عذر فوصل الدهن الى حلقه من مسام الشعر فسد صومه وعليه الكفارة وكذا إذا استعملت المرأة الحناء في شعرها عمدا بدون عذر . فوجدت طعمها في حلقها فسد صومها . وعليها الكفارة
رابعا : وصول أي شيء إلى المعدة . سواء كان مائعا أو غيره عمدا بدون عذر سواء وصل من الأعلى أو من الأسفل . لكن ماوصل من الأسفل لا يفسد الصوم إلا إذا وصل من منفذ كالدبر . فلا يفسد الصوم بسريان زيت أو نحوه من المسام إلى المعدة . فالحقنة بالإبرة في الذراع أو الألية أو غير ذلكلا تفطر . أما الحقنة في الإحليل وهو الذكر . فلا تفسد الصوم مطلقا . ولو وصل إلى المعدة حصاة أو درهم فسد صومه إن كان واصلا من الفم فقط . وكل ما وصل إلى المعدة على ما بين يبطل الصوم . ويوجب القضاء في رمضان سواء كان وصوله عمدا أو غلبة أو سهوا . أو خطأ كما تقدم في وصول المائع للحلق إلا أن الواصل عمدا في بعضه الكفارة على الوجه الذي بينا
وبالجملة فمن تناول مفسادا من مفسدات الصوم السابقة وجب عليه القضاء والكفارة بشروط : أولا : أن يكون الفطر في أداء رمضا فإن كان في غيره كقضاء رمضان وصوم منذور أو صوم كفارة أو نفل فلا تجب عليه الكفارة . وعليه القضاء في بعض ذلك . على تفصيل يأتي في القسم الثاني ثانيا : أن يكون متعمدا . فإن أفطر ناسيا أو مخطئا . أو لعذر . كمرض وسفر . فعليه القضاء فقط . ثالثا : أن يكون مختارا في تناول المفطر . أما إذا كان مكرها فلا كفارة عليه وعليه القضاء رابعا : أن يكون عالما بحرمة الفطر . ولو جهل وجوب الكفارة عليه . خامسا : أن يكون غير مبال بحرمة الشهر وهو غير المتأول تأويلا قريبا وإن كان متأويلا تأويلا قريبا فلا كفارة عليه والمتأول تأويلا قريبا هو المستند في فطره لأمر موجود وله أمثلة : منها أن يفطر أولا ناسيا أو مكرها . ثم ظن أنه لا يجب عليه إمساك بقية اليوم بعد التذكر . أو زوال الإكراه فتناول مفطرا عمدا . فلا كفارة عليه لاستناده لأمر موجود وهو الفطر أولا نسيانا أو بإكراه . ومنها ما إذا سافر الصائم مسافة أقل من مسافة القصر فظن أن الفطر مباح له . لظاهر قوله تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فنوى الفطر من الليل وأصبح مفطرا . فلا كفارة عليه . ومنها من رأى هلال شوال نهار الثلاثين من رمضان فظن أنه يوم عيد . وأن الفطر مباح فأفطر لظاهر قوله عليه السلام : " وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " فلا كفارة عليه وأما المتأول تأويلا بعيدا فهو المستند في فطره إلى أمر غير موجود وعليه الكفارة وله أيضا أمثلة : منها أن من عادته الحمى في يوم معين . فبيت نية الفطر من الليل ظانا أنه مباح فعليه الكفارة . ولو حم في ذلك اليوم . ومنها المرأة تعتاد الحيض في يوم معين . فبيتت نية الفطر لظنها إباحته في ذلك اليوم لمجيء الحيض فيه . ثم أصبحت مفطرة فعليها الكفارة . ولو جاء الحيض في ذلك اليوم حيث نوت الفطر قبل مجيئه . ومنها من اغتاب في يوم معين من رمضان فظن أن صومه بطل . وأن الفطر مباح فأفطر متعمدا . فعليه الكفارة سادسا : أن يكون الواصل من الفم . فلو وصل شيء من الأذن أو العين أو غيرهما . مما تقدم فلا كفارة وإن وجب القضاء . سابعا : أن يكون الوصول للمعدة فلو وصل شيء إلى حلق الصائم ورده فلا كفارة عليه . وإن وجب القضاء في المائع الواصل إلى الحلق ومن الأشياء التي تبطل الصوم وتوجب القضاء والكفارة : رفع النية ورفضها نهارا وكذا رفع النية ليلا إذا استمر رافعا لها حتى طلع الفجر وصول شيء إلى المعدة من القيء الذي أخرجه الصائم عمدا سواء وصل عمدا أو غلبة لا نسيانا ووصول شيء من أثر السواك الرطب الذي يتحلل منه شيء عادة كقشر الجوزن ولو كان الوصول غلبة متى تعمد الاستياك في نهار رمضان فهذه الأشياء توجب الكفارة بالشروط السابقة ما عدا التعمد بالنسبة للراجع من القيء والواصل من أثر السواك المذكور فإنه لا يشترط بل التعمد والوصول غلبة سواء وأما الوصول نسيانا فيوجب القضاء فقط فيهما



ما يوجب القضاء دون الكفارة وما لا يوجب شيئا


قد عرفت ما يوجب القضاء والكفارة وبقي الكلام فيما يوجب القضاء دون الكفارة وما لا يفسد الصيام أصلا وهو أمرو كثيرة مفصلة في المذاهب فانظرها تحت الخط




الحنفية قالوا : ما يوجب القضاء دون الكفارة ثلاثة أشياء : الأولى : أن يتناول الصائم ما ليس فيه غذاء أو ما في معنى الغذاء وما فيه غذاء هو ما يميل الطبع إلى تناوله وتنقضي شهوة البطن به وما في معنى الغذاء هو الدواء الثاني : أن يتناول غذاء أو دواء لعذر شرعي كمرض أو سفر أو إكراه أو خطأ كأن أهمل وهو يتمضمض فوصل الماء إلى جوفه وكذا إذا داوى جرحا في بطنه أو رأسه وصل الدواء إلى جوفه أو دماغه أما النسيان فإنه لا يفسد الصيام أصلا فلا يجب به قضاء ولا كفارة الثالث : أن يقضي شهوة الفرج غير كاملة ومن القسم الأول ما إذا أكل أرزا نيئا أو عكينا أو دقيقا غير مخلوط بشيء يؤكل عادة كالسمن والعسل وإلا وجبت به الكفارة وكذا إذا أكل طينا غير أرمني إذا لم يعتد أكله أما الطين الأرمني وهو معروف عند العطارين فإنه يوجب الكفارة مع القضاء أو أكل ملحا كثيرا دفعة واحدة فإن ذلك مما لا يقبله الطبع ولا تنقضي به شهوة البطن . أما أكل القليل منه فإن فيه الكفارة مع القضاء لأنه يتلذذ به عادة وكذا إذا أكل نواة أو قطعة من الجلد أو ثمرة من الثمار التي لا تؤكل قبل نضجها كالسفرجل إذا لم يطبخ أو يملح وإلا كانت فيه الكفارة وكذا إذا ابتلع حصاة أو حديدة أو درهما أو دينارا : أو ترابا أو نحو ذلك أو أدخل ماء أو دواء في جوفه بواسطة الحقنة من الدبر أو الأنف أو قبل المرأة وكذا إذا صب في أذنه دهنا بخلاف ما إذا صب ماء فإنه لا يفسد صومه على الصحيح لعدم سريان الماء وكذا دخل فمه مطر أو ثلج ولم يبتلعه بصنعه وكذا إذا تعمد إخراج القيء من جوفه أو خرج كرها وأعاده بصنعه بشرط أن يكون ملء الفم في الصورتين وأن يكون ذاكرا لصومه فإن كان ناسيا لصومه لم يفطر في جميع ما تقدم وكذا إذا كان أقل من ملء الفم على الصحيح وإذا أكل ما بقي من نحو تمرة بين أسنانه إذا كان قدر الحمصة وجب القضاء فإن كان أقل فلا يفسد لعدم الاعتداد به وكذا إذا تكون ريقه ثم ابتلعه أو بقي بلل بفيه بعد المضمضة وابتلعه مع الريق فلا يفسد صومه وينبغي أن يبصق بعد المضمضة قبل أن يبتلع ريقه ولا يشترط المبالغة في البصق ومن القسم الثاني - وهو ما إذا تناول غذاء أو ما في معناه لعذر شرعي - إذا أفطرت المرأة خوفا على نفسها أن تمرض من الخدمة أو كان الصائم نائما وأدخل أحد شيئا مفطرا في جوفه وكذا إذا أفطر عمدا بشبهة شرعية بأن أكل عمدا بعد أن أكل ناسيا أو جامع ناسيا ثم جامع عامدا أو أكل عمدا بعد الجماع ناسيا وكذا إذا لم يبيت النية ليلا ثم نوى نهارا فإنه إذا أفطر لا تجب عليه الكفارة لشبهة عدم صيامه عند الشافعية وكذا إذا نوى الصوم ليلا . ولم ينقص نيته ثم أصبح مسافرا ونوى الإقامة بعد ذلك ثم أكل لا تلزمه الكفارة وإن حرم عليه الأكل في هذه الحالة وكذا إذا أكل أو شرب أو جامع شاكا في طلوع الفجر وكان الفجر طالعا لوجود الشبهة . أما الفطر وقت الغروب . فلا يكفي فيه الشك لإسقاط الكفارة بل لا بد من غلبة الظن على إحدى الروايتين . ومن جامع قبل طلوع الفجر ثم طلع عليه الفجر فإن نزع فورا لم يفسد صومه . وإن بقي كان عليه القضاء والكفارة . ومن القسم الثالث - وهو ما إذا قضى ضهوة الفرج غير كاملة - ما إذا أمنى بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشتهى أو أمنى بفخذ أو بطن أو عبث بالكف أو وطئت المرأة وهي نائمة أو قطرت في فرجها دهنا ونحوه فإنه يجب في كل هذا القضاء دون الكفارة . ويلحق بهذا القسم ما إذا أدخل إصبعه مبلولة بماء أو دهن في دبره واستنجى فوصل الماء إلى داخل دبره وإنما يفسد ما دخل في الدبر إذا ما وصل إلى محل الحقنة ولم يبق منه شيء . أما إذا بقي منه في الخارج شيء بحيث لم يغب كله لم يفسد صومه وكذلك المرأة إذا أدخلت إصبعها مدهونة بماء أو دهن في فرجها الداخل . أو أدخلت خشبة الحقنة أو نحوها في داخل فرجها وغيبتها كلها . ففي كل هذه الأشياء ونحوها يجب القضاء دون الكفارة
هذا ولا يفسد صومه لو صب ماء أو دهنا في إحليله للتداوي وكذا لو نظر بشهوة فنزل مني بشهوة ولو كرر النظر . كما لا يفطر إذا أمنى بسبب تفكره في وقاع ونحوه أو احتلم ولا يفطر أيضا بشم الروائح العطرية كالورد والنرجس ولا بتأخير غسل الجنابة حتى تطلع الشمس ولو مكث جنبا كل اليوم . ولا يفطر بدخول غبار طريق أو غربلة دقيق أو ذباب أو بعوض إلى حلقة رغما عنه
المالكية قالوا : من تناول مفطرا من الأمور المفسدة للصوم المتقدمة ولم تتحقق فيه شرائط وجوب الكفارة السابة فعليه القضاء فقط سواء كان الصائم في رمضان أو في فرض غيره كقضاء رمضان والكفارات والنذؤ غير المعين وأما النذر المعين فإن كان الفطر فيه لعذر كمرض واقع أو متوقع . بأن ظن أن الصوم في ذلك الوقت المعين يؤدي إلى مرضه أو خاف من الصوم زيادة المرض أو تأخر البرء أو كان الفطر لحيض المرأة أو نفاسها أو لإغماء أو جنون فلا يجب قضاؤه نعم إذا بقي شيء من زمنه بعد زوال المانع تعين الصوم فيه أما إذا أفطر فيه ناسيا كأن نذر صوم يوم الخمس فصام الأربعاء يظنه الخميس ثم أفطر يوم الخميس فعليه القضاء هذا ومن الصيام المفروض صوم المتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي فإن أفطر أحدهما فيهما وجب عليه القضاء وبالجملة كل فرض أفطر فيه فإنه يجب عليه قضاؤه إلا النذر المعين على التفصيل السابق وأما النفل فلا يجب القضاء على من أفطر فيه إلا إذا كان القطر عمدا حراما أما ما لا يفسده الصوم ولا يوجب القضاء فهو أمور : أحدها : أن يغلبه القيء ولم يبتلع منه شيئا فهذا صومه صحيح ثانيها : أن يصل غبار الطريق أو الدقيق ونحوهما إلى حلق الصائم الذييزاول أعمالا تتعلق بذلك كالذي يباشر طحن الدقيق أو نخله ومثلهما ما إذا دخل حلقه ذباب بشرط أن يصل ذلك إلى حلقه قهرا عنه ثالثها : أن يطلع عليه الفجر وهو يأكل أو يشرب مثلا فيطرح المأكول ونحوه من فيه بمجرد طلوع الفجر فإنه لا يفسد صيامه بذلك رابعها : من غلبه المني أو المذي بمجرد نظر أو فكر فإن ذلك لا يفسد الصيام كما تقدم قريبا . خامسها : أن يبتلع ريقه المتجمع في فمه أو يبتلع ما بين أسنانه من بقايا الطعام فإنه لا يضره ذلك وصومه صحيح حتى ولو تعمد بلع ما بين أسنانه على المعتمد إلا إذا كان كثيرا عرفا وابتلعه . ولو قهرا عنه فإن صيامه يبطل في هذه الحالة سادسها : أن يضع دهنا على جرح في بطنه متصلا بجوفه فإن ذلك لا يفطره لأن كل ذلك لا يصل للمحل الذي يستقر فيه الطعام والشراب سابعها : الاحتلام فمن احتلم فإن صومه لا يفسد
الحنابلة قالوا: يوجب القضاء دون الكفارة أمور : منها إدخال شيء إلى جوفه عمدا من الفم أو غيره سواء كان يذوب في الجوف كلقمة أو لا كقطعة حديد أو رصاص وكذا إذا وجد طعم العلك - اللبان - بعد مضغه نهارا أو ابتلع نخامة وصلت إلى فمه أو وصل الدواء بالحقنة إلى جوفه أو وصل طعم الكحل إلى حلقه أو وصل قيء إلى فمه ثم ابتلعه عمدا أو أصاب ريقه نجاسة ثم ابتلعه عمدا فإن صومه يفسد في كل هذه الأحوال وعليه القضاء دون الكفارة كما يفسد أيضا بكل ما يصل إلى دماغه عمدا كالدواء الذي يصل إلى أم الدماغ إذا داوى به الجرح الواصل إليها وتسمى - المأمومة - وكذا يفسد صومه وعليه القضاء دون الكفارة إذا أمنى بسبب تكرار النظر أو أمنى بسبب الاستمناء بيده أو بيد غيره وكذا إذا أمذى بنظر أو نحوه أو أمنى بسبب تقبيل أو لمس أو بسبب مباشرة دون الفرج فإن صومه يفسد إذا تعمد في ذلك وعليه القضاء ولو كان جاهلا بالحكم ويفسد صومه أيضا إذا قاء قهرا عنه ولو قليلا وعليه القضاء فقط ويفسد أيضا بالحجامة فمن احتجم أو حجم غيره عمدا فسد صومه إذا ظهر دم وإلا لم يفطر ولا يفسد صومه بشيء من هذه الأمور إذا فعله ناسيا أو مكرها ولو كان الإكراه بإدخال دواء إلى دوفه وأما ما لا يوجب كفارة ولا قضاء فأمور منها الفصد ولو خرج دم ومنها التشريط بالموسى بدل الحجامة للتداوي ومنها الرعاف وخروج القيء رغما عنه ولو كان عليه دم ومنها إذا وصل إلى حلق الصائم ذباب أو غبار طريق ونحوه بلا قصد لعدم إمكان التحرز عنه ومنها ما إذا أدخلت المرأة إصبعها أو غيره في قبلها ولو مبتلة فإنه لا تفطر بذلك ومنها الإنزال بالفكر أو الاحتلام فإنه لا يفسد الصوم ومنها ما إذا لطخ باطن قدمه بالحناء فوجد طعمها في حلقه ومنها ما إذا تمضمض أو استنشق فسرى الماء إلى جوفه بلا قصد فإن صومه لا يفسد بذلك حتى ولو بالغ في المضمضة والاستنشاق ولو كانت المضمضة عبثا مكروها ومنها ما إذا أكل أو شرب أو جامع شاكا في طلوع النهار أو ظانا غروب الشمس ولم يتبين الحال فإن صومه لا يفسد بذلك أما إذا تبينه في الصورتين فعليه القضاء في الأكل والشرب وعليه القضاء والكفارة في الجماع ومنها أن يأكل أو يشرب في وقت يعتقده ليلا فبان نهارا أو أكل فظن أنه أفطر بالأكل ناسيا فأكل عامدا فإن صومه يفسد وعليه القضاء فقط
الشافعية قالوا : ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة أمور : منها وصول شيء إلى جوف الصائم كثيرا كان أو قليلا ولو قدر سمسمة أو حصاة ولو ماء قليلا ولا يفسد الصوم بذلك إلا بشروط : أحدها : أن يكون جاهلا بسبب قرب إسلامه ثانيها أن يكون عامدا فلو وصل شيء قهرا عنه فإن صومه لا يفسد ثالثها أن تصل إلى جوفه من طريق معتبر شرعا كأنفه وفمه وأذنه وقبله ودبره وكالجرح الذي يوصل إلى الدماغ ومنها تعاطي الدخان المعروف والتمباك والنشوق ونحو ذلك فإنه يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة لما عرفت من مذهبهم أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع بالشرائط المتقدمة ومنها ما لو أدخل إصبعه أو جزءا منه ولو جافا حالة الاستنجاء في قبل أو دبر بدون ضرورة فإن صومه يفسد بذلك أما إذا كان لضرورة فإنه لا يفسد . ومنها أن يدخل عودا ونحوه في باطن أذنه فإنه يفطر بذلك . لأن باطن الأذن تعتبر شرعا من الجوف أيضا ومن ذلك ما إذا زاد في المضمضة والاستنشاق عن القدر المطلوب شرعا من الصائم بأن بالغ فيهما . أو زاد عن الثلاث فترتب على ذلك سبق الماء إلى جوفه فإن صيامه يفسد ذلك وعليه القضاء ومنها ما إذا أكل ما بقي من بين أسنانه مع قدرته على تمييزه وطرحه فإنه يفطر بذلك ولو كان دون الحمصة ومنها إذا قاء الصائم عامدا عالما مختارا فإنه يفطر وعليه القضاء ولو لم يملأ الفم ومنها ما إذا دخلت ذبابه في جوفه فأخرجها فإن صومه يفسد وعليه القضاء ومنها ما إذا تجشى عمدا فخرج شيء من معدته إلى ظاهر حلقه فإن صومه يفسد بذلك وظاهر الحلق - هو مخرج الحاء المهملة على المعتمد - وليس من ذلك إخراج النخامة من الباطن - وقذفها إلى الخارج لتكرر الحاجة إلى ذلك أما لو بلعتها بعد وصولها واستقرارها في فمه فإنه يفطر ومنها الإنزال بسببب المباشرة ولو كانت فاحشة وكذا الإنزال بسبب تقبيل أو لمس أو نحو ذلك فإنه يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط أما الإنزال بسبب النظر أو الفكر فإن كان غير عادة له فإنه لا يفسد الصوم كالاحتلام



ما يكره فعله للصائم وما لا يكره

يكره للصائم فعل أمور مفصلة في المذاهب فانظرها تحت الخط




الحنفية قالوا : يكره للصائم فعل أمور : أولا : ذوق شيء لم يتحلل منه ما يصل إلى جوفه بلا فرق بين أن يكون الصوم فرضا أو نفلا إلا في حالة الضرورة فيجوز للمرأة أن تذوق الطعام لتتبين ملوحته إذا كان زوجها شيء الخلق ومثلها الطاهي - الطباخ - وكذا يجوز لمن يشتري شيئا يؤكل أو يشرب أن يذوقه إذا خشي أن يغبن فيه ولا يوافقه ثانيا : مضغ شيء الحنابلة لا عذر فإن كان لعذر كما إذا مضغت المرأة طعاما لابنها ولم تجد من يمضغه سواها ممن يحل له الفطر فلا كراهة ومن المكروه مضغ العلك - اللبان - الذي لا يصل منه شيء إلى الجوف ثالثا : تقبيل امرأته سواء كانت القبلة فاحشة بأن مضغ شفتها أو لا وكذا مباشرتها مباشرة فاحشة بأن يضع فرجه على فرجها بدون حائل . وإنما يكره له ذلك إذا لم يأمن على نفسه من الإنزال أو الجماع أما إذا أمن فلا يكره كما يأتي رابعا : جمع ريقه في فمه ثم ابتلاعه لما فيه من الشبهة خامسا : فعل ما يظن أنه يضعفه عن الصوم كالفصد والحجامة أما إذا كان يظن أنه لا يضعفه فلا كراهة وأما ما لا يكره للصائم فعله فأمور : أولا : القبلة أو المباشرة الفاحشة إن أمن الإنزال والجماع ثانيا : دهن شاربه لأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم ثالثا : الاكتحال ونحوه وإن وجد أثره في حلقه رابعا : الحجامة ونحوها إذا كانت لا تضعفه عن الصوم خامسا : السواك في جميع النهار بل هو سنة ولا فرق في ذلك بين أن يكون السواك يابسا أو أخضر مبلولا بالماء أو لا سادسا : المضمضة والاستنشاق ولو فعلهما لغير وضوء سابعا : الاغتسال ثامنا : التبرد بالماء بلف ثوب مبلول على بدنه ونحو ذلك
المالكية قالوا : يكره للصائم أن يذوق الطعام ولو كان صانعا له وإذا ذاقه وجب عليه أن يمجه لئلا يصل إلى حلقه منه شيء فإن وصل شيء إلى حلقه غلبة فعليه القضاء في الفرض على ما تقدم وإن تعمد إيصاله إلى جوفه فعليه القضاء والكفارة في رمضان كما تقدم ويكره أيضا مضغ شيء كتمر أو لبان ويجب عليه أن يمجه وإلا فكما تقدم ويكره أيضا مداواة أيضا مضغ شيء كتمر أو لبان ويجب عليه أن يمجه ولا فكما تقدم ويكره أيضا مداواة حفر الأسنان - وهو فساد أصولها - نهارا إلا أن يخاف الضرر إذا أخر المداواة إلى الليل فلا تكره نهارا بل تجب إن خاف هلاكا أو شديدا أذى بالتأخير ومن المكروه غزل الكتان الذي له طعم وهو الذي يعطن في المبلات إذا لم تكن المرأة الغازلة مضطرة للغزل وإلا فلا كراهة ويجب عليه أن تمج ما تكون في فمها من الريق على كل حال أما الكتان الذي لا طعم له وهو الذي يعطن في البحر فلا يكره غزله ولو من غير ضرورة ويكره الحصاد للصائم لئلا يصل إلى حلقه شيء من الغبار فيفطر ما لم يضطر إليه وإلا فلا كراهة وأما رب الزرع فله أن يقوم عليه عند الحصاد لأنه مضطر لحفظه وملاحظته وتكره مقدمات الجماع كالقبلة والفكر والنظر إن علمت السلامة من الإمذاء والإمناء فإن شك في السلامة وعدمها أو علم عدم السلامة حرمت ثم إذا لم يحصل إمداء ولا إمناء فالصوم صحيح فإن أمذى فعليه القضاء والكفارة في رمضان إن كانت المقدمات محرمة بأن علم الناظر مثلا عدم السلامة أو شك فيها فإن كانت مكروهة بأن علم السلامة فعليه القضاء فقط إلا إذا استرسل في المقدمة حتى أ زل فعليه القضاء والكفارة ومن المكروه الاستياك بالرطب الذي يتحلل منه شيء وإلا جاز في كل النهار بل يندب لمقتضى شرعي كوضوء وصلاة وأما المضمضة للعطش فهي جائزة والإصباح بالجنابة خلاف الأولى والأولى الاغتسال ليلا ومن المكروه الحجامة والفصد للصائم إذا كان مريضا وشك في السلامة من زيادة المرض التي تؤدي إلى الفطر فإن علم السلامة جاز كل منهما كما يجوز أن للصحيح عند علم السلامة أو شك فيها فإن علم كل منهما عدم السلامة بأن علم الصحيح أنه يمرض لو احتجم أو قصد أو علم المريض أنه مرضه يزيد بذلك كان كل منهما محرما
الحنابلة قالوا: يكره للصائم أمور منها ما إذا تمضمض عبثا أو سرفا أو لحر أو لعطش أو غاص في الماء لغير تبرد أو غسل مشروع فإن دخل الماء في هذه الحالات إلى جوفه فإنه لا يفسد صومه مع كراهة هذه الأفعال ومنه أن يجمع ريقه فيبتلعه وكره مضغ ما لا يتحلل منه شيء وحرم مضغ ما يتحلل منه شيء ولو لم يبلع ريقه . وكذا ذوق طعام لغير حاجة . فإن كان ذوقه لحاجة لم يكره ويبطل الصوم بما وصل منه إلى حلقه إذا كان لغير حاجة وكره له أن يترك بقية طعام بين أسنانه وشم ما لا يؤمن من وصوله إلى حلقه بنفسه كسحيق مسك وكافور وبخور بنحو عود بخلاف ما يؤمن فيه جذبه بنفسه إلى حلقه فإنه لا يكره كالورد وكذا يكره له القبلة ودواعي الوطء كمعانقة ولمس وتكرار نظر إذا كان ما ذكر يحرك شهوته وإلا لم يكره وتحرم عليه القبلة ودواعي الوطء إن ظن بذلك إنزالا وكذا يكره له أن يجامع وهو شاك في طلوع الفجر الثاني بخلاف السحور مع الشك في ذلك لأنه يتقوى به على الصوم بخلاف الجماع فإنه ليس كذلك
الشافعية قالوا : يغتفر للصائم أمور ويكره له أمور : فيغتفر له وصول شيء إلى الجوف بنسيان أو إكراه أو بسبب جهل يعذر به شرعا ومنه وصول شيء كان بين أسنانه بجريان ريقه بشرط أن يكون عاجزا عن مجه أما إذا ابتلعه مع قدرته على مجه فإنه يفسد صومه ومثل هذا النخامة وأثر القهوة على هذا التفصيل ومن ذلك غبار الطريق وغربلة الدقيق والذباب والبعوض فإذا وصل إلى جوفه شيء من ذلك لا يضر لأن الاحتراز عن ذلك من شأنه المشقة والحرج ويكره له أمور : منها المشاتمة وتأخير الفطر عن الغروب إذا اعتقد أن هذا فضيلة وإلا فلا كراهة ومن ذلك مضغ العلك - اللبان - ومنه مضغ الطعام فإنه لا يفسد ولكنه يكره إلا لحاجة كأن يمضغ الطعام لولده الصغير ونحوه ومن ذلك ذوق الطعام فإنه يكره للصائم إلا لحاجة كأن يكون طباخا ونحوه فلا يكره ومن ذلك الحجامة والقصد فإنهما يكرهان للصائم إلا لحاجة ومن ذلك التقبيل إن لم يحرك الشهوة وإلا حرم ومثل المعانقة والمباشرة ومن ذلك دخول الحمام فإنه مضعف للصائم فيكره له ذلك لغير حاجة . ومن ذلك السواك بعد الزوال فإنه يكره إلا إذا كان لسبب يقتضيه كتغير فمه بأكل نحو بصل بعد الزوال نسيانا ومن ذلك تمتع النفس بالشهوات من المبصرات والمشمومات والمسموعات إن كان كل ذلك حلالا فإنه يكره أما التمتع بالمحرم فهو محرم على الصائم والمفطر كما لا يخفى ومن ذلك الاكتحال وهو خلاف الأولى على الراجح



حكم من فسد صومه في أداء رمضان

من فسد صومه في أداء رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم تعظيما لحرمة الشهر فإذا داعب شخص زوجه أو عانقها أو قبلها أو نحو ذلك فأمنى فسد صومه وفي هذه الحالة يجب عليه الإمساك بقية اليوم ولا يجوز له الفطر أما من فسد صومه في غير أداء رمضان كالصيام المنذور سواء أكان معينا أم لا وكصوم الكفارات وقضاء رمضان وصوم التطوع فإنه لا يجب عليه الإمساك بقية اليوم باتفاق ثلاثة من الأئمة وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط




المالكية قالوا : يجب إمساك المفطر في النذر المعين أيضا سواء أفطر عمدا أو لا لتعيين وقته للصوم بسبب النذر كما أن شهر رمضان متعين للصوم في ذاته أما النذر غير المعين وباقي الصوم الواجب فإن كان التتابع واجبا فيه كصوم كفارة رمضان وصوم شهر نذر أن يصومه متتابعا فلا يجب عليه الإمساك إذا أفطر فيه عمدا لبطلانه بالفطر ووجوب استئنافه من أوله وإن أفطر فيه سهوا أو غلبة . فإن كان في غير اليوم الأول منه وجب عليه الإمساك . وإن كان في اليوم الأول ندب الإمساك ولا يجب وإن كان التتابع غير واجب فيه . كقضاء رمضان وكفارة اليمين جاز الإمساك وعدمه سواء أفطر عمدا أو لا لأن الوقت غير متعين للصوم . وإن كان الصوم نفلا فإن أفطر فيه نسيانا وجب الإمساك لأنه لا يجب عليه قضاؤه بالفطر نسيانا وإن أفطر فيه عمدا فلا يجب الإمساك لوجوب القضاء عليه بالفطر عمدا كما تقدم



الأعذار المبيحة للفطر


المرض وحصول المشقة الشديدة

الأعذار التي تبيح الفطر للصائم كثيرة : منها المرض فإذا مرض الصائم وخاف زيادة المرض بالصوم أو خاف تأخر البرء من المرض أو حصلت له مشقة شديدة بالصوم فإنه يجوز له الفطر باتفاق ثلاثة وقال الحنابلة " بل يسن له الفطر ويكره له الصوم في هذه الأحوال أما إذا غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم كما إذا خاف تعطيل حاسة من حواسه فإنه يجب عليه الفطر ويحرم عليه الصوم باتفاق هذا ما إذا كان مريضا بالفعل أما إذا كان صحيحا وظن بالصوم حصول مرض شديد ففي حكمه تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط




الحنابلة قالوا: يسن له الفطر كالمريض بالفعل ويكره له الصيام
الحنفية قالوا : إذا كان صحيحا من المرض وغلب على ظنه حصول المرض بالصيام فإنه يباح له الفطر كما يباح له الصوم كما لو كان مريضا بالفعل
المالكية قالوا : إذا ظن الصحيح بالصوم هلاكا أو أذى شديدا وجب عليه الفطر كالمريض
الشافعية قالوا : إذا كان صحيحا وظن بالصوم حصول المرض فلا يجوز له الفطر ما لم يشرع في الصوم ويتحقق الضرر



ولا يجب على المريض إذا أراد الفطر أن ينوي الرخصة التي منحها الشارع للمعذورين باتفاق ثلاثة وقال الشافعية : بل نية الترخص له بالفطر واجبة وإن تركها كان آثما


خوف الحامل والمرضع الضرر من الصيام

إذا خافت الحامل والمرضع الضرر من الصيام على أنفسهما وولديهما معا أو على أنفسهما فقط أو على ولديهما فقط فإنه يجوز لهما الفطر على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط




المالكية قالوا : الحامل والمرضع سواء أكانت المرضع أما للولد من النسب أو غيرها وهي الظئر إذا خافتا بالصوم مرضا أو زيادته سواء كان الفخوف على أنفسهما وولديهما أو أنفسهما فقط أو ولديهما فقط يجوز لهما الفطر وعليهما القضاء ولا فدية على الحامل بخلاف المرضع فعليها الفدية أما إذا خافتا بالصوم هلاكا أو ضررا شديدا لأنفسهما أو ولديهما فيجب عليهما الفطر وإنما يباح للمرضع الفطر إذا تعين الرضاع عليها بأن لم تجد مرضعة سواها أو وجدت ولم يقبل الوالد غيرها . أما إن وجدت مرضعة غيرها وقبلها الولد فيتعين عليها الصوم ولا يجوز لها الفطر بحال من الأحوال وإذا احتاجت المرضعة الجديدة التي قبلها الولد الأجرة فإن كان للولد مال فالأجرة تكون من ماله وإن لم يوجد له مال فالأجرة تكون على الأب لأنها من توابع النفقة على الولد والنفقة واجبة على أبيه إذا لم يكن له مال
الحنفية قالوا : إذا خافت الحامل أو المرضع الضرر من الصيام جاز لهما الفطر سواء كان الخوف على النفس والولد معا أو على النفس فقط أو على الولد فقط ويجب عليهما القضاء عند القدرة بدون فدية وبدون متابعة الصوم في أيام القضاء ولا فرق في المرضع بين أن تكون أما أو مستأجرة للإرضاع . وكذا لا فرق بين أن تتعين لفرضاع أو لا لأنها إن كانت أما فالإرضاع واجب عليها ديانة وإن كانت مستأجرة فالإرضاع واجب عليها بالعقد فلا محيص عنه
الحنابلة قالوا: يباح للحامل والمرضع الفطر إذا خافتا الضرر على أنفسهما وولديهما أو على أنفسهما فقط وعليهما في هاتين الحالتين القضاء دون الفدية أما إن خافتا على ولديهما فقط فعليهما القضاء والفدية والمرضع إذا قبل الولد ثدي غيرها وقدرت أن تستأجر له أو كان للولد مال يستأجر منه من ترضعه استأجرت له ولا تفطر وحكم المستأجر للرضاع كحكم الأم فيما تقدم
الشافعية قالوا : الحامل والمرضع إذا خافتا بالصوم ضررا لا يحتمل سواء كان الخوف على أنفسهما وولديهما معا أو على أنفسهما فقط أو على ولديهما فقط وجب عليهما الفطر وعليهما القضاء في الأحوال الثلاثة وعليهما أيضا الفدية مع القضاء في الحالة الأخيرة : وهي ما إذا كان الخوف على ولدهما فقط ولا فرق في المرضع بين أن تكون أما للولد أو مستأجرة للرضاع أو متبرعة به وإنما يجب الفطر على المرضع في كل ما تقدم إذا تعينت للإرضاع بأن لم توجد مرضعة غيرها مفطرة أو صائمة لا يضرها الصوم فإن لم تتعين للإرضاع جاز لها الفطر مع الإرضاع والصوم مع تركه ولا يجب عليها الفطر ومحل هذا التفصيل في المرضعة المستأجرة إذا كان ذلك الخوف قبل الإجارة أما بعد الإجارة بأن غلب على ظنها احتياجها للفطر بعد الإجارة فإنه يجب عليها الفطر متى خافت الضرر من الصوم ولو لم تتعين للإرضاع والفدية هي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء مقدارا من الطعام يعادل ما يعطى لأحد مساكين الكفارة على التفصيل المتقدم في المذاهب



الفطر بسبب السفر

يباح الفطر للمسافر بشرط أن يكون السفر مسافة تبيح قصر الصلاة على ما تقدم تفصيله وبشرط أن يشرع فيه قبل طلوع الفجر بحيث يصل إلى المكان الذي يبدأ فيه قصر الصلاة قبل طلوع الفجر فإن كان السفر لا يبيح قصرها لم يجز له الفطر وهذان الشرطان متفق عليهما عند ثلاثة . وخالف الحنابلة في الشرط الأول فانظر مذهبهم تحت الخط




الحنابلة قالوا: إذا سافر الصائم من بلده في أثناء النهار ولو بعد الزوال سفرا مباحا يبيح القصر جاز له الإفطار ولكن الأولى له أن يتم صوم ذلك اليوم



وزاد الشافعية شرطا ثالثا فانظره تحت الخط




الشافعية : زادوا شرطا ثالثا لجواز الفطر في السفر وهو أن لا يكون الشخص مديما للسفر فإن كان مديما له حرم عليه الفطر إلا إذا لحقه بالصوم مشقة كالمشقة التي تبيح التيمم فيفطر وجوبا



فإذا شرع في السفر بعد طلوع الفجر حرم عليه الفطر فلو أفطر فعليه القضاء دون الكفارة عند ثلاثة وخالف الشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط




الشافعية قالوا : إذا أفطر الصائم الذي أنشأ السفر بعد طلوع الفجر بما يوجب القضاء والكفارة وجبا عليه وإذا أفطر بما يوجب القضاء فقط وجب عليه القضاء وحرم عليه الفطر على كل حال



ويجوز الفطر للمسافر الذي بيت النية بالصوم ولا إثم عليه وعليه القضاء خلافا للمالكية والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط




المالكية قالوا : إذا بيت نية الصوم في السفر فأصبح صائما فيه ثم أفطر لزمه القضاء والكفارة سواء أفطر متأولا أو لا
الحنفية قالوا : يحرم الفطر على من بيت نية الصوم في سفره وإذا أفطر فعليه القضاء دون الكفارة



ويندب للمسافر الصوم إن لم يشق عليه لقوله تعالى : { وأن تصوموا خير لكم } فإن الشافعية قالوا : عليه كان الفطر أفضل باتفاق الحنفية والشافعية أما المالكية والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط




المالكية قالوا : الأفضل للمسافر الصوم إن لم يحصل له مشقة
الحنابلة قالوا: يسن للمسافر الفطر ويكره له الصوم ولو لم يجد مشقة لقوله صلى الله عليه و سلم : " ليس من البر الصوم في السفر "



إلا إذا أدى الصوم إلى الخوف على نفسه من التلف أو تلف عضو منه أو تعكيل منفعته فيكون الفطر واجبا ويحرم الصوم باتفاق


صوم الحائض والنفساء

إذا حاضت المرأة الصائمة أو نفست وجب عليها الفطر وحرم الصيام ولو صامت فصومها باطل وعليها القضاء


حكم من حصل له جوع أو عطش شديدان

فأما الجوع والعطش الشديدان اللذان لا يقدر معهما على الصوم فيجوز لمن حصل له شيء من ذلك الفطر وعليه القضاء


حكم الفطر لكبر السن

الشيخ الهرم الفاني الذي لا يقدر على الصوم في جميع فصول السنة يفطر وتجب عن كل يوم فدية طعام مسكين وقال المالكية : يستحب له الفدية فقط ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه ولا قضاء عليهما لعدم القدرة باتفاق ثلاثة وخالف الحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط




الحنابلة قالوا: من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فعليه الفدية عن كل يوم ثم إن أخرجها فلا قضاء عليه إذا قدر بعد على الصوم أما إذا لم يخرجها ثم قدر فعليه القضاء



أما من عجز عن الصوم في رمضان ولكن يقدر على قضائه في وقت آخر فإنه يجب عليه القضاء في ذلك الوقت ولا فدية عليه


إذا طرأ على الصائم جنون

إذا طرأ على الصائم جنون ولو لحظة ولم يجب عليه الصوم ولا يصح وفي وجوب القضاء تفصيل المذاهب فانظره تحت الخط




الشافعية قالوا : إن كان متعديا بجنون بأن تناول ليلا عمدا شيئا أزال عقله نهارا فعليه قضاء ما جن فيه الأيام وإلا فلا
الحنابلة قالوا: إذا استغرق جنونه جميع اليوم فلا يجب عليه القضاء مطلقا سواء كان متعديا أو لا وإن أفاق في جزء من اليوم وجب عليه القضاء
الحنفية قالوا : إذا استغرق جنونه جميع الشهر فلا يجب عليه القضاء وإلا وجب
المالكية قالوا : إذا جن يوما كاملا أو جله سلم في أوله أو لا فعليه القضاء وإن جن نصف اليوم أو أقله ولم يسلم أوله فيهما فعليه القضاء أيضا وإلا فلا كما تقدم



وإذا زال العذر المبيح للإفطار في أثناء النهار كأن طهرت الحائض أو أقام المسافر أو بلغ الصبي وجب عليه الإمساك بقية اليوم احتراما للشهر عند الحنفية والحنابلة أما المالكية والشافعية فانظر مذهبهم تحت الخط




المالكية قالوا : لا يجب الإمساك ولا يستحب في هذه الحالة إلا إذا كان العذر الإكراه فإنه إذا زال وجب عليه الإمساك وكذا إذا أكل ناسيا ثم تذكر فإنه يجب عليه الإمساك أيضا
الشافعية قالوا : لا يجب الإمساك في هذه الحالة ولكنه يسن



ما يستحب للصائم

يستحب للصائم أمور : منها تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب وقبل الصلاة ويندب أن يكون على رطب فتمر فحلو فماء وأن يكون ما يفطر عليه من ذلك وترا ثلاثة فأكثر ومنها الدعاء عقب فطره بالمأثور كأن يقول : اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وعليك توكلت وبك آمنت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر يا واسع الفضل اغفر لي الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت ومنها السحور على شيء وإن قل ولو جرعة ماء لقوله صلى الله عليه و سلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " ويدخل وقته بنصف الليل الأخير وكلما تأخر كان أفضل بحيث لا يقع في شك في الفجر لقوله صلى الله عليه و سلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ومنها كف اللسان عن فضول الكلام وأما كفه عن الحرام كالغيبة والنميمة فواجب في كل زمان ويتأكد في رمضان ومنها الإكثار من الصدقة والإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين . ومنها الاشتغال بالعلم وتلاوة القرآن والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم كلما تيسر له ذلك ليلا أو نهارا ومنها الاعتكاف وسيأتي بيانه في مبحثه


قضاء رمضان

من وجب عليه قضاء رمضان لفطرة فيه عمدا أو لسبب من الأسباب السابقة فإنه يقضى بدل الأيام التي أفطرها في زمن يباح الصوم فيه تطوعا فلا يجزئ القضاء فيما نهى عن صومه كأيام العيد ولا فيما تعين لصوم مفروض كرمضان الحاضر وأيام النذر المعين كأن ينذر صوم عشرة أيام من أول ذي القعدة فلا يجزئ قضاء رمضان فيها لتعينها بالنذر عند المالكية والشافعية أما الحنابلة والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط




الحنفية قالوا : إذا قضى ما فاته من رمضان في الأيام التي نذر صومها صح صيامه عن رمضان وعليه قضاء النذر في أيام أخر وذلك لأن النذر لا يتعين بالزمان والمكان والدرهم فيجزئه صيام رجب عن صيام شعبان في النذر وكذلك يجزئه التصدق بدرهم بدل آخر في مكان غير المكان الذي عينه في نذره
الحنابلة قالوا: إن ظاهر عبارة الإقناع أنه إذا قضى أيام رمضان في أيام النذر المعين أجزأه



كما لا يجزئ القضاء في رمضان الحاضر لأنه متعين للأداء فلا يقبل صوما آخر سواه فلو نوى أن يصوم رمضان الحاضر أو أياما منه قضاء عن رمضان سابق فلا يصح الصوم عن واحد منهما لا عن الحاضر لأنه لم ينوه ولا عن الفائت لأن الوقت لا يقبل سوى الحاضر باتفاق ثلاثة وخالف الحنفية فانظر مذهبيهم تحت الخط




الحنفية قالوا : من نوى قضاء صيام الفائت في رمضان الحاضر صح الصيام ووقع عن رمضان الحاضر دون الفائت لأن الزمن متعين لأداء الحاضر فلا يقبل غيره ولا يلزم فيه تعيين النية كما تقدم في " شرائط الصيام "



ويجزئ القضاء في يوم الشك لصحة صومه تطوعا ويكون القضاء بالعدد لا بالهلال فمن أفطر رمضان كله وكان ثلاثين يوما ثم ابتدأ قضاءه من أول المحرم مثلا فكان تسعة وعشرين يوما وجب عليه أن يصوم يوما آخر بعد المحرم ليكون القضاء ثلاثين يوما كرممضان الذي أفطره ويستحب لمن عليه قضاء أن يبادر به ليتعجل براءة ذمته وأن يتابعه إذا شرع فيه فإذا أخر القضاء أو فرقه صح ذلك وخالف المندوب إلا أنه يجب عليه القضاء فورا إذا بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من أيام رمضان الأول فيتعين القضاء فورا في هذه الحالة خلافا للشافعية والحنفية فانظر مذهبيهما تحت الخط




الشافعية قالوا : يجب القضاء فورا أيضا إذا كان فطره في رمضان عمدا بدون عذر شرعي
الحنفية قالوا : يجب قضاء رمضان وجوبا موسعا بلا تقييد بوقت فلا يأثم بتأخره إلى أن يدخل رمضان الثاني



ومن أخر القضاء حتى دخل رمضان الثاني وجبت عليه الفدية ) الشافعية قالوا : تتكرر الفدية بتكرر الأعوام ( ز يادة عن القضاء وهي إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء ومقدارها هو ما تعطى لمسكين واحد في الكفارة كما تقدم في " مبحث الكفارات " باتفاق ثلاثة وخالف الحنفية فقالوا : لا فدية على من أخر قضاء رمضان حتى دخل رمضان الثاني سواء كان التأخير بعذر أو بغير عذر وإنما تجب الفدية إذا كان متمكنا من القضاء قبل دخول رمضان الثاني وإلا فلا فدية عليه ولا تتكرر الفدية بتكرر الأعوام بدون قضاء باتفاق ثلاثة . وقال الشافعية : بل تتكرر الفدية بتكرر الأعوام


الكفارة الواجبة على من أفطر رمضان، وحكم من عجز عنها

تقدم أن الصيام ينقسم إلى مفروض وغيره وأن المفروض ينقسم إلى أقسام . صوم رمضان وصوم الكفارات والصيام المنذور أما صوم رمضان فقد تقدم الكلام فيه وأما الكفارات فأنواع : منها كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة القتل ولهذه الأنواع الثلاثة مباحث خاصة بها في قسم المعاملات . " وقد ذكرنا كفارة اليمين في الجزء الثاني وكفارة الظهارة في الجزء الرابع ومن أنواع الكفارات كفارة الصيام وهي المراد بيانها هنا : فكفارة الصيام هي التي تجب على ما أفطر في أداء رمضان على التفصيل السابق في المذاهب . وهي إعتاق رقبة مؤمنة باتفاق ثلاثة وقال الحنفية لا يشترط أن تكون الرقبة مؤمنة في الصيام ويشترط أن تكون سليمة من العيوب المضرة كالعمى والبكم والجنون فإن لم يجدها فصيام شهرين متتابعين فإن صام في أول الشهر العربي أكمله وما بعده باعتبار الأهلة وإن ابتدأ في أثناء الشهر العربي صام باقيه . وصام الشهر الذي بعده كاملا باعتبار الهلال وأكمل الأول ثلاثين يوما من الثالث ولا يحسب يوم القضاء من الكفارة ولا بد من تتابع هذين الشهرين بحيث لو أفسد يوما في أثنائها ولو بعذر شرعي كسفر صار ما صامه نفلا ووجب عليه استئنافها لانقطاع التتابع الواجب فيها باتفاق ثلاثة وقال الحنابلة : الفطر لعذر شرعي كالفطر للسفر لا يقطع التتابع فإن لم يستطع الصوم لمشقة شديدة ونحوها فإطعام ستين مسكينا فهي واجبة على الترتيب المذكور باتفاق ثلاثة . وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط




المالكية قالوا : كفارة رمضان على التخيير بين الإعتاق والإطعام وصوم الشهرين المتتابعين وأفضلها الإطعام فالعتق فالصيام وهذا التخيير بالنسبة للحر الرشيد أما العبد فلا يصح العتق منه لأنه لا ولاء له فكيفر بالإطعام إن أذن له سيده فيه وله أن يكفر بالصوم فإن لم يأن له سيده في الإطعام تعين عليه التكفير بالصيام وأما السفيه فيأمره وليه بالتكفير بالصوم فإن امتنع أو عجز عنه كفر عنه وليه بأقل الأمرين قيمة من الإطعام أو العتق



وقد استدل الثلاثة بخبر الصحيحية عن أبي هريرة رضي الله عنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : " هلكت قال : وما أهلكك قال : واقعت امرأتي في رمضان قال : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا قال : فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا ثم جلس السائل فأتي النبي صلى الله عليه و سلم بعرق فيه تمر " العرق : مكتل في خوص النخل وكان فيه مقداره الكفارة " فقال تصدق بهذا فقال : على أفقر منا يا رسول الله فو الله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك صلى الله عليه و سلم حتى بدت أنيابه ثم قال : اذهب فأطعمه أهلك " وما جاء في هذا الحديث من إجراء صرف الكفارة لأهل المكفر وفيهم من تجب عليه نفقته فهو خصوصية لذلك الرجل لأن المفروض في الكفارة إنما هو إطعام ستين مسكينا لغير أهله بحيث يغطي كل واحد منهم مقدارا مخصوصا على تفصيل في المذاهب مذكور تحت الخط




المالكية قالوا : يجب تمليك كلواحد مدا بمد النبي صلى الله عليه و سلم وهو ملء اليدين المتوسطتين لا مقبوضتين ولا مبسوطتين ويكون ذلك المد من غالب طعام أهل بلد المكفر من قمح أو غيره ولا يجزئ بدله الغداء ولا العشاء على المعتمد وقدر المد بالكيل بثلث قدح مصري وبالوزن برطل وثلث كل رطل مائة وثمانية وعشرون درهما مكيا وكل درهم يزن خمسين حبة وخمس حبة من متوسط الشعير والذي يعطى إنما هو الفقراء أو المساكين ولا يجزئ إعطاؤها لمن تلزمه نفقتهم كأبيه وأمه وزوجته وأولاده الصغار أما أقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم فلا مانع من إعطائهم منها إذا كانوا فقراء كإخوته وأجداده
الحنفية قالوا : يكفي في إطعام الستين مسكينا أن يشبعهم في غذاءين أو عشاءين أو فطور وسحور أو يدفع لكل فقير نصف صاع من القمح أو قيمته أو صاعا من الشعير أو التمر أو الزبيب والصاع قد حان وثلث بالكيل المصري . ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته . كأصوله وفروعه وزوجته
الشافعية قالوا : يعطي لكل واحد من الستين مسكينا مدا من الطعام الذي يصح إخراجه في زكاة الفطر كالقمح والشعير ويشترط أن يكون من غالب قوت بلده ولا يجزئ نحو الدقيق والسويق لأنه لا يجزئ في الفطرة . والمد : نصف قدح مصري . وهو ثمن الكيلة المصرية . ويجب تمليكهم ذلك . ولا يكفي أن يجعل هذا القدر طعاما يطعمهم به فلا غداهم وعشاهم به لم يكف ولم يدزئ . ويجب أن لا يكون في المساكين من تلزمه نفقته إن كان الجاني في الصوم هو المكفر عن نفسه أما إن كفر عنه غيره فيصح أن يعتبر عيال ذلك الجاني في الصوم من ضمن المساكين
الحنابلة قالوا: يعطي كل مسكين مدا من قمح والمد : هو رطل وثلث بالعراقي والرطل العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما أو نصف صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط وهو اللبن المجمد ولا يجزئ إخراجها من غير هذه الأصناف مع القدرة والصاع أربعة أمداد ومقدار الصاع بالكيل المصري قد حان ويجوز إخراجها من دقيق القمح والشعير أو سويقهما وهو ما يحمص ثم يطحن إذا كان بقدر حبة في الوزن لا في الكيل ولو لم يكن منخولاص كما يجزئ إخراج الحب بلا تنقية ولا يجزئ في الكفارة إطعام الفقراء خبزا أو إعطاؤهم حبا معيبا كالقمح المسوس والمبلول والقديم الذي تغير طعمه ويجب أن لا يكون في الفقراء الذين يطعمهم في الكفارة من هو أصل أو فرع له كأمه وولده ولو لم يجب عليه نفقتهما ولا من تلزمه نفقته كزوجته وأخته التي لا يعود لها غيره سواء كان هو المكفر عن نفسه أو كفر عنه غيره



وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام التي حصل فيها ما يقتضي الكفارة عند الشافعية والمالكية أما الحنفية والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط




الحنفية قالوا : لا تتعدد الكفارة بتعدد ما يقتضيها مطلقا سواء كان التعدد في يوم واحد أو في أيام متعددة وسواء كان في رمضان واحد أو في متعدد من سنين مختلفة إلا أنه لو فعل ما يوجب الكفارة ثم كفر عنه ثم فعل ما يوجبها ثانيا فإن كان هذا التكرار في يوم واحد كفت كفارة واحدة وإن كان التكرار في أيام مختلفة عما بعد الأول الذي كفر عنه بكفارة جديدة وظاهر الرواية يقتضي التفصيل وهو إن وجبت بسبب الجماع تتعدد وإلا فلا تتعدد
الحنابلة قالوا: إذا تعدد المقتضى الكفارة في يوم واحد فإن كفر عن الأول لزمته كفارة ثانية للموجب الذي وقع بعده وإن لم يكفر عن السابق كفته كفارة واحد عن الجميع



أما إذا تعدد المتقضى في اليوم الواحد فلا تتعدد ولو حصل الموجب الثاني بعد أداء الكفارة عن الأول فلو وطئ في اليوم الواحد عدة مرات فعليه كفارة واحدة ولو كفر بالعتق أو الإطعام عقب الوطء الأول فلا يلزمه شيء لما بعده وإن كان آثما لعدم الإمساك الواجب فإن عجز عن جميع أنواع الكفارات استقرت في ذمته إلى الميسرة باتفاق ثلاثة وخالف الحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط




الحنابلة قالوا: إذا عجز في وقت وجوبها عن جميع أنواعها سقطت عنه ولو أيسر بعد ذلك