الفقه على المذاهب الأربعة

النكاح

كتاب النكاح


تعريفه


- للنكاح معان ثلاثة : الأول المعنى اللغوي وهو الوطء والضم يقال : تناكحت الأشجار إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض ويطلق على العقد مجازا لأنه سبب في الوطء الثاني المعنى الأصولي ويقال له : الشرعي وقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه حقيقة قي الوطء مجاز في العقد كالمعنى اللغوي من كل وجه فمتى ورد النكاح في الكتاب والسنة بدون قرينة يكون معناه الوطء كقوله تعالى : { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } فإن معناه في هذه الآية الوطء إذ النهي إنما يتصور عنه لا عن العقد في ذاته لأن مجرد العقد لا يترتب عليه غيره تنقطع بها صلات المودة والاحترام وهذا هو رأي الحنفية على أنهم يقولون : إن النكاح في قوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } معناه العقد لا الوطء لأن إسناده للمرأة قرينة على ذلك فإن الوطء فعل والمرأة لا تفعل لكن مفهوم الآية يفيد أن مجرد العقد يكفي في التحليل وليس كذلك لأن لسنة صريحة في أن التحليل لا بد فيه من الوطء فهذا المفهوم غير معتبر يدل على ذلك ما صرح به في حديث العسلية بقوله صلى الله عليه و سلم : " حتى تذوقي عسليته " الخ
ثانيها : أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء عكس المعنى اللغوي ويدل لذلك كثرة وروده بمعنى العقد في الكتاب والسنة ومن ذلك قوله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } : وذلك هو الأرجح عند الشافعية والمالكية ثالثها : أنه مشترك لفظي بين العقد والوطء وقد يكون هذا أظهر الأقوال الثلاثة لأن الشرع تارة يستعمله في العقد وتارة يستعمله في الوطء بدون أن يلاحظ في الاستعمال هجر المعنى الأول وذلك يدل على أنه حقيقة فيهما . وأما المعنى الثالث للنكاح فهو المعنى الفقهي . وقد اختلفت فيه عبارات الفقهاء ولكنها كلها ترجع إلى معنى واحد وهو أن عقد النكاح وضعه الشارع ليرتب عليه انتفاع الزوج ببضع الزوجة وسائر بدنها من حيث التلذذ فالزوج يملك بعقد النكاح هذا الانتفاع ويختص به ولا يملك المنفعة والفرق بين ملك الانتفاع وملك المنفعة أن ملك المنفعة يستلزم أن ينتفع الزوج بكل ما يترتب على البضع من المنافع وليس كذلك فإن المتزوجة إذا نكحها شخص أخر بشبهة كأن اعتقد أنها زوجته فجامعها خطأ فإنه يكون عليه مهر المثل وهذا المهر تملكه هي لا الزوج فلو كان الزوج يملك المنافع لا ستحق المهر لأنه من منافع البضع وهذا القدر متفق عليه في المذاهب وإن اختلفت عباراتهم في نص التعريف كما هو موضح في أسفل الصحيفة [1]
هذا والمشهور في المذاهب [2]
أن المعقود عليه هو الانتفاع بالمرأة دون الرجل كما ذكر ولكن ستعرف من مبحث أحكام النكاح أنه يحرم الانصراف عن المرأة إذا ترتب عليه إضرار بها أو إفساد لأخلاقها وعدم إحصانها كما أنه يحرم على الرجل أن تتلذذ به أجنبية عنه فقواعد المذاهب تجعل الرجل مقصورا على من تحل له كما تجعل المرأة مقصورة عليه وتحتم على الرجل أن يعفها بقدر ما يستطيع كما تحتم عليها أن تطيعه فيما يأمرها به من استمتاع إلا لعذر صحيح وبعد فمن المعلوم أن العقد الذي يفيد الاختصاص بالاستمتاع وحله إنما هو العقد الشرعي الصحيح وهو لابد فيه من أن يكون مستكملا للشرائط الآتية : كأن يكون على امرأة خالية من الموانع فلا يصح العقد على الرجل ولا على الخنثى المشكل ولا على الوثنية ولا على محرمة بنسب أو رضاع أو مصاهرة كما لا يصح العقد على ما ليس من جنس الإنسان كإنسانة الماء مثلا فإنها كالبهائم
ولابد أيضا أن يكون العقد بإيجاب وقبول شرعيين وأن يكون بشهود سواء كانت عند العقد أو قبل الدخول على رأي بعض المذاهب أما العقود المدنية أو الاستئجار لمدة معلومة أو نحو ذلك فإنها زنا يعاقب الشارع الإسلامي عليها



[1] الحنفية - عرف بعضهم النكاح بأنه عقد يفيد ملك المتعة قصدا ومعنى ملك المتعة اختصاص الرجل ببضع المرأة . وسائر بدنها من حيث التلذذ فليس المراد بالملك الملك الحقيقي وبعضهم يقول : إنه يفيد ملك الذات في حق الاستمتاع ومعناه أنه يفيد الاختصاص بالبضع يستمتع به وبعضهم يقول : إنه يفيد ملك الانتفاع بالبضع وبسائر أجزاء البدن بمعنى أن الزوج يختص بالاستمتاع بذلك دون سواه وكل هذه العبارات معناها واحد فالذي يقول : إنه يملك الذات لا يريد الملك الحقيقي طبعا لأن الحرة لا تملك وإنما يريد أنه يملك الانتفاع . وقولهم : قصدا خرج به ما يفيد تلك المتعة ضمنا كما إذا اشترى جارية فإنه عقد شرائها يفيد حل وطئها ضمنا وهو ليس عقد نكاح كما لا يخفى
الشافعية - عرف بعضهم النكاح بأنه عقد يتضمن ملك وطء بلفظ إنكاح أو تزويج أو معناهما والمراد أنه يترتب عليه ملك الانتفاع باللذة المعروفة وعلى هذا يكون عقد تمليك كما ذكر في أعلى الصحيفة وبعضهم يقول : إنه يتضمن إباحة الوطء الخ فهو عقد إباحة لا عقد تمليك وثمرة هذا الخلاف أنه لو حلف أنه لا يملك شيئا ولا نية له فإنه لا يحنث إذا كان يملك الزوجة فقط على القول بأن العقد لا يفيد الملك أما على القول الآخر فإنه يحنث والراجح عندهم أنه عقد إباحة
المالكية - عرفوا النكاح بأنه عقد على مجرد متعة التلذذ بآدمية غير موجب قيمتها ببينة قبله غير عالم عاقده حرمتها ان حرمها الكتاب على المشهور أو الإجماع على غير المشهور اه ابن عرفة ومعنى هذا أن النكاح عبارة عن عقد على متعة التلذذ المجردة . فقوله : عقد شمل سائر العقود وقوله : على متعة التلذذ خرج به كل عقد على متعة التلذذ كالبيع والشراء وخرج بكلمة التلذذ العقد على متعة معنوية كالعقد على منصب أو جاه وخرج بقوله : المجردة عقد شراء أمة للتلذذ بها . فإن العقد في هذه الحالة لم يكن لمجرد التلذذ بوطئها وإنما هو لملكها قصدا والتلذذ بها ضمنا فهو عقد شراء لا عقد نكاح وقوله : بآدمية خرج به عقد المتعة بالطعام والشراب وقوله : غير موجب قيمتها خرج به عقد تحليل الأمة إن وقع ببينة وذلك كأن يملك شخص منفعة الاستمتاع بأمته فإن هذا لا يقال له عقد نكاح كما لا يقال له إجازة وهو يوجب قيمة الأمة إن وقع أما عقد النكاح فإنه لا يوجب قيمة العقود عليها وقوله : غير عالم عاقده حرمتها أي حرمة المعقود عليها بالكتاب أو الإجماع فإن كانت محرمة عليه بالكتاب وعقد عليها وقع العقد باطلا فلا يسمى نكاحا من أصله وإن كانت محرمة بالإجماع سمي نكاحا فاسدا هذا هو المشهور وغير المشهور أنه لا يسمى نكاحا أصلا سواء كان التحريم بالكتاب أو الإجماع فقوله : غير عالم عاقده حرمتها ان حرمها الكتاب معناه أن هذا قيد يخرج به عقد العالم بالتحريم بالكتاب من عقد النكاح أصلا وقوله : أو الإجماع على غير المشهور معناه أن هذا قيد يخرج به عقد العالم بالتحريم بالإجماع فلا يسمى نكاحا ولكن على خلاف المشهور لأنك قد عرفت أن المشهور يسمى نكاحا فاسدا وقوله : ببينة قبله أي قبل التلذذ وأخرج به ما إذا دخل بها قبل أن يشهد على الدخول فإن العقد لا يكون عقد نكاح ويرد عليه أنه إذا دخل بها بدون شهود يفسخ بطلقة وهذا فرع ثبوت النكاح والجواب أن الفسخ حصل بناء على إقرارهما بالعقد ورفع عنهما الحد بشبهة العقد اه
وقد صرح المالكية في أول الإجازة أن عقد النكاح هو عقد تمليك انتفاع بالبضع وسائر بدن الزوجة كما ذكرنا في أعلى الصحيفة السابقة
الحنابلة - قالوا : هو عقد بلفظ إنكاح أو تزويج على منفعة الاستمتاع وهم يريدون بالمنفعة الانتفاع كغيرهم لأن المرأة التي وطئت بشبهة أو بزنا كرها عنها لها مهر مثلها وهي تملكه لا الزوج إن كانت متزوجة لقوله عليه السلام : " فلها بما استحق من فرجها " أي نال منه بالوطء
[2] الشافعية - قالوا : إن الراجح هو أن المعقود عليه بالمرأة أي الانتفاع ببعضها وقيل : المعقود عليه كل من الزوجين فعلى القول الأول لا تطالبه بالوطء لأنه حقه ولكن الأولى له أن يحصنها ويعفها وعلى القول الثاني لها الحق في مطالبته بالوطء كما أن له الحق في مطالبتها لأن العقد على المنفعتين منفعته بها ومنفعتها به وهذا حشن وإن كان مرجوحا
لأن الرجل قد ينصرف عن المرأة فتفسد أخلاقها . وفي هذه الحالة يجب عليه أن يعفها أو يسرحها بالمعروف الحنفية - قالوا : إن الحق في التمتع للرجل لا للمرأة بمعنى أن للرجل أن يجبر المرأة على الاستمتاع بها بخلافها فليس لها جبره إلا مرة واحدة ولكن يجب عليه ديانة أن يحصنها ويعفها كي لا تفسد أخلاقها



حكم النكاح


النكاح ترد عليه الأحكام الشرعية الخمسة : الوجوب : والحرمة والكراهة والسنية أو الندب والإباحة أما المواضع التي يجب فيها النكاح الخ ففيها تفصيل المذاهب [1]
ويتعلق بالنكاح أمور أخرى مندوبة مفصلة في المذاهب [2]



[1] المالكية - قالوا : يفترض النكاح على من له رغبة فيه ويخشى على نفسه الزنا إذا لم يتزوج ولم يستطع كف نفسه بالصيام وليست له قدرة على شراء جارية تغنيه عن زواج الحرة ففي هذه الحالة يفترض عليه الزواج ولو كان عاجزا عن الكسب من حلال فيفترض النكاح بشروط ثلاثة : الأول : أن يخاف على نفسه الوقوع في الزنا الثاني : أن يكون عاجزا عن الصيام الذي يكفه عن الزنا أو يكون قادرا على الصيام ولكن الصيام لا يكفه الثالث : أن يكون عاجزا عن اتخاذ أمة تغنيه فإذا كان قادرا على الزواج وعلى الصيام الذي يمنع شهوته من الطغيان وعلى اتخاذ أمة كان مخيرا بين واحد من الثلاثة ولكن الزواج أولى . وبعضهم يشترط القدرة على الكسب من حلال فإذا خاف على نفسه الزنا وعجز عن الصيام واتخاذ الأمة لا يفترض عليه الزواج إلا إذا كان قادرا على الكسب من حلال لأنه إذا خاف على نفسه الزنا وجب عليه أن يحارب شهوته ولا يتزوج ليسرق وينفق على زوجته إذ لا يليق أن يدفع محرما بارتكاب محرم آخر نعم إذا وجدت حالة ضرورة ليست في اختيار الإنسان فإن له أن يزيل الضرورة كالمضطر الذي يباح له أكل الميتة دفعا للهلاك أما فيما عدا ذلك فإنه لا يجوز للإنسان أن يدفع محرما بارتكاب محرم آخر بل يجب عليه أن يحارب نفسه ومنعها من ارتكاب المحرم مادام ذلك في طاقته واختياره " وهذا رأي حسن " هذا في الرجل أما في المرأة فإن الزواج يفترض عليها إن عجزت عن قوتها وكانت عرضة لمطامع المفسدين وتوقف على الزواج سترها وصيانتها
ويكون النكاح حراما على ومن لم يخش الزنا وكان عاجزا عن الإنفاق على المرأة من كسب حلال أو عاجزا عن وطئها فإذا علمت المرأة بعجزه عن الوطء ورضيت فإنه يجوز وكذا إذا علمت بعجزه عن النفقة ورضيت فإنه يجوز بشرط أن تكون رشيدة أما إذا علمت بأنه يكتسب من حرام ورضيت فإنه لا يجوز
ويكون النكاح مندوبا إذا لم يكن للشخص رغبة فيه ولكنه يرجو النسل بشرط أن يكون قادرا على واجباته من كسب حلال وقدرة على الوطء وإلا كان حرما كما عرفت ويكره في هذه الحالة إذا عطله عن فعل تطوع . أما إذا كانت له رغبة في النكاح ولكنه لا يخاف على نفسه من الزنا فإنه يندب له الزواج إذا كان قادرا على مؤونته سواء كان له أمل في النسل أولا وسواء عطله الزواج فعل تطوع أولا
والمرأة في ذلك كالرجل فإن لم تكن لها رغبة في النكاح ندب لها إذا كان لها أمل في النسل وبشرط تكون قادرة على القيام بحقوق الزواج من فعل تطوع وإلا حرم أو كره . أما إذا كانت لها رغبة فيه ولكنها لا تخاف الوقوع في الزنا وكانت قادرة على الإنفاق على نفسها وهي مصونة من غير زواج فإنه يندب لها سواء أكان لها أمل في النسل أم لا وسواء عطلها عن فعل تطوع أولا فإن خافت على نفسها أو لم تكن قادرة على قوتها وتوقف عليه سترها فإنه يجب عليها كما عرفت
ويكون النكاح مكروها للشخص الذي ليست له رغبة في النكاح ولكنه يخش أن لا يقوم ببعض ما يجب عليه أو يعطله عن فعل تطوع سواء كان رجلا أو امرأة كما عرفت وسواء كان له أمل في النسل أولا
ويكون مباحا لمن ليست له رغبة فيه ولم يرج نسلا وكان قادرا عليه ولم يعطله عن فعل تطوع
الحنفية - قالوا : يكون الزواج فرضا بشروط أربعة : الأول أن يتيقن الشخص الوقوع في الزنا إذا لم يتزوج أما مجرد الخوف من الزنا فإنه لا يكفي في الفرضية كما ستعرف . الثاني أن لا يكون له قدرة على الصيام الذي يكفه عن الوقوع في الزن فإن كانت له قدرة على صيام بمنعه من الزنا فإنه يكون مخيرا بين ذلك الصيام وبين الزواج فلا يفترض عليه الزواج بخصوصه في هذه الحالة . الثالث أن لا يكون قادرا على اتخاذ أمة يستغني بها فإنه يكون مخيرا أيضا . الرابع أن يكون قادرا على المهر والإنفاق من كسب حلال لا جور فيه فإن لم يكن قادرا لا يفترض عليه الزواج حتى لا يدفع محرما بمحرم لأن الكسب الحرام فيه اعتداء على أموال الناس بالغش أو السرقة أو الزور أو الغصب أو نحو ذلك وذلك من الجرائم التي لا يتسامح فيها معنى ذلك أن الشخص إذا عجز عن كسب الحلال فلا يتزوج ويباح له الوقوع في الزنا كلا بل معناه أنه في هذه الحالة يفترض عليه محاربة نفسه وشهوته محاربة شديدة ويزجرها زجرا كبيرا حتى لا يقع في الزواج الذي يترتب عليه أكل أموال الناس وظلمهم عملا بقوله تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } هذا وإذا كان يمكنه أن يقترض المهر والنفقة الحلال فإنه يفترض عليه أن يتزوج ليفر من الوقوع في المعصية بقدر ما يستطيع
والنكاح واجبا لا فرضا إذا كان للشخص رغبة في النكاح واشتياق شديد إليه بحيث يخاف على نفسه الوقوع في الزنا وإنما يجب بالشروط المذكورة في الفرضية وما قيل في الشرط الرابع - وهو القدرة على الإنفاق - يقال هنا
ويكون سنة مؤكدة إذا كان للشخص رغبة فيه وكان معتدلا بحيث لم يتيقن الوقوع في الزنا ولم يخف منه فإذا ترك التزوج في هذه الحالة فإنه يأثم اثما يسيرا أقل من اثم ترك الواجب . وبعضهم يقول ان السنة المؤكدة والواجب بمعنى واحد ولا فرق بينهما إلا في العبارة وعلى هذا يكون واجبا أو سنة مؤكدة في حالتين : حالة الاشتياق الشديد الذي يخاف منه الوقوع في الزنا وحالة الاعتدال وعلى كل فيشترط القدرة على الانفاق من حلال على المهر والوطء فإن عجز عن واحد فلا يسن ولا يجب ويثاب إذا نوى منع نفسه ونفس زوجه عن الحرام فإن لم ينو فلا يثاب إذ لا ثواب إلا بالنية
ويكون حراما إذا تقين أنه يترتب عليه الكسب الحرام بجور الناس وظلمهم لأن النكاح إنما شرع لمصلحة تحصين النفس وتحصيل الثواب فإذا ترتب عليه جور الناس يأثم بارتكاب المحرم فتنعدم المصلحة المقصودة بحصول المفسدة
ويكون مكروها تحريما إذا خاف حصول الظلم والجور ولم يتيقنه
وكون مباحا لمن له رغبة فيه ولكن لا يخاف الوقوع في الزنا ولا يتيقنه بل يتزوج لمجرد قضاء الشهوة أما إذا نوى منع نفسه من الزنا أو نوى النسل فإنه يكون سنة فالفرق بين كونه سنة وبين كونه مباحا النية وعدمها
الشافعية - قالوا : الأصل في النكاح الإباحة فيباح للشخص أن يتزوج بقصد التلذذ والاستمتاع فإذا نوى به العفة أو الحصول على ولد فإنه يستحب . ويجب النكاح إذا تعين لدفع محرم كما إذا خافت المرأة على نفسها من فاجر لا يصده عنها إلا التزوج فإنها يجب عليها أن تتزوج . ويكره إذا خاف الشخص عدم القيام بحقوق الزوجية كالمرأة التي ليست لها رغبة في النكاح وليست له قدرة على المهر والنفقة فإنه يكره له النكاح فإن كان قادرا على مؤونة النكاح وليست به علة تمنعه من قربان الزوجة - فإن كان متعبدا - كان الأفضل له أن لا يتزوج كي لا يقطعه النكاح عن العبادة التي اعتادها وإن لم يكن متعبدا - كان الأفضل له أن يتزوج احترازا من أن تدفعه الشهوة إلى الحرام في وقت ما أما إذا كانت له رغبة في النكاح وكان قادرا على مؤونته فإنه يستحب له . هذا والمراد بالنكاح هنا بالنسبة للرجل قبول التزوج فهو الذي يستحب له أو يجب الخ وبالنسبة للمرأة الإيجاب لأنه هو الذي من طرفها بواسطة الولي
الحنابلة - قالوا : يفترض النكاح على من يخاف الزنا إذا لم يتزوج و لو ظنا سواء أكان رجلا أم امرأة ولا فرق في هذه الحالة بين أن يكون قادرا على الإنفاق أو لا فمتى قدر على أن يتزوج ليصون نفسه عن الحرام فعليه أن يتزوج ويسلك سبيل العمل الحلال الذي يرتزق منه مستعينا بالله تعالى وعلى الله معونته
ويحرم النكاح في دار الحرب إلا لضرورة فإذا كان أسيرا فإنه لا يباح له الزواج على أي حال
ويكون سنة لمن له رغبة فيه ولكنه لا يخاف على نفسه الزنا سواء رجلا أم امرأة وهو في هذه الحالة يكون أفضل من النوافل لما فيه من تحصين نفسه وتحصين زوجه والحصول على الولد الذي تكثر به الأمة ويكون عضوا عاملا في بناء المجتمع
ويكون مباحا لمن لا رغبة له فيه كالكبير والعنين بشرط أن لا يترتب عليه إضرار بالزوجة أو إفساد لأخلاقها وإلا حرم لهذه العوارض
[2] الحنفية - قالوا : يندب إعلان عقد النكاح بدف " طبل " أو تعليق الرايات الدالة عليه أو بكثرة المصابيح أو نحو ذلك من الأمور التي يعرف بها عقد الزواج وكذا يندب أن يخطب أحد قبل اجراء العقد ولا يلزم أن تكون الخطبة بألفاظ مخصوصة ولكن إذا خطب بما ورد كان أحسن ومن ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو " الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله : رقيبا يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا إلى قوله : عظيما " . ويندب أن يكون يوم جمعة . وكذا يندب لا يباشر العقد مع المرأة نفسها بل يتولى العقد عاقل رشيد غير فاسق من عصبتها . وكذا يندب أن يكون الشهود عدولا . أن لا يحجم عن الزواج لعدم وجود المهر بل يندب له الاستدانة إذا أمكنه لأن المتزوج الذي يريد العفاف يكون الله معينا له كما ورد في حديث . وكذا يندب أن ينظر إلى زوجه قبل العقد بشرط أن يعلم أنه يجاب في زواجها أما إذا كان يعلم أنه يرد ولا يقبل فلا يحل له أن ينظر إليها على أي حال . ومعنى هذا أن النظر إلى المخطوبة إنما يكون الإقدام الصحيح على الزواج وتحقق الرغبة من الجانبين ورضا كل منهما بالآخر أما إذا كان الغرض مجرد الرغبة في الإطلاع على النساء بدون إقدام صحيح على الزواج فإنه يحرم
ويندب أن تكون المرأة أقل من الرجل سنا لئلا تكبر بسرعة فلا تلد والغرض الصحيح من الزواج إنما هو التناسل الذي به تكثر الأمة ويعز جانبها . ويندب أن تكون أقل منه في الجاه والعز والرفعة والمال لأن الرجال قوامون على النساء حافظون لهم فإذا لم يكن الرجل أعز جاها وأكثر مالا لا تخضع المرأة له فلا يستطيع صيانتها لهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا . ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله فيها وبارك لها فيه " . ويندب أن تكون أحسن منه خلقا وأدبا وورعا وجمالا والأحسن أن تكون بكرا
ومن آداب الزواج أن يختار أيسر النساء مهرا ونفقة ولا يتزوج من لا تعفه كالطويلة المهزولة والقصيرة الدميمة . ولا يتزوج سيئة الخلق ولا امرأة لها ولد من غيره ولا امرأة مسنة . ولا يتزوج أمة مع قدرته على زواج الحرة ومن آداب الزواج أن لا يزوج ابنته الصغيرة الشابة شيخا كبيرا ولا رجلا دميما وعليه أن يزوجها كفأ وإن خطبها الكفء فلا يرده
ومن آدابه أن تختار المرأة الزوج المتمسك بدينه فلا تتزوج فاسقا وتختار الزوج الموسر صاحب الخلق الحسن والجود فلا تتزوج معسرا لا يستطيع الإنفاق عليها أو موسرا شحيحا فتقع في الفاقة والبلاء
ولا يكره زفاف العروس إلى زوجها وهو أن يجتمع النساء ويهدوا الزوج إلى زوجها وذلك هو المعروف في زماننا " بزفة العروس " . والمختار أن ضرب الدف والأغاني التي ليس فيها ما ينافي الآداب جائز بلا كراهة ما لم يشتمل كل ذلك على مفاسد كتبرج النساء الأجنبيات في العرس وتهتكهن أمام الرجال والعريس ونحو ذلك وإلا حرم [ يتبع . . .]
المالكية - قالوا : يندب للنكاح أمور : منها أن يتزوج بكرا إلا إذا كانت حاجته إلى الثيب أشد . ومنها النظر إلى وجه المخطوبة وكفيها ليتحقق من كون جمالها يوافقه أو لا وإنما يندب النظر إلى وجه المرأة وكفيها ظاهرهما وباطنهما بشروط : أحدهما أن لا يقصد التلذذ بذلك النظر . ثانيها أن يكون متحققا من رضائها به زوجا إن كانت رشيدة أو من رضاء وليها إن كانت قاصرا فإن لم يكن متحققا من ذلك الرضا حرم عليه أن ينظر إن كان النظر يترتب عليه فتنة محرمة فإن لم يترتب عليه فتنة كان مكروها . وربما يقال إذا نظر إليها بدون لذة ولم يترتب على نظره فتنة لا يكون للكراهة وجه لأن النظر إلى الأجنبية مع الأمن من الفتنة بها وعدم قصد التلذذ جائز . والجواب أن النظر إلى المخطوبة مع علمه بأنها لا ترضى به بعلا فيه شبهة قصد التلذذ لأنه في هذه الحالة لا معنى للنظر إليها فيكره لهذه العلة . ثالثها أن تكون عالمة فلا يحل له أن ينظر إليها بغير علمها . ومنها الخطبة وهي كل كلام مشتمل على حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآية من القرآن الكريم . والخطبة مندوبة من أربعة الأول الزواج أو وكيله عند التماس الزواج فيندب للمزوج أو لوكيله أن يقول : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله عليكم رقيبا . اتقوا الله و قولوا قولا سديدا } أما بعد فإني أو فإن موكلي فلانا رغب فيكم ويريد الانضمام إليكم والدخول في زمرتكم وفرض لكم من الصداق كذا فزوجوه . الثاني ولي أمر الزوجة أو وكيلها فيندب له أن يرد على الزوج في هذا المقام بخطبة فيحمد الله ويصلي ويسلم على رسول الله الخ ثم يقول : أما بعد فقد أجبناه لذلك أو يعتذر له . الثالث ولي المرأة أو وكيلها عند العقد فيندب له أن يقول : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقد زوجتك بنتي فلانة أو موكلتي بكذا . الرابع الزوج أو وكيله فيندب له أن يقول : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فقد قبلت زواجها لنفسي أو لموكلي بالصداق المذكور . ولا يضر الفصل بين الإيجاب والقبول بالخطبة غنما يندب تقليلها كما هو واضح في الأمثلة المذكورة . ومنها إعلان الزواج فيندب أن يطعم الطعام أو يضرب الدف و يندب تهنئة العروسين والدعاء لهما عند العقد وعند الدخول كأن يقول لهما : بارك الله لكل منكما في صاحبه وجعل منكما الذرية الصالحة وجمع بينكما في خير وسعة رزق ونحو ذلك
الحنابلة - قالوا : يندب اختيار المرأة الصالحة التي لها دين حتى يكون آمنا على عرضه وأن تكون بكرا ولودا وأن يكون العقد يوم الجمعة مساء ويسن أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود وهي : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . ويسن أن يبارك للزوجين بقول : بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير وعافية . ويندب أن يقول بعد زفافها : اللهم أني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه
أما النظر إلى وجه المخطوبة ورقبتها ويدها فمباح بشرط أن يغلب على ظنه أنه مقبول عندها بحيث لا ترد خطبته وأن لا يكونا في خلوة . ولا يشترط أن يستأذنها وليها في النظر بل له أن ينظر إليها وهي غافلة وأن يكرر النظر مرة أخرى لقوله عليه السلام : " إذا خطب أحدكم امرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " رواه أحمد وأبو داود
الشافعية - قالوا : يندب لمن أراد التزوج بامرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها ظاهرا وباطنا فقط فلا يجوز النظر إلى غيرهما وله النظر إليهما ولو بشهوة أو افتتان بها لأن ذلك من بواعث الرغبة في الاقتران بها وهو المطلوب في هذا المقام أما المرأة فيسن لها أن تنظر من بدن الرجل ما تقدر على نظره ما عدا عورته لأنها يعجبها منه ما يعجبه منها فإن لم يتيسر له النظر إليها أو كان يستحي من طلب ذلك بعث من يتأملها ويصفها له لأن المقصود من التزوج دوام الالفة فكل ما يوصل إليهما كان مطلوبا شرعا والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه و سلم للمغيرة بن شعبة - وقد خطب امرأة - : " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما المودة والألفة " ومعنى يؤدم تطيب به المعيشة كما يطيب الطعام بالإدام رواه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه
ويسن أن يخطب بكرا إلا إذا كانت الحاجة تدعوه إلى الثيب كأن يكون عنده أطفال تحتاج إلى تربيتها ممن تعود التربية أو يكون كبير السن فتنصرف عنه البكر فلا تدوم بينهما الالفة
ويسن أن تكون ذات دين يحملها على القيام بحقوق الزوجية والمراد بالمتدينة المتصفة بصفة العدالة ويسن أن تكون جميلة لا ينفر الطبع منها فلا تدوم بينهما الالفة وينبغي أن يراعى في ذلك مقدرة الرجل على صيانة المرأة من التعرض للفساد بقدر المستطاع فلا يجوز لمن لا يقدر على الإنفاق على باهرة الجمال مثلا أن يتزوجها فيضطرها إلى التبذل وعرض جمالها على من يطمع فيها ويرى بعضهم أن بارعة الجمال تكره لئلا تختال بجمالها فلا يستطيع كبح جماحها
ويسن أن تكون ولودا لأن العقيم لا تؤدي وظيفة التناسل المطلوبة للمجتمع الإنساني وأن تكون ذات أصل طيب بأن تكون منسوبة إلى الصالحين والعلماء لأن تربية الأبناء تتأثر بالبيئة فمتى كان منبتها الذي نبتت فيه صالحا كانت صالحة ولذا ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم :
إياكم وخضراء الدمن المرأة الحسناء في المنبت السوء
ويسن للخاطب أن يخطب خطبتين : إحداهما عند طلب المخطوبة والأخرى قبل العقد كما يسن للولي أن يخطب عند إجابته . والخطبة كلام مفتتح بحمد مختتم بدعاء ووعظ كأن يقول ما روي : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه و سلم وعلى آله وأصحابه يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة إلى قوله : رقيبا وعند الخطبة الأولى يقول : جئتكم خاطبا كريمتكم أو فتاتكم : وتحصل السنة بالخطية قبل العقد من الولي أو الزوج أو أجنبي عنهما
فهذه خطب ثلاث اثنتان من الزوج أو من ينوب منابه وواحدة من الولي وهي أن يقول بعد الثناء والصلاة والسلام : لست بمرغوب عنك أو قبلناك صهرا ونحو ذلك وزاد بعضهم خطبة رابعة بين الإيجاب والقبول وهي من الزوج أو من ينوب عنه فإذا قال الولي : زوجتك فيسن أن يقول بعد الحمد والثناء : على بركة الله تعالى ورجاء معونته ونحو ذلك قبلت : وبعضهم يرى كراهة ذلك لأن الفصل بين الإيجاب والقبول إن طال يفسد العقد فالأحوط ترك ذلك




مبحث أركان النكاح


- للنكاح ركنان [1]
وهما جزآه اللذان لا يتم بدونهما : أحدهما الإيجاب وهو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه . وثانيهما القبول وهو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه فعقد النكاح هو عبارة عن الإيجاب والقبول وهل هذا هو المعنى الشرعي أو هناك معنى آخر زائد عليهما ؟ والجواب أن هناك أمرا آخر زائدا عليهما وهو ارتباط الإيجاب بالقبول
فالعقد الشرعي يتركب من أمور ثلاثة : اثنان حسيان - وهما الإيجاب والقبول - والثالث معنوي وهو ارتباط الإيجاب بالقبول . فملك المعقود عليه من عين كما في البيع والشراء أو منفعة كما في النكاح يترتب على هذه الأمور الثلاثة وهو الذي يسمى عقدا أما غيرهما مما يتوقف عليهما صحته في نظر الشرع فهي خارجة عن ماهيته ويقال : لها شروط لا أركان



المالكية - عدوا أركان النكاح خمسة : أحدها ولي للمرأة بشروطه الآتية فلا ينعقد النكاح عندهم بدون ولي . ثانيها الصداق فلا بد من وجوده ولكن لا يشترط ذكره عند العقد ثالثها زوج . رابعها زوجة خالية من الموانع الشرعية كالإحرام والعدة . خامسه الصيغة
والمراد بالركن عندهم ما لا توجد الماهية الشرعية إلا به . فالعقد لا يتصور إلا من عاقدين : وهما الزوج والولي ومعقود عليه : وهما المرأة والصداق وعدم ذكر الصداق لا يضر حيث لابد من وجوده وصيغة : وهي اللفظ الذي يتحقق به العقد شرعا وبذلك يندفع ما قيل : إن الزوجين ذانان والعقد معنى فلا يصح كونهما ركنين له . وما قيل ان الصداق ليس ركنا ولا شرطا لأن العقد يصح بدونه . وما قيل : إن الصيغة والولي شرطان لا ركنان لخروجهما عن ماهية العقد فإن ذلك إنما يرد إذا أريد ماهية العقد الحقيقية التي وضع لها اللفظ لغة لأنها تكون مقصورة على الإيجاب والقبول والارتباط بينهما أما إذا أريد من الركن ما لا توجد الماهية الشرعية إلا به سواء كان هو عين ماهيتها أو لا فلا إيراد
الشافعية - قالوا : أركان النكاح خمسة : زوج زوجة ولي شاهدان صيغة . وقد عد أئمة الشافعية الشاهدين من الشروط لا الأركان و قد عللوا ذلك بأنهما خارجان عن ماهية العقد و هو ظاهر ولكن غيرهما مثلهما كالزوجين كما ترى فيما تقدم
والحكمة في عد الشاهدين ركنا واحدا بخلاف الزوج والزوجة أن شروط الشاهدين واحدة أما شروط الزوج والزوجة فهما مختلفان



مبحث شروط النكاح


- للنكاح شروط عدها بعض المذاهب أركانا وعد شروطا غيرها لم يعتبرها بعض المذاهب الأخرى كما تراه مفصلا في المذاهب [1]



[1] الحنفية - قالوا : للنكاح شروط بعضها يتعلق بالصيغة وبعضها يتعلق بالعاقدين وبعضها يتعلق بالشهود فأما الصيغة - وهي عبارة عن الإيجاب والقبول - فيشترط فيها شروط : أحدها أن تكون بألفاظ مخصوصة وبيانها أن الألفاظ التي ينعقد بها النكاح إما أن تكون صريحة و إما أن تكون كناية . فالصريحة هي ما كانت بلفظ تزويج وانكاح أي ما اشتق منهما كزوجت وتزوجت وزوجني ابنتك مثلا أو زوجيني نفسك فتقول : زوجت أو قبلت أو سمعا وطاعة . ويصح النكاح بلفظ المضارع إذا لم يرد به طلب الوعد فلو قال : تزوجني بنتك فقال : زوجتك صح أما إذا نوى الاستيعاد - أي طلب الوعد - فإنه لا يصح ولو قال : أتزوجك بالمضارع فقالت : زوجت فإنه يصح بدون كلام لأنه لا يطلب من نفسه الوعد . وقوله : زوجني فيه خلاف هل هو توكيل بالزواج - أي وكلتك - بأن تزوجني ابنتك أو هو إيجاب كقول : زوجتك ابنتي ؟ والراجح أنه توكيل ضمني لأن الغرض من الأمر طلب التزويج وهو يتضمن التوكيل . وإذا كان توكيلا ضمنا لا صراحة فلا يأخذ حكم التوكيل من أنه لا يشترط فيه اتحاد المجلس فلو وكله اليوم ثم قبل التوكيل بعد أيام صح بخلاف النكاح فإن القبول يشترط فيه أن يكون في مجلس الإيجاب كما ستعرف بعد . فلفظ زوجني له جهتان : جهة طلب النكاح وهي المقصودة فتعتبر فيها شروط النكاح وجهة توكيل - وهي ضمنية - فلا يعتبر فيها شروط التوكيل ولا يشترط في الألفاظ الصريحة أن يعرف الزوجان أو الشهود معناها وإنما يشترط معرفة أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح مثلا إذا لقنت امرأة أعجمية لفظ زوجتك نفسي عارفة أن الغرض منه اقترانها بالزوج ولكنها لم تعرف معنى زوجت نفسي فإن النكاح ينعقد ومثل الزوجة في ذلك الزوج والشهود وهذا بخلاف البيع فإنه لا يصح إلا إذا عرف البيعان معنى اللفظ فلا يكفي فيه أن ينعقد به البيع أما الخلع فإن المرأة إذا لقنت خالعني على مهري و نفقتي فقالته وهي لا تعرف معناه فإن الصحيح أن الطلاق يقع ولا يسقط مهرها ولا نفقتها . أما الكناية فإن النكاح لا ينعقد بها إلا بشرط أن ينوي بها التزويج وأن تقوم قرينة على هذه النية . وأن يفهم الشهود المراد أو يعلنوا به إن لم تقم قرينة يفهموا منها
والكنايات التي ينعقد بها النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام : الأول لا خلاف في الانعقاد به عند الحنفية وهو ما كان بلفظ الهبة أو الصدقة أو التمليك أو الجعل فإذا قالت : وهبت نفسي لك ناوية معنى الزواج وقال : قبلت انعقد النكاح . وكذا إذا قالت : تصدقت بنفسي عليك أو جعلت نفسي صدقة لك أو قالت : ملكتك نفسي . أو قال : جعلت لك ابنتي بمائة فإن كل ذلك ينعقد به النكاح بلا خلاف
القسم الثاني : في الانعقاد به خلاف ولكن الصحيح الانعقاد وهو ما كان بلفظ البيع والشراء فلو قالت : بعت نفسي منك بكذا ناوية الزواج وقبل فإنه يصح ومثل ما إذا قالت : أسلمت إليك نفسي في عشرين إردبا من القمح آخذها بعد شهر تريد به الزواج فإنه يصح وكذا إذا قال : صالحتك على الألف التي علي لابنتي يريد به الزواج فقال : قبلت فينعقد النكاح على الصحيح بلفظ البيع والشراء والسلم والصلح والفرض القسم الثالث : فيه خلاف والصحيح عدم الانعقاد وهو ما كان بلفظ الإيجارة والوصية فلو قالت أجرت لك نفسي أو قال : أوصيت لك بابنتي بعد موتي أو قال أوصيت لفلان بابنتي ولم يقل : بعد موتي فقال : قبلت فإنه لا ينعقد بها النكاح وأولى إذا قال : قبلت بعد موته أما إذا قال له : أوصيت لك ببضع ابنتي الآن أو للحال أو حالا بألف مثلا فقال : قبلت فإنه لا يصح وذلك لأنه لا يشترط أن يفيد اللفظ تمليك العين في الحال . والوصية المطلقة والمقيدة بما بعد الموت تفيد الملك مالا
القسم الرابع : لا خلاف في عدم الانعقاد به وهو ما كان بألفاظ الإباحة والإحلال والإعارة والرهن والتمتع والإقالة والخلع . فلو قالت : أحللت لك نفسي أو أعرتك أو متعتك بنفسي أو قال له : أقلني من بيع السلعة على ابنتي بنية الزواج فإنه لا يصح
ثانيها : أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد فإذا قالت : زوجتك نفسي أو قال : زوجتك ابنتي فقام الآخر من المجلس قبل القبول واشتغل بعمل يفيد انصرافه عن المجلس . ثم قال : قبلت بعد ذلك فإنه ينعقد . وكذا إذا كان أحدهما غائبا . فلو قالت امرأة بحضرة شاهدين : زوجت نفسي من فلان وهو غائب فلما علم قال بحضرة شاهدين : قبلت فإنه لا ينعقد . لأن اتحاد المجلس شرط وهذا بخلاف ما إذا أرسل إليها رسولا قال لها : أرسلني يطلب منك أن تزوجيه نفسك فقالت : قبلت فإنه ينعقد لأن الإيجاب والقبول في مجلس واحد وإن كان الزوج غائبا عن المجلس فإذا لم تقبل المرأة عندما قال لها الرسول ثم أعاد الرسول الإيجاب في مجلس آخر فقبلت فإنه لا ينعقد لأن رسالته انتهت أولا . وكذا إذا أرسل إليها كتابا يخطبها وهو غائب عن البلد فأحضرت الشهود وقرأت عليهم الكتاب وقالت : زوجت نفسي فإنه ينعقد وذلك لأن الإيجاب والقبول حصلا في مجلس واحد . فإن الكتاب في المجلس إيجاب الزوج وقول المرأة : زوجت أو قبلت هو القبول حتى لو لم تقبل في المجلس . ثم قرأت الكتاب في مجلس آخر وقبلت فإنه ينعقد . لأن كل ما قرأ في الكتاب كان إيجابا من الزوج ولهذا لو قالت أمام الشهود زوجت نفسي من فلان ولم تقرأ عليهم الكتاب فإنه لا ينعقد لأن سماع الشطرين شرط صحة النكاح ولا يصح النكاح بالكتابة مع وجود الخاطب ويمكنه من حضور مجلس العقد ويتفرع على اتحاد المجلس أنهما إذا عقدا على دابة تسير أو عقدا وهما يمشيان فإنه لا يصح لعدم الاستقرار في مكان واحد . أما إذا عقدا على ظهر سفينة وهي تسير فإنه يصح لأن السفينة تعتبر مكانا . وهل السيارة " الاتوموبيل " ونحوه مثل السفينة أو الدابة ؟ إنه مثل الدابة فلا يصح العقد عليه عند الحنفية . هذا ولا يشترط الفور عند الحنفية فلو قالت : زوجتك فتكلم في المجلس بكلام خارج عن العقد ثم قالت قبلت : فإنه يصح . على أنه لابد في عقد النكاح من اللفظ فلا ينعقد بالتعاطي مثلا لو قالت له : زوجتك نفسي بألف فأعطاها الألف ولم يقل : قبلت لا ينعقد النكاح وكذا لا ينعقد بالإقرار على المختار بمعنى أن الإقرار إظهار لما هو ثابت ومعنى كون العقد يثبت بالتصادق أن العقد يكون حاصلا من قبل والقاضي يحكم بثبوته لا أن الإقرار ينعقد به النكاح أول الأمر لأنه يكون كذبا
ثالثها : أن لا يخالف القبول الإيجاب فإذا قال شخص لآخر : زوجتك ابنتي على ألف درهم فقال الزوج : قبلت النكاح ولا أقبل المهر لا ينعقد النكاح ولو قبل وسكت عن المهر ينعقد أما إذا قالت له : زوجتك نفسي بألف فقبلها بألفين فإنه يصح وإن كان القبول يخالف الإيجاب لأن غرضها قد تحقق مع زيادة ولكن لا تلزمه الزيادة إلا إذا قبلت في المجلس . وإذا قال لها زوجيني نفسك بألف فقالت بخمسمائة فإنه يصح ولا يحتاج إلى قبول منه لأن هذا إبراء واسقاط بخلاف الزيادة فإنها لا تلزم إلا القبول
رابعها : أن تكون الصيغة مسموعة للعاقدين فلا بد أن يسمع كل من العاقدين لفظ الآخر إما حقيقة كما إذا كانا حاضرين أو حكما كالكتاب من الغائب لأن قراءته قامت مقام الخطاب هنا ولا يشترط في الصيغة أن تكون بألفاظ صحيحة بل تصح بالألفاظ المحرفة على التحقيق فإذا كانت المرأة أو وكيلها من العامة الذين لا يحسنون النطق بقول : زوجت : وقالت : جوزتك نفسي أو قال : جوزتك ببنتي فإنه يصح . ومثل النكاح الطلاق فإنه يصح بالألفاظ المحرفة
خامسها : أن لا يكون اللفظ مؤقتا بوقت فإذا قال لها زوجيني نفسك شهرا بصداق كذا فقالت : زوجت فإنه يقع باطلا وهذا هو نكاح المتعة الآتي
وأما الشروط المتعلقة بالعاقدين وهما الزوج والزوجة فمنها العقل - وهو شرط في انعقاد النكاح - فلا ينعقد نكاح المجنون والصبي الذي لا يعقل أصلا . ومنها البلوغ والحرية وهما شرطان للنفاذ
فإذا عقد الصبي الذي يعقل والعبد فإن عقدهما ينعقد ولا ينفذ إلا بإجازة الولي والسيد . ومنها أن تكون الزوجة محلا قابلا للعقد فلا ينعقد على رجل ولا على خنثى مشكل ولا على معتدة أو متزوجة للغير . ومنها أن يكون الزوج والزوجة معلومين
فلو زوج ابنته وله بنتان لا يصح إلا إذا كانت إحداهما متزوجة فينصرف إلى الخالية من الأزواج . وإذا كان لرجل بنت لها اسم في صغرها ثم اشتهرت باسم آخر في كبرها تذكر بالاسم المعروفة به قال في الهندية والأصح أن تذكر بالاسمين رفعا للابهام ولو كانت له ابنة واحدة اسمها فاطمة فذكرها باسم عائشة فإنه لا يصح ومنها أن يضاف النكاح إلى المرأة أو إلى جزء يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة فلو قال زوجني يد ابنتك أو رجلها لا ينعقد على الصحيح
أما الشروط التي تتعلق بالشهادة فإن الشهادة أولا في ذاتها شرط لصحة عقد النكاح فلا بد منها
وأقل نصاب الشهادة في النكاح اثنان فلا تصح بواحد . . ولا يشترط فيهما أن يكون ذكرين بل تصح برجل وامرأتين على أن النكاح لا يصح بالمرأتين وحدهما بل لابد من وجود رجل معهما . ولا يشترط فيهما عدم الإحرام فيصح عقد المحرم بالنسك
ويشترط في الشهود خمسة شروط : العقل والبلوغ والحرية فلا ينعقد بحضرة مجنون أو صبى أو عبد . والرابع الإسلام فلا ينعقد نكاح المسلمين بشهادة الذميين إلا إذا كانت المرأة ذمية . والرجل مسلما فإنه ينعقد نكاحها بشهادة ذميين سواء كانا موافقين لها في الملة أو مخالفين
وإذا كان العاقدان غير مسلمين فلا يشترط في الشهود أن يكونا مسلمين من باب أولى لا فرق أن يكونا موافقين لهما في الملة أو مخالفين . وينعقد النكاح بشهادة أعميين أو محدودين في قذف أو زنا وإن لم يتوبا أو فاسقين كما ينعقد بشهادة الابن الذي لا تقبل شهادته على أبيه وأمه في غير النكاح . فيصح أن يتزوج امرأة بشهادة ابنيه منها أو من غيرها . كما يصح شهادة ابنها من غيره . ومثل الابن الأب فيصح في النكاح شهادة الأصول والفروع . ولكن شهادة هؤلاء وإن كان يعقد بها النكاح إلا أنه لا يثبت بها عند الإنكار فشهادتهم تنفع في حل الزوجة ديانة لا قضاء فالنكاح له حالتان . حالة الانعقاد وهذه تصح فيها شهادة الأعمى والفاسق والابن والأب . وحالة إثبات عند الإنكار وهذه لا تصح فيها شهاداتهم بل يشترط في الشاهد على إثبات النكاح ما يشترط في غيره . وعلى هذا إذا وكل رجل آخر على أن يزوج ابنته الصغيرة فزوجها بحضور امرأتين مع وجود الأب الموكل صح النكاح لأن الأب يعتبر شاهدا والمرأتان شاهد آخر
بهذا تعلم أن شهادة الولي تنفع في الانعقاد . فإذا زوج الأب ابنته البالغة بحضور رجل واحد وكانت هي حاضرة فإنه يصح وذلك أنها تجعل في الحالة هي المباشرة للعقد ويجعل أبوها شاهدا مع الرجل الآخر وذلك لأنها هي التي أمرت أباها بتزويجها . والقاعدة أن الآمر إذا حضر في المجلس تنتقل عبارة الوكيل إليه . فكأنه هو المعبر فتكون هي مباشرة ولا يمكن جعلها شاهدة لأنه لا يتصور كون الشخص شاهدا على نفسه . أما إذا كانت صغيرة وزوجها أبوها بحضرة رجل واحد فإنه لا يصح لأن العقد لا يمكن نقله إليها لصغرها . ومثل ذلك ما إذا وكلت امرأة بالغة رجلا أجنبيا وكانت حاضرة فزوجها بحضرة آخر فإنه يصح وتصلح هي شاهدا لإثبات العقد عند الإنكار . إنما ينبغي أن لا يذكر العقد لأنه باشره فلا يصح أن يشهد على نفسه بل يقول : إنها منكوحة فلان أو زوجة
الشرط الخامس : من الشروط المتعلقة بالشهود أن يسمعا كلام العاقدين معا فلا تصح شهادة النائمين الذين لم يسمعا كلام العاقدين . أما الشهادة على التوكيل بالعقد فإنها ليست شرطا في صحة النكاح فلو قالت لأبيها : وكلتك في زواجي بدون حضور شاهدين فإنه يصح ولكن إذا أنكرت أنها وكلته لم يكن عليها بينة . ففائدة الشهود في التوكيل الإثبات عند إنكار التوكيل . ويشترط في الشهادة على إثبات التوكيل أن يعرف الشهود المرأة ويسمعوا كلامها . فإذا رآها الشاهدان وسمعا كلامها إن كانت وحدها في المنزل جاز لهما أن يشهدا على إثبات التوكل عند إنكارها . فإن كانت غائبة ولم يسمعوا كلامها بأن عقد لها وكيلها فإن كان الشهود يعرفونها كفى ذكر اسمها إذا علموا أنه أرادها وإذا كانوا يعرفونها فلا بد من ذكر اسمها واسم أبيها وجدها على أنك قد عرفت أن الشهادة في ذلك يصح بها العقد ولكن لا تنفع عند جحود التوكل فالأحوط أن يشهد على التوكل اثنان عارفان بالزوجة أنها وكلت بعد سماعها
وينعقد النكاح بشهادة الأخرس وفاقد النطق إذا كان يسمع ويفهم . ولا يشترط فهم الشهود معنى اللفظ بخصوصه وإنما يشترط أن يعلموا أن هذا اللفظ ينعقد به النكاح كما تقدم . فإذا تزوج عربي بحضرة أعجمي يصح إذا كانا يعرفان أن لفظ الإيجاب والقبول ينعقد بهما النكاح وإلا فلا . وينعقد بحضرة السكارى إذا كانا يعرفان أن هذا ينعقد به النكاح ولو لم يدركوه بعد الإفاقة من السكر
وإذا أرسل شخص جماعة يخطبون له ابنة آخر فقال أبوها : زوجته ابنتي وقال أحد الخاطبين قبلت زواجها له فإن النكاح ينعقد على الصحيح
خاتمة : لا يشترط في النكاح اختيار الزوج والزوجة فلو أكره الزوج أو الزوجة على النكاح انعقد النكاح . ومثل النكاح الطلاق والعتق فإنه لا يشترط فيهما الاختيار والرضا وكذلك لا يشترط الجد في هذه الأمور الثلاثة : النكاح والطلاق والعتق بل تنعقد ولو كان هازلا
الشافعية - قالوا : شروط النكاح بعضها يتعلق بالصيغة وبعضها يتعلق بالولي وبعضها بالزوجين وبعضها يتعلق بالشهود [ يتبع . . .]
فأما الصيغة فإنه يشترط لصحتها ثلاثة عشر شرطا وقد ذكرت مفصلة في الجزء الثاني صحيفة 150 طبعة خامسة في أحكام البيع . ومنها عدم التعليق كأن يقول له : زوجتك ابنتي إن أعطيتني دار كذا أو إن رضيت بك زوجا فإنه لا يصح . ومنها التأقيت كأن يقول لها : زوجيني نفسك مدة شهر وهو نكاح المتعة وقد ورد النهي عنه في خبر الصحيحين . ويزاد على ما ذكر في البيع هنا أن تكون الصيغة بلفظ مشتق من تزويج أو انكاح كزوجتك ابنتي أو أنكحتك موكلتي . فلو قال : أزوجك ابنتي بلفظ المضارع أو أنكحتك إياها فإنه لا يصح لأنه يحتمل الوعد . أما إذا قال : أزوجك ابنتي الآن . أو قال : إني مزوجك ابنتي ولو لم يقل : الآن فإنه يصح لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال فلا يحتمل الوعد . ويصح العقد بالألفاظ المحرفة كما إذا قال له : جوزتك موكلتي حتى ولو لم تكن لغته على المعتمد : وكذلك يصح بالألفاظ الأعجمية . ولو كان العاقدان يعرفان العربية بشرط أن يكونا فاهمين معناها . فلو خاطبته بالفرنساوية أو الإنكليزية بقولها : زوجتك نفسي وقبل صح العقد ويصح بقوله : زوجني ابنتك فيقول له : زوجتك كما يصح بقول الولي تزوج بنتي فيقول له : تزوجت . ولا ينعقد النكاح بغير هذه الصيغ الصريحة فلا يصح بقوله : أحللت لك ابنتي أو بعتها لك أو ملكتك إياها أو وهبتها لك أو نحو ذلك من الصيغ التي يصح انعقاده بها عند الحنفية فلا بد عند الشافعية من لفظ مشتق من انكاح أو تزويج ويقول : إن هذا هو المراد من كلمة الله الواردة في حديث " واستحللتم فروجهن بكلمة الله " لأن كلمة الله الواردة في القرآن هي نكاح وتزويج لا غير ولا يصح أن يقاس عليها غيرها وبالجملة فلا يصح النكاح بالكناية لأنها تحتاج إلى نية والشهود ركن ولابد لهم من الإطلاع على النية ولا يمكن الإطلاع عليها
وأما القبول فلا بد أن يقول فيه : قبلت فيه زواجها أو نكاحها أو النكاح أو التزويج أو رضيت نكاحها أو أحببته أو أردته فلو قال : قبلت وسكت فإنه لا يصح ويصح تقديم القبول على الإيجاب
وأما الشروط المتعلقة فهي أمور :
أحدها : أن يكون مختارا فلا يصح من مكروه
ثانيها : أن يكون ذكرا فلا يصح من أنثى ولا خنثى لعدم صحة ولا يتهما
ثالثها : أن يكون محرما فلا يصح من غير محرم
رابعها : أن يكون بالغا فلا يصح من صبي لعدم ولايته
خامسها : أن يكون عاقلا فلا يصح من مجنون لعدم ولايته
سادسها : أن يكون عدلا فلا يصح من فاسق لعدم ولايته
سابعها : أن لا يكون محجورا عليه لسفه لعدم ولايته
ثامنها : أن لا يكون مختل النظر
تاسعها : أن لا يكون مخالفا في الدين لعدم ولايته
عاشرها : أن لا يكون رقيقا ولايته
أما الشروط المتعلقة بالزوج فأمور : أن يكون غير محرم للمرأة فلا يصح أن يكون أخا لها أو ابنا أو خالا أو غير ذلك من المحارم سواء كانت من نسب أو مصاهرة أو رضاع و أن يكون مختارا فلا يصح نكاح المكروه وأن يكون معينا فلا يصح نكاح المجهول وأن لا يكون جاهلا حل المرأة فلا يجوز له أن يتقدم على نكاحها وهو جاهل لحلها
وأما الشروط المتعلقة بالزوجة فأمور : أن لا تكون محرما له وأن تكون معينة وأن تكون خالية من الموانع فلا يحل نكاح محرمة ولا نكاح إحدى المرأتين مثلا ولا نكاح المتزوجة أو المعتدة
وأما الشروط المتعلقة بالشاهدين فهي الشروط المتعلقة بسائر الشهود : فلا تصح شهادة عبدين أو امرأتين أو فاسقين : أو أصمين أو أعسبين أو خنثيين لم تتبين ذكورتهما كما لا تصح شهادة المتعين للولاية فلو انحصرت الولاية في الأب أو الأخ فوكل غيره بمباشرة العقد وحضر هو فإنه لا يصح أن يكون شاهدا وإن اجتمعت فيه شروط الشهادة لأنه في الواقع ولي عاقد فلا يكون شاهدا كالزوج ووكيله فلا تصح شهادته مع وجود وكيله ودليل الشهادة مع الولي في النكاح ما رواه ابن حبان " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل "
وينعقد النكاح بشهادة ابني الزوجين أو ابني أحدهما ولكن لا يثبت به النكاح كما يقول الحنفية ومثل الابن العدو فإنه يصح شهادته في انعقاد النكاح ولكن لا يثبت به عند الإنكار لعدم صحة شهادته على عدوه ويصح النكاح بمستوري العدالة - وهما المعروفان بها ظاهرا لا باطنا - إذ لو اعتبرت العدالة في الواقع لتعذر الحصول على الشهود
ويسن الاشهاد على رضا غير المجبرة احتياطا كي لا تنكر وذلك لأن رضاها ليس من نفس النكاح الذي جعل الاشهاد ركنا له وإنما رضاها شرط في النكاح فيسن الاشهاد على وقوعه منها ورضاها قد يحصل بإخبار وليها من غير شهادة
الحنابلة - قالوا : للنكاح أربعة شروط : الشرط الأول تعيين الزوجين يقول : زوجتك ابنتي فلانة فإذا قال : زوجتك ابنتي بغير تعيين وكان له غيرها لم يصح إذا قال : قبلت نكاحها لابني وله غيره بل يلزم أن يقول لابني فلان فلا بد من أن يميز الزوج والزوجة باسمه أو بصفته التي لم يشاركه فيها غيره كقوله : بنتي الكبرى أو الصغرى أو البيضاء أو الحمراء أو ابني الكبير أو الصغير أو نحو ذلك
وقد عرفت أن صيغة النكاح لا بد أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج وأما القبول فيكفي فيه أن يقول : قبلت أو رضيت فلا يشترط فيه أن يقول : قبلت زواجها أو نكاحها ولا يصح أن يتقدم القبول على الإيجاب . ويشترط الفور فإن تأخر القبول عن الإيجاب حتى تفرقا أو تشاغلا بما يقطعه عرفا فإنه لا يصح ولا يشترط أن يكون اللفظ عربيا بل يصح بغير العربية من العاجز عن النطق بالعربية بشرط أن يؤدي معنى الإيجاب والقبول بلفظ التزويج أو النكاح بالكتابة ولا بالإشارة إلا من الأخرس فإنه يصح منه بالإشارة المفهومة
الشرط الثاني : الاختيار والرضا فلا ينعقد نكاح المكروه إذا كان عاقلا بالغا ولو رقيقا لأن السيد ليس له اكراهه على الزواج لأنه يملك الطلاق فليس لإكراهه على الزواج معنى أما إذا لم يكن عاقلا بالغا فإن للأب اكراهه وكذلك وصي الأب والحاكم أما غيرهم فلا يصح له أن يزوج غير المكلف ولو رضي لأن رضاه غير معتبر . وللأب أن يجبر البكر ولو كانت بالغة كما سيأتي في مبحث الولي
الشرط الثالث : الولي ويشترط فيه سبعة شروط الذكورة إذ لا تصلح ولاية المرأة العقل إذ من لا عقل له لا يمكنه النظر في شؤون نفسه فلا يصلح أن يتولى شؤون غيره - ولا يضر الاغماء - البلوغ لأن الولاية لا تصلح من الصغير لقصر أمره عن تدبير شؤون غيره . الحرية فلا تصح ولاية العبد لأنه لا ولاية له على نفسه فلا يصح أن يكون له ولاية على
غيره . اتفاق الدين فلا تصح ولاية كافر على مؤمن ولا ولاية مجوسي على نصراني إلا السلطان فإن له الولاية بصرف النظر عن اختلاف الدين . الرشد - وهو أن يكون ذا خبرة بمعرفة الكفء الصالح - ومصالح النكاح الشرط الرابع من شروط النكاح : الشهادة فلا يصح إلا بشهادة ذكرين بالغين عاقلين عدلين ولو كانت عدالتهما ظاهرا ولو رقيقين ويشترط فيهما أن يكونا متكلمين مسلمين سميعين فلا تصح شهادة الأصم والكافر ويشترط أن يكونا من غير أصل الزوجين وفرعيهما فلا تصح شهادة أب الزوجة أو الزوج أو أبنائهما لأن شهادتهما لا تقبل وتصح شهادة الأعميين وشهادة عدوي الزوجين
الشرط الخامس : خلو الزوجين من الموانع الشرعية
المالكية - قالوا : لكل ركن من أركان النكاح المتقدمة شروط فيشترط في الصيغة شروط أحدها : أن تكون بألفاظ مخصوصة وهي أن يقول الولي : أنكحت بنتي أو زوجتها أو يقول له : زوجني فلانة ومتى تلفظ الولي أو الزوج بلفظ الانكاح أو التزويج فيكفي أن يجيبه الآخر بما يدل على القبول بأي صيغة كأن يقول : قبلت أو رضيت أو نفذت أو أتممت ولا يشترط أن يقول : قبلت نكاحها أو زواجها كما هو رأي الشافعية فإذا خلا لفظ الزوج أو الولي عن الانكاح والتزويج فإن النكاح لا ينعقد على المعتمد إلا بلفظ الهبة بشرط أن يكون مقرونا بذكر الصداق بأن يقول الولي : وهبت لك ابنتي بصداق كذا أو يقول الزوج : هب لي ابنتك بصداق كذا . أما غير ذلك من الألفاظ التي تفيد التمليك كبعت وتصدقت ومنحت وأعطيت وملكت وأحللت مع ذكر الصداق بأن يقول : بعت لك ابنتي بصداق قدره كذا فإن فيها خلافا . والراجح عدم انعقاد النكاح بها . أما إذا لم يذكر الصداق فإن النكاح لا ينعقد لها اتفاقا . فتحصل من هذا أنه يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ الانكاح أو التزويج أو الهبة بشرط ذكر الصداق
ثانيها : الفور فيشترط لصحة النكاح أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل كثير يقتضي الاعراض . فإذا قال الولي : زوجتك فلانة قال الزوج : قبلت ذلك الزواج . ولا يضر الفاصل اليسير كما إذا فصل بخطبة قصيرة ونحوها ويستثنى من ذلك الإيصاء بالتزويج فإنه يغتفر فيه الفاصل الطويل فإذا قال : إن مت زوجت ابنتي لفلان فإنه يصح ولا يلزم أن يجيبه الموصى له على الفور بقوله قبلت بل يصح إذا قبل الزوج بعد موت الموصي سواء كان القبول بعد موته بمدة قريبة أو بعيدة على المعتمد . إنما يشترط لصحة النكاح بالوصية أن تكون الوصية في مرض مات فيه سواء كان مخوفا أولا وسواء طال أو قصر . ومثل ذلك ما إذا قال : زوجت ابنتي لفلان إن رضي فإنه إذا رضي يعقد النكاح . ولا يلزم أن يكون موجودا في المجلس بل يصح أن يرضى بعد علمه ولو بزمن طويل . والحاصل أن الفور شرط فيما إذا كان الطرفان حاضرين في مجلس العقد وفي هذه الحالة لا يغتفر الفصل بين الإيجاب والقبول إلا بالأمر اليسير . وبذلك تعلم أن الإيصاء بالنكاح والتعليق على الرضى ينعقد بهما عند المالكية خلافا لغيرهم
ثالثها : أن لا يكون اللفظ مؤقتا بوقت كأن يقول للولي : زوجني فلانة شهرا بكذا أو يقول قبلت زواجها مدة شهر بكذا وهذا هو نكاح المتعة الآتي
رابعها : أن لا يكون مشتملا على الخيار أو على شرط يناقض العقد وسيأتي بيان ذلك في مبحث الشروط ويشترط في الولي ثمانية شروط : الذكورة والحرية والعقل والبلوغ وعدم الإحرام وعدم الكفر - إذا كان وليا لمسلمة - أما ولاية الكافر لمثله فصحيحة وعدم السفه إذا لم يكن عاقلا أما إذا كان سفيها ولكن ذا رأي وعقل فإن سفهه لا يخرجه عن الولاية فله حق إجبار المرأة وعدم الفسق
ويشترط في الصداق أن يكون مما يملك شرعا فلا يصح الصداق إذا كان خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو كان مما لا يصح بيعه كالكلب أو كان جزء ضحية فإذا وقع العقد على صداق من هذه الأشياء كان فاسدا ويفسخ وجوبا قبل الدخول فإن دخل بها فإن العقد يثبت بصداق المثل كما يأتي في الصداق
أما الشهادة فقد عرفت أنها ضرورية لا بد منها ولكن لا يلزم أن يحضر الشهود عند العقد بل يندب ذلك فقط فإذا قال الولي : زوجتك فلانة وقال الزوج : قبلت انعقد النكاح وإن لم يحضر أحد ولكن يجب أن يحضر شاهدان عند الدخول بها فإن دخل عليها من غير شاهدين فسخ النكاح بطلقة لأنه عقد صحيح فيكون فسخه طلاقا بائنا وذلك لأن عدم الإشهاد مطلقا يفتح الباب على مصراعيه للزناة إذ يمكن كل واحد في خلوة مع امرأة خالية الأزواج أن يدعي العقد عليها . ولا بد أن يشهد شاهدان غير الولي فلا يرفع الفسخ حضور الولي . وإذا عقد الولي من غير شهود ثم تفرقا فلقي الولي شاهدين فقال لهما : أشهدكما بأنني زوجت فلانا لفلانة ولقي الزوج شاهدين غيرهما فقال لهما : أشهدكما بأنني تزوجت فلانة فإنه يصح ويقال لهذه الشهادة : شهادة الأبداد - أي المتفرقين - وهي تكفي في النكاح والعتق فيكون على الزوج شاهدان وعلى الولي شاهدان
وينبغي أن يكون شاهدا الولي غير شاهدي الزوج فإن كان شاهدا أحدهما عين شاهدي الآخر فلا تكون الشهادة شهادة أبداد ولكن يكفي ذلك في العقد إذ لا يلزم فيه أن يكون الشهود أربعة
ثم إذا دخل عليها بدون شهادة اثنين واعترف بأنه وطئها أو قامت بينة بأنه وطئها كان عليهما حد الزنا ما لم يشتهر الدخول بها - كزوجة له - بوليمة أو دف أو ايقاد نار أو نحو ذلك مما يعمل عادة عند الدخول بالأزواج وكذا إذا كان على الدخول أو العقد شاهد واحد
ثم إن أمكن حضور شاهدي العدل ليشهدا على العقد أو النكاح فإنه لا يشهد غيرهما وإن لا فتصح شهادة المستور بشرط أن لا يكون مشهورا بالكذب ويستحسن في هذه الحالة الاستكثار من الشهود
ويشترط في الزوجين الخلو من الموانع كالإحرام فلا يصح العقد في حال الإحرام وأن لا تكون المرأة زوجة للغير أو معتدة منه . وأن لا يكونا محرمين بنسب أو رضاع أو مصاهرة



خلاصة لأهم المسائل المتقدمة المتفق عليها والمختلف فيها


الصيغة
[1] - اتفق الثلاثة على أن النكاح لا يصح بألفاظ العقود المفيدة لتمليك العين كالبيع والشراء والصدقة والجعل والتمليك كتصدقت لك بابنتي بمهر كذا أو جعلتها لك أو ملكتك إياها ومثل ذلك عقد الصلح والقرض كقوله اصطلحت معك على الألف التي علي بابنتي أو نحو ذلك
وخالف الحنفية فقالوا يصح راجع شروط الصيغة عند الحنفية
واتفق الشافعية والحنابلة على أنه لا يصح إلا بصيغة مشتقة من إنكاح وتزويج فلا يصح بلفظ الهبة إن كانت مقرونة بذكر الصداق كأن يقول الولي : وهبت لك ابنتي بصداق كذا أو يقول الزوج : هب لي ابنتك بصداق كذا
[2] - اتفقوا على أن النكاح ينعقد ولو هزلا فإذا قال شخص لآخر زوجتك ابنتي فقال : قبلت وكانا يضحكان انعقد النكاح . كالطلاق والعتق فإنهما يقعان بالهزل
واتفق الثلاثة على عدم انعقاده بالإكراه مثلا إذا أكره شخص آخر على أن يقول قبلت زواج فلانة لنفسي بوسائل الإكراه المعروفة شرعا فإنه لا ينعقد . وخالف الحنفية فإنهم قالوا : ان الإكراه بهذه الحالة ينعقد به النكاح على أن الحنفية قالوا : إذا أكرهته الزوجة على التزويج بها لم يكن لها حق في المهر قبل الدخول ولها مهر المثل بالوطء ولا يخفى أن الإكراه بهذا المعنى غير إكراه الولي المجبر الآتي بيانه عند الثلاثة
[3] - اتفقوا جميعا على ضرورة اتحاد مجلس العقد فلو قال الولي : زوجتك ابنتي وانفض المجلس قبل أن يقول الزوج : قبلت ثم قال في مجلس آخر أو في مكان آخر لم يصح . واختلفوا في الفور - يعني النطق بالقبول عقب الإيجاب بدون فاصل - فاتفق الحنابلة والحنفية على أن الفور ليس بشرط مادام المجلس قائما عرفا أما إذا تشاغلا بما يقطع المجلس عرفا فإنه لا يصح
واشترط الشافعية والمالكية الفور واغتفروا الفاصل اليسير الذي لا يقطع الفور عرفا
[4] - اتفق الثلاثة على أنه يصح تقديم القبول على الإيجاب فلو قال الزوج للولي : قبلت زواج ابنتك فلانة بصداق كذا فقال له الولي : زوجتك إياها فإنه يصح وكذا إذا قال له : زوجني ابنتك فقال له : زوجتك ولم يقل : قبلت فإنه يصح لأن معنى زوجني قبلت زواجها ولكن الحنفية يقولون : إن المتقدم يقال له : إيجاب سواء كان من الزوج أو الزوجة أما الحنابلة فإنهم خالفوا الثلاثة في ذلك وقالوا : لابد أن يقول الولي أو من يقوم مقامه أولا زوجتك أو أنكحتك فلانة ويقول الزوج أو من يقوم مقامه قبلت أو رضيت فلا يصح النكاح إن تقدم الإيجاب على القبول عندهم . [5]
- اتفق الثلاثة على أنه يكفي في القبول أن يقول قبلت أو رضيت ثم إن كان الزواج له قال لنفسي وإن كان لموكله قال لموكلي وإن كان لابنه قال لابني وخالف الشافعية في ذلك فقالوا : لابد أن يصرح بلفظ التزويج أو النكاح في القبول حتى لو نواه لا يكفي فلا بد عندهم من أن يقول قبلت زواجها أو نكاحها
[6] - اتفقوا على أن النكاح المؤقت بوقت باطل . فلو قال للولي زوجني بنتك أسبوعين أو شهرا بصداق كذا فزوجه على ذلك بطل النكاح ولكنه لو دخل بها لا يحد لأنه فيه شبهة العقد الشهود والزوجان
[7] - اتفق الثلاثة على ضرورة وجود الشهود عند العقد فإذا لم يشهد شاهدان عند الإيجاب والقبول بطل . وخالف المالكية فقالوا إن وجود الشاهدين ضروري ولكن لا يلزم أن يحضرا العقد بل يحضران الدخول أما حضورهما عند العقد فهو مندوب فقط
[8] - اتفق الشافعية والحنابلة على اعتبار العدالة في الشاهدين وعلى أنه يكفي العدالة ظاهرا فإذا عرف الشاهد بالعدالة في الظاهر عند الزوجين صحت شهادته على العقد ولا يكلف الزوجان البحث عن حقيقة أمره لأن ذلك فيه مشقة وحرج . وقال المالكية : إن وجد العدل فلا يعدل عنه إلى غيره وإن لم يوجد فتصح شهادة المستور الذي لم يعرف بالكذب
واتفق الثلاثة على اشتراط الذكورة في الشاهدين أما الحنفية فقالوا : العدالة غير شرط في صحة العقد ولكنها شرط في إثباته عند الإنكار ولا تشترط الذكورة فيصح بشهادة رجل وامرأتين ولكن لا يصح بالمرأتين وحدهما بل لابد من وجود رجل معهما
[9] - اتفق الثلاثة على أن المحرم بالنسك لا يصح عقده . وخالف المالكية فقالوا : يصح العقد من المحرم فعدم الإحرام ليس شرطا


مباحث الولي


تعريف الولي

- الولي في النكاح هو الذي يتوقف عليه صحة العقد فلا يصح بدونه وهو الأب أو وصيه والقريب العاصب [1] والمعتق والسلطان والمالك [2] وترتيب الأولياء قي أحقية الولاية مفصل في المذاهب [3]



[1] الحنفية - قالوا : القريب العاصب ليس بشرط بل هو مقدم فإذا عدم تنتقل الولاية لذوي الأرحام كما سيأتي
[2] المالكية - زادوا : الولاية بالكفالة فمن كفل امرأة فقدت والدها وغاب عنها أهلها فقام بتربيتها مدة خاصة كان له حق الولاية عليها في زواجها ويشترط لولايته أمران : أحدهما أن تمكث عنده زمنا يوجب حنانه وشفقته عليها عادة فتخالطه مخالطة الأبناء لآبائهم فلا يلزم تقدير هذه المدة بزمن معين كأربع سنين أو عشر على الأصح . الثاني أن تكون دنيئة لا شريفة والشريفة في هذا الباب هي ذات الجمال والمال بحيث يوجدان فيها أو أحدهما فإن كانت ذات مال فقط أو جمال فقط فلا ولاية عليها بل يكون وليها الحاكم ولكن رجح بعضهم أن ولاية الكافل عامة تشمل الشريفة والدنيئة فكلا القولين مرجح . وهل إذا كفلتها امرأة تكون لها ولاية ؟ الصحيح لا إذ ولاية للنساء وقيل : تكون لها ولاية ولكن ليس لها مباشرة العقد بل توكل عنها رجلا يباشره
وكذلك زاد المالكية في الأولياء الولي بالولاية العامة والولاية العامة هي ما تكون لكل المسلمين على أن يقوم بها واحد منهم كفرض الكفاية فإذا وكلت امرأة فردا من أفراد المسلمين ليباشر عقد زواجها ففعل صح ذلك إذا لم يكن لها أب أو وصية ولكن بشرط أن تكون دنيئة لا شريفة وهذا معنى ما نقل عن المالكية من أن الدنيئة لا يشترط في صحة عقدها الولي فإن مرادهم بذلك الولي الخاص أما الولي بالولاية العامة فلا بد منه بحيث لو باشرت عقد زواجها بنفسها لا يصح . وقد خفي ذلك على بعض شراح الحديث فنقلوه عن المالكية مبهما
[3] الحنفية - قالوا : ترتيب الأولياء في النكاح هكذا . العصبة بالنسب أو بالسبب كالمعتق فإنه عصبة بالسبب ثم ذوو الأرحام ثم السلطان ثم القاضي إذا كان ذلك الحق منصوصا عليه في أمر تعيينه وترتيب العصبة هكذا : ابن المرأة إن كان لها ابن ولو من الزنا ثم ابن ابنه وإن سفل . ثم بعد الابن الأب ثم أب الأب - وهو الجد - وإن علا ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ لأب وأم ابن الأخ لأب وهكذا وإن سفلوا . ثم العم لأب وأم ثم العم لأب ثم ابن العم لأب وأم ثم ابن العم لأب وهكذا وإن سفلوا . ثم عم الأب لأب وأم ثم عم الأب لأب ثم بنوهما على هذا الترتيب ثم عم الجد لأب وأم ثم عم الجد لأب ثم بنوهما على هذا الترتيب ثم من بعد هؤلاء ابن عم بعيد وهو أبعد العصبات إلى المرأة
فكل هؤلاء لهم ولاية الإجبار على البنت والذكر في حال الصغر أما في حال الكبر فليس لهم ولاية إلا على من كان مجنونا من ذكر أو أنثى
وعند عدم العصبة يملك تزويج الصغير والصغيرة كل قريب يرث من ذوي الأرحام عند أبي حنيفة خلافا لمحمد والأقرب عند أبي حنيفة الأم ثم البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن ثم بنت بنت البنت ثم الأخت لأب وأم ثم الأخت لأب ثم الأخ والأخت لأم ثم أولادهم . وبعد أولاد الأخوات العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام ثم بنات العمات . وأبو الأم أولى من الأخت . ثم مولى الموالاة ثم السلطان ثم القاضي ومن يقيمه القاضي اه ملخصا من الهندية
وقد تقدم هذا في مباحث الحجر جزء ثاني صفحة 310 وما بعدها طبعة خامسة مع الفرق بين الولي في المال والولي في النكاح فارجع إليه إن شئت
المالكية - قالوا : ترتيب الأولياء في النكاح هكذا : الولي المجبر وهو الأب ووصيه والمالك ثم بعد الولي المجبر يقدم الابن ولو من زنا بأن تزوجت أمه أولا بنكاح صحيح وأتت به بعد ذلك من الزنا ففي هذه الحالة يكون له حق الولاية عليها مقدما على الجميع أما إذا زنت به ابتداء قبل أن تتزوج فحملت به فإن أباها في هذه الحالة يقدم عليه لأنه يكون وليا مجبرا لها إذ الولي المجبر يجبر البكر والثيب بالزنا كما ستعرفه بعد ومثلها المجنونة لأن مجبرها أبوها ومثل الأب وصيه ثم بعد الابن يقدم ابن الابن ثم الأب غير المجبر بشرط أن يكون أبا شرعيا جاءت به منه بنكاح صحيح أما إذا كان أبا من زنا فإنه لا قيمة له فلا ولاية له ثم الأخ على الصحيح ثم الأخ لأب وقيل : الأخ الشقيق والأخ لأب في مرتبة واحدة ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب على الصحيح أيضا ثم الجد لأب على المشهور ثم العم الشقيق ثم ابنه ثم العم لأخ ثم ابنه ثم أبو الجد ثم عم الأب ثم تنقل الولاية إلى كافل المرأة المتقدم ذكره ثم تنتقل الولاية إلى الحاكم بشرط أن لا يكون قد وضع ضريبة مالية على تولي العقد فإن كان كذلك لا تكون له ولاية . والحاكم يزوجها بإذنها ورضاها بعد أن يثبت عنده خلوها من الموانع وأن لا ولي لها أو لها ولي منعها من الزواج أو غاب عنها غيبة بعيدة . ثم إن كانت رشيدة فإن رضاها بالزوج يكفي وإن لم تكن رشيدة فلا بد له أن يتحقق من كفاءة الزوج في الدين والحرية والسلامة من العيوب ومساواته لها فيما هي عليه من صفات الكمال والمهر وذلك لأن الرشيدة لها حق اسقاط الكفاءة المذكورة فمتى رضيت صح أما غيرها فليس لها ذلك
فإن لم يوجد حكم أو وجد حاكم مفسد تنتقل الولاية لعامة المسلمين كما تقدم
الشافعية - قالوا : ترتيب الأولياء في النكاح هكذا : الأب ثم الجد أبو الأب ثم أبوه فإذا اجتمع جدان كان الحق للأقرب ثم الأخ الشقيق ثم ابن الأب لأب ثم العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن الأب . والمراد بالعم ما شمل عم المرأة وعم أبيها وعم جدها ثم تنتقل الولاية بعد ذلك إلى المعتق إن كان ذكرا ثم عصبته إن وجدت ثم الحاكم يزوج عند فقد الأولياء من النسب والولاء
الحنابلة - قالوا : ترتيب الأولياء هكذا : الأب وصي الأب بعد موته الحاكم عند الحاجة - وهؤلاء أولياء مجبرون كما ستعرف - ثم تنتقل الولاية إلى الأقرب فالأقرب من العصبات كالإرث وأحق الأولياء الأب ثم الجد وإن علا ثم الابن ثم ابنه وإن نزل وعند اجتماع هؤلاء يقدم الأقرب ثم من بعد الابن يقدم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب . ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم بنوهما وإن نزلوا ثم العم الشقيق ثم العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب وإن نزلوا ثم أعمام الجد ثم بنوهم ثم أعمام أبي الجد ثم بنوهم كذلك وهكذا فيقدم أولاد الأقرب على أولاد الأعلى فالأخ لأب وابنه أولى من العم والأخ لأب أولى من ابن الأخ لأنه أقرب وعلى هذا القياس ثم تنتقل الولاية إلى المولى المتعق ثم عصبته الأقرب فالأقرب ثم السلطان الأعظم أو نائبه فإن تعذر وكلت رجلا عدلا يتولى عقدها



أقسام الولي

- ينقسم الولي إلى قسمين : ولي مجبر له حق تزويج بعض من له عليه الولاية بدون إذنه ورضاه وولي غير مجبر [1]
ليس له ذلك بل لا بد منه ولكن لا يصح له أن يزوج بدون إذن من له عليه الولاية ورضاه . وفي تعريف الولي وغيره تفصيل المذاهب [2]



[1] الحنفية - قالوا : لا ولي إلا المجبر فمعنى الولاية تنفيذ القول على الغير سواء رضي أو لم يرضى فليس عندهم ولي غير مجبر يتوقف عليه العقد . ويختص الولي المجبر بإجبار الصغير والصغيرة مطلقا والمجنون والمجنونة الكبار على تفصيل يأتي في المبحث الذي بعد هذا
[2] الشافعية - قالوا : الولي المجبر هو الأب والجد وإن علا والسيد الولي غير المجبر هو الأب والجد ومن يليهم من العصبات المتقدم ذكرهم وقد عرفت أن الابن ليس وليا عندهم
المالكية - قالوا : الولي المجبر هو الأب لا الجد ووصي الأب بعد موته بشرط أن يقول له : أنت وصيي على زواج بناتي أو أنت وصيي على تزويج بنتي أو أنت وصيي على أن تزوج بنتي ممن أحببت أو أنت وصيي على أن تزوجها من فلان ففي هذه الحالة يكون للوصي حق الإجبار كالأب ولكن لا من كل وجه بل يشترط أن يزوجها بمهر المثل لرجل غير فاسق أو يزوجها لمن عينه له الأب بخصوصه أما إذا قال له : أنت وصيي على بناتي أو بنتي ولم يذكر التزويج ففيه خلاف والراجح أنه لا يكون بذلك وليا مجبرا . فإذا قال له أنت وصيي فقط ولم يذكر بنته أو قال له : أنت وصيي على مالي أو بيع تركتي فإنه لا يكون مجبرا باتفاق
الثالث المالك فإن له الحق في جبر إمائه على تفصيل مذكور قي غير هذا الكتاب . فالولي المجبر منحصر في الثلاثة المذكورين
ويستثنى من البكر البالغ البكر التي رشدها أبوها أو وصيه ومعنى يرشدها أن يعلنها بأنها رشيدة كأن يقول لها : رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك فإنها في هذه الحالة تكون كالثيب فلا تزوج إلا برضاها ويثبت ترشيدها بإقراره أو بالبينة
وأما الولي غير المجبر فقد تقدم ذكره
الحنابلة - قالوا : المجبر الأب بخصوصه فلا يجبر الجد كالمالكية الثاني وصي الأب يقوم مقامه سواء عين له الأب الزوج أو لا خلافا للمالكية . الثالث الحاكم عند عدم وجود الأب ووصيه بشرط أن تكون هناك حاجة ملحة تبعث على الزوج



مبحث اختصاص الولي المجبر وغيره

- يختص الولي المجبر [1] بتزويج الصغيرة والصغير والكبيرة والكبير إذا جنا والكبيرة العاقلة البالغة إذا كانت بكرا حقيقة حكما فللولي المجبر تزويج هؤلاء بدون استئذان ورضا بشروط ويختص الولي غير المجبر بتزويج الكبيرة العاقلة البالغة بإذنها ورضاها سواء كانت بكرا أو ثيبا إلا أنه لا يشترط في إذن البكر أن تصرح برضائها فلو سكتت بدون أن يظهر عليها ما يدل على الرفض كان ذلك إذنا أما الثيب فإنه لا بد في إذنها من التصريح بالرضا لفظا فلا يصح العقد بدون أن يباشره الولي على التفصيل المتقدم كما لا يصح للولي أن يعقد بدون إذن المعقود عليها ورضاها وفي كل ذلك تفصيل المذاهب [2]



[1] الحنفية - قالوا : كل ولي مجبر كما تقدم ولكن لا ولاية إلا على الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ولو كبارا إلا أن الولي تارة يكون أبا أو جدا ولهما الولاية على الصغار والكبار إذا كان بهم جنون عند عدم وجود الابن وإلا كان ابن المجنونة وليها على المذهب لا أبوها وتارة يكون غير ذلك كما هو مبين في ترتيب الأولياء المتقدم
[2] الحنفية - قالوا : قالوا يختص الأب والجد وغيرهما من الأولياء عند عدم وجودهما بتزويج الصغير والصغيرة وإن لم يرضيا بذلك سواء كانت الصغيرة بكرا أو ثيبا ولكن إذا زوجهما الأب أو الجد فلا خيار لهما بعد بلوغهما بشرطين : أن لا يكون معروفا بسوء الاختيار قبل العقد ثانيهما أن لا يكون سكران فيقضي عليه سكره بتزويجها بغير مهر المثل أو بفاسق أو غير كفء فإذا لم يكن الأب أو الجد معروفا بسوء الاختيار قبل العقد ثم زوج الصغيرة من فاسق أو من غير كفء فإنه يصح وليس لها اختيار بعد البلوغ فإذا زوج بعد ذلك بنتا أخرى بهذه الصورة فإنه لا يصح وكان لها حق الاختيار عند البلوغ إذ بزواج الأولى عرف بسوء الاختيار فإذا زوجها المعروف بسوء الاختيار من كفء وبمهر المثل فإنه يصح ولا خيار لها كما إذا زوجها وهو سكران كذلك أما إذا زوجها غير الأب والجد فإن كان من غير كفء وبغير مهر المثل فإن النكاح لا يصح أصلا وإن كان من كفء وبمهر المثل فإنه يصح ويكون لهما حق خيار الفسخ بالبلوغ فبمجرد أن ترى الصغيرة الدم تشهد أنها فسخت العقد واختارت نفسها ثم يفرق القاضي بينهما هذا إذا كان زوجها كبيرا فإن كان صغيرا فرق القاضي بينهما بحضرة أبيه أو وصيه فإن لم يوجد له أب ولا وصي نصب القاضي وصيا للمخاصمة عن الصغير ويطلب القاضي منه حجة تبطل دعوى الفرقة من بينة على رضاها بالنكاح بعد البلوغ أو تأخيرها طلب الفرقة فإن لم توجد البينة حلفها الخصم فإذا حلفت فرق بينهما الحاكم بدون انتظار بلوغ الولي فإذا بلغت وهي لا تعلم بالزواج ومضى على بلوغها زمن ثم علمت فلها حق الخيار عقب العلم مباشرة ويفرق بينهما على الوجه المتقدم فإذا ماتت الصغيرة أو الصغير قبل فسخ العقد كان لكل منهما أن يرث صاحبه ويلزم الزوج كل المهر ثم إن كانت الفرقة من قبل الزوجة كانت فسخا لا ينقص عدم الطلاق فلو جدد العقد بعده ملكها بثلاث طلقات وأما إن كانت من قبلها فطلاق
ويلحق بالصغير والصغيرة المجنون والمجنونة ولو كانا كبيرين فإذا زوج المجنونة الكبيرة ابنها وهو وليها ثم أفاقت لا يكون لها حق الخيار إذا كان وليها غير معروف بسوء الاختيار على الوجه المتقدم أما إذا زوجها غير ابنها أو أبيها عند عدم وجود ابنها فإن لها حق الخيار بمجرد الإفاقة ولا يجوز للولي أن يزوج المجنونة الكبيرة بدون إذنها إلا إذا كان جنونها مطبقا أما إذا كان متقطعا فإنه يجب أن ينتظر وقت إفاقتها ويستأذنها ومثلها المجنون والمعتوه والمعتوهة
ويشترط لصحة خيار الصغيرة البكر أن تختار نفسها بمجرد البلوغ كما ذكرناه فلو رأت دم الحيض مثلا ثم سكتت بطل خيارها بل ينبغي لها أن تقول فورا : اخترت نفسي ونقضت النكاح وبذلك لا يبطل حقها بالتأخير ومثل ذلك ما إذا كانت جاهلة بالنكاح ثم بلغها الخبر فإنه لا يلزمها أن تقول فورا : لا أرضى أو فسخت النكاح إلا لضرورة كأن أخذها العطاس أو السعال فقالت بعد انتهائه . وإذا بين البلوغ واختيار نفسها بالسؤال عن الزوج أو بالسؤال عن المهر أو سلمت على الشهود الذين استدعتهم ليشهدوا بأنها اختارت نفسها فقيل : يبطل خيارها بذلك وقيل : لا يبطل والمحققون على أنه لا يبطل بذلك خصوصا تسليمها على الشهود فإن السلام عليهم مطلوب قبل الكلام معهم . فإذا كانت الصغيرة ثيبا لا بكرا بأن دخل بها زوجها فبل البلوغ أو كانت ثيبا قبل أن يعقد عليها فإنه لا يبطل خيارها بالسكوت مهما طال الزمن لأن وقت حقها في الخيار العمر كله وإنما يبطل إذا صرحت بأنها رضيت بالزوج أو مكنته من نفسها أو قبلته أو لامسته فلو ادعت أنها مكنته من ذلك كرها صدقت لأن الظاهر يصدقها ومثل الصغيرة الثيب والغلام الصغير إذا زوجه غير الأب والجد من امرأة ليست بكفء له فلو زوج الأخ مثلا أخاه من امرأة أدنى منه فإن له خيار الفسخ عند البلوغ كالصغيرة والثيب
ومن هذا يتضح أن الكفاءة وإن كانت لا تعتبر من جانب الرجل ولكنها تعتبر إذا كان صغيرا
هذا وإذا رأت الصغيرة الدم في جوف الليل حيث لا يمكنها إحضار الشهود فإن عليها أن تختار نفسها فورا وتفسخ العقد ثم تشهد بمجرد طلوع النهار ولكنها لا تصرح بأنها رأت الدم ليلا بل تقول لهم : اشهدوا بأنني بمجرد أن بلغت فسخت العقد أو تقول اشهدوا بأنني بالغة الآن وقد فسخت العقد بمجرد البلوغ ولا تقول : أنني بلغت ليلا إذ لو قالت ذلك بطل اختيارها . ولا يخفى أن هذه حالة ضرورة
هذا و ليس للوصي أن يزوج الصغير والصغيرة سواء أوصى له الأب بزواجهما أو لم يوص . وقد عرفت أنه إذا لم يكن لها ولي من العصب أو ذوي الأرحام كان وليها السلطان أو القاضي المأذون بتزويج الصغيرة من السلطان فإذا زوجت نفسها في جهة بها قاض انعقد العقد موقوفا على إجازة القاضي وقيل لا ينعقد ويتوقف على إجازتها بعد بلوغها . أما البالغة سواء كانت بكرا أو ثيبا فلا جبر عليها لأحد ولا يتوقف نكاحها على ولي بل لها أن تزوج نفسها لمن تشاء بشرط أن يكون كفأ وإلا فللولي الاعتراض وفسخ العقد إذا زوجت نفسها من غير كفء . وإلا فللأقرب منهم حق الفسخ فإذا زوجها الولي فإنه يسن له أن يستأذنها بأن يقول لها : فلان يخطبك و نحو ذلك فإن زوجها بغير استئذان خالف السنة ويصح العقد موقوفا على رضاها ولا يشترط في البكر أن تصرح بالقبول بل يكفي أن يصدر منها ما يدل على الرضا كأن تسكت أو تبتسم أو تضحك غير مستهزئة أو تبكي بكاء الفرح أما إذا ظهر منها ما يدل على عدم الرضا كأن تضرب وجهها أو نحو ذلك فإنه لا يكون رضا هذا إذا زوجها الولي أو وكيله أو رسوله أو زوجها الولي ثم أخبرها رسوله أو أخبرها شخص أجنبي فضولي بشرط أن يكون عدلا فصدر منها ما يدل على الرضا على الوجه المتقدم فإنه يعتبر إجازة للعقد أما إذا زوجها غير الولي من غير إذنها ورضاها - وهو نكاح الفضولي - ثم بلغها الخبر بالصورة المتقدمة فإن إجازة العقد لا يكفي فيها سكوتها بل لابد أن يصدر منها ما يدل على الرضا دلالة صريحة من قول أو فعل ودلالة الفعل هي أن تطلب مهرها أو تقبل التهنئة بالسكوت أو الرد عليها أو تمكن الزوج من الدخول والوطء أو نحو ذلك . ومثل البكر التي زوجها غير الولي الثيب التي زوجها الولي أو غيره فإنه لابد فيها من التصريح بالقول أو ما في معناه
والبكر اسم لامرأة لم تجامع أصلا ويقال لها : بكر حقيقة فمن زالت بكارتها بوثبة أو حيض قوي أو جراحة أو كبر فإنها بكر حقيقة ومثلها من تزوجت بعقد صحيح أو فاسد ولكن طلقت أو مات عنها زوجها قبل الدخول والخلوة أو فرق بينهما القاضي بسبب كون زوجها عنينا أو مجبوبا فإنها بكر حقيقة أما من زالت بكارتها بزنا فإنها بكر حكما بمعنى أنها تعتبر بكرا وإن زالت بكارتها ومحل ذلك ما إذا لم يتكرر الزنا ولم تحد به وإلا كانت ثيبا فالثيب هي الموطوءة بنكاح صحيح أو نكاح فاسد أو بشبهة أو زنا حدت به ولو مرة أو زنا تكرر منها وإن لم تحد به
المالكية - قالوا : يختص الولي المجبر بجبر الصغيرة والمجنونة بالغة كانت أو لا . إذا كان جنونها مطبقا بكرا كانت أو ثيبا أما إذا كانت ثيبا وكان جنونها متقطعا فلا تزوج إلا في حال إفاقتها بعد استئذانها يختص أيضا بجبر الكبيرة البالغة العاقلة إذا كانت بكرا
وحد البكر هي التي لم تزل بكارتها بوطء في عقد صحيح أو فاسد أو يدرأ عنها الحد أما إذا زالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها على الأرجح أو عارض آخر كتقدم في السن أو صدمة أو غير ذلك فإنها بكر له عليها الجبر ويستثنى من ذلك البكر التي رشدها أبها أو وصيه بأن يعلن لها أنها رشيدة مرفوع عنها الحجر بقوله : رشدتك أو أطلقت يدك أو رفعت الحجر عنك أو نحو ذلك ويثبت رشدها بإقراره أو ببينة وفي هذه الحالة لا يكون له عليها جبر فهي بمنزلة الثيب التي زالت بكارتها بالنكاح المتقدم . فلا يصح زواجها إلا بإذنها ورضاها فللأب ومن قام مقامه أن يزوج الصغيرة ثيبا كانت أو بكرا فلو ثيبت الصغيرة قبل البلوغ بنكاح صحيح ثم طلقت وزوجت قبل البلوغ أيضا كان له عليها الجبر أما إذا بلغت عنده وهي ثيب فقيل : له عليها الجبر وقيل : لا وكذلك له أن يجبر المجنونة مطلقا إذا كانت لا تفيق ويجبر البكر البالغة العاقلة فيزوجهن لمن يحب سواء كان كفأ أو لا وسواء كان بمهر المثل أو لا إلا أنه يشترط ألا يزوجهن لخصي أو عنين أو مجبوب أو أبرص أو رقيق أو عبد فليس له جبر في هذه الحالة فإن فعل كان للمجبور خيار الفسخ
وقد عرفت أن الوصي بالتزويج وإن كان له الجبر إلا أنه يزيد على هذا الشرط لا يزوجها لرجل فاسق وأن لا يكون مهرها دون مهر المثل
وللولي المجبر من أب ووصي أن يجبر ولده المجنون جنونا مطبقا إذا خاف عليه الزنا أو الضرر الشديد أو الهلاك وكان الزواج ضروريا متعينا لإنقاذه فإن لم يكن له أب ولا وصي أب وكان جنونه قبل البلوغ زوجه الحاكم وكذلك لهم جبر الذكر الصغير لمصلحة كتزوجه من شريفة أو غنية أو بنت عم وهل لهؤلاء جبر السفيه أو لا ؟ الجواب : أنه إذا خيف عليه الزنا لهم الجبر قطعا وإن ترتب على تزويجه مفسدة لم يصح قطعا أما إذا لم يترتب عليه مفسدة ولم يخف عليه الزنا فخلاف . والأظهر عدم الجبر فإن لم يكن عندهم صداق كان صداقهم على الأب ولو مات يؤخذ من تركته أما إذا كان عندهم أخذ منهم ومثل الأب الوصي والحاكم
أما الولي غير المجبر فليس له تزويج هؤلاء على أي حال على المشهور فإن فعل يفسخ النكاح مطلقا ولو دخل وطال الزمن وقيل : لا يفسخ بعد الدخول وطول الزمن
يختص الولي غير المجبر بتزويج من له عليها الولاية بإذنها ورضاها إذا كانت كبيرة عاقلة فليس له أيضا أن يزوج الصغيرة ومن في حكمها مطلقا لأنه ليس له حق التزويج إلا إذا استأذن ورضيت والصغيرة يعتبر إذنها فتبقى بلا زوج حتى تبلغ على أنهم استثنوا من ذلك اليتيمة الصغيرة التي يخشى عليها الفساد في مالها أو نفسها إذا بلغت المرغوب في نكاحها وقدره بعضهم بعشر سنين ولكن الراجح عدم تعيين مدة بل المذار على خوف الفساد وعند ذلك يجبرها وليها على التزويج سواء رضيت أو لم ترض . ولكن يجب عليه أن يشاور القاضي قبل مباشرة العقد فإن لم يشاور القاضي فسخ قبل الدخول أما بعد الدخول فإنه يصح وإن لم يطل الزمن فإذا زوجها الولي غير المجبر بدون أن يخاف عليها الفساد فإنه يصح إن دخل بها ومكث معها زمنا طويلا قدر بثلاث سنين أما قبل ذلك فإنه يفسخ
وله أن يزوج الكبيرة العاقلة بكرا كانت أو ثيبا بإذنها ورضاها كما تقدم إن كانت بكرا فصمتها رضا ويندب أن يقول الوالي لها : إن سكوتك عن الإجابة رضا منك بالزوج والصداق وإن نفرت أو منعت فإنه لا يصح أن يزوجها أما إذا ضحكت أو بكت فإنه علامة الرضا إلا إذا قامت قرينة على أن البكاء علامة الرفض . أما الثيب فإنها تبين اللفظ عما في نفسها فلا بد من التصريح بأنها رضيت وأنها تأمر الولي بعقد زواجها على من ذكره لها . ويلحق بالثيب البكر التي رشدها الأب أو الوصي فإنه لا بد من لفظها صراحة . والبكر التي منعها أبوها من الزواج فرفعت أمرها إلى الحاكم ليزوجها فإنها في هذه الحالة تعرب عما في نفسها بصريح اللفظ فإن أمر الحاكم أباها بتزويجها فزوجها أبوها فإنه لا يحتاج إلى اذنها لأنه مجبر ولم يضع حقه في ذلك وكذلك التي زوجها ولي غير مجبر بصداق من عروض التجارة وهي من قوم لا يزوجون به فإنه لا بد من رضاها بالصداق صريحا سواء كانت عروض التجارة بعض الصداق أو كله أما الزوج فيكفي صمتها في الرضا به . وكذا إذا زوجت برجل به عيب يجعل لها فيه الخيار فإنه لا بد في رضائها به من نطقها حتى ولو زوجها الولي المجبر كما تقدم . وكذلك البكر التي زوجها ولي غير مجبر بغير إذنها ثم بلغها الخبر فرضيت فإنه لا بد من لفظها بأنها رضيت . وهذا هو نكاح الفضولي وإنما يصح بشروط :
أحدها : أن يقع العقد بالبلد التي تقطن بها الزوجة . ثانيها : أن يبلغها الخبر عقب العقد . أو قريبا منه فترضى بدون تسويف وقدر لقرب الزمن ثلاثة أيام على الأكثر فإذا علمت بعد ثلاثة أيام فإنه لا يصح وكذا إذا بلغها في حينه ولكن لم تعلن رضاها به حتى مضت الثلاثة الأيام ثالثها : أن لا يصرح الولي عند مباشرة العقد بأنه غير مأذون منها فإن صرح يفسخ اتفاقا . رابعها : أن لا ترده عند علمها فإن ردته ثم أجازته فإنه لا يصح [ يتبع . . .]
وإذا منع الولي المجبر أو غيره من له عليها الولاية من الكفء الذي رضيت به لا تنتقل الولاية إلى الأبعد بل لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم ليسأله عن سبب امتناعه فإن أظهر سببا معقولا ردها إليه وإلا أمره بتزويجها فإن امتنع عن تزويجها بعد أمر الحاكم وإذا دعت إلى كفء ودعا وليها إلى كفء آخر تعين الكفء الذي دعت إليه هي
ولكن الولي المجبر يعتبر عاضلا برد أول كفء سواء كان أبا بالنسبة لبنته الثيب والبكر المرشدة أو كان غير أب بالنسبة للجميع . أما الولي المجبر سواء كان أبا أو وصيا فإنه لا يعتبر عاضلا ولو رد الكفء ردا متكررا وإنما يعتبر عاضلا إذا ثبت عليه أنه فعل ذلك قصدا للمنع لأن مجرد رد الخاطب لا يدل على العضل بل قد يكون لمصلحة يعلمها الولي وهو أشفق الناس على بنته فإن تحقق قصد الضرر ولو مرة أمره الحاكم بالتزويج
الشافعية - قالوا : يختص الولي المجبر بتزويج الصغيرة والمجنون صغيرا أو كبيرا والبكر البالغة العاقلة بدون استئذان ورضا بشروط سبعة :
الشرط الأول : أن لا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة أما إذا كانت العداوة غير ظاهرة فإنها لا تسقط حقه الشرط الثاني : أن لا يكون بينها وبين الزوج عداوة أبدا ظاهرة معروفة لأهل الحي ولا باطنة فلو زوجها لمن يكرهها أو يريد بها السوء فإنه لا يصح
الشرط الثالث : أن يكون الزوج كفأ
الشرط الرابع : أن يكون موسرا قادرا على الصداق
وهذه الشروط الأربعة لا بد منها في صحة العقد فإن وقع مع فقد شرط منها كان باطلا إن لم تأذن به الزوجة وترضى به
الشرط الخامس : أن يزوجها بمهر مثلها
الشرط السادس : أن يكون المهر من نقد البلد
الشرط السابع : أن يكون حالا
وهذه الشروط الثلاثة شروط لجواز مباشرة الولي للعقد قلا يجوز له أن يباشر العقد أصلا إلا إذا تحققت هذه الشروط فإذا فعل كان آثما وصح العقد على أن اشتراط كون الصداق حالا وكونه من نقد البلد مقيد بما إذا لم تكن العادة جارية بتأجيل الصداق أو بالتزويج بغير نقد البلد كالتزوج بعروض التجارة فإذا كانت العادة جارية به فإنه يجوز . ومتى تحققت هذه الشروط كان للأب أو الجد إجبار البكر صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة ولكن يسن استئذانها تطيبا لخاطرها إذا كانت بالغة - ولو كانت سكرى - لأن السكر لا يخرجها عن التكليف فهذا اختصاص الولي المجبر . أما الولي غير المجبر - وهو غير الأب والجد ممن تقدم ذكره من العصبات وذوي الولاء والسلطان - فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها فإن كانت بكرا بالغا فرضاها يعرف بسكوتها عند الاستئذان ما لم تقم قرنية على عدم رضاها كصياح ولطم ونحوه وهذا بالنسبة للمهر إذا كان مهر المثل أو من غير نقد البلد فلا بد من رضا به صريحا وهذا هو الراجح . وبعضه يقول : إذا كان الولي غير مجبر فإنه لا يكفي سكوت البكر بل لا بد من التصريح برضاها بالزوج والمهر . أما الثيب فإنه لا بد من تصريحها بالرضا سواء كان المزوج أبا مجبرا أو غيره بلا خلاف
والثيب هي التي زالت بكارتها بوطء حلالا كان أو حراما ولو وطئها قرد أما من زالت بكارتها بعارض آخر كمرض أو جراحة فإنها تكون بكرا ومثلها من زالت بكارتها بوطء في الدبر هذا إذا كانت كبيرة عاقلة أما الصغيرة العاقلة فإنه لا يصح لغير الأب والجد أن يزوجها بحال من الأحوال لأن زواجها يتوقف على إذنها ورضاها . والصغيرة لا يعتبر لها إذن فلا تزوج إلا إذا بلغت فإن كانت الصغيرة يتيمة لا أب لها وكانت مجنونة انتقلت الولاية عليها في المال والنكاح للحاكم ولكن لا يصح له أن يزوجها إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن تبلغ لأنها لا تحتاج للزواج قبل البلوغ
الثاني : أن تكون محتاجة بعد البلوغ إلى النفقة أو الخدمة بحيث لا تندفع حاجتها بغير الزواج
الحنابلة - قالوا : يختص الولي المجبر بإجبار غير المكلف - وهو الصغير - بكرا كانت أو ثيبا وهي من كانت دون تسع سنين أما التي لها تسع سنين وكانت ثيبا فليس عليها جبر لأن إذنها معتبر فلا بد من إذنها . ويختص أيضا بإجبار البكر البالغة عاقلة كانت أو مجنونة فللأب أن يزوجهن بدون إذنهن ورضاهن لمن يشاء إلا لمن به عيب يجعل لها حق خيار الفسخ كأن يكون مجبوبا أو عنينا لا يقدر على الوطء أو به شلل كما سيأتي في العيوب
أما الثيب البالغة التي لها تسع سنين فإنه لا يصح تزويجها بدون إذنها ورضاها
والثيب هي التي زالت بكارتها بالوطء في قبلها سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو بزنا . أما من زالت بكارتها بغير ذلك كوطء في الدبر أو عارض آخر من مرض أو كبر أو نحو ذلك فإنها بكر
وعلامة رضاء البكر سكوتها الدال على الرضاء . أما رضا الثيب فلا يتحقق إلا بكلام
ويسن للولي المجبر أن يستأذن من يعتبر إذنها كأن كانت بكرا عاقلة بالغة أو سنها تسع سنين
أما الولي غير المجبر فليس له أن يزوج من له عليها الولاية إلا بإذنها ورضاها إن كانت كبيرة عاقلة أو صغيرة لها تسع سنين أما الصغيرة التي دون تسع والمجنونة المطبقة فليس له زواجهما لأنه موقوف على الإذن وليس لهما إذن معتبر على أنهم قالوا : إن الحاكم ولي مجبر فله أن يزوجها إذا دعت الحاجة إلى زواجهما
وعلى الولي غير المجبر أن يذكر عند الاستئذان اسم الزوج بالتعيين بأن يذكر اسمه ولقبه ومنصبه ونسبه لتكون على بصيرة في أمرها فإذا ذكره لها مبهما لا يصح العقد ولا يشترط ذكر المهر



مبحث إذا زوج الولي الأبعد مع وجوب الأقرب

- حق الأولياء في مباشرة العقد على ترتيب المتقدم فإذا زوج الولي الأبعد الذي لم يأت دوره مع وجود الولي صاحب الحق فإنه لا يصح [1] وتنتقل الولاية للأبعد عند غيبة الأقرب أو عضله إياها - أي منعها من الزواج - وغير ذلك على تفصيل في المذاهب [2]



[1] المالكية - قالوا : إذا وجد أولياء أقرب وأبعد صح عقد النكاح بالولي الأبعد مع وجود الأقرب مثلا إذا وجد أخ مع عم وباشر العم العقد الصحيح . وكذا إذا وجد أب مع ابن وباشر الأب العقد فإنه يصح ولكن هذا في الولي غير المجبر أما الولي المجبر فإنه لا يصح أن يباشر العقد غيره مع وجوده سواء كان المجبر أبا أو وصيا أو مالكا إلا في حالة واحدة وهي أن يكون لذلك المجبر أب أو أخ أو ابن أو جد وقد فوض لهم أو لواحد منهم النظر في أموره وثبت تفويضه له ببينة شهدت بأنه قال له : فوضت إليك جميع أموري أو أقمتك مقامي في جميع الأمور فإنه يجوز للمفوض إليه في هذه الحالة أن يباشر عقد زواج بنت ذلك الولي المجبر المفوض له بدون إذنه موقوفا على اجازته عند الإطلاع عليه بشرط أن لا تطول المسافة بين الإجازة والعقد وقيل : لا يشترط ذلك . فإذا فوض الولي المجبر إلى أجنبي أموره فزوج بنته بدون إذنه فإنه لا يصح ويفسخ ولو أجازه الولي . وكذلك إذا فوض إلى أقاربه المذكورين بإقراره فإنه لا يعتبر بل لا بد أن يكون التفويض بالبينة . وإذا قال له : فوضت إليك قبض أموالي فإنه لا يصح له مباشرة عقد زواج ابنته بدون إذنه وهل إجازة الولي بعد التفويض ضرورية أو لا ؟ الجواب أنه قال له فوضت إليك نكاح ابنتي أو زواجها فإنه لا يتوقف على إجازته باتفاق أما إذا لم يذكر لفظ التزويج أو النكاح فقولان والمعتمد أنه يتوقف على إجازته هذه هي الحالة التي يصح للولي غير المجبر أن يباشر فيها عقد بنت الولي المجبر أو من يقوم مقامه بدون إذنه فإن لم يكن الولي المجبر حاضرا بل غاب في مكان بعيد خيف علها الفساد لانقطاع النفقة عنها أو لعدم وجود من يصون عرضها للحاكم تزويجها ولا يفسخ العقد أما إذا غاب في مكان قريب ولم يترتب على غيبته ضرر من له عليها الولاية فإنه لا يصح للحاكم ولا لغيره أن يزوجها ولو زوجت لا يصح حتى لو أجازه الولي وولدت أولادا
والمسافة البعيدة هي أن يكون بينهما أربعة أشهر كأن تكون في المدينة المنورة ووليها في القيروان بتونس . وبعضهم يقدرها بثلاثة أشهر كمصر والقيروان
وهذا التقدير إنما هو بحسب صعوبة المواصلات فيما مضى أما الآن فيصح أن يعمل بمبدأ كون الحاكم يكتب إليه بأن يوكل في تزويجها أو يزوجها عليه إن ترتب على غيبته ضرر ولا ينتظر حتى يحضر
فإذا فقد الأب ووصيه انتقلت الولاية للحاكم كما إذا كان في غيبة بعيدة . وبعضهم يقول : تنتقل الولاية للولي الأبعد لا للحاكم ولكن الأول صوبه بعضهم . وإن حبس الولي المجبر أو جن جنونا متقطعا لا تزوج بنته بدون إذنه فإن كان الجنون مطبقا سقطت ولايته وتنتقل للولي الأبعد وكذلك إذا كان الولي المجبر صغيرا أو معتوها أو رقيقا انتقلت ولايته للأبعد . هذا و لا تسقط الولاية بالفسق إنما الأكمل أن يتولى الولي غير الفاسق إذا تساويا في المرتبة
والحاصل أن الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطا بل هو مندوب أما الولي المجبر فإنه لا بد منه على التفصيل الذي عرفته
وقد يقال : إذا كان الترتيب بين الأولياء غير المجبرين ليس شرطا ومعلوم أن المالكية يعتبرون ولاية المسلمين العامة فكل واحد من المسلمين ولي فعلى هذا يصح للمرأة أن تتزوج بواسطة أي فرد من أفراد المسلمين مع وجود وليها الخاص غير المجبر مع أخ وعم ونحوهما . والجواب أنه يصح للبالغة العاقلة أن تفعل ذلك بشرط أن تكون غير ذات مال أو جمال أو نسب عال وهي المعبر عنها بالدنيئة وينفذ العقد مع وجود أوليائها غير المجبرين سواء دخل بها أو لم يدخل أما إن كانت ذات مال أو جمال أو نسب فإنه لا يصح فإن فعلت فسخ العقد قبل الدخول ما لم يطل الزمن على العقد ويقدر الطول بالعرف وقيل : يفسخ قبل الدخول مطلقا أما بعد الدخول فإنه يفسخ إن لم يطل الزمن ويقدر الطول بثلاث سنين أو بولادة بطنين فإن أجازه الولي الخاص قيل : يصح - وهو الظاهر - وقيل : لا يصح [2] الشافعية - قالوا : الترتيب في الأولياء شرط لا بد منه ولا تنتقل الولاية من الولي الأقرب للأبعد إلا في أحوال : منها الولي القريب الذي له حق مباشرة العقد صغيرا فإذا بلغ ولم يرتكب جريمة فسق بعد بلوغه ثبت له حقها ولا يلزم أن تثبت عدالته و لكنه لا يشهد إلا إذا ثبتت عدالته بانقضاء سنة بعد بلوغه لم يثبت عليه فيها فسق ففرق بين الشهادة والولاية إذ الشهادة لا بد فيها من ثبوت العدالة بخلاف الولاية فيكفي فيها عدم الفسق
ومنها : أن يكون الولي الأقرب مجنونا ولو كان جنونه متقطعا ولكن يزوج الولي الأبعد في زمن جنون الأقرب دون زمن إفاقته إلا إذا كان زمن الجنون قليلا كيوم في سنة فإنه ينتظر زمن الإفاقة باتفاق
ومنها : أن يكون الولي فاسقا فإذا تاب رجع إليه حقه في الحال . ولا ينتظر زمنا تثبت فيه العدالة لأن المطلوب في عدم الولي عدم الفسق لا العدالة بخلاف الشهود . فإن الشرط فيها العدالة ولهذا لا يصح له أن يشهد إلا بعد مضي سنة من التوبة تظهر فيها عدالته كما علمت
ومنها : أن يكون محجورا عليه فإن كان محجورا عليه لفسق سلبت عنه الولاية للفسق كما تقدم وإن كان محجورا عليه لسفه وتبذير في ماله فبعضهم يرى أنه لا حق له في الولاية على المرأة في النكاح لأنه إذا كان لا يصلح لإدارة شؤون نفسه فلا يصلح لإدارة شؤون غيره . بعضهم يرى أن السفه لا يمنع الولاية في النكاح ورجحه بعضهم وضعفه آخرون والمرجحون موافقون لغيرهم من المذاهب . أما إذا كان محجورا عليه لفلس فإن الحجر لا يمنع ولايته بلا خلاف لأن الحجر عليه لا ينقصه
ومنها : أن يكون نظره في الأمور مختلا لسبب من الأسباب كمرض ملازم أعجزه عن البحث في أحوال الناس وتعرف أوصافهم وهوج وبله
ومنها أن يكون دينه مخالفا لدين المرأة فلا ولاية لكافر على مسلمة ولا ولاية لمسلم على كافرة أما الكافر فإنه يكون وليا للكافرة بشرط أن لا يرتكب محظورا في دينه الذي يدين به ولا عبرة باختلاف دينهما فلليهودي أن يلي النصرانية وبالعكس
فهذه الأمور تنقل الولاية من الولي الأقرب له حق مباشرة العقد إلى الولي الأبعد هذا ولا ينقلها العمى لأن الأعمى يمكنه أن يعرف أحوال الناس وينتقي الكفء بالسماع . . ولا ينقلها الإغماء لأن المغمى عليه ينتظر برؤه . ولا ينقلها الإحرام بالنسك إلى الأقرب
وينتقل حق مباشرة الزواج للسلطان بالولاية العامة في أمور : منها الإحرام بالنسك فإذا كان الولي محرما امتنع من مباشرة العقد وانتقلت الولاية للسلطان . فلا يزوج الولي الأبعد وإذا وكل المحرم عنه شخصا يتولى العقد فإنه لا يصح للوكيل أن يباشر العقد وموكله محرم لأن الوكيل قائم مقام الموكل فلو باشر الوكيل العقد كان العاقد الموكل . فإذا تحلل الموكل كان للوكيل مباشرة العقد لأنه لا ينعزل بالإحرام
ومنها : أن يغيب الولي مسافة قصر ولم يوكل عنه وكيلا يزوج في غيبته وإلا باشر العقد وكيله فإذا زوج الحاكم ثم حضر الولي وقال : إنني كنت قريبا من البلدة عند العقد فإن العقد يصح وإذا حضر وقال : إنني زوجتها قبل الحاكم نفذ فعل الحاكم إن لم تقم بينة على دعوى الولي ومنها عضل الولي المرأة من الزواج فإذا طلبت منه أن يزوجها من الكفء ولو بدون مهر المثل ومنعها فإن لها أن تلجأ إلى الحاكم فيزوجها نيابة عن الولي لأن حق الولي لم يقسط في الولاية بالمنع مرة أو مرتين فيكون الحاكم نائبا عن الولي فإذا عضلها ثلاث مرات فأكثر فإنه يكون بذلك فاسقا قد ارتكب محظورا فيسقط حقه في الولاية وتنتقل للأبعد
ومنها : أن يكون الولي محبوسا حبسا يمنع من مباشرة العقد فإنه في هذه الحالة يزوج السلطان
الحنفية - قالوا : الترتيب بين الأولياء ضروري ولكن العقد يقع صحيحا إذا باشره الأبعد مع وجود الأقرب موقوفا على إجازته فإن أجازه نفذ وإلا فلا وهذا الحق ثابت للولي الأقرب حتى في حالة ما إذا زوجت البكر البالغة العاقلة نفسها من غير كفء فإن له أن يجيزه فينفذ وله أن يعترض عليه فيفسخ . وتنتقل الولاية من الأقرب للذي يليه في أحوال :
منها : أن يغيب الأقرب مسافة بحيث لو انتظر حضوره أو استطلاع رأيه فات الكفء الذي حضر لخطبة الصغيرة على الأصح فلا يلزم تقدير المسافة بمسافة القصر وفي هذه الحالة تنتقل الولاية للذي يليه ولا يكون له حق الاعتراض بعد ذلك بل ينفذ العقد فإذا كان الغائب أباها ولها جد وعم انتقلت الولاية للجد لا للعم ثم إذا زوجها الولي الأقرب في المكان الذي هو غائب فيه لا يصح على الراجح لأن ولايته قد زالت فمتى كان الولي غائبا في مكان يتعذر استطلاع رأيه أو استحضاره فيه قبل فوات فرصة العقد فإنه لا يصح له أن يباشر فيه عقد من له عليها الولاية ما دام لها ولي أبعد منه حاضرا معها ولا تنتقل الولاية عليها للسلطان ما دام لها ولي أبعد
ومنها : أن يعضلها الولي الأقرب من الزواج بالكفء فإذا منع الأب بنته الصغيرة التي تصلح للأزواج من الزوج الكفء إذا طلبها بمهر المثل كان عاضلا وتنتقل الولاية للذي يليه كالجد إن وجد وإلا فللأخ الشقيق وهكذا
ومنها : أن يفقد الولي شرطا من الشروط وهي : الحرية والتكليف والإسلام إذا كانت مسلمة وأن لا يظهر كون الأب أو الجد سيء الاختيار فإن فقد شرط من هذه الشروط من ولي انتقلت الولاية منه للذي يليه على الوجه السابق
الحنابلة - قالوا : الترتيب بين الأولياء لازم لا بد منه ولكن يسقط حقه في أمور :
منها : أن يمنع من له عليها الولاية من الزوج الذي رضيت به وبما قدره لها من مهر يصلح للإمهار إذا بلغت تسع سنين فأكثر أما من دون ذلك فلا عضل لها وينتقل الحق من العاضل للحاكم فهو الذي يباشر زواج التي منعها الولي من الزواج سواء كان مجبرا أو غيره
ومنها : أن يغيب مسافة فوق مسافة القصر أو يغيب مسافة مجهولة أو لا يعرف له مكان أصلا ولو كان قريبا ومنها : أن يكون الولي غير أهل للولاية بأن كان طفلا أو كافرا أو عبدا على أنه إذا غاب الولي الأقرب أو لم تتوفر فيه الشروط انتقلت الولاية لمن يليه فإذا زوج الولي الأبعد مع وجود الأقرب المستكمل للشروط أو زوج الحاكم من غير عذر للأقرب لم يصح النكاح فإذا كان الولي الأقرب لم يعرف أنه عصبة وأن له الحق أو صار أهلا بعد وقوع العقد يصح مع وجوده في هذه الحالة



مبحث للولي أن يوكل غيره بالزواج

- كل من يملك حق التصرف في شيء كان له أن يوكل غيره فيه مادام ذلك الأمر يقبل النيابة كما هو موضح في الجزء الثالث في مباحث الوكالة ولا شك أن عقد النكاح من الأمور التي تصح النيابة في مباشرتها فيصح لكل من يملك تولي عقد الزواج أن يوكل غيره فيه على تفصيل في المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : للمرأة البالغة بكرا كانت أو ثيبا أن توكل غيرها في مباشرة العقد . وكذلك للرجل البالغ الرشيد أن يوكل غيره وعلى الوكيل أن يضيف الزواج إلى موكله أو موكلته بأن يقول : زوجت فلانة موكلتي ويقول الوكيل : قبلت الزواج لموكلي فإذا قالت : قبلت الزواج لنفسي فإنه ينعقد له لا لموكله ويشترط في الوكيل أن يكون أهلا للتصرف سواء كان ذكرا أو أنثى فلا تصح وكالة الصبي الذي لا يعقل والمجنون الذي لا يفيق على التفصيل المذكور في الوكالة في الجزء الثالث على أن للمرأة العاقلة البالغة أن تباشر عقد زواجها بنفسها ثيبا كانت أو بكرا فلا يتوقف عقد زواجها على ولي ولا على وكيل يعقل أن يباشر عقد زواجه على امرأة له في زواجها مصلحة وله أن يوكل عنه في ذلك ما دام يعقل المصلحة وإنما الذي يناط امره بالولي لا محالة فهو الصغير الذي لا يميز . والمجنون جنونا مطبقا صغيرا كان أو كبيرا كما تقدم
وقد علمت مما مضى أن الولي إذا استأذن البكر هو أو وكيله أو رسوله فسكتت أو ضحكت كان سكوتها توكيلا له بالزواج حتى لو قالت بعد ذلك : لا أرضى ولكنه زوجها قبل العلم برضاها صح الزواج لأن الوكيل لا ينعزل إلا إذا علم وإذا كان لها وليان فاستأذناها فسكتت فزوجاها معا من رجلين فإنه يصح عقد السابق منهما أما إذا زوجاها معا فأجازتهما معا بطلا وإن أجازت أحدهما صح لمن أجازته ولو زوجها فضولي بدون إذنها وعلمها سواء كان قريبا منها أو بعيدا وكانت بالغة عاقلة وأجازت النكاح فإنه يصح وكذا إذا زوج رجلا بدون إذنه وأجاز فإنه يصح ما دام العقد مستوفيا للشرائط الشرعية . فإذا مات الفضولي قبل إجازة العقد ثم أجازته أو أجازه الرجل فإنه يصح بخلاف البيع فإنه إذا باع شخص جمل آخر بدون إذنه مثلا فأجاز صاحب الجمل فإنه لا يصح إلا إذا كان الفضولي حيا وكان الجمل حيا وكان المشتري حيا وإن كان الثمن عروض تجارة يكون باقيا . فبيع الفضولي لا ينفذ إلا ببقائه حيا مع هذه الأشياء أما النكاح فيكفي وجود أحد العاقدين ولا ينفذ إقرار الوكيل بالنكاح فلو قال الوكيل : أقر بأنني زوجت موكلتي لفلان وأنكرت ولايته فإنه لا يصح إلا إذا شهد الشهود على النكاح أمام القاضي ومثل ذلك إقرار ولي الصغير والصغيرة فإنه لا ينفذ إلا أن ينصب القاضي خصما عن الصغيرة فينكر وتشهد البينة على النكاح . المالكية - قالوا : يجوز للولي أن يوكل عنه مثله في الشروط المتقدمة من ذكورة فلا يصح له أن يوكل أنثى . وبلوغ فلا يصح أن يوكل صبيا غير بالغ وحرية فلا يصح توكيل عبد . وإسلام فلا يصح توكيل كافر في زواج مسلمة أما الكافر فيتولى عقد الكافرة وإن عقد مسلم لكافرة ترك عقده . وعدم إحرام فلا يصح أن يوكل عنه محرما بالنسك أما الزوج فإنه يصح أن يوكل عنه الجميع إلا المحرم والمعتوه فيصح أن يقبل العقد عنه العبد والمرأة والكافر والصبي بطريق التوكيل وإذا قالت المرأة لوليها غير المجبر وكلتك على أن تزوجني ممن تحب وجب عليه أن يعين لها من أحبه قبل العقد فإنه لم يعين لها الحق في الإجازة والرد سواء اطلعت على العقد بعد حصوله بزمن قريب أو بعيد أما إذا وكل الرجل شخصا على أن يزوجه ولم يعين له المرأة التي يريدها فزوجه من امرأة لزمته بشرط أن تكون ممن تليق بمثله
وإقرار وكيل المرأة بزواجها إذا أنكرت وادعاه الزوج صحيح بلا يمين أما إذا لم يدع الزوج ذلك فلا ينفع إقرار الوكيل ولها أن تتزوج من تشاء . وإن أذنت غير المجبرة لوليين فعقدا لها متعاقبين وعلم الأول والثاني كانت للأول بشروط ثلاثة :
الشرط الأول : أن لا يتلذذ بها الزوج الثاني فإن تلذذ بها بأن عمل مقدمات الجماع من قبلة وعناق وتفخيذ ونحو ذلك وهو غير عالم بالعقد الأول كانت للثاني . الشرط الثاني : أن يكون الأول قد تلذذ بها قبله فإن تلذذ الثاني في هذه الحالة لا يفيد فإن لم يتلذذ بها الثاني أصلا أو تلذذ بها بعد تلذذ الأول فسخ نكاح الثاني بطلاق على الظاهر لأنه نكاح مختلف فيه ولهذا لو وطئها الثاني عالما لا يحد وترد للأول بعد العدة وقيل : يفسخ بدون طلاق ويرد للأول بعد الاستبراء
فهذان شرطان والثالث : أن لا تكون في عدة وفاة من الأول فإن عقد لها على اثنين متعاقبين ثم مات أولهما كانت في عدته فيفسخ نكاح الأول وتنتظر حتى تكمل عدتها منه ولها الحق في ميراثه أما إذا عقدا في زمن واحد فإن العقدين يفسخان بلا طلاق
الشافعية - قالوا : للولي أن يوكل عنه غير سواء كان وليا مجبرا أو غير مجبر فأما الولي المجبر فإنه يوكل عنه غيره بتزويج من له عليها الولاية بدون إذنها ورضاها سواء عين له الزوج الذي يريده في توكيله أو لم يعين ولو اختلفت أغراض الأولياء والزوجات في اختيار الأزواج لأن شفقة الولي تدعوه إلى أن لا يوكل عنه إلا من يثق بحسن نظره وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يزوجها من الكفء بمهر المثل فلو زوجها من غير كفء أو بدون مهر المثل فإنه لا يصح وإذا زوجها بكفء ولها طالب أكفأ منه فإنه لا يصح للوكيل أما الولي المجبر - وهو الأصيل - فيصح له ذلك لأنه غير متهم في نظره وشفقته . أما الولي غير المجبر فله أن يوكل غيره . بتزويج من له عليها الولاية وإن لم تأذن في التوكيل ولم يعين الولي زوجا في التوكل بشروط :
أحدها : أن تأذن للولي في تزويجها قبل التوكيل لأن إذنها شرط في صحة تزويج الولي فلا يملك تزويجها بدونه وفي هذه الحالة لا يملك التوكيل
ثانيها : أن لا تنهاه عن توكيل الغير فإذا نهته فلا يصح له أن يوكل
ثالثها : إذا عينت له زوجا خاصا كأن قالت له : رضيت أن تزوجني من فلان فإنه يجب أن يعين من عينته له في التوكيل
وإذا باشر وكيل الولي العقد يقول للزوج : زوجتك فلانة بنت فلان فيقول : قبلت فإذا باشر الولي العقد وكان الطرف الثاني وكيل الزوج يقول الولي للوكيل : زوجت بنتي فلانا فيقول وكيله : قبلت نكاحها له فإن له يقل له لم يصح النكاح ولو نواه لأن الشهود لا إطلاع لهم على النية وعلى الوكيل أن يصرح بالوكالة إذا لم يكن للزوج والشهود علم بها
هذا ويشترط في الوكيل الشروط المذكورة في مباحث الوكالة فارجع إليها في صحيفة 148 وما بعدها جزء ثالث . ومنها أن لا يكون فاسقا فإن كان فاسقا فإنه لا يصح لأن الفسق يسلب الولاية من الأصل فلا يملكها الوكيل حينئذ . ومنها أن لا يكون صبيا ولا مغمى عليه ولا مجنونا ولا سكران متعديا بسكره الخ وإذا زوج وليان مستوليان امرأة من اثنين بعد إذنها لهما وكانا كفأين . فإذا علم السابق منهما كانت له حتى ولو بها الثاني . أما إذا لم يعلم السابق منهما فقيل : تصبح معلقة فلا يحل لأحدهما قربانها حتى يطلقها الآخر وتنقضي عدتها وقيل : هذه حالة ضرورة يفصل فيها الحاكم فيفسخ العقدين رفعا للضرر . أما إذا زوجها أحدهما لغير كفء والآخر للكفء فإنها تكون للكفء بشرط أن لا تكون الزوجة والأولياء قد أسقطوا الكفاءة برضائها ورضاء الولي فإن كانوا قد أسقطوها عادت المسألة . وكذلك إذا زوجها أحدهما بإذن والآخر من غير إذن فإنها تكون لمن تزوجها بالإذن ولو كان الأول سابقا
الحنابلة - قالوا : يصح للولي المجبر وغيره أن يوكل عنه في تزويج من له عليها الولاية بدون إذن منها لأن الولي له حق مباشرة العقد فله أن يوكل عنه غيره في هذا الحق ويثبت لوكيل الولي ما للولي من إجبار وغيره إلا أنه إذا كانت المرأة غير مجبرة بأن كانت ثيبا بالغة أو سن تسع سنين بالنسبة للأب ووصيه أو كانت ثيبا كذلك أو بكرا بالغة عاقلة بالنسبة لغير الأب والوصي والحاكم فإنه ليس لوكيل الولي أن يزوجها من غير إذنها ورضاها كما أنه ليس للولي نفسه أن يزوجها بغير إذنها فإذا أذنت لوليها بتوكيل الغير عنه أو أذنته هو في تزويجها فوكل عنه فإنه لا يصح للوكيل أن يزوجها بدون أن يرجع إليها ويستأذنها فترضى
ويشترط أن يستأذنها وكيل الولي بعد توكيله لا قبله وإلا فلا يصح
ويشترط في الوكيل ما يشترط في الولي من ذكورة وبلوغ وغيرهما من الشروط المتقدمة لأن التوكيل في الولاية ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها على أنه يصح توكيل الفاسق في قبول النكاح فللزوج أن يوكل عنه فاسقا يقبل له النكاح لأنه هو لو كان فاسقا صح منه القبول وكذلك له أن يوكل النصراني ليقبل له زواج امرأة كتابية لا مسلمة
للولي المذكور أن يوكل توكيلا مطلقا كأن يقول له : زوجها من شئت ويوكل توكيلا مقيدا فيقول : وكلتك على أن تزوجها من فلان وفي حالة الإطلاق يجب على الوكيل أن يزوجها بالكفء ولا يملك الوكيل به أن يزوجها من نفسه وفي حالة التقييد بمن عينه له : فإذا باشر الولي العقد بنفسه مع وكيل الزوج وجب على الولي أن يقول : زوجت فلانا فلانة أو زوجت فلانة لفلان بذكر اسميهما ويقول الوكيل : قبلت لموكلي فلان أو قبلته لفلان فإذا لم يقل : لفلان فإنه يصح اكتفاء بذكره أولا على الصحيح
وكذا إذا باشر العقد وكيل الولي مع ولي الزوج فإنه يلزم أن يقول : زوجت فلانا فلانة بذكر اسميهما على البيان المتقدم



دليل الولي من الكتاب والسنة

- قد عرفت مما ذكرناه أن الشافعية والمالكية اصطلحوا على عد الولي ركنا من أركان النكاح لا يتحقق عقد النكاح بدونه واصطلح الحنابلة و الحنفية على عده شرطا لا ركنا وقصروا الركن على الإيجاب والقبول إلا أن الحنفية قالوا : أنه شرط لصحة زواج الصغير والصغيرة والمجنون والمجنونة ولو كبارا أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فليس لأحد عليها ولاية النكاح بل لها أن تباشر عقد زواجها ممن تحب بشرط أن يكون كفأ وإلا كان للولي حق الاعتراض وفسخ العقد
وقد استدل الجمهور بأحاديث وبآيات قرآنية فأما الأحاديث فمنها ما رواه الزهري عن عائشة وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل " ومنها ما رواه ابن ماجة والدار قطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها " وهذان الحديثان أقوى ما استدل به الجمهور على ضرورة الولي فليس للمرأة حق مباشرة العقد دونه وقد أجاب الحنفية عن الحديث الأول بأنه مطعون فيه وذلك لآن الزهري نفسه قد سئل عنه فلم يعرفه وقد أجيب عن هذا بأن معرفة الزهري لا تضر ما دام راويه - وهو سليمان بن موسى - وهو ثقة ولا يخفى ضعف هذا الجواب لأنه ما دام مصدر الحديث المروي عنه لم يعرفه وأنكره فإن ذلك يضعف الثقة جزما على أن الحنفية قالوا : إن كل الأحاديث التي يفيد ظاهرها اشتراط الولي في التزويج فهي خاصة بالصغيرة التي لا يصح لها أن تتصرف وذلك مؤيد بقواعد الدين العامة فإن النكاح عقد من العقود كالبيع والشراء ومعلوم أن للمرأة الحرية المطلقة في بيعها وشرائها متى كانت رشيدة فكيف يحجر عليها في عقد زواجها وهو أهم العقود التي تتطلب حرية لما يترتب عليه من مهام الأمور فينبغي أن يقاس عقد النكاح على عقد البيع وإن ورد ما يخالف هذا القياس وجب تخصيصه به وهذه قاعدة أصولية . فقوله : " لا تزوج المرأة المرأة " معناه لا تزوج المرأة الكبيرة البنت الصغيرة عند وجود الولي للعصبة المقدم عليها أو لا تزوج المرأة الصغيرة المرأة الصغيرة وقوله : " ولا تزوج المرأة نفسها " معناه ولا تزوج الصغيرة نفسها بدون ولي فالمراد من المرأة الأنثى الصغيرة وهي وإن كانت عامة تشتمل الصغيرة والكبيرة إلا أنها خصت بالصغيرة لما هو معلوم من أن الكبيرة لها حق التصرف في العقود كالبيع فيقاس النكاح على البيع وذلك جائز في الأصول
أما الجمهور فقالوا بالفرق بين النكاح وبين البيع وذلك لأن المرأة لا عهد لها بمخالطة الرجال فربما خدعها غير الكفء فتتزوج بمن تتعير به عشيرتها ويكون شرا ووبالا على سعادتها الدنيوية فلذا صح الحجر عليها في عقد النكاح دون غيره من العقود لأن عقد البيع مثلا لا يترتب عليه مثلا هذا الشر مهما قيل فيه وقد أجاب الحنفية عن هذا بجوابين :
الأول : أنهم قد اشترطوا الكفاءة في الزوجية كما ستعرفه فلو تزوجت المرأة غير كفء فللأولياء أن يعترضوا هذا الزواج ولا يقروه فيفسخ فلا تصيبهم معرة الصهر الذي لا يناسبهم فزمام المسألة بأيديهم
الثاني : أن المفروض كون المرأة عاقلة حسنة التصرف غير محجور عليها ولذا كان من حقها أن تتصرف في بيعها وشرائها بدون حجر ما فإذا قيل : إنها قد تغبن في اختيار الزوج الكفء فكذلك يقال إنها قد تغبن في بيع سلعة هامة غبنا ضارا بها أكثر من الضرر بعقد زواج على غير الكفء لأنه إن ثبتت عدم كفاءته فرق القاضي بينهما وينتهي الأمر أما إذا باعت شيئا ذا قيمة مالية وغبنت فيه غبنا فاحشا وهلك في يد مفلس فإنه يضيع عليها ولا يسعها أن تتلافى ما ترتب على هذا البيع من الضرر فتخصيص الحنفية ما ورد في هذه الأحاديث بالصغيرة قياسا لتصرف الكبيرة في النكاح على تصرفها في البيع صحيح لا اعتراض عليه بمثل هذا الذي أورده الجمهور
أما القرآن الكريم فمنه قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف } ووجه الدلالة في الآية أن الله تعالى يخاطب أولياء النساء فينهاهم عن منعهن من الزواج بمن يرضينه لأنفسهن زوجا فلو لم يكن لهؤلاء الأولياء حق المنع لما كان لخطابهم بمثل هذا وجه لأنه كان يكفي أن يقول للنساء : إذا منعتن من الزواج فزوجوا أنفسكن
وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : إن هذه الآية أصرح آية في الدلالة على ضرورة الولي . ولكن الحنفية قد أجابوا عن هذا بجوابين الجواب الأول منع كون الآية خطابا للأولياء بل هي تحتمل أن تكون خطابا للأزواج الذين يطلقون أزواجهم وتحتمل أن تكون خطابا للمؤمنين عامة
أما الأول فهو الظاهر المتبادل من لفظ الآية الكريمة فهو سبحانه يقول لمن يطلقون نساءهم : إذا طلقتم النساء فلا تستعملوا معهن الوسائل الظالمة التي يترتب عليها منعهن من الزواج بغيركم كأن تهددوها هي أو من يريد تزوجها بقوتكم أو جاهكم وسلطانكم أو نفوذكم إن كان لكم ذلك أو تحاولوا تنقيصها والحط من كرامتها فتنفروا منها خطيبها الذي سيكون زوجا لها أو تؤثروا عليه أو عليها من أي ناحية من النواحي كأن تمنعوها من حقوقها المالية إن كان لها عندكم حق أو نحو ذلك
وأما الثاني فمعناه إذا طلقتم النساء أيها المؤمنون وأصبحن خاليات من الأزواج والعدة فلا يصح أن يقع بينكم عضلهن ومنعهن من الأزواج سواء كان ذلك المنع من قريب أو من ذي جاه ونفوذ عليها فيفترض عليكم فرض كفاية أن تمنعوا وقوعه فيما بينكم بنهي فاعله والضرب على يده وإلا كنتم مشتركين معه في الإثم لأن عضل المرأة من الزواج منكر حرمه الله تعالى والنهي عن المنكر فرض على المؤمنين وإزالته لازمة على كل قادر حكما كان أو غيره
ولا تعارض بين هذا الذي ذكرناه وبين ما رواه البخاري من أن الآية نزلت في معقل بن يسار حيث كان قد زوج أخته لرجل فطلقها زوجها ثم أراد الرجوع إليها ثانيا فأبى أخوها معقل أن تعود إليه مع كونها راغبة فيه فلما نزلت زوجها إياه لأنه يحتمل أن تكون حادثة معقل صادفت نزول الآية و لكن الآية في ذاتها عامة على الوجه الذي بيناه . ونظير ذلك ما قاله المفسرون في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } [ سورة الحجرات ] إذ قال الفخر الرازي - وهو شافعي - : إن الآية عامة ولكنها صادفت حادثة الوليد المشهورة ومع ذلك فإذا سلم أن الآية نزلت في حادثة أخت معقل بخصوصها فإن الخطاب فيها يجب أن يكون عاما لكل من يعضل النساء سواء كان وليا أو غيره فليست مقصورة على الأولياء بلا نزاع
الجواب الثاني : تسليم أن الآية خطاب لمعقل وغيره من أقارب المرأة بخصوصهم . ولكن ليس في الآية ما يدل على أن لهم حق الولاية على النساء مطلقا وإنما تدل على أن من منع منه النساء من التزوج فهو آثم لا حق له في هذا وهذا المنع لا يلزم أن يكون مترتبا على الولاية بل هو ظاهر في أنه مترتب على ضعف النساء وعدم قدرتهن على استعمال حقهن . وبيان ذلك أن المرأة تستكين عادة لمن يكفلها أو لعاصبها القريب من أب أو أخ فتفنى إرادتها في إرادته خصوصا في هذا الباب الذي يغلب فيه الحياء على معظم النسوة المتربيات فلا ترى المرأة لها حقا مع كافلها أو عاصبها فتتنازل لهما عن استعمال حقها وهي مكرهة فالآية الكريمة تفيد أنه لا يصلح للرجال أن يستغلوا هذا الضعف فيسلبوا النساء حقوقهن الطبيعية في التزوج بالكفء الذي يرغبن فيه وهذا يتضمن أن للمرأة الحرية في اختيار الكفء الذي تريده زوجا لأن النهي عن منعها من الزواج يتضمن إباحة الحرية لها في الاختيار بلا نزاع على أن قوله تعالى : { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } فيه دلالة على صحة عقد الزواج إذا باشرته المرأة فإنه قال : { أن ينكحن } أي يتزوجن بعبارتهن ولو كانت عبارة النساء لا تنفع فيعقد الزواج لقال : فلا تعضلوهن أن تنكحوهن أزواجهن
الحاصل أن الآية إذا كانت خطابا للأقرباء بخصوصهم يكون معناها لا تنتهزوا أيها الأقرباء فرصة كفالتكم للنساء وضعفهن فتسلبوا منهن حقهن الطبيعي في اختيار الزوج الكفء ومباشرتهن الزواج فتتحكموا فيهن وتمنعوهن من استعمال ذلك الحق وليس في هذا المعنى أية دلالة على أن لهم حق الولاية عليها
وقد يقال : إذا كان اختيار الزوج والعقد عليه حقا للمرأة فلماذا لم يقل لهن تعالى : زوجن أنفسكن واستعملن حقكن فخطابه للأقرباء بقوله : { فلا تعضلوهن } دليل على أنهم أصحاب الحق في ذلك لا النساء ؟ والجواب أن خطاب الأولياء بهذا يدل على معنى دقيق جليل وهو ضرورة احترام الرابطة بين النساء وبين أهليهن الكافلين لهن فإذا تنازلت الواحدة منهن عن حقها في هذا الموضوع احتراما لرغبة أبيها أو أخيها أو نحوهما خوفا من حدوث تصدع في رابطة القرابة فإنه يكون حسنا يقره الله تعالى وفي هذه الحالة لا يصلح أن يقال للنساء : استعملن حقكن واخرجن عن طاعة أوليائكن فتنقطع بذلك روابط المودة وإنما كمال البلاغة وجمال الأسلوب أن يقال للأولياء : لا تستغلوا هذه الحالة فتتمادوا في سلب حقوقهن للنهاية والنتيجة المترتبة على الخطابين واحدة فإن الغرض أن لا تمنع المرأة من التزوج بمن ترغب فيه متى كان كفأ صالحا
ومما لا ريب فيه أن لهذين الرأيين علاقة شديدة بالحالة الاجتماعية في كل زمان ومكان فالذين يحجرون على المرأة في عقد الزواج يرون أن النساء مهما قيل في تهذيبهن فإن فيهن جهة ضعف طبيعية بارزة وهي خضوعهن للرجال وتأثرهن بهم فقد تنسى المرأة عظمتها ومجدها وفضلها وتندفع في ميلها الشهوي وراء من لا يساوي شراك نعلها وربما تجرها عاطفتها إلى التسليم لخادمها ومن دونه وبديهي أن هذه الحالة ضررها لا يقتصر على المرأة فحسب بل يتعداها إلى الأسرة بتمامها لأنهم يتعيرون بإدخال عنصر أجنبي فيهم لا يدانيهم في نسبهم ولا حسبهم وربما جر ذلك إلى مأساة محزنة فمن الواجب أن يوكل أمر اختيار الزوج للأولياء الذين يستطيعون أن يختاروا ما فيه خير المرأة وخير الأسرة مع صيانتها واحترامها ومع هذا فإنه لا بد من رضاء المرأة في بعض الأحوال قبل أن يبرم الولي عقدها وغير ذلك يكون اندفاعا مع عاطفة ضعيفة يمكن التأثير عليها بوسائل مختلفة فيترتب على ذلك شقاء المرأة وتعاسة حظها وهدم الأسرة وانحطاط كرامتها
أما الحنفية الذين لا يرون الحجر على المرأة العاقلة البالغة فإنهم يقولون : إن قواعد الدين الإسلامي تقتضي أمرين :
الأول إطلاق الحرية لكل عاقل رشيد من ذكر أو أنثى في تصرفه
رفع ما عساه أن يحدث من أضرار بسبب هذه التصرفات وكلا الأمرين لازم لا بد منه للحياة الاجتماعية فالحجر على الرشيدة في أمر زواجها ينافي قواعد الإسلام العامة فلو جعل أمر زواجها منوطا بالولي كان حجرا بدون موجب خصوصا في حالة تزويجها بدون أخذ رأيها مطلقا وهي بكر رشيدة فإن ذلك لا يلتقي مع قواعد الدين في شيء وربما كان ضارا في كثير من الأحيان إذ قد يكون الولي غير أب أو أخ شقيق ولم تكن علاقته بالمرأة ودية فيتعمد معاكستها والوقوف في سبيلها بحرمانها من الكفء المناسب وليس من السهل على المرأة إثبات العضل والشكوى للحاكم بل ربما جر انحيازها للخاطب وشكواها للحاكم إلى عداء الأسرة ويترتب عليه مأساة لا حد لها وهذا كثير واقع لا يمكن الإغضاء عنه في التشريع الإسلامي المشهور بدقته وجلاله فيجب أن يناط أمر زواجها بها بشرط أن تتصرف تصرف العقلاء فلا تندفع في سبيل شهوة فاسدة فتقع على غير الكفء . فإنها إن فعلت ذلك كانت جديرة بالحجر عليها . وكان لوليها حق الاعتراض وفسخ العقد . ثم إن لها الحق في أن تكل أمر تزويجها لمن تشاء . فإذا كان لها أب أو أخ أو نحوهما من الأقربين الذين يشفقون عليها ويؤثرون راحتها ويتمنون لها السعادة كان من اللائق المقبول أن تفوض لهم وتترك لهم حقها ليتصرفوا في أمر زواجها كما يحبون . فلا تخرج عن إرادتهم ولا تحاول إحراجهم بما لا ينفعها بل يضرها بفقد عطفهم عليها عندي أن كلا الرأيين لازم للحياة الاجتماعية وأن اختلاف وجهة نظر الأئمة رضوان الله عليهم في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها يدل على أنها شريعة خالدة حقا وأنها صالحة لكل زمان ومكان . فلا تقف في سبيلها مظلمة لفرد أو جماعة . ولا يتأذى بها أحد . فإذا ترتب على أحد الرأيين مشقة في وقت من الأوقات أو زمن من الأزمنة وجب المصير إلى الرأي الآخر . فكلا الرأيين حسن والعمل به مقبول معقول والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
وبعد فهذا نموذج من البحث في الأدلة الشرعية سنتبعه إن شاء الله ببحث في المسائل العامة . إذ لو جرينا على نمطه في كل مسألة لطال بنا المقال . ونخرج عن موضوعنا كما لا يخفى


خلاصة مباحث الولي

- [1] اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على ضرورة وجود الولي في النكاح فكل نكاح يقع بدون ولي أو من ينوب منابه يقع باطلا فليس للمرأة أن تباشر عقد زواجها بحال من الأحوال سواء كانت كبيرة أو صغيرة عاقلة أو مجنونة إلا أنها كانت ثيبة لا يصلح زواجها بدون إذنها ورضاها
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا : إن الولي ضروري للصغيرة والكبيرة المجنونة أما البالغة العاقلة سواء كانت بكرا أو ثيبا فإنها صاحبة الحق في زواج نفسها ممن تشاء ثم إن كان كفأ فذاك وإلا فلوليها الاعتراض وفسخ النكاح
[2] اتفق القائلون بضرورة الولي على تقسيمه إلى قسمين : ولي مجبر وولي غير مجبر . واتفق الشافعية والحنابلة على أن الولي المجبر هو الأب والجد وخالف المالكية فقالوا : الولي المجبر هو الأب فقط . واتفق المالكية والحنابلة على أن وصي الأب بالتزويج مجبر كالأب . بخلاف الشافعية فإنهم لم يذكروا وصي الأب وزاد الحنابلة أن الحاكم يكون مجبرا عند الحاجة
[3] اتفق القائلون بالإجبار على أن الولي المجبر له جبر البكر البالغة بأن يزوجها بدون إذنها ورضاها ولكن اختلفوا في الشروط التي يصح تزويج المجبرة بها بدون إذنها على الوجه المبين فيما مضى
اتفقوا أيضا على أن الثيب - وهي من زالت بكارتها بالنكاح - لا جبر عليها ولكن للولي حق مباشرة العقد فإذا باشرته بدونه وقع باطلا فالولي والمرأة الثيب شريكان في العقد فحقها أن ترضى بالزواج صراحة وحقه أن يباشر العقد هذا إذا كانت كبيرة بالغة أما إذا كانت ثيبا صغيرة فهي ملحقة بالبكر البالغ فيزوجها الولي المجبر بدون إذنها ورضاها ما لم تبلغ وخالف الحنابلة فقالوا : إن الثيب الصغيرة التي تجبر هي ما كانت دون تسع سنين فإن بلغت تسعا كانت كبيرة لا تجبر
[5] اتفق المالكية والشافعية والحنابلة على أن الولي غير المجبر وإن كان يتوقف عليه العقد ولكن ليس له أن يباشره بدون إذن من له عليها الولاية ورضاها صريحا إن كانت ثيبا أو ضمنا إن كانت بالغة هذا في الكبيرة أما الصغيرة فقد اتفقوا على أنها إذا كانت دون تسع سنين فإنه لا يجوز للولي غير المجبر زواجها بحال من الأحوال
ثم اختلفوا بعد ذلك فقال الملكية : إن بلغت عشر سنين وخيف عليها الفساد إن لم تتزوج فللولي أن يزوجها بإذنها . وهل لا بد من رضاها صراحة أو يكفي صمتها ؟ قولان أرجحهما الثاني ولكن يجب على الولي أن يشاور القاضي
ورجح بعضهم أنه إذا خيف عليها الفساد فلا يشترط أن تبلغ عشر سنين بل تزوج جبرا وإن لم ترضى كما تقدم
وقال الشافعية : لا يصح للولي أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ إلا إذا كان أبا أو جدا فإن فقدا أو تركاها صغيرة فلا يجوز لأحد أن يزوجها بحال من الأحول سواء كانت ثيبا أو بكرا مادامت عاقلة لأن الولي غير المجبر إنما يزوج الصغيرة بالإذن ولا إذن للصغيرة أما إذا كانت مجنونة فإنه يجوز للحاكم أن يزوجها إذا بلغت وكانت محتاجة
وقال الحنابلة : إذا بلغت الصغيرة تسع سنين كانت ملحقة بالكبيرة العاقلة فللولي غير المجبر أن يزوجها بإذنها و رضاها فإن كانت دون تسع فللحاكم أن يزوجها عند الحاجة
[6] اتفق الشافعية والحنابلة على أن حق الأولياء غير المجبرين الأب ثم الجد . وخالف المالكية فقالوا : إن أحقهم بالولاية الابن ولو من زنا بمعنى أن المرأة إذا تزوجت بعقد صحيح صارت ثيبا ثم زنت وجاءت بولد يكون مقدما على الأب والجد . أما إذا زني بها قبل أن تتزوج بعقد صحيح وجاءت من هذا الزنا فإنه لا يقدم على الأب في هذه الحالة لأن الزنا عندهم لا يرفع البكارة فيكون الأب وليا مجبرا والكلام في غير المجبر ووافقهم الحنفية على أن أحق الأولياء في النكاح الابن
وخالف الشافعية والحنابلة فقالوا : إن أحق الأولياء الأب ثم الجد ولكن الحنابلة قالوا : إن الابن يلي الجد في الولاية . والشافعية قالوا : إنه لا ولاية للابن على أمه مطلقا
[7] اتفق الشافعية والحنابلة والحنفية على أنه لا يصلح للولي الأبعد أو الحاكم أن يباشر عقد الزواج مع وجود الولي الأقرب المستكمل للشروط
خالف المالكية فقالوا : إن الترتيب بين الأولياء مندوب لا واجب . فإذا كان للمرأة أب وابن فزوجها أبوها صح وإن كانت مرتبته بعد مرتبة الابن . وكذا إذا كان لها أخ شقيق وأخ غير شقيق فزوجها غير الشقيق مع وجود الشقيق فإنه يصح . فإذا لم ترضى المرأة بحضور أحد من أقاربها فزوجها الحاكم فإنه يصح لأنه من الأولياء . وإذا وكلت واحدا من أفراد المسلمين بحكم الولاية العامة مع وجود ولي صح إن كانت دنيئة وإلا فلا وهذا كله في الولي غير المجبر أما الولي المجبر فوجوده ضروري عندهم
[8] اتفق الشافعية والمالكية والحنابلة على أن الولاية في النكاح يشترط لها الذكورة فلا تصح ولاية المرأة على أي حال
وخالف الحنفية في ذلك فقالوا : إن المرأة تلي أمر نكاح الصغيرة والصغير ومن في حكمهما من الكبار إذا جنا عند عدم وجود الأولياء من الرجال
ولكن المالكية قالوا : تتصف المرأة بالولاية إذا كانت وصية أو مالكة أو معتقة . وهناك قول في أن الكافلة تكون ولية أيضا ولكنها لا تباشر العقد بل توكل عنها رجلا يباشره
[9] اتفقوا على أن الفسق يمنع ولاية النكاح فمن كان فاسقا انتقلت الولاية عنه إلى غيره
وخالف الحنفية فقالوا : إن الذي يمنع الولاية هو أن يشتهر الولي بسوء الاختيار فيزوج من غير كفء وبغبن فاحش وفي هذه الحالة يكون للبنت الصغيرة الحق في رد النكاح بعد أن تكبر ولو كان المزوج أبا أما إذا كان فاسقا حسن الاختيار وزوجها من غير غبن وبمهر المثل وكان أبا أو جدا فإنه يصح ولا حق لها في الفسخ كما تقدم
[10] اتفقوا على أن العدالة ليست شرطا في الولي . خالف الحنابلة فقالوا : إن العدالة الظاهرية شرطا في الولاية إلا في السلطان والسيد
[11] اتفقوا على أن للولي أن يوكل عنه من ينوب منابه في عقد الزواج


مبحث الكفاءة في الزواج


- يتعلق بالكفاءة أمور : الأول تعريفها . الثاني : هل هي شرط في صحة العقد أو لا ؟ الثالث : هل هي معتبرة في جانب الزوج فقط فلو تزوج بامرأة دنيئة صح أو معتبرة في الجانبين ؟ الرابع : من له حق الفصل في أمر الكفاءة وفي كل هذا تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : في الجواب عن الأمر الأول : إن الكفاءة هي مساواة الرجل للمرأة في أمور مخصوصة وهي ست : النسب والإسلام والحرفة والحرية والديانة والمال
ويعرف الأدنى نسبا بأن لا يكون من جنسها أو من قبيلتها وذلك لأن الناس صنفان : عجم وعرب والعرب قسمان : قرشي وغير قرشي فإذا كان الزوج قرشيا وهي قرشية صح نسبا ولو اختلفوا في القبائل بأن كانت هاشمية وهو نوفلي مثلا . وإن كانت عربية من غير قريش فإن كان عربي يكون كفأ لها من أي قبيلة كانت ولو باهليا
ومن هذا تعلم أن العجمي ليس كفأ للقرشية ولا للعربية على أي حال وأن العربي من غير قريش ليس كفأ للقرشية على أي حال . ولا يعتبر الإسلام بين العرب فالمرأة التي لها آباء في الإسلام يكون كفأ لها الرجل العربي الذي له أب واحد والعجمي العالم كفء للعربي الجاهل أما العجم فإن بعضهم لبعض أكفاء ولكن التفاوت يقع بالإسلام والحرية فمن كان أبوه كافرا وهو مسلم فإنه ليس كفأ لمن هي مسلمة وأبواها مسلمين . ومن كان معتقا لا يكون كفأ للحرة نفسها ولو كان أبوها معتقا لأن مرتبتها أعلى من مرتبته وإذا كان أبوها وجدها حرين وأبوه حر دون جده لا يكون كفألها وكذا إذا كانا مسلمين دون جده فإنه لا يكون كفأ لها أما إذا كان لها آباء كثيرة في الإسلام أو الحرية وهو له أبوان فقط فإنه كفء من هذه الجهة لتمام النسب بالأب والجد . فهذا هو معنى الكفاءة في النسب والإسلام والحرية
وحاصله أن القرشيين بعضهم لبعض أكفاء بصرف النظر عن كونه أسلم بنفسه دون أبيه وهي مسلمة وأبوها مسلم . وبصرف النظر عن الرق والحرية لأن العرب لا يسترقون غالبا أما العجم فيعتبر في أنسابهم الإسلام والحرية ولكن ذلك مقصور على الزوجين وعلى أبيه وحده فقط فمن كان مسلما دون أبيه لا يكون كفأ للمسلمة هي وأبوها ومن كان معتقا دون أبيه لا يكون كفأ للحرة هي وأبوها ومما لا يصح الخلاف فيه أن العالم العجمي الفقير كفء للعربي الجاهل الغني وكفء للشريفة العلوية لأن شرف العلم فوق شرف النسب والغنى وبذلك جزم المحقق ابن الهمام وصحاب النهر وغيرها . وهو الصواب
وأما الكفاءة في الحرفة فهي أن تكون حرفة أهل الزوج مكافئة لحرفة أهل الزوجة بحسب العرف والعادة فإذا كانت حرفة الخياطة مثلا أرقى من حرفة الحياكة بين الناس لم يكن الحائك كفأ لبنت الخياط وإلا فالعكس . فالمدار على احترام الحرفة بين الناس
أما الكفاءة من جهة المال فقد اختلفوا فيها فقال بعضهم : إنه يشترط أن يساويها في الغنى وقال بعضهم : إنه يكفي أن يكون قادرا على دفع ما تعارفوا على تعجيله من مهر مثلها فلا يلزم أن يكون قادرا على دفع الكل المعجل والمؤجل وأن يكون معه نفقة شهر إن لم يكن محترفا وإن لا فإن كان يكتسب كل يوم كفايتها فإنه يكون كفأ لها في باب المال والثاني هو ظاهر الرواية وهو الصحيح ولكن ينبغي أن ينظر إلى أن الحنفية لم يشترطوا الولي في المرأة اعتمادا على للولي حق التفريق إذا اختارت المرأة من لا يدانيها فإذا فرضنا وكانت البيئة تعتبر الذي لا يملك إلا المهر ونفقة شهر ضائعا لا قيمة له بالنسبة للمرأة الثرية لم لا اعتبار الكفاءة في المال معنى فينبغي أن ينظر القاضي إلى المصالح الدينية نظرا جديا وأن يقضي بما يرفع الفساد وحينئذ لا باس أن يعمل بالرأي الأول مادامت المصلحة متعينة في العمل به على أننا في زماننا هذا نرى الكفاءة تكاد تكون منحصرة عند الناس في باب المال فإنه هو الذي يستطيع به الزوج أن يحفظ كرامة المرأة وكرامة أسرتها ويمنعها من التبذل والتعرض لما لا يليق بها
ويعجبني ما قاله الأستاذ مرعي الحنبلي رحمه الله :
قالوا : الكفاءة ستة فأجبتهم : ... قد كان هذا في الزمان المبهم
أما بنو هذا الزمان فإنهم ... لا يعرفون سوى يسار الدرهم
فالقول الأول وإن لم يصححوه ولكنه ينبغي أن يراعى في زماننا هذا
وأما الكفاءة في الديانة فإنها تعتبر في العجم والعرب فإذا كان فاسقا لا يكون كفأ لصالحة بنت صالح وإذا كانت صالحة وأبوها فاسق وزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح وليس لأبيها حق الاعتراض لأنه فاسق مثله وكذا إذا كانت فاسق وأبوها صالح فزوجت نفسها من فاسق فإنه يصح وليس لأبيها حق الاعتراض أيضا لأن العار الذي يلحقه ببنته أكثر من العار الذي يلحقه بصهره
وإذا زوج الصغيرة لرجل يظنه صالحا فتبين أنه فاسق وأبوها صالح فإن لها أن تفسخ العقد بعد البلوغ والمراد بالفاسق المجاهر بالفسق كالذي يسكر على قارعة الطريق أو يذهب إلى أماكن البغاء ومواخير الفساد وأندية القمار علنا أو يجاهر بأنه يفعل ذلك ومن هؤلاء الشبان الذين يتركون الصلاة ويعلنون أنهم لا يصلون ولا يصومون فإن هؤلاء ليسوا أكفاء للصالحات وبنات الصالحين فإذا تزوجت واحدا من هؤلاء كان للولي الاعتراض وفسخ العقد
وللولي الاعتراض إذا تزوجت بأقل من مهر المثل ولكن العقد مع ذلك صحيح باتفاق إنما يقول القاضي : أما أن تكمل لها مهر المثل وإما يفسخ العقد
أما الجواب عن الثاني فإن الكفاءة شرط لنفاذ العقد ولزومه على الولي فإذا زوجت المرأة نفسها لمن هو دونها في أمر من الأمور الستة المذكورة كان لوليها حق الاعتراض على العقد فلا ينفذ حتى يرضى أو يفسخه القاضي وأما الجواب عن الثالث فهو أن الكفاءة في الأمور المذكورة من حق الولي بشرط أن يكون عصبة ولو كان غير محرم كأن كان ابن عم يحل له زواجها أما ذوو الأرحام والأم والقاضي فليس لهم حق في الكفاءة ثم إذا سكت الولي عن الاعتراض حتى ولدت المرأة فإن حقه يسقط في الكفاءة فإذا لم يعلم بالزواج حتى ولدت فالظاهر أن حقه يسقط لأن الولادة قد أحدثت بينهما روابط تنسى معها الاعتبارات الأخرى وأيضا فإن للولد حقا في الكرمة فلا ينبغي أن يسجل عليه عار أبيه والقواعد دائما تقضي بمراعاة الولد خوفا عليه من الضياع فإذا اعترض الولي وفسخ القاضي النكاح فعادت المرأة وزوجت نفسها من غير الكفء ثانيا عاد حق الولي في الاعتراض وفسخ القاضي النكاح ثانيا كما إذا زوجها الولي من غير كفء بإذنها فطلقها زوجها ثم زوجت نفسها منه ثانيا كان للولي حق الاعتراض ولا يكون رضاه بالزواج الأول حجة عليه في الثاني الذي لم يرض به فإذا طلقها زوجها غير الكفء الذي رضي به الولي في الأول طلاقا رجعيا ثم راجعها في العدة لم يكن للولي حق الاعتراض لأن العقد الأول لم يتجدد
وبعضهم يقول إن الكفاءة شرط في صحة العقد فيقع العقد باطلا من أول الأمر إذا تزوجت بغير كفء وكان لها ولي ولم يرض بالنكاح قبل العقد فإذا رضي به قبل العقد وامتنع بعده فإنه لا يعتبر وهذا القول هو المفتى به وهو أقرب إلى الاحتياط
وعلى القول الأول إذا مات أحدهما قبل تفرقة القاضي يتوارثان لأن العقد صحيح لا ينقطع إلا بفعل القاضي وفعل القاضي في هذه الحالة فسخ لا طلاق فإن وقعت الفرقة قبل الدخول فلا شيء لها من المهر وإن وقعت بعده كان لها المسمى لا مهر المثل وكذا لها المسمى بالخلوة الصحيحة وعليها العدة ولها نفقة العدة ولها أن تمكنه من الوطء ولها أن لا يمكنه وأما على المفتى به فإنه لا يترتب عليه شيء من ذلك ويحرم على المرأة أن تمكنه من الوطء لأن العقد باطل لا انعقاد له
وعلى هذا فلو تزوجت امرأة مطلقة ثلاث طلقات بزوج غير كفء من غير رضا الولي ثم طلقها فإنها لا تحل للزوج الأول لأن العقد وقع باطلا فكأنه لم يكن . أما إذا لم يكن لها ولي أو كان ورضي قبل العقد فإنها تحل لزوجها الأول بعد طلاقها من الثاني غير الكفء باتفاق
وإذا كان لها أولياء متساوون في الدرجة ورضي بعضهم صح سقط حق الباقين في الاعتراض وإن كان الحق للأقرب دون غيره فإن لم يكن لها أولياء من العصب صح العقد ونفذ على أي حال
وهل يشترط أن ينطق الولي بالرضاء أو يكفي سكوته ؟ الجواب : أن سكوته قبل ولادتها وقبل أن يظهر حملها لا يكون رضا كما تقدم فلا يسقط حقه إلا إذا صرح بالرضا وأيضا لا بد أن يعلم بعين الزوج فإذا رضي بزوج مجهول لا يصح إلا إذا أسقط حقه بأن قال لها : رضيت بما تفعلين أو رضيت بمن تزوجين منه نفسك أو افعلي ما تحبين أو نحو ذلك
هذا في أنواع الكفاءة المذكورة أما العيوب التي توجد في الزوج ويفسخ بها العقد كالجذام والجنون والبرص والبخر ونحو ذلك مما سيأتي فإنها من حق الزوجة وحدها فلها طلب التفريق والفسخ دون الولي
وهل العقل معتبر في الكفاءة أو لا ؟ قالوا : لا نص فيه عن المتقدمين أما المتأخرون فمختلفون فيه والصواب أن المجنون لا يكون كفأ للعاقلة وللولي حق الاعتراض والفسخ لأن الجنون يترتب عليه من الفساد والشر ما لا يترتب على غيره بل قد يتعير الناس بالمجنون أكثر مما يتعيرون بالفقير
أما قبح المنظر فليس بعيب فإذا كانت جميلة وهو قبيح المنظر فليس لها ولا لوليها حق المطالبة بالفسخ وأما الجواب عن الأخير فهو أن الكفاءة معتبرة في جانب الرجل لا في جانب المرأة فللرجل أن يتزوج من يشاء ولو أمة أو خادمة لأن الناس لا يتعيرون بافتراش الأمة والمرأة الدنيئة وقد جرى العرف على ذلك في كل زمان ومكان نعم يعتبر الكفاءة في المرأة بالنسبة للغلام الصغير إذا زوجه والده ممن هي دونه فإن له حق الفسخ بعد البلوغ كما تقدم
المالكية - قالوا : الكفاءة في النكاح المماثلة في أمرين : أحدهما التدين بأن يكون مسلما غير فاسق ثانيهما السلامة من العيوب التي توجب للمرأة الخيار في الزوج كالبرص والجنون والجذام والثاني حق المرأة لا الولي أما الكفاءة في المال والحرية . والنسب والحرفة فهي معتبرة عندهم فإذا تزوج الدنيء - كالمسلماني - شريفة فإنه يصح وإذا تزوج الحمال أو الزبال شريفة أو ذات جاه فإنه يصح وهل العبد كفء للحرة ؟ قولان مرجحان وبعضهم يفصل فيقول : إن كان الرقيق أبيض يكون كفأ وإن كان أسود فلا لأنه يتعير به
ثم إن الكفاءة تعتبر في اليتيمة التي زوجها ولي غير مجبر عند خوف الفساد بالشروط المتقدمة فإن من بين هذه الشروط أن تزوج من كفء فلا يصح زواجها من فاسق شريب أو زان أو نحوهما ولا من زوج به عيوب منفرة بل لا بد من أن يكون مساويا لها في أوصاف الكمال وأن يكون الصداق مهر مثلها . قالوا : فإذا زوجت من غير مراعاة الكفاءة ونحوها من الشروط فسخ العقد إن لم يدخل بها الزوج أو دخل بها ولكن لم يطل الزمن أما إذا دخل وطال الزمن بأن مضى عليها ثلاث سنين أو ولدت ولدين في زمنين مختلفين لا في بطن واحدة فإنه لا يفسخ وهذا هو المشهور . وقيل : يفسخ مطلقا
وكذا إذا زوج الحاكم امرأة غير رشيدة غاب عنها وليها فإنه لا يجوز له أن يزوجها إلا بعد أن يثبت لديه أن الزوج كفء لها في الدين والحرية والحال ومهر المثل على الوجه الذي بيناه أما الرشيدة المالكة أمر نفسها فإنه يزوجها بدون أن يثبت عنده ذلك لأنها هي صاحبة الحق فيه فلها إسقاطه متى رضيت بالزوج على أنهم قالوا : إذا زوج الحاكم غير الرشيدة من غير بحث فإن العقد يصح ما لم يبطله شيء آخر
ومع هذا فإن للولي وللزوجة ترك الكفاءة في الدين والحال فتتزوج من فاسق بشرط أن يكون مأمونا عليها . فإن لم يكن مأمونا عليها رده الحاكم وإن رضيت به حفظا للنفوس وإذا رضي الولي بغير كفء فطلقها ثم أراد أن يرجع لها ثانيا ورضيت به فليس للولي الامتناع ثانيا
وإذا أراد الأب أن يزوج ابن أخيه الفقير ابنته الموسرة فهل لأمها الاعتراض أو لا ؟ خلاف في هذه المسألة وقواعد المذهب تفيد أن ليس لها اعتراض إلا إذا خيف عليها الضرر
الشافعية - قالوا : الكفاءة أمر يوجب عدمه عارا . وضابطها مساواة للزوجة في كمال أو خسة ما عدا السلامة من عيوب النكاح فإن المساواة فيها لا توجب أن يكون كل منهما كفأ لصاحبه فإن كان كل منهما أبرص أو مجذوما كان لكل منهما حق طلب الفسخ ولا يقال : إنهما متساويان في العيب لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكره من نفسه
وتعتبر الكفاءة في أنواع أربعة : النسب . والدين . والحرية . والحرفة فأما النسب صنفان : عربي وغير عربي - وهو الأعجمي - والعربي قسمان : قرشي وغير قرشي فالقرشيون أكفاء لبعضهم بعضا إلا إذا كانوا من بني هاشم وعبد المطلب فإن غيرهم من قريش ليس كفأ لهم وباقي العرب ليسوا أكفاء لقريش ولكنهم أكفاء لبعضهم بعضا والعجم ليسوا أكفاء للعرب ولو كانت أمهاتهم من العرب
ثم إن المرأة إذا كانت تنتسب إلى شخص تشرف به وجب أن يكون
الزوج منتسبا إلى مثل هذا الشخص سواء كانا من العجم أو من العرب
وحاصله أن الكفاءة تعتبر أولا في النوع بمعنى أن العرب نوع والعجم نوع ثم ينقسم العرب إلى قرشيين وغيرهم فالقرشيون أفضلهم على أن بينهما تفاوتا أيضا وهو أن بني هاشم والمطلب أفضل من الباقين ومتى تحققت الكفاءة في النوع لزم أن تتحقق أيضا في شخص الزوجين فإذا كانت الزوجة منتسبة إلى شخص تشرف به وجب أن يكون الزوج كذلك منتسبا إلى مثل من تنسب إليه والعبرة في النسب للآباء لا للأمهات إلا في بنات فاطمة رضي الله عنها فإنهن منسوبات إلى النبي صلى الله عليه و سلم وهن أرقى الأنواع من عرب وعجم [ يتبع . . .]
وما قيل في العرب يقال في العجم فيقال : الفرس مثلا أفضل من النبط وبنو إسرائيل أفضل من القبط فإذا كانت المرأة تنتسب إلى عظيم وجب أن يكون الرجل مثلها منتسبا إلى عظيم مكافئ وقيل : لا يعتبر هذا التفاوت في العجم
وأما الدين فإنه ينبغي أن يكون الرجل مساويا للمرأة في العفة والاستقامة فإن كان فاسقا بالزنا فإنه لا يكون كفأ للعفيفة حتى ولو تاب وحسنت توبته لأن التوبة من الزنا لا تمحو عار السمعة السيئة وإن كان فاسقا بغير الزنا كالخمر والزور ثم تاب فقيل يكون كفأ للمستقيمة وقيل : لا وبه أفتى بعضهم أما إذا كانت فاسقة مثله فإنه يكون كفأ كزانية لزان فإن زاد فسقه أو اختلف نوعه فإنه لا يكون كفأ لها وإذا كان محجورا عليه لسفه فإنه ليس كفأ للرشيدة
يعتبر في الدين إسلام الآباء فمن كان أبوها مسلما لا يكون كفأ لها من أبوه غير مسلم ومن له أبوان في الإسلام لا يكون كفأ لمن لها ثلاثة آباء ويستثنى من ذلك الصحابي فإنه كفء للتابعية وإن كانت لها آباء أكثر لنص الحديث وهو أن الصحابة أفضل من غيرهم
وأما الحرية فإن كان فيه شائبة رق لا يكون كفأ للسليمة ويعتبر في ذلك الآباء لا الأمهات فمن ولدته رقيقة ليس كفأ لمن ولدتها عربية
وأما الحرفة . فإن أرباب الحرف الدنيئة في العرف كالكناس والحجام والحارس ومكيسي الحمام ويسمى بالبلان ليس كفأ لصاحبة الحرفة الشريفة كالخياطة أو من أبوها خياط أو صانع كهرباء أو نحو ذلك من المهن الشريفة وصاحب المهنة ليس كفأ لبنت التاجر وابن التاجر ليس كفأ لبنت العالم أو القاضي نظر للعرف في ذلك أما المال فإنه لا يعتبر في الكفاءة فإذا تزوج الفقير غنية كان كفأ لها ولا يقابل بعض هذه الخصال ببعض مثلا إذا كانت المرأة حرة فاسقة والرجل رقيقا صالحا فإنه لا يصح أن يقابل الرق بالفسق فيتساقطا وكذلك إذا كانت عربية فاسقة والرجل أعجمي صالح فإنه لا تقابل أعجميته بفسقها وهكذا
وهي شرط لصحة النكاح حيث لا رضا وهي من حق المرأة والولي معا فإذا لم يرضيا بالزوج الذي لم تتوفر فيه الكفاءة على الوجه المتقدم لا يصح العقد وقد تقدم أنها شرط لصحة عقد الولي المجبر فإذا زوج الأب ابنته جبرا اشترط أن يزوجها من كفء فإذا رضيت صح وسقط حقها ولكن الرضا بغير الكفء يشترط فيه النطق والكلام إذا كانت المرأة ثيبا فإن كانت بكرا فقيل : يكفي سكوتها مطلقا سواء كان مزوجها مجبرا أولا وقيل : لا يكفي إذا كان غير مجبر بل لا بد من نطقها وتصريحها بالرضا
ثم إن الحق للمرأة ولوليها الأقرب لا الأبعد ويشتركان في الأنواع المتقدمة ما عدا الجب . والعنة فإن هذا العيب من حق المرأة وحدها فإذا رضيت بزوج مجنون أو عنين ولم يرض الولي صح ولا عبرة برضاه لأن هذا شيء يختص بها دونه ثم إذا رضيت بزوج وهي تظن أنه كفء فبان أنه رقيق وهي حرة أو به عيب فإن لها الحق في الخيار وللولي حق الاعتراض ولا يضره مباشرة العقد وإنما يسقط حقهما إذا علما بالغيب ورضيا
هذا والكفاءة معتبر من جانب الزوجة أما الزوج فله أن يتزوج الأمة والخادمة . لأن الناس لا يتعيرون بافتراش من هي أدنى منهم ويصح أن يزوج الأب غلامه الصغير امرأة لا تكافئه ولكن يثبت له الخيار بعد البلوغ على أنه لا يصح له أن يزوجه أمه أو عجوزا شرهاء أو عمياء وإن كان ذلك ليس بعيب يفسخ
الحنابلة - قالوا : الكفاءة هي المساواة في خمسة أمور : الأول الديانة فلا يكون الفاجر الفاسق كفأ للصالحة العدل العفيفة لأنه مردود الشهادة والرواية وذلك نقص في إنسانيته . والثاني : الصناعة فلا يكون صاحب الصناعة الدنيئة كفأ لبنت صاحب الصناعة الشريفة فالحجام والزبال لا يكونان كفأ لبنت التاجر والبزاز الذي يتجر في القماش . الثالث : اليسار بالمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة فلا يكون المعسر كفأ للموسرة وضبط بأن لا تتغير حالها عنده عما كانت عليه في بيت أبيها . الرابع : الحرية فلا يكون العبد والمبعض كفأ للحرة . الخامس : النسب فلا يكون العجمي - وهو ليس من العرب - كفأ للعربية فإذا زوجها الولي من غير كفء وبغير رضاها كان آثما ويفسق به الولي



مبحث عد المحرمات اللاتي لا يصح العقد عليهن


- قد عرفت مما مضى أن من شرائط النكاح المتفق عليها أن تكون المرأة محلا صالحا للعقد عليها فلا يصح العقد على امرأة حرمت عليه لسبب من الأسباب وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين :
الأول : ما يجب الحرمة المؤبدة
الثاني : ما يوجب الحرمة المؤقتة بحيث لو زال السبب عاد الحل
والأسباب التي توجب الحرمة المؤبدة ثلاثة : القرابة المصاهرة الرضاع
فأما القرابة فيحرم بها على التأبيد ثلاثة أنواع :
النوع الأول : أصول الشخص وفروعه فأما أصوله فهن أمهاته فتحرم عليه أمه التي ولدته وجدته من كل جهة سواء كانت لأمه أو لأبيه وإن علت . وأما فروعه فهي بناته وبنات بناته وبنات أبنائه وإن نزلن
النوع الثاني : فروع أبويه وهن أخواته فتحرم عليه أخته من كل جهة أي سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم كما يحرم عليه بناتها وبنات أبنائها . وبنات أخيه وإن نزلن
النوع الثالث : فروع أجداده وجداته وهن عماته وخالاته سواء كن شقيقات أولا
وإلى هنا ينتهي التحريم فلا تحرم عليه بنات عماته ولا بنات خالاته ولا بنات عمه ولا بنات خاله فلا يحرم من فروع الجدات إلا البطن الأولى
أما المصاهرة فيحرم بها ثلاثة أنواع أيضا :
النوع الأول : فروع نسائه المدخول بهن فيحرم عليه أن يتزوج بنت امرأته وهي ربيبته سواء كانت في كفالته أولا . أما قوله تعالى : { في حجوركم } فإنه بيان للشأن فيها فكأنه يقول له : إنها كبنتك التي تربت في حجرك وكذا يحرم عليه أن يتزوج بنت ربيبته ولا بنت بنتها وإن نزلت . أما إذا عقد على أمها ولم يدخل بها فإن البنت لا تحرم عليه
النوع الثاني : أصول نسائه فيحرم عليه أن يتزوج أم امرأته وأم أمها وجدتها بمجرد العقد على البنت وإن لم يدخل بها ولذا قيل : العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول بالأمهات يحرم البنات
ولعل السر في ذلك أن البنت في حال صباها وأول حياتها تكون علاقتها بالرجل أشد وغيرتها عليه أعظم فينبغي أن يكون العقد عليها قاطعا لمطمع أمها حتى لا يحدث ضغينة وحقدا تنقطع به صلات المودة بخلاف الأم فإنه يسهل عليها أن تنزل عن رجل لم يباشرها لبنتها التي تحبها حبا جما فلا تنقطع بينهما علائق المودة النوع الثالث : موطوءات الآباء
وأما الرضاع فإنه يحرم به ما يحرم بالنسب إلا في بعض أمور سيأتي بيانها في مبحثه . فهذه هي موجبات التحريم المؤبد وأما موجبات التحريم المؤقت فهي أمور : أحدها : زواج المحرم فلا يحل للشخص أن يجمع بين الأختين أو بين الأم وبنتها أو نحو ذلك مما سيأتي
ثانيها : الملك فلا يحل للمرأة أن تتزوج عبدها . ولا للرجل أن يتزوج أمته إلا بعد العتق
ثالثها : الشرك فلا يحل لمسلم أن يتزوج مشركة غير متدينة بدين سماوي
رابعها : التطليق ثلاث مرات فإنه يوجب التحريم إلا إذا تزوجت غيره
خامسها : تعلق الغير بنكاح أو عدة فإذا زالت هذه الأسباب عاد له الحل ومن ذلك ما إذا زاد على أربع أو عقد على خامسة قبل أن تنقضي عدة الرابعة


مبحث فيما تثبت به حرمة المصاهرة


- المصاهرة : وصف شبيه بالقرابة ويتحقق في أربع : إحداها زوجة الابن وهي تشبه البنت . ثانيهما : بنت الزوجة وهي تشبه البنت أيضا ثالثها : زوجة الأب وهي تشبه الأم رابعها : أم الزوجة وهي تشبه الأم أيضا ولا خلاف في أن زوجة الابن وزوجة الأب وأم الزوجة يحرمن بالعقد الصحيح فإذا عقد الأب على امرأة حرمت على ابنه وابن ابنه وإن نزل وإن لم يدخل بها وإذا عقد الابن على امرأة حرمت على أبيه وجده وإن علا كما تحرم على ابنه وإن نزل وإن لم يدخل بها أما بنت زوجة الأب من غير الأب فإنها لا تحرم على الابن وبنت زوجة الابن لا تحرم على الأب وبنت زوج الأم لا تحرم على ابنه ولا أمه . ولا أم زوجة الأب ولا أم زوجة الابن . ولا زوجة الربيب فمن كان متزوجا بامرأة لها ابن من غيره وله مطلقة فإنها تحل لزوج أمه وإذا عقد الشخص على امرأة حرمت عليه أمها وأم أمها وإن علت سواء دخل بها أو لم يدخل . أما بنتها فإنها لا تحرم إلا بالدخول كما عرفت
فحرمة المصاهرة تثبت بالعقد الصحيح بدون كلام
أما العقد الفاسد أو الوطء بشبهة أو زنا ففي التحريم به اختلاف - المذاهب [1]



[1] الحنفية - قالوا : العقد الفاسد لا يوجب حرمة المصاهرة فمن عقد على امرأة عقدا فاسدا لا تحرم عليه أمها وأما الذي يوجب حرمة المصاهرة فهو أربعة أمور :
أحدها : العقد الصحيح . ثانيها : الوطء سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو زنا . ثالثها : المس . رابعها : نظر الرجل إلى داخل فرج المرأة ونظر المرأة إلى ذكر الرجل
ويشترط في الوطء ثلاثة أمور : أن تكون الموطوءة حية فلو وطئ ميتة لا تحرم بنتها . أو تكون مشتهاة وهي من كان سنها تسع سنين فأكثر فإذا تزوج صغيرة ووطئها ثم طلقها وتزوجت غيره بعد انقضاء عدتها وجاءت منه ببنت فإن للزوج الأول أن يتزوج هذه البنت لأنه وطئ أمها وهي صغيرة مثل ذلك ما لو زنا بصغيرة من باب أولى وكذلك تشترط الشهوة في التحريم بوطء الذكر فإذا وطئ غلام مراهق امرأة أبيه فإنها لا تحرم الشرط الثالث : أن يكون الوطء في القبل لا في الدبر . فمن وطئ امرأة في دبرها فإنه لا تحرم عليه أصولها و فروعها ومن باب أولى ما إذا لاط برجل فإن بنته لا تحرم عليه ولا يقال : إن الحنفية أوجبوا التحريم بالنظر والمس وبديهي أن الوطء في دبر المرأة فيه لذة مستكملة فوق المس والنظر لأنا نقول : إن التحريم بالمس والنظر لكونهما سبيلا للوطء في القبل الذي توجب التحريم فحيث يتبين أنهما لا يفضيان إلى ذلك فلا يحرمان ولذا اشترط في التحريم بهما أن لا ينزل بهما فإذا أنزل تبين أنهما لم يفضيا إلى الوطء المحرم
ولا يشترط في الوطء الموجب للتحريم أن يكون جائزا بل تثبت حرمة المصاهرة بوطء الحائض والنفساء وبوطئها وهو محرم بالنسك أو صائم أو نحو ذلك
ويشترط في المس شروط : أحدها أن يكون بدون حائل أو بحائل خفيف لا يمنع الحرارة ثانيها : أن يكون لغير الشعر المسترسل - وهو النازل - فإذا مسه بشهوة فإنه لا يحرم أما مس الشعر الملاصق للرأس فإنه يحرم على الراجح . ثالثها : أن يكون المس بشهوة وحد الشهوة في مس الرجل للمرأة أن تتحرك آلته أو تزيد حركتها إذا كانت متحركة من قبل مسها وحدها إذا مست المرأة الرجل أن يتحرك قلبها وتشعر باللذة ومثل المرأة الشيخ الكبير رابعها : أن يغلب على ظن الرجل صدق المرأة إذا أخبرته أنها تلذذت بمسه و يغلب على أب الرجل وابنه صدقه في قوله إنه تلذذ بمسها وإلا فلا تحرم . خامسها : أن تكون اللذة مقارنة للمس فإذا مسها بدون لذة ثم وجد اللذة بعد فلا تحرم . سادسها : أن لا ينزل بالمس كما عرفت . سابعها : أن لا تكون الممسوسة دون تسع سنين وأن يكون الماس له شهوة فإذا كانت صغيرة أو كانت كبيرة والماس مراهقا فإنه لا يحرم
ويشترط في النظر أمور : الأول أن يكون إلى داخل الفرج المدور خاصة على الراجح وهذا لا يكون إلا إذا كانت متكئة فلو كانت واقفة أو جالسة غير مستندة فإنه لا يرى وإذا كانت الناظرة المرأة فالشرط أن تنظر إلى الذكر خاصة أما النظر إلى باقي بدنها أو بدنه فإنه لا يوجب التحريم . والثاني أن يكون النظر بشهوة مقارنة له كما في اللمس وحد الشهوة هنا كحدها في اللمس على الراجح . الثالث : أن يرى نفس الفرج لا صورته المنطبعة في مرآة أو ماء فلو كانت متكئة و رأى صورة فرجها الداخل في المرآة بشهوة فإنها لا تحرم و كذا لو كانت كذلك على شاطئ ماء أما إذا كانت موجودة في ماء صاف فرآه و هي في نفس الماء فإن الرؤيا على هذا تحرم لأنه رآه بنفسه لا بصورته . الرابع أن تكون الشهوة مقارنة لنفس النظر . الخامس : أن لا ينزل كما تقدم في اللمس . السادس : أن لا تكون المنظورة صغيرة لا تشتهى أو ميتة أو يكون الناظر مراهقا كما تقدم ولا فرق بين اللمس والنظر بشهوة بين عمد ونسيان وإكراه فالكل تثبت به حرمة المصاهرة . أما الزنا فإنه عبارة عن وطء مكلف في فرج امرأة مشتهاة خال عن الملك وشبهته وتثبت به حرمة المصاهرة نسبا ورضاعة فمن زنى بامرأة حرمت على أصوله وفروعه فلا تحل لأبيه ولا لابنه ويحرم على الزاني أصولها وفروعها فلا يحل له أن يتزوج بنتها سواء كانت متولدة من مائه أو من غيره وبنت بنتها وهكذا كما يحرم عليه أن يتزوج أمها وجدتها وهكذا وله أن يتزوج أختها وتحل أصولها وفروعها لأصول الزاني وفروعه فيجوز لابنه أن يتزوج بنتها . وبشرط أن لا تكون متولدة من ماء زنا أبيه ولا راضعة من لبنه الناشئ بسببه فإذا زنى بامرأة فحملت سفاحا وولدت ثم أرضعت صبيه بلبنها فإنه لا يحل لهذا الزاني أن يتزوجها لأنها بنته من الرضاع . وكذا لا تحل لأصوله ولا لفروعه . ومثلها بنته المتولدة من الزنا : فإنها تحرم عليه وعلى أصوله وفروعه وذلك لأنها بنته جزء منه سواء كانت متولدة من مائه أو كانت راضعة لبن امرأته منه ولذا لا تحرم على عمه أو خاله لانتفاء الجزئية فيهما ولم يثبت نسبها من الزاني حتى تحرم على العم والخال
هذا وبذلك يتضح أن الدخول بالمرأة المتوقف عليه تحريم ابنتها لا يشترط فيه الوطء بل يكفي فيه اللمس بشهوة والنظر بشهوة بالشروط المتقدمة
الشافعية - قالوا : العقد الفاسد يوجب حرمة المصاهرة فيمن اشترط في تحريمها الوطء كالأم فإن بنتها لا تحرم إلا بوطئها فإذا عقد عليها عقدا فاسدا ثم وطئها بناء على ذلك العقد حرمت بنتها أما التي تحرم بمجرد العقد فإنه يشترط في تحريمها أن يكون العقد صحيحا - كالبنت - فإن أمها تحرم بمجرد العقد عليها بشرط أن يكون صحيحا فإذا عقد على البنت عقدا فاسدا ولم يدخل بها لم تحرم أمها نعم إذا وطئها بعد ذلك العقد الفاسد حرمت أمها بالوطء ولو في الدبر
ومثل ذلك زوجة الأب فإنها تحرم بمجرد العقد فيشترط في تحريمها بمجرد العقد أن يكون العقد صحيحا أما إذا دخل عليها ووطئها فإنها تحرم بالوطء ولو كان العقد فاسدا وكذا زوجة الابن فإنها تحرم بمجرد العقد فيشترط أن يكون صحيحا على الوجه المتقدم
ومن هذا تعلم أن الذي يقع به التحريم شيئان : إما العقد الصحيح وإما الوطء سواء كان بعقد صحيح أو فاسد أو كان وطئها بشبهة ولو في دبر المرأة ومثل الوطء استدخال مائه المحترم ومعنى هذا أنه إذا جامع امرأة بعقد صحيح ثم أنزل فيها كان ماؤه محترما أي لم يكن حاصلا من زنا فإذا فرض وساحقت امرأته امرأة أخرى وأنزلت فيها هذا الماء وحملت منه كان ابنه فإذا أنزلته في زوجة له لم يدخل بها حرمت عليه بنتها لأنه يعتبر دخولا . أما الزنا فإنه لا يوجب حرمة المصاهرة على أي حال لأنها نعمة من الله لا يصح زوالها بذلك الفعل المحرم وكما لا يحرم الزنا لا يحرم المس ولا النظر بشهوة على أي حال
ومثال الوطء بشبهة أن يجامع امرأة يظنها امرأته وهي ليست كذلك ويقال لهذه الشبهة : شبهة الفاعل . ولا يوصف الفعل الواقع بها بحل ولا حرمة ويثبت بوطء الشبهة النسب وتلزم به العدة
هذا ويجوز للرجل أن يتزوج بنته المخلوقة من مائه زنا فإذا زنا بامرأة وحملت منه سفاحا وجاءت ببنت فإنها لا تحرم عليه لأن ماء الزنا لا حرمة له وكما تحل له تحل لأصوله وفروعه ولكن يكره له نكاحها بخلاف الأم الزانية فإنها كسائر الأمهات في الحرمة على أبنائهن لأن نسبه ثابت منها ويتوارثان
المالكية - قالوا : تثبت حرمة المصاهرة بالعقد الفاسد والعقد الفاسد نوعان : مجمع على فساده وغير مجمع على فساده في المذاهب الأخرى وهذا لا ينشر الحرمة إلا بالوطء ومقدماته وذلك كنكاح امرأة معتدة وهو غير عالم أو نكاح أخته رضاعا بدون علمه فإن النكاح فاسد بالإجماع ويدرأ الحد عن الفاعل لأن فيه شبهة . وهذا العقد لا يحرم إلا بالوطء أو مقدماته أما العقد الذي لم يجمع على فساده بأن قال به بعض العلماء ولو في مذهب غير مذهب المالكية كنكاح المحرم بالنسك فإنه صحيح عند الحنفية فاسد عند المالكية وكذلك نكاح المرأة نفسها بدون ولي ونحوه فإنه ينشر حرمة المصاهرة كالصحيح
ومن الفاسد النكاح الموقوف على إجازة الغير فإذا زوج الرجل ابنه العاقل البالغ بغير إذنه وهو غائب فلم يرض الابن بالزواج ورد النكاح كان هذا من القسم الثاني فيحرم به ما يحرم بالعقد الصحيح ولا يشترط أن يكون العقد بين كبيرين بل يحرم العقد على الصغيرة للصغير
أما الزنا فإن المعتمد أنه لا ينشر الحرمة فمن زنى بامرأة فإن له أن يتزوج بأصولها وفروعها ولأبيه وابنه أن يتزوجها وفي تحريم البنت المتخلقة من ماء الزنا على الزاني وأصوله و فروعه خلاف والمعتمد الحرمة فإذا زنى بامرأة فحملت منه سفاحا ببنت وجاءت بها فهي محرمة عليه وعلى أصوله وفروعه ولو رضعت من لبنها بنت كانت محرمة أيضا لأنه لبنه الذي جاء بسبب وطئه الحرام
وبعضهم يقول : إن المتخلقة من ماء الزنا لا تحرم - كما يقول الشافعية - لأنها لم تعتبر بنتا بدليل أنه لا توارث بينهما ولا يجوز له الخلوة بها وليس له إجبارها على النكاح باتفاقهم فكيف تعتبر بنتا محرمة وكيف يكون لبن أمها محرما ؟ وهذا القول وجيه وإن لم يكن معتمدا ومثل بنت الزنا ابن الزنا فإذا جاءت منه بولد حرم عليه أصول أبيه وفروعه وتجوز المخلوقة من ماء زنى الأخ لأخيه وإذا زنى بها وهي حامل فقيل : لا تحرم وقيل : تحرم لأنه سقاها بمائه ولكن المشهور أنها لا تحرم
هذا ولا يشترط في الدخول بالأمهات الوطء بل يكفي التلذذ بها ولو بعد موتها ويتحقق التلذذ بالنظر إلى داخل جسمها إن وجدت اللذة وإن لم يقصدها أما إن قصد ولم يجد فلا تلذذ فمن عقد على امرأة ولو عقدا فاسدا وتلذذ على هذا الوجه حرمت عليه بنتها وبنت بنت بنتها وإن سفلت كما حرمت عليه أصولها ولا يحرم النظر إلى وجهها ويديها : وإنما يحرم تقبيل الوجه أو اليد أو الفم أو لمسها بشهوة
الحنابلة - قالوا : تثبت حرمة المصاهرة بالعقد الفاسد فإن العقد الفاسد عندهم تثبت به أحكام النكاح ما عدا الحل والإحصان والإرث و تصنيف الصداق بالفرقة قبل المسيس فلا يترتب على النكاح الفاسد حل وطء المرأة المعقود عليها . ولا إحلالها لمطلقها ثلاثا . ولا توصف بالإحصان كما لا يوصف الزوج به ولا يتوارثان به وإذا طلقها قبل الدخول والمسيس لا تستحق نصف الصداق أما ما عدا ذلك من نشر حرمة المصاهرة وغيرها فإنها تثبت به . وهذا هو ظاهر المذهب . وبعضهم يقول : لا تثبت حرمة المصاهرة والمحرمات بالعقد سواء كان صحيحا أو فاسدا : زوجة الأب وإن علا . وزوجة الابن وإن سفل وأم زوجته من نسب أو رضاع وإن علت كما هو مبين في أسفل صحيفة 61
وأما الوطء المحرم لغير من ذكرن فيشترط فيه أن يكون وطأ في فرج أصلي أما فرج الخنثى والفرج غير الأصلي إن فرض وجود فرجين للمرأة فإنه لا يحرم أو يكون في دبر سواء كان الموطوء أنثى أو رجلا أو أمة فلا تحل للائط والملوط به أم الآخر ولا بنته فهو ينشر الحرمة كوطء المرأة بلا فرق وهذا هو المنصوص ولكن قال في شرح المقنع : الصحيح أن اللواط لا ينشر الحرمة لأن النصوص عليه في آية التحريم إنما هو البنت لا الولد فتدخل أم الملوط أو اللائط في عموم قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم }
ويشترط أن يكون الفاعل ابن عشر سنين وأن يغيب حشفة ذكره في الفرج الحقيقي أو الدبر وأن تكون الموطوءة بنت تسع سنين فإن كانا أقل من ذلك فلا تثبت به حرمة المصاهرة فإذا أدخل غلام سن ثمان سنين حشفته في فرج امرأة كبيرة لا تثبت به حرمة المصاهرة وكذا إذا غيبها كبير في فرج بنت دون تسع وأن تكون الموطوءة والواطئ حيين فإن وقع شيء من ذلك حال الموت لا يؤثر
ولا خلاف في أن الوطء الحلال تثبت به حرمة المصاهرة أما وطء الشبهة والزنا فإنه تثبت به حرمة المصاهرة على الصحيح من المذاهب فمن زنى بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها وحرمت على أبيه وابنه كذا إذا جامعها بشبهة كأن ظن أنها امرأته فبانت أنها غيرها فالموطوءة بهذه الشبهة تحرم على أصول الرجل وفروعه كما تحرم فروعها كذلك
ويشترط في الدخول على الأمهات الوطء فلا تحرم الربيبة بالعقد سواء كان صحيحا أو فاسدا ولا تحرم بالخلوة ولا بالتلذذ فيما دون الفرج فلا يحرم النظر بشهوة ولا اللمس ولا القبلة ولا مقدمات الجماع كلها وإنما الذي يحرم نفس الوطء . وقد عرفت أنه يحرم إذا كان وطأ بشبهة أو بعقد صحيح أو فاسد أو زنا على الصحيح



مبحث المحرمات بالجمع


- يحرم الجمع بين اثنين إذا فرضت كل واحدة منهما ذكرا حرم النكاح بينهما فيحرم الجمع بين الأختين [1] : لأننا إذا فرضا واحدة منهما رجلا فإنه لا يجوز له أن يتزوج أخته وكذلك الجمع بين البنت وعمتها أو خالتها فإننا لو فرضنا واحدة منهما ذكرا لم يحل له أن ينكح الأخر فلو فرضنا العمة ذكرا كانت عما لا يجوز له نكاح بنت أخيه ولو فرضنا البنت ذكرا كانت الأخرى عمته فلا تحل له ولو فرضنا الخالة ذكرا كان خالا لا يجوز له نكاح بنت أخته وإذا فرضنا البنت ذكرا كانت الأخرى خالته لا تحل له وهكذا وعلى هذا يصح الجمع بين امرأة وبنت زوجها فإذا كان لشخص زوجة وله بنت من غيرها ثم طلقها أو مات عنها صح لآخر أن يتزوجها هي وبنت ذلك المطلق لأننا إذا فرضنا المرأة ذكرا كانت البنت أجنبية منه وله أن يتزوجها وكذا إذا فرضنا البنت ذكرا . ومثل بنت الزوج أم الزوج فيجوز الجمع بينها و بين الزوجة لأنهما أجنبيان عن بعضهما بعد الطلاق أو الموت
وكذلك لا يجوز الجمع بين عمتين لبعضهما أو خالتين كذلك وصورة الأولى : أن يتزوج رجلان كل واحد منهما أم الآخر فتلد له بنتا فتكون كل من البنتين عمة للأخرى لأنها تكون أخت أبيها لأمها فإذا تزوج زيد أم عمرو وجاءت منه ببنت كانت البنت أختا لعمرو من أمه فإذا تزوج عمرو أم زيد وجاءت منه ببنت كانت البنت أختا لزيد من أمه فكلتا البنتين أخت لأب الأخرى فتكون عمة للأخرى فلا يحل الجمع بينهما
وصورة الثانية : أن يتزوج كل من الرجلين بنت الآخر فإذا تزوج زيد زينب بنت عمرو فولدت له هندا كان عمرو جد هند لأمها فإذا تزوج عمرو فاطمة بنت زيد فولدت له فريدة خالة هند أخت أمها زينب بنت عمرو وكانت هنا خالة فريدة أخت أمها فاطمة بنت زيد
وكذا يحرم الجمع بين العمة والخالة وصورتهما أن يتزوج الرجل امرأة ويزوج ابنه أمها وتلد كل واحدة منهما بنتا فتكون بنت الابن خالة بنت الأب أخت أمها وتكون بنت الأب عمة بنت الابن أخت أبيها . وقد قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم : " لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى " رواه أبو داود وغيره . وقال الترمذي : حسن صحيح
فإذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما فسخ العقد على تفصيل في المذاهب
هذا ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب إلا في أمور سيأتي بيانها في مباحث الرضاع




[1] الحنفية - قالوا : إذا جمع بين أختين ونحوهما ممن لا يحل الجمع بينهما فلا يخلو إما أن يجمع بينهما في عقدين متفرقين أو يجمع بينهما بعقد واحد فإن جمع بينهما في عقد واحد يفرق بينهما وبينه فإن كان قبل الدخول فلا شيء لهما وإن كان بعد الدخول فإن كان سمى لكل واحدة منهما مهرا فإن كان أقل من مهر مثلها أخذته وإن كان أكثر من مهر المثل أخذت مهر المثل فبالدخول تستحقان المهر الأقل فإن كان المسمى أقل أخذتاه وإن كان مهر المثل أقل أخذتاه أما إذا جمع بينهما في عقدين فلا يخلو إما أن يكون عالما بالعقد الأول من العقدين أو لا فإن كان عالما به صح نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية فيفترض عليه أن يفارقها فإن لم يفعل وعلم القاضي وجب عليه أن يفرق بينهما ثم إن كانت الفرقة قبل الدخول فلا شيء لها ولا يترتب على العقد حكم أما إذا كانت بعد الدخول والوطء فإنه يتقرر لها الأقل من مهر المثل والمهر المسمى كما تقدم وعليها العدة و يثبت النسب له . وفي حالة وطء الثانية يجب عليه أن لا يطأ الأولى التي وقع عقدها صحيحا فإنها تصير محرمة عليه إلى أن تنقضي عدة أختها أما إذا لم يطأ الثانية فإن له أن يطأ التي صح نكاحها لأن مجرد العقد الفاسد لا يترتب عليه شيء قبل الوطء
فإذا لم يكن عالما بالعقد الأول بل نسيه ولم يمكنه البيان فإنه يفترض عليه أن يفارق الاثنتين فإن لم يفعل وعلم القاضي وجب عليه أن يأمر الزوج بالبيان فإذا لم يبين فرق بينهما ويكون تفريق القاضي طلاقا ينقص به عدد الطلقات ثم إذا أراد أن يتزوج واحدة منهما فإن كان قبل الدخول فإن له ذلك فورا وإن كان بعد الدخول فإنه لا يصح إلا بعد انقضاء عدتهما وإذا انقضت عدة إحداهما دون الأخرى صح له أن يتزوج التي لم تنقض عدتها لأنه إذا تزوج التي انقضت عدتها كان جامعا بين الأختين لأنه يشترط لصحة العقد على الأخت انقضاء عدة الأخت المطلقة
أما المهر للمعقود عليهما بعقدين لم يعلم السابق منهما فلا يخلو حاله من أن تكون الفرقة قبل الدخول أو بعده وفي كلتا الحالتين إما أن يكون قد سمى لكل واحدة مهرا أو لا فإن كانت الفرقة قبل الدخول كان لهما معا نصف المهر بشرطين :
الشرط الأول : أن يسمي لهما مهرا في العقد
الشرط الثاني : أن يكون المهر المسمى لكل واحدة منهما مساويا لمهر الأخرى . فإن لم يسم مهرا أصلا لا يستحقان مهرا وإنما يستحقان متعة - وسيأتي بيان المتعة في الصداق - وإن سمى لكل منهما مهرا يخالف مهر الأخرى استحقت كل واحدة منهما ربع مهرها المسمى
أما بعد الدخول بهما فإن مهرهما صار لازما مقررا ولكن كيف تستحقان المهر ؟ إن هذه المسألة تشتمل على نكاح صحيح ونكاح فاسد بلا شك ولكن لا يدري أيتهما صاحبة العقد الصحيح ومعلوم أن العقد الصحيح يستلزم كل المهر المسمى أو مهر المثل عند عدم التسمية والعقد الفاسد يستلزم العقر - والعقر هو صداق المرأة إذا نكحت بشبهة
فالمراد بالعقر ما يترتب على الوطء بشبهة النكاح الفاسد وهو الأقل من المسمى ومن مهر المثل بمعنى أنها تستحق الأقل من المهرين فإن كان المسمى أقل من مهر المثل وإن كان مهر المثل أقل استحقته ولا يمكن في هذه الحالة إعطاء إحداهما المهر الذي يستلزمه الصحيح والأخرى المهر الذي يستلزمه الفاسد لعدم معرفة العقد الصحيح من غيره فبماذا يحكم لكل منهما حينئذ ؟ إن المعقول هو أن يؤخذ المتيقن وتقتسمانه بينهما وتوضيح ذلك أنه إذا سمى لكل منهما مائة جنيه مهرا وكان مهر مثل كل منهما مائة جنيه كذلك أخذ مائة من المسمى ومائة من مهر المثل واقتسمتاه بينهما لكل منهما مائة وإذا سمى لكل واحدة مائة جنيه وكان مهر مثل إحداهما ثمانين من المسمى وهو مائة وأقل المهرين من مهر المثل أعني السبعين فيكون المجموع مائة وسبعين فتقتسماه بينهما مناصفة وإذا سمى لإحداهما مائة وللأخرى ثمانين وكان مهر مثلهما متحدا سبعين مثلا فإنه يؤخذ أقل المسميين وهو ثمانون وأحد المهرين المتساويين وهو سبعون وتقتسمانه وإذا سمى لإحداهما ثمانين وللأخرى سبعين وكان مهر مثلهما مختلفا أيضا بأن كان مهر إحداهما تسعين والأخرى ستين فإنهما تعطيان أقل المسميين . وهو سبعون وأقل المهرين وهو ستين وتقتسمانه أيضا
وبعضهم يرى أنه إذا سمى لكل منهما مهرا يساوي مهر الأخرى وكان مثلهما متساويا أيضا وجب أن يأخذا كل المهر المسمى أما إذا لم يتحد المسمى أو لم تتحدا في مهر المثل وجب لكل واحدة منهما الأقل من المسمى ومهر المثل ترجيحا للنكاح الفاسد إذ ليست واحدة منهما أولى من صاحبتها باعتبار العقد الصحيح والظاهر أن التقسيم الأول
أقرب إلى العدل كما لا يخفى
المالكية - قالوا : إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما في عقدين بأن عقد على إحداهما أولا وعلى الأخرى ثانيا فلا يخلو إما أن يدخل بها أو لا فإن لم يدخل بها وأقرته على دعواه من أنه عقد عليها بعد الأولى فسخ عقد الثانية بلا طلاق ولا شيء لها وكذا إذا لم تقره و لكن ثبت كونها الثانية ببينة فإنه يفسخ بلا طلاق ولا شيء لها من المهر أما إذا لم تقره على دعواه أنها الثانية بل قالت : لا علم لي أو قالت : إنها الأولى ولا بينة فسخ العقد بطلاق ولا شيء لها من الصداق بشرط أن يحلف الرجل أنها الثانية فإن نكل عن اليمين ثبت لها عليه نصف المهر بمجرد النكول إن قالت لا علم لي أما إن ادعت أنها الأولى لا تستحق نصف الصداق إلا إذا حلفت انها الأولى فإن نكلت فلا تستحق شيئا أبدا . أما إذا دخل بها فإن العقد يفسخ بطلاق ويكون لها المهر كاملا ولا يمين عليه ويبقى على نكاح الأولى بدعواه من غير تجديد عقد
وكذا إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما كالأختين أو البنت وعمتها في عقد واحد فإنه يفسخ بلا طلاق أبدا لأنه مجمع على فساده وتزيد الأم وبنتها تأبيد التحريم فإذا جمع بين الأم وبنتها كان لذلك ثلاث حالات : الحالة الأولى أن يدخل بهما معا وفي هذه الحالة يتأبد تحريمها عليه فلا تحل له واحدة أبدا وعليه صداقهما وإن مات لا إرث لواحدة منهما لأن العقد مجمع على فساده وهذه الأحكام تجري أيضا فيما إذا عقد على إحداهما أولا ثم مات لا ترثه واحدة منهما ويفسخ العقد بلا طلاق . الحالة الثانية أن يجمع بينهما في عقد واحد ولم يدخل بواحدة منهما وفي هذه الحالة يفسخ نكاحهما ويكون له الحق في تجديد العقد على أيهما شاء فتحل له الأم بعقد جديد ومعلوم أن البنت لا تحرم إلا بالدخول على الأم فلا تحرم بالعقد الصحيح فمن باب أولى لا تحرم بالعقد الفاسد فإن جمع بينهما بعقدين مترتبين ولم يدخل بواحدة صح عقد الأولى ويفسخ عقد الثانية بلا خلاف سواء كانت الأم أو البنت ثم إن كانت الأم هي الثانية فهي حرام أبدا لأن العقد على البنات يحرم الأمهات وإن كانت البنت فله أن يطلق أمها قبل الدخول بها و يتزوجها . الحالة الثالثة : أن يجمع بينهما في عقد واحد ويدخل بواحدة منهما فيفسخ نكاحهما ويتأبد تحريم من لم يدخل بها سواء كانت البنت أو الأم وتحل له التي دخل بها بعقد جديد بعد الاستبراء فإذا جمع بينهما في عقدين مترتبين وكان المعقود عليها أولا البنت ثم دخل بها هي صح وكانت زوجة له شرعية بصحيح العقد وتأبد تحريم أمها عليه وإن كان المعقود عليها الأم ودخل بها دون البنت صح وثبت على المشهور وتأبد تحريم البنت بالدخول على أمها وقيل : يتأبد تحريم الاثنين لأن العقد على البنت يحرم الأم وإن كان فاسدا
أما إذا دخل بالمعقود عليها ثانيا فإن كانت البنت فرق بينه وبينها ولها صداقها وله تزويجها بعد الاستبراء وتأبد عليه تحريم أمها وإن كانت الأم قد حرمت عليه أبدا أما تحريم الأم فإن العقد الصحيح على بنتها - وهو الأول - يحرمها باتفاق وأما البنت فلأن الدخول على الأم يحرم البنت ولو كان العقد فاسدا ولا ميراث
وإن عقد عليهما عقدين مترتبين ولم يدخل بهما ومات ولم تعلم السابقة منهما كان لكل واحدة منهما نصف صداقها سواء اختلف الصداقان أو استويا في القدر ولهما ميراثهما فيه لوجود سببه وهو العقد الصحيح في إحداهما وجهل مستحقه وإنما كان لها نصف الصداق مع أن الصداق يكمل بالموت لأن نكاح إحداهما فاسد بلا كلام فلا تستحق شيئا وإحداهما نكاحها صحيح بلا كلام فتستحق الصداق كاملا ولكن لما كان الصحيح غير معلوم من الفاسد استحقتا صداقا تقتسمانه لأن الوارث يقول لكل منهما : أنت ثانية فلا صداق لك لفساد عقد نكاحك
ونظير ذلك من بعض الوجوه ما إذا تزوج خمسا في عقود مترتبة أو أربعا في عقد واحد وأفرد الخامسة بعقد ومات ولم تعلم الخامسة التي هي الأخيرة وهي صاحبة النكاح الفاسد فإنهن يشتركن في الميراث أخماسا لكل واحدة خمس ما فرض لهن من ربع إن لم يكن له ولد وثمن إن كان له ولد ثم إن كان قد دخل بالجميع كان لواحدة منهن صداقها كاملا وإذا دخل بأربع كان لهن الصداق ولغير المدخول بها نصف صداق لأنها تدعي أنها ليست بخامسة والوارث يكذبها فيقسم الصداق بينها وبين الوارث وإن دخل بثلاث كان لكل واحدة صداقها وللاثنتين الباقيتين صداق ونصف لأن الوارث ينازعهما في صحة العقد في فيشترك معهما فيأخذ نصف صداق إحداهما وهي التي يحتمل أنها خامسة فيبقى بينهما صداق ونصف تقتسمانه لكل منهما ثلاثة أرباعه وإن دخل باثنتين فللباقي صداقان ونصف وذاك لأن لاثنتين منهن صداقين كاملين قطعا لأنهما تكملان الأربعة وأما الثالثة وهي التي تحمل أن تكون خامسة فينازعها الوارث ويقول لها : أنت خامسة لا تستحقين شيئا فيشاركها في نصف صداقها ويبقى لهن صداقان ونصف لكل واحدة منهن ثلاثة أرباع صداقها وثلث ربعه وإن شئت قلت : خمسة أسداس صداقها وإن دخل بواحدة كان للباقي ثلاثة أصدقة ونصف لأن الوارث يشاركهن في نصف صداق واحدة على الوجه المشروح [ يتبع . . .]
الشافعية - قالوا : إذا جمع بين اثنتين لا يحل له الجمع بينهما كأختين أو بنت وأم فلا يخلو إما أن يجمع بينهما بعقد واحد أو يجمع بينهما بعقدين مرتين فإن جمع بينهما بعقد واحد بطل في الاثنتين إذ لا أولية لواحدة على الأخرى ويفسخ قبل الدخول بدون استحقاق لها في صداق أو غيره . أما بعد الدخول فإنه تجري فيه الأحكام السابقة فإن كانتا أختين ووطئهما حرمتا عليه لأن الوطء المبني على النكاح الفاسد يوجب الحرمة وإن جمع بين أم وبنتها ووطئ الأم حرمت البنت عليه مؤبدا لأن الدخول بالأمهات يوجب تحريم البنات ولو كان العقد فاسدا أما إذا لم يدخل بالأم فإن البت لا تحرم وتحرم الأم بوطء البنت بالنكاح الفاسد أما بالعقد الفاسد فلا تحرم الأم . وعلى كل حال فإنه يجب في الوطء بنكاح فاسد مهر المثل وقت الوطء لا وقت العقد إذ لا حرمة للعقد الفاسد . ولا يتعدد المهر بتعدد الوطء إن اتحدت الشبهة فلو جامع البنت أو أمها عدة مرات بناء على العقد الفاسد كان عليه مهر واحد في جميع المرات أما إذا اختلفت الشبهة كأن فرق بينه وبينهما لعدم صحة العقد ثم وجد إحداهما نائمة فظنها امرأته فوطئها كلن عليه مهر آخر لتعدد الشبهة وقد عرفت مما تقدم أن الشبهة الثانية يقال لها شبهة الفاعل أما الشبهة الأولى وهي شبهة النكاح الفاسد فإنه يقال لها شبهة الطريق . وهناك شبهة ثالثة يقال لها شبهة المحل ومثالها أن يطأ الأب أمة ولده ظنا منه أن ملك ابنه ملك له فاشتبه في حل المحل أما الوطء بدون شبهة فإنه لا يوجب مهرا وذلك كما إذا أكره على وطء امرأة أو وجد امرأة نائمة فأولج فيها بدون شبهة وهذا زنا وقد تقدم أن الوطء بشبهة يثبت به النسب والميراث وتثبت به العدة وسيأتي بيان الشبهة في مبحثها
هذا إذا جمع بينهما في عقد واحد . أما إذا جمع بينهما في عقدين متواليين فإن عرف العقد الأول ولم ينس بطل العقد الثاني وصح الأول فإذا عقد على البنت أولا ثم عقد على أمها ثانيا صح الأول وبطل الثاني وهو قبل الدخول لا أثر له أما إذا دخل بأمها حرمت عليه بنتها مؤبدا على الوجه السابق لأن الوطء بالعقد الفاسد يحرم وإن كانت الأولى الأم ولم يدخل بها فالأمر ظاهر وإلا حرمت البنت وإن نسي العقد الأول ولم تعرف السابقة يقينا وجب التوقف فلا يحل له وطء واحدة منهما حتى يتبين الحال كما لا يحل لأحد أن يتزوجها قبل أن يطلقهما معا أو يموت عنهما هذا إذا كان يرجى معرفة العقد السابق أما إذا كان ميئوسا من معرفته فإن لهما أن يرفعا أمرهما إلى الحاكم وهو يفسخ العقد دفعا للضرر وهذه المسألة نظير ما إذا زوجها وليان لزوجين ولم يعلم أيهما الأول كما تقدم ومثل ذلك ما إذا جهل السابق منهما أو جهل صدورهما معا فإن العقدين يبطلان على كل حال
الحنابلة - قالوا : إذا جمع بين اثنتين لا يحل له جمعهما في عقد واحد كأختين وقع العقد باطلا وعليه فرقتهما بطلاق فإن لم يطلق فسخه الحاكم ثم إن وقع الفسخ قبل الدخول والخلوة الصحيحة فلا مهر لهما وشلا متعة ولو مات عنهما لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه أما بعد الدخول أو الخلوة فإنهما يجب لهما مهر المثل الذي يجب في النكاح الباطل المجمع على بطلانه كالجمع بين الأختين في عقد أو العقد على امرأة خامسة أو العقد على المعتدة فإن كل هذا باطل باتفاق وإنما وجب فيه المهر بالوطء لحديث عائشة المتقدم " ولها الذي أعطاها بما أصاب منها " ومثلها التي وطئت بشبهة أو وطئت بزنا كرها عنها لقوله صلى الله عليه و سلم : " فلها بما استحل من فرجها " أي نال منها بالوطء . فإذا عقد عليهما في عقدين متواليين ولكن لم يعرف الأولى منهما فإنه يجب عليه أن يطلقهما معا وإن لم يفعل فرق بينهما الحاكم ولكن يجب في هذه الحالة نصف المهر لإحداهما . إذ لا بد من كون واحدة منهما عقدها صحيح فإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر ولكن لما كانت غير معلومة بحيث لم تعرف أيتهما صاحبة العقد الصحيح أقرع بينهما فمن وقعت عليها القرعة استحقت نصف المهر أما إذا دخل بهما فقد عرفت أن لهما المثل . فإن دخل بإحداهما دون الأخرى استحقت المدخول بها المهر كاملا وبقيت الأخرى من غير أن يعرف حالها فيعمل في شأنهما معا بالقرعة . فإن وقعت القرعة على غير المدخول بها استحقت نصف المهر . والأخرى لها صداقها كاملا بالدخول وإن لم تقع القرعة عليها فلا شيء لها وللأخرى مهرها بالدخول
أما إذا عقد عليهما عقدين مترتبين وعرف السابق منهما فإن الأول يقع صحيحا . والثاني يبطل . وقد عرفت أن العقد الفاسد يوجب حرمة المصاهرة فمن عقد على بنت وأمها عقدين في آن واحد حرمت الأم عليه مؤبدا وكذا إذا وطئ الأم بهذا العقد الفاسد فإن بنتها تحرم عليه بالوطء مؤبدا



مبحث المحرمات لاختلاف الدين


- المخالفون للمسلمين في العقيدة ثلاثة أنواع :
الأول : لا كتاب لهم سماوي ولا شبهة كتاب وهؤلاء هم عباد الأوثان وهي التماثيل المنحوتة من خشب أو حجر أو فضة أو جواهر أو نحو ذلك . أما الأصنام فهي الصور التي لا جثة لها كالصور المطبوعة في الورق ونحوه . وقيل لا فرق بين الصنم والوثن فهما اسمان للآلهة التي يعبدونها من دون الله ويرمزون لها بالأشكال المختلفة من صور وتماثيل ويدخل فيها الشمس والقمر والنجوم والصور التي استحسنوها . ويلحق بهؤلاء المرتدون الذين ينكرون المعلوم من الدين الإسلامي بالضرورة . والرافضة الذين يعتقدون أن جبريل غلط في الوحي فأوحى إلى محمد مع أن الله أمره بالإيحاء إلى علي . أو يعتقدون أن عليا إله أو يكذب بعض آيات القرآن فيقذف عائشة
ومن عبدة الأوثان الصابئة وهم الذين يعبدون الكواكب ومن فهم أن مناكحتهم حلال فهم أن لهم كتابا يؤمنون به
الثاني : قسم له شبهة كتاب وهؤلاء هم المجوس الذين يعبدون النار ومعنى كون لهم شبهة أنه قد أنزل على نبيهم - وهو زرادشت - كتاب فحرفوه وقتلوا نبيهم فرفع الله هذا الكتاب من بينهم وهؤلاء لا تحل مناكحتهم باتفاق الأئمة الأربعة وخالف داود فقال بحلها لشبهة الكتاب
الثالث : قسم له كتاب محقق يؤمن به كاليهود الذين يؤمنون بالتوراة . والنصارى الذين يؤمنون بالتوراة والإنجيل فهؤلاء تصح مناكحتهم بمعنى أنه يحل للمؤمن أن يتزوج الكتابية ولا يحل للمسلمة أن تتزوج الكتابي كما لا يحل لها أن تتزوج غيره فالشرط في صحة النكاح أن يكون الزوج مسلما
ودليل ذلك قوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } وقوله مخاطبا الرجال : { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } فهاتان الآيتان تدلان على أنه لا يحل للرجل أن ينكح المشركة على أي حال كما لا يحل للمرأة أن تنكح المشرك على أي حال إلا بعد إيمانهم ودخولهم في المسلمين
وقد خصص من هؤلاء الكتابية للرجل المسلم بقوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } فهذه الآية تفيد حل الكتابية بالنص ولو قالت إن المسيح إله أو ثالث ثلاثة وهو شرك ظاهر فأباحهن الله لأن لهن كتابا سماويا
وهل إباحتهم مطلقة أو مقيدة بالكراهة ؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب [1]
ولا يشترط في الكتابية أن يكون أبواها كتابيين بل نكاحها ولو كان أبوها أو أمها وثنيا ما دامت هي كتابية [2]




[1] الحنفية - قالوا : يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتح لباب الفتنة فقد ترغمه على التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير دينه ويزج نفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها عرضها وغير ذلك من المفاسد فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه مكروه تحريما لما يترتب عليه من المفاسد إما إذا كانت ذمية ويمكن إخضاعها للقوانين الإسلامية فإنه يكره نكاحها تنزيها
المالكية - لهم رأيان في ذلك أحدهما : أن نكاح الكتابية مكروه مطلقا سواء كانت ذمية أو حربية . ولكن الكراهة في دار الحرب أشد . ثانيهما : أنه لا يكره مطلقا عملا بظاهر الآية لأنها قد أباحته مطلقا وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير ولا الذهاب إلى الكنيسة وليس له من ذلك وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين أما في دار الحرب فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية
وقد يقال : إن هذه المحظورات محرمة . ومذهب مالك مبني على سد الذرائع فإذا ترتبت على نكاح الكتابية هذه المفاسد أو خيف منها كان الإقدام على العقد محرما
وقد يجاب بأن محل هذا عند عدم وجود النص أما وقد أباح الله نكاح الكتابية فلا بد أن تكون المصلحة في إباحتها إذ قد يترتب على مصاهرة الكتابي مصلحة للدين وإعزاز له أو دفع للمشاكل والقضاء على الأحقاد والضغائن فضلا عما في ذلك من إعلان سماحة الدين وتساهله مع المخالفين في العقيدة من أهل الكتاب فإن الدين يبيح للرجل أن يقترن بالكتابية وهي على دينها لا يضمر عداء لهؤلاء المخالفين ولا يبطن لهم حقدا وإنما لم يبح للمرأة أن تتزوج الكتابي لأن المرأة مهما قيل في شأنها لا يمكنها أن تقف في سبيل زوجها غالبا فتكون مهددة بتغيير دينها وأولادها لا محالة أن يتبعوا أباهم وهي لا تستطيع ردهم والإسلام وإن تسامح فيما يجدد الروابط فإنه لا يمكنه التسامح فيما يخرج المسلم من دينه أو يجعل ذريته من غير مسلمين فهو قد أباح الكتابية للمسلم ونهاه عن إكراهها على الخروج من دينها أما الأديان الأخرى فليس فيها هذا الضمان ولما كان الرجل قويا في الغالب جعل أمر ضمانه هو وأولاده موكولا لقوة إرادته وحال بين المرأة ضعيفة الإرادة وبين تزوجها من الرجل الكتابي
الشافعية - قالوا : يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار الإسلام وتشتد كراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض المالكية ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطا :
الأول : أن لا يرجو إسلام الكتابية . ثانيا : أن يجد مسلمة تصلح له . ثالثها : أنه إذا لم يتزوج الكتابية يخشى الزنا فإن كان يرجو إسلامها فيسن له تزوجها وإن لم يجد مسلمة تصلح له فكذلك يسن له التزوج بالكتابية التي تصلح له ليعيش معها عيشة مرضية وإذا لم يتزوج الكتابية يخشى عليه الزنا يسن له دفعا لهذا ومن هذا يتضح أن المسألة دائرة وراء المصلحة والمفسدة فإذا ترتب على زواجها مصلحة كان الزواج ممدوحا وإذا ترتب عليه مفسدة كان مكروها
الحنابلة - قالوا : يحل نكاح الكتابية بلا كراهة لعموم قوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } والمراد بالمحصنات الحرائر
[2] الشافعية و الحنابلة - قالوا : يشترط في حل نكاح الكتابية أن يكون أبواها كتابيين فلو كان أبوها كتابيا وأمها وثنية لا تحل حتى ولو كانت بالغة واختارت دين أبيها وصارت كتابية على المعتمد عند الشافعية



مبحث المحرمة بالطلاق ثلاثة وحكم المحلل


- إذا طلق امرأته ثلاثا فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولا يلزم أن يكون الزوج الثاني ناويا معاشرتها دائما بل تحل للأول إذا جامعها الثاني قاصدا [1] تحليلها للزوج الأول ويقال له : المحلل وإنما تحل للأول بشروط مفصلة في المذاهب [2]




[1] المالكية و الحنابلة - قالوا : إذا تزوجها بقصد التحليل فإنها لا تحل للأول مطلقا . وكان النكاح الثاني باطلا
[2] الحنفية - قالوا : إذا تزوجها الثاني بقصد تحليلها للأول فإنه يصح بشروط :
الأول : أن يعقد عليها الزوج الثاني عقدا صحيحا فإذا كان العقد فاسدا لعدم استيفائه الشروط المتقدمة فإنها لا تحل وكذا إذا كان العقد الثاني موقوفا على إجازة الغير كما إذا عقد عليها عبد مملوك ووطئها قبل إجازة سيده فإنها لا تحل . الثاني : أن يدخل عليها الزوج الثاني ويجامعها . أما مجرد العقد بدون جماع فإنه لا يحلل بالإجماع
ونقل عن سعيد بن المسيب أنه قال : تحل بمجرد العقد ولكن هذا القول لم يعمل به أحد من الأئمة مطلقا ومن أفتى به فعليه لعنة الله والملائكة ولو قضى به القاضي فلا ينفذ قضاؤه . ولا يشترط في الزوج الثاني أن يكون عاقلا بل إذا وطئها مجنون فإنها تحل وكذا إذا وطئها نائم لا يشعر أو مغمى عليه وكذا إذا كانت هي نائمة أو مغمى عليها ولكن في ذلك خلافا . فبعضهم يشترط اللذة من الجانبين كما هو ظاهر الحديث وعلى هذا فالمغمى عليه والنائم الذي لا يلتذ لا يحلل بخلاف المجنون فإنه يلتذ بلا كلام أما من يقول : يكفي مجرد الإيلاج فإنه يقول : بالحل مطلقا ولكن الظاهر هو الأول عملا بالحديث إلا أن تحمل اللذة على مجرد الإيلاج وكذا لا يشترط أن يكون بالغا بل يكفي في تحليلها أن يكون مراهقا بحيث تتحرك آلته ويشتهي النساء وكذا لا يشترط أن يكون الزوج الثاني مسلما إذا كان يحلل ذمية طلقها مسلم فلو كان المسلم متزوجا ذمية ثم طلقها ثلاث مرات وتزوجت ذميا ثم طلقها حلت للأول ويشترط أن يكون الوطء بلا حائل كثيف فلو لف خرقة على ذكره وأولج فإنه لا يصح إلا إذا كانت رقيقة لا تمنع الحرارة كالكيس المعروف بالكبود فإنه يصح
الشرط الثالث : أن يكون وطء الزوج موجبا للغسل بحيث تغيب الحشفة في داخل الفرج على المعتمد ولا يشترط الإنزال لما علمت أنه يكفي في التحليل أن يكون الزوج الثاني مراهقا وكذا لا يشترط أن يكون الوطء جائزا فإذا وطئها وهي حائض أو نفساء أو محرما بالنسك فإنها تحل للأول
الشرط الرابع : أن تنقضي عدتها من الزوج الثاني فلا تحل للأول إلا إذا انقضت عدتها كما أنه لا يصح للزوج الثاني أن يعقد عليها إلا إذا انقضت عدتها من الأول كما تقدم في قولنا : أنه يشترط أن يكون العقد صحيحا إذ لو كانت في العدة لم يكن العقد عليها صحيحا
الشرط الخامس : تيقن وقوع الوطء في المحل فلو وطئ صغيرة لا يوطأ مثلها فإنها لا تحل ومثل ذلك ما إذا وطئ مفضاة - وهي ما اختلط قبلها بدبرها - فإنها لا تحل للأول إلا إذا حملت من الثاني إذ لا يمكن الجزم بأنها وطئها في القبل إلا بالحمل ومثل ذلك ما إذا تزوجها مجبوب - وهو مقطوع الذكر - فإنها لا تحل للأول إلا إذا حملت من المجبوب وذلك لأن المجبوب يمكن أن يساحقها بأن يضع محل القطع على فرجها - كما تفعل المرأة مع المرأة - ثم ينزل فإذا حملت من هذا الإنزال . فإنها تحل للأول أما إذا تزوجها خصي - وهو مقطوع الأنثيين - ثم أولج فيها تحل وكذا إذا تزوجها شيخ كبير يكون عنده نوع انتشار فإنه يكفي أما إذا كانت آلته كالخرقة لا انتشار لها ولا يمكن إدخالها إلا بيده فقيل : تحل به لأن المدار إلى دخول الحشفة وقيل : لا تحل ولكن الظاهر أن ذلك الإدخال إذا تلذذ به وتلذذت به حلت كما هو ظاهر حديث " حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك " وإلا فلا
وبعد فهل يجوز لرجل أن يتزوج مطلقة الغير ويطأها بقصد تحليلها لمطلقها أو لا ؟ والجواب : أنه يجوز ذلك بل ويكون له عليه أجره بشروط أحدها : أن يقصد الإصلاح بين الزوجين لا مجرد قضاء الشهوة . فإن قصد الشهوة فقط كره له ذلك . ولكنها تحل للأول
ثانيها : أن لا ينصب نفسه لذلك بحيث يعرف بين الناس ويشتهر بأنه يحلل المطلقات فمن كان كذلك كان عمله هذا مكروها تحريما
ثالثها : أن لا يشترط على ذلك العمل أجرا فإن فعل كان عمله محرما ويحمل على هذا حديث " لعن الله المحلل والمحلل له " لأنه باشتراطه الأجر كان عاصيا يستحق اللعن العام وإنما كان عاصيا بذلك لأنه أشبه آخذ الأجرة على عسب التيس فمن كان عنده حمار أو غيره من ذكور الحيوانات وطلبه منه آخر لينزو على حمارة أو غيرها ليحبلها فإنه يحرم عليه أن يأخذ على ذلك أجرا . فإذا أخذ الإنسان أجرا على وطء المرأة كان كالحمار الذي يطلب صاحبه أجرا على مائه
رابعها : أن لا يشترط التحليل . كأن يقول : تزوجتك على أن أحللك فإذا قال ذلك بطل الشرط وصح العقد على المعتمد . فإذا وطئها حلت للأول ولكن مع كراهة التحريم . ويظهر أن علة ذلك هي مخالفة ظاهر الحديث لأن لعن المحلل والمحلل هو الذي يثبت له هذا الوصف في العقد بأن يشترط التحليل . وقد علمت أنهم حملوه أيضا على ما إذا اشترط أجرا يأخذه في نظير القيام بهذا العمل ولا مانع من حمل الحديث على الأمرين فإن من يشترط أجرا على التحليل بمثابة التصريح بالتحليل وكلاهما عليه أنه أتى هذا العمل لغرض دنيء تنبو عنه المروءة فيستحق أن يكون من الملعونين
وقد نقل بعضهم عن أبي حنيفة أنه قال : إن شرط التحليل يصح ويلزم به بحيث لو امتنع عن طلاقها يجبره القاضي ولكن المحققون من الحنفية قالوا : إن هذا ضعيف لا ينبغي التعويل عليه لأن قواعد المذهب تأباه وذلك لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة بل يبطل الشرط مع صحة العقد ومما لا شك فيه أن شرط التحليل ليس من مقتضى العقد فيجب بطلانه وصحة العقد وهذا هو المعتمد من المذهب وإذا أقت العقد بوقت بطل العقد كما سيأتي في مبحث النكاح المؤقت
فإذا خافت المرأة أن لا يطلقها فإنه يمكنها أن تقول له : زوجتك نفسي على أن يكون أمر طلاقي بيدي . فيقول لها : قبلت على ذلك . وفي هذه الحالة يصح العقد . ويكون لها الحق في تطليق نفسها متى أرادت وهذا إنما يصح إذا قالت له المرأة هذا . أما إذا قال لها : تزوجتك على أن يكون أمرك بيدك . فإن النكاح يصح ويلغو الشرط
والحاصل أن التحليل إذا سلم من هذه المحظورات وكان مقصودا به الصلح بين الرجل ومطلقته فإنه جائز . ولصاحبه أجر الذي يصلح بين الزوجين أما إذا كان لغرض من الأغراض السابقة فإنه يكون مكروها تحريما ويكون إثمه على كل من اشترك فيه سواء كان الزوج الثاني أو المطلق أو المرأة ولكن العقد يكون صحيحا متى كان مستوفيا لشروطه الأخرى وتحل للأول بالوطء على الوجه المشروع
المالكية - قالوا : من تزوج امرأة طلقها غيره ثلاثا بنية إحلالها له كان العقد فاسدا لا يثبت بالدخول . بل يفرق بينهما قبل البناء وبعده لكن إن تزوجها بشرط التحليل فإن العقد يفسخ بغير طلاق لعدم وجود عقد أصلا وكذا إذا لم يشترط التحليل ولكن أقر به بعد العقد فإنه يفسخ بطلاق أما إذا أقر بشرط التحليل قبل العقد ثم عقد عليها فإنه يفسخ بدون طلاق كما إذا اشترط التحليل في العقد . وبعضهم يقول : إنه يفرق بينهما بطلقة بائنة مطلقا أما نية المطلق ونية المطلقة بأن نويا التزوج بالثاني لمجرد التحليل للأول فإنها لا قيمة لها وذلك لأن الزوج الثاني هو الذي بيده الطلاق فإذا نوى التحليل فقد ترك شرطا أساسيا يبنى عليه الزواج . وهو دوام المعاشرة المقصودة من الزواج فإذا تزوج امرأة بنية التحليل ودخل بها فإنها لا تحل للأول ويلزم الزوج الثاني المهر الذي سماه لها بالدخول بها بلا خلاف أما إذا اشترط التحليل في العقد فإنه يكون لها المهر المسمى بالدخول بها على الأصح وكذا إذا تزوجها بنية التحليل وبنية إمساكها إن أعجبته فإن النكاح يكون فاسدا كالأول ولا تحل لمطلقها بالوطء فلا تحل المبتوتة لمطلقها إلا إذا تزوجت رجلا آخر لم ينو إحلالها لمطلقها بشروط :
أحدها : أن يكون الزوج الثاني بالغا . ثانيها أن يولج في قبلها حشفة ذكره أو قدرها ممن ليست له حشفة فلا تحل بما دون ذلك فإذا أولج في دبرها فإنها لا تحل ويشترط أن يكون الذكر منتشرا سواء كان الانتشار قبل الإيلاج أو بعده فلو أدخل بدون انتشار ثم انتشر بعد الإدخال فإنه يصح ولا يلزم أن يكون الانتشار كاملا ولا بد أن يكون الإيلاج في داخل الفرج لا في هوائه الخارج وأن لا يلف على الذكر خرقة كثيفة أما الخرقة الرقيقة التي لا تمنع الحرارة ففيها خلاف ولكن الظاهر أنها تكفي وقد يمثل للخرقة الخفيفة في زماننا هذا بالكيس الرقيق الذي يستعمل حذرا من الحمل ويسمى - الكبود - فلو لبسه تحل ولا يشترط الإنزال وما نقل في كتب الحنفية من أن المالكية يشترطون الإنزال غير صحيح
وتحل إذا أولج فيها الخصى - وهو المقطوع الانثيين دون الذكر - بشرط أن تعلم به حال الوطء لأنها إذا علمت ورضيت لزم النكاح أما إذا لم تعلم كان النكاح معيبا قابلا للفسخ فلا يترتب عليه التحليل ثالثها : أن يكون مسلما فلو طلق مسلم زوجته الكتابية ثلاثا ثم تزوجها كتابي وفارقها فإنها لا تحل لزوجها المسلم خلافا للحنفية
رابعها : أن لا يقوم بهما مانع شرعي يمنع الوطء كأن تكون المرأة حائضا . أو نفساء . ولو بعد انقطاعهما مع عدم الغسل أو يكونا صائمين أو أحدهما صائما صيام رمضان أو النذر المعين أو يكونا محرمين بالنسك أو أحدهما فإن الوطء في هذه الأحوال لا يحلها وبعضهم يقول : إن الوطء في هذه الأحوال يحلها لمطلقها الأول أما الوطء حال صيام التطوع وقضاء الفرض والنذر غير المعين فإنه يحلها اتفاقا
خامسها : أن لا ينكر الوطء أو ينكره أحدهما فإذا أنكر الزوج الوطء فإنها لا تحل وكذا إذا أنكرت هي سادسها : أن لا تكون صغيرة غير مطيقة للوطء
سابعها : أن تعلم الزوجة بالوطء وتشعر به فلو كانت نائمة أو مغمى عليها أو كانت مجنونة لا تدرك فإنها لا تحل للأول أما علم الزوج بالوطء فإنه ليس بشرط على المعتمد فإذا وطئها نائم لا يشعر أو مجنون . فإنه يحللها للأول
الشافعية - قالوا : إذا تزوج رجل مطلقة غيره ثلاثا بنية إحلالها له فإنه يصح بشروط :
الشرط الأول : أن يعقد عليها الثاني عقدا صحيحا فإذا كان العقد فاسدا أو جامعها بشبهة أو زنا فإنها لا تحل لأن الله تعالى قال : { فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره } ولا يخفى أن المراد به النكاح الصحيح حتما الشرط الثاني : أن لا يشترط التحليل لفظا في العقد فإذا قال : تزوجت فلانة بشرط إحلالها لمطلقها أو قال تزوجتها على أنني إذا وطئتها طلقت أو بانت بطل العقد ولا تحل للأول بوطئها بناء على هذا العقد الفاسد أما إذا تزوجها بدون شرط و في نيته الطلاق لتعود إلى زوجها فإنه مكروه
الشرط الثالث : أن يكون الزوج الثاني من يتصور منه ذوق اللذة بأن يشتهي الوقاع وإن كان صبيا فلا يشترط أن يكون بالغا كما لا يشترط إنزال المني وكذا لا يشترط أن يكون عاقلا فلو وطئها مجنون بعقد صحيح فإنها تحل للأول ولا يشترط أيضا أن يكون مسلما إذا كانت الزوجة ذمية فلو طلقها المسلم وتزوجت ذميا وفارقها بعد الوطء فإنها تحل للأول وكذا لا يشترط أن يكون حرا فلو تزوجت عبدا وأجازه مولاه صح ولا يشترط أيضا أن تكون الزوجة غير مطيقة للوطء . فلو كانت صغيرة لا يجامع مثلها فإنها تحل بإدخال الحشفة بالعقد الصحيح بخلاف الغلام الصغير الذي لا يعرف لذة الجماع ولا يمكن لمثله أن يجامع النساء . فإنه لا يحلل . والفرق بين الحالتين أن الغرض من وطء المطلقة ثلاثا من زوج آخر إنما هو التنفير من إيقاع الطلاق بهذه الصورة . وهذا التنفير يحصل بمس الصغيرة وإدخال الحشفة فيها . ولا يشترط أيضا ذوق العسيلة . بل المراد بها في حديث " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " نفس الوطء لأنه مظنة اللذة غالبا
الشرط الرابع : أن يكون الوطء في داخل الفرج . بحيث تغيب الحشفة فيما وراء البكارة . بحيث لو كانت بكرا وأولج بدون أن يفضها ويزيل بكارتها فإنه لا يكفي لأن المطلوب أن تغيب الحشفة فيما بعد البكارة وقيل : يكفي ذلك . فإذا وطئها في دبرها فإنها لا تحل طبعا وكذا إذا أدخلت منيه بواسطة غير الإيلاج فإنها لا تحل به فإذا وطئها مجبوب بأن ساحقها وأنزل منيه فيها فإنها لا تحل أما إذا وطئها خصي - وهو مقطوع الانثيين - فإنها تحل
الشرط الخامس : أن يكون منتصبا فإذا لم يكن كذلك وأولج ذكره بأصبعه فإنها لا تحل ولا يشترط أن يكون الانتشار كاملا كما لا يشترط أن يكون بدون حائل فلو وضع خرقة على ذكره وأولج فإنه يصح ومن باب أولى إذا وضع كيسا رقيقا - كبودا - فإنه يصح به التحليل وكذا لا يشترط أن يكون الوطء غير ممنوع بسبب حيض أو نفاس أو إحرام بالنسك . أو غير ذلك
[ يتبع . . .] خاتمة في سقوط التحليل بفساد العقد الأول : إذا تزوج الرجل امرأة بعقد فاسد في مذهب الشافعي كأن تزوجها بحضرة شاهدين فاسقين أو زوجها ولي فاسق و دخل بها وعاشرها معاشرة الأزواج ثم طلقها ثلاثا فهل له أن يجد عليها العقد بدون محلل لأن العقد الأول كان فاسدا لا يترتب عليه طلاق أولا ؟ إن المفتى به في مذهب الشافعية هو أنها لا تحل له بدون محلل ولا يصح الإفتاء بفساد العقد الأول لأجل إسقاط التحليل نعم إذا اختل شرط من شروط العقد الأول كأن تزوجها بحضرة فاسقين أو بدون ولي . وثبت ذلك بإقرارهما أو ببينة فإنه يترتب على ذلك أن يحكم القاضي بما هو من حقهما لا من حق الله تعالى كما إذا كان المسمى لها من المهر أقل من مهر المثل وأرادت أن تأخذ مهر المثل بدعوى أن النكاح فاسد وثبت ذلك فإن لها هذا الحق وكذا إذا طلقها ثلاثا قبل الدخول . وأقام بينة على فساد العقد تخلصا من نصف المهر الذي تستحقه بالطلاق قبل الدخول فإن القاضي يحكم له بذلك ومتى ثبت ذلك وحكم به حاكم فإنه يسقط به التحليل تبعا فله أن يجدد عليها العقد بدون محلل في الصورتين . أما تحليلها بعد تطليقها ثلاثا فإنه حق الله تعالى . فإذا أقرا بفساد العقد أو أقاما بينة على فساده لتحل له بدون محلل فإنها لا تسمع نعم إذا قامت بينة من تلقاء نفسها حسبة فإنها تسمع بشرط أن تكون هناك حاجة لسماعها وصورة ذلك : يتزوج رجل امرأة بعقد فاسد ثم يطلقها ثلاثا وهو يعاشرها ولم تعلم البينة بالطلاق ثلاثا وظنت أنه يعاشرها بحكم الزوجية فشهدت عند القاضي بأنه عقد باطلا لا يصح له معاشرتها بناء عليه فيفسخ القاضي العقد وبذلك يصح له أن يجدد عقدا عليها بدون محلل وقد يصور ذلك أيضا بأن يطلق امرأته المعقود عليها عقدا فاسدا ثلاثا قبل الدخول بها ثم يخالط أمها مخالطة المحارم فتشهد بينة الحسبة أنه لا يجوز له معاشرة هذه الأم معاشرة المحارم لأنه عقد على بنتها عقدا فاسدا فلم تكن محرما له فيقضي القاضي بعدم صحة النكاح فيسقط التحليل
وحاصل ذلك أنه لا يصح قضاء الحكم بسقوط المحلل بناء على كون العقد فاسدا ولكن يصح لهما بذلك باطنا فإذا علم الحاكم بهما فرق بينهما لا فرق في ذلك بين أن يقلد مذهبا آخر عند العقد أو لا
وبعض علماء الشافعية يرى أنه إذا عقد عقدا فاسدا في مذهب الشافعي ولكن قلد فيه أبا حنيفة مثلا كما إذا عقد بغير ولي أو بحضرة فاسقين مقلدا في ذلك أبا حنيفة أو لم يقلد أحدا ولكن حكم بصحة العقد حاكم حنفي ثم طلقها ثلاثا فإنه لا يسقط المحلل بحال أما إذا كان العقد واقعا بين العوام الذين لا يعرفون شرائط ولا أحكام فلم يقلدوا ولم يحكم حاكم بصحة العقد ثم طلقها ثلاثا فله تجديد العقد بدون محلل ديانة لا قضاء الحنابلة - قالوا : إذا تزوج شخص مطلقة الغير ثلاثا بقصد إحلالها لزوجها الأول أو صرح بهذا الشرط في العقد إن اتفق عليه مع الزوجة أو مع وليها قبل العقد ولم يرجعا عنه فقد بطل النكاح ولا تحل للأول بحال . لما رواه ابن ماجة من أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : هو المحلل . لعن الله المحلل والمحلل له " فلا تحل المطلقة ثلاثا إلا إذا تزوجت آخر بشروط : الأول : أن يكون العقد الثاني صحيحا خاليا من كل شرط ومن نية الطلاق
الثاني : أن يطأها الزوج الثاني في قبلها . فلا يكفي العقد . ولا الخلوة . ولا المباشرة بل لا بد من إيلاج الحشفة كلها في داخل الفرج . ولا تحل بإدخالها في الدبر كما لا تحل بوطء شبهة . أو وطء في ملك يمين أو وطء في نكاح فاسد
الثالث : أن يكون منتشرا فلا تحل بإيلاج ما ليس بمنتصب
الرابع : أن تكون خالية من موانع الوطء فلا تحل إذا وطئها في حيض . أو نفاس . أو صوم فرض أو احرام أما إذا وطئها في وقت لا يحل فيه وطؤها كما إذا وطئها في ضيق وقت صلاة أو في مسجد فإنها تحل وإن كان لا يجوز له ذلك
ولا يشترط أن يكون الزوج الثاني بالغا بل يكفي أن يكون مراهقا . ولم يبلغ عشر سنين كما لا يشترط الإنزال طبعا ويترتب على الوطء بهذا العقد الفاسد ثبوت النسب والمهر المسمى ان سمى لها مهرا وإلا فمهر المثل وتجب به العدة ولا يثبت به إحصان ولا حل للزوج الأول



مبحث إذا اشترط في النكاح شرطا أو أضافه إلى زمن


- إذا اشترط الزوج أو الزوجة شرطا في عقد الزواج أو أضافه أحدهما إلى زمن معين فإن في صحته وفساده اختلاف المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : إذا اشترط أحد الزوجين في عقد الزواج شرطا . فلا يخلو إما أن يكون الشرط مقارنا للعقد أو يكون معلقا على الشرط " بأن " ونحوها مثال الأول : أن يقول : تزوجتك على أن لا أبيت عندك ومثال الثاني : أن يقول : تزوجتك إن قدم محمد فأما الأول فالقاعدة فيه أن لا يؤثر في العقد مطلقا ثم إن كان هو من مقتضى العقد . فإنه ينفذ بطبيعته وإلا بطل الشرط وصح العقد فالشروط التي يقتضيها العقد كأن يشترط خلوها من الموانع الشرعية فلو قال لها : تزوجتك على أن لا تكوني زوجة للغير . أو على أن لا تكوني في عدته . أو على أن لا خيار لك . أو نحو ذلك مما يتوقف عليه صحة العقد فإنه صحيح نافذ بطبيعته وكذا إذا اشترطت عليه أن يكون كفأ وأما الشروط التي لا يقتضيها العقد فكأن يقول لها : تزوجتك على أن أحللك لمطلقك ثلاثا أو يقول لها : تزوجتك على أن يكون أمرك بيدك أو على أن تطلقي نفسك متى أردت ونحو ذلك فإن مثل هذه الشروط تلغو ولا يعمل بها ويصح العقد
فإن قلت : إنكم قلتم : إذا اشترط الرجل الطلاق للمرأة كأن قال لها تزوجتك على أن تطلقي نفسك كان الشرط فاسدا بخلاف ما إذا اشترطت هي أن يكون الطلاق بيدها فإن الشرط يكون صحيحا ويعمل به فما الفرق بينهما ؟ قلت : إن الطلاق في الواقع ونفس الأمر من اختصاص الرجل وحده فينبغي أن يكون بيده لا بيد المرأة فلا يصح أن يشترط بنفسه ما يجب أن يكون له لا لها ومقتضى هذا أنه لا يصح له أن يقبله منها لما فيه من قلب النظم الطبيعية في الجملة ولكن لما كان قبول مثل هذا الشرط قد يترتب عليه مصلحة الزوجية وحسن المعاشرة ودوام الرابطة أحيانا اعتبره المشرع صحيحا مقبولا خصوصا إذا لوحظ أنه في كثير من الأحيان تخشى المرأة الاقتران بالرجل عند عدم وجود ضمان كهذا فيكون مثل هذا الشرط من مصلحة الزوجين معا فيكون صحيحا فكأن الشريعة قد سهلت بذلك الجمع بين الزوجين اللذين قد يتوقف الجمع بينهما على هذا الشرط ولكنها من جهة أخرى حظرت على الرجل أن يكون هو الساعي في نقض ما تقتضيه الطبيعة من كون الطلاق بيده لا بيدها فلا يصح إن اشترطه هو لها ويصح أن يقبله منها إذا اشترطته
ومن الشروط المقارنة للعقد أن يشترط أحد الزوجين أو هما الخيار لنفسه . أو لغيره ثلاثة أيام : أو أكثر أو أقل . فلو قال لها : تزوجتك على أن يكون لي الخيار . أو لأبي الخيار ثلاثة أيام وقالت : قبلت انعقد النكاح وبطل الشرط فلا يعمل به . وكما أن النكاح ليس فيه خيار شرط كذلك ليس فيه خيار رؤية ولا خيار عيب فلو تزوج امرأة بدون أن يراها فليس له الخيار في العقد بعد رؤيتها وكذلك إذا تزوج امرأة بها عيب لا يعلم به ثم اطلع عليه بعد فإنه ليس له الخيار أيضا ويستثنى من ذلك أن يكون الرجل معيبا بالخصاء أو الجب أو العنة فإذا تزوجت المرأة رجلا ثم وجدته عنينا كان لها الخيار في فسخ العقد وعدمه وكذا إذا كان مجبوبا - مقطوع الذكر - أو كان خصيا - مقطوع الانثيين - فإن لها الخيار في هذه الحالة أما ما عدا ذلك من العيوب فلا خيار فيه لا للرجل ولا للمرأة
وبذلك تعلم أنه لو اشترط سلامتها من العمى أو المرض أو اشترط الجمال أو اشترط البكارة فوجدها عمياء أو برصاء أو معقدة أو قبيحة المنظر أو ثيبا فإن شرطه لا ينفذ ويصح العقد وكذا لو تزوجته بشرط كونه قاهريا فوجدته فلاحا قرويا فإن شرطها لا يصح إلا إذا كان غير كفء لها
هذا هو معنى الشروط المقارنة للعقد وحكمها أما العقد المعلق على شرط فلا يخلو إما أن يكون الشرط ماضيا فإن العقد يصح بلا خلاف وذلك لأنه مضى وانتهى فهو محقق ولو كان كذبا مثال ذلك أن يقول رجل لآخر : زوج بنتك لابني . فيقول له : إنني زوجتها من غيره فيكذبه فيقول له : إن لم أكن زوجتها له فقد زوجتها من ابنك وقيل ذلك منه بمحضر شاهدين وتبين أنه لم يكن زوجها فإنه يصح العقد وذلك لأنه علقه على أمر ماضي وهو إن لم يكن زوجها في الماضي فمثل هذا التعليق لا يضر أما إذا علقه على مستقبل فإن كان محقق الوقوع كقوله : تزوجتك إن طلعت الشمس . أو جاء الليل فإن العقد ينعقد في الحال ولا يضر التعليق أما إذا علقه على أمر غير محقق الوقوع كقوله : تزوجتك إن قدم أخي من السفر فإن العقد يبطل لأن قدوم أخيه غير محقق وإذا قال لها : تزوجتك إن رضي أبي فإن كان أبوه حاضرا في مجلس العقد صح العقد إذا قال : رضيت ولا يضره تعليقه برضاء والده غير المحقق ومثل ذلك ما إذا قال : إن رضي فلان الأجنبي وكان حاضرا بالمجلس أما إذا كان أبوه غائبا عن المجلس وقال : تزوجتك إن رضي أبي فإن العقد لا يصح ومن باب أولى إذا علقه على رضاء الأجنبي الغائب عن المجلس
ومثل التعليق على شرط غير محقق . إضافة العقد إلى زمن مستقبل . كقوله : تزوجتك غدا أو يوم الخميس أو بعد شهر فإنه لا يصح ولا ينعقد النكاح
الحنابلة - قالوا : الشروط في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : شروط صحيحة . وهي ما إذا اشترطت المرأة أن لا يتزوج عليها أو أن لا يخرجها من دارها وبلدها أو أن لا يفرق بينها وبين أولاده أو أبويها أو أن ترضع ولدها الصغير من غيره . أو شرطت نقدا معينا تأخذ منه مهرها أو اشترطت زيادة في مهرها . فإن هذه الشروط كلها صحيحة لازمة ليس للزوج التخلص منها فإن خالفها كان لها حق فسخ العقد متى شاءت . فلا يسقط حقها بمضي مدة معينة
وكذلك إذا اشترط الرجل أن يكون بكرا أو تكون جميلة أو تكون نسيبة . أو تكون سميعة بصيرة فبانت أنها ثيب أو قبيحة المنظر أو دنيئة الأصل أو عمياء أو بها صمم فله حق فسخ النكاح لقول عمر رضي الله عنه : " مقاطع الحقوق عند الشروط " . وقد قضي بلزوم الشرط في مثل ذلك
القسم الثاني : شروط فاسدة تفسد العقد ومنها : أن يشترط تحليلها لمطلقها ثلاثا أو يشترطا تزويج بنتيهما لولديهما هذه في نظير الأخرى بدون مهر - وهو نكاح الشغار الآتي - ومنها : تعليق العقد على شرط مستقبل كقوله : زوجتك إذا جاء يوم الخميس أو إذا جاء الشهر أو إن رضيت أمها أو قول الآخر : تزوجت إن رضي أبي أو نحو ذلك فإن كل هذه الشروط فاسدة مفسدة للعقد ويستثنى من ذلك تعليقه على مشيئة الله كأن يقول : قبلت إن شاء الله أو تعليقه على أمر ماض معلوم كقوله : زوجتكها إذا كانت بنتي أو إن انقضت عدتها وهما يعلمان أن عدتها انقضت وأنها بنته فإنه لا يبطل ومنها : أن يضيف العقد إلى وقت مستقبل كأن يقول له : زوجتك إذا جاء الغد ونحو ذلك فإنه فاسد مفسد ومنها : التوقيت بوقت - وهو نكاح المتعة - الآتي بيانه
القسم الثالث : شروط فاسدة لا تفسد العقد بل تبطل هي دونه كما إذا اشترط أن لا يعطيها مهرا أو أن يميز عليها ضرتها في القسم أو شرط له الخيار أو اشترطت هي الخيار وشرط الولي أن يحضر الزوج المهر وإلا فلا نكاح بينهما . أو شرطت أن يسافر بها إلى المصايف مثلا أو أن تدعوه إلى جماعها بإرادتها أو أن تسلم له نفسها مدة معينة فإن كل هذه الشروط ملغاة لا قيمة لها والعقد صحيح لا تؤثر عليه بشيء
وتعتبر هذه الشروط سواء كانت في صلب العقد أو اتفقا عليها قبله
المالكية - قالوا : الشروط في النكاح تنقسم إلى أربعة أقسام :
الأول : التعليق على الشرط وهو لم يضر وإن لم يكن محققا فإذا قال : زوجت ابنتي لفلان إن رضي ولم يكن موجودا بالمجلس فلما علم قال : رضيت صح العقد وكذا إذا قال : تزوجتها إذا رضي أبي ولم يكن أبوه موجودا بالمجلس فإنه يصح إن رضي وقد تقدم ذلك في اشتراط الفور في عقد الزواج حيث قالوا : إن الفور لا يشترط إلا إذا كانا حاضرين بالمجلس ولذا صح عندهم الوصية بالزواج فإذا قال : أوصيت ببنتي لفلان بعد موتي صح إذا قبل الزوج بعد الموت
الثاني : أن يشترط شرطا مقارنا للعقد مفسدا له وهو أمور منها : اشتراط الخيار للزوج . أو الزوجة أو لهما معا أو لغيرهما فإذا قال الولي زوجتك فلانة على أن يكون لها الخيار يومين أو أكثر أو أقل فإنه لا يصح فإذا وقع ذلك يفسخ العقد قبل الدخول . أما إذا دخل بها فلا يفسخ ويكون لها الصداق المسمى إن سمي صداق وإلا فلها مهر المثل ولا يضر اشتراط الخيار في مجلس العقد فقط على المعتمد . ومنها : اشتراط الإتيان بالصداق في وقت معين كما إذا قال الولي : إن لم تحضر الصداق في نهاية هذا الأسبوع مثلا فلا نكاح بيننا فقال : قبلت على ذلك فإذا لم يأت بالصداق قبل الأجل أو عنده فسخ العقد مطلقا قبل الدخول وبعده وإذا جاء به قبل الموعد أو عنده فسخ العقد قبل الدخول لا بعده . ومنها : أن يشترط شرطا يناقض العقد كما إذا قال الولي : زوجني فلانة على أن لا أسوي بينها وبين ضرتها في القسم أو أن لا أبيت عندها ليلا بل أحضر إليها نهارا فقط أو على أن لا ترث أو على أن أمرها بيدها فإن كل هذه الشروط لا يقتضيها العقد فإن وقع شرط منها فسخ العقد قبل الدخول أما بعد الدخول فإن العقد لا يفسخ بل يثبت بمهر المثل ويلغو الشرط
القسم الثالث : أن يشترط شروطا لا تناقض العقد كما إذا اشترطت أن لا يتزوج عليها أو أن لا يخرجها من مكان كذا أو أن لا يخرجها من بلدها أو نحو ذلك وهذه الشروط لا تضر العقد فيصح معها ولكن يكره اشتراطها فإن اشترطت ندب الوفاء بها
القسم الرابع : شروط يجب الوفاء بها ويكون لهما بها خيار فسخ العقد
منها : أن يشترط الزوج السلامة من العيوب كأن يشترط سلامة العينين فيجدها عمياء أو عوراء . أو الأذنين فيجدها صماء . أو الرأس فيجدها قرعاء . أو شرطها بكرا فوجدها ثيبا . أو شرطها بيضاء فإذا هي سمراء فإن لم ينص الزوج على الشرط ولكن وصفها الولي فإن كان بعد سؤال الزوج كان له الخيار بلا خلاف وإلا ففي ثبوت الخيار له خلاف
الشافعية - قالوا : إذا علق النكاح على شرط فسد العقد فإذا بشر شخص بأنه رزق بأنثى فقال لمبشره : إن كانت أنثى فقد زوجتها لك فلا يصح العقد إلا إذا كان يعلم حقا أنه رزق بأنثى فإنه في هذه الحالة لا يكون تعليقا بل تكون - إن - بمعنى - إذا - التي للتحقيق
أما الشروط المقارنة للعقد فهي على قسمين : شروط فاسدة لا يقتضيها العقد وشروط صحيحة فالشروط الفاسدة تفسد العقد كما إذا اشترط كونها مسلمة وهو ذمي . أو شرط أن يكون معتدة أو حبلى من غيره أو نحو ذلك فإن مثل هذه الشروط تفسد العقد . وكذا إذا اشترطت عليه أن لا يطأها فإنه يفسد . أما إذا اشترط هو هذا وقبلت فإنه لا يبطل والفرق بينهما أن ذلك من اختصاصها فإذا رضيت به صح كرضائها بالعنين والمجبوب
أما الشروط التي لا تفسد العقد فهي كل اشتراط وصف لا يمنع صحة النكاح كالجمال والبكارة والحرية . أو البياض . أو السمرة . أو نحو ذلك فإنها تصح ولا تفسد العقد فإذا اشترطت في صلب العقد كأن قال : تزوجت فلانة على أنها جميلة أو بكرا أو بيضاء أو سمراء أو نحو ذلك فبان غير ذلك صح العقد وكان بالخيار إن شاء قبل وإن شاء فسخ وإذا اشترط شرطا فبان أنها متصفة بصفة مساوية أو أرقى فإنه يصح ولا خيار له ومثل ذلك ما إذا اشترطت هي هذه الشروط كأن اشترطت أن يكون جميلا أو بكرا ومعنى كون الرجل بكرا أنه لم يتزوج قبلها
فإذا اشترطت هذه الشروط خارج العقد فإنه لا يعمل بها فإذا قال الولي لرجل : زوجتك هذه البكر فظهرت ثيبا كان للزوج الخيار ثم إذا فسخ العقد قبل الدخول فلا مهر . ولا شيء من حقوق الزوجية وإن كان بعد الوطء أو مع الوطء كان لها مهر المثل وعليه نفقة العدة والسكنى والكسوة . ولا يرجع بشيء من ذلك على الولي الذي غره



النكاح المؤقت أو نكاح المتعة


- يتعلق بهذه المسألة أمور : [1] هل يوجد فرق بين نكاح المتعة والنكاح المؤقت ؟ [2] ما هي حقيقة كل منهما ؟ [3] ما حكم كل منهما ؟ [4] أصل مشروعية نكاح المتعة
[1] اتفق المالكية . والشافعية . والحنابلة على أنه لا فرق بين الاثنين فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة والمشهور عند الحنفية أن نكاح المتعة يشترط فيه أن يكون بلفظ المتعة كأن يقول لها : متعيني بنفسك . أو أتمتع بك . أو متعتك بنفسي ولكن بعضهم حقق أن ذلك لم يثبت وعلى هذا يكون نكاح المتعة هو النكاح المؤقت بلا فرق عند الجميع
[2] أما حقيقة نكاح المتعة فهو أن يقيد عقد الزواج بوقت معين كأن يقول لها : زوجيني نفسك شهرا . أو تزوجتك مدة سنة . أو نحو ذلك سواء كان صادرا أمام شهود وبمباشرة ولي أولا
[3] وسواء كان نكاح المتعة هو عين النكاح المؤقت . أو غيره فهو باطل باتفاق وإذا وقع من أحد استحق عليه التعزيز لا الحد . كما ستعرفه في تفاصيل المذاهب . وذلك لأنه نقل عن ابن عباس أنه جائز وذلك شبهة توجب سقوط الحد وإن كانت الشبهة واهية
[4] أما أصل مشروعية نكاح المتعة فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في قلة تقضي عليهم : بمناضلة أعدائهم باستمرار وهذه حالة لا يستطيعون معها القيام بتكاليف الزوجية وتربية الأسرة خصوصا أن حالتهم المالية كانت سيئة إلى أقصى مدى فليس من المعقول أن يشغلوا أنفسهم بتدبير الأسرة من أول الأمر وإلى جانب هذا أنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربوا عليها قبل الإسلام وهي فوضى الشهوات في النساء . حتى كان الواحد منهم تجمع تحته ما شاء من النساء . فيقرب من يحب ويقصي من يشاء فإذا كان هؤلاء في حالة حرب فماذا يكون حالهم ؟ ألا إن الطبيعة البشرية لها حكمها . والحالة المادية لها حكمها كذلك . فيجب أن يكون لهذه الحالة تشريع مؤقت يرفع عنهم العنت ويحول بينهم وبين تكاليف الزوجية
وذلك هو نكاح المتعة . أو النكاح المؤقت . فهو يشبه الحكم العرفي المؤقت بضرورة الحرب وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم ولا يستطيعون الزواج الدائم كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية وليس من المعقول في هذه الحالة مطالبتهم بإضعاف شهواتهم بالصيام كما ورد في حديث آخر لأن المحارب لا يصح إضعافه بأي وجه وعلى أي حال . فهذه الحالة هي الأصل في تشريع نكاح المتعة يدل على ذلك ما رواه مسلم عن سبرة قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها فهذا صريح في أنه حكم مؤقت اقتضته ضرورة القتال
وروى ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " يا أيها الناس إني كنت أذنت في الاستمتاع ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة "
وهذا هو المعقول الذي تقتضيه قواعد الدين الإسلامي التي تعتبر الزنا جريمة من أفظع الجرائم وتحظر كل ما يثير شبهة أو يسهل ارتكاب منكر ويكفي في ذلك قوله تعالى : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } وقوله صلى الله عليه و سلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وكفى بالزنا إثما أنه يترتب عليه هتك الأعراض . واختلاط الأنساب . وفقد الحياء . وغير ذلك من الرذائل التي جاء الإسلام بمحاربتها والقضاء عليها وقد نجح في ذلك مع هؤلاء العرب نجاحا باهرا . فقد يدرج بهم في معارج الأخلاق الفاضلة حتى وصلوا إلى نهاية ما يمكن أن يصل إليه البشر من مكارم الأخلاق . فكانوا في ذلك قدوة للعالم في كل زمان ومكان فليس من المعقول أن يكون النكاح المؤقت من قواعد الإسلام التي هذا شأنها أما ما روي من أن ابن عباس قال : أنه جائز فالصحيح أنه قال ذلك قبل أن يبلغه نسخه وقد وقعت بينه وبين ابن الزبير مشادة في ذلك فقد روي أن ابن الزبير قال : ما بال أناس أعمى الله بصائرهم كما أعمى أبصارهم يقولون بحل نكاح المتعة يعرض بابن عباس لأنه كف بصره فقال ابن عباس : إنك جلف جاف لقد رأيت إمام المتقين رسول الله يجيزه فقال له ابن الزبير والله إن فعلته لأرجمنك فظاهر هذا أن عباس لم يبلغه النسخ فلما بلغه عدل عن رأيه فقد روى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن جبير أن ابن عباس قام خطيبا . فقال : إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير وذلك مبالغة في التحريم وبهذا كله يتضح أن نكاح المتعة أو النكاح المؤقت باطل باتفاق المسلمين وما نقل من إباحته في صدر الإسلام فقد كان لضرورة اقتضتها حالة الحرب والقتال
وبعد : فلنذكر لك تفاصيل المذاهب في أسفل الصحيفة [1]




[1] المالكية - قالوا : نكاح المتعة هو أن يكون لفظ العقد مؤقتا بوقت كأن يقول للولي : زوجني فلانة شهرا بكذا أو يقول : قبلت زواجها مدة شهر بكذا فإن قال وقع النكاح باطلا ويفسخ قبل الدخول وبعده ولكن إذا دخل بها لزمه صداق المثل وقيل : لا يلزمه إلا الصداق المتفق معها عليه وهو المسمى ويلحق به الولد ولا يتحقق نكاح المتعة إلا إذا اشتمل على ذكر الأجل صراحة للولي أو للمرأة أولهما . فإن لم يذكر قبل العقد أو يشترط في العقد لفظا ولكن قصده الزوج في نفسه فإذا لا يضر ولو فهمت المرأة أو وليها ذلك وقيل إن فهمت يضر ثم إذا كان الأجل واسعا لا يعيشان إليه عادة فقيه خلاف فقيل : يصح وقيل : لا
ويعاقب فاعل نكاح المتعة ولكن لا يحد . لأن له شبهة القبول بالجواز كما نقل عن ابن عباس وإن كان نقل أيضا أنه عدل عن القول بالجواز
وقد روى بعض أئمة المالكية أن رجوع ابن عباس عن هذا هو المشهود ومع ذلك فلا حد فيه لما فيه من شبهة كما يبطل النكاح بالتأقيت يبطل بالاتفاق على أن يكون سرا بشرط أن يوصي بكتمه الزوج وأن يكون الموصى بالكتم هم الشهود فإذا لم يوص الشهود بالكتمان عن زوجته القديمة مثلا بأن أو صاهم الولي أو الزوجة الجديدة أو هما معا فلا يضر فالمدار في سرية العقد على أن يكون الموصي هو الزوج والموصى هم الشهود وبعضهم يقول : لا يلزم أن يكون الموصى هم الشهود بل إذا أوصى الزوج الولي أو الزوجة أو هما معا بالسرية بطل العقد . وهذا الحكم خاص بالمالكية فلا يبطل العقد بالتواصي بكتمه على أي حال عند الحنفية . والشافعية
الشافعية - قالوا : نكاح المتعة هو النكاح لأجل فلو قال للولي : زوجني فلانة شهرا فإنه يكون نكاح متعة هو باطل ومثل ما إذا أقت بمدة عمرها أو عمره فلو قال له الولي : زوجتك فلانة مدة عمرها بطل العقد وذلك لن مقتضى العقد أن تبقى آثاره بعد الموت ولهذا يصح للزوج تغسيل زوجته ومعنى التأقيت بمدة الحياة تقتضي أن العقد ينتهي بالموت فلا تبقى آثاره فلذا كان قيد التأقيت مبطلا
وفي بعض كتب الشافعية أن نكاح المتعة عند ابن عباس هو الخالي عن الولي والمشهود وعند الجمهور هو النكاح المؤقت بوقت وتسميته نكاح متعة ظاهرة على تفسير الجمهور لأن توقيته بوقت يدل على أن الغرض منه مجرد التمتع لا التوارث والتوالد اللذان هما الغرض الأصلي من النكاح أما على تفسير ابن عباس بأنه الخالي عن الولي والشهود فتسميته نكاح المتعة لأن شأن الصادر بلا ولي وشهود أن يكون الغرض منه مجرد اللذة إذ لو كان الغرض منه التوالد والتوارث لصدر بحضرة الشهود والولي اه ملخصا من التحرير وحواشيه وقد يؤيد ذلك ما روي أن ابن الزبير قال لابن عباس : إن فعلته رجمتك ويظهر أن شبهة ابن عباس كانت ضعيفة في نظر ابن الزبير فلا توجب رفع الحد
الحنابلة - قالوا : نكاح المتعة هو أن يتزوجها إلى مدة سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة مثال المعلومة أن يقول الولي مثلا : زوجتك فلانة شهرا . أو سنة . ومثال المجهولة أن يقول : زوجتكها إلى انقضاء الموسم . أو إلى قدوم الحاج ولا فرق أيضا بين أن يكون بلفظ التزويج أو بلفظ المتعة بأن يقول المتزوج : أمتعيني نفسك فتقول : أمتعتك نفسي بدون ولي وشاهدين فنكاح المتعة يتناول الأمرين : ما كان مؤقتا مع الولي والشهود أو كان بلفظ المتعة بدون ولي وشهود وهو باطل على كل حال وكان مباحا للضرورة التي ذكرناها في الصلب وإذا لم يذكر الأجل في صيغة العقد ولكن نوي في سره أن يمكث معها مدة فإنه باطل أيضا فلا يصح إلا إذا نوى أنها امرأته ما دام حيا وكذا إذا شرط طلاقها بعد مدة ولو مجهولة فإنه لا يصح فإذا لم يدخل بها في نكاح المتعة أو فيما يشبهه فرق القاضي بينهما ولا شيء لها وإن دخل بها فعليه مهر المثل . وبعضهم يقول النكاح الفاسد بعد الدخول يوجب المهر المسمى سواء كان نكاح متعة أو غيره ولا يترتب على نكاح المتعة إحصان الزوج . ولا حلها لمطلقها ثلاثا . ولا يتوارثان ولا تسمى زوجته ولكن يلحق فيه النسب ويرث به الولد ويورث لأن الوطء وطء شبهة يلحق به الولد ولكنهما يستحقان فيه عقوبة التعزير دون الحد
الحنفية - قالوا : نكاح المتعة هو أن يقول لامرأة خالية من الموانع : أتمتع بك أو متعيني بنفسك أياما أو عشرة أيام بكذا فتقول له : قبلت وكذا إذا قال لها : متعيني بنفسك ولم يذكر مدة إذا المعول على ذكر لفظ المتعة فلو قالت له : متعتك بنفسي بكذا من المال وقيل كان نكاح متعة وقد يقال إن إثبات كونه بلفظ المتعة موقوف على النقل ولم يوجد دليل صحيح يفيد أن نكاح المتعة كان بخصوص لفظ المتعة ولذا قال بعضهم : إنه لا فرق بينه وبين النكاح المؤقت فالنكاح إذا قيد بوقت أو كان بلفظ المتعة بدون شهود كان نكاح متعة كما ذكر الحنابلة وهو باطل على كل حال فلو قال لها : تزوجتك شهرا . أو سنة أو قال : متعيني بنفسك ولم يذكر مدة فقالت : قبلت كان النكاح باطلا سواء كان أمام شهود أو لا وسواء كان الوقت طويلا أو قصيرا . على أنه إذا ذكر مدة طويلة لا يعيشان إليها عادة كما إذا قال لها : تزوجتك إلى قيام الساعة . فإنه في هذه الحالة لم يكن مؤقتا . بل يكون الغرض منه التأبيد . فيلغو الشرط . ويصح العقد . وإذا نوى معاشرتها مدة ولم يصرح بذلك فإن العقد يصح . كما إذا تزوجها على أن يطلقها غدا أو بعد شهر فإن العقد يصح ويلغو الشرط . فإن شرط الطلاق ليس تأقيتا للعقد كما تقدم في مسألة المحلل ولا يترتب على نكاح المتعة أثر . فلا يقع عليها طلاق ولا إيلاء وظهار ولا يرث أحدهما من صاحبه . ولا شيء لها إذا فارقها قبل الدخول . أما بعده فلها من المهر ما تقدم في شرائط النكاح من مهر المثل



مباحث الصداق


تعريفه

- الصداق في اللغة له أسماء كثيرة : منها المهر يقال : مهرت المرأة إذا أعطيتها المهر ولا يقال : أمهرتها بمعنى أعطيتها المهر وإنما يقال : أمهرها إذا زوجها من غيره على مهر . ومنها : الصداق بفتح الصاد . وكسرها مع فتح الدال . وهو اسم مصدر لأصدقت الرباعي . يقال : أصدقت المرأة إصداقا . إذا سميت لها الصداق . فالمصدر الأصداق . واسم المصدر الصداق
وفي الصداق لغات . فيقال فيه : صدقة . بفتح الصاد وضم الدال . وصدقة وصدقة . بسكون الدال فيهما مع فتح الصاد وضمها وهو في الأصل مأخوذ من الصدق . لأن فيه إشعارا برغبة الزوج في الزواج ببذل المال . ومن هنا يمكن أن يقال : إن معنى الصاد في اللغة دفع المال المشعر بالرغبة في عقد الزواج . فيكون المعنى اللغوي مقصورا على ما وجب بالعقد . فيكون أخص من المعنى الشرعي . لأن المعنى الشرعي يتناول ما دفع للمرأة بوطء الشبهة وغيره . مما ستعرفه . وهذا على خلاف الغالب . فإن الغالب أن يكون المعنى الشرعي أخص من اللغوي
أما معناه اصطلاحا . فهو اسم للمال الذي يجب للمرأة في عقد النكاح في مقابلة الاستمتاع بها . وفي الوطء بشبهة . أو نكاح فاسد أو نحو ذلك [1]




[1] أدخل الشافعية في المهر ما وجب للرجل الذي يفوت عليه بضع امرأته . كما إذا تزوج صغيرة فأرضعتها أمه مثلا فإنها تحرم عليه . ويتقرر للصغيرة مهر المثل وللزوج نصف مهر المثل . ومثله السيد الذي أذن أمته أن تختلع من زوجها بدون أن يعين لها قدرا تختلع عليه ففعلت . فإنه يتقرر للسيد عند جاريته مهر مثلها يأخذه من كسبها إن كان لها كسب وإلا فيصبح دينا في ذمتها يأخذه منها بعد العتق واليسار وذلك لأن المال الذي اختلعت عليه ملك لسيدها فإذا أطلق لها الإذن واختلعت بأكثر من مهر المثل طولبن بالزيادة بعد العتق واليسار أيضا وكذلك إذا شهد شاهدان على رجل بأنه طلق امرأته طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة حتى بانت وفرق القاضي بينهما ثم رجع الشاهدان عن شهادتهما فإنه يجب عليهما للزوج مهر المثل لأنهما بشهادتهما الكاذبة فوتا عليه استحقاقه في البضع ظاهرا بحكم القاضي ففي هذه الصورة يجب للزوج مهر المثل سواء كانت الشهادة قبل الدخول . أو بعده بخلاف تفويتها عليه في صورة الرضاع فليس له فيها إلا نصف مهر المثل يرجع به على المرضعة وذلك لأن فرقة الرضاع حقيقة ظاهرا وباطنا فهو لم يدخل بها حتما فله النصف . أما الفرقة في صورة الشهادة الكاذبة . فإنها في الظاهر فقط . إذ له أن يطأ امرأته متى كان متأكدا من كذب الشهود . فكأنه دخل بها فله كل مهر المثل
فإن قلت : إن مقتضى ذلك أن لا يثبت له شيء في هذه الصورة لأنه لم يضع عليه حقه في البضع باطنا . قلت : إن حكم القاضي جعل للمرأة الحق في الانفصال منه والتزوج بغيره . ولها الحق في ألا تمكنه فلا يستطيع أن يعاشرها معاشرة كاملة . فلذا كان له الحق في كل مهر المثل تعويضا . اعتبارا بأنه دخل بها . ولو كانت الفرقة قبل الدخول
ومن أجل ذلك عرف الشافعية المهر بأنه ما وجب بنكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرا عن الزوج أو خلع أو شهادة
فما وجب للرجل على الرجل . أو على المرأة يسمى مهرا عندهم أما غيرهم فقد خص المهر بما يعطى للمرأة في مقابلة الاستمتاع بها بالقوة أو الفعل فيشمل ما وجب بمجرد العقد الصحيح . وما وجب بالوطء سواء كان بعقد فاسد أو شبهة أو إكراه



شروط المهر

- وشرط في المهر أمور :
أحدها : أن يكون مالا متقوما له قيمة فلا يصح باليسير الذي لا قيمة له كحبة من بر ولا حد لأكثره كما لا حد لأقله [1] فلو تزوجها بصداق يسير ولو ملء كفه طعاما من قمح أو من دقيق فإنه يصح ولكن يسن أن لا ينقص المهر عن عشرة دراهم لما رواه جابر مرفوعا " لو أعطى رجل امرأة صداقا ملء يده طعاما كانت له حلالا " وظاهر هذا أن الصداق ليس مقصودا لذاته في الزواج وإنما هو مقصود للإشارة إلى أن الرجل ملزم بالانفاق على المرأة من أول الأمر
ثانيها : أن يكون طاهرا يصح الانتفاع به فلا يصح الصداق بالخمر . والخنزير والدم . والميتة لأن هذه الأشياء لا قيمة لها في نظر الشريعة الإسلامية وإن كان لبعضها قيمة مالية عند غيرهم كالخمر والخنزير وشحوم الميتة وجلودها والدم المتجمد عند من يأكله فإن كل هذه الأشياء لا يصح للمسلمين ملكها فلا يمكن إيجابها عليهم في الصداق فإذا سمى لها خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك مما لا يصح للمسلمين ملكها بطلت التسمية وصح العقد [2] وثبت للمرأة مهر المثل فإذا سمى لها صداقا بعضه مال وبعضه ليس بمال أو بعضه طاهر وبعضه نجس أو سمى لها صداقا نجسا وأشار إلى طاهر . أو العكس أو أجمع لها بين المهر والبيع في عقد واحد فإن في كل ذلك تفصيل المذاهب [3]
ثالثها : أن لا يكون الصداق مغصوبا فإذا سمى لها صداقا مغصوبا لم يصح الصداق [4] ويصح العقد وكان لها مهر المثل
رابعها : أن لا يكون مجهولا وفيه تفصيل [5]
ولا يشترط أن يكون الصداق خصوص الذهب والفضة بل يصح بعروض التجارة وغيرها من حيوان . وأرض . ودار . وغير ذلك مما له قيمة مالية . وكما يصح بالأعيان يصح بالمنافع أيضا كمنافع الدار . والحيوان . وتعليم القرآن . وغير ذلك على تفصيل المذاهب [6]




[1] الحنفية - قالوا : أقل المهر عشرة دراهم وهي تساوي في زماننا أربعين قرشا تقريبا ولا فرق بين أن تكون مضروبة أولا وإنما تشترط المضروبة في نصاب السرقة للقطع للاحتياط في الحد ويصح أن يسمي سلعة . أو عرض تجارة تساوي قيمتها عشرة دراهم
وقدر بعضهم الدرهم الشرعي بأربعة عشر قيراطا وقدر القيراط بأربع قمحات وسط فيكون الدرهم - 56 قمحة - وقدره بعضهم بالخرنوبة وقال : أن الخرنوبة تزن أربع قمحات وهو يزن - 16 خرنوبة - فتكون زنة الدرهم - 64 قمحة - ولكن التحقيق أن المعتبر في وزن الدرهم الشرعي أن يكون أربعة عشر قيراطا كل قيراط يساوي خمس حبات فتكون زنة الدرهم الشرعي سبعين حبة فالمراد بالدرهم الصنجة وهي آلة الوزن المعروفة وهي بالخرنوبة - 2 / 171 - لأن الخرنوبة - 4 قمحات - ويساوي الدرهم في زماننا أربعة قروش صاغ تقريبا
فإذا أمهرها أقل من عشرة دراهم فإن العقد يصح وتجب لها العشرة استدلوا لذلك ما رواه ابن أبي حاتم من حديث " لا مهر أقل من عشرة دراهم " وهو بهذا الإسناد حسن . وما ورد من أن النبي صلى الله وعليه وسلم أجاز النكاح بأقل من ذلك كما قال للاعرابي : " التمس ولو خاتما من حديد " فإنه محمول على المعجل الذي يسن فإنه يندب أن يعطي الرجل للمرأة شيئا مهما كان معسرا والباقي يبقى دينا في ذمته
المالكية - قالوا : أقل المهر ثلاثة دراهم من الفضة الخالصة من الغش . أو عرض تجارة يساوي ثلاثة دراهم وقدر الدرهم عندهم بما زنته خمسون حبة وخمسمائة حبة من الشعير الوسط فإن نقص الصداق عن ذلك ثم دخل بها ثبت العقد ووجب على الزوج أن يعطيها هذا الأقل أما قبل الدخول فهو مخير بين يتم لها الصداق إلى الحد الأدنى وهو ثلاثة دراهم . أو يفسخ العقد وعليه نصف المسمى من الصداق .
[2] المالكية - قالوا : إذا تزوجها على خمر أو خنزير ونحوهما مما لا يملك أو يباع فإن العقد يفسد ويفسخ قبل الدخول أما إذا دخل بها فإنه يثبت وتستحق المرأة صداق المثل والمراد بما لا يباع جلد الأضحية وجلد الميتة المدبوغ فإنهما يملكان ولكن لا يباعان فلا يصلحان مهرا
وحاصله أن المالكية خالفوا غيرهم في صحة العقد فقالوا : إنه فاسد يفسخ قبل الدخول ووافقوهم على أن المرأة تستحق مهر المثل بعد الدخول مع استقرار العقد .
[3] الشافعية - قالوا : إذا تزوجها بصداق بعضه مملوك له وبعضه غير مملوك بطل فيما لا يملكه دون غيره ثم ينظر في غير المملوك فإن كان مما لا ينتفع به أصلا بحيث لا يكون مقصودا لأحد كالدم وفي هذه الحالة ينعقد الصداق بالمملوك وتلغو تسمية غير المقصود وإن كان غير المملوك مما يقصد الانتفاع به كالخمر مثلا فلا يخلو إما أن تكون عالمة به عند التسمية أو لا فإن كانت جاهلة به كان لها الخيار بين فسخ الصداق وإبقائه فإن فسخته وردته ثبت لها مهر المثل وإن أبقته كان لها ما ثبت أنه مملوك له مع حصة من مهر المثل تساوي ما سماه لها من غير المملوك له مثلا إذا سمى لها صداقا خمسين ناقة وهي مهر مثلها وكان نصفها مملوكا له والنصف الآخر مغصوبا فإنها تستحق المملوك له بلا كلام ثم يقوم النصف المغصوب فإن كانت قيمته تساوي نصف صداق مثلها كان لها عليه نصف صداق المثل تأخذه دراهم أو جنيهات أو عروض تجارة أو نياقا الخ فالواجب لها عنده قيمة النياق المغصوبة بما يقابلها من مهر المثل هذا إذا سمى لها أشياء متماثلة مختلفة القيمة كالنياق أما إذا ذكر لها أشياء مثلية متحدة القيمة كما إذا سمى لها عشرة أرادب من القمح الاسترالي مثلا فإنها مثلية قيمتها واحدة . وسعرها واحد وكانت تساوي مهر مثلها ولكن نصفها مملوك له ونصفها مغصوب من جاره فإن لها في هذه الحالة الخمسة المملوكة له ولها نصف مهر المثل سواء كان مساويا لقيمة المغصوب أو أكثر أو أقل وإذا سمى لها شيئا مملوكا وشيئا لا يصح أن يملك ولا قيمة له في نظر الشرع كما إذا مهرها عشرة جنيهات وخمس زجاجات من الخمر فإن لها الجنيهات المملوكة أما الخمر فإنه يعتبر خلا ثم ينظر فيه فإن كانت قيمة الخمر كقيمة الخل فرضا كان لها خمس زجاجات من الخل وزنا أو كيلا وإلا قوم الخمر واستحق قيمة الخل التي تعادل قيمة الخمر المذكور
وإذا قال شخص لآخر : زوجتك بنتي وبعتك حمارها بجملك هذا فإنه يصح العقد والبيع والمهر ولكن يوزع الجمل على قيمة الحمار . ومهر المثل فإذا كان مهر المثل عشرة جنيهات وقيمة الحمار خمسه كان الصداق ثلثا قيمة الجمل وثلثه عن الحمار . فلو ا الزوج قبل الدخول كان له نصف العشرة التي اعتبرت صداقا . وإنما يصح ذلك إذا رضيت الزوجة بذلك . أما إذا لم ترض وكان حمارها يساوي أكثر فإن البيع يبطل وكذا إذا كان مهر مثلها أكثر فإن لها أن تطالب بما يكمل مهر المثل ولو قال له : زوجتك بنتي وبعتك حماري بهذا الجمل فإنه يبطل البيع . والصداق معا لأن جواز جمع الصفقة بين مختلفي الحكم من بيع ونكاح إنما يجوز إذا كان المعقود عليه متعلقا بواحد
الحنفية - قالوا : مثال الأول أن يتزوجها على مائة جنيه . وعلى طلاق ضرتها فلانة . فإنه جعل المهر مركبا من مال - وهو المائة - ومما ليس بمال وهو طلاق ضرتها - وفي هذه الحالة يقع عليه الطلاق في الحال بالعقد ويكون لها هي المهر المسمى لا غير . أما إذا تزوجها على مائة . وعلى أن يطلق فلانة فإن فلانة لم تطلق بالعقد طبعا لأنه وعد بتطليقها في المستقبل فإن طلقها فذاك وإن لم يطلق كان لامرأته الجديدة تمام مهر المثل إن كان المسمى ناقصا عنه وإلا فلا شيء لها ومثل ذلك ما إذا تزوجها على ألف . وهدية يهديها إليها فإن لها الحق في المطالبة بتكملة مهر المثل إن كان المسمى أقل وإلا فلا شيء لها
وإذا سمى مالا حلالا . ومالا حراما كما إذا قال لها : تزوجتك على عشرة دراهم . وعشرة أرطال من الخمر أو على عشرة دراهم وخنزير سمين مثلا . فإن العقد يصح ويكون لها العشر دراهم لا غير أما الخمر . والخنزير فلا تستحق في مقابلهما شيئا خلافا للشافعية كما تقدم وليس لها أن تطالب بمهر المثل إذا كانت العشرة أقل من مهر المثل لن الخمر والخنزير لا منفعة فيهما عند المسلمين فلا حق لها في مقابلهما فإذا ذكر أقل من العشرة كان لها المطالبة بما يكمل لها العشرة . وإذا تزوجها على مائة جنيه . وعلى طلاق ضرتها . وعلى أن يأخذ منها فرسها أو عبدها وقع الطلاق بالعقد بائنا ثم ينظر إلى قيمة طلاق الضرة وقيمة النصف الآخر مقابلة لنصف المائة الباقية ويتفرع على أن هذا أنه إذا هلك الفرس في يدها قيل أن يستلمه الزوج كان له الحق في الخمسين التي قابلت نصفه وله نصف قيمته التي قابلت نصف قيمة طلاق الضرة
فإذا تزوجها على ألف . وعلى أن يطلق ضرتها وعلى أن يأخذ حديقتها كان في هذه الصورة ثلاثة عقود : عقد زواج . وعقد بيع . وطلاق ضرة . فيجعل ما يبذله منقسما على ما تبذله هي وهو قد بذل الألف . وطلاق الضرة الذي لم يكن مالا . وهي قد بذلت الحديقة . والبضع . فصار الألف بإزاء الحديقة ونصفها بإزاء البضع . وصار نصف قيمة طلاق الضرة بإزاء الحديقة فيكون طلاقا في مقابلة مال - و هو الخلع - فالرجل طلق الضرة في مقابلة نصف الحديقة التي أخذها من الزوجة الجديدة وصار النصف الآخر بإزاء البضع . وهو ليس بمهر لأنه ليس مالا ولكن أصبح حقا للمرأة الجديدة فلا يخلو إما أن يطلقها قبل الدخول . أو بعده . وعلى كل إما أن يكون قد طلق ضرتها أو لا فالصور أربع :
إحداها : أن يطلق الجديدة قبل الدخول مع كونه قد طلق ضرتها . فإن كانت قيمة الحديقة تساوي قيمة مهر المثل استحق الزوج كل الحديقة وربع الألف التي دفعها أو هي مائتان وخمسون وذلك لأننا جعلنا نصف الحديقة في مقابلة نصف الألف والنصف الثاني في مقابلة نصف طلاق الضرة وجعلنا نصف البضع في مقابل نصف الألف الثانية ونصفه الأخرى في مقابلة نصف طلاق الضرة فإذا طلق الضرة فقد استحق بذلك نصف الحديقة وبقي النصف الآخر يستحقه بنصف الألف الذي يقابله فكانت له كل الحديقة وبقي ما تستحقه هي في مقابلة البضع وهو نصف الألف . ونصف طلاق الضرة فبقي لها نصف الألف خمسمائة تستحق نصفها بالطلاق قبل الدخول وهو مائتان وخمسون
الصورة الثانية : أن يطلقها قبل الدخول ولم يطلق ضرتها وفي هذه الحالة يكون للرجل نصف الحديقة فقط في مقابل نصف الألف والخمسمائة الأخرى إن كانت تساوي مهر مثلها كان له نصفها وهي مائتان وخمسون وإلا كمل لها نصف مهر المثل
الصورة الثالثة : أن يطلقها بعد الدخول مع كونه قد طلق ضرتها وفي هذه الحالة يكون لها الألف كاملة وتكون له الحديقة كاملة
الصورة الرابعة : أن يطلقها بعد الدخول مع كونه لم يطلق ضرتها وفي هذه الحالة تستحق المرأة مهر المثل كاملا ولا يستحق الرجل شيئا وإذا سمى لها مهرا فوجد بخلاف المسمى فهو يحتمل أربعة أوجه أيضا
الوجه الأول : أن يذكر حراما ويشير إلى حرام كأن يقول لها : تزوجتك على هذا الدن من الخمر - وهو خمر - وفي هذه الصورة يبطل المسمى . ويثبت لها مهر المثل
الوجه الثاني : أن يذكر حلالا ويشير إلى حلال يختلف معه في الجنس كذا الدن من الزيت وهو مملوء خلا وفي هذه الصورة يجب لها الزيت الموجود في الدن
الوجه الثالث : أن يذكر حراما ويشير إلى حلال كهذا الدن من الخمر وهو مملوء زيتا وفي هذه الحالة يكون لها الزيت الموجود في الدن
الوجه الرابع : عكس هذا وهو أن يذكر حلالا ويشير إلى حرام كهذا الدن من الخل فإذا هو خمر وفي هذه الحالة يكون لها مهر المثل
المالكية - قالوا : إذا سمى لها مهرا حلالا فوجدته حراما كأن قال لها : تزوجتك بهذه القلة من الخل فوجدته خمرا بعد فتح القلة فإنه في هذه الحالة يصح العقد والتسمية ويكون لها قيمة الخل وذلك نظير ما إذا سمى لها فرسا وقبضتها فوجدتها معيبة فإن لها الحق في فرس سليم من العيب وكذا إذا قال لها : تزوجتك بهذه القلة من الخمر ولكنها كانت في الواقع خلا فإنه يصح بشرط أن يتراضيا على ذلك أما إذا لم يتراضيا كان لهما فسخ العقد قبل الدخول فإن العقد قابل للطعن من كل منهما إذ لها أن تقول : إنك لم تمهرني خلا وله أن يقول : إنني لم أسم لك الخل وهذه الحالة بخلاف ما إذا عقد شخص على امرأة وهو يظن أنها في عدة الغير ثم تبين أنها في الواقع غير معتدة فإن العقد لازم لهما ولا يصح أن يتخلص منه بأنه عقد عليها وهو يظن أنها معتدة فإذا سمى لها مهرا حلالا وحراما كأن تزوجها على مائة دينار ومائة أقة من الخمر مثلا فإن المرأة تستحق بذلك الأكثر من المسمى الحلال . ومهر المثل فإن كان مهر مثلها يساوي مائة وعشرين دينارا مثلا أخذتها وإن كان يساوي تسعين دينارا أخذت المائة التي سماها ويصرف النظر عن الخمر الذي ذكره مصاحبا للحلال ومثل ذلك ما إذا تزوجها على مائة حالة . ومائة مؤجلة بأجل مجهول لموت . أو طلاق مثلا فإنه يصرف النظر عن المائة المجهولة ولها الأكثر من مهر مثلها والمائة المعلومة
أما إذا جمع بين عقد النكاح وغيره من العقود كعقد البيع . أو القرض أو الشركة أو الجعالة أو غير ذلك فإن النكاح يقع فاسدا ويفسخ قبل البناء [ يتبع . . .]
ويثبت بعده بصداق المثل وعلة ذلك أن بين أحكام البيع . وأحكام النكاح تناف فلا يصح الجمع بينهما فإن النكاح مبني على المكارمة . وغيره من العقود مبني على المشاحة وإذا فات المبيع على المشتري قبل الدخول بها لزمتها القيمة أما بعد الدخول فيلزم البيع بقيمة المبيع وإن لم يحصل فيه مفوت لأنه تابع للنكاح . مثال ذلك أن تتزوجه على داره المملوكة وتعطيه مائة جنيه من مالها فهنا عقدان : عقد نكاح وعقد شراء للدار فبعض الدار في مقابل المائة جنيه وذلك عقد بيع منه لها " وبعضها في مقابل عصمتها " وهو عقد زواج وذلك فاسد يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل ويلزم البيع ضمنا بقيمة المبيع بحيث تحتسب قيمته وما دفعته وما تستحقه من مهر المثل ويأخذ كل حقه أما إذا طلقها قبل الدخول ولم يتغير المبيع فلا يترتب على العقد شيء أما إذا نقصت قيمته لسبب من الأسباب كان له الرجوع بالقيمة ويجوز أن يجتمع عقد البيع . والنكاح في نكاح التفويض وهو عقد لا يسمى فهو المهر ولا يتفق على إسقاط المهر كأن يقول الولي للزوج : بعتك داري بمائة وزوجتك ابنتي تفويضا لأنه في هذه الحالة أعطاه الدار كمعونة له وللزوجة طلب فرض مهر لها فإن فرض لها الزوج مهر المثل لزمها النكاح بما فرضه لها . واستحقته كله بالدخول . أو الموت ونصفه بالطلاق قبل الدخول . أما إذا فرض لها أقل من مهر مثلها . فإنه يلزمها النكاح إلا إذا رضيت به
الحنابلة - قالوا : إذا سمى لها شيئين بعضهما يصلح للصداق : وبعضهما لا يصلح أخذت الصالح وكان لها الحق في المطالبة بقيمة غير الصالح فإذا تزوجها على جملين أحدهما مملوك له . والآخر مغصوب أخذت المملوك وطالبت بقيمة المغصوب ومثل ذلك ما إذا تزوجها على عبدين مملوك له ونصفه مستحق للغير كان لها الخيار بين أخذ نصفه والمطالبة بقيمة النصف الآخر أو ترك الكل والمطالبة بقيمة الجمل مشار إليهما فظهر أن أحدهما عبد والآخر حر فإنها تستحق الرقيق . وتطالب بقيمة الحر المفروض عبدا وإن تزوجها على جمل نصفه بتمامها لأن الشركة عيب توجب الخيار للمرأة ومثل ذلك ما إذا تزوجها على أرض قدرها ألف ذراع فوجدتها ثمانمائة فهي مخيرة بين أخذ ما وجدته والمطالبة بقيمة ما بقي لها من ثمن المائتين أو رد الأرض كلها وأخذ قيمتها وإذا سمى لها صداقا حلالا ثم تبين أنه حرام . أو مغصوب كان لها مثله فإذا قال لها : تزوجتك على هذا الدن من الخل فتبين أنه خمر كان لها الخل الذي رضيت نه وإذا قال لها : تزوجتك على هذا الخمر فيبين أنه خل صح وكان لها الخل ومثل ذلك ما إذا قال لها : تزوجتك على هذه الفرس التي يملكها فلان وثبت أنها ملكه هو صح وكانت لها الفرس
[4] المالكية - قالوا : إذا سمى لها مهرا مغصوبا غير مملوك له فإن كان معلوما لهما وهما رشيدان فسد العقد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل فإن كانا غير رشيدين كأن كانا صغيرين . أو أحدهما صغيرا فالمعتبر علم الولي بالغصب فمتى كان عالما بأن الصداق غير مملوك للزوج فسد العقد على الوجه المذكور أما إذا لم تعلم الزوجة بالغصب وعلم الزوج فإن النكاح يصح وإذا أخذ منها المهر المغصوب مالكه رجعت على الزوج بمثله إن كان له المثل وإلا رجعت عليه بقيمته والفرق بين الحالتين أنهما في الصورة الأولى قد أقدما على العقد بدون مهر لأن المغصوب معدوم فلا يصح جعله مهرا فكأنهما اتفقا على اسقاط المهر من أول الأمر أما في الصورة الثانية . فإن العلم من جانب واحد وهو الزوج فلا يضر
الحنفية - قالوا : إذ سمى لها مالا مغصوبا كأن تزوجها على هذا الجمل أو على هذه الحديقة أو على هذا العبد وهي غير مملوكة له فإن العقد صحيح . والتسمية صحيحة سواء علما بذلك أو جهلاه ثم إن أجاز المالك ذلك فلها عين المسمى وإن لم يجز كان لها قيمة المسمى فليس لها مهر المثل وبذلك يكون الحنابلة والشافعية على وفاق في المسألة هما المذكوران في أعلى الصحيفة السابقة والحنفية في التفصيل المذكور .
[5] المالكية - قالوا : إذا سمى لها مهرا مغصوبا غير مملوك له فإن كان معلوما لهما وهما رشيدان فسد العقد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل فإن كانا غير رشيدين كأن كانا صغيرين . أو أحدهما صغيرا فالمعتبر علم الولي بالغصب فمتى كان عالما بأن الصداق غير مملوك للزوج فسد العقد على الوجه المذكور أما إذا لم تعلم الزوجة بالغصب وعلم الزوج فإن النكاح يصح وإذا أخذ منها المهر المغصوب مالكه رجعت على الزوج بمثله إن كان له مثل وإلا رجعت عليه بقيمته والفرق بين الحالتين أنهما في الصورة الأولى قد أقدما على العقد بدون مهر لأن المغصوب معدوم فلا يصح جعله مهرا فكأنهما اتفقا على اسقاط المهر من أول الأمر أما في الصورة الثانية . فإن العلم من جانب واحد . وهو الزوج فلا يضر
الحنفية - قالوا : إذا سمى لها مالا مغصوبا كأن تزوجها على هذا الجمل أو على هذه الحديقة أو على هذا العبد وهي غير مملوكة له فإن العقد صحيح . والتسمية صحيحة سواء علما بذلك أو جهلاه ثم إن أجاز المالك ذلك فلها عين المسمى وإن لم يجز كان لها قيمة المسمى فليس لها مهر المثل وبذلك يكون الحنابلة والشافعية على وفاق في المسألة وهما المذكوران في أعلى الصحيفة السابقة والحنفية في التفصيل المذكور الحنفية - قالوا : إذا تزوجها على صداق مجهول . فلا يخلو إما أن يذكر جنسه بدون تقييد بنوع أو يذكر جنسه مقيدا بنوع ولكن لم يصفه بصفة تميزه عن غيره
مثال الأول : أن يتزوجها على ثوب أو دابة أو حيوان وبيان كون هذه الأشياء أجناسا عند الفقهاء أنها مقولة على كثيرين مختلفين في الحكم وذلك في الثوب يطلق على الكتان والقطن والحرير وحكمها مختلف فإن الحرير لا يحل لبسه بخلاف القطن والكتان فالثوب جنس وكذلك الحيوان والدابة . فإن تحتهما الحمار والفرس والشاة مما تختلف أحكامها اختلافا ظاهرا فهذه الأشياء أجناس . وما تحتها أنواع عند الفقهاء بخلاف الجنس المنطقي فإن المقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة لا في الأحكام وعلى هذا يكون الإنسان جنسا عند الفقهاء دون المناطقة لأن تحته الذكر والأنثى . وأحكامهما الفقهية تختلف فإذا ذكر ثوبا بدون أن يبين نوعه فيقول : من كتان أو قطن أو حرير فإنه يقال إنه ذكر الجنس بدون أن يقيده بالنوع وحكم هذا أن التسمية لا تصح أصلا والقاعدة أن كل ما لا تصح فيه التسمية يثبت فيه مهر المثل ذلك ما إذا تزوجها على الحيوان ولم يبين أنه فرس أو جمل أو حمار مثلا فإن التسمية تلغو ويثبت فيه مهر المثل وهكذا في كل تسمية للجنس بدون نوعه فإذا قيده بنوعه ولكن لم يصفه بصفته المميزة له عن غيره كما إذا قال لها : تزوجتك بثوب من الكتان . أو القطن أو الحرير أو قال لها : تزوجتك بفرس أو بغل أو حمار ففي هذه الحالة تصح التسمية ويكون لها الوسط من ذلك فتأخذ الثوب الذي ذكر نوعه من الوسط وهلم جرا على أن يكون للزوج الخيار بين أن يسلم النوع الوسط أو قيمته ويعتبر الوسط بغلاء السعر ورخصه على المعتمد فلا يشتري لها غاليا ولا رخيصا بل يشتري لها الوسط أما إذا ذكر لها الجنس مقيدا بنوعه ثم وصفه بصفته المميزة له كما إذا تزوجها على ثوب من الحرير البلدي الجيد كان لها المسمى فإذا لم يذكر الجيد كان لها الوسط كالأول وهكذا إذا ذكر لها حيوانا . أو عرض تجارة فإذا تزوجها على مكيل أو موزون فإن علم وصفه وجنسه كما إذا تزوجها على إردب من القمح البعلي الصعيدي الخالي من الشعير فإنه يتعين المسمى ويكون كالعرض الموصوف وإن لم يعلم وصفه كان الزوج مخيرا بين أن يدفع الوسط . أو القيمة
وإذا تزوجها على هذا الفرس أو هذا الفرس وأشار لها إلى فرسين وكان أحدهما أقل من الآخر حكم بمهر المثل فإن كان يساوي أحسنهما كان لها وإلا كان لها الأوكس فإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف الأوكس بلا خلاف
وإذا تزوجها على جهاز بيت كان لها وسط ما يجهز به النساء عادة
المالكية - قالوا : إذا سمى لها مهرا مجهولا جهالة فاحشة كما إذا تزوجها بثمرة لم تنبت بشرط بقائها حتى تنضج فإنه لا يصح ويقع العقد فاسدا يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل أما إذا سمى لها ثمرة لم يبد صلاحها بشرط قطعها فإنه يصح وإذا سمى لها مهرا مجهولا جهالة يسيرة فإنه يصح كما إذا سمى لها عشرة جنيهات وأطلق وكان في البلد الجنيه المصري والجنيه الأفرنجي فإنه يصح وتأخذ العشرة من العملة الغالية فإن سمى لها أشياء متساوية أخذت من كل صنف بنسبة ما تستحق فإن كانت المعاملة بصنفين وأخذت النصف من كل صنف ومثل ذلك ما إذا سمى لها عشرة جمال ولم يصفها أو سمى لها عشرة عبيد كذلك فإنها تأخذ العشرة من الصنف الوسط ولا تضر الجهالة في مثل ذلك
وكذا إذا تزوجها على أن يجهز لها الحق في الجهاز الوسط
الحنابلة - قالوا : إذا سمى لها مجهولا كدار غير معينة . أو دابة مبهمة . أو متاع بيته أو ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء فإن الصداق لا يصح للجهالة وإذا سمى لها ما لا قيمة له كتمرة فإنه لا يصح أيضا وذلك لأن الصداق يجب أن يكون له نصف قيمة إذ لو طلقت قبل الدخول كان لها نصف الصداق فلو سمى ما لا قيمة له لم يبق لها ما تنتفع به وهذا رأي وبعضهم يقول : إن هذا ليس بلازم بل يجوز الصداق بالقليل الذي لا قيمة له كالحبة . والثمرة وهو ظاهر المذهب وعلى كل حال فهي تستحق مهر المثل إذا سمى مجهولا . أو ما يصح
وتغتفر الجهالة اليسيرة كما إذا أصدقها جملا من جماله الكثيرة . أو فرسا من خيله . أو بغلا من بغاله أو ثوبا من هذين الثوبين فإن التسمية في كل ذلك تصح ويكون لها واحد من بين ما ذكره لها بالقرعة لأنه إذا صح أن يكون صداقا استحقت واحدا غير معين فوجبت القرعة للتعيين
الشافعية - قالوا : إذا سمى لها صداقا مجهولا في الجنس . أو الوصف كما إذا قال لها : تزوجتك على أحد هذين الثوبين . أو الفرسين أو قال لها : تزوجتك على جمل من جمالي فإن التسمية لا تصح ويكون لها مهر المثل
[6] الحنفية - قالوا : إذا تزوجها على أعيان مكيلة . أو موزونة . أو معدودة وكانت قيمتها وقت العقد تساوي عشرة دراهم فأكثر ثم نقصت قبل التسليم عن عشرة فليس لها حق في المطالبة إنما يكمل العشرة لأن المعتبر قيمتها وقت العقد أما لو تزوجها على أعيان تساوي قيمتها وقت العقد ثمانية فإنها تطالب بالاثنين ولو ارتفعت قيمتها إلى عشرة وقت التسليم
وإذا تزوجها على منافع الأعيان من سكنى داره . أو ركوب دابته . أو الحمل على جمله أو زراعة أرضه مدة معلومة فإن التسمية تكون صحيحة وتجب لها المنفعة التي سماها بلا خلاف أما إذا تزوجها على منافع معنوية كتعليم القرآن . والفقه . ونحو ذلك من علوم الدين أو على تعليم الحلال والحرام ففيه خلاف . وظاهر المذهب أنه لا يجوز ولكن المتأخرين من الحنفية قد أفتوا بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن . والعلوم الدينية للضرورة . إذ ربما لا يوجد من يعلمها مع وجوبها على المسلمين كما تقدم في مباحث الإجارة
والقاعدة أن الذي تصلح عليه الأجرة . يصح جعله مهرا . لأن الأجرة مال متقوم يقع في مقابل المهر : وعلى هذا تجوز الفتوى بصحة جعل تعليم القرآن والفقه مهرا على التحقيق وقد اعترض بعضهم على ذلك من ناحية أخرى وهي أن الزوج في هذه الحالة يكون خادما للمرأة وخدمة الرجل الحر للمرأة محرمة فلا تصح أن تكون مهرا ولكن هذا الاعتراض لا قيمة له لأن معلم القرآن والعلم لا يقال له خادم بل هو سيد عرفا أما غير التعليم بأن تزوجها على طاعة من الطاعات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها كأن تزوجها على أن يحج بها فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل ومثل ذلك ما إذا تزوجها على طلاق امرأة بدون أن يضم ذلك إلى مال فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل وكذلك إذا تزوجها على أن يكون خادما لها وهو حر لا عبد فإنه لا يصح وذلك لأن للزوج حق القيام على المرأة فلو أصبح خادما لها بعقد كان ممتهنا إذ يكون لها الحق في أن تستعمله استعمال السيد لعبده وذلك لا يجوز بخلاف ما إذا كان عبدا بطبيعته ورضيت به زوجا فإنه يصح أن يتزوجها على أن يكون خادما لها لأن صفته هذه لازمة له : فلا مانع من أن يخدم امرأته
وليس من الخدمة المهينة أن يتزوجها على أن يزرع لها أرضها . أو يرعى لها غنمها مدة معينة فإنه يصح أن يكون ذلك مهرا على الصواب وذلك لأنهم قالوا في الإجارة : لا يجوز للولد أن يستأجر أباه للخدمة ولكن يجوز أن يستأجره للرعي والزراعة لأنه لا امتهان في الحالة
وليس من الخدمة المهينة أيضا أن يتزوجها على أن يرعى غنم أبيها كما وقع لموسى مع شعيب عليهما السلام مما قصه الله علينا في القرآن وشرع من قبلنا شرع لنا عند عدم ناسخ وفي هذه الحالة يضمن الولي للزوجة مهر المثل
وإذا تزوجها على خدمة امرأة حرة فإنه يصح متى رضيت المرأة أما إذا تزوجها على أن يخدمها رجل حر غيره برضاء ذلك الرجل مدة معينة . فإن ترتب على خدمة ذلك الرجل الأجنبي مخالطة تفضي إلى الانكشاف والفتنة . فإنه لا يجوز ويكون للزوجة قيمة خدمته مهرا وإن لم يترتب عليها هذا المحظور فإنه يصح وتسلم إليها خدمته وإذا لم يرض ذلك الرجل بالخدمة ثبت للمرأة قيمة الخدمة ومثل ذلك ما إذا تزوجها على أن يخدمها رجل حر مدة غير معينة . فإن فيها التفصيل المتقدم من الجواز عند عدم الفتنة والمنع عند الفتنة [ يتبع . . .] [ تابع . . . 2] : - وشرط في المهر أمور :
المالكية - قالوا : إن المهر يصح أن يكون عينا من ذهب . أو فضة . أو عرض تجارة . أو حيوان . أو دار . أو نحو ذلك وأما المنافع من تعليمها القرآن ونحوه . أو سكنى الدار . أو خدمة العبد ففيها خلاف فقال مالك : إنها لا تصلح مهرا ابتداء أن يسميها مهرا وقال ابن القاسم : تصلح مهرا مع الكراهة وبعض الأئمة المالكية يجيزها بلا كراهة والمعتمد قول مالك طبعا . ولكن إذا سمى شخص منفعة من هذه المنافع مهرا فإن العقد يصح على المعتمد ويثبت للمرأة المنفعة التي سميت لها وهذا هو المشهور فالمالكية ينظرون إلى قول مالك فينهون عن جعل المهر منفعة ابتداء وينظرون إلى قول من أجاز فيعملون به بعد الوقوع بالفعل
الشافعية - قالوا : يصح الصداق بالمنفعة والقاعدة عندهم أن كل ما صح ثمنا في البيع صح صداقا فيصح أن يشتري دارا بمنفعة أرضه الزراعية مدة معلومة فكذلك يصح أن تجعل هذه المنفعة صداقا فكل عمل يستأجر عليه من تعليم قرآن . وفقه . ونحوهما وتعليم صناعة كنسج . وخياطة أو يتزوجها على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا أو يقوم لها بالخدمة ولو حرا فإنه يصح أن يكون صداقا كما يصح أن يكون ثمنا
وقد أورد على قولهم : كل ما صح ثمنا صح صداقا انه لو تزوج عبد امرأة حرة على أن يكون مملوكا لها فإنه لا يصح بل يبطل النكاح لأن كونه مملوكا ينافي كونه زوجا لها إذ لا يجوز أن يتزوج العبد سيدته ولكن العبد يصح أن يكون ثمنا لشيء آخر فقولهم : كل ما يصح ثمنا يصح مهرا لا يطرد وأيضا لو جامع شخص أمه بشبهة وجاءت منه بولد ثم اشتراها وكبر ولده فأراد أن يجعلها مهرا لابنه في عقد زواجه فإنه لا يصح لأن معنى ذلك أنها تدخل في الولد أولا حتى يصح كونها صداقا ومتى ملكها عتقت عليه وبذلك تكون حرة فلا تصلح أن تكون صداقا وهي تصح أن تكون ثمنا لشيء آخر
وذكر بعضهم مثالا آخر وهو ما إذا كان معه ثوب واحد يتوقف عليه ستر عورته فإنه لا يصح جعله صداقا وإن صح جعله ثمنا ولكن هذا المثال ليس بشيء . لأنه متى توقف عليه ستر العورة فإنه لا يصح جعله صداقا وثمنا وهو ظاهر والجواب عن هذا أن المراد بقولهم : كل ما صح ثمنا صح صداقا في الجملة بحيث إذا لم يمنع آخر كما في الأمثلة المذكورة فإن الذي منع كونها صداقا ما عرض لها من الحرية ومنافاة كون العبد زوجا لسيدته
الحنابلة - قالوا : يصح المهر بالمنافع كما يصح بالأعيان فلو تزوجها على أن يرعى لها غنمها أو يزرع لها أرضها . أو نحو ذلك فإنه يصح بشرط أن تكون المنفعة معلومة فإن كانت مجهولة فإن التسمية لا تصح ويلزم بمهر المثل ويصح للحر أن يتزوج امرأة على أن يخدمها مدة معلومة . أو على أن يأتي لها بخادم حر يخدمها مدة معلومة . والعبد من باب أولى وكذلك يصح أن يتزوجها على عمل معلوم كخياطة ثوب معين سواء خاطه هو أو غيره فإن تلف الثوب قبل خياطته كان عليه نصف قيمة أجرته وإن طلقها قبل الدخول . وقبل خياطته كان عليه نصف خياطته إن أمكن وإلا فعليه نصف الأجرة وكذلك يصح أن يتزوجها على تعليم أبواب من الفقه أو الحديث . أو على تعليم شيء مباح من الأدب . والشعر أو تعليم صنعة . أو كتابة أو غير ذلك مما يجوز أخذ الأجرة عليه فإنه يصح ويلزم به إن تعذر عليه تعليمها فإن طلقها قبل الدخول . وقبل تعليمها فإنه يلزم أجرة تعليمها وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة إن كانت الفرقة من قبله أما إن كانت بسببها فإنه يرجع عليها بكل الأجرة
هذا ولا يصح أن يكون تعليم القرآن صداقا " فإذا قال لها : تزوجتك على أعلمك القرآن . أو بعضه فإن التسمية لا تصح ويلزم بمهر المثل وما ورد في حديث الواهبة نفسها من أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : " زوجتك إياها بما معك من القرآن " . فإن معناه بسب كونك من أهل القرآن فلم يكن مهرا ولم يشر في الحديث إلى التعليم
ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بهذا الرجل ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه و سلم زوج غلاما على سورة من القرآن ثم قال : " لا تكون بعدك مهرا " رواه البخاري وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية ولكن المتأخرين أفتوا بجواز تعليم القرآن مهرا كما ذكرنا وعلى هذا تكون المذاهب في هذه المسألة هكذا : تعليم القرآن لا يجوز أن يكون صداقا عند الحنابلة بلا خلاف ويجوز أن يكون صداقا عند الشافعية بلا خلاف ويمتنع عند المالكية ابتداء على المعتمد فإن وقع بالفعل نفذ لأن بعض أئمتهم يقول بجوازه . والظاهر من مذهب الحنفية المنع وهو المذكور في فتاوي المتقدمين كالحنابلة وأجازه المتأخرون للضرورة قياسا على جواز أخذ الأجرة عليه للضرورة



أقسام الصداق . الخلوة - النكاح الفاسد

- ينقسم الصداق إلى قسمين : الأول ما يجب بالعقد الصحيح . الثاني : ما يجب بالوطء بنكاح صحيح أو فاسد أو بشبهة فأما ما يجب بالعقد الصحيح فهو الصداق المسمى [1] . أو مهر المثل عند عدم التسمية ويجب بمجرد العقد الصحيح ولكن مع احتمال سقوطه كله . أو نصفه فيسقط كله إذا عمات الزوجة عملا يوجب الفرقة بينهما كما إذا ارتدت . أو عملت شيئا يوجب حرمة المصاهرة فإن صداقها يسقط قبل الوطء لأن الفرقة وقعت بسببها ويسقط نصفه إذا طلقها هو قبل الدخول وكانت الفرقة منه لسبب آخر من ردة وعمل ما يوجب حرمة المصاهرة
ويتأكد كل المهر بحيث لا يحتمل السقوط . بأمور : منها الوطء . ومنها موت أحد الزوجين . ومنها الخلوة الصحيحة [2] . وغير ذلك على تفصيل في كل هذه الأمور [3]




[1] المالكية - قالوا : يجب بالعقد الصحيح نصف المهر لا كل المهر كما هو المذهب
[2] الشافعية . والمالكية - قالوا : الخلوة لا يتأكد بها المهر على أي حال وهذا هو رأي الشافعي في الجديد أما في القديم فقد قال : إن الخلوة كالوطء في تأكد كل المهر
[3] المالكية - قالوا : الأمور التي بها كل الصداق بمعنى أنه يثبت بها كله بعد أن كان ثابتا نصفه بالعقد ثلاثة : الأول الوطء . ويشترط فيه أن يكون واقعا من بالغ وأن تكون المرأة مطيقة فلو كان غير بالغ . أو كانت هي صغيرة لا تطيق الوطء فإن الوطء لا يتقرر به كل الصداق
والمراد بالوطء إيلاج الحشفة أو قدرها ولو لم تزل به البكارة بلا فرق بين أن يكون في القبل . أو الدبر ولا يشترط فيه أن يكون حلالا بل وقع منه ذلك حال الحيض . أو النفاس وإحرام أحدهما . أو صيامه الفرض . أو اعتكاف أو غير ذلك مما لا يحل معه وطء فإنه يكفي لتقرير كل الصداق وإذا أزال بكارتها بإصبعه ثم طلقها قبل الوطء كان لها الصداق مع أرش البكارة - تعويض - إذا كانت تتزوج بعد ذلك إلا بمهر الثيب وإلا فليس لها سوى نصف الصداق . الثاني : موت أحد الزوجين ويتقرر به جميع الصداق المسمى في العقد . أو بعده أما إذا مات أحدهما في نكاح التفويض الآتي وهو أن تفوض لوليها زواجها بالمهر الذي يراه . أو يفوض وليها للزوج فرض المهر الذي يراه فإنه إذا مات الزوج قبل الدخول وقبل أن يفرض لها المهر فإنها لا تستحق شيئا لا فرق في ذلك بين أن يكون العقد صحيحا أو فاسدا فسادا غير مجمع عليه كما إذا عقد عليها وهو محرم . أو عقد عليها بدون ولي فإن كان فاسدا عند المالكية ولكنه صحيح عند الحنفية فيجب به كل المهر حال الموت ونصفه حال الطلاق وإذا ماتت المرأة بقتل نفسها كراهة في زوجها فإن لها الحق في كل الصداق أما إذا قتلت زوجها تخلصا منه فعليه خلاف والظاهر أنها لا تستحق الصداق بل تعامل بنقيض غرضها لئلا يكون ذلك ذريعة لقتل النساء أزواجهن . وكذا إذا قتل السيد أمته المتزوجة فإن صداقها لا يسقط عن زوجها . الثالث : إقامة الزوجة سنة عند زوجها وإن لم يدخل بها فإن إقامتها هذه المدة يتقرر بها كل الصداق فتقوم مقام الوطء فهذه هي الأمور الثلاثة التي يتقرر بها كل الصداق
هذا وإن ادعت المرأة أنه وطئها وأنكر هو ينظر فإن كان قد اختلى بها خلوة اهتداء وتسمى خلوة إرخاء الستور وتثبت هذه الخلوة بإقرارهما . أو بشهادة شهود ولو امرأتين حلفت المرأة اليمين على دعواها الوطء فإذا حلفت استحقت كل المهر أما إن نكلت : حلف الرجل : فإن حلف استحقت نصف المهر فقط وإن نكل استحقت كل المهر
وخلوة الاهتداء هي أن يوجد معها وحدها في محل ويرخي الستور على نوافذه أن كانت ستور وإلا فيكفي غلق الباب الموصل لهما بحيث لا يصل إليهما أحد . وسميت خلوة اهتداء لما فيها من الهدوء والسكون لأن كل واحد منهما اهتدى للآخر ويسكن له
ويشترط لهذا الحكم بلوغ الزوجة فإن كانت صغيرة وادعت الوطء مع ثبوت خلوة الاهتداء حلف الزوج واستحقت نصف المهر ووقف النصف الآخر حتى تبلغ وتحلف فإن حلفت استحقت النصف الثاني ولا يلزم في هذه الحالة تحليف الزوج مرة أخرى ولا يبطل دعوى المرأة الوطء قيام مانع بها من حيض أو نفاس أو صوم أو إحرام أو نحو ذلك وقيل : يبطل ذلك دعواها إن كان الزوج معروفا بالعفة والصلاح بحيث لا يليق به أن يفعل ذلك والمشهور الأول وإذا اختلى بها خلوة اهتداء وادعت عدم الوطء ووافقها الزوج على ذلك صدقت بلا يمين سواء كانت بالغة الرشدة . أو سفيهة لا تحسن التصرف في المال . أو كانت صغيرة أما إذا لم يوافقها الزوج بأن قال : إنه وطئها وهي أنكرته . فإن كانت سفيهة أخذ بإقراره أما إن كانت رشيد - وهي الحرة البالغة التي تحسن التصرف - فلا يخلو إما أن يصر هي على تكذيبه . وفي هذه الحالة يؤخذ بإقراره لاحتمال أنه وطئها وهي نائمة أو غائبة العقل لأمر ما . وإما أن لا يصر على إقراره بل يرجع عنه . وهي مصرة على تكذيبه . وفي هذه الحالة يؤخذ برجوعه أيضا . فإن رجع هو عن إقراره . ورجعت هي عن إنكارها . فإن كان رجوعها قبل رجوعه ثبت الوطء . وإن أقرت هي بالوطء بعد أن رجع هو عند هذا الإقرار . فليس لها إلا النصف كاستمرارها على تكذيبه
هذا في خلوة الاهتداء ويقابلها خلوة الزيادة وهي أن تزوره في بيته أو يزورها في بيتها أو يزور الاثنان شخصا آخر في بيته . فإن زارته هي في بيته وادعت الوطء وأنكر صدقت بعد أن تحلف اليمين على ذلك وإن زارها في بيتها وادعت وأنكر عمل بقول باليمين أيضا ومثل ذلك ما إذا زارا أجنبيا في بيته فإنها إن ادعت وأنكره عمل باليمين لأن الظاهر يصدقه فإن ادعى هو الوطء وأنكرت هي كان الحكم هو ما تقدم في خلوة الاهتداء
الحنفية - قالوا : الأمور التي يتأكد بها المهر ولا تحتمل السقوط خمسة :
أحدها : الوطء حقيقة أو حكما في عقد صحيح فالحقيقي هو إيلاج الحشفة أو قدرها في قبل امرأة والحكمي هو الخلوة بشرائطها الآتية ومنها يعرف أن الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا يثبت لها كل الصداق . لا بدعوى الوطء ولا الخلوة
ثانيها : موت أحد الزوجين إذا مات الزوج موتا طبيعا أو مات مقتولا بيد أجنبي أو بيد زوجته أو قتل نفسه فإن الصداق المسمى يتقرر كله للزوجة فإن لم يكن مسمى تقرر لها صداق المثل كله وكذا إذا قتل الزوجة أجنبي أو قتل زوجها أما إذا قتلت نفسها فإن كانت حرة فإنه يتقرر لها كل الصداق أيضا وأن كانت أمة فقتلت نفسها فالصحيح إنه لا يسقط وإن قتلها مولاها قبل الدخول فإنه يسقط إذا كان سيدها عاقلا بالغا أما إذا كان صبيا أو مجنونا فإنه لا يسقط لأن فيه اجحافا بهما
هذا إذا مات أحد الزوجين أما إذا ماتا معا فإن تقادم العهد ولم يتيسر للقاضي معروفة مهر المثل فإنه لا يقضي لورثة الزوجة بشيء عند أبي حنيفة . وأما إذا لم يتقادم وأمكن معرفة مهر المثل . فإنه يقضي به باتفاق
ثالثها : الخلوة الصحيحة وهي أن يجتمعا في مكان وليس هناك مانع يمنعهما من الوطء لا حسا ولا شرعا ولا طبعا فالمكان الذي تصح فيه الخلوة أن يكونا آمنين من إطلاع الغير عليهما بغير إذنهما كأن يكون في محل مغلق الأبواب والنوافذ التي يمكن الإطلاع عليهما منها فلا تصح الخلوة في الصحراء وإن لم يكن بقربهما أحد إلا إذا أمنا مرور إنسان فإنها تصح وكذا لا تصح على سطح ليس على جوانبه بناء يمنع من رؤيتهما فإذا أمنا هجوم الغير عليهما فإن الخلوة تصح وإن خلا بها في طريق يؤمن مرور الناس بها في وقت معين فإنه يصح وإلا فلا وإذا خلا بها في مكان غير مسقوف باب مغلق فإنه يصح وكذا في كرم وإذا اختلى بها في حجرة في بيت به سكان وأغلق الباب . أو أرخى الستر الذي به يأمن هجوم أحد فإنها تكون خلوة صحيحة ولا تصح الخلوة في المسجد ولا في الحمام ولا في الطريق العام
وأما المانع الحسي الذي يمنع من الوطء فمثاله أن يكون الرجل مريضا سواء كان مرضه يمنعه من الوطء بالمرة أو كان لا يمنعه . ولكن يلحق به ضرر لأن الغالب أن الرجل المريض تنصرف نفسه عن الشهوة فلا يطلب النساء ولو كان مرضه يسيرا لأنه لا بد يوجد عنده فتور يصرفه عن الشهوة أما المرأة فإن مرضها يمنع صحة الخلوة إذا كان شديدا يمنعها من الحركة أما إذا كان فتورا وتكسرا فإنه لا يمنع مادام الرجل صحيحا وليس من المانع الحسي كون الرجل عنينا . أو مجبوبا أو خصيا فخلوة المجبوب والعنين والخصي صحيحة عند أبي حنيفة أما الخصي وهو مقطوع - الأنثيين - فظاهر لأنه يمكنه الوطء وكذلك العنين فإنه يمكنه أن يدخل ولو بأصبعه وأما المجبوب فإنه يمكنه أن يساحق وينزل وتحمل منه كما تقدم في المحلل
ومن المانع الحسي القرن - بفتح الراء وسكونها - وهو شيء يوجد يسد فرج المرأة فيمنع من دخول الذكر وهو إما عظم أو غدة أو لحم زائد . والرتق : وهو تلاحم بين ضفتي الفرج ويقال : إنه لحم أو غدة تسد الفرج فيكون مرادفا للقرن . والعقل : وهو لحم ناتئ من خارج الفرج . فسده " كالأدرة للرجال " ومن المانع الحسي الصغر فإذا كانت المرأة صغيرة لا تطيق الوطء . أو كان الزوج صغيرا لا يمكن لمثله أن يجامع النساء . فإنه يمنع الخلوة الصحيحة . وإذا قال أبو الصغيرة : إنها لا تطيق الوطء . وقال الزوج إنها تطيق تحكم النساء لما لهن من الخبرة في ذلك . وفي زماننا تحكم الطبيبات لما لهن من زيادة الخبرة
ومثال المانع الشرعي أن تكون المرأة حائضا أو نفساء أو يكون أحدهما صائما صيام رمضان أو محرما للنسك سواء كان محرما لفرض أو نفل أو مقيما لصلاة مفروضة . أما صيام التطوع فلا يمنع في ظاهر الرواية وصلاة التطوع لا تمنع قولا واحدا
ومثال المانع الطبيعي أن يوجد معهما ثالث يمنع الخلوة . وقد يقال : إن هذا مانع مشاهد . فهو من المانع الحسي . وقد مثل للمانع الحسي بعضهم به وعندي أنه يصح أن يراد من المانع الطبيعي ما كان راجعا إلى الخلقة . سواء كان عارضا أو كان موجودا في الأصل وحينئذ فيصح أن يمثل للمانع الطبيعي بالقرن والرتق والعقل والمرض . فهذا هو المانع الطبيعي المنسوب للطبيعة . وهي الخلقة . وكونه محسا مشاهدا لا ينافي تسميته طبيعيا . أما وجود ثالث معهما . فإنه مانع حسي فقط . لأنه غير متعلق بالخلقة فالأولى أن يعكس المثيل
ويشترط في الثالث الذي يمنع الخلوة أن يكون كبيرا يعقل . أم إذا كان صغيرا لا يعقل . بحيث يمكنه أن يعبر عما وقع بينهما . فإنه يمنع الخلوة . وإذا كان الكبير الذي يعقل أعمى . أو نائما فإنه يمنع صحة الخلوة لأن النائم يخشى تنبهه . والأعمى يشعر ويحس . لا فرق بين أن يكون ذلك بالليل . أو بالنهار على التحقيق . إلا إذا عرف الزوج حالهما أنهما لا يعرفان . كما إذا كان بالأعمى صمم أو كان النائم ثقيل النوم لا يدرك شيئا أو لا يستيقظ فإن الخلوة في هذه الحالة تصح مع وجودهما وإذا كانت معهما جارية أحدهما . فإنها لا تمنع الخلوة وإذا كان معهما كلب فإن كان عقورا فإنه يمنع الخلوة سواء كان كلب الرجل أو المرأة لعدم قدرتها عليه حال الوطء أما إذا كان غير عقور . فإنه يمنع إذا كان للزوجة . لأنها هي التي تفترش فيظن الكلب أن ذلك اعتداء عليها فيمنعها وقال بعض المحققين إن كلب الرجل لا يمنع مطلقا . سواء كان عقورا أو غيره وذلك لأن صاحبه هو الأعلى . فلا يهيجه شيء . أما أنا فأقول : إن كلبيهما لا يمنعان مطلقا . لأن كلا منهما يستطيع إسكاته بانتهاره . فإذا لم يستطيعا انتهاره لا فرق بين أن يكون للرجل أو للمرأة فإن كلب الرجل يهيج على المرأة انضماما لصاحبه . وكلبها يهيج على الرجل انضماما لصاحبته بصرف النظر عن كون صاحبه غالبا أو مغلوبا فالذي أراه أن الكلب إذا كان لا يمكن زجره منع من صحة الخلوة وإلا فلا سواء كان للرجل أو للمرأة
فالخلوة بهذه الشروط يتقرر بها جميع المسمى من الصداق وجميع مهر المثل عند عدم التسمية وكذلك يثبت بها النسب . ولو من المجبوب وتلزم بها النفقة والسكنى والعدة وحرمة نكاح أختها . فهي تقوم مقام الوطء إلا في حق زوال البكاوة فإن الخلوة دون الوطء تجعل المرأة بكرا تتزوج كالأبكار وكذا في حق الإحصان فإن الخلوة لا تجعلهما محصنين وكذا في حق حرمة البنات فإن الرجل إذا خلا بالزوجة لا تحرم عليه بنتها . وكذا إذا كانت مطلقة ثلاثا وخلا بها بدون وطء فإنها لا تحل للأول كما تقدم وكذا في حق الميراث ولا تورث بالخلوة
هذا وهل تجب العدة بالخلوة الفاسدة أو لا ؟ خلاف والصحيح أنها تجب احتياطا وذلك لأن المرأة سلمت نفسها ولكن وجد مانع من جهته مثل إذا خلا الرجل بالمرأة في مكان وكانت حائضا أو نفساء أو كان أحدهما صائما رمضان أو كان أحدهما مريضا مرضا ثقيلا أو كان بها مانع حسي فإن خلوته بها توجب الظن على أي حال فيجب أن تعتد منه في الجميع
وبعضهم يرى أنها تعتد إذا كان المانع شرعيا كالحيض والنفاس والصيام لأن هذا يتأتى معه الوطء بخلاف ما إذا كان المانع طبيعيا كالمرض الشديد الذي لا يتأتى معه الوطء وكما إذا كان بالمرأة مانع طبيعي يمنع الوطء فإن الخلوة في هذه الحالة لا قيمة لها مطلقا ولكن المذهب الأول لأن العدة ليست مبنية على الوطء وإنما هي مبنية على تسليم المرأة نفسها للوطء في مكان صالح له فإذا تحقق هذا المعنى وجبت العدة ظاهرا وهل تجب ديانة ؟ والجواب أن لا فرق في هذا السؤال بين أن تكون العدة صحيحة أو فاسدة فقد قالوا : إذا كانت المرأة موقنة بأنه لم يطأها . حل لها أن تتزوج بدون عدة ديانة لا قضاء
وبعد فقد ذكرنا لك ثلاثة أمور يتأكد بها جميع الصداق وهي الوطء والخلوة الصحيحة . وفصلنا لك الكلام في الخلوة لتكون على بينة منها [ يتبع . . .]
والثالث : موت أحد الزوجين وموت الرجل قبل الدخول : مثل الوطء في حق العدة والمهر وموت أحدهما مثل الوطء في حق المهر
أما الأمر الرابع الذي يتأكد به جميع الصداق فهو ما إذا طلق امرأته طلاقا بائنا بعد الدخول بها ثم رجع إليها ثانيا وهي في عدتها منه بمهر جديد فإن المهر المسمى لها في العقد الثاني يثبت جميعه بمجرد العقد بدون دخول أو خلوة لأن وجودها في العدة قائم مقام الخلوة وزيادة وقد اعترض بعضهم على الزيادة بأنها استحقت الصداق جميعه بناء على الوطء الأول والعدة أثر من آثاره فكأنه دخل بها فلم يترتب استحقاقها الصداق كله على مجرد العقد الثاني بل على الوطء الأول ويجاب على هذا بأن هذه الصورة لا وطء فيها على كل حال . وسواء ترتب كل المهر على المهر الحاصل في عدتها منه أو على الوطء الأول قبل طلاقها . فإنه ينبغي أن تبين هذه الصورة ويلفت النظر لها فلا يصح إهمالها لما فيها من اشتباه واضح فلا معنى للاعتراض على عدها . وزاد بعضهم سببا خامسا يتقرر به كل المهر وهو أن يزيل بكارتها بأصبع ونحوه ولكن هذا ليس بشيء وذلك لأنه إذا زال بكارتها بأصبعه في خلوة تأكد لها المهر كله بالخلوة الصحيحة وإلا فلا شيء عليه ولهذا قالوا : إذا دفع امرأته في غير خلوة دفعة شديدة فأزال بكارتها ثم طلقها قبل الدخول لا يلزم إلا بنصف المهر ولا يلزم بتعويض عن إزالة البكارة أما إذا لم تكن امرأته فدفعها دفعة شديدة أزال بكارتها تزوجها وكان لها عليه مهر مثلها بسب إزالة البكارة والمهر الذي سماه لها فتحصل أن الأسباب التي يتأكد بها الصداق عند الحنفية ينبغي عدها أربعا لا خمسا مع مراعاة أن كل المهر في الصورة الرابعة إما مرتب على العقد الثاني في عدتها منه أو على الوطء الأول قبل طلاقها لأنه باق ببقاء أثره وهي العدة
فهذه الأمور يتأكد المهر بواحد منها ولا يحتمل السقوط بعد ذلك إلا بالإبراء فلو جاءت الفرقة من قبلها بأن ارتدت . أو طاوعت ابن زوجها بعدما دخل بها أو خلا بها ابن زوجها أو قبلته بشهوة التي يتأكد بها الصداق فإن فعلت شيئا من ذلك فإن مهرها جميعه يسقط لمجيء الفرقة من قبلها
الشافعية - قالوا : يتأكد المهر ولا يحتمل السقوط بأمرين :
أحدهما : الوطء وهو إيلاج الحشفة أو قدرها في قبل المرأة أو دبرها وإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها في العادة ويصدق بيمينه إذا نفى الوطء ولا يشترط الخلو من الموانع الشرعية فإذا وطئها وهي حائض أو نفساء أو كان أحدهما صائما أو غير ذلك فإن المهر جميعه يتأكد بذلك
ثانيهما : موت أحدهما قبل الوطء سواء كان الموت طبيعيا أو قتلت الزوجة الحرة نفسها . أو قتلها زوجها أما إذا قتلت هي زوجها فإن مهرها يسقط . وكذا إذا كانت أمة وقتلت نفسها أو قتلها سيدها قبل الدخول أو قتلت هي أو سيدها زوجها فإن مهرها يسقط في هذه الأحوال فلا يتقرر المهر إلا بهذين فلا يتقرر باستدخال ماء الزوج إلى داخل الفرج بغير الذكر كما إذا وضعته في أنبوبة فأفرغته في فرجها كما لا يتقرر بالخلوة الصحيحة والمباشرة في غير الفرج حتى لو طلقها بعد ذلك فلا يجب إلا نصف المهر
الحنابلة - قالوا : يتأكد المهر بأربعة أمور :
أحدها : الوطء في قبل أو دبر ولو كان ممنوعا بأن وقع في حيض أو نفاس أو غيرهما
ثانيها : الخلوة . ثالثها : اللمس بشهوة والنظر إلى فرجها بشهوة وتقبيلها ولو بحضرة الناس
رابعها : موت أحد الزوجين فإذا كان بالزوج عيب يوجب الفسخ ومات أحدهما قبل الفسخ كان لها الصداق كاملا لأنه يتقرر بالموت ولا يرجع به الزوج على أحد . لأن سبب الرجوع الفسخ وهو لم يحصل أما إذا فسخ قبل الموت وقبل الدخول فلا شيء لها . فزاد الحنابلة اللمس بشهوة والقبلة بحضور الناس . فجعلوا ذلك من الأسباب التي تؤكد المهر وترفع احتمال سقوطه



وأما القسم الثاني وهو ما يجب بالوطء فقد عرفت أن الوطء تارة يكون بعقد صحيح وتارة يكون بعقد فاسد ويترتب على وطء العقد الصحيح تأكد المهر كله أما الوطء بالعقد الفاسد فإن في المهر الذي يجب به تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : تقدم أن الذي يجب بالوطء المبني على العقد الصحيح هو تأكد المهر كله بحيث لا يحتمل السقوط حتى ولو فعلت المرأة ما يوجب الفرقة من ردة ومطاوعة ابن زوجها في فعل الفاحشة وغير ذلك . أما إذا طلقها الرجل قبل الوطء أو الخلوة الصحيحة سقط نصف المهر وثبت لها نصفه وكذا الحكم في كل فرقة جاءت من قبل الزوج مثل ردته وزناه بأم امرأته أو بنتها وتقبيلهما بشهوة فإنه إن فعل ذلك قبل الخلوة بامرأته أو الوطء فإنه يثبت لها نصف المهر ثم إن ادعت المرأة الوطء أو الخلوة وأنكر الزوج دعواها كان القول قولها لأنها تنكر سقوط صداقها والقول للمنكر وبعضهم يقول : إن القول للرجل لأنه ينكر وجوب الزيادة على النصف
وبالتأمل يتضح أن القولين متعارضان لأننا إذا جرينا على قاعدة أن القول للمنكر فقط فإنه يصح اعتبار كل منهما منكرا كما بينا ولهذا رجح بعضهم القول الأول بوجه آخر وهو أن العقد الصحيح يوجب كل المهر فالسبب الصحيح الموجب للمهر هو العقد الصحيح وأما نقصه إلى النصف فهو بسب آخر عارض وهو الفرقة التي تأتي من قبل الزوج فإذا لم يثبت هذا الأمر العارض كان الشيء باقيا على أصله . فالرجل يدعي وجود هذا العارض والمرأة تنكر فالقول لها
هذا هو حكم الوطء بالعقد الصحيح وهو تأكد كل المهر المسمى فإذا لم يسم مهرا أصلا أو سماه تسمية فاسدة كما إذا سمى خمرا أو خنزيرا أو غير ذلك مما تقدم أو نفاه بأن تزوجها على أن لا مهر لها فإنه يجب لها مهر المثل ومثل ذلك ما إذا قالت له : زوجتك نفسي بخمسين جنيها مثلا وأبرأتك منها فقبل أو تزوجها على حكمها في المهر أو على حكمه هو أو على حكم شخص آخر أو على ما في بطن أغنامه أو على أن يهب لها ألف درهم أو على طلاق ضرتها فإنه في كل ذلك يتقرر لها مهر المثل وقد تقدم نحو ذلك في شروط الصداق أما إذا كان الوطء بعقد فاسد فإنه ينظر فيما إذا كان قد سمى لها مهرا أو لا . فإن كان قد سمى لها مهرا قورن بينه وبين مهر مثلها فإن كان المسمى أقل من مهر المثل كان لها المسمى وإن كان أكثر من مهر المثل كان لها مهر المثل فالذي تستحقه المرأة بالوطء في النكاح الفاسد إنما هو الأقل من المسمى ومن مهر المثل . أما إذا لم يكن قد سمى لها مهرا فإن لها مهر المثل بالغا ما بلغ ولا يثبت للمرأة شيء في العقد الفاسد إلا بالوطء فلا شيء لها إذا طلقها قبل الوطء حتى ولو خلا بها لن الخلوة في النكاح الفاسد فاسدة وذلك لأن الوطء فيه محرم فهو يشبه الخلوة بالحائض التي يحرم وطؤها فلا يثبت لها المهر غلا بالوطء في القبل لا في الدبر
ثم إن النكاح الفاسد قسمان : قسم يوجب المهر ويثبت به نسب ولا تجب به عدة ويقال له : باطل وذلك كما إذا تزوج محرما من محارمه فإن العقد على واحدة منهن وجوده كعدمه ومثله العقد على متزوجة . أو معتدة إن علم أنها للغير فهذا العقد كعدمه وهو عقد باطل يوجب الوطء به الحد إن كان عالما بالحرمة وإلا رفع عنه الحد لشبهة ومثله أيضا إذا أرغمته على أن ينكحها مكرها فإن النكاح في هذه الحالة لا يوجب مهرا ولكن بعد الوطء يثبت به النسب وتجب العدة
وقسم يجب به المهر والعدة ويثبت به النسب وذلك فيما إذا فقد شرطا من شرائط الصحة عندنا ولكن قال بجوازه غيرنا ومثاله النكاح بدون شهوة فإن المالكية قالوا : بصحة العقد من غير شهود . ونكاح أم المزني بها والمنظور إليها بشهوة ونكاح البنت من الزنا فإن العقد عليها صحيح عند الشافعية . وكذلك العقد على من طلقت بعد الخلوة الصحيحة بدون عدة . فإنه صحيح عند الشافعية لأن العدة لا تثبت إلا بالوطء وكذا نكاح الأمة على الحرة فإنه يصح عندنا ولكن الشافعية قالوا بجوازه إذا كانت الأمة غير مملوكة له أما إذا كانت مملوكة فإنه لا يصح له العقد عليها لأن العقد الملك وعقد الزواج بينهما تناف في الأحكام فالعقد في هذه الأمثلة وإن كان فاسدا عندنا ولكنه صحيح عند غيرنا فيجب به المهر وتثبت به العدة والنسب وهناك أمثلة أجمع الأئمة الأربعة على فسادها ولكن الحنفية يقولون : إن الوطء فيها يثبت به النسب . وتجب به العدة . ولا يحد فاعله كما إذا تزوج الأختين معا في عقد واحد ودخل بهما أو تزوج أخت مطلقته قبل انقضاء عدتها منه . أو طلق امرأته الرابعة وعقد على غيرها قبل انقضاء عدتها . أو تزوج في عقد واحد ووطئهن . فإن ظاهر كلامهم أن العقد فاسد لا باطل بمعنى أنه يجب به المهر وتجب به العدة ويثبت به النسب مع أنه لم يقل أحد من الأئمة المعروفين بجوازه على أن بعضهم قال : إذا تزوج الكافر مسلمة فولدت منه يثبت النسب وإن دخل بها تجب العدة بفراقها ولكن الصحيح أن هذا العقد باطل لا قيمة له فلا يثبت به نسب ولا تجب به عدة كنكاح المحارم والمعتدة سواء بسواء
ويظهر أن هذه الأمثلة يرتب فيها العقد الفاسد آثاره لما فيها من شبهة الحل بالقياس على غيرها فإنه لولا مراعاة رابطة الأخاء لم يكن هناك فرق بين الأخت والأجنبية في عدم انتظار الرجل وكذا لولا مراعاة أن المتزوج أربعا لا يحل له العقد على خامسة والمرأة المطلقة في حكم الباقية على ذمته ما دامت معتدة منه لم هناك وجه لانتظار عدتها ولذا لو كان متزوجا ثلاثا وطلق إحداهن فإن له الحق أن يعقد على أخرى بدون انتظار فلذا اعتبر الحنفية هذه الأمثلة من النكاح الفاسد لا الباطل لما فيها من شبهة تجعل لصاحبه المعذرة على أن نقول فيما يترتب على النكاح الفاسد من الآثار قد اختلفت حتى إن بعضهم قال : إن الصواب ثبوت العدة والنسب في النكاح الباطل والفاسد بلا فرق في جميع الأمثلة المذكورة ولكن المشهور ما ذكرناه من التفصيل ثم إن النكاح الفاسد أو الباطل لا يتوقف فسخه على القاضي بل لكل واحد منهما فسخه ولو بغير حضور صاحبه سواء دخل بها أو لا . وتجب العدة من وقت التفريق . ويثبت النسب له كما تقدم وتعتبر مدة ثبوت النسب - وأقلها ستة أشهر - من وقت الوطء فإذا وطئها أول يوم من الشهر ثم جاءت بولد بعد نهاية ستة أشهر ثبت نسبه منه وإلا فلا
وسيأتي بيان ذلك في مبحث العدة
الشافعية - قالوا : الوطء يتأكد به جميع الصداق متى كان بعقد صحيح كما يقوله الحنفية والحنابلة إلا في نكاح المفوضة وهي التي تفوض أمر زواجها إلى الولي بدون مهر فإنه يتقرر لها بالوطء المبني على العقد الصحيح مهر المثل فإن طلقها قبل الوطء فلا شيء لها وإنما تجب لها المتعة الآتي بيانها وكذلك يتقرر لها مهر المثل بموت أحدهما . أو بفرض صداق لها برضاهما أو بحكم القاضي لأن للمفوضة الحق في طلب فرض المهر قبل الوطء فيتأكد لها المهر بثلاثة أمور : الوطء أو موت أحدهما ولو قبل الوطء أو فرض المهر وكما يتقرر لها بالوطء في العقد الصحيح كذلك يتقرر لها مهر المثل بالوطء في العقد الفاسد وذلك لأن الوطء يجب مهر المثل في العقد الفاسد للشبهة وفي الحالة الآتي بيانها
والنكاح الفاسد هو ما اختل فيه شرط من الشروط المتقدمة أما النكاح الباطل فهو ما اختل فيه ركن وحكم الفاسد والباطل واحد في الغالب فمن الأنكحة الباطلة نكاح الشغار الآتي بيانه وهو أن يزوج بنته في مقابل زواج بنت الآخر بدون مهر . ومنها نكاح المتعة المتقدم ذكره و الأول باطل لاختلال ركنه وهو الزوجة فإن جعلها محلا للعقد هي وصداقها للأخرى فمورد النكاح الذي يرد عليه : امرأة وصداق فقد جعل المرأة عوضا . ومعوضا والثاني باطل لاختلال الصيغة . وهي من أركان النكاح لأنه يشترط فيها أن لا تكون مؤقتة بوقت . ومنها نكاح المحرم بالنسك وهو باطل لاختلال المحل وهو الزوج أو الزوجة وهما ركنا النكاح إذ الشرط خلوهما من الموانع والاحرام من الموانع عند الشافعية ومنها أن ينكح الولي من له عليها الولاية لرجلين ولا يعرف العقد السابق فإن العقدين يبطلان كما تقدم وبطلانهما لاختلال المحل وهو المرأة فإنها ليست محلا لتزوج اثنين هذا والوطء بنكاح الشغار والنكاح المؤقت ونكاح المحرم بالنسك ونكاح المرأة التي عقد عليها الولي لاثنين لا حد فيه وتجب به العدة ويثبت به النسب ومهر المثل [ يتبع . . .] [ تابع . . . 2] : - ينقسم الصداق إلى قسمين : الأول ما يجب بالعقد الصحيح . الثاني : ما يجب
ومنها نكاح المتعة أو المستبرأة من غيره ولو من وطء بشبهة ولا بد من انقضاء عدتها . أو مدة استبرائها بيقين فإن عقد عليها وهي في العدة أو زمن الاستبراء ولو شكا ووطئها كان عليه الحد في هذه الحالة لأنها في عصمة الغير ما دامت في عدته فوطؤها في هذه الحالة يكون زنا يوجب الحد . فلا يثبت به النسب ولا عدة فيه ولا مهر إلا إن ادعى الجهل بحرمة النكاح في العدة . والاستبراء من غيره فلا حد عليه . وكذلك تحد المرأة إلا إذا ادعت الجهل مثل الرجل وكانا ممن يعذران بالجهل كما إذا كانا قريبي عهد بالإسلام . أو ولدا في جهة منقطعة عن الحركة العلمية الدينية . ومنها العقد على امرأة مرتابة في انقضاء عدتها فإن رأت أمارات الحمل من حركة أو ثقل فإنها في هذه الحالة لا تكون محلا للعقد لما قلنا : من إنه يشترط أن تكون خالية من العدة يقينا فلو عقد عليها في هذه الحالة وقع العقد باطلا ولو ظهر أنها غير حامل على المعتمد وذلك لأنه لا يصح الإقدام على العقد إلا بعد التيقن وهذا بخلاف ما إذا غاب الرجل على امرأته زمنا طويلا حتى صار مفقودا وتزوجت بغيره قبل ثبوت موته أو طلاقه ثم ظهر أنه ميت أو مطلق فإن العقد الثاني يقع صحيحا وذلك لأنه في الثاني نظر للواقع لأن المرأة لم تخاطب بعده حتى يجب عليها التيقن فلذا نظر في جانبها للواقع بخلاف الأول كالثاني ولكن المعتمد هو البطلان كما عرفت . ومنها نكاح الوثنية التي لا كتاب لها على التفصيل المتقدم وبطلانه ظاهر لأنها غير محل للعقد . ومنها نكاح المرتدة فإنه باطل لاختلال ركنه وهي لا تحل لمسلم ولا غيره لبقاء علاقتها بالإسلام فإن ارتدت وهي تحت مسلم قبل الدخول بطل النكاح وإن بعده وقف البطلان حتى تنقضي العدة إن بقيت بدون أن ينفذ عليها الحد ولو جامعها لا حد عليه لشبهة بقاء العقد كما يأتي . ومنها أن ينكح الحر أمته المملوكة له فإن العقد يقع باطلا لكونها ليست محلا للعقد لاختلاف الأحكام فإن النكاح يقتضي طلاقا وقسما وظهارا وغيرها والملك لا يقتضي شيئا من ذلك فإن أراد زواجها وجب عتقها
واعلم أن كل وطء لا يجب به الحد على الفاعل يوجب العدة ويثبت به النسل ويجب به مهر المثل وإلا كان زنا لا يثبت به شيء . ويوجب الحد وقولهم : يوجب الحد على الفاعل خرج به ما يوجب الحد على المفعول دون الفاعل في بعض الصور وذلك كما إذا زنى مراهق ببالغة أو مجنون بعاقلة فإن الحد لا يجب على الزاني منهما لصغره أو جنونه وإنما يجب على الزانية لبلوغها وعقلها ومع ذلك فإنه في هذه الحالة تجب على المرأة العدة ويثبت النسب ويستثنى من قاعدة - كل ما لا حد فيه تجب فيه العدة ويثبت به النسب - وطء المكره لامرأة مختارة فإنه يرتفع عنه الحد بشبهة الإكراه ولكنهما مع ذلك زانيان فلا مهر ولا عدة ولا نسب وذلك لأن الإكراه لا يبيح الزنا بل قالوا : إن الإكراه على الزنا غير ممكن لأن الوطء يستلزم توجه النفس حتى يمكن الانتشار والإيلاج أما المكره فإن نفسه متأثرة بما لا يمكن معه الانتصاب والإيلاج فليس المكره كالمراهق والمجنون الذي لا يعقل
وإذا أردت معرفة العقد الفاسد فارجع إلى محترزات النكاح المتقدمة
المالكية - قالوا : النكاح الفاسد نوعان : نوع مجمع على فساده بين الأئمة . ونوع غبر مجمع على فساده فالأول كنكاح المحارم بنسب أو رضاع و الجمع بين ما لا يحل الجمع بينهما وتزوج خامسة في عدة الرابعة وهذا لو وقع يفسخ قبل الدخول وبعده بلا طلاق فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء فيه لأن القاعدة أن كل عقد فسخ قبل الدخول لا صداق فيه كان متفقا على فساده أو مختلفا فيه سواء كان الفساد بسبب العقد أو بسبب الصداق بأن كان خمرا أو نحوه أو كان بسببهما معا إلا إذا تزوجها بمهر دون أقل المهر - كدرهمين - مع أن أقله ثلاثة فإن لها نصف الدرهمين بالفسخ قبل الدخول ومثل ذلك فرقة المتراضعين وفرقة المتلاعنين قبل الدخول فإن لهما نصف الصداق المسمى أما إن فسخ بعد الوطء فإنه يثبت به الصداق فإذا جمع بين البنت وعمتها أو خالتها في عقد واحد أو عقدين ولم يعرف السابق منهما ووطئهما كان لهما الصداق وعليهما الاستبراء بثلاث حيضات ثم إن كان قد سمى لهما مهرا حلالا كان لهما المسمى أما أن سمى لهما مهرا حراما - كخمر ونحوه - كان لهما صداق المثل ولا يحدان إلا إذا كانا عالمين بالتحريم والقرابة فإن كانا عالمين بذلك وجب عليهما الحد لكونه زنا في هذه الحالة
ومن المجمع على فساده النكاح المؤقت وقد تقدم أن فيه المهر المسمى على المعتدة وأن لا حد فيه ولكن فيه العقاب والتأديب بالوطء ويفسخ بلا طلاق ومنه نكاح المتعة إذا كان غير عالم ويفسخ بلا طلاق قبل الوطء وبعد أما إن كانا عالمين فإنهما يكونان زانيين يجب عليهما الحد
وأما النوع الثاني : وهو غير المجمع على فساده فمنه النكاح حال الإحرام بالنسك فإنه فاسد عند المالكية . صحيح عند الحنفية وفيه المسمى إن كان حلالا بعد الوطء ومهر المثل إن كان المهر حراما - كخمر وخنزير - ولا شيء فيه إن فسخ قبل الوطء كما عرفت . ومنه نكاح الشغار فإنه وإن كان لا يجوز الإقدام عليه بالإجماع ولكن الحنفية يقولون بصحته بعد الوقوع والمالكية يقولون بفساده كما يأتي وفيه مهر المثل بالوطء ومنه أن تتولى المرأة زواج نفسها بدون ولي فإنه جائز عند الحنفية وفيه المسمى إن كان حلالا كما تقدم ومنه نكاح السر المتقدم ويفسخ قبل الدخول لا بعده ومنه النكاح بصداق فاسد والنكاح على شرط يناقض العقد وقد تقدم تفصيل كل هذا
وحاصله أن الوطء المترتب على العقد الفاسد يوجب المهر المسمى - إن كان المهر حلالا - للمرأة إن كان فساده يرجع إلى نفس العقد كأن اختل شرط منه أو ركن أو يرجع إلى فساد العقد وفساد الصداق بأن يكون أقل من ثلاثة دراهم أو غير مملك أو نحو مما تقدم في شروط صحة الصداق أما إذا كان المسمى حراما - كخمر أو خنزير - فإن الوطء يوجب مهر المثل وكذا إذا لم يسم المهر أصلا - كنكاح الشغار الآتي - فإن طلقها قبل الوطء في النكاح الفاسد سقط المسمى ومهر المثل فلا مهر لها سواء كان مجمعا على فساده أو لا أما إذا مات أحدهما قبل الوطء فإن كان فساده لفساد الصداق سقط الصداق مطلقا أي سواء اتفق على فساد العقد بالصداق - كما إذا سمى خمرا - أو لا - كما إذا سمى آبقا - وإن كان الفساد لنفس العقد فإن كان الفساد متفقا عليه - كنكاح المتعة - سقط الصداق بالموت قبل الوطء أيضا . وإن كان الفساد مختلفا فيه . فإن كان الفساد لم يحدث خللا في الصداق - كنكاح المحرم بالنسك - فإن الموت لا يسقط المهر . بل يثبت لها الصداق المسمى . أو مهر المثل على الوجه السابق وإن أحدث خللا في الصداق - كنكاح المحلل - فإنه لا يثبت فيه الصداق إلا بالوطء . فإذا أحدث خللا في الصداق والنكاح بشرط أن لا ترث منه أو لا يرث منها فإنه يسقط بالموت
الحنابلة - قالوا : الوطء المترتب على النكاح الفاسد يوجب المهر المسمى . فإن لم يكن قد سمى لها مهرا وجب لها مهر المثل . والخلوة توجب الصداق في النكاح الفاسد كالوطء . خلافا للحنفية الذين قالوا : إن الخلوة في النكاح الفاسد لا توجب الصداق وخلافا للمالكية والشافعية الذين قالوا : إن الخلوة لا توجب الصداق لا في العقد الفاسد ولا الصحيح . ويشترط أن يكون الوطء في القبل أما إذا وطئها في الدبر فإنه لا يتقرر به الصداق ولكنه في هذه الحالة يتقرر الصداق بالخلوة . إذ ليس من المعقول أن يطأها في الدبر في غير الخلوة . ومن ذلك المكرهة على الزنا ولو كانت من محارمه فإنه يجب لها الصداق لإكراهها أما إذا زنى برضاها فلا شيء لها طبعا
والنكاح الفاسد هو اختل فيه شرط . ومنه نكاح المتعة ويجب فيه المسمى على هذه القاعدة ولكنهم قالوا : إنه يجب فيه مهر المثل دون المسمى بالوطء . ومنه نكاح المحلل وقد مر بيانه ويلحق به النسب ولا يحصل به الإحصان . ولا الحل للمطلق ولها بالوطء المسمى كما عرفت ومنه نكاح الشغار الآتي بيانه ومنه أن يشترط ما ينافي العقد كأن يتزوجها بشرط أن لا يحل له وطؤها ومنه غير ذلك مما تقدم في بيان الشروط والأركان وقد عرفت الحكم العام في الفاسد والباطل



مبحث الوطء بشبهة

- وأما الوطء بشبهة فإن ما يوجبه من مهر ونحوه فيه تفصيل المذاهب [1]




[1] الشافعية - قالوا : الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل فمن ظن في نائمة أنها زوجته فوطئها وهي لا تدري ثبت لها مهر مثلها أما إذا أحست به وعلمت فإنها تكون زانية يجب عليها الحد
وقد قسم الشافعية الشبهة التي تدرأ الحد ويتقرر بها مهر المثل إلى أربعة أقسام : شبهة الفاعل وهي ما إذا وطئ امرأة وهو يظن أنها زوجته أو أمته ثم تبين غير ذلك وهذا الفعل لا يتصف بحل ولا حرمة وذلك لأن فاعله غير مكلف لأن الفعل صدر عنه وهو غافل . ومتى انتفى تكليفه انتفى وصف فعله بالحل والحرمة . الثانية : شبهة الملك وهي إذا ما وطئ الأمة المشتركة بينه وبين غيره أو وطئ مكاتبته فإنه لا يجوز وطئها ولكنه إذا جهل التحريم ووطئ لشبهة الملك رفع عنه الحد ويوصف فعله في هذه الحالة بالحرمة لأنه ما دام علم أن ملكه غير خالص فيجب عليه أن يتحرى إن كان جاهلا . الثالثة : شبهة الطريق وهي ما إذا فعل لشبهة الحل بقول عالم يصح تقليده وذلك كما إذا تزوج امرأة بلا ولي ولا شهود ووطئها بناء على ما ذهب إليه داود الظاهري من صحة ذلك فإن قلده فلا حرمة ولا حل وإن لم يقلده حرم عليه . الرابعة : شبهة المحل وهي ما إذا اشتبه في حل الموطوءة له كما إذا وطئ جارية أبيه أو وطئ أبوه جاريته وهذا الوطء حرام لأن لا يصح الإقدام عليه مع الشك في الملك
وعلى كل حال فلا حد في الوطء للشبهة بأنواعها الثلاثة ويجب فيها مهر بكر دون أرش بكارة على المعتمد فإن كانت ثيبا فلها مهر مثل الثيب . وبعضهم قسم الشبهة إلى ثلاثة أقسام فقط فجعل شبهة الملك وشبهة المحل واحدة ثم إن اتحد شخص الشبهة لا يتعدد المهر كما إذا وطئ نائمة بشبهة أنها امرأته اليوم ثم وطئها بنفس هذه الشبهة بعد أيام وكان لم يدفع لها المهر فإن عليه مهرا واحدا . أما إذا وطئها بشبهة الملك ليوم ثم وطئها بعد أيام بشبهة أخرى فإن عليه مهرين لا مهر ا واحدا ويعتبر حال المرأة وقت الوطء الأول فإن وطئها وهي جميلة - لها مهر كثير - ثم وطئها ثانيا بنفس الشبهة الأولى بعد أن عرض لها ما فقدت به شيئا من جمالها تستحق المهر على الحالة الأولى
الحنفية - قالوا : الوطء بشبهة يجب فيه مهر المثل والقاعدة عند الحنفية أن كل وطء في دار الإسلام بغير ملك يمين إما أن يوجب - المهر أو الحد ثمان مسائل :
إحداها : الصبي إذا نكح بدون إذن وطاوعته فإنه لا مهر عليه ولا حد بوطئها
ثانيها : شخص يملك أمة فباعها بيعا صحيحا ثم وطئها قبل أن يسلمها للمشتري فلا حد عليه ولا مهر لها ولكن للمشتري أن ينقص من ثمنها ما قابل البكارة إن كانت بكرا وإلا فلا
ثالثها : إذا تزوجت ذمية ذميا بغير مهر ثم أسلما فلا حق لها في مطالبته بعد الإسلام متى كانت شريعتهما لا مهر فيها من قبل الإسلام
رابعها : السيد إذا تزوج أمته من عبده فلا مهر لها على الأصح
خامسها : العبد إذا وطئ سيدته بشبهة فلا مهر لها ولا حد
سادسها : إذا وطئ حربية
سابعها : إذا وطئ شخص جارية موقوفة عليه فإنه لا مهر عليه ولا حد
ثامنها : إذا وطئ الجارية المرهونة بإذن الراهن ظانا حلها فلا حد عليه ولا مهر لها على أن المراد بمهر المثل عندهم في الوطء بشبهة هو ما يسمونه عقرا وقد فسره بعضهم بأنه قدر ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز ولكن الصحيح أن العقر هو مهر المثل بالنسبة للجمال فقط فتعطى مهر الجميلة بصرف النظر عن حسبها أو مالها والشبهة التي تسقط الحد هي ما يشبه الشيء الثابت مع كونه غير ثابت في الواقع ونفس الأمر وتنقسم إلى ثلاثة أقسام : شبهة المحل وهي التي نشأت عن دليل موجب للحل في المحل ولكن عرض مانع يمنع الحل فوجود الدليل أوجد شبهة في حل المحل يعني الموطوءة ولو علم ذلك العارض الذي منع الحل مثال ذلك أن يطأ الرجل أمة ولد ولده وإن سفل بناء على حديث " أنت ومالك لأبيك " فظاهر هذا الحديث يفيد أن اللام للملك ومعنى ذلك أن الولد وما يملكه من مال مملوك لأبيه فأمة الابن مملوكة للأب ولكن هذا الظاهر من الحديث عارضه الإجماع على أن اللام فيه ليست للملك بل معنى " أنت ومالك لأبيك " منسوب لأبيك . فهو الأصل الذي يترتب عليه وجودك فأحرزت هذا المال فلا تضيق عليه ولكن مع هذا شبهة الحل لا تزال قائمة عملا باللام في قوله : " لأبيك " وكما تسمى هذه الشبهة بشبهة المحل كذلك تسمى شبهة الملك وتسمى شبهة حكيمة أعني التي ثبتت فيها شبهة حكم الشرع بحل المحل ومن ذلك ما إذا طلق امرأته بلفظ الكنايات كقوله : أنت بائن أو بتة أو خالصة أو نحو ذلك فبانت منه ثم وطئها وهي في العدة فإنه لا يحد بذلك ووجب عليه الصداق وذلك لشبهة الدليل وهو قول عمر رضي الله عنه : الكنايات رواجع وهذا رأي بعض الأئمة أما عندنا فقد قام الدليل على أن الكنايات يقع بها بائنا فيحرم وطؤها في العدة إلا إذا عقد عليها عقدا جديدا ولكن لا حد عليه ولو كان عالما بالتحريم عند الحنفية لقيام الشبهة التي أحدثها الدليل في المحل . ومن ذلك ما إذا باع جاريته بيعا صحيحا ثم وطئها قبل أن يقبضها المشتري فإن ذلك يرفع الحد كما تقدم أما إذا وطئها بعد القبض فإنه يحد أما إذا باعها بيعا فاسدا ووطئها قبل القبض لم يكن مما نحن فيه لأنها لم تخرج عن ملكه بالبيع الفاسد وإذا وطئها بعد القبض كان له شبهة في الملك لأن له حق الفسخ فيعود له ملكها على أنه يثبت لها بالوطء بعد القبض مهر المثل لأن المبيع بيعا فاسدا يملك بالقبض ومن ذلك ما إذا وطئ امرأته بعد ردتها فإن بعض علماء الحنفية أفتوا بعدم الفرقة بردة المرأة فإذا جاءت الردة من قبلها لا يفسخ النكاح فوطؤها في هذه الحالة ليس بحرام وكذا إذا طاوعت زوجة الرجل ابنه فزنى بها فإنها تحرم على أبيه عندنا ولكن إذا وطئها أبوه بعد ذلك فإن شبهة الحل قائمة بها فلا يحد وذلك لأن الشافعي قال : إن الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة وهذا النوع يسميه الشافعية شبهة الطريق أي الشبهة التي أوجدها الدليل في المحل . ومنه ما إذا وطئ الرجل أم زوجته فإن زوجته تحرم عليه عند الحنفية ولكن إذا وطئ زوجته بعد ذلك فإنه لا يحد لأن الأمام الشافعي قال : إن الزنا بالأمهات لا يوجب الحرمة . القسم الثاني : شبهة الفعل وتسمى شبهة اشتباه بمعنى أنها تعتبر شبهة في حق من حصل عنده اشتباه بأن ظن حل الفعل مثال ذلك أن يطأ الشخص أمة أبيه . أو أمه ظنا منه أن ذلك جائز أو يطأ امرأته التي طلقها ثلاثا وهي في العدة ظانا أن ذلك جائز ويكفي في ذلك أن يدعيا الظن أما إذا أقرا بأنهما يعلمان بالتحريم فإنهما يحدان
هذا وإذا طلقها بلفظ الكناية ونوى بذلك الطلاق الثلاث ثم وطئها في العدة فإنه لا يحد ولو كان عالما بالتحريم ومثل الطلاق الثلاث الطلاق البائن كما إذ طلقها بالخلع على مال ثم وطئها في العدة فإن كان عالما بالتحريم فإنه يحد وإلا فلا . في الأول يكون له شبهة اشتباه في حل الفعل
الثالثة : شبهة العقد فإذا عقد على محرم من محارمه ووطئها وكان غير عالم بالتحريم فإنه لا يحد لأن العقد أحدث عنده شبهة وهذا باتفاق . أما إذا كان عالما بالتحريم فإنه يحد عندهما لا عنده ولكن مع هذا يثبت بها النسب ولا فرق بين أن تكون من المحارم نسبا أو رضاعا أو مصاهرة فلو تزوج أخته من الرضاع ظانا حل ذلك ووطئها لا حد ويثبت بوطئه النسب ولها الأقل من المسمى ومهر المثل كما تقدم أما إذا عقد على من لا تحل له بسبب آخر ووطئها كأن عقد على معتدة للغير ووطئها أو وطئ من طلقها ثلاثا بدون محلل أو تزوج خمسا في عقد واحد فوطئهن أو جمع بين أختين في عقد فوطئهما أو عقد على أختين بعقدين متعاقبين ثم وطئ الأخيرة التي يثبت بطلان عقدها فإنه لا حد في كل ذلك بالاتفاق ولو كان عالما بالتحريم ولكن يعاقب عقوبة شديدة
فالخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه في العقد على المحارم ووطئهن فهما يقولان : إن علم بالحرمة حد وإلا فلا وهو يقول : لا يحد مطلقا لا فرق بين المحارم وغيرهن ومدار الخلاف أن المحارم تصلح لأن تكون محلا للعقد أو لا ؟ الإمام يقول : إن المرأة في ذاتها صالحة ليعقد عليها ما دامت محلا قابلا للغرض من العقد وهو التناسل و التوارث بصرف النظر عن عاقد خاص فإن تحريم المحرم جاء من عارض آخر فأورث ذلك شبهة في جواز العقد عليها أما هما فقالا : إنها ليست محلا لعقد هذا العاقد بخصوصه . ولا يسقط الحد عمن وجد امرأة أجنبية نائمة على فراشه فظنها امرأته فوطئها وذلك لأنه إما مبصر أو أعمى وكان الوقت نهارا أو ليلا مظلما فإن كان مبصرا وكان الوقت نهارا لم يكن لاشتباهه معنى فإن يفرق بضرورة في هذه الحالة بين امرأته وغيرها فلو فعل بها كان زانيا عليه الحد وهي لا محالة أنها تراه وتعلم به فإذا فرض ولم تشعر به حتى أولج ارتفع عنها الحد وثبت لها مهر المثل وإن كان أعمى أو كان الوقت ليلا فالمفروض في هذه الحالة أن يطأها بعد أن يدعوها لهذا العمل إذ لا يليق أن يقدم الإنسان على فعل كهذا من غير أن تشعر به امرأته المشاركة له في الاستمتاع اللهم إلا إذا كان أعمى وناداها فأجابته على أنها امرأته وفي هذه الحالة تحد هي لا هو وبعضهم يرى سقوط الحد إذا كان أعمى أو كان الظلام حالكا . لأنه يلزم بإيقاظ امرأته لإتيانها فلو فرض ووقع ذلك سقط الحد أما إذا كان في النهار وكان الرجل مبصرا أو في الليل ولم يكن الظلام شديدا بحيث يمكن للمبصر أن يميز فإنه لا يسقط الحد قولا واحدا
المالكية - قالوا : الوطء بشبهة يوجب مهر المثل ويسقط الحد والمالكية يعتبرون الشبهة في غير العمد فمتى كان غير متعمد بأن كان ناسيا كما طلق امرأته طلاقا بائنا ونسى فوطئها أو كان غالطا بأن أراد أن يجامع امرأته فغالط في غيرها أو كان جاهلا للحكم بأن كان قريب عهد الإسلام ويجهل أن الزنا محرم وكذلك من له شبهة في الملك بأن ملكها بعقد غير صحيح عندهم ولنكه صحيح عند غيرهم فإنه لا يحد ومنه وطء زوجنه في دبرها فإن بعضهم قال : إن الرجل يملك التسلط على دبر امرأته ولكنه قول شاذ ضعيف فلو فعل شخص ذلك الفعل مع امرأته فإنه لا يحد ولكنه يؤدب لأنه لم يرتكز على قول صحيح فما نسب إلى المالكية من جواز ذلك فهو محمول على ذلك القول الشاذ الضعيف والمعتمد عندهم أنه حرام يوجب التأديب وإن سقط به الحد
ويحد واطئ المعتدة من الغير على التحقيق وكذلك من وطئ خامسة أو طلق زوجته طلاقا باتا ووطئها عمدا وغير ذلك مما هو مبين في حد الزنا
الحنابلة - قالوا : الوطء بشبهة يوجب مهر المثل . ويرفع الحد والشبهة في الملك كأن يطأ أمته المحرمة عليه برضاع لاعتقاد حلها بملكه أو اشتبه في عينها بأن ظنها امرأته وليست كذلك . أو وطئها بعد طلاق بائن في عدتها منه أو وطئ أمة مشتركة بينه وبين غيره لشبهة الملك أيضا . أو وطئ في عقد فاسد عند الحنابلة صحيح عند غيرهم فإن كل هذا يرفع الحد



مبحث نكاح الشغار أو جعل كل من المرأتين صداقا للأخرى

- الشغار في أصل اللغة رفع الكلب رجله عند البول ثم استعمل لغة فيما يشبهه من رفع رجل المرأة عند الجماع ثم نقله الفقهاء واستعملوه في رفع المهر من العقد فهو عند الفقهاء أن يتزوج اثنان امرأتين على أن تكون أحدهما في نظير صداق الأخرى وفي صحة ذلك وعدمه اختلاف المذاهب [1]




[1] المالكية - قالوا : الشغار ينقسم إلى ثلاثة أقسام : شغار صريح وهو أن يقول له : زوجني أختك مثلا على أن أزوجك أختي بحيث لا يكون لإحداهما مهر بل بضعها في نظير بضع الأخر . الثاني ويقال له : وجه شغار وهو أن يقول له : زوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة فالأول صريح الشغار لأنه رفع منه المهر رأسا فلم يسميا لأحد مهرا والثاني يقال له : وجه شغار لأنه وإن كان قد سمى لكل منهما صداقا ولكنه اشترط زواج إحداهما في نظير الأخر فالتسمية في هذه الحالة كلا تسمية الثالث : المركب منهما وهو أن يقول له : زوجني أختك مثلا بخمسين جنيها على أن أزوجك أختي أو أمتي بلا مهر فهو في هذه الحالة صريح فيمن لم يسم لها وذو وجه فما سمى لها
وحكم الشغار الصريح البطلان فيفسخ العقد قبل الدخول وبعده فإن فسخ قبل الدخول فلا شيء لهما وإن فسخ بعده كان لهما مهر المثل بالوطء . وحكم وجه الشغار البطلان ولكن يفسخ قبل الدخول لا بعده بطلاق أما بعده فإن العقد فيه يثبت بالأكثر من المسمى . وصداق المثل بمعنى أنها تأخذ الأكثر فإذا كان قد سمى لها خمسين وكان صداق مثلها كان لها الحق في المائة وبالعكس ولو وقع وجه الشغار لا على الشرط فإنه يصح . فلو زوجة أخته بمائة فكافأه الآخر على ذلك وأعطاه أخته بمائة فإنه يصح . أما حكم المركب منهما فإن المسمى لها يفسخ عقدها قبل الدخول ويثبت بعده بالأكثر من المسمى ومهر المثل وأما غير المسمى لها فإن عقدها يفسخ قبل الدخول وبعده ولها في حال الفسخ بعد الدخول صداق المثل
الشافعية - قالوا : الشغار هو أن يقول له : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل منهما صداق الأخر فيقول : قبلت وكذا لو قال له : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك وبضع كل منهما ومائة جنيه صداق الأخر فإن ذكر المال لم يخرج البضع عن كونه صداقا وعله التحريم أنه جعل كلا منهما مشتركا فيها لأن كل واحدة مستحقة للرجل ولا بنته فهي زوجة للرجل وصداق لبنته فكأن بضعها مشترك فيه اثنان . فأشبهت المتزوجة بالاثنين فلو لم يذكر البضع بأن قال : زوجتك بنتي بمائة على أن تزوجني بنتك بمائة فإن العقد يصح ولكن يبطل المسمى وذلك لأنه جعل المسمى في العقد الثاني زواج البنت والمائة وزواج البنت الثانية غير معلوم فبطل المسمى كله في الثاني ويبطل في العقد الأول لنه مبني على الفاسد - وهو الثاني - لأن النكاح مشروط به والمبني على الفاسد فاسد
هذا وإذا وطئها في نكاح الشغار كان لها مهر المثل كما تقدم فإن الشافعية يقولون : إن النكاح الفاسد يوجب مهر المثل
وليس من الشغار ما يقع في الأرياف من الاتفاق على أنه يتزوج ابنا الرجلين بنتي الآخر مع عدم ذكر صداق لهما وعدم التعرض لذلك في العقد
الحنفية - قالوا : نكاح الشغار . هو أن يزوج الرجل بنته لابن الآخر مثلا في نظير أن يزوج الآخر ابنته لا بنه . على أن يكون بضع كل منهما صداقا للأخر كما فسره الشافعية ولو قال له : زوجتك أختي على أن تزوجني أختك ولم يذكر أن بضع إحداهما صداقا أو ذكره ولكن الآخر لم يقبل كون صداق أخته بضع الأخر . فإنه لا يكون شغارا . وحكم هذا أن العقد صحيح عند الحنفية . ويجب فيه مهر المثل لكل من الاثنتين
وقد اعترض على الحنفية بأن الشغار منهي عنه بحديث الصحيحين والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فأجابوا عن هذا بوجهين :
أحدهما : أن المهني عنه حصول حقيقة الشغار . ونحن نقول : إن هذه الحقيقة المهني عنها غير نافذة عندنا . وإنما الذي نقول بحله ونفاذه إنما هو العقد بمهر المثل . فبطل كونه صداقا ويمكن تلخيص ذلك بأن النهي وارد على جعل البضع صداق فلا يصح كما لا يصح جعل الخمر والخنزير صداقا فيبطل الصداق المسمى . ويبقى العقد بمهر المثل
ثانيهما : أن النهي للكراهة لا للفساد . وذلك لأن الشارع جعل فساد المسمى في الصداق موجبا لمهر المثل في غير هذا مع الكراهية . فيحمل النهي هنا على الكراهة قياسا على غيره
الحنابلة - قالوا : الشغار هو أن يزوجه بنته . أو غيرها ممن له عليها ولاية على أن يزوجه الآخر بنته . أو من له عليها ولاية . ولم يذكرا مهرا أو قالا : بدون مهر ولا يشترط أن يقولا : وبضع إحداهما صداق الأخر وكذا إذا قال له : زوجتك أختي على أن تزوجني أختك وبضع كل منهما ومائة درهم صداق الأخر فهذا شغار وهو نكاح فاسد
واستدل الحنابلة بما رواه أحمد عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا بين المتناكحين لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله وعليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق متفق عليه وروى أب هريرة مثله أخرجه مسلم
وقد عرفت أجوبة الحنفية عن هذا فهم يجعلون النهي منصبا على تسمية الصداق ولكن الحنابلة يقولون : إن النهي من حيث موافقته على شرط فاسد ولا أدري ما وجه ذلك . لأن النهي كما يصح أن يكون على الموافقة على شرط فاسد كذلك يصح أن يكون على تسمية الفاسد وجعله شرطا بدون فرق على الحنابلة قالوا : إذا سمى مهرا كأن قال : زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة مائة فإنه يصح العقد بالمسمى إذا لم يذكر البضع خلافا للشافعية ولو سمى المهر لإحداهما ولم يسم للأخر صح نكاح من سمي لها دون الأخر خلافا للمالكية في الصورتين



مبحث ما يعتبر به مهر المثل

- الأوصاف التي يعتبر بها مهر المثل فيها تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : مهر المثل حكم كل عقد صحيح لم يسم فيه مهرا أصلا أو سمي فيه ما هو مجهول أو لا يحل شرعا وحكم كل نكاح فاسد بعد الوطء سواء سمي فيه مهرا أولا ولكن إذا سمي فيه مهر ينبغي أن يكون مهر المثل غير زائد على المسمى وإن كان لها المسمى
وأما المواضع التي يجب فيها مهر المثل بالوطء بشبهة فالمراد بمهر المثل فيها العقر المبين في وطء الشبهة وقد تقدم تفصيل ذلك في مباحثه وإنما ذكرناه هنا كمحصل لما مضى
أما الأوصاف التي يعتبر بها مهر المثل فهي أن الزوجة تقاس بمثلها من قبيلة أبيها لا أمها إن لم تكن الأم من قبيلة الأب كبنت عمه فينظر لأخواتها أولا فإن لم توجد لها أخوات فينظر إلى عماتها فإن لم يكن لها أخوات ولا عمات ينظر إلى بنت أختها الشقيقة فإن لم تكن فبنت عمها فإن لم يوجد من قبيلة أبيها فتقاس بمثلها من قبيلة تماثل قبيلة أبيها فإن لم يوجد فالقول للزوج بيمينه وهل هذا الترتيب لازم بحيث لا يصح النظر إلى بنت عمها مثلا مع وجود أختها ولا يصح النظر إلى الأجنبية مع وجود بنت من قوم أبيها أو الترتيب غير لازم فيصح ذلك ؟ خلاف والظاهر من كلامهم أنه لا يعتبر ثم إن الأوصاف التي تعتبر فيها المماثلة : الجمال . والمال . والمكان لأن البلدان تختلف عاداتها في تقدير المهور فلو كانت من قبيلة أبيها امرأة بمصر وهي في الأرياف وكانت عادة الأرياف كثرة المهور فلا يعتبر بمهر سكان مصر . أو العكس وكذا السن فإن الشابة يرغب فيها أكثر من المتقدمة في السن فسن عشرين مرغوب فيها أكثر من سن أربعين أو ثلاثين مثلا وكذا العقل والدين والعفة والعلم والأدب وكمال الخلق والبكارة والثيوبة وعدم الولد والزمان فالمقارنة بين اثنتين يشترط فيها المساواة في كل هذه الأوصاف فلو كانت إحداهما فقيرة وكذا إذا كانت جميلة والأخرى دونها أو كانت متعلمة والأخرى جاهلة أو كانت ثيبا والأخرى بكرا وهكذا ويشترط في ثبوت مهر المثل أن يخبر به رجلان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك وأن يكون بلفظ الشهادة أمام القاضي فغن لم يوجد شهود عدول فالقول للزوج لأنه منكر للزيادة التي تدعيها المرأة بحسب ما يراه القاضي باجتهاده
بقي هنا مسألة وهي أننا قلنا : إن الظاهر عدم الترتيب بين مثيلاتها فلو ساوت اثنتين في الصفات كأختها وبنت عمها مثلا وكان مهر الاثنتين مختلفا فبأي المهرين يؤخذ ؟ والجواب أنه يؤخذ بمهر الأقل احتياطا وبعضهم يرى التفويض في مثل هذا لرأي القاضي النزيه
المالكية - قالوا : مهر المثل هو عبارة عن قدر من المال الذي يرغب به مثل الزوج في الزوجة باعتبار ما هي متصفة به من الصفات الحسنة من محافظة على أركان الدين والعفة والصيانة والجمال الحسي والمعنوي وهو جمال الخلق والحسب وهو ما يعد من مفاخر الآباء كالكرم والمروءة والعلم والصلاح والمال والبلد
ولا شك أن الرغبة تتفاوت بوجود هذه الصفات أو بعضها في المرأة فمن كانت متصفة بصفتين منها كان مرغوبا فيها أكثر من المتصفة بصفة واحدة وهكذا فالمصرية الجميلة مرغوب فيها أكثر من غيرها فمهرها أكثر والمصرية العفيفة الجميلة مرغوب فيها أكثر من المتهتكة الجميلة وهكذا
وإنما تعتبر هذه الأوصاف إذا لم يكن لها مماثل في الأوصاف المذكورة من قبيلتها كأختها وعمتها إذا كانت أخت أبيها لأبيه لا لأمه فإن كان لها مماثل في أوصافها المذكورة من قبيلة أبيها اعتبر صداق المثل بالنسبة لمماثلها فإذا كان صداق أختها الشقيقة أو أختها لأب المساوية لها في أوصاف الكمال المذكورة مائة قدر لها صداق أختها - وهو المائة - ثم إن كان العقد صحيحا فتعتبر هذه الأوصاف من يوم العقد ولو كان تفويضا أما في النكاح الفاسد وفي الوطء بشبهة فتعتبر يوم الوطء
الشافعية - قالوا : يعتبر مهر المثل أولا بالقياس إلى أقاربها اللاتي لو فرضت إحداهن ذكرا كان عصبة لها فإن لم يكن فيهن من يماثله ينظر إلى من بعدهن وتقدم أولا الأخت الشقيقة ثم لأب ثم بنات أخ ثم بنات ابنه ثم بنات أعمام فإذا تعذر اعتبار مهر المثل بواحدة منهن لعدم وجودهن . أو جهل مهرهن . أو لأنهن لم يتزوجن يعتبر بنساء الأرحام والمراد بهن هنا الأم وقراباتها من جهة الأب أو الأم فلا يشمل بنات العمات . والأخوات . ونحوهما فإنهن من الأجنبيات وتقدم الأم ثم أخت الأم ثم الجدات ثم الخالات ثم بنات الأخوال ثم بعد تعذر الاعتبار بهن يعتبر بنساء بلدها ومن يماثلها في الجمال والقبح مما يحصل به فوت الرغبة كفصاحة أو سن أو بكارة فإن كانت مختصة بصفة لا توجد في أقاربها فرض لها المهر اللائق بحالها
هذا وتعتبر مسامحة أقربها لنقص صفة من صفات الرغبة فلو كان لها ثلاثة أعمام أحدهم عالم فزوج بنته بمائة . والجاهلان زوجا بنتيهما بسبعين لأن العالم مثلا مرغوب في بنته فيعتبر مهر مثلها بالقياس إلى بنت عمها الجاهل أما إذا كانت المسامحة لصفة كمال في الزوج كما إذا زوجت أخنها لعالم بمائة . وزوجت أختها الأخرى لجاهل بمائتين فإنه يعتبر مثلها على هذه القاعدة بحيث لو كان زوجها عالما كان مهرها مائة وإلا كان مائتين
الحنابلة - قالوا : مهر المثل يفرضه الحاكم بالقياس إلى نساء قرابتها كأم وخالة وعمة وأخت فيعتبره الحاكم بمن تساويها منهن في مال وجمال وعقل وأدب وسن وبكارة أو ثيوبة ويراعى في ذلك من كانت إليها أقرب بالترتيب فإذا ساوتها أمها قيست بها وإلا فأختها وإلا فعمتها وإلا فخالتها فإن لم يكن لها أقارب قيست بمن يشابهها من نساء بلدها
وقد عرفت أن مهر المثل يفرض عند عدم تسمية مهر في العقد الصحيح . أو تسمية ما لا تصح تسميته وبالوطء في العقد الفاسد . أو الوطء لشبهة ويفرض لمن أكرهت على الزنا ولمن فوضت لوليها أن يزوجها بلا مهر



مبحث نكاح التفويض وما يجب فيه من صداق أو متعة

- التفويض في اللغة رد الأمر إلى الغير ومنه } فوضت أمري إلى الله {
. وشرعا إخلاء الزواج عن المهر وفي بيانه وحكمه تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : المرأة التي زوجت بلا مهر - ويقال لها : مفوضة - بكسر الواو - لتفويض أمرها إلى الولي ومفوضة - بفتح الواو - لأن الولي فوضها للزوج أي جعل لها دخلا في إيجاب المهر يفرضه هو - لا يخلو حالها من أن يدخل بها الزوج بأن يطأها . أو يخلو بها خلوة صحيحة . أو يطلقها . أو يموت عنها قبل الوطء والخلوة فإن كان الأول فقد ثبت لها مهر المثل كما تقدم من أن مهر المثل يتقرر بالنكاح الفاسد بالغا ما بلغ عند عدم التسمية فتقرره بالصحيح أولى وتزوجها بشرط عدم المهر ملغى لا قيمة له فإن طلقها قبل الوطء والخلوة وجبت لها المتعة سواء فرض لها مهرا أو لا لأن ما فرض بعد العقد لا ينصف
فالطلاق الذي تجب به المتعة هو ما يكون قبل الدخول في نكاح لا تسمية فيه سواء فرض الصداق بعد العقد أو لا أو كانت التسمية فيه فاسدة من كل وجه كما إذا سمى خمرا أو خنزيرا أما إذا صحت التسمية من وجه دون وجه . كما إذا سمى عشرة دراهم وعشرة أرطال من الخمر وجب لها نصف العشرة وألغي الخمر كما تقدم في شروط المهر
وكذا إذا تزوجها على مائة وهدية ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف المائة وألغيت الهدية ولا متعة لها في الحالتين وذلك لأنه لا مدخل لمهر المثل في الطلاق قبل الدخول بل ينظر إلى المسمى فإن كان فاسدا من جميع الوجوه ألغي ووجبت لها المتعة وإن كان فاسدا من وجه دون وجه استحقت نصف الصحيح وألغي الفاسد أما بعد الدخول فلها مهر المثل كما ذكرنا والمراد بالطلاق قبل الدخول كل فرقة جاءت من قبل الزوج بدون أن يكون صاحب المهر شريكا للزوج في سبب الفرقة طلاقا كانت أو فسخا كالطلاق والفرقة بالإيلاء . واللعان والجب والعنة والردة وإبائه الإسلام . وتقبيله ابنتها أو أمها بشهوة فإن الفرقة في كل هذه الأحوال توجب لها المتعة أما إذا كانت الفرقة من قبلها كردتها وإبائها الإسلام ومطاوعتها لابنه في الفجور أو تقبيلها إياه بشهوة أو إرضاع ضرتها الصغيرة أو اختارت نفسها عند بلوغها . أو تزوجت غير كفء ففسخه الولي فإنها لا متعة لها في كل هذه الأحوال لا وجوبا ولا استحبابا وكذا إذا لم تكن مفوضة وسمى لها مهرا وفارقته قبل الوطء فإنه يسقط نصف المسمى الذي كانت تستحقه لو كانت الفرقة من جهته
وخرج بقولنا : بدون أن يكون صاحب المهر شريكا للزوج في سبب الفرقة ما إذا كانت أمة مملوكة لشخص ثم زوجها الآخر وقبل أن يدخل عليها زوجها باعها السيد وهو صاحب الصداق فإن العقد يفسخ في هذه الحالة ولا تستحق الأمة نصف صداق ولا تجب لها متعة وذلك لأن الفرقة وإن لم تكن من وجهتها ولكن سيدها - وهو صاحب المهر - مشترك مع الزوج في سببها وهو تمليكها للغير فلو لم يبعها السيد أو لو اشتراها الزوج لم يملها الغير فلو اشتراها الزوج وطلقها كانت لها المتعة . أو نصف الصداق أما إذا مات عنها قبل الوطء فإن فرض لها شيئا بعد العقد وتراضيا عليه استحقت المفروض فإن لم يفرض لها شيئا كان لها بالموت مهر المثل سواء نفى المهر بأن تزوجها بدون مهر أو سكت فلم يسم مهرا وإذا فرض لها مهرا فاسدا كخمر أو خنزير ألغي وثبت لها مهر المثل كما إذا فرض لها مهرا بعد العقد ثم طلقها قبل الدخول وجبت لها المتعة لا نصف المهر لأن الذي يفرض بعد العقد لا ينتصف كما ذكرنا آنفا كالذي يزاد على المسمى بعد العقد فلو سمى لها مائة جنيه في العقد ثم زاد لها عليها خمسين بعد العقد وطلقها قبل الدخول استحقت نصف المائة
والمتعة قسمان : واجبة ومستحبة فالواجبة هي للمفوضة قبل الوطء المتقدم بيانها أم المستحبة فهي لكل مطلقة بعد الوطء سواء سمى لها مهرا أولا وللمطلقة قبل الوطء إذا كان لها مهر مسمى - على الصحيح - متى كانت الفرقة من جهته إلا إذا ارتد أو أبى الدخول في الإسلام فإن المتعة لا تستحب في حقه لأن الاستحباب فضيلة لا تطلب إلا من المسلم
والمتعة هي عبارة عن كسوة أو قيمتها للمفوضة بدل نصف المهر على أنه لا يجب عليه أن يعطيها ما يزيد على النصف مهر المثل وهي تختلف باختلاف أحوال الناس فإن تراضيا عليها فذلك وإلا فرضها القاضي بالنظر إلى حالها وحاله - على الصحيح - فإن كانا موسرين قدرها لها من أعلى الثياب وإن كان أحدهما موسرا والآخر فقيرا قدرت وسطا وإلا قدرت دون ذلك
وقد بينها الفقهاء بأنها ما تغطى رأس المرأة وتسمى - الطرحة - والملحفة وهي ما تلتحف به المرأة من رأسها إلى قدمها وتسمى ملاءة - أو شقة - والملحفة والإزار بمعنى واحد فمن زاد على ذلك الإزار لا حظ اختلافهما فأراد من الإزار ما ليس تحت الملحفة من ثياب وبالجملة فالمطلوب أن تكس المرأة بمثل ما اعتادت أن تخرج به بحسب اصطلاح كل جهة فالمتعة الآن مثلا هي ثوب منقوش - جلابية - وتحتها قميص ولباس وفوقها إزار - بالطو - أو ملاءة وعلى الرأس - طاقية - خاصة . أو منديل بحسب اختلاف أحول الناس وإذا أعطاها قيمة الكسوة يجب عليها قبولها لتشتري هي ما يناسبها
الشافعية - قالوا : نكاح التفويض هو إخلاء النكاح عن المهر وينقسم إلى قسمين : تفويض مهر كقولها للولي : زوجني بما شئت أو شاءفلان من الصداق وتفويض بضع كقولها للولي : زوجني بلا مهر . أو زوجني بلا مهر لا في الحال ولا بعد الوطء وتسمى مفوضة - بكر الواو - لأنها فوضت أمرها إلى الولي ومفوضة - بفتح الواو - لأن الولي فوض أمرها للزوج ويصح للمرأة أن تفوض للولي بشرط أن تكون رشيدة فإذا كانت سفيهة يكون تفويضها إذنا للولي بزوجها بالشروط التي تقدمت في مباحث الولي وإذا قالت له : زوجني وسكتت عن المهر لا يكون هذا تفويضا للصداق . أو للبضع بدون صداق لأن الزواج عادة لا بد أن يكون بمهر
وحكم نكاح التفويض أن الولي إذا زوجها بمهر المثل ومن نقد البلد المعروف ثبت لها المسمى . وإلا بأن زوجها بلا مهر أصلا لا بمهر المثل أو بمهر من غير نقد البلد أو سكت عم ذكر المهر وجب لها بالوطء مهر المثل وكذا بالموت فإن طلقها قبل أن يفرض لها مهرا فإنه يتقرر لها مهر المثل لن الموت كالوطء في إيجاب مهر المثل مطلقا في التفويض سواء فرض لها مهر المثل أو لا خلافا للمالكية فإن فرض لها مهرا صحيحا برضاهما . أو فرض قاض عند التنازع ثم طلقها قبل الوطء كان لها نصف المفروض فإذا سمى لها صداقا - كخمر - ورضيت به وطلقها قبل الدخول فلا تستحق نصفه وغنما تستحق المتعة كما تقدم وهذا بخلاف ما إذا سمى صداقا فاسدا في العقد ثم طلقها قبل الدخول فإن لها نصف صداق المثل . كما تقدم وإذا سمى صداقا فاسدا ورضيا به معا صح وإلا فلا . ولو كان من ماله ويعتبر عندهم مهر مثلها حال العقد فإن كانت جميلة مثلا حال العقد ثم عرض لها ما أضاع شيئا من جمالها عند الوطء فلا يعتبر إلا حالها عند العقد على الصحيح
وللمفوضة منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها الصداق فإن امتنع الزوج رفع إلى القاضي لفرضه لها فإذا طلقت المفوضة قبل الدخول وقبل أن يفرض لها مهر وجبت لها المتعة وهي مال يدفعه الزوج وجوبا لمن فارقها قبل الدخول حيث لا شيء لها أو بعد الدخول ولو كان فهما للكل إلا في أمور : أحدها المفوضة التي طلقت قبل الدخول وفرض لها مهر قبل العقد فإن لها نصف المهر . ومثلها كل من لها نصف المهر فإنها لا متعة لها . ثانيها : إذا كانت الفرقة بسببها وحدها أو مع الزوج بأن ارتدا معا . ثالثها : موت أحدهما فإنه لا متعة لها بالموت ومن الفرقة بسببه فرقة اللعان فتجب عليه المتعة فأقلها ما له قيمة مالية وحد لأكثرها ثم إن تراضيا على قدرها فذاك وإلا قدرها القاضي باجتهاده معتبرا حالهما ويستحب أن لا تنقص عن ثلاثين درهما . وألا تبلغ نصف المهر
المالكية - قالوا : نكاح التفويض هو عقد خالي من تسمية المهر . ومن لفظ وهبت لم توكل تعيينه إلى حكم أحد ولم يتفق على إسقاطه مثاله أن يقول شخص لآخر : زوجتك ابنتي ولم يذكر المهر . ولم يتفق معه على إسقاط المهر فيقول له : قبلت فهذا يسمى نكاح التفويض وهو جائز كما يأتي فإذا قال له : وهبت لك ابنتي قاصدا تزويجها إياه ولم يذكر مهرا فقال له : قبلت فسد العقد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل كما تقدم في الصيغة أما إذا قال له : وهبت لك ابنتي تفويضا فإنه يكون عقد تفويض بقرينة ذكر التفويض وقوله : لم يوكل تعيينه إلى حكم أحد خرج به نكاح التحكيم فإنه عقد خال من تسمية المهر ومن لفظ : وهبت ولكن وكل تعيينه إلى حكم شخص كما إذا قال له : زوجتك ابنتي على أن يحكم فلان في تعيين صداقها وقولهم : لم يتفق على إسقاطه خرج به ما إذا دخلوا على إسقاط الصداق فإن العقد يفسد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل كما تقدم فيما إذا سميا مهرا مغصوبا علما به معا
وحكم نكاح التفويض أنه عقد صحيح جائز باتفاق ومثله نكاح التحكيم ثم إن الزوجة تستحق مهر مثلها بالوطء ولو كان في حال وجود مانع من حيض أو نفاس أو كان أحدهما متلبسا بعبادة تمنع الوطء كإحرام وصيام رمضان بشرط أن يكون الزوج الواطئ بالغا وتكون الزوجة كبيرة مطيقة للوطء فإن كان غير بالغ أو كانت صغيرة لا تطيق الوطء فلا تستحق مهرا بالوطء في هذه الحالة لأنه كالعدم فإن طلقت قبل الوطء وقبل الدخول أو مات أحدهما قبل ذلك فلا يخلو إما أن يكون قد فرض لها الزوج مهرا قبل الطلاق وقبل الموت أولا فإن لم يكن قد فرض لها مهرا فلا شيء لها وإن كان قد فرض لها فلا يخلو إما أن يكون مهر المثل أو أقل وفي الحالتين إما أن تكون قد رضيت به أولا فإن كان فرض لها مهر المثل وادعت أنه قد فرض لها ذلك قبل الطلاق وثبت أنه قد فرض لها مهر المثل كما ادعت فإنها تستحق نصفه سواء ثبت رضاها أولم يثبت لأن مهر المثل يلزمها بدون رضا فإن ادعت أنه فرضه لها قبل موته وثبت أخذته جميعه بصرف النظر عن رضاها وعدمه وإن كان قد فرض لها أقل من مهر المثل فإن ثبت أنها قد رضيت به قبل الطلاق أو الموت ببينة كان لها نصف المفروض بالطلاق وجميعه بالموت أما إذا لم يثبت أنها رضيت قبل الطلاق أو الموت فلا شيء لها ولا تقبل دعواها بأنها رضيت به بدون بينة
والحاصل أنه لا يثبت لها شيء بالطلاق أو الموت قبل الوطء إلا إذا ثبت بالبينة أنه فرض لها صداقا قبل ذلك ثم بعد أن يثبت الفرض فإن كان الذي ثبت فرضه هو مهر المثل كان لها جميعه بالموت ونصفه بالطلاق بصرف النظر عن رضاها وعدمه وإن كان الذي ثبت فرضه هو أقل من مهر المثل فلا بد أن يثبت مع ذلك أنها رضيت به قبلهما بالبينة . وإلا فلا شيء لها
هذا ولها طلب تقدير المهر قبل الدخول ويكره أن تمكنه من نفسها قبل هذا الفرض
أما نكاح التحكيم فهو كنكاح التفويض في التفصيل المتقدم فإن طلقها بعد الوطء كان لها مهر المثل وإن طلقها قبل الوطء . أو مات عنها حكمه ما ذكر في نكاح التفويض ثم إذا كان المحكم الزوج وفرض لها مهر المثل لزمها القبول ولزمه الدفع أما إذا لم يفرض لها شيئا وطلقها قبل الدخول فلا شيء عليه وإذا كان المحكم الزوجة . أو شخصا أجنبيا وحكم بمهر المثل . فقيل : يلزم الزوج سواء رضي أولم يرض وقيل : لا يلزم إلا برضاه فإذا طلقها قبل الرضا لاشيء عليه والأظهر أنه لا يلزم إلا إذا تراضا معا المحكم والزوج سواء كان المحكم الزوجة أو غيرها
الحنابلة - قالوا : نكاح التفويض يطلق على أمور :
أحدها : أن يزوج الأب المجبر من له عليها الولاية بدون مهر
الثاني : أن تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بدون مهر ويقال للمرأة في الحالتين : أنها مفوضة البضع أي جعلت أمر العقد عليه راجعا إلى الولي
الثالث : أن يفوض إليها الزوج مهرها بأن يتزوجها على ما شاءت من المهر ومثل ذلك ما إذا فوض أمرها إلى غيرها كما إذا تزوجها على ما شاء فلان من المهر ويقال للمرأة في هذه الحالة : مفوضة مهر - بفتح الواو - وهذه الحالة الأخيرة تشبه نكاح التحكيم عند المالكية
أما حكم نكاح التفويض بجمع أنواعه عند الحنابلة فهو الصحة في جميع أنواعه ويجب للمرأة مهر المثل بمجرد العقد ولكن لا يتقرر إلا بالوطء والخلوة . والفرض قبل الوطء والخلوة وموت أحدهما أما إذا طلق قبل الوطء والخلة . وقبل أن يفرض الحاكم أو يتراضيا على فرضه وجبت لها المتعة بالنظر إلى حال زوجها من اليسر والعسر وأعلاها رقبة وأدناها كسوة تجزئها في صلاتها وهي درع أي قميص وخمار - طرحة تغطي رأسها - وثوب تصلي فيه فهذه أدنى المتعة فإذا وطئها أو خلا بها أو قبلها ولو بحضرة الناس . أو نظر إلى فرجها بشهوة أو لمسها بشهوة ولو بحضرة الناس - بأن فعل معها ما لا يحل لغيره أن يفعله - استقر لها مهر المثل وكذا إذا مات أحدهما فإنه يستقر ولو لم يفرضه الحاكم وكذا إذا فرض الحاكم مهر المثل والحالم يفرضه بطلبها بدون زيادة عليه أو نقص منه فإن فرض المثل أو أقل أو أكثر لزم الزوجين فرضه كحكمه وأصبح المهر المفروض كالمسمى وإن تراضى الزوجان على مهر لزمها قليلا كان أو كثيرا فإن طلقها بعد الفرض وقبل الوطء وتوابعه كان لها نصف المفروض كالمسمى وكما أن المتعة تجب للمفوضة التي لم يسم لها صداق وطلقت قبل الوطء وتوابعه كذلك تجب لمن سمى لها مهر فاسد كخمر أو خنزير أو نحوهما مما تقدم في شروط الصداق ثم كانت الفرقة من قبل لا يجب لها صداق . ولا متعة سواء كانت مفروضة أولا فلم يجب لها شيء بفرقة اللعان لأنها بسببها إذ هي تعق عقب لعانها وبفرقة عيب فيها من رتق ونحوه وبفرقة ردتها إذا كانت متزوجة بمسلم وبإسلامها إذا كانت متزوجة بكافر وبإرضاعها لضرتها أما إن كانت الفرقة من جهته فلها نصف المسمى والمتعة إذا لم يسم لها شيئا . كما ذكرنا
وكل ذلك فيما إذا حصلت الفرقة قبل الوطء والخلوة وغيرهما مما يقرر الصداق ويؤكده وإلا فإنه لا يسقط بعد ذلك ولو كانت الفرقة من جهتها



مبحث تصرف الزوجين في الصداق بالهبة والبيع ونحوهما

- الصداق كله يصبح ملكا للزوجة بمجرد العقد الصحيح إلا أنه يحتمل السقوط كلا أو بعضا فإذا تصرفت فيه الزوجة ببيع أو رهن نفذ تصرفها فإذا تصرفت فيه قبل الدخول كأن وهبته للزوج نفسه ثم طلقها قبل الدخول فإن فيه تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : إذا طلقها قبل الدخول لا يخلو إما أن تكون قد قبلت المهر أولا فإن كان الثاني رجع النصف إلى ملك الزوج بمجرد الطلاق بدون حاجة إلى قضاء أو رضا منها وإذا كانت الفرقة من جهتها رجع إليه كل المهر ولو كان المهر قد تبرع به عنه آخر وفي هذه الحالة ينفذ تصرفه فيما يستحقه بمجرد طلاقها فلو مهرها فرسا ولم يسلما لها ثم طلقها من قبل الدخول له أن يبيع نصف هذه الفرس . أما إذا قبضت الفرس وطلقها قبل الدخول ثم باع نصفه بدون رضاها أو حكم القاضي فإن بيعه لا ينفذ وذلك لأن القبض كان مبنيا على عقد صحيح وهو من أسباب الملك فلا يزول الملك إلا بالفسخ من القاضي أما الزوجة فإنها إذا تصرفت فيه بعد قبضه كله أو بعضه نفذ تصرفها بدون قضاء . وبدون رضا الزوج فإذا تصرفت فيه وطلقها قبل الدخول كان عليها نصف قيمة الأصل يوم القبض إن كان متقوما أو نصف مثله إن كان له مثل وذلك لأنه دخل في ضمانها بالقبض فإذا تصرفت فيه ببيع مثلا ونفذ بيعها ثم طلقها قبل الدخول فقد تعذر رد النصف فتضمن قيمة النصف من يوم القبض فلو كان يساوي عشرين عند القبض ونقصت قيمته بعد ذلك كان عليها نصف العشرين وبالعكس وإذا طرأ على الصداق زيادة بعد قبضه لا حق للزوج فيها . فليس له إلا نصف قيمة الأصل كما سيأتي قريبا
أما إذا تصرفت فيه بالبيع أو بالهبة في نظير عوض قبل أن تقبضه فإن يصرفها ينفذ ولكن إذا طلقها قبل الدخول فعليها نصف القيمة من يوم البيع فإذا كان وقت البيع يساوي عشرين ثم نزلت قيمته بعد كانت ملزمة بعشرة ثم إن كان الصداق له مثل ترجع عليه بنصف المثل لا بنصف القيمة في جميع الأحوال . كما ذكرنا
وإذا تصرفت في صداقها بالهبة فإنه يصح ولا حق لوليها أو غيره في الاعتراض عليها مادامت غير محجور عليها ولكن لا يخلو إما أن تهبه لغير الزوج أو تهبه للزوج فإن وهبته لغير الزوج وقبضه فعلا ثم طلقت قبل الدخول رجع الزوج عليها بنصف الصداق لا فرق بين أن يكون الصداق نقدا أو عينا على أن لها الرجوع في الهبة للأجنبي أما إذا وهبته للزوج فلا يخلو إما أن تهبه كله أو بعضه وعلى كل إما أن يكون نقدا أو عينا بعد القبض أو قبله فإذا كان نقدا ووهبته له كله بعد القبض لزمتها الهبة ولا يصح الرجوع فيها على أي حال وذلك لأن هبة الزوجة لزوجها لازمة كهبة الزوج لزوجته فلا يمكن الرجوع فيها فإذا طلقها قبل الدخول بعد أن وهبت له وهو زوجها لا يصح لها الرجوع في هبتها فأصبح المهر حقا للزوجة بالهبة وله بالطلاق قبل الدخول نصف المهر فهل في هذه الحالة يرجع عليها بنصف المهر من غير الموهوب أو يقال : إنها وهبت له كل المهر بعنوان كونه مهرا فليس وراءه مهر حتى يأخذ نصفه . وعلى هذا لا يرجع عليها بشيء زيادة على الذي وهبته مثلا إذا مهرها ألف جنيه . فوهبته ألف جنيه بعنوان كونها مهرها بعد قبضه فصارت الألف ملكا له ثم طلقها قبل الدخول وبذلك أصبح يستحق خمسمائة نصف المهر فهل تعتبر الخمسمائة داخلة في المهر الذي وهبته لزوجها أو لا ؟ الجواب : لا تعتبر وذلك لأن النقد من دراهم أو دنانير أو جنيهات لا يتعين بالتعين فلا ينحصر المهر في خصوص الألف التي قبضتها ووهبتها . ولذا لها أن تعطيه غيرها بعد الهبة ولها أن تعطيه نصف الألف إذا طلقها بدون هبة من نقود أخرى وحيث أن النقد لا يتعين بالتعين فلا ينحصر المهر في الألف حتى ولو قالت له وهبتك ألف المهر بل لا فرق بين أن تقول له وهبتك ألف المهر أو وهبتك ألفا بصرف النظر عن كونها مهرا فإذا طلق قبل الدخول استحق نصف المهر زيادة على الألف الموهوبة أما إذا وهبت له ألف المهر قبل أن تقبض ثم طلقها قبل الدخول فإن كلا منهما لا يرجع على صاحبه بشيء لأن المهر تعين في ذمته وقد وهبته له فلم يبق وراءه مهر ومثل ذلك ما إذا وهبت له نصف الألف بعد قبض الألف ثم طلقها قبل الدخول فلا يرجع أحدهما على الآخر بشيء لأن الموهوب نصف المهر فينصرف إلى النصف وهو دين في ذمته . وكذا إذا قبضت النصف ووهبته الكل المقبوض وغيره ثم طلقها قبل الدخول فلا رجوع لأحدهما لأن النصف غير المقبوض جعل الموهوب جميعه في حكم المعين أما إذا وهبت له أقل من النصف فإنها ترد له ما يكمل النصف هذا إذا كان الصداق نقدا أما إذا كان غير نقد بأن كان عروض تجارة حاضرة معينة كهذه الثياب أو هذا الأساس أو غير معينة بل موصوفة في الذمة - وذلك صحيح في لنكاح لا في البيع لأن عروض التجارة لا تثبت في الذمة كما تقدم في الجزء الثاني في مباحث البيع - أو كان الصداق حيوانا معينا حاضرا أو موصوفا كهذا الفرس أو فرسا عربيا صفته كذا ثم وهبته له وطلقها قبل الدخول فلا رجوع لأحدهما على الآخر سواء قبضت أو لم تقبض وإذا وهبته الكل فالأمر ظاهر وإذا وهبته النصف أو أكثر فقد أخذ حقه الثابت له بالطلاق أما إذا وهبته أقل من النصف ردت له ما يكمل النصف وذلك لأنها وهبت له هذا المهر المعين بخصوصه أو الموصوف في الذمة فهو في حكم المعين الحاضر هنا كما قلنا فإذا طلقها قبل الدخول لم يجد مهرا وراء ذلك حتى يأخذ نصفه
فإن باعت له الصداق من عروض تجارة ونحوها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمته من يوم قبضه لا بنصف ثمنه الذي دفعه لها
بقي ما إذا كان الصداق كيلا أو موزونا وحكم هذا أنه إذا كان معينا حاضرا كمائة قنطار من هذا العسل النحل كان كعروض التجارة وإذا كان غير معين كعشرين إردبا من القمح البعلي الصعيدي فإنه يكون كالنقد إذا وهبته قبل القبض فلا رجوع وبعد القبض يرجع لأنه لا يتعين مثل الدراهم والدنانير
المالكية - قالوا : هل تملك المرأة بالعقد جميع الصداق أو نصفه أو لا تملك شيئا ؟ والصحيح عندهم أنها تملك نصف الصداق فعلى القول بأنها تملك جميع الصداق ينفذ تصرفها فيه بتمامه قبل القبض وبعده لأنه تصرف في المملوك لها وعلى القول بأنها لا تملك شيئا منه بالعقد ثم تصرفت فيه بالبيع وغيره وطلقت قبل الدخول نفذ تصرفها في حقها وهو نصفه وبطل النصف الذي يملكه الزوج لأنها وإن كانت فضولية في الجميع ولكن الطلاق حقق لها ملك النصف فينفذ فيه . أما على القول المعتمد من أنها تملك النصف بالعقد وتصرفت ببيع أو هبة أو عتق فإن تصرفها ينفذ في الجميع لأنها وإن كانت تملك النصف إلا أن النصف الآخر معرض لملكها إياه فيصح تصرفها في الجميع وأيضا روعي القول بأنها تملك الكل بالعقد الصحيح في تصرفها لأنه قال به بعض أئمتهم وقال به الأئمة الثلاثة
ثم إذا تصرفت فيه بلا عوض - كهبة - فإن للزوج الحق في نصف المثل إذا كان الصداق مثليا . ونصف قيمته إذا كان متقوما وتعتبر القيمة يوم الهبة على المشهور وقيل : تعتبر يوم القبض
أما إذا تصرفت بعوض كأن باعت مهرها من حيوان أو غلة أو دار بثمن نفذ بيعها فإذا طلقها قبل الدخول وجب له قبلها نصف ما حابت فيه فإذا باعته بعشرة وكان يساوي ستة عشر كان له الحق في ثمانية لا خمسة وفي تصرفها فيه بالهبة أحوال : الحالة الأولى أن تكون الواهبة رشيدة والموهوب له الزوج وفي ذلك صور : إحداها أن تهب كل المسمى قبل قبضه وبعد العقد وقبل الدخول وحكم هذه الصورة أنه إن طلقها قبل الدخول فلا شيء لأحدهما على الآخر ويستمر الصداق على ملك الزوج وإن أراد الدخول بها وجب عليه أن يدفع لها أقل الصداق وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار . الصورة الثانية : أن تهبه له بعد قبضه وبعد العقد وقبل الدخول وحكم هذه الصورة أنه إن طلقها قبل الدخول فلا شيء لأحدهما قبل صاحبه أيضا وإن أراد الدخول بها فلا يجبر على دفع أقل الصداق . الصورة الثالثة : أن تهب له شيئا من مالها لدفعه لها مهرا قبل العقد أو بعده وقبل الدخول وحكم هذه الصورة أنه إن عقد عليها وأراد الدخول بها وجب عليه دفع أقل المهر وإن لم يعقد عليها أو عقد وطلقها قبل الدخول وجب عليه أن يرد لها ما أخذه منها لأنها لم تهبه إلا لدفعه صداقا لزواجها فلا معنى لأخذه منها بعد طلاقها
الصورة الرابعة : أن تهبه له بعد الدخول سواء قبضه أو لم يقبضه وفي هذه الحالة إذا طلقها بعد الهبة أخذ الموهوب ولا شيء عليه . الصورة الخامسة : أن تهب له بعض صداقها قبل البناء وفي هذه الحالة أنه إذا أراد الدخول بها وكان البعض الذي بقي معها أقل من المهر الشرعي وهو ثلاثة دراهم أو ربع دينار وجب عليه أن يكمله . وإذا أراد أن يطلقها قبل الدخول طلق ووجب عليه أن يعطيها نصف ما بقي بعد الهبة . الصورة السادسة : أن تهب له بعض صداقها بعد البناء وفي هذه الحالة لا شيء لها عليه إذا طلقها . الصورة السابعة : أن تهبه كل صداقها أو شيئا منه بعد البناء ولو لم تقبضه أو قبل البناء سواء قبضته أو لم تقبضه على قصد أن يدخل بها وتدوم العشرة بينهما فطلقها قبل الدخول أو فسخ النكاح لفساده أو طلقها بعد الدخول وفي هذه الحالة يجب أن يرد لها ما أخذه منها إن طلقها عن قرب كأن طلقها قبل سنتين أما إذا طلقها بعد أن مكث معها سنتين فلا يرد لها شيئا وهذا بخلاف ما إذا أعطته بشرط أن لا يتزوج عليها فتزوج فإنه يرد لها ما أخذ ولو تزوج بعد سنين طويلة نعم إذا وقعت عليه يمين بدون اختياره كما إذا حلف أن تدخل الدار فدخلت أو حلف أن لا يدخل هو فدخل ناسيا فإن في هذه الحالة خلافا فبعضهم يقول : إنه يجب عليه أن يرد لها ما أخذه منها أيضا إذ لا فرق بين أن يفسخ العقد بدون اختياره فيرد لها ما أخذ وبين أن يقع عليه يمين بغير اختياره وهذا هو الظاهر وبعضهم يقول : إنه لا يرد لها شيئا في هذه الحالة
الحالة الثانية : أن تكون الواهبة سفيهة والموهوب له الزوج وحكم هذه الحالة أن هبتها لا تعتبر . فإذا وهبته مالا ليجعله لها صداقا وكان قدر صداق مثلها ففعل فالعقد يصح ولكن يجب عليه أن يرد لها ما أخذه منها ويجبر إن امتنع فإن أعطته أقل من مهر مثلها وجب عليه أن يرده لها ويدفع من ماله قدر مهر مثلها ولا يجوز له أن يعقد عليها بأقل من مهر المثل إذ لا يصح أن يزوج السفيهة بغير مهر المثل سوى أبيها
الحالة الثالثة : أن تهب الرشيدة صداقها لغير الزوج . وفي هذه الحالة صور :
الصورة الأولى : أن يقبضه الموهوب له منها أو من الزوج وهو لا يعلم أنه صداق ولم تقل له : إنه صداقها وفي هذه الصورة إذا طلق الزوج قبل الدخول رجع على الزوجة بنصف الصداق وليس للزوجة الحق في الرجوع على الموهوب له بما أعطته للزوج
الصورة الثانية : أن يعلم الموهوب له الأجنبي أنها وهبت له صداقها أو تبين له هي أنه صداقها وفي هذه الحالة يكون لها الحق في أن ترجع على الموهوب له النصف الذي استحقه الزوج أما النصف الذي ملكته هي بالطلاق فلا رجوع لها
الصورة الثالثة : أن لا يقبض الموهوب له الهبة ويطلقها الزوج قبل الدخول وفي هذه الصورة تنفذ الهبة وتجبر على تنفيذ ما تملكه هي من النصف أما النصف الذي يملكه الزوج فإن كانت الزوجة موسرة يوم الطلاق فإن الزوج يجبر على تنفيذ الهبة في نصفه أيضا ويكون الصداق كله للموهوب له ويرجع الزوج عليها بنصف الصداق في مالها أما إذا كانت الزوجة معسرة يوم الطلاق فإن الزوج لا يجبر على الهبة في النصف الذي يملكه بل يأخذ الموهوب له نصفها هي فقط ولا يرجع عليها بشيء
والحاصل أن الهبة تنفذ في نصفها هي على أي حال سواء كانت موسرة يوم الطلاق والهبة أو معسرة أما نصف الزوج فإنها لا تنفذ فيه إلا إذا كانت الزوجة موسرة يوم الطلاق بأن كان لها مال يأخذ منها الزوج حقه . فإذا كانت معسرة لا تنفذ في نصف الزوج وليس للموهوب قبلها شيء إذا أيسرت
هذا وللزوج أن ينفذ الهبة إذا كانت أكثر من ثلث مالها ما دامت الزوجية قائمة . فإن القاعدة عند المالكية أنه يجوز للمرأة أن تتصرف في أكثر من ثلث مالها بصدقة أو هبة . أو عتق أو وصية إلا إذا أجازها الزوج
الشافعية قالوا : إذا لم تقبض الزوجة الصداق فلا يصح لها أن تتصرف فيه . فإذا كان مهرها عرض تجارة أو حيوان أو مكيلا أو موزونا وتصرفت فيه ببيع أو هبة أو رهن أو إجارة أو نحو ذلك فإن تصرفها لا ينفذ . نعم يصح لها أن تتصرف فيه بالوصية . والوقف والقسمة وإباحة الطعام للفقراء
إذا كان صداقا جزافا غير مكيل ولا موزون ونحو ذلك مما يباح من التصرفات في المبيع قبل قبضه . كتدبير العبد وتزويجه الخ
فإن قلت : إن الشافعية يقولون : إن الزوجة تملك الصداق كله بمجرد العقد الصحيح . وهذا يقتضي أن تصرفها يكون كاملا . لأن الشيء
المملوك يصح لصاحبه أن يتصرف فيه كما يحب
الجواب : أنه وإن كان كله مملوكا لها . ولكن محتملا للسقوط كله أو بعضه . بالفرقة من جهته . أو من جهتها كان الملك ضعيفا فلا يصح تصرفها فيه قبل القبض . أما بعد القبض فإن الملك يقوى . ويصح لها أن تتصرف فيه وتضمن . كما سيأتي في الضمان [ يتبع . . .]
وكذلك لا يصح للزوج أن يتصرف في صداق الزوجة وهو تحت يده قبل أن تقبضه وإذا تصرفت في صداقها لزوجها بلفظ الهبة بعد أن قبضته ثم طلقها قبل الدخول استحق الصداق كله بالهبة ورجع عليها بنصف الصداق الذي يستحقه بالطلاق فإن كان الصداق مثليا استحق نصف مثله . وإن كان متقوما استحق نصف قيمته لتعذر عين الصداق في المتقوم بعد الهبة أما إذا وهبته له قبل القبض . فغن الهبة تكون باطلة على المذهب فلا يستحق إلا نصف الصداق وهي تستحق النصف الآخر إذا طلقها قبل الدخول وإذا وهبته نصف الصداق مللك النصف بالهبة وله نصف النصف الآخر بالطلاق ثم بقي له شيء آخر وهو أنها أتلفت عليه النصف الموهوب وإن كان قد أخذه هو إذ لا فرق بين الهبة للزوج والهبة للغير عند الشافعية فيستحق الزوج تعويضا عما يخصه في النصف وهو الربع فعلى هذا يملك النصف بالهبة ويملك نصف الباقي وهو الربع بالطلاق ويملك الربع الباقي تعويضا فيأخذ منه جميع الصداق . ولا يبقى لها منه شيء في حال ما إذا وهبته نصفه فإذا كان دينا فأبرأته منه وطلقها قبل الدخول فقد ذهب به ولا يستحق أحدهما قبل الآخر شيئا
الحنابلة - قالوا : للزوجة أن تتصرف في الصداق بالبيع والهبة والرهن وغير ذلك وينفذ تصرفها فيه بعد قبضه فغن طلقها قبل الدخول تعين للزوج نصف المثل أو نصف القيمة ولكل منهما أن يعفوا عن الآخر مادام رشيدا أما قبل القبض فغن كان الصداق معينا كهذا الحيوان الحاضر . أو هذا الثوب المعروف فغن لها أن تتصرف فيه أيضا لأنه يكون في يد الزوج أمانة أما إذا كان غير معين كثلاثة أرادب من القمح الصعيدي مثلا فإنها لا تملك التصرف فيه
وإذا تصرفت في الصداق قبل قبضه بالهبة لزوجها أو أبرأته منه يصح ثم إذا طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الصداق زيادة على الهبة سواء كان الصداق عينا أو نقضا وذلك لأنه استحق الصداق جميعه أولا بالهبة أو بالإبراء ثم استحق نصفه ثانيا بالطلاق فاختلفت جهة الاستحقاق فلا يتساقطان . وإذا وهبت له نصف الصداق ثم طلقها قبل الدخول كان له الحق في النصف الباقي بتمامه . لأنه وجد النصف الذي أعطاه لها بعينه . فأشبه ما لو لم تهبه له فإذا أبرأته المفوضة قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر المثل



مبحث إذا هلك الصداق فعلى من ضمانه ؟

- إذا كان الصداق حيوانا . أو عرض تجارة . أو نحوهما فهلك في يد الزوج قبل أن تقبضه الزوجة . أو هلك في يد الزوجة بعد أن قبضته . ثم طلقها قبل الدخول . فإن في حكم ذلك تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : إذا تزوجها على مهر معين . كثوب وفرس وغلة . ونحو ذلك وهلك قبل أن تقبضه . فإن كان من ذوات الأمثال بأن كان معدودا أو مكيلا أو موزونا وجب على الزوج أن يدفع لها مثله وإلا وجب عليه أن يدفع قيمته
أما إذا قبضته وهلك في يدها وطلقها قبل الدخول فإنها تضمن نصفه فإن كان باقيا وردته برضاها فذاك . وإلا قضي عليها برده
أما إن كانت تصرفت فيه فإن تصرفها ينفذ كما عرفت . ويتعذر عليها رد النصف بعد وجوب رده فتضمن نصف القيمة للزوج . وتعتبر قيمته وقت القبض
وبذلك تعلم أن المهر إذا كان في يد الزوج ولم تقبضه الزوجة وهلك كان ضمانه على الزوج فإن كان له مثل . وجب عليه مثله . وإلا وجبت عليه قيمته . أما إذا قبضت هي فقد قبضت ما تملكه مع احتمال سقوط كل أو بعض . فإذا سقط نصفه بالفرقة التي تأتي من قبل الزوج وضامنة للنصف فإن كان موجودا ردته إلى الزوج وإلا فعليها قيمة النصف فإذا سقط كله بأن جاءت الفرقة من جهتها قبل الوطء وجب عليها رد كل المهر إن كان باقيا وإلا كان عليها قيمته من يوم القبض
فإذا مهرها فرسا أو نياقا ثم تبين أنها مملوكة للغير واستحقت لذلك الغير رجعت الزوجة على الزوج بمثله إن كان مثليا وبقيمته إن لم يكن مثليا فلو مهرها فرسا ووهبتها لغيره ثم تبين أنها مملوكة لشخص آخر رجعت عليه بقيمتها
المالكية - قالوا : يكون الصداق قبل الوطء مشتركا بين الزوجين في ضمانه وفي نتاجه سواء كان النتاج غلة أو ولد حيوان إلا أن في المسألة تفصيلا وهو أن الصداق إن كان من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها كما إذا كان حديقة أو دارا أو جملا أو رقيقا فإنه إن هلك في يد أحدهما أو نقص كان عليهما معا فلو طلقها قبل الدخول بعد هلاك صداقها . فلا شيء لها . ولا يرجع عليها بشيء . أما إذا كان من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كحنطة أو ثوب من الحرير أو نحو ذلك وهلك في يدها بعد القبض وطلقها قبل الدخول فادعت أن الصداق هلك ببينة تشهد بهلاكه فإنها تضمنه وتلزم بدفع نصفه لأنه بيدها كالعارية وكذا إذا هلك بيده ويحلف من كان بيده أنه ما فرط على الأظهر وكذلك إذا وهبت الصداق كما إذا مهرها ناقتين فوهبتهما لشخص ثم طلقها قبل الدخول فإن عليها ضمان نصف الناقتين بأن تعطيه مثل النصف إن أمكن وإلا فقيمته وتعتبر من يوم الهبة فعليها مثل النصف في المثل وقيمته في المتقوم كما تقدم
هذا حكم الضمان في العقد الصحيح أما في العقد الفاسد فإن ضمانه يكون على الزوجة بعد القبض بلا تفصيل فتضمنه الزوجة سواء كان العقد فاسدا بسبب غير فساد الصداق ويقال له نكاح فاسد لعقده أو كان فاسدا بسبب فساد الصداق ويقال له : فاسد لصداقه . ومثال الأول نكاح المحلل ومثال الثاني لنكاح بصداق لأجل مجهول أو بصداق غير مملوك أو غير مقدور على تسليمه كالنكاح بالجمل الشارد وغير ذلك مما تقدم فالمرأة تضمن الصداق الذي قبضته ويحل تملكه بالنكاح الفاسد مطلقا سواء كان فاسدا لعقده أو فاسدا لصداقه فإذا فسخ العقد قبل الوطء وهلك كان عليها رده إن كان باقيا وإلا بمثله أو قيمته
الشافعية - قالوا : إذا مهرها عينان كحيوان أو ثوب أو بستان . أو نحو ذلك كان قبل قبضه في ضمان الزوج ضمان عقد لا ضمان يد ومعنى ضمان العقد أنه يضمن الشيء بما يقابله عند فقده فالمهر المسمى يقابله مهر المثل فإذا هلك المسمى ضمن الزوج مهر المثل ولزمه . ولا يقال : إن الذي يقابل المسمى هو البضع وعلى هذا يكون المعنى إذا هلك المهر المسمى ضمن الزوج البضع لأنا نقول : إنه وإن كان المقابل للمسمى هو البضع ولكن لما كان يتعذر ضمانه ورده إذ لا معنى لرد البضع إليها إلا فسخ النكاح وهو لا يتأتى لأن عقد النكاح لازم متى كان صحيحا فلذا جعل بدله وهو مهر المثل مقابلا للمسمى أما معنى ضمان اليد فهو أنه يضمنه بمثله إن كان مثليا أو بقيمته إن كان متقوما ؟ فإذا تلف الصداق بيد الزوج قبل أن تقبضه الزوجة كان في ذلك أربع صور
الصورة الأولى : أن يتلف بآفة سماوية الثانية : أن يتلفه هو وفي هذه الحالة يجب لها مهر المثل في الصورتين لانفساخ الصداق بالتلف الثالثة : أن تتلفه هي وهي رشيدة وفي هذه الصورة تكون قابضة لحقها فلا شيء لها الرابعة : أن يتلفه أجنبي وفي هذه الصورة يكون على ذلك الأجنبي الضمان وتكون هي بالخيار بين أن تفسخ الصداق وتلزم الزوج بمهر المثل وهو يرجع على الأجنبي وبين أن تقره وتطالب الأجنبي هي بالبدل ولا يكون لها شيء قبل الزواج
والحاصل أن الصداق ينفسخ في صورتين . وهما ما إذا أتلفه الزوج . أو تلف بآفة سماوية وتكون الزوجة قابضة لحقها في صورة وهي ما إذا أتلفته هي ويكون لها الخيار في صورة وهي ما إذا أتلفه الأجنبي
وإذا مهرها عينين كجملين وتلف أحدهما بآفة . أو بإتلاف الزوج قبل قبضها تفسخ المهر في التالفة لا في السليمة عملا بتفويض الصفقة ثم هي في هذه الحالة بالخيار . إما أن تجيز الصداق بالسليمة على أن تأخذ بقدر التالفة ما يقابلها من مهر المثل . بمعنى أن مهر مثلها إذا كان يساوي جملين مثلا كان لها الحق في نصفه وإما أن تفسخ الصداق ويكون لها مهر المثل
هذا . ولا يضمن الزوج منافع الصداق الفائتة . أي التي لا يترتب عليها زيادة الصداق كركوب الدابة مثلا فلو استوفاها هو لا ضمان عليه . أما زوائد الصداق من ثمر ونتاج ونحو ذلك فهي في يده أمانة فإن انتفع بها هو ضمنها وإن طلبت منه ولم يسلمها ثم هلكت ضمنها وإلا فلا وسيأتي تفصيلا قريبا
هذا حكم الصداق إذا كان في يد الزوج وكان كله من حق المرأة بحيث لم تقع فرقة تجعل الحق فيه . أو نصفه للزوج فإذا وقعت فرقة بطلاق مثلا قبل الوطء عاد إليه نصف الصداق سواء كان نقدا أو عرض تجارة أو حيوان أو غيرهما وسواء كان المؤدي للمهر نفس الزوج أو وليه من أب أو جد فإن كان قد دفع المهر أجنبي ينظر إن كان قد تبرع به للزوج عاد للزوج وإلا عاد للمتبرع الذي دفع وهذا بخلاف الثمن إذا تبرع به شخص غير المشتري ثم فسخ البيع فإنه يرجع للمؤدى عنه وهو المشتري لا المتبرع
ولا يشترط في عود نصف المهر إلى ملك الزوج أن يقول : اخترت عود نصف المهر بل يرجع إليه بدون صيغة قهرا لقوله تعالى : { وإن طلقتموهن قبل أن تمسوهن } الآية
ثم إذا ملك الصداق وافترق الزوجان بطلاق أو غيره . فإن له حالتين :
الحالة الأولى : أن يتلف قبل الفراق والقبض بفعل أجنبي . أو بفعل الزوج . أو بفعل الزوجة . أو بآفة سماوية فإذا تلف بفعل الزوجة كان للزوج نصف قيمته وهو منضم لبعضه بمعنى أنه يقوم كله . ثم يأخذ نصف القيمة فلا يقوم النصف على حدة مثلا إذا كان مهرها ناقة يرغب فيها بعشرين جنيها إذا بيعت كلها . ويرغب في بعضها بثمانية جنيهات لأن الرغبة في النصف قليلة في العادة ما لم تكن مقترنة بوضع اليد على الحيوان والانتفاع به . فإنه يكون له نصف العشرين وكذلك إذا تلف بفعل أجنبي فإن الأجنبي يضمن وترجع الزوجة على الزوج بنصف مهر مثلها . أو ترجع على الأجنبي بالعوض ولا شيء لها قبل الزوج فهي مخيرة كما تقدم . أما إذا تلف بفعل الزوج . أو بآفة سماوية فقد بطل كونه مهرا كما تقدم ويكون الزوج مسؤولا عن نصف مهر المثل بعد الطلاق
الحالة الثانية : أن يتلف بعد الفراق والقبض بفعل واحد من الأربعة المذكورة فإن كان بفعل الزوج فلا شيء له لأنه أتلف ملكه كما هو الظاهر أما إن كان التلف بفعلها أو بفعل أجنبي فإن للزوج نصف المثل فيما له مثل ونصف القيمة في المتقوم منضما لبعضه على الوجه المتقدم ثم هو بالنسبة للأجنبي بالخيار بين أن يرجع عليه ولا يكون له قبلها شيء أو يأخذ منها وهي ترجع على الأجنبي
الحنابلة - قالوا : الصداق إما أن يكون معينا كهذا الحيوان الحاضر وهذه الصبرة من القمح أو لا فإن كان معينا وهلك قبل القبض أو بعده لزم الزوجة لأنه في ضمانها إذ هي تملكه بمجرد العقد الصحيح ويبقى قبل القبض أمانة في يد الزوج إلا إذا طلبته منه فامتنع فإنه يضمنه في هذه الحالة لأنه يكون متعديا بعدم تسليمه فيكون كالغاصب
أما إن كان غير معين كثلاثة أرادب من القمح الصعيدي مثلا . أو من هذه الصبرة فإنه إذا هلك قبل قبضه يكون في ضمان الزوج أما بعد قبضه فإنه يكون في ضمان الزوجة كالمعين
هذا وقد عرفت أن تصرفها في المعين صحيح قبل القبض وبعده لما ذكر فلا يصح للزوج أن يتصرف فيه في هذه الحالة أما في غير المعين فلا يصح لها أن تتصرف فيه قبل قبضه



حكم ما إذا كان الصداق عينا فعرضت له زيادة أو نقص

- إذا كان الصداق عينا كحيوان . أو بستان . أو ثوب . أو أرض فعرضت له زيادة متصلة به كما إذا سمن الحيوان أو أثمر البستان أو صبغ الثوب . أو بني على الأرض أو عرضت له زيادة منفصلة عنه كما إذا ولد الحيوان . أو جز صوفه . أو قطع ثمرة البستان . فلا يخلو إما أن يكون ذلك قبل أن تقبضه الزوجة . أو بعد القبض . فإذا طلقت قبل الدخول هل تكون للزوج نصف هذه الزيادة . أولا ؟ وكذا إذا نقص قبل القبض وبعده كما إذا حدث فيه عيب فعلى من يكون النقص ؟ في كل ذلك تفصيل المذاهب [1]




[1] الشافعية - قالوا : إذا زاد الصداق وفارقت الزوجة زوجها فإن كانت الفرقة بسببها كانت الزيادة للرجل على كل حال لأن له كل المهر فلا يستحق شيئا من غلته أو نتاجه لخروجها كلها من ملكها كما خرج الصداق فإن لم تكن بسببها بل فارقها هو بطلاق . أو غيره فلها نصف الزيادة وله نصفها لا فرق في ذلك بين أن تكون الزيادة متصلة . أو منفصلة هذا إذا حدثت الزيادة بعد الفرق . أما إذا حدثت قبل الفراق فإن كانت الزيادة منفصلة كولد أو لبن . أو كسب فإنها تكون للمرأة سواء كانت الفرقة بسببها . أو بسببه فإن كانت بسببه فله نصف الصداق دون الزيادة والأرجح عليها بكل الصداق دون الزيادة فإذا وقعت الفرقة بسبب مقارن للعقد كما إذا عقد على امرأة بها عيب يوجب فسخ النكاح فقيل : يرجع بالزيادة أيضا لأن العقد كأنه لم يكن وقد وقعت الفرقة بسببها فله كل المهر وقيل : لا يرجع في الزيادة المنفصلة وإنما يرجع في الزيادة المتصلة وهو المشهور . ورجع بعضهم التساوي بينهما في ذلك لأن العقد كأنه لم يكن في كلتا الحالتين
أما الزيادة المتصلة كسن الحيوان فإن كان الفراق وقع بسبب وتمسكت المرأة بالزيادة فليس للرجل إلا نصف قيمة الصداق بصرف النظر عن الزيادة أما إن سمحت له بها فله أخذها وليس له طلب قيمة ومثال ذلك أن يمهرها نخيلا ثم يحدث بها طلع فإنه زيادة متصلة فإذا رضيت الزوجة بأن يأخذ نصف النخل مع الطلع أجبر عليه وليس له مطالبة بالقيمة وإلا فله نصف النخل بدون طلع فإذا فارقها وكان على النخل ثمر لم ينضج فإنها لا يلزمها قطعه ليأخذ هو نصف النخل وذلك لآن الثمر حدث وهو في ملكها بل تمكن الزوجة من إبقائه إلى وقت قطع النخل فإن قطع الثمر فله نصف النخل ما لم يحدث بقطعه نقص في النخل من تكسير جريد أو سعف أو أغصان فإنه في هذه الحالة يكون له نصف القيمة وكذا إذا امتد زمن بقائه حتى أضر بالنخل
وإذا رضي بإبقاء الثمر إلى أن يحين قطعه مع أخذ حقه فقط وهو نصف النخل فإنها تجبر على ذلك بشرط أن يقبض نصفه حتى لا تكون مسؤولة عنه أما إذا لم يرض بإبقاء الثمر إلى وقت قطعه فإن له ذلك على أن لا يكون له الحق في قطعه كما ذكر بل يكون له الحق في القيمة والحاصل أنه ينبغي للزوج أن يمكن الزوجة في الحالة المذكورة من إبقاء الثمر ولا تجبر على قطعه كما لا يجبر على الرضا ببقائه إلى وقت القطع فيكون له القيمة كما تكون له القيمة بعروض نقص في النخل بالقطع . أو امتداد الزمن
أما النقص بحدوث عيب فله ثلاثة أحوال :
أحدها : أن ينقص بعد الفراق . وبعد القبض بفعل الزوجة . أو بفعل أجنبي وفي هذه الحالة يكون للزوج الحق في العوض الذي يساوي ذلك النقص سواء كان يسيرا أو فاحشا أما أن كان النقص بسبب غير ذلك فلا شيء له
الحالة الثانية : أن ينقص قبل الفراق وبعد القبض وفي هذه الحالة يكون الزوج مخيرا بين أخذه معيبا عوض . وأخذ نصف بدله وهو سليم
الحالة الثالثة : أن يحدث النقص قبل الطلاق وقبل القبض وفي هذه الحالة إن رضيت به الزوجة فله نصفه بدون عوض عن النقص لأنه حدث وهو تحت يده وإن لم ترض به كان لها نصف مهر المثل . وأخذه هو كله فإن حدث العيب بواسطة أجنبي أو بواسطة الزوجة كان للزوج نصف الأصل مع نصف العوض الذي يقابل ذلك العيب
هذا وبقيت صورة أخرى وهي أنه يزيد من جهة . وينقص منم جهة كما إذا مهرها نخيلا لم تثمر فأثمرت ولكن طرأت عليها آفة قللت ثمرها أو مهرها جاموسة فولدت ولكن عرض لها مرض قل به لبنها وحكم هذه الحالة أن تقسم العين بينهما فإن أبيا ذلك قومت بصرف النظر عن الزيادة والنقص
هذا حكم النقص مع الفراق أما إذا نقص وهو بيد الزوج وأراد الدخول بها كان في ذلك أربع صور :
الأولى : أن يحدث العيب فيه بيد الزوجة وهي رشيدة غير سفيهة وفي هذه الحالة لا تستحق قبل الزواج شيئا الثانية : أن يحصل العيب بآفة سماوية كما إذا كان الصداق حيوانا فأصيب بالعمى وفي هذه الحالة تكون مخيرة بين فسخ الصداق ولها مهر المثل وبين إجازته وتأخذه على عيبه
الثالثة : أن يحدث العيب بيد أجنبي
الرابعة : أن يحدث بيد الزوج وفي هاتين الصورتين يكون للزوجة الخيار بين فسخ الصداق مع أخذ مهر المثل وبين أخذ الصداق الذي حدث به العيب مع المطالبة بقيمة النقص الذي حدث بالعيب
والحاصل أنها في حالة حدوث عيب بالصداق يكون لها الخيار في ثلاث صور وهي : ما إذا عيبه الزوج . أو أجنبي أو عيب بآفة سماوية وتخير في الصور الثلاث بين فسخ الصداق على أن تأخذ مهر المثل وبين أن تأخذ الصداق المعيب مع المطالبة بقيمة النقص الذي حدث ولا
خيار لها في الصورة الرابعة وهي ما إذا عيبته هي وكانت رشيدة
الحنفية - قالوا : الزيادة الناتجة من الصداق إن كانت ناتجة بعد النقص كما إذا ولدت بقرة المهر بعد قبضها . أو أثمرت الحديقة بعد قبضها فإنها تكون للزوجة مطلقا وإن كانت قبل القبض فلا يخلو إما أن تكون غير متولدة من المهر بل عرضت له أو متولدة منه وفي كل مرة إما أن تكون متصلة به أو منفصلة عنه فمثال غير المتولدة المتصلة صبغ الثوب وبناء الدار ومثال غير المتولدة المنفصلة كسب الخادم . والغلة ومثال المتولدة المتصلة سمن الحيوان وجماله . وثمار الشجر القائمة ومثال المتولدة المنفصلة ولد الحيوان . وثمر الشجر بعد قطعه فإذا كانت الناتجة قبل القبض غير متولدة سواء كانت متصلة . أو منفصلة كانت للزوجة إلا أنها إذا كانت متصلة . كما إذا صبغ الثوب وبنى الدار كانت المرأة قابضة بذلك . ولا تتنصف الزيادة ولكن يجب على المرأة نصف القيمة من يوم أن حكم بالقبض أما إن كانت منفصلة ككسب الخادم . وغلة الزرع كانت للزوجة ولا تتنصف وعليها نصف قيمة الأصل كما ذكرنا أما إذا كانت متولدة وطلقت قبل الدخول كان لها النصف . وللزوج النصف فالزيادة التي تطرأ على المهر لا تتنصف بعد القبض مطلقا وقبل القبض تتنصف إذا كانت متولدة لأن المتولدة من الشيء يلحق به سواء كان متصلا أو منفصلا
أما النقص الطارئ على الصداق قبل أن تقبضه فهو على مجوه :
الوجه الأول : أن يكون النقص بعارض سماوي وتحته صورتان : الأولى أن يكون النقص يسيرا كما إذا عرج فرس المهر . أو عطب في بعض جسمه عطبا خفيفا وفي هذه الصورة لا يكون للزوجة الحق في المطالبة بعوض هذا النقص . الثانية : أن يكون النقص فاحشا كما إذا فقض الفرس إحدى عينيه . أو ماتت بعض أشجار الحديقة التي تنتج ثمرا نافعا . أو غير ذلك مما يوجب خللا شديدا ينقص قيمة المهر وفي هذه الحالة يكون للزوجة المطلقة قبل الدخول الخيار في أن تأخذ نصف المهر المعيب . أو تأخذ قيمته من يوم العقد لأنه في ضمانه قبل القبض وليس لها الحق في طلب العوض عن النقص
الوجه الثاني : أن يكون النقصان بفعل الزوج . وهذا تحته صورتان أيضا : إحداهما ان يكون النقص يسيرا وفي هذه الحالة للزوجة الحق في طلب التعويض عن النقص مع أخذ المهر . وليس لها رده وتضمين الزوج نصف قيمته . ثانيتهما : أن يكون النقص فاحشا وفي هذه الحالة تكون المرأة مخيرة بين أن تأخذ نصف قيمته من يوم العقد . وبين أن تأخذ نصفه وتلزم الزوج بنصف قيمته
الوجه الثالث : أن يكون النقص بفعل المرأة وفي هذه الحالة ليس لها إلا أخذ المهر سواء كان نقصانه يسيرا أو فاحشا
الوجه الرابع : أن يكون النقصان بسبب المهر نفسه كأن قفز الفرس مثلا فأصابه عطب أو جرح العبد نفسه أو نحو ذلك . وحكمه حكم ما إذا أصابه عيب بآفة سماوية
الوجه الخامس : أن يكون النقص بفعل الأجنبي . وتحته صورتان أيضا لأنه إما أن يكون العيب يسيرا وفي هذه الحالة ليس لها إلا أن تأخذ المهر وتطالب الأجنبي بعوض نصف قيمة النقص الذي أحدثه . وإما أن يكون العيب فاحشا وفي هذه الحالة تكون مخيرة بين أخذ نصف المهر مع إلزام الأجنبي بنصف قيمة ما أحدثه من النقص وإما أن تتركه للزوج وعليه قيمة نصفه يوم العقد والزوج يرجع على الجانبي بقيمة النقص كلها هذا إذا كان المهر في يد الزوج فإن طرأ النقص بعد أن قبضته الزوجة وطلقها قبل الدخول فإن كان النقص بفعل المرأة فإن كان يسيرا فليس للزوج إلا أن يأخذ نصفه مع العيب اليسير أما إذا كان العيب فاحشا كان بالخيار بين أن يأخذ نصفه معيبا من غير مطالبة بتعويض . وبين أن يتركه ويأخذ قيمته معتبرة من يوم أن قبضته ومثل ذلك ما إذا حدث النقص عندها بآفة سماوية . أو حدث بفعل المهر نفسه سواء حدث العيب قبل الطلق أو بعد الطلاق . أما إن كان العيب حدث بفعل أجنبي قبل الطلاق فعلى الزوجة نصف قيمته من يوم القبض لأن الأجنبي عليه ضمان النقص وهذه الزيادة منفصلة عن الصداق فلا تتنصف نعم إذا أبرأت الأجنبي من العوض قبل الطلاق يتنصف النقص حينئذ فتكون ملزمة بنصف قيمته للزوج فإن أحدث الأجنبي فيه نقصا بعد الطلاق كان للزوج نصف الأصل ثم هو بالخيار بين أن يأخذ نصف قيمة النقص من الأجنبي . وبين أن يأخذه من الزوجة وقيل : لا فرق بين أن يكون الأجنبي أحدث فيه العيب قبل الطلاق . أو بعده في الحكم المتقدم وإن حدث النقص بيد الزوج كان حكمه حكم ما إذا حدث بيد الأجنبي سواء بسواء
هذا وإذا زاد الزوج على ما سمي من صداق فإنها تصح بالمهر بشرطين :
أحدهما : أن تقبلها الزوجة في المجلس الذي ذكرت فيه الزيادة وإن كانت الزوجة صغيرة يشترط قبول وليها في المجلس
ثانيهما : معرفة قدر الزيادة فلو قال : زدتك في مهرك ولم يعين القدر الذي زاده لم تصح الزيادة للجهالة فيها وبعضهم يشترط ثالثا وهو بقاء الزوجية فلو زاد لها المهر بعد الطلاق البائن أو الموت لم تصح وفي ذلك خلاف فقال بعضهم : إن أبا حنفية صرح بصحة الزيادة بعد موت الزوجة إذا قبلها الورثة ويقاس على ذلك الزيادة بعد الطلاق البائن لأن صحتها أولى ولكن الظاهر اشتراط بقاء الزوجية إذ انقطاعها لا معنى للزيادة في المهر والذي يقول بصحتها يرى أنها تفضل من الزوج نظير المتعة بعد انقطاع الزوجية فلا وجه لبطلانها ومع ذلك فإن مثل هذه الصورة لا تكاد تقع في الخارج فلا فائدة من النزاع فيها
ولا يشترط في قبول وجود الشهود ولا أن يكون المهر باقيا على ملك الزوجة فلو زادها في المهر بعد أن أبرأته الزوج منه أو بعد أن وهبته فإنه يصح وكذا لا يشترط أن تكون من جنس المهر فلو مهرها نقودا . وزادها في المهر حيوانا صح وبالعكس . وكذا لا يشترط أن تكون من الزوج بخصوصه فلو زاد الولي صح ولا يشترط أن تكون بلفظ الزيادة في المهر بل لو قال لها : راجعتك بكذا . وقالت : قلبت كانت في المهر وإذا طلقها قبل الدخول كان له نصف المهر الأصلي فقط أما الزيادة فإنها لا تتنصف كما تقدم
وكما يصح للزوج أن يزيد في مهر الزوجة كذلك يصح للزوجة أن تسقط عنه بعض المهر أو كله بشرط أن يكون نقدا أما إذا كان عينا كعرض تجارة . أو حيوان فإنه لا يصح الحط منه على أنه إذا هلك المهر عنده حطها فإنه لا يضمنه فإذا مهرها هذا الفرس ثم أبرأته منه كان لها الحق في أخذه ما دام قائما فإذا هلك لا ضمان على الزوج بهلاكه وهذا الحكم لا يختص بكون المهر عينا أيضا
المالكية - قالوا : إذا وقعت الفرقة بين الزوجين بالطلاق كانت الزيادة العارضة على الصداق والنقص بينهما مناصفة بناء على الصحيح من
أن المرأة تملك بالعقد النصف فلكل منهما نصفه إن طلق قبل الدخول على أن ولد الحيوان يعتبر من نفس الصداق وملحق به بلا خلاف سواء كانت تملك نصف الصداق . أو تملك شيئا . أو تملك الكل على الخلاف . فولد الحيوان بينهما على كل حال أما الغلة كالثمرة . والصوف فعلى القول بأنها تملك الجميع تكون حقا لها وليس للزوج بالطلاق قبل الدخول إلا نصف الأصل وعلى هذا فالزوجة إما تملك نصف الغلة على القول بأنها تملك نصف الصداق بمجرد العقد وإما تملك كل الغلة على القول بأنها تملك جميع الصداق بمجرد العقد أما كونها لا تملك شيئا من الغلة بناء على القول بأنها لا تملك شيئا من الصداق بمجرد العقد فقيل لم يقل به أحد ولكن ظاهر القاعدة يقتضي ذلك ولذا فرعه عليه بعض الفضلاء
أما إذا وقعت الفرقة بينهما قبل الدخول بالفسخ لا بالطلاق كانت الزيادة للرجل والنقص عليه قولا واحدا وإذا وقعت بعد الدخول . أو بالموت فالزيادة للمرأة والنقص عليها قولا واحدا [ يتبع . . .]
هذا وإذا زاد الزوج للزوجة في الصداق بعد العقد كانت الزيادة ملحقة بالصداق بحيث تكون جزءا منه فلو تزوجها على مائة جنيه مهرا ثم بعد العقد زاد لها عشرين مثلا في المهر لزمته الزيادة وكانت مهرا ولا يشترط أن تكون الزيادة مثل المهر في الجنس . والحلول والتأجيل فلو مهرها حديقة ثم زادها بعد ذلك عشرين جنيها مقبوضة حالا فإنها تعتبر مهرا سواء قبضت أو لم تقبض فإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف المائة . ونصف العشرين فما زيد بعد العقد على المهر ينصف إذا طلقها قبل الدخول بشرط أن لا يفلس قبل أن تقبض الزيادة فإن أفلس سقطت وكذا إذا مات عنها قبل القبض فإن هذه الزيادة تسقط ولا تنصف فتسقط في حالتين : الإفلاس والموت قبل القبض فيهما ولا يسقط بعد القبض على أي حال
هذا كله في المزيد بعد العقد أما المزيد قبل العقد . والمزيد حين العقد فهو صداق من كل وجه بلا كلام
الحنابلة - قالوا : زيادة المهر المعين إن كانت منفصلة من كسب . وثمرة بعد قطعها . وولد ونحو ذلك فإنها تكون من حق الزوجة سواء قبضت . أو لم تقبض لأنه في ملكها الذي تتصرف فيه وحدها وهو واقع في ضمانها بحيث لو تلف ضاع عليها . نعم إذا كان معدودا . أو يحتاج إلى كيل . أو وزن فإنه لا يصح تصرفها فيه قبل القبض كالمبيع سواء بسواء وكذلك الزيادة المتصلة كسمن الحيوان وصبغ الثوب فإنها لا حق للزوجة فيها لأنها وقعت في ملكها . فإذا طلقها قبل الدخول ورضيت أن تعطيه نصف الحيوان الذي جعله صداقا لها بما عرض عليه من زيادة أو نصف الثوب بصبغه . أو بنقشه لزمه قبوله
أما الصداق غير المعين فإنه في ضمان الزوج قبل أن تقبضه وله زيادته وعليه نقصه كما ذكرنا
وبالجملة فإن الزوج لا يملك شيئا من الزيادة في المهر المعين سواء كانت متصلة أو منفصلة فإذا طلق قبل الدخول كان له نصف المهر لا غير ولكن إذا تبرعت له بنصف الصداق مع زيادته المتصلة لزمه أخذه وليس له مطالبة بالقيمة
فإذا نقص المهر المعين وطلقها الزوج قبل الدخول كان له الخيار بين أخذ نصفه بدون عوض عن النقص الذي حدث وبين نصف قيمته
هذا وإذا زاد الزوج في مهر الزوجة بعد العقد فإنها تلحق بالمهر الأصلي بشرط أ تكون الزوجية قائمة بينهما وإذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف الصداق الأول . ونصف الزيادة فالزيادة تتنصف خلافا للحنفية ولا تسقط بالفلس خلافا للمالكية



تأجيل الصداق وتعجيله

- يجوز تعجيل الصداق وتأجيله كله أو بعضه على تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : يجوز تأجيل الصداق وتعجيله كله أو بعضه ولكن يشترط أن لا يكون الأجل مجهولا جهالة فاحشة كما إذا قال لها : تزوجتك بمائة مؤجلة إلى ميسرة . أو إلى أن يأتي الغيث أو إلى أن تمطر السماء . أو إلى أن يأتي المسافر فالأجل في كل هذه الأحوال مجهول فلا يثبت ويجب المهر الذي سماه حالا
أما إذا كان الأجل معلوما كما إذا تزوجها على مائة بعضها مقبوض . وبعضها مؤجل إلى سنة أو سنتين أو تزوجها على مائة مؤجلة كلها إلى سنتين أو أقل أو اكثر فإنه يصح سواء اشترط ذلك في العقد أو بعد العقد ويعمل به بلا خلاف . ويلحق بالأجل المعلوم أن يؤجل الصداق كله أو بعضه إلى الموت أو إلى الطلاق أو إلى وقت مضروب ويقال له : منجم فإذا قال لها : تزوجتك على مائة مؤجلة إلى الموت أو إلى الطلاق أو تدفع على أقساط كل خمس سنين مثلا جزء منها فإنه يصح وكذا إذا قال لها : تزوجتك على مائة نصفها معجل وربعها مؤجل إلى أبعد الأجلين وهما الموت أو الطلاق وربعها مقسط على أربع سنين فإنه يصح
ويلحق بالأجل المعلوم أيضا أن يؤجل إلى الحصاد . أو إلى جني القطن أو سواء العنب أو البطيخ . أو نحو ذلك فإنه وإن كان مجهولا لكن جهالته محدودة بزمن خاص تقريبي فهو كالمعلوم على الصحيح بخلاف البيع فإن المبيع . أو الثمن إذا كانا مجهولين فإن البيع لا يصح سواء كانت الجهالة يسيرة كما هنا . أو فاحشة كما في الأمثلة المتقدمة
وإذا سمى لها مهرا ولكن لم يبين المعجل والمؤجل منه . كأن قال لها : تزوجتك على مائة بدون أن يقول : منها كذا معجل فإن لها الحق في هذه الحالة أن تأخذ من المائة القدر الذي يعجل لأمثالها بحسب عرف البلد فإن كان العرف جاريا على تعجيل النصف . أو الثلثين كان لها ذلك لأن الثابت بالعرف كالثابت بالشرط ما لم يشترطا تعجيل الصداق كله . أو تأجيله كله فإنه في هذه الحالة يعمل بالشرط ولا ينظر للعرف فإذا قال لها : تزوجتك على مائة كلها مؤجلة . أو كلها معجلة عمل بالشرط ولو كان العرف على خلافه
وإذا سمى لها صداقا معلوما نصفه معجل . ونصفه مؤجل ولكن لم يذكر وقت المؤجل كما إذا قال لها : تزوجتك على مائة خمسون معجلة . وخمسون مؤجلة ولم يعين وقت الأجل ففيه خلاف فقال بعضهم : يبطل الأجل ويجب الصداق كله حالا وقال بعضهم : يجوز الأجل ويحمل على وقت وقوع الفرقة بالموت . أو الطلاق . وهو الصحيح
وإذا طلقها طلاقا رجعيا وكان صداقها مؤجلا إلى الطلاق فإنه يتعجل في هذه الحالة ولو راجعها لا يتأجل الصداق بل يكون لها الحق في أخذه حالا
ولا فرق في تعجيل الصداق وتأجيله بين أن يكون نقضا . أو عرض تجارة . أو حيوان . أو نحو ذلك فإذا تزوجها على ثياب معلومة موصوفة الطول والعرض والرقعة مثلا إلى أجل معين فإنه يصح فإذا أعطاها قيمة الثياب عند حلول الأجل فلها أن تمتنع عن أخذ القيمة أما إذا تزوجها على الثياب المعينة ولم يكن لها أجل وأراد ان يعطيها القيمة فليس لها الامتناع عن أخذ القيمة
المالكية - قالوا : الصداق إما أن يكون معينا كحيوان معلوم برؤية . أو وصف كهذا الفرس . أو الفرس المخصوص الفلاني وإما أن يكون غير معين بل كان موصوفا في الذمة كفرس من خيل المسكوف أو الخيل العربية أو يكون دراهم . ودنانير موصوفة كما تقدم
فإذا كان الصداق غير معين فإنه يجوز كله . أو بعضه بشرط أن لا يكون الأجل مجهولا وذلك بأن يقيد الأجل بشيء أصلا . أو قيده بقيد مجهول . مثال الأول أن يقول لها : تزوجتك على مائة جنيه مؤجلة . ومثال الثاني أن يقول لها : تزوجتك على مائة جنيه مؤجلة إلى الموت . أو إلى الفراق هذا إذا أجله كله . ومثال ما إذا أجل مجهول أن يقول لها تزوجتك على مائة منها خمسون مؤجلة أو مؤجلة إلى الموت . أو الفراق والخمسون الأخرى مقبوضة أو مؤجلة إلى سنتين . أو شهرين . أو نحو ذلك فإذا وقع التأجيل للصداق كله . أو بعضه مجهولا بهذه الصفة فسد عقد الزواج ويفسد قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل على المشهور ولكن يشترط أن تكون الجهالة مقصودة بحيث يتعمد ذكر الأجل مجهولا أما إذا نسي تحديد الأجل أو غفل عنه فإن العقد يصح ويضرب له أجل بحسب عرف أهل البلد في بيوع الآجال كما يشترط أن لا يحكم بصحة العقد قاض يرى الصحة كالحنفي فإن حكم كان العقد صحيحا عند المالكية أيضا فلا يفسخ لا قبل ولا بعد . ويلحق بالمجهول ما إذا أجله إلى مدة خمسين سنة ولو كانا صغيرين يمكن أن يعيشا إلى هذه المدة فإن نقص الأجل عن الخمسين لم يفسد النكاح ولو كان النقص يسيرا جدا وطعنا في السن جدا
ويلحق بالأجل المعلوم أن يؤجل المهر إلى الدخول بالزوجة بشرط أن يكون وقت الدخول معلوما بالعادة عندهم كما إذا كانت عادة القوم أن يدخلوا بالنساء في وقت الحصاد . أو وقت جني القطن . أو وقت النيل أو وقت جني الفواكه . أو نحو ذلك فإن لم تكن لهم عادة معلومة في وقت الدخول فسد العقد ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده بمهر المثل على المشهور وقيل : لا يفسد لأن وقت الدخول بيد المرأة فكأن صداقها - حال في هذه الحالة ومثل ذلك ما إذا أجله إلى الميسرة وكان الزوج عنده مال ولكن لم يكن بيده كما إذا كان تاجرا ودفع ما بيده في شراء قمح وشبهه سلما فيكون موسرا بحلول أجل الدفع أو كان عنده سلعة لبيعها في وقت خاص يرتفع فيه سعرها وتكون مطلوبة فإن لم يكن عند الزوج شيء فسد النكاح ويفسخ قبل الدخول ويثبت بعده مهر المثل
وإذا قال لها : أتزوجك على مائة متى شئت خذيها فإنه يصح إن كان عنده مال وإلا كان حكمه ما تقدم في التأجيل إلى ميسرة
أما إذا كان الصداق معينا أي معروفا بعينه من عروض تجارة . أو حيوان . أو ثياب . أو عقار أو نحو ذلك فلا يخلو حاله إما أن يكون حاضرا في بلد العقد أو لا . فإن كان حاضرا وجب تسليمه لها أو لوليها يوم العقد سواء أكانت الزوجة مطيقة أم لا . وسواء كان الزوج بالغا أو لا . ولا يجوز تأخيره إلا بشرطين :
الشرط الأول : أن لا يشترط التأخير في العقد فإن اشترط التأخير في العقد فسد ولو رضيت بالتأخير الشرط الثاني : أن ترضى بالتأخير مع كونه لم يشترط في العقد لأن المهر المعين في هذه الحالة يكون من حق المرأة داخلا في ضمانها بالعقد فلا ضرر من كونها تؤخره
والحاصل أن الصداق إذا كان معينا حاضرا بالبلد وجب تسليمه للزوجة أو لوليها يوم العقد ولا يجوز اشتراط تأخيره في العقد فإذا لم يشترط في العقد فإنه يصح تأخيره إذا رضيت الزوجة بالتأخير أما إذا كان غائبا عن البلد فإنه يصح النكاح إذا أجل قبضه إلى أجل قريب بمعنى أن تكون العين موجودة في بلد بعيد عن بلدة العقد مسافة متوسطة كالمسافة بين مصر والمدينة أما إن كانت المسافة بعيدة جدا كالمسافة بين مصر وخراسان مثلا فإنه لا يصح على أن يشترط لصحة تأجيله في المسافة المتوسطة أمران :
أحدهما : أن يشترط الدخول قبل حضور الصداق وتسليمه فإن اشترط ذلك قبل أن تقبضه الزوجة فسد العقد حتى ولو تنازل عن هذا الشرط إذا كان المهر غير العقار أما إذا كان المهر عقارا وتنازل عن الشرط فإنه يصح تنازله ولا يفسد العقد على أنه يصح اشتراط الدخول قبل القبض إذا كان في بلد تبيع عن بلد العقد بمسافة يومين أو ثلاثة أو خمسة
ثانيهما : أن يكون الصداق معروفا للزوجة . أو الولي برؤية سابقة . أو وصف وإلا كان للمرأة مهر المثل بالدخول
الحنابلة - قالوا : يجوز أن يؤجل الصداق كله . أو بعضه بشرط أن لا يكون الأجل مجهولا كأن يقولك تزوجتك على صداق قدره كذا مؤجل إلى قدوم المسافر . أو إلى نزول الغيث فيبطل الأجل ويحل الصداق فإذا لم يؤجل بوقت مجهول بل أطلق كما إذا قال : تزوجتك على صداق مؤجل وسكتت فإنه يصح ويحمل على التقييد بالفرقة بالطلاق أو الموت . والمراد بالطلاق البائن . أما الرجعي فلا يحل به الصداق إلا بعد انقضاء العدة وكما يصح تأجيل الصداق كذلك يصح تأجيل بعضه وتعجيل بعضه كأن يقول تزوجتك على مائة نصفها معجل ونصفها مؤجل إلى الطلاق أو الموت أو أقساط يدفع كل قسط منها في تاريخ كذا ولا يحل قبضه إلا بحلول أجله كسائر الحقوق المؤجلة
فإذا مسمى الصداق ولم يذكر أجلا كما إذا قال : تزوجتك على مائة وسكت فإنه يصح ويكون الصداق كله حالا
الشافعية - قالوا : يجوز تأجيل الصداق بشرط أن لا يكون الأجل مجهولا سواء كان المؤجل كل الصداق أو بعضه . فلو تزوجها على مائة إلى أجل ولم يذكر وقت الأجل أو تزوجها إلى وقت الحصاد أو وقت نزول الغيث فإن التسمية تفسد ويكون لها مهر المثل وإذا تزوجها بمائة منها خمسون مقدمة . وخمسون مؤخرة إلى الموت أو الطلاق فسدت تسمية المهر ووجب لها مهر المثل لا ما يقابل الخمسين المجهولة وذلك لأنه يتعذر توزيع المائة مع الجهل بالأجل



منع المرأة نفسها من الدخول وغيره لعدم قبض الصداق

- للزوجة منع نفسها من الدخول والخلوة وتمكين الزوج منها لعدم قبض مقدم الصداق وليس للزوج إلزامها بحقوق الزوجية ما لم يوف لها بمقدم صداقها على تفصيل في المذاهب [1]




[1] المالكية - قالوا : قد عرفت أن الصداق إما أن يكون معينا . أو لا وقد عرفت أن الصداق المعين إذا كان حاضرا لا يجوز تأجيله بل يجب تسليمه للزوجة يوم العقد إلا إذا رضيت المرأة بتأجيله من غير اشتراط للأجل في العقد وفي حالة رضاها بذلك يكون حكمه كغير المعين في التأجيل أما الصداق غير المعين وهو المضمون الموصوف في الذمة فإن للمرأة الحق في منع نفسها من الدخول وغيره قبل قبض مقدم صداقها بل يكره لها أن تسلم نفسها قبل أن يعطيها أقل الصداق ربع دينار ولا فرق في ذلك بين أن تكون معيبة بعيب يفسخ به العقد مادام قد رضي به . أو حدث بعد العقد وبين أن تكون غير معيبة
وليس للزوج أن يمنع المهر عنها بسبب مرضها ولو كان المرض شديدا حتى ولو بلغت به حد السياق أي حد النزع لأن غاية ذلك موتها والموت يؤكد الصداق جميعه فالمرض الشديد لا يصلح عذرا للزوج في تأجيل الصداق ولكنه يمنع من إعطائها النفقة لأن النفقة إنما تعطى لها في نظير الاستمتاع وهو لا يتأتى مع المرض الشديد وإذا دخل بها قبل القبض فلها منعه من الوطء أما إذا مكنته من الوطء فليس لها المنع بعد ذلك سواء وطئها أو لا على الظاهر إذا أعطاها مقدم صداقها ولكن تبين أنه غير مملوك للزوج واستحقه صاحبه وهو في يد الزوجة كان لها أن تمنع عنه نفسها بعد الوطء حتى تأخذ عوض فإن كان له مثل أخذت مثله وإلا أخذت قيمته لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج قد غرها بذلك أو لا على الأظهر
ومن قام من الزوجين بتسليم ما هو ملزم به أجبر الآخر على تسليم ما عليه إلا في أحوال :
أحدها : أن يكون الزوج صغيرا لم يبلغ الحلم . وأن تكون الزوجة مطيقة للوطء ولو لم تبلغ فإذا دفع الزوج مقدم الصداق وكان بالغا وكانت الزوجة مطيقة للوطء وطلب الدخول فامتنعت أجبرت على تمكينه منها وكذا لو سلمت الزوجة نفسها وهي مطيقة للوطء وأبى أن يدخل ولم يسلم لها المهر بحجة أنه لم يدخل لا يسمع له ويجبر على دفع ما حل من صداقها وهذا كله فيما إذا كان الصداق غير معين بل كان موصوفا في الذمة أما المعين فإنه يجب تسليمه مطلقا ويجوز اشتراط تأخيره كان الزوج بالغا أو لا أمكن وطؤها أو لا
ثانيها : أن تكون الزوجة مريضة مرضا شديدا بحيث قد وصلت إلى حد النزع أما المرض الذي دون ذلك فإنه لا يمنع من جبرها
ثالثها : أن يشترط أهلها بقاءها بينهم سنة عند العقد إذا كان الزوج يريد أن يسافر بها بعيدا عنهم كي يتمتعوا بمشاهدتها قبل تغريبها عنهم فإنه يعمل الشرط وتبقى سنة بينهم بدون أن يدخل بها ولو دفع لها مقدم الصداق ولكنها لا تستحق النفقة في هذه السنة على الظاهر
ومثل ذلك ما إذا اشترط أهلها عند العقد بقاءها سنة لصغيرها وإن كانت مطيقة للوطء فإذا لم تشترط السنة في العقد بل اشترطت بعده فغن الشرط لا يصح وله جبرها على الدخول متى دفع لها مقدم الصداق والعقد صحيح وكذا يبطل الشرط إذا اشترط أكثر من السنة
رابعها : أن تبقى زمنا يجهز فيه مثلها وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس من غنى وفقر وباختلاف الزمان . والمكان . ولا نفقة لها في مدة بقائها عند أهلها للجهاز فإذا حلف الزوج ليدخلن ليلة كذا فيقضى له بذلك فإن حلف هو وحلفت الزوجة لا يدخل حتى يتم أمر جهازها فينبغي أن يحنث الزوج لأن الدخول وإن كان من حقه ولكن الشارع جعل له وقتا فلا يصح أن يتعداه وأصبح هذا الوقت الذي تجهز فيه من حقها هي والظاهر أن للزوجة التمسك بحقها ولو حلف بالطلاق هذا وليس لها الحق في منع نفسها بسبب حيض . أو نفاس لأن المرأة قد يستمع بها زوجها بغير الوطء
الحنفية - قالوا : إن لمنع المرأة نفسها عن الدخول . والوطء . وغيرهما حالتين :
الحالة الأولى : أن يبين مقدار المعجل في الصداق سواء كان كله أو بعضه كأن يقول لها : تزوجتك على خمسين جنيها معجلة أو نصفها معجل ونصفها مؤجل وفي هذه الحالة يجب على الزوج أن يسلمها المعجل كاملا فإن لم يسلمها سقطت حقوقه المقررة له بعقد الزواج إذ لها أن تمنع نفسها عن الدخول والوطء ولو كانت في بيته وليس له عليها حق الحجر إذ لها أن تخرج من بيته بغير إذنه ولها أن تسافر من جهة إلى بغير إذنه ولها أن تحج حج التطوع بغير إذنه أما حج الفرض فلها أن تحجه مع محرم ولو بغير إذنه بعد قبض المهر ومع هذا كان لها عليه النفقة فإذا أعطاها المعجل بتمامه وجب عليها أن تسلم له نفسها ولا تخرج من داره بغير إذنه إلا في أحوال مخصوصة اختلف فيها : منها أن تخرج لخدمة أحد أبويها المريض إذا كان في حاجة إلى خدمتها ولو كان غير مسلم سواء أذن لها زوجها أولم يأذن . ومنها أن تخرج لزيارة أبويها الغنيين عن خدمتها كل جمعة مرة بشرط أن يكونا غير قادرين على المجيء إليها فإن كانا قادرين على المجيء وطلبت من الزوج زيارتها فإنه ينبغي له أن يأذن لها في زيارتها من الوقت لآخر حسب المتعارف ولا يصح أن يحجر عليها بما يخالف العرف . ومنها أن تخرج لحج الفريضة سواء أذن . أو لم يأذن كما قلنا فإذا خرجت تحج بدون محرم من غير إذنه سقطت نفقتها
وقد اعترض بأن النفقة وجبت للزوجة في نظير احتباسها وقصرها على الزوج ومقتضى هذا أنها تسقط إذا سافرت أو خرجت بدون إذنه مطلقا سواء دفع لها معجل الصداق أولا
وأجيب بأن الاحتباس حق للزوج والنفقة حق للزوجة وقد ناط الشارع حق الزوج في الاحتباس بدفع الصداق فإذا قصر في دفع الصداق فقد أسق حقه وصارت الزوجة في حكم المحبوسة في نظر الشارع فلا تنقطع نفقتها أما إذا دفع ما عليه وخرجت بدون إذنه سقطت نفقتها لأنها لم تكن محبوسة عليه لا حقيقة ولا حكما ونظير ذلك ما إذا أخرجها من منزله فإن نفقتها لا تسقط لأنها في حكم المحبوسة التي لم تخرج . ومنها أن تخرج للاستفتاء في مسألة دينية إذا لم يسأل لها زوجها عنها سواء أذن لها أو لم يأذن وبعضهم يقول : متى قبضت المعجل بتمامه فليس لها أن تخرج من داره إلا بإذنه والرأي الأول أقوى . إلا إذا ترتب على خروجها فتنة فإنه لا يجوز مطلقا . حتى ولو أذن لها وإذا دفع لها بعض المعجل وبقي بعضه فإنه لم يسقط شيئا من حقها ولو بقي لها قرش واحد وليس له أن يسترد بعض المعجل الذي أعطاه إياها
الحالة الثانية : أن يؤجل الصداق كأن يتزوجها على مائة جنيه كلها مؤجلة إلى حلول موسم القطن مثلا وفي هذه الحالة لا يخلو إما أن يشترط الدخول فبل حلول الأجل . أو لا يشترط فإن اشترط لم يكن لها الحق في منع نفسها باتفاق وإن لم يشترط فقد اختلفت في ذلك الفتوى فأفتى بعضهم بأنها ليس لها منع نفسها لا قبل حلول الأجل ولا بعده حتى ولو أجلته بعد العقد وأفتى بعضهم بأن لها منع نفسها استحسانا مادام لم يدفع لها صداقها . لأنه لما رضي بتأجيل المهر فقد رضي بسقوط حقه في الاستمتاع والرأي الثاني أقوى من الأول هذا وإذا أحالت الزوجة رجلا على زوجها بما لها من المهر كان لها منع نفسها حتى يقبض من أحالته وإذا أحالها الزوج على شخص ورضيت فليس لها أن تمنع نفسها سواء قبضت أو لم تقبض
واعلم أن تسليم المهر مقدم على تسليم المرأة فليس للرجل أن يقول : لا أسلم المهر حتى أتسلم الزوجة لا فرق في ذلك بين أن يكون المهر عينا . أو لا بخلاف البيع . فإنه إذا كان الثمن عينا وجب تسليمهما معا وإذا خاف الزوج من أن الأب يأخذ المهر ولا يسلم بنته فإن الأب يؤمر بجعلها مهيأة للدخول ثم يقبض المهر وبهذا تعلم أنه لا جزاء للزوج على عدم دفع الصداق إلا حرمانه من الحقوق المترتبة على العقد من الدخول . والخلوة . والوطء والتقيد بإذنه في الخروج والسفر لا فرق بين أن يكون موسرا أو معسرا خلافا لما عرفت في مذهب المالكية بأن القاضي يطلق عليه إذا ثبت عجزه عن الصداق فإذا دفع الزوج جميع الصداق كان له الحق في طلب تسليمها إليه فإن أبت فإنها تجبر على التسليم إلا في حالتين :
الحالة الأولى : أن تكون صغيرة لا تطيق الوطء وفي هذه الحالة يجبر الزوج على تسليم مقدم الصداق دونها فإن ادعى أنها تطيق الرجال . وادعى الولي غير ذلك فللقاضي أن يعرضها على أهل الخبرة من النساء
الحالة الثانية : أن تكون بالغة ولكنها لا تحتمل الوطء أيضا لمرض شديد ونحوه
خاتمة في تصرف الصبي بدون إذن وليه : وإذا تزوج صبي امرأة ودخل بها ولم يجز أبوه لا مهر عليه ولا عقر وإذا زنى بامرأة وهي نائمة لا شيء عليه أيضا إذا كانت ثيبا وكذا إذا زنى ببكر بالغة دعته لنفسها وأزال بكارتها فإنه لا حد عليه . ولا عقر أما إذا كانت بكرا فأزال بكارتها كان عليه مهر المثل وكذا إذا أكرهها وأزال بكارتها . أو كانت صغيرة وأزال بكارتها حتى ولو دعته الصغيرة . لأن أمر الصغيرة لا قيمة له
الشافعية - قالوا : للزوجة أن تمنع نفسها عن الزوج إذا لم تقبض مقدم صداقها بتمامه وكذا لوليها منعها وإذا منعت نفسها . أو منعها وليها استحقت النفقة . ونحوها وجوبا لأن التقصير جاء من جانب الزوج لا فرق بين أن يكون المهر معينا . أو حالا . أما إذا كان الصداق مؤجلا فليس لها أن تمنع نفسها سواء حل الأجل قبل تسليم نفسها . أو لا . لأنها متى رضيت بالتأجيل فقد وجب عليها أن تسلم نفسها فورا فحلول الأجل لا يرفع الوجوب فإن كانت صغيرة . أو مجنونة منعها وليها
ولا يجب تقدم تسليم المهر على الدخول فإذا وقع نزاع بين الزوجين فقال الزوج : لا أسلم المهر حتى تسلمي نفسك وقالت : لا أسلم نفسي حتى تسلم المهر يجبر الزوج على وضع المهر عند عدل يعتبر نائبا عن الشرع لقطع الخصومة بينهما لا نائبا عن واحد منهما ولو هلك في يد العدل كان على الزوج وتجبر المرأة فتؤمر بتمكين الزوج من نفسها فإذا مكنته أعطاها العدل المهر ولو لم يطأها فإن هم الزوج بوطئها بعد قبضها الصداق فامتنعت يسترد المهر منها فإذا مكنته من نفسها ولكن كان بها عيب يمنع الوطء كرتق وقرن . أعطاها العدل المهر فمدار تسليمها المهر تمكين الزوج وإذا لم يقع تنازع من أول الأمر بل بادرت الزوجة ومكنته من نفسها فلها المطالبة بالمهر قبل الوطء فإن لم يعطها كان لها الحق في الامتناع من الوطء أما إذا مكنته فوطئها ولو في الدبر باختيارها وطالبته بعد الوطء فلم يعطها فليس لها الحق في الامتناع من الوطء بعد ذلك أما إذا وطئها مكرهة أو صغيرة أو مجنونة فلا يسقط حقها في الامتناع بالوطء فإذا كانت المرأة رتقاء أو قرناء ومكنته فإن استمتع بها في غير القبل - قبل أن تأخذ المهر - باختيارها فلا حق لها وإلا كان حكمها حكم السليمة لأن الاستمتاع بغير القبل قي هذه الحالة يقوم مقام الاستمتاع به فإذا زال مرضها لا يعود لها حقها في المنع على الظاهر
أما إذا وقعت المبادرة من الزوج فسلمها المهر بلا نزاع فإنها يلزمها أن تمكنه من الدخول بها متى طلبه فإن امتنعت ولو بلا عذر فلا حق له في أن يسترد ما أعطاه إياها
فإن قلت : إنكم قلتم في الصورة الأولى - ما إذا بادرت هي بتسليم نفسها إن لها الحق في المطالبة بعد التمكين وقبل الوطء فإذا لم يعطها كان لها لاحق في الامتناع وهنا قلتم : إنه إذا بادر وسلم وامتنعت لا حق له في أن يسترد المهر فأي فرق بين الصورتين ؟
والجواب : أنها في الصورة الأولى وقع منها تسليم لنفسها ولكن لم يقع من الزوج تسلم بالوطء أما في الصورة الثانية فقد وقع تسليم من الزوج وتسليم من الزوجة فلذا صار الصداق المملوك لها في حوزتها فليس له طلب رده ولذا قلنا : إذا وقع منه هو تسلم بالوطء لم يكن لها حق في المنع بعد ذلك ولكن بعد تسليم المهر له الحق في المطالبة بها هي ولها الحق في الإمهال في أمور
أحدها : المهلة للتنظيف فإذا طلبت هي أو وليها مهلة لذلك وجب أن تمهل ثلاثة أيام فإن رضي بها الزوج فذاك وإلا يقدرها القاضي . ثانيها : إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فتمهل حتى تطيق فإن ادعى الزوج أنها صارت تطيق وقال الولي : لا عرضت على أربع نسوة أو على رجلين محرمين أو مجبوبين للفصل في أنها تطيق أو لا . على أن الشافعية قد ذكروا - في التيمم وغيره - أنه يعمل برأي الطبيب العدل فلا مانع من العمل برأي طبيبين ومع ذلك فإن التصريح بجواز حكم أربع نسوة غير طبيبات يدل على أن رأي الطبيبات أجل وأقوى ولا نفقة لها مدة عدم الإطاقة . ثالثها : أن تكون مريضة فتمهل وجوبا حتى تبرأ ولا نفقة لها . رابعا : أن تكون ذات هزال عارض فيجب أن ينتظر زواله ولا نفقة لها أيضا أما الهزال الطبيعي فإنه لا يكلف انتظار زواله لأنه قد يطول ولا تتضرر الهزيلة من الدخول
وحبذا لو وكل أمر الفصل في ذلك للطبيب العادل . أو الطبيبات الصالحات . مادامت العلة الضرر إذ قد يجوز أن يكون الدخول من أسباب الصحة ولكنني لم أره في كتب الشافعية . وقد صرحوا بأنه يكون للزوج أن يستلم الزوجة وهي صغيرة لا تطيق أو مريضة أو ذات هزال عارض ولعل السر في اشمئزاز الزوج ونفرته من أول الأمر فلا توجد بينهما المودة والرحمة وهما الأساس الذي تبنى عليه علاقة الزوجية [ يتبع . . .]
الحنابلة - قالوا : للزوجة قبل الدخول أن تمنع نفسها من الدخول . والخلوة . والوطء وغير ذلك من حقوق الزوجة حتى تقبض مقدم صداقها . ولها النفقة قبل قبض الصداق في حال المنع أما بعد القبض فليس لها منع نفسها وتسقط نفقتها بالمنع فإن سلمت نفسها طوعا لا كرها قبل أن تقبض مقدم الصداق ثم أرادت أن تمنع نفسها لم تملك فإن امتنعت بعد تسليم نفسها طوعا فلا نفقة لها مدة الامتناع وإذا سكنت معه في منزل واحد بعد العقد . فلم يطلبها ولم تبذل نفسها فلا نفقة لها أيضا كما سيأتي في النفقة
فإن كان الصداق مؤجلا ولم يحل موعد الأجل أو حل قبل تسليم نفسها فلا تملك منع نفسها بعد ذلك كما يقول الشافعية وذلك لأن رضاها بالتأجيل أوجب عليها تسليم نفسها فحلول الأجل قبل التسليم لا يرفع الوجوب
وإذا تنازعا قبل الدخول في أيهما يبدأ فقال الزوج : لا أعطيها المهر حتى تسلم نفسها وقالت الزوجة : لا أسلم نفسي حتى يعطيني الصداق أجبر الزوج أولا على الدفع وأجبرت الزوجة بعد القبض على تسليم نفسها فإذا أعطاها الصداق وأبت تسليم نفسها بلا عذر فللزوج استرجاعه . خلافا للحنفية . والمالكية القائلين : إنه لا حق للزوج في استرجاع الصداق . ووفاقا للمالكية والحنفية القائلين : بإجبار الزوج على دفع الصداق أولا أما الشافعية فقد فصلوا فقالوا : يجبر الزوج على وضع الصداق عند عدل وتجبر المرأة على التسليم ومتى مكنت أخذت الصداق فإن امتنعت عند الوطء كان له الحق في الاسترجاع في هذه الحالة أما إذا أعطاها الصداق باختياره وسلمت له نفسها ولكن لم يطأها ثم امتنعت بعد ذلك فليس له حق في الاسترداد - ارجع إلى مذهبهم
وإنما ذكرنا ذلك هنا للمقابلة تسهيلا للمحصل ولا تجبر الصغيرة التي لا تطيق الجماع بل يجب على الزوج إمهالها ولو قبضت المهر وهي ما دون تسع وإذا قال الزوج : إن وطأها لا يؤذيها فعليها أن تثبت أنه يؤذيها بالبينة فإذا كانت سن تسع سنين وجب تسليمها للزوج ولو كان بها هزال طبيعي ليعيش معها في بيته ما لم تشترط الإقامة في دارها . أو دار أبيها فإنه يعمل بالشرط وكذلك لا تجبر المحرمة بالنسك على التسليم . ولا المريضة ولا الحائض ولو قال : لا أطؤها حتى تطهر من الحيض وإذا طلبت الزوجة مهلة وجب إمهالها بما جرت به العادة أما الإمهال لعدم الجهاز فإنه لا يجب ولكن يستحب إمهال الغنية



مبحث إذا عجز الزوج عن دفع الصداق

- إذا عجز الزوج عن دفع مقدم الصداق كان للزوج الحق في طلب فسخ العقد بشروط مفصلة في المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : إذا عجز الزوج عن دفع المهر أو النفقة بجميع أنواعها فلا حق للزوجة في فسخ الزواج بذلك على أي حال وإنما لها الحق في منع نفسها منه وعدم التقيد بإذنه في السفر والخروج . ونحو ذلك مما سيأتي بيانه في النفقات
المالكية - قالوا : إذا طالبته المرأة التي لها حق المطالبة بالصداق الذي يجوز تأخيره وهو الصداق المضمون في الذمة الذي لم يعين على ما تقدم بيانه قبل الدخول بها فادعى أنه معدم عاجز عن دفع الصداق فإن ذلك يكون على وجهين :
الوجه الأول : أن تثبت دعواه بالبينة . أو تصديق الزوجة . الوجه الثاني : أن لا تثبت فإذا رفع الأمر للقاضي وثبت أنه معسر بالبينة . أو بتصديقها فإنه لا يجبر على الدفع بل ينظر إلى ميسرة وتحديد الزمن الذي يؤجل فيه موكول لاجتهاد القاضي فله أن يؤجله سنة . أو أقل . أو أكثر لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج ممن يرجى يساره . أو لا على الصحيح . لأن اليسار موكول للظروف فلا يمكن الجزم بأن هذا لا يرجى له يسار فإذا عجز بعد ذلك طلق القاضي عليه أو تطلق المرأة نفسها والقاضي يحكم به . وللقاضي أن يحكم بطلاقها من أول جلسة بدون تأجيل على الظاهر ويشترط في التطليق على المعسر أن يكون قبل الدخول أما بعد الدخول فلا طلاق على المعسر بالصداق على أي حال وإذا طلقت كان لها نصف الصداق ترجع به عليه إذا تيسر وكذا إذا غلب على الظن إعسار الزوج وإن لم يثبت بينة . أو بتصديق الزوجة فإنه ينتظر إلى ميسرة بدون تأجيل لاثبات العسر لأن غلبة الظن كافية في ثبوت الإعسار
أما حكم الوجه الثاني : وهو أن لا تصدقه على دعواه الإعسار . ولا بينة له ولم يغلب على الظن إعساره ففي هذه الحالة يؤجل القاضي الفصل في الدعوى لإثبات عسره ومدة الأجل موكولة لاجتهاده وقدرت بثلاثة أسابيع فإن ثبت عسره انتظر بعد ذلك مدة أخرى يرجى فيها يساره
وقد عرفت أن تحديدها موكول للقاضي فإن عجز طلق عليه القاضي على الوجه السابق ولكن يشترط للتأجيل لإثبات العسر شروط
الشرط الأول : أن يأتي بضامن - ضمان وجه لا ضمان مال وهو ما يضمن الشخص خوف هروبه - فإن لم يأت حبس لإثبات عسره
الشرط الثاني : أن لا يكون له مال ظاهر فإن كان له أخذ منه حالا . الشرط الثالث : أن يكون قد أجرى عليها النفقة من وقت مطالبته بالدخول فإن لم ينفق عليها من ذلك الحين فلها فسخ العقد لعدم النفقة مع عدم الصداق على الراجح
الشافعية - قالوا : إذا عجز الزوج عن دفع المهر بإعساره فإن صبرت الزوجة عليه فذاك وإلا فلها فسخ الزواج بشروط :
الأول : أن تكون حرة فلا حق للأمة في الفسخ بإعسار الزوج بل الحق في ذلك لسيدها إن شاء فسخ . وإن شاء لم يفسخ وليس له الحق في الفسخ من أجل الإعسار بالنفقة كما سيأتي في النفقات . الثاني : أن تكون بالغة فلا حق للصغيرة في الفسخ وإنما الحق لوليها وليس لها الحق في الفسخ بالنفقة لأن ذلك من اختصاص الزوجة إذ قد ترضى بالجوع ولا تحب أن تفارق زوجها . الثالث : أن يكون ذلك قبل الوطء أما إذا مكنته من الوطء باختيارها فلا حق لها في الفسخ . الرابع : أن يثبت إعساره بإقرار . أو بينة عند قاض وإلا فلا فسخ إلا إذا كان الزوج غائبا وانقطع خبره ولا مال له حاضر فإنه يفسخ بدون إمهال لإثبات إعساره . الخامس : لا بد من رفع الأمر إلى القاضي فلا يصح الفسخ إلا منه . أو من المرأة بإذنه والقاضي يمهله ثلاثة أيام ليثبت إعساره وإلا إذا كان غائبا غيبة منقطعة ولا مال له كما ذكرنا فإنه لا يمهل . ثم يفسخ القاضي صبيحة اليوم الرابع إلا إذا جاء وسلم المهر وسيأتي لذلك مزيد في النفقات
الحنابلة - قالوا : إذا ثبت إعسار الزوج . وعدم قدرته على دفع المهر فلها فسخ النكاح بشروط : أحدها أن تكون مكلفة فإذا كانت صغيرة فليس لها ذلك وكذا ليس لوليها خلافا للشافعية ومثل الصغيرة المجنونة ثانيها : أن تكون حرة فإن كانت أمة كان هذا الحق لسيدها : كما يقول الشافعية . ثالثها : أن لا تكون عالمة بعسره فإن تزوجته وهي عالمة بأنه معسر فلا حق لها في الفسخ . رابعها : أن يصدر الفسخ من الحاكم فليس للمرأة الفسخ من تلقاء نفسها ولها الحق في الفسخ ولو بعد الدخول الوطء خلافا للمالكية والشافعية



مبحث للزوج أن يسافر بزوجته

- للزوج أن يسافر بزوجته من جهة إلى أخرى إذا كان مأمونا عليها وكانت الجهة التي يسافر إليها مأمونة على تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : اختلفت الفتوى في مسألة سفر الزوج بزوجته فأفتى بعضهم بأنه ليس له السفر بها مطلقا وعلل ذلك بمظنة الضرر الذي يلحق المرأة حال غربتها وبعدها عن أهلها وعشيرتها وأفتى بعضهم بجواز السفر بها إذا كان مأمونا عليها . وصاحب هذه الفتوى أيدها بكونها ظاهرة الرواية
وبعضهم قال : أن الأحوال قد تختلف اختلافا بينا فتارة يترتب على السفر بالمرأة إيذاء لها وتارة يكون السفر مع زوجها لازما لضروريات الحياة كما إذا كان موظفا في جهة بعيدة عن وطنها . أو كان له ملك بعيد لا يثمر إلا بمباشرته . أو نحو ذلك فإنها إذا لم تسافر معه يتضرر هو لا هي ولهذا ينبغي أن يترك تقدير ذلك للمفتي فهو يفتي بحسب تطور الأحوال ومناسبتها
وإنني أرى الخلاف في ذلك لفظا لأن الذي قال : ليس له السفر بها علله بالمضرة التي تلحقها والذي قال : إنه يجوز السفر بها شرطه بأن يكون الرجل مأمونا عليها يعرف حقوق الزوجية وواجباتها والدفاع عن عرضه وليس شريرا . ولا فاسد الأخلاق . ولا فاسقا وإلا لم يكن مأمونا عليها ومتى كان كذلك فأي ضرر يلحقها ؟ فلا فرق حينئذ بين القولين ومن قال : إن الأمر موكول للمفتي . أو القاضي فإنه رأى أن تقدير الحالتين منوط به فإن وجده غير مأمون ويلحقها ضرر لا يجوز أن يفتي له بالسفر وإلا جاز على أن وجود المرأة بين أهلها وعشيرتها لا يصلح مقياسا عاما لأننا إذا فرضنا أن المرأة ليس لها أهل وعشيرة في بلدها التي ولدت بها ولها أهل وعشيرة في بلد بعيدة عنها كما إذا كانت مولد في مصر وتوفي أبوها ولها عشيرة في أصوان فهل يقال : إنه ينبغي أن يعاشرها بين أهلها وعشيرتها في أصوان ؟ وذلك كثير نعم قد قال : إذا كانت في مصر ونقلت إلى قرية فإنها تتضرر بالنقل لما يترتب على ذلك من اختلاف معيشتها فتعيش منغصة زمنا طويلا لأن الانتقال من المظاهر الجميلة إلى غيرها يشبه أن يكون حبسا فلذا قالوا : إنه لا ينقلها من المصر إلى قرية إلا إذا كانت ضاحية من ضواحي المصر ومعنى هذا أنه إذا نقلها إلى بلدة بها حضارة كالمراكز المديريات فلا وجه للاعتراض على أن الصواب الإفتاء بالسفر مطلقا من المصر إلى القرية وبالعكس ما دام في ذلك مصلحة وما الزوج مأمونا عليها والجهة المنقولة إليها مستتب فيها الأمن أما إذا كان الزوج فاسقا لا يؤمن على عرضه . أو كان شريرا يؤذيها بيده ولسانه . أو يضيق عليها في الإنفاق أو نحو ذلك فإنه لا يصح أن يفتى له بسفرها وليس من المصلحة اتباع الهوى والشهوة وترك المصلحة الحقيقية التي يترتب عليها سعادة الزوجين والذرية
المالكية - قالوا : للزوج أن يسافر بزوجته إلى الجهة التي يريد سواء دخل بها أو لم يدخل ولكن إذا لم يكن قد أعطى لها صداقها وأراد أن يخرج بها قبل الدخول فلها منع نفسها من السفر معه حتى يعطيها ما حل من صداقها إن كان قد دخل بها فإن كان موسرا فلها أيضا منع نفسها حتى يدفع لها معجل صداقها أما إن كان معدما لا يملك الصداق لها أن تمنع نفسها ويكون الصداق دينا عليه هذا إذا دخل بها تمكنه من الوطء أما إذا مكنته من الوطء فليس لها أن تمنع نفسها من السفر معه بعد ذلك سواء وطئها بالفعل أولا . وسواء كان موسرا أو معسرا . وهذا هو الظاهر
وقد صرحوا بأن التمكين من الوطء مثل الوطء ثم إنما يصح أن يسافر بها إلى بلد أخرى بشروط : أحدهما أن يكون حرا فلا يمكن العبد من السفر بامرأته ولو أمة . ثانيها : أن تكون الطريق مأمونة . ثالثا : أن يكون الرجل مأمونا عليها رابعها : أن تكون البلد قريبة بحيث لا ينقطع خبر أهلها عنها ولا خبرها عن أهلها لا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج موسرا أو معسرا
الحنابلة - قالوا : للزوج السفر بزوجته الحرة إلى الجهة التي يريد بشرط أن يكون مأمونا عليها . وأن تكون الجهة التي يسافر إليها غير مخوفة لم تشترط الزوجة عدم السفر بها فإن اشترطت فإنه يوفي لها بالشرط . وإن لم يوف لها الشرط كان لها الفسخ
الشافعية - قالوا : للزوج أن يسافر بزوجته متى كان مأمونا عليها وإذا امتنعت عن السفر معه كانت ناشزا لا تستحق نفقة ولا غيرها إلا إذا كانت معذورة لمرض أو حر أو برد لا يطيق معهما السفر أو ضرر يلحقها بالسفر معه ولو كان سفره معصية . لأنه لم يدعها إلى المعصية وإنما يدعوها لاستيفاء حقه



مبحث اختلاف الزوجين في الصداق

- إذا اختلف الزوجان في الصداق تنازعا فلا يخلو إما أن يكون الاختلاف في تسمية المهر بأن يدعي أحدهما أن المهر مسمى ويدعي الآخر عكسه أو في قدر المهر سواء كان نقدا أو مكيلا أو موزونا . بأن قال أحدهما : عشرون وقال الآخر : عشرة أو في جنسه كأن قال أحدهما : جمال وقال الآخر : حمير والمراد بالجنس عند الفقهاء الجنس اللغوي . فيشمل النوع لأن الجمال والحمير نوعان للحيوان وإذا شئت مثالا لاختلاف الجنس المنطقي فهو أن يقول أحدهما : إن المهر طعام . ويقول الآخر : إنه حيوان . أو اختلفا في صفته . كأن قال أحدهما : هو قمح أسترالي . وقال الآخر : هو قمح هندي . أو اختلفا فيما يستقر به الصداق . كأن قالت الزوجة : إنه خلا بها أو وطئها . وفي كل هذا تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : الاختلاف في المهر على ثلاثة أحوال : الحال الأول : أن يختلفا في تسمية المهر بأن يدعي أحدهما تسمية المهر . وينكر الآخر . وفي ذلك صور . الصورة الأولى : أن يختلفا وهما على قيد الحياة حال الطلاق بعد الدخول . أو الخلوة . فإذا قال الزوج : سميت لها عشرة جنيهات مثلا . وقالت هي : لم يسم لي مهرا كلف الزوج الإثبات . فإن عجز حلفت الزوجة بأنه لم يسم لها عشرة . وثبت لها مهر المثل شرط أن لا ينقص عن العشرة التي اعترف بها الزوج . وكذا إذا ادعت هي أنه سمى لها عشرين . وهو أنكر فإنها تكلف الإثبات . فإذا عجزت حلف الرجل بأنه لم يسم لها عشرين . فإن حلف ثبت لها مهر المثل . بشرط أن لا يزيد على العشرين التي ادعتها . وإن نكلت عن اليمين في الصورة الأولى . أو نكل هو عن اليمين في الثانية ثبت ما ادعاه أحدهما
فإن قلت : إن المنقول عن أبي حنيفة أن المنكر لا يحلف في النكاح ومقتضى هذا أنه متى عجز المدعي عن الإثبات ثبت حق المنكر بدون يمينه . والجواب : أن أبا حنيفة قال : لا يحلف المنكر في أصل النكاح سواء كان المراد به العقد أو الوطء . أما الذي هنا فهو خلاف في المهر وهو مال فيه الحلف بالإجماع
الصورة الثانية : أن يختلفا في حياتهما حال الطلاق قبل الدخول أو الخلوة . وفي هذه الصورة إذا ثبت أن المرأة لم يسم لها صداق بأن عجزت عن إثبات التسمية وحلف أنه لم يسم لها شيئا لم يكن لها سوى متعة المثل وقد تقدم بيانها
الصورة الثالثة : أن يقع الخلاف بعد موت أحدهما فإذا ماتت هي وادعى الزوج أنه سمى لها عشرة وأنكر الوارث كلف المدعي الإثبات فإن عجز حلف الوارث وثبت لها مهر المثل كما هو الحال في الطلاق بعد الدخول وكذا إذا مات الزوج وادعت هي التسمية
الصورة الرابعة : أن يموتا معا ويختلف الورثة في التسمية وفي هذه الصورة رأيان : أحدهما : قول أبي حنيفة وهو - أن القول لمنكر التسمية ولا يقضي لها بشيء - الثاني : قول صاحبيه وهو - أنه يقضى لها بمهر المثل - قالوا : وعليه الفتوى
الحال الثاني : أن يختلفا في قدر الصداق إذا كان دينا موصوفا في الذمة سواء كان نقدا من ذهب . أو فضة . دراهم . أو دنانير . أو جنيهات . أو نحو ذلك . أو كان مكيلا أو موزونا . أو معدودا فمثال الاختلاف في النقد أن يقول الزوج : أن المهر ألف وتقول الزوجة : أنه ألفان ومثال الاختلاف في الموزون أن يقول : إن المهر عشرون قنطارا من عسل النحل المصفى وتقول هي : إنه ثلاثون ومثال الاختلاف في المعدود أن يقول : تزوجتك على عشرين إردبا من القمح البعلي وتقول هي على ثلاثين ومثال الاختلاف في المعدود أن يقول : تزوجتك على ألفين من الرمان وتقول هي : بل على أربعة آلاف وهذا وحكم الاختلاف في قدر المهر في كل هذه الأمور واحد وفي هذا الحال الثاني صور :
الصورة الأولى : أن يقع الخلف بينهما حال قيام الزوجية سواء دخل بها أو لم يدخل
الصورة الثانية : أن يقع الخلف بينهما بعد الطلاق والدخول وحكم هاتين الصورتين واحد فإذا اختلفا قدر النقد كأن قال : تزوجتها على مهر قدره ألف وهي قالت : قدره ألفين . فإن لذلك ثلاثة أحوال : الأول أن يكون مهر المثل موافقا لقولها . الثاني : أن يكون موافقا لقوله . الثالث : أن لا يكون موافقا لقول واحد منهما بل ألفا وخمسمائة وقد عرفت أنها تقول : ألفين وهو يقول : ألف وحكم الأول وهو - ما إذا كان مهر المثل موافقا لقولها - أن القول يكون لها بعد أن تحلف اليمين بمعنى أنها تحلف أنه ما تزوجها على ألف كما يدعي وتستحق الألفين فإن نكلت عن اليمين كان لها الألف التي ادعاها فإن أقامت بينة على دعواها قبلت منها وقضي لها بها وإن أقام هو بينة على دعواه الألف فقط قبلت منه أيضا ولكن في هذه الحالة تقدم بينة الزوج على بينتها وذلك لأن الظاهر معها وهو أن مهر مثلها موافق لدعواها والزوج يريد أن يثبت خلاف الظاهر وأنها رضيت بالألف التي هي دون مثلها . فتتقدم ببينة وحكم الثاني وهو - ما إذا كان مهر المثل موفقا لقوله - أن القول قوله بيمنه بأن يحلف ما تزوجها على ألفين ويقضى لها بالألف فإن نكل عن اليمين قضي لها بالألفين وأيهما جاء ببينه تسمع . إلا أن بينتها في هذه الحالة تقدم على بينته . عكس الأولى لأن الظاهر مع الزوج والبينة تثبت خلاف الظاهر وحكم الثالث هو - ما إذا كان صداق مثلها مخالفا لهما معا كأن كان ألفا وخمسمائة - أنهما يتحالفان . بأن يحلف كل منهما فيحلف الزوج أنه ما تزوجها على ألفين وتحلف هي أنه ما تزوجها على ألف بل ألفين فأيهما نكل عن اليمين لزمته دعوى الآخر وقيل : إن نكل الزوج لزمته ألف وخمسمائة . وهو صداق المثل . والأول أظهر وإن حلفا معا قضي بمهر المثل وهو ألف وخمسمائة وإذا أقام أحدهما بينه على دعواه قبلت فإن أقام كل منهما بينه شهدت له قضي بمهر المثل وهو ألف وخمسمائة وحاصل ذلك أنه إذا لم تكن لأحدهما بينة تثبت دعواه تحالفا فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضى بدعوى الحالف . وإن حلفا معا قضي بمهر المثل وإن أقاما بينة معا قضي بمهر المثل
ويجري هذا التفصيل بعينه فيما إذا اختلف في عين مكيلة . أو موزونة . أو معدودة
الصورة الثالثة : أن يختلفا بعد الطلاق وقبل الدخول وفي هذه الحالة لا يخلو إما أن يكون الصداق المختلف فيه معينا حاضرا كهذا الحيوان وأما أن يكون دينا موصوفا في الذمة كالنقود . والمكيلات والمعدودات والموزونات التي تقدم ذكرها فإن كان معينا ورضي الزوج بإعطائها نصفه فذاك وإلا فلها المتعة اللائقة بها - بدون تحكيم - متعة المثل وإن كان دينا فلها المتعة - بتحكيم - متعة المثل هذا إذا لم تستطع إثبات دعواها بالبينة وإلا فلها نصف الصداق الذي تثته
الصورة الرابعة : أن يموت أحدهما ويقع الخلاف بين الآخر والوارث في الصداق وحكم هذا حكم الاختلاف في حال الحياة بلا فرق
الصورة الخامسة : أن يموت الزوجان ويقع بين الخلاف بين الورثة في مقدار المسمى وحكم هذه الصورة أن القول لورثة الزوج
الحال الثالث : أن يختلفا في جنس المسمى كأن يقول : تزوجتك على عشرين إردبا من الشعير وهي تقول : بل من القمح أو يقول : تزوجتك على هذا الثور وهي تقول : بل على هذه البقرة الحلوب . أو نحو هذا الحال الرابع : أن يختلفا في وصفه كأن يقول : إنه قمح غير جيد وهي تقول : إنه جيد أو يختلفا في نوعه كأن تقول : قمح بعلي وهو يقول : أسترالي وفي هذه الحالة إذا كان الصداق معينا كهذا الثوب . أو هذه الصبرة من القمح واختلفا وقالت : تزوجتك على هذا الثوب بشرط أنه عشرون ذراعا ولكنه نقص أو على هذه الصبرة من القمح بشرط أن تكون من القمح البعلي فإن القول في هذه الحالة للزوج بدون يمين . أو تحكيم مهر المثل بالإجماع أما إذا كان الصادق دينا موصوفا في الذمة فالاختلاف في جنسه أو نوعه أو صفته يكون حكمه حكم الاختلاف في أصله
المالكية - قالوا : التنازع في الصداق له ثلاثة أحوال
الأول : أن يختلفا قبل الدخول . وقبل الفراق بطلاق . أو موت وفيه ثلاثة صور :
الصورة الأولى : أن يختلفا في قدر المهر ولا إثبات مع أحدهما كأن يقول : عشرة وتقول هي عشرين
الصورة الثانية : أن يختلفا في صفته بأن يقول أحدهما : جنيهات مصرية ويقول الآخر : بل هي جنيهات - وبنتو - مثلا أو يقول أحدهما : قمح بعلي ويقول الآخر : قمح هندي . وحكم هاتين الصورتين واحد وهو أنهما يحلفان فكل يحلف على ما ادعاه إن كانا رشيدين وإلا حلف الولي وبعد ذلك يفسخ النكاح بطلاق ويقع ظاهرا وباطنا وكذا إذا نكلا معا فإنه يفسخ العقد بطلاق أما إذا حلف أحدهما ونكل الآخر فإنه يقضى بدعوى الحالف وتبدأ بالحلف الزوجة هذا إذا كانت دعوى كل واحد منهما في القدر أو الوصف تشبه المعتاد المتعارف بين أهل بلديهما أما إذا كانت دعوى أحدهما تشبه المتعارف والآخر لا تشبه فالقول لمن أشبه بيمينه فإن نكل بعد توجيه اليمين عليه حلف الآخر ويقضى لمن حلف ولا يفسخ
الصورة الثالثة : أن يختلفا في الجنس والمراد بالجنس الجنس اللغوي الذي يشمل النوع ومثال الأول أن يقول : تزوجتها على قمح وهي تقول : بل تزوجني على خيل ومثال الثاني أن يقول : تزوجتها على شياه وهي تقول : بل تزوجني على نياق فإن جنس النياق والشياه واحد وهو الحيوان ولكن النوع مختلف فهما نوعان منطقيان وجنسان لغويان فإذا اختلفا في الجنس قبل الدخول فسخ النكاح مطلقا لا فرق في ذلك بين أن يحلفا معا أو يحلف أحدهما . أو يمتنعا عن الحلف . أو يشبها معا . أو يشبه أحدهما الآخر ما لم يرض أحدهما بقول الآخر فإنه لا فسخ مع الرضا
الحال الثاني : أن يختلفا بعد الدخول وهما على قيد الحياة سواء كان ذلك بعد الطلاق . أو قبله وتحته صورتان :
الصورة الأولى : أن يختلفا في قدر الصداق . أو صفته وليس مع أحدهما ما يثبت دعواه وحكم هذه الصورة أن القول للزوج بيمينه فإن نكل حلفت هي وقضي بقولها فإن نكلت أيضا قضي له ويعمل في هذه الصورة بقول الزوج وإن لم يشبه المعتاد عند أهل البلد وذلك لترجح قوله بتمكينها له من نفسها خلافا لمن قال : يعمل بقوله إن أشبه
الصورة الثانية : أن يختلفا في جنس الصداق وفي هذه الحالة يحلفان فإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضي للحالف وإن حلفا معا . أو نكلا معا لزم الزوج مهر المثل جميعه في هذه الحالة لأن المفروض أنه دخل بها وحاصل هذه المسألة أن الخلاف في الجنس قبل الدخول . وقبل الطلاق . والموت يوجب فسخ النكاح مطلقا سواء حلفا أو حلف أحدهما أو نكلا وسواء أشبه قولهما أو قول أحدهما أو لم يشبه أما بعد الدخول فإنه يجب مهر المثل على ما هو مبين وأن الاختلاف في القدر والصفة قبل الدخول يوجب صدق قول من انفرد منهما يكون قوله مشبها للمتعارف بيمينه فإن أشبها معا أو لم يشبها حلفا وفسخ النكاح ما لم يرض واحد منهما وان الاختلاف في القدر . أو الصفة بعد الدخول يوجب صدق الزوج بيمينه ويشترط أن يكون مهر المثل مساويا لما ادعته فإن كان أكثر أعطيت ما ادعت . وكذا أن لا يكون أقل مما ادعاه الزوج
الحال الثالث : أن يختلفا بعد الطلاق . أو يموت أحدهما ويختلف الآخر مع الوارث . أو يموتا معا ويقع النزاع بين الورثة وحكم هذه الحالة كحكم الاختلاف بعد البناء إلا أنه إذا كان النزاع بعد الطلاق قبل الدخول في الجنس وتحالفا فحلفا أو نكلا وجب نصف مهر المثل لا جميعه
هذا ومتى رد الزوج مهر المثل ثبت النكاح حسنا حال الدخول وحكما حال الطلاق والموت بمعنى أن أحكامه ثبتت من إرث وغيرهما هو المعتمد
الشافعية - قالوا : الاختلاف بين الزوجين . أو بين الزوج والولي . أو بين الوليين أو بين وكيل أحدهما أو بين وكيليهما أو بين أحد هؤلاء وبين الورثة إذا مات الآخر أو بين ورثتهما إذا ماتا معا يكون على وجوه . أحدهما : أن يختلفا في أصل التسمية كأن تدعي أنه لم يسم لها صداقا وهو ينكر ويدعي أنه قد سمى
ثانيها : أن يختلفا في قدره كأن تقول : تزوجني على مائة وهو يقول : على خمسين
ثالثها : أن يختلفا في جنسه كأن تقول : تزوجني بمائة جنيه وهو يقول : بمائة ريال
رابعها : أن يختلفا في صفته كأن تقول : تزوجني على عشرين إردبا من القمح الجيد وهو يقول : تزوجتها على عشرين رديئة أو يختلفا في حلوله وتأجيله كأن يقول : تزوجتها على مائة مؤجلة وهي تقول : بل معجلة وحكم هذه الصور جميعها واحد سواء كان قبل الوطء أو بعده وهو أنه إذا وقع النزاع في صورة من هذه الصور ولم يكن لأحدهما بينة تثبت مدعاه أو كان لكل منهما بينة ولكن تناقضتا كأن أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى أو أطلقتا ولم تؤرخا فإنه يجب أن يتحالفا ويبدأ بالزوج . فإن نكل أحدهما قضي للآخر بدعواه
وكيفية حلف الزوجين البالغين الرشيدين أن يحلفا على مدعاهما بطريق القطع بأن تقول : والله ما تزوجني بمائة بل بمائتين وهو يقول : والله ما تزوجتها بمائتين بل بمائة . أما الصغيرة أو المجنونة فيحلف عنها وليها بطريق الجزم أيضا فإذا بلغت الصغيرة أو برئت المجنونة قبل الحلف حلفتاهما دون الولي وإذا وقع الخلاف بين الولي وبين الزوج وكانت الزوجة بكرا بالغة حلفت الزوجة دون الولي لأن المهر عائد إليها
وكيفية حلف الوارث أن يحلف على نفي العلم بأن يقول وارثه : والله لا أعلم أن مورثي تزوجها بخمسمائة كما تدعي بل تزوجها بمائتين ويقول وارثها : والله لا أعلم أن مورثتي تزوجها بمائتين كما يدعي بل بخمسمائة [ يتبع . . .]
وكيفية حلف الولي أن يحلف بأن عقده وقع على خمسمائة لا على مائتين فهو يحلف على الفعل الصادر منه ويثبت المهر للزوجة ضمنا فلا يرد لأن الشخص لا يستحق شيئا بيمين غيره فكيف تستحق المهر بيمين وليها ؟ والجواب أنه لم يحلف على أن موليته تستحق المهر وإنما يحلف على أنه عقد بمهر كذا فهو حلف على الفعل لا على الاستحقاق فإن نكل الولي عن الحلف وحلف الزوج فهل يقضى للزوج بيمينه . أو ينتظر بلوغ الصغيرة لتحلف . أو تنكل ؟ وجهان ورجح الثاني وهو انتظار بلوغ الصغيرة
فإن قلت : هل تحلف الصغيرة على نفي العلم أو تحلف على ثبوت دعواها ونفي دعوى الزوج جزما ؟ الجواب : أن في هذه المسألة وجهين أيضا والمناسب أن تحلف على نفي العلم بأن تقول : والله لا أعلم أن وليي زوجني بمائة بل بمائتين لأنها في الواقع لم تشهد الحال ولم تستأذن فلا يسعها أن تحلف جازمة وهذا بخلاف ما إذا كانت بكرا بالغة ووقوع الحلف بين الزوج والولي فإنها تحلف على الدعوى بطريق الجزم والقطع لأن العقد إن كان قد باشره الولي ولكن بعد استئذانها فهي مشاهدة للحال
والحاصل أن الزوجين البالغين يحلفان على أصل الدعوى بطريق القطع والولي يحلف على فعل نفسه وفي كيفية حلف الصغيرة . والمجنونة بعد البلوغ والإفاقة قولان : فبعضهم يقول : إنهما يحلفان بطريق الجزم لا بنفي العلم وبعضهم يقول : بل يحلفان بنفي العلم والرأي الثاني لجمع من المتقدمين وهو الظاهر المناسب ثم بعد عجز أحد المتنازعين عن إثبات دعواه وتحالفهما يفسخ المهر المسمى ويثبت للزوجة مهر مثلها في حالة ما إذا كان النزاع في تسمية المهر ولها جميعه إن وقع الخلاف بعد الوطء ونصفه إن كان قبله فإن كان النزاع في قدر المهر كأن ادعت أنه مائة وهو ادعى أنه تسعون مثلا كان لها مهر مثلها ولو زاد على ما ادعته بأن كان مائة وخمسين
وإذا وقع النزاع بين الزوج وبين الولي في قدر الصداق كأن قال الولي : هو مائتان وقال الزوج هو مائة وخمسون وكان مهر المثل يساوي مائتين وخمسين فقيل : يتحالفان وجوبا فإن نكل الزوج حلف الولي ويقضى له بدعواه وقيل : يقضى بمهر المثل والتحقيق أن للولي تحليف الزوج إذ ربما ينكل فيحلف الولي وتثبت دعواه فإن ادعى الزوج قدرا مساويا لمهر المثل فإن كان مساويا لقول الولي فالأمر ظاهر لأنه يوافق المسمى وتنقطع الخصومة وإن كان أقل من المسمى رجعت المسألة إلى أن للولي الحق في تحليفه لعله ينكل فتثبت الزيادة التي في المسمى
الحنابلة - قالوا : إذا اختلف الزوجان . أو ورثتهما بعد موتهما . أو زوج الصغيرة ووليها في قدر الصداق كأن قال : مائة وقالت : مائتان أو في عين الصداق كأن قالت : صداقي هو هذا الثوب وقال : بل هذا الثوب الآخر . أو في جنسه بأن قال : تزوجتها على إبل : وقالت بل على خيل أو قال : على قمح وقالت : على ذهب أو صفته أو اختلفا فيما يستقر به الصداق من الدخول والخلوة والقبلة والمس والنظر بشهوة كما تقدم فادعت الدخول وأنكر فإذا لم يكن لأحدهما ما يثبت دعواه كان القول للزوج أو وارثه بيمينه . وذلك لأنه منكر فلو اختلفا في عين الصداق بأن ادعت أن صداقها هذا الحيوان وهو قال لها : بل هذا الحيوان فقد أنكر الزوج دعواها في عين الصداق والقول للمنكر بيمينه وكذا إذا اختلفا في صفته كأن قالت : تزوجني على قمح هندي وقال : بل على قمح مصري فإنه أنكر دعواها بأن صداقها هو القمح الهندي وكذا إذا اختلفا في الجنس كأن ادعت أنه تزوجها على كذا من البر فأنكر وقال : إنه كذا من الشعير وهكذا فهو منكر والأصل براءة ذمته من شيء لم يقر به ولا بينة عليه فهو منكر غير مقر ولا بينة فلا يلزمه إلا اليمين فإذا نكل قضي لها وإذا حلف قضي له بقوله أما إذا اختلفا في قبض الصداق بأن ادعى الزوج أنها قبضت الصداق وأنكرت كان القول لها بيمينها . أو لوارثها إن كانت ميتة ومثل ذلك ما إذا اختلفا على تسمية المهر بأن ادعى أنه قد سمى لها مائة وأنكرت لتتوصل بذلك إلى مهر مثلها الزائد عن المائة وبلا بينة كان القول قولها بيمينها فيقضى لها بمهر المثل ولا فرق في ذلك كله بين أن يختلفا قبل الدخول . أو بعده قبل الطلاق أو بعده لأن المدار في الفصل بينهما إما على البينة إن وجدت وإلا فعلى الزوج في بعض الأحوال بأن يكون القول قوله بيمينه وعلى الزوجة في البعض الآخر وهو أن يكون القول قولها بيمينها



مبحث في مهر السر والعلانية وهدية الزوج وجهاز المرأة

- جرت عادة بعض الناس أن يتفقوا على مهر قليل سرا ويعلنون في العقد مهرا كبيرا كما جرت العادة بأن يهدي الزوج إلى المرأة بعد العقد وتسمية الصداق هدايا تناسب حالها وقد يسميها بعض الناس نفقة وكذا جرت العادة بأن المرأة تدخل بجهاز يناسب حالها فهل يعتبر عند التنازع مهر السر . أو مهر العلانية ؟ وهل تلحق الهدية بالمهر أو لا ؟ وهل للزوج أن يطلب بالجهاز . أو لا ؟ في ذلك تفصل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : في سرية الصداق . وعلانيته وجهان :
الوجه الأول : أن يتفقا على قدر المهر في السر من غير عقد ثم يتعاقدان على مهر أكثر منه في الجهر وفي هذا الوجه صور :
الصورة الأولى : أن تكون الزيادة التي زادت في العقد من جنس المهر الذي اتفقا عليه في السر فإن اتفقا على ذلك بعد العقد فالمظهر هو الذي اتفقا عليه بدون عقد وأن تنازعا كان المهر هو المذكور في العقد ما لم يبرهن الزوج على أنه مهر سمعة . الصورة الثانية : أن تكون الزيادة من جنس المهر وفي هذه الحالة إن اتفقا على أن الزيادة التي في العقد للسمعة فإن كان ما اتفقا على تسميته يساوي مهر المثل فذاك وإلا لزم مهر المثل الصورة الثالثة : أن يتفقا في السر على أن مهرها مائة جنيه مثلا ويتعاقدان على أن لا مهر خوفا من ضريبة ونحوها وفي هذه الحالة يكون المهر ما اتفقا عليه
الوجه الثاني : أن يعقدا في السر على مهر ثم يعقدا في العلانية على مهر آخر مثال ذلك أن يعقدا في السر على مائة جنيه ثم يعقدا في العلانية على مائتين . أو يقرا بأن الصداق مائتان بدون عقد وفي هذه الحالة إن اتفقا أو أشهدا على ما وقع كان المهر المعتبر هو الذي وقع عليه العقد في السر وإن تنازعا ففي المسألة خلاف وهو أن الصاحبين يقولان إن المهر هو الذي جرى عليه العقد الأول وأبا حنيفة يقول : إن اختلاف الجنس وجب ما سماه في الأول . وفي الثاني على أن الثاني يعتبر زيادة على الأول فإذا عقد في الأول على مائة ريال وعقد في الثاني على مائة جنيه اعتبر الجميع صداقا وأن الثاني زيادة زادها الزوج وإذا اتحد الجنس يعتبر الثاني هو المهر فقط مع زيادة عن الأول . مثلا إذا عقدا في السر على مائة جنيه وعقدا في العلانية . أو - أقرا بدون عقد - على مائتين كان المهر هو المائتين لأن الجنس وهو الجنيهات واحد وتعتبر المائة التي زيدت في العقد الثاني من باب الزيادة على المهر
وأما ما جرت العادة من الهدية فإن لها تفصيلا وهو أنها إما أن تكون من المأكولات التي تستهلك عادة كالفاكهة . والسمك . واللحم وإما تكون من الأعيان التي تدخر كالسمن والعسل والشاة الحية . وإما أن تكون من الأشياء التي لا تؤكل ولكن تستعمل عادة في شؤون الزوجة كالشمع والحناء وإما أن تكون كسوة ونقودا منحت في العيد ونحوه فإن كان من النوع الأول وزعم الزوج أنه محسوب من الصداق وقالت الزوجة : إنه هدية كان القول لها دونه بلا كلام لأن هذه الأشياء لم تجر العادة بكونها صداقا وأما غير المأكولات المستهلكة فالذي ينبغي أن يتبع فيها ما حققه الكمال وهو النظر إلى العرف وقد جرى العرف في زماننا على أن كل هذه الأشياء هدية لا مهر فإذا زعم الزوج أنها مهر ولا بينة له فالقول فيها للزوجة بيمينها ومثل ذلك ما يسمونه في زماننا - بالشبكة - وهو أسورة أو خاتم ومعه حلوى أو ثياب منقوشة أو نحو ذلك فإن العرف قد جرى على أنها ليست من الصداق بل هي مقدمة تهدى للزوجة كي لا تقبل خاطبا آخر فإذا ادعى الزوج أنها محسوبة من الصداق ولا بينة له على ذلك كان القول للزوجة بيمينها
وبالجملة فالحكم في مثل هذه الحالة العرف والعادة ويعضهم يقول : إن القول قول الزوجة في المأكول المستهلك عادة كالفاكهة واللحم والسمك . أما في غير ذلك مما ذكر فالقول للزوج بيمينه عند عدم الإثبات فإن حلف الزوج وكانت الهدية باقية فللزوجة أن ترجعها وتأخذ مهرها وإن كانت قد استهلكت حسبت قيمتها وطرحت من المهر وإن كانت تساوي المهر كله فلا يرجع واحد منها بشيء والذي ينبغي أن يعمل به في زماننا هو الرأي الأول وهو النظر إلى العرف فإن كان جاريا على أن الهدايا غير المهر عمل به وكان فيه القول للزوجة عند عدم الإثبات
أما مسألة الجهاز فإن الصحيح الذي لا ريب فيه أن كل شيء يذكر مهرا ويقع التعاقد عليه بصفته مهرا فإنه لا مقابل له إلا نفس الزوجة دون شيء آخر مهما كان كثيرا فإذا تزوجها على ألف جنيه مهرا وكانت العادة أن مثل هذا المهر يقابل بجهاز كبير يليق بحالهما ولكنها لم تفعل فإنه لا حق للزوج في مطالبتها بالجهاز وإذا جاءت بجهاز كان ملكا لها لا حق للزوج فيه أما إذا تعاقد على مهر ثم أعطى لها مبلغا آخر تجهز به نفسها فأخذته ودخلت له بدون جهاز . فإن سكت زمنا يدل على رضاه فقد سقط حقه في المطالبة وإلا كان له الحق في المطالبة لأنه لم يتبرع لها وإنما أعطاها لعمل ما هو واجب عليه فإنه يجب على الرجل أن يعد للمرأة محلا يشتمل على حاجيات المعيشة
وإذا جهز الأب ابنته من ماله واستلمته فلا حق له ولا لورثته في الرجوع عليها ما دام العرف يقتضي أن الأب يجهز بنته وكذا لو اشتراه لها في صغرها فإنه يصير ملكا لها فإذا تنازعا ولا بينة لأحدهما وقال الأب : إنما دفعته لها عارية وقالت : هو تمليك أو قال الزوج بعد موتها إنه ملكها ليرث منه فإن المعتمد الذي عليه الفتوى أن القول للزوجة ولزوجها بعد موتها لا للأب ما دام العرف جاريا على أن الأب يدفع لابنته مثل هذا الذي تنازعا فيه جهازا لا عارية ولا يقال : إن في هذا اعترافا بملكية الأب وانتقال الملكية إليها يحتاج إلى دليل لأنا نقول : إن الجهاز ومتاع البيت يكتفي فيه بالظاهر
وإذا أعطت الأم لابنتها أشياء من أثاث منزلها المملوكة للأب وسكت الأب صارت جهازا للبنت لا يصح له استردادها
وإذا أعطى الزوج لأهل الزوجة شيئا لأجل أن يبادروا بتمكينه من زوجته فإن له الحق في استرداده لأنه رشوة خاتمة : إذا أنفق الرجل على معتدة الغير ليتزوج بها بعد انقضاء عدتها فإنه وإن كان لا يجوز إلا أن في حكمه أقوالا والذي اعتمده المحققون أنه إن شرط التزوج بها وتزوجت بغيره رجع عليها بما أنفقه وإن لم يشترط فقيل : يرجع وقيل : لا يرجع والوجه أنه يرجع لأنه إذا علم في العادة أنها إن لم تتزوجه لا ينفق عليها كان ذلك بمنزلة الشرط وقيل : له حق الرجوع عليها مطلقا لأن ذلك بمنزلة الرشوة سواء شرط التزوج بها أو لا
المالكية - قالوا : إذا اتفق الزوجان أو الزوج والولي على صداق في السر وأظهرا في العلانية صداقا يخالفه فإن المعتبر ما اتفقا عليه في السر سواء كان شهود العلانية هم بعينهم شهود السر أو غيرهم . إلا أن بعض المالكية يشترط ضرورة إخبار شهود السر بما وقع في العلانية ليكون عندهم علم بالحقيقة فإذا تنازعا وادعت المرأة على الرجل أنه رجع عن مهر السر واتفقا على أن يكون المهر هو مهر العلانية وأنكر الزوج دعواها كان لها أن تحلفه على دعواها حيث لا بينة فإن حلف عمل بصداق السر وإن نكل حلفت المرأة فإن حلفت عمل بصداق العلانية وإن نكلت عمل بصداق السر فإن شهدت البينة بأن صداق العلانية لا أصل له . وإنما هو أمر ظاهري والمعتبر إنما هو صداق السر عمل بالبينة وإن اتفقا على عكس ذلك بأن اتفقا على أن مهر السر أكثر من مهر العلانية بسبب الخوف من ضريبة أو نحو ذلك صح وعمل بالاتفاق فإن تنازعا وادعى الزوج أن المهر هو المعلن أخيرا وأنكرت ولا بينة تحالفا على الوجه المتقدم
أما الهدية فلها تسع صور وذلك لأنه إما أن يهديها للزوجة أو لوليها أو لأجنبي . وعلى كل إما أن تكون قبل العقد أو معه أو بعده فالتي أهديت قبل العقد . أو معه سواء كانت بشرط صريح . أو بلا شرط - لأنها في هذه الحالة تكون مشترطة حكما - فإنها تكون ملحقة بالصداق سواء أهديت للزوجة أو لوليها أو لغيرهما فإذا طلقها قبل البناء بها كان للزوجة نصفها وللزوج نصف الآخر كما هو الحال في أصل الصداق وفي هذه الحالة إذا كانت الهدية لغير الزوجة كان لها الحق في أخذ نصفها من ذلك الغير . أو من الزوج لأن الهدية أصبحت بالشرط مهرا كما أن للزوج الحق في أخذ نصفه الذي يستحقه ممن أهداه ولا يرجع على الزوجة بشيء لأنه هو الذي أهدى
فإذا هلكت الهدية وهي بيد أمين غير الزوجة . أو الزوج وشهدت البينة بهلاكها سواء كانت من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالأسورة والثياب أو لا كالبقرة والجمل . أو لم تشهد بينة بهلاكها وكانت من الأشياء المذكورة التي لا يمكن دعوى هلاكها مع سلامتها وطلقها قبل البناء فضمانها عليهما فلا يرجع أحدهما على صاحبه بشيء فإذا طلقها بعد البناء وهلكت الهدية وهي في يد أمين وشهدت بذلك أو كانت الهدية مما لا يمكن إخفاؤه ولو لم تشهد الشهود فقد هلكت عليها وكذا إذا ماتت هي أو الزوج فإن الهدية كلها تهلك على الزوجة لأنها تستحقها كلها بالموت والدخول وكذا إذا فسخ العقد قبل الدخول فإنها تهلك كلها على الزوج لأنه في هذه الحالة يستحقها كلها
أما إذا كانت بيد الزوج أو بيد الزوجة وهلكت ولم تسهد بينة بهلاكها أو كانت من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها ولا تحتاج لبينة فإن ضمانها يكون على من كانت بيده فإن طلقها قبل البناء كان عليها النصف إذا كانت بيدها وإن كانت بيده وهلكت وطلقها قبل البناء كان عليه النصف وبعد الدخول والموت يكون عليه الكل فإن كان متقوما أعطاها قيمته . وإن كان مثليا أعطاها مثله . هذا كله في الهدية قبل العقد أو حال العقد أما إذا كانت الهدية بعد العقد فإن كانت لغير الزوجة من ولي أو غيره فاز بها المهداة له وإن كانت الهدية للزوجة وطلقها قبل البناء ففيها رأيان :
أحدهما : أنه لا شيء للزوج من الهدية بعد العقد سوءا هلكت في يد الزوجة أو بقيت سليمة . وهذا هو الراجح
والثاني أن للزوج نصفها إن كانت قائمة ونصف مثلها . أو نصف قيمتها إن هلكت
أما الجهاز فإن المالكية يقولون : إن الزوجة ملزمة بأن تجهز نفسها من المهر المقبوض جهازا يناسب مثلها لمثل زوجها بشروط :
الشرط الأول : أن تقبضه قبل الدخول سواء كان حالا أو مؤجلا وحل فإن دخل بها قبل القبض فلا يلزمها التجهيز به إلا إذا اشترط عليها التجهيز به بعد الدخول . أو كان العرف يقتضي ذلك . وإذا أرادت الزوجة أن تتخلص من الجهاز بعد قبض مقدم الصداق الحال فللزوج مقاضاتها ويقضى لها عليها بقبضه لتتجهز به أما إذا دعاها لقبض الصداق المؤخر الذي لم يحل أجله لتتجهز به فلا يقضى له به لأنه يكون سلفا جر نفعا للزوج وذلك لأن من عجل ما هو مؤجل يعتبر سلفا فإذا قبضته أجبرت على التجهز به
الشرط الثاني : أن لا سمي الزوج شيئا غير ما قبضته للجهاز أو يجري العرف بأن يدفع الزوج شيئا للجهاز فإن سمى الزوج شيئا للجهاز فإنه يلزم ما سماه وكذا ما جرى به العرف فإنه يلزم سواء كان المسمى أو الذي جرى به العرف أكثر من الصداق . أو أقل وكذا إذا سمى الولي أشياء للزوج ورضي بها فإنها هي التي تلزم بصرف النظر عن الصداق . الشرط الثالث : أن يكون الصداق عينا فإذا كان عروض تجارة أو كان مما يكال أو يوزن أو كان حيوانا فإنها لا تلزم ببيعه للتجهز على المعتمد
على أن الجهاز والصداق ملك للزوجة فإذا ماتت ورث عنها يتفرع على هذا مسألة وهي ما إذا تزوج شخص امرأة بصداق قدره مائة مثلا ودفع منه خمسين وشرط على وليها أو على جهازا بمائتين ثم ماتت قبل الدخول فأصبحت المائة كلها حقا لورثتها . فإذا طلب ورثتها الزوج بأن يدفع ما بقي من الخمسين بعد خصم ميراثه منها . فهل للزوج أن يطلب إبراز جهازها المشترط أيضا ليأخذ منه ميراثه . أو لا ؟ رأيان فقيل : لا يلزمهم إبراز الجهاز وعلى الزوج في هذه الحالة صداق مثلها فقط لا المسمى ويحسب جهازها بالخمسين التي قبضتها ثم إلى قيمة صداق من تتجهز بخمسين فإن كان خمسين لا يدفع الزوج شيئا لأنه دفع الخمسين ويأخذ ميراثه من جهاز الخمسين وهو النصف حيث لا ولد . أو الربع إن كان لها ولد من غيره وإن كان ثمانين دفع لهم الزوج ثلاثين ويكون ميراثه في الثلاثين التي دفعها . وفي جهاز قدره خمسون . وإن كان صداق مثلا ثلاثين لزمهم أن يدفع للزوج عشرين ونصيبه في جهاز قيمته خمسون وإذا جهز البنت أبوها اختصت بجهازها دون سائر الورثة فكل ما دفعه زيادة على مهرها بشرط أن ينتقل إلى بيتها الذي بنى بها الزوج فيه . أو يشهد الأب على أن لها وإن بقي تحت يده . أو يشتريه لها باسمها ويضعه عند غيره كأمانة . أو أقر الوارث بذلك
الحنابلة - قالوا : إذا تزوج رجل امرأة بعقدين على صداقين أحدهما في السر والآخر في العلانية كأن عقد عليها في السر على خمسين وفي العلانية عقد عليها على مائة وبالعكس كانت الزيادة حقا للزوج سواء كان الزائد عقد السر أو عقد العلانية أما الهدية فإن كانت بعد العقد فهي ليست من المهر إذا طلقها قبل الدخول واستحقت نصف المهر فلا ترد شيئا من الهدية وكذا إذا طلقت بعد الدخول من باب أولى فالهدية تثبت كلها ولا ترد متى تقرر للمرأة كل المهر . أو نصفه أما الفرقة التي يسقط بسببها المهر كأن جاءت من جهة الزوجة فإنها ترد معها الهدية وإن كانت الهدية قبل العقد بناء على وعد منهم بتزويجه ولم يزوجوه رجع عليهم بهديته لأنهم أخلفوا وعده فلا معنى لأكلهم هديته
الشافعية - قالوا : إذا ذكروا مهرا في السر وذكروا أكثر منه في العلانية لزم ما عقد به أولا فإذا عقد أولا سرا على ألف ثم أعيد العقد للشهرة على ألفين جهرا لزم الذي عقدوا به أولا وهو الألف أما إذا اتفقوا على ألف في السر بدون عقد ثم عقدوا في الجهر بألفين لزم الألفين المذكورين في العقد . فيعتبر مهر السر إذا كان مذكورا في العقد أما إذا لم يذكر فلا يعتبر ويعتبر مهر العلانية



العيوب التي يفسخ بها النكاح ومسائل العنين - والمجبوب - والخصي - ونحوهم


- العيوب التي توجد في الزوجين تنقسم إلى قسمين [1] : قسم يوجب لكل منهما حق طلب فسخ عقد الزواج بدون اشتراط وقسم يوجبه إذا اشترطه أحد الزوجين والأول ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أحدها : عيوب مشتركة بين الزوجين فيصح أن توجد في الزوج ويصح أن توجد في الزوجة منها الجنون . والبرص . والجذام
ثانيها : عيوب تختص بالزوج وهي الجب والعنة وعدم انتشار عضو التناسل
ثالثها : عيوب تختص بالمرأة وهي العفل والقرن والرتق والعفل غدة كالأدرة من الرجل - القليطة - تسد موضع الجماع والقرن : بروز قطعة لحم أو عظم في محل الوطء فيسده
أما القسم الثاني وهو ما لا يوجب الفسخ إلا بالشرط فهو كثير ومنه العمى . والشلل . وسواد الوجه . والقرع . والشره في الأكل . ونحو ذلك فهذه العيوب لا تلزم إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها وفي كل هذا تفصيل المذاهب [2]




[1] الحنفية - قالوا : ليس في النكاح عيوب توجب الحق في طلب الفسخ لا بشرط ولا بغير شرط مطلقا إلا في ثلاثة أمور : وهي : كون الرجل عنينا أو مجنونا أو خصيا أما ما عدا ذلك فلا يترتب عليه فسخ النكاح ولو اشتد كالجذام والبرص ونحوهما سواء حدث قبل العقد أو بعده وسواء اشترط السلام منه . أولا وقد يقال : إن رأي الحنفية هنا يترتب عليه ضرر شديد بالزوجة . وذلك لا تملك فراق الرجل فإذا رأت نفسها عرضة للخطر فماذا تصنع ؟ نعم لا ضرر على الرجل لأنه إن لم يرض بها يفارقها أما هي فماذا يكون حالها ولا حق لها في طلب الفسخ ؟ والجواب : أن مذهب الحنفية مبني على أن علاقة الزوجية لها احترام وقدسية لا تقل عن قدسية القرابة فإذا ارتبط اثنان برابطة الزوجية وجب على كل منهما أن يحتمل ما ينزل بصاحبه من بلواء فلا يصح أن ينفصل منه لمصيبة حلت به بل يجب عليه مواساته بقدر ما يستطع فكما أن الإنسان لا يمكنه أن يقطع لحمة القرابة عندما يصاب أخوه أو قريبه بداء فكذلك لا يصح له أن يقطع علاقة الزوجية لذلك . ولا فرق في ذلك بين أن يكون الداء أو العيب موجودا قبل العقد أو وجد بعده لأن كلا الزوجين مكلف بالبحث عن الآخر قبل العقد وقد تقدم أن من السنة أن ينظر أحدهما الآخر
وهذه الأحكام إنما هي للمؤمنين الذين يعملون بدينهم فإذا أهمل أحدهما دينه كان هو الملوم وكان من اللازم المحتم أن تنظر إلى قدسية علاقة الزوجية واحترامها ومتى وقعت على أي حال ومع ذلك فإذا فرض أن زوجين عاشا معا في أول أمرهما سليمين ورزقا بأولاد ثم نزلت بأحدهما مصيبة مرض أو عيب كهذا فهل من المعقول أن يفارقه السليم رغم أنفه ؟ أظن أن الجواب : لا وما ذلك إلا لاحترام علاقة الزوجية وهي حاصلة بالعقد لا محالة
ولولا أن الجب - قطع عضو التناسل - والعنة والخصاء تتنافى معها الزوجية لأن المجبوب والعين والخصي كالمرأة - والمرأة لا تتزوج المرأة - لولا ذلك لما جاز طلب فسخ عقد الزواج بحال . فإن قلت : إن هذا يستلزم أن لا يفارق الزوج زوجته بالطلاق أيضا والجواب : أن الطلاق قد شرع في الإسلام لأعراض اجتماعية هامة ضرورية وقد يكون واجبا كما إذا قام بين الزوجيين شقاق تقطعت به علائق الزوجية وحلت محلها الكراهية والنفر ولم يتمكن المصلحون من إزالتها فإن الدواء لمثل هذه الحالة الطلاق وإلا انقلبت الزوجية إلى عكس الغرض المطلوب فإنها ما شرعت إلا للجمع بين صديقين تنشأ بينهما مودة ورحمة لا للجمع بين عدوين لا يستطيع أحدهما أن ينظر إلى الآخر وسيأتي بيان حكمة مشروعية الطلاق في بابه منفصلة
ومن هذا يتضح أن الشارع لم يجعل الفرقة بين الزوجين مبنية على العيب أو المرض لأنهما يوجبان الشفقة والرحمة لا الفرقة والقسوة وجعل للرجل حق الطلاق ليستعمله عند الضرورة فإذا أساء استعماله كان آثما يستحق عقاب الله في الدنيا والآخرة فالفرق بين الحالتين واضح لا يخفى
المالكية - قالوا : العيوب التي يفسخ بها النكاح ثلاثة عشر عيبا وتنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : عيوب مشتركة بين الزوجين بمعنى أنها قد توجب في الرجل . وقد توجد في المرأة . وقد توجد فيهما معا وهي أربعة : الجنون والجذام والبرص والخراءة عند الوطء وتسمى - عذيطة - بفتح العين وسكون الذال فمتى وجد عيب من هذه العيوب في أحد الزوجين كان للآخر أن يطلب مفارقته بفسخ النكاح ولو كان معيبا مثله لأن الإنسان يكره من غيره ما لا يكسره من نفسه فأما الجنون فإنه يثبت به الخيار للرجل والمرأة لأنه مشترك كما ذكرنا وله ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يحدث قبل الدخول . الثانية : أن يحدث بعد العقد وقبل الدخول . الثالثة : أن يحدث بعد الدخول . فإن حدث قبل العقد في الزوجة ولم يعلم به الزوج أو العكس فلكل من الزوجين أن يرد به الآخر قبل الدخول وبعده بشرط أن يقع من صاحبه ضرر كضرب أو إفساد مال أما إذا كان يتخبط ويفيق كالمصروع فإنه لا يرد به وإن حدث الجنون بعد العقد فإن كان الجنون قد عرض للزوج فإن الخيار يثبت للزوجة فلها الحق في فسخ النكاح إما إن كان قد عرض للزوجة فلا يثبت الخيار للزوج سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده وهذا هو المعتمد ولعل أن المرأة مستضعفة بطبيعها وإنها رهينة المنزل فيمكن اتقاء الضرر الذي يترتب على جنونها ويمكن الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة بخلاف الزوج على أن الزوج بيده عقد النكاح فيمكنه أن يطلق عند عدم تمكنه من دفع ضررها وبعضهم يقول : إنه لا فرق في ذلك بين الزوج والزوجة فالجنون العارض بعد العقد يجعل الخيار لكل من الزوجين قبل الدخول وبعده وبعضهم يقول : إن حدث قبل الدخول كان للمرأة الرد دون الرجل وإن حصل بعد الدخول ليس لها الرد كالرجل وقيل : لا يرد بالجنون الحاصل بعد العقد مطلقا سواء عرض للرجل أو للمرأة فالأقوال أربعة والمعتمد منها واحد كما عرفت
وأما الجذام فإنه يثبت به الخيار للزوجة سواء وجد في الرجل قبل العقد . أو بعده سواء كان قليلا أو كثيرا بشرط أن يكون محققا أما إذا كان مشكوكا في أنه جذام أو لا . فإنه لا يرد به اتفاقا أما الرجل فله حق الفسخ إن كان موجودا في المرأة قبل العقد أو عند العقد سواء كان قليلا أو كثيرا ولا حق له في الفسخ بالجذام الحادث بعد العقد مطلقا كما لا حق لأحدهما في الفسخ بالجذام القائم بأصولهما كالأب والجد والأم خوفا من وصول الداء بطريق الوراثة لأن ذلك غير مستيقن فلا عبرة به
أما البرص وهو الداء المعروف سواء كان أبيض . أو أسود . فغن كان قبل العقد وكان كثيرا فإنه يجعل لكل من الزوجين الخيار في الفسخ أما إذا كان يسيرا فترد به المرأة باتفاق وفي رد الرجل باليسير من البرص قولان هذا إذا حدث قبل العقد أما إذا حدث بعد العقد فإن كان يسيرا فلا رد به لأحدهما سواء وجد في الزوج أو الزوجة وإن كان كثيرا وكان في الرجل كان للمرأة الحق في الفسخ وإن كان في المرأة فليس للرجل حق الفسخ على المذهب وذلك لأن الرجل بيده الطلاق فإن تضرر منها فارقها بالطلاق والفرق بين حدوثه بعد العقد وقبله ظاهر لأن المفروض قبل العقد أن تكون المرأة سليمة من العيوب المنفرة أما بعد العقد فالبرص مصيبة من المصائب التي تعرض لأحد الزوجين ولما كانت الزوجة لا تملك الفراق جعل لها الخيار بخلاف الرجل الذي يملكه
أما العذيطة فإنها عيب يرد به الزوجان إذا كان قديما موجودا في أحدهما قبل العقد أما إذا حدث بعد العقد أو شك في حدثه بعد العقد فإنه لا يثبت لأحدهما به الخيار فإنه وإن كان مرضا قذرا تنفر منه النفس ولكن شره أهون من غيره فإن كان الرجل يتقذر به ويعاف المرأة بسببه فله مفارقتها بالطلاق أما المرأة فإنها يمكنها الإغضاء عنه وبعضهم يقول إن العذيطة إذا حدثت على الرجل بعد العقد كان للمرأة حق الفسخ بها بخلاف ما إذا حدثت على المرأة فإنها لا تجعل للرجل الحق في الفسخ كالجذام لما عرفت من أن الرجل بيده الطلاق دونها
هذان ولا فسخ بالبول على الفراش أو عند الجماع أو بالريح فهذه هي العيوب الأربعة المشتركة بين الزوجين ومن العيوب المشتركة أن يكون أحدهما خنثى واضح الخنوثة فإذا كان للزوج ذكر ينتصب ويمني كالرجل ولكن له شق غير نافذ يشبه الفرج حقيقة فإنه ليس بعيب يرد به أما المرأة إذا كان لها فرج تام لا عيب فيه ولكن لها ما تشبه الآلة وليست بآلة بل هي قطعة لحم زائدة فقيل : إنها عيب وقيل : لأنها كالخنثى المشكل فلا يصح تزوجه على أي حال
القسم الثاني : العيوب الخاصة بالرجل وهي أربعة : الجب العنة الخصاء الاعتراض فأما المجبوب فهو - مقطوع الذكر والأنثيين - أو مقطوع الحشفة على الرجع والعنين هو - من له ذكر صغير - لا يتأتى به الجماع ومثله الذي له آلة ضخمة لا يتأتى بها الجماع فكلاهما عيب يجعل للمرأة حق فسخ والخصي : هو مقطوع الأنثيين دون الذكر - ولو انتصب ذكره ولكنه لا يمني كان معيبا أما إذا أمنى فلا رد بالخصاء وأما المعترض فهو الذي لا يتنصب لمرض ونحوه
فهذه الأمور الأربعة إذا وجدت المرأة واحدا منها في الرجل فإن لها الفسخ إذا تحققت الشروط المتقدمة بأن كانت لا تعلم به قبل العقد الخ
القسم الثالث : خاص بالمرأة وهو خمسة أشياء : الرتق . والقرن والعفل . والإفضاء . والبخر فأما الرتف فهو انسداد مدخل الذكر من الفرج فلا يمكن من الجماع سواء كان الانسداد غدة لحم أو بعظم وأما القرن فهو شيء يبرز في الفرج - كقرن الشاة - وأما العفل فهو لحم يبرز في القبل ولا يخلو عن رشح يشبه الأدرة للرجل - القليطة - وهذه الأمراض وجودها الآن نادر بل ربما لا تكاد توجد لأن علم الطب - خصوصا الجراحة - قد تقدما كثيرا ويمكن استئصال هذه الأمراض بسهولة أما الإفضاء فهو أن يختلط مسلك الذكر بمسلك البول أو الغائط ويقال للمرأة : مشروم . أو شريم وأما البخر فالمراد به نتن الفرج . أما نتن البدن فلا رد به وهو وإن أمكن تخفيفه بالروائح العطرية وتنظيف المعدة بتنظيم الأغذية وتخفيفها إلا أن علاجه صعب وقد سمعت من بعض الأخصائيين في سببه أن فم المعدة له غطاء إذا نزل عليه الغذاء ينفتح فينزل الغذاء إلى المعدة ثم يعود الغطاء كما كان فيكتم الروائح التي تنبعث من المعدة فإذا اختل ذلك الغطاء انبعثت منه رائحة البخر . فهذه هي العيوب التي يفسخ بها عقد النكاح بدون اشتراط أما شروط الفسخ بها . فهي ثلاثة :
الشرط الأول : أن يكون طالب الفسخ عاما بالعيب قبل العقد : فإن كان عالما به سواء كان المعيب الزوج أو الزوجة . فقد سقط حقه في الفسخ
الشرط الثاني : أن لا يرضى بالعيب بعد العقد عند الاطلاع عليه فإن رضي صريحا بأن قال : رضيت فقد سقط حقه في طلب الفسخ وكذا إذا رضي به ضمنا بأن مكنته من نفسها إن كان المعيب الزوج أو قاربها إن كانت المعيبة الزوجة
الشرط الثالث : أن لا يتلذذ أحدهما بالآخر بتقبيل أو تفخيذ ونحو ذلك فإن تلذذ السليم بالعيب سقط حقه في طلب الفسخ
والحاصل أن الشرط في الواقع هو الرضا والرضا له علامتان : إحداهما : صريحة وهي القول والثانية : ضمنية وهي التمكين والتلذذ
ويستثنى من العيوب الآتية عيب واحد لا يضر فيه العلم به قبل العقد وهو عيب الاعتراض - عدم الانتصاب - فإنها إذا علمت به المرأة قبل العقد ورضيت بالنكاح ثم دخلت ومكنته من نفسها مدة ولم يبرأ فإن لها الحق في الفسخ وذلك لأن مثل هذا المرض قد يبرأ بالتزوج ومخالطة النساء فإن التلذذ قد ينعشه فإذا تزوجته على هذا التقدير ولم يفلح كان لها الحق في طلب الفسخ
وإذا ادعى أحد الزوجين سقوط شرط من هذه الشروط كأن ادعى الزوج الأبرص أنها رضيت ببرصه بعد أن اطلعت عليه ومكنته من نفسها ولا بينة للزوج حلفت الزوجة على ذلك . وكذلك إذا كان العيب بالزوجة وقالت : إنه علم بعيبي قبل العقد ولا بينة لها حلف الزوج
فهذه شروط الفسخ وتارة يكون الفسخ بلا تأجيل وتارة يكون بتأجيل وإليك بيان ذلك . العيوب بالنسبة للتأجيل وعدمه تنقسم إلى أربعة أقسام أيضا :
القسم الأول : العيب الحادث بالرجل كالجنون والبرص والجذام البين . إذا طرأ على أحدهما بعد العقد فإنه يؤجل له الحاكم في هذه الحالة الفسخ سنة قمرية بشرط أن يرجى برء الداء أما إذا كان عضالا لا يرجى برؤه فلا تأجيل لا فرق بين الجنون والجذام والبرص على المعتمد وبعضهم يقول : إنه يؤجل للجنون سنة ولو لم يرج البرء وقد نصوا على أن المجنون يعزل عن امرأته في مدة هذه السنة فإن برئ بعد السنة فذاك وإلا فرق الحاكم بينهما والظاهر أن السبب في ذلك الخوف من الإضرار بالزوجة لأن المفروض أن الجنون الذي يترتب عليه الفسخ هو الجنون الذي ينشأ منه الضرر وإذا كان كذلك فمما لا ريب فيه أن عزل المجذوم والأبرص يكون كعزل المجنون إذا ترتب عليه ضرر بالزوجة بل قد يكون الضرر أشد فيكون العزل أولى وقد صرحوا بأن الصحيح منع السيد المجذوم من وطء إمائه فالأحرار أولى كما لا يخفى
هذا ولزوجة المجنون الحق في النفقة من ماله بعد الدخول . مدة السنة بلا خلاف أما قبل الدخول فخلاف والظاهر أن لها النفقة أما زوجة المجذوم والأبرص فلهما الحق في النفقة في السنة المؤجل فيها الفسخ قبل الدخول وبعده بلا خلاف وكذلك لزوجة المعترض وهو الذي أجل له لسبب عدم الانتصاب النفقة مدة السنة الؤجلة قبل الدخول وبعده كزوجة المجذوم و الأبرص على التحقيق
القسم الثاني : العيب القديم بالرجل وهو القائم به قبل العقد كما إذا كان مجنونا أو أبرص أو أجذم قبل العقد وفي هذا خلاف فبعضهم يقول : إنه يؤجل له الفسخ سنة أيضا وهو المعتمد وبعضهم يقول : لا يؤجل له بل يفسخ العقد بدون تأجيل
[ يتبع . . .] القسم الثالث : العيب الحادث بالمرأة بعد العقد : وهذا لا كلام فيه فإن الرجل لا خيار له فيه كما هو موضع فيما قبل هذا فإذا الرجل أمكنه التخلص منها بالطلاق
القسم الرابع : العيب القديم بالمرأة كما كانت مجنونة قبل العقد أو بها برص بين أو جذام بين لم يعلم به الزوج فإنها في ذلك كالرجل يؤجل الحاكم لها الفسخ سنة قمرية . هذا في العيوب المشتركة أما العيوب المختصة بالمرأة وهي عيوب عضو التناسل كالقرن . والعفل . والبخر الخ . فإن الحاكم يؤجل لها بحسب ما يلزم لعلاجها باجتهاده وتجبر على إزالة مثل هذا العيب إذا طلبه الزوج إلا إذا كان الداء طبيعيا بحسب الخلقة . فإنها لا تجبر على إزالته بخلاف ما لو كان عارضا وعللوا ذلك بان في إزالة الطبيعي شدة ضرر . ومعنى هذا أنها تجبر على إجابته إذا انتفت شدة الضرر بالبنج ونحوه والواقع أن الخلاف في مثل هذا مصدره صعوبة القطع قبل تقدم الجراحة أما الآن فلا فرق بين الطبيعي وغيره بل إزالة العارض الذي مثلوا به أشد من إزالة الطبيعي
والحاصل أن الذي ينبغي أن يقال الآن بحسب تعليلهم : إن طلب الزوج إزالة وكانت إزالته لا يترتب عليها شدة ضرر أو تشويه في الخلقة تجبر على إزالة وإلا فلا لا فرق بين الطبيعي وغيره وإن طلبت إزالته هي وجب على الزوج إجابتها ما لم يترتب على إزالته تشويه للمحل فإنه لا يجبر لأن النتيجة واحدة في كلتا الحالتين وهي نقص الاستمتاع
هذا وإذا كان المرض القائم بالرجل من عيوب عضو التناسل كالعنة وارتخاء الذكر ويقال له : الاعتراض فإنه يؤجل له فيها سنة بشرط أن يرجى برء الداء أما إذا كان لا يرجى برؤه كالمجبوب أو الخصي الذي لا يمني أو العنين الذي له آلة صغيرة بحسب الخلقة فلا يستطع الوصول إلى الوطء فغن مثل هولاء لا يرجى برؤهم فلا معنى للتأجيل لهم لأن الغرض من التأجيل التداوي وحيث لا يرجى البرء ففيم التداوي ؟
والحاصل أن الأمراض المشتركة بين الرجل والمرأة والأدواء المختصة بالرجل إذا كان يرجى برؤها فإنه يؤجل فيها الحر سنة والعبد نصفها ونقل عن مالك أيضا أن العبد في ذلك مثل الحر وهو المعقول وإن كان العمل على الأول
وأما الأمراض المختصة بالنساء فالتأجيل فيها بالاجتهاد حسبما تقتضيه حالة علاج الداء
ثم إن بدء التأجيل بالسنة يكون من يوم الحكم لا من يوم رفع الأمر للقاضي وإذا كان المعيب مريضا بمرض آخر غير العيب تحتسب السنة من الوقت شفائه من المرض الآخر مثلا إذا أجل للرجل الذي لا ينتصب سنة وكان مريضا بالحمى فتحسب له السنة من أول يوم شفي من الحمى
هذا ولا يكون للمرأة خيار إذا دخل بها وهو سليم من المرض ووطئها ولو مرة واحدة ثم عرض له المرض بعد ذلك فلو كان صبيا ثم أصيب بقطع ذكره لمرض بعد أن عاشرها وهو سليم كان ذلك مصيبة حلت به لا خلاص له منها ومثل ذلك ما إذا عرض له مرض منعه من الانتصاب أو عرضت له شيخوخة منعته من الوطء
هذا حكم التأجيل وقد يتنازع الزوجان بعد انتهاء مدة الأجل فإليك بيان حكم التنازع إذا تنازع في البرء من هذه العيوب فغن كان العيب ظاهرا كالجذام والبرص والجنون فلأمر ظاهر لأن البرء منها لا يخفى في الوجه أو اليدين ولا بد فيه من شهادة رجلين وإن كان في باطن الجسم كفى فيه امرأتان ومعنى هذا إباحة النظر فيه للطبيب الثقة من بباب أولى أما إن كان باطنا وهو العيب المتعلق بعضو التناسل فإن كان متعلقا بالرجل كعدم انتصاب الآلة فادعى أنه وطئها قبل تمام السنة المحددة له وأنكرت كان القول له بيمنه لأنه أنكر أصل الدعوى وهي عدم قدرته على الوطء فإن نكل عن اليمين حلفت هي فغن حلفت قضي لها بأن يأمره بتطليقها فإن أبى ففيه قولان : أحدهما أن الحاكم يطلق عليه . ثانيها : أن الحاكم بأمرها هي بإيقاع الطلاق كأن تقول : طلقت نفسي منك ثم يحكم الحاكم بالطلاق الذي أوقعته لأن أمره إياها بإيقاع الطلاق ليس حكما عند بعضهم وبعضهم يقول : إن الذي يفعله القاضي بعد تطليقها نفسها ليس حكما وإنما هو إشهاد بما حصل منها . فهو خارج عن الخلاف المذكور وإذا طلق القاضي ثلاثا يقع إلا واحدة وكذا أمرها بتطليق نفسها فزادت على واحدة أما الزوج فله أن يطلق كما شاء
هذا والمفروض أنه طلقها قبل البناء لأنه لم يطأها أبدا إذ قد علمت انه لو وطئها ولو مرة سقط حقها في طلب الفسخ وفي هذه الحالة يقع الطلاق البائن واحدا ومع ذلك فإنه إذا خلا بها تجب العدة احتياطا . فهما يعاملان بإقرارهما من حيث الوطء وتعامل العدة بالخلوة الاحتياط ولها الصداق كاملا إن أقامت معه السنة كلها ولو لم يطأها لأنك قد عرفت فيما تقدم أن مكث المرأة سنة مع الزوج يقرر لها الصداق ولو لم يطأها لأنه قد تلذذ بها وانتفع بجهازها وطال مقامها معه فتستحق على هذا كله كل الصداق أما إذا طلقها قبل مضي السنة فإنها تستحق نصف المهر ثم إن كان قد تلذذ بها كان لها الحق في العوض بحسب اجتهاد القاضي وكذلك إذا كان العيب الجب . أو العنة أو الخصاء فإن أنكره الرجل فإنه يمكن معرفته بالجنس بان يجس موضعه والجنس يتأتى به العلم في ذلك كالنظر وهو وإن كان غير جائز كالنظر إلا أنه أخف وارتكاب أخف الضررين للضرورة لازم مادامت النتيجة واحدة وبعضهم يرى جواز النظر إليه للتحقق من دعواه لأن المسألة مفروضة في الحكم بين خصمين فكل ما يوجب التثبيت يكون أولى من غيه وهذا الرأي يناسب زماننا لأنها يصح أن يعرض على خبير له دراية بالطب ليقرر بشأنه قرارا قاطعا على أن الرجل الذي يعلم ستعرض على طبيب ثقة أو طبيبين موثوق بهما لا يمكنه أن ينكر من أول الأمر وتنتهي الخصومة
أما إذا كان العيب الاعتراض وهو الارتخاء فإنه لا يعلم بالجنس وقد عرفت أن الرجل يصدق بيمينه ومثل ذلك ما إذا كان بذكره مرض سري لا يعرف بالجنس فإنه يصدق فيه بيمينه ولا أدري لماذا لا يعرض على طبيب أيضا إذا لا فرق بين حبس المجبوب أو العنين والنظر إليهما وبين هذا - بل ربما كان خطره أشد إذ قد يكون مصابا بالسيلان أو الزهري فيؤذي المرأة - وقواعد المذاهب لا تأبى ذلك فإنهم يقولون دائما برفع الضرر
وإذا طلق العنين أو المجبوب أو الخصي الذي لا يمكنه الوطء بعد الدخول كان عليه الصداق كله بالخلوة والتلذذ أما إذا طاق القاضي عليه مهر لها لأن الخلوة لا يتقرر بها المهر والمجبوب و العنين والخصي الذي يمكنه الوطء أصلا لا يتصور منهم وطء فلا يجب عليهم مهر أما الخصي - مقطوع الأنثيين الذي يمكنه الوطء ولكنه لا يمني - فإنه يجب عليه المهر إذا أولج فيها كما تقدم أما إذا أطلق المجذوم . أو الأبرص بعد الدخول أو طلق عليهم القاضي فإنه يجب لها المهر المسمى وكذلك المجنون إذا طلق عليه القاضي فإنها يجب لها المسمى لأنه يتصور وقوع الوطء من هؤلاء
هذا في عيوب الرجل المتعلقة بالوقاع أما عيوب المرأة المتعلقة به فإنها تصدق فيها أيضا بيمينها فإذا أنكرت أنها بها عيبا من العيوب المتعلقة بذلك أو أنها برئت من هذا العيب فإنها تصدق بيمينها ولا تجبر على أن ينظر إليها النساء ولكن إذا رضيت باختيارها بأن ينظر إليها شاهدتان فإن قولهما يقبل وذلك في المرأة لا يترتب عليه كثير ضرر للرجل فإن الرجل الذي يتضرر من العيب القائم بالمرأة ولا يستطيع البقاء معها يستطيع أن يتخلص منها بالطلاق بدون حاجة إلى التشهير بها واطلاع الناس على عورتها وأما المرأة فإنها معذورة لأن عصمتها بيد الرجل ولا مغيث لها من التضرر إلا بإثبات العيب القائم به على أنك قد عرفت فيما قدمناه أن العيوب الظاهرة بالمرأة لا بد فيها من شهادة رجلين إذا كانت بالوجه واليدين أو بامرأتين إن كانت في باقي البدن
وحاصل حكم المهر بالنسبة للعيوب التي تجعل للزوجين الخيار في الفسخ بدون شرط أن العيب إما أن يكون في الزوج أو في الزوجة فإن كان في الزوج فلا يخلو إما يكون متعلقا بالجماع أولا فإن كان متعلقا بالجماع فهو على قسمين : الأول أن يكون العيب - الاعتراض - أي عدم الانتصاب فغن لم ترض به الزوجة وطلقها قبل أن يمكث معها زمنا طويلا فلها نصف المهر وتعويض عما نال منها بالتلذذ بها بحسب اجتهاد القاضي ولا فرق في ذلك بين أن يطلقها باختياره أو يطلقها القاضي عليه . الثاني : أن يكون العيب الجب أو العنة والمجبوب و العنين إذا طلق أحدهما زوجته باختياره بعد بنائه بها كان الصداق كاملا أما إذا لم ترض بهما الزوجة ورفعت أمرها للحاكم فحكم بالطلاق فلا مهر لها ومثل العنين والمجبوب الخصي الذي قطع ذكره والشيخ الكبير الذي عجز عن الوطء أما الخصي الذي قطعت أنثياه فإن عليه الصداق كله بالإيلاج وان يمن . أما إذا كان عيب الزوج من الأمراض التي لا تتعلق بعضو التناسل كالجذام والبرص والجنون فإنه إذا طلق هو باختياره او طلق عليه القاضي بعد الدخول كان لها المهر المسمى جميعه لأن الأجذم والأبرص والمجنون يتأتى منهم الوطء أما إذا كان العيب في المرأة فإن اطلع عليه الرجل قبل الدخول فهو بالخيار بين أن يرضى بالعيب ويكون عليه المسمى أو يفارقها ولا شيء عليه وإن اطلع بعد الدخول كان بالخيار بين أن يرضى ويلزمه المسمى أو لا يرضى ويفارقها فلزمه أقل المهر وهو ربع دينار فإذا فسخ القاضي نكاحها بعد الدخول رجع عليها بما غرمه لها من مهر
هذه أحكام العيوب التي تجعل لكل من الزوجين الحق في الفسخ وهناك عيوب أخرى كالسواد والقراع والعمى والعور والعرج والشلل وكثرة الأكل فإنها لا تعتبر إلا إذا اشترط أحد الزوجين السلامة منها صريحا ولا يعتبر العرف في هذه الحالة فإن العرف كالشرط في غير النكاح لأن النكاح مبني على التسامح في مثل هذه الأمور بخلاف البيع فإذا اشترط الزوج سلامة المرأة من عيب من هذه العيوب صح فإذا اطلع على عيب اشترط السلامة منه قبل الدخول كان مخيرا بين أمرين وهما الرضا وعليه جميع الصداق المسمى أو يفارق ولا شيء عليه أما إذا اطلع على العيب بعد الدخول وأراد بقاءها أو مفارقتها ردت إلى صداق مثلها وسقطت الزيادة في مقابل ما اشترطه ما لم يكن صداق مثلها أكثر من المسمى فإنه يلزمه المسمى ومن ذلك ما إذا اشترط أنها بكر فوجدها ثيبا فإن له الخيار على الوجه المتقدم
[2] الحنفية - قالوا : إن لا فسخ إلا بالجب . والعنة والخصاء فإذا وجد عيب منها في الرجل كان للمرأة الخيار وقد عرفت أنه لا خيار للرجل بوجود عيب في بضع المرأة من رتق أو نحوه ولكن له الحق في إجبارها على إزالته بجراحة وعلاج . كما أنه إذا يئس من علاجها فله مفارقتها بالطلاق في هذه الحالة لأن الزوجية قائمة على الاستمتاع وفي فراقها عند اليأس من العلاج بدون تشهير فيه رحمة بها ومثله من له آلة صغيرة لا تصل إلى داخل الفرج
ثم إن عيوب الرجل التي تجعل للمرأة حق طلب الفسخ تنقسم إلى قسمين : قسم لا يمكن علاجه بحال من الأحوال وهو الجب - قطع عضو التناسل - ويلحق به ما إذا كانت له آلة صغيرة لا تصل إلى النساء بأصل الخلقة . وقسم يمكن علاجه وهو العنة فالعنين هو الذي لا يستطع إتيان زوجته في قلبها ولو انتصبت آلته قبل أن يقرب منها وإذا أمكنه أن يأتي غيرها أو يأتي الثيب دون البكر . أو أمكنه أن يأتي زوجته في دبرها لا في قلبها فمن وجدت فيه حالة من هذه الأحوال كان عنينا بالنسبة لزوجته وكان لها حق طلب الفسخ ولكل من القسمين أحكام :
فأما المجبوب وما يلحق به فإن للمرأة به طلب الفسخ حالا بدون تأجيل بشروط خمسة :
الشرط الأول : أن تكون حرة فإن كانت أمة كان حق الفسخ لوليها لا لها
الثاني : أن تكون بالغة فإن كانت صغيرة ينتظر بلوغها لجواز أن ترضى به بعد البلوغ أما العقل فإنه ليس بشرط لأن الزوجة إذا كانت مجنونة وزوجها وليها من مجبوب كان لوليها حق طلب الفسخ فإن لم يكن لها ولي نصب لها القاضي من يخاصم عنها
الشرط الثالث : أن لا تكون المرأة معيبة بعيب يمنع من الوطء كالرتق . والعفل والقرن . فإن كانت هي معيبة فلا معنى لطلبها للفرقة وإذا اختلفا في الرتق . فادعى الرجل أنها رتقاء وأنكرت كان للرجل عرضها على النساء الخبيرات أي الطبيبات
الرابع : أن لا تكون عالمة به قبل الزواج فإن كانت عالمة ورضيت بالعقد فإن حقها في الفسخ يسقط أما العلم بعد الزواج مع عدم الرضا فإنه لا يسقط
الخامس : أن لا ترضى بعد العقد فإن رضيت به بعد العقد سقط حقها . ويشترط في الفسخ أن يكون صادرا من القاضي فإذا فرق القاضي بينهما وقع به طلاق بائن ولهما كل المهر وعليها العدة . وهو قول أبي حنيفة وإذا كان الزوج صغيرا وثبت أنه مجبوب فلا يؤجل لكبره إذ لا فائدة في التأجيل وإذا جاءت امرأة المجبوب بولد بعد الفرقة لأقل من ستة أشهر لزمه نسب الولد سواء خلا بها أو لا عند أبي يوسف وقال أبو حنيفة : إنه يثبت نسبه إذا خلا بها ويستمر ذلك إلى سنتين من وقت الفرقة فلا ينقطع النسب بمضي ستة أشهر وهي أقل مدة الحمل كما يقول أبو يوسف وذلك لأن المجبوب يمكنه أن يساحق وينزل وتحمل المرأة من مائه فإذا ثبت أنه لا ينزل كان بمنزلة الصبي فلا يثبت منه نسب ولا يجب على المرأة بفراقه عدة
هذا ولا تنافي بين ثبوت النسب وبين حق المرأة في طلب الفرقة متى كانت غير عالمة به قبل العقد لأن المساحقة والإنزال لا يسقطان حقها في طلب الفسخ بل الذي يسقط حقها الوطء ولو مرة فلو تزوجته سليما وواقعها مرة واحدة ثم جب بعد ذلك فلا حق لها في الفسخ هذا في المجبوب أما العنين فحكمه أن للمرأة طلب فسخ العقد بالشرط الخمسة المتقدمة . إلا أنه يمهله القاضي سنة لأنه قابل للعلاج سواء كان حرا أو عبدا وبيان ذلك أن المرأة إذا تزوجت بعنين لا تعلم حاله كان لها الحق في أن ترفع أمرها للقاضي ليؤجله القاضي سنة قمرية وتحتسب بالأهلة إذا كانت في أول الشهر أما إذا كانت الدعوى في وسطه فتحتسب الأيام والسنة القمرية بالأيام ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وثمان ساعات وثمان وأربعون دقيقة بخلاف السنة الشمسية فإنها تحتسب بالأيام وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وخمس ساعات وخمسون دقيقة فهي تزيد عن السنة القمرية بأحد عشر يوما ونصف نهار تقريبا وبخلاف السنة العددية وهي ثلاثمائة وستون يوما وقد جرى الخلاف في ذلك . فبعضهم يرى تأجيله سنة قمرية وبعضهم يرى تأجيله سنة شمسية وبعضهم يرى تأجيله سنة عددية ولكن المعتمد الأول لأن لسنة إذا أطلقت في لسان الشارع انصرفت إلى السنة القمرية ما لم يصرحوا بغير ذلك
وتبدأ السنة من وقت الخصومة برفع الأمر إلى القاضي ما لم يكن الزوج صبيا أو مريضا أو محرما فتبدأ السنة من وقت بلوغه إذا كان صبيا ومن وقت صحته إذا كان مريضا ومن وقت تحلله من الإحرام إن كان محرما ولا يسقط حق المرأة بسكوتها بعد علمها زمنا طويلا حتى ولو كانت مقيمة معه وتضاجعه وإذا رفعت أمها إلى القاضي وأحلها سنة ثم أقامت معه في خلال تلك السنة بعد وضاجعته لا يسقط حقها أيضا لأن المفروض في التأجيل أن تخلطه لتجربه فإذا انتهت السنة بعد ذلك ورفع الأمر للقاضي كي يأمره بالطلاق أو يفرق بينهما إذا امتنع فضرب القاضي لها موعدا للخيار وخالطته أو ضاجعته بعد ذلك سقط حقها وكذا إذا خيرها القاضي في المجلس فقامت ولم تقل : اخترت نفسي فإنه يسقط حقها حتى ولو أقامها أحد آخر كأعوان القاضي فإن الواجب عليها قبل أن تقوم أن تقول : اخترت عدم معاشرته أو اخترت نفسي
والحاصل أن حقها يسقط بأمرين : قيامها معه ومضاجعتها له بعد تخيير القاضي . وقيامها من المجلس بعد التخيير في المجلس بدون اختيار . أما قبل ذلك فلا يسقط اختيارها
ويشترط أن يكون التأجيل صادرا من القاضي أما التأجيل الصادر منها أو من غيرها فإنه لا يعتبر وظاهر كلامهم أن التأجيل الصادر من محكم لا ينفع أيضا مع أن المعروف أن للمحكم الفصل فيما حكم فيه كالقاضي وقد يجاب بأن القاضي هو المرجع في النهاية إذ هو الذي يطلق إذا امتنع الزوج عن الطلاق فلا يعتبر التأجيل إلا إذا كان صادرا عنه فإذا عزل أو انتقل وجب على القاضي الذي يحل محله أن يبني على تأجيل الأول
وإذا ادعى أنه وطئها وأنكرت فإن كانت بكرا حكمت امرأة لها خبرة موثوق بعدالتها فإن قالت : إن بكارتها أزيلت بالوطء حلف الزوج بأنه وطئها فإن حلف قضي له وإن نكل خيرت الزوجة بين الإقامة معه وطلاقها منه على الوجه المتقدم إذا لم يكن قد أجل له سنة وإلا أجل له سنة بعد تقرير ذات الخبرة وإن عرضت على امرأتين لهما خبرة كان أفضل وأوثق أما إن كانت المرأة ثيبا حين تزوجها فإنه يحلف بأنه وطئها من غير عرضها على ذات خبرة ويعمل بقوله لأنه منكر لاستحقاق الفرقة هذا هو المقرر وقد يقال : إذا وجدت وسيلة يمكن بها معرفة الرجل إذا كان قد قدر على الوطء كما يقول أو لا كالكشف الطبي فلماذا لا يصار إليها دفعا لتضرر المرأة والنبي صلى الله عليه و سلم يقول : " لا ضرر ولا ضرار " وعندي أنه لا مانع من ذلك لأنه هو الوسيلة الوحيدة للإثبات خصوصا أنهم أجازوا عرض المرأة على النساء إذا ادعى أنها رتقاء وأنكرت ولا فارق بينهما
ويحتسب للزوج مدة غيابها عنه لحج ونحوه بمعنى أنه يطرح له من السنة ويعوض عنها أياما بعددها أما مدة غيابه هو فإن كانت باختياره فإنها تحتسب عليه ولا يعوض عنها لأنه يمكنه أن يأخذها معه وإن كانت رغم أنفها كما إذا حبس في دين ولو كان لها فإنها تحتسب متى تعذر وصوله إليها فإذا كان مظاهرا لها ولا يقدر على كفارة الظهار من عتق الرقبة فإنه يؤجل له شهرين لأجل أن يصومهما وسنة بعد الشهرين أما رمضان فإنه يحتسب من السنة وكذا أيام حيضها ومتى ثبت بعد إمهاله السنة أنه باق على مرضه وأنه عاجز عن إتيانها أمره القاضي بطلاقها فإن أبى طلق عليه وكان عليها العدة ولها كل المهر كما تقدم في المجبوب إلا أن المرأة إذا جاءت بولد بعد التفريق وثبت نسبه من العنين بطلت الفرقة وعادت زوجة له وذلك لأن ثبوت النسب يلزمه أن الرجل قد وصل إليها وأنه قد برئ من عنته فيبطل الحكم المترتب على العنة وهو الفراق بخلاف المجبوب فإنه لا يتصور فيه أنه أتاها وإنما النسب قد بني على الإنزال بالمساحقة فلا يسقط حقها في الفرقة هذا وإذا تراضيا على العودة بعد الفرقة فإنه يصح أما الخصي - وهو مقطوع الأنثيين - فإن كان ينتصب فلا خيار لها سواء أنزل أو لم ينزل متى كان قادرا على وطئها وإلا كان حكمه حكم العنين خلافا للمالكية الذين يعدون عدم الإنزال عيبا يفسخ به والحنابلة الذين يعدون الخصاء من عيوب الفسخ مطلقا أنزل أو لم ينزل . ووفاقا للشافعية
الشافعية - قالوا : لكل من الزوجين طلب فسخ الزواج بوجود عيب من العيوب المشتركة بينهما التي يصح وجودها فيهما معا أو في أحدهما ولو كان أحدهما معيبا بمثل هذه العيوب كما قال المالكية لأن الإنسان قد يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه
وهذه العيوب هي الجذام والبرص والجنون أما العذيطة - وهي التغوط عند الجماع - فليست عيبا عندهم أما الجنون فإنه يجعل لكل منهما الخيار في الفسخ سواء حدث بعد العقد والدخول أو كان موجودا قبل العقد فلا فرق بين الرجل والمرأة خلافا للمالكية ولا فرق أيضا بين أن يكون جنونا مطبقا أو متقطعا إلا إذا كان قليلا جدا بأن يأتي في كل سنة يوما واحدا والمراد بالجنون ما يشمل فقد الشعور القلبي والصراع والخبل والإغماء الميئوس من شفائه فإذا جن أحد الزوجين كان للآخر الحق في طلب فسخ النكاح فإذا كان أحد الزوجين معيبا بالعيب الموجود في صاحبه فإنه لا يسقط حقه . كما علمت ولكن إذا جن الزوجان معا فإنه يتعذر منهما الخيار فينتقل حقهما إلى وليهما واعترض بأن الولي لا خيار له بالعيب المقارن للعقد والجنون إذا كان مقارنا للعقد يبطله رأسا لأنه يشترط أن يزوج من كفء والمجنون غير كفء والجواب : أنه يزوج وهو يظن أنه سليم من الجنون أو تأذنه هي قبل أن يجن بأن يزوجها من فلان فزوجها منه وبان جنونه فإن العقد في هذه الحالة يصح وله حق الفسخ
وأما الجذام أو البرص وهما داءان معروفان فإنهما الجنون في الحكم المتقدم وهل يشترط فيهما التفاحش والظهور . أو لا ؟ المعتمد أنه لا يشترط بل يكفي حكم أهل الخبرة وهو الطبيب الموثوق به في زماننا . ويشترط في الفسخ بوجود عيب من هذه العيوب . أو غيرها مما يأتي أن لا يعلم أحدهما به فإن علم ورضي لم يكن له حق في الفسخ إلا العنة فإن العلم بها لا يضر كما يأتي
فإذا رضيت المرأة بعيب من هذه العيوب ولم يرض وليها كان للولي الحق في طلب الفسخ بشرط أن يكون العيب موجودا حال العقد أما إذا حدث بعده فليس له الحق . وذلك لأن حق الولي في هذه الحالة هو حقه في الكفاءة . وهذه العيوب تنافي الكفاءة فمتى كان الزوج سليما منها عند العقد . فقد صادف العقد كفاءته فلا حق للولي في الاعتراض على ما يحدث بعد العقد وكذا لا حق له في الاعتراض على ما هو من اختصاص المرأة كما إذا رضيت بالعنين أو المجبوب فإن اللذة خاصة بها لا شأن له فيها
فإن قلت : إنكم قد اشترطتم في ثبوت حق الفسخ للمرأة أن لا تعلم العيب فإن علمت به فلا فسخ وهذا لا يمكن تصوره في العيب المقارن لأنها إن علمت به ووليها سقط الخيار وإن لم تعلم به بطل العقد لأنه وقع من غير كفء فليس لها الخيار والجواب هو ما ذكرناه قبل هذا وهو أنه يتصور فيما إذا أذنت المرأة وليها أن يزوجها من هذا الشخص المعين فزوجها منه وهو يظن أنه سليم ثم بان أن به عيبا فإن العقد في هذه الصورة يقع صحيحا على المعتمد ويكون للزوجة أو وليها حق الفسخ بعد العلم
أما العيوب المختصة بالمرأة التي تجعل للرجل الحق في الفسخ فهما الرتق والقرن وإن شئت قلت : انسداد محل الجماع بأمر خلقي أو عارض بحيث لا يتأتى معه التمتع المقصود من العقد وإذا كانت بالغة وطلب منها الزوج إزالته بعملية جراحية فإنها لا تجبر وهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء فسخ العقد هذا إذا كانت كبيرة أما الصغيرة فلوليها أن ينظر إلى مصلحتها فإن كانت الإزالة لا خطر فيها وجبت عليه الإزالة والفرق واضح وهو أن البالغة تدرك معنى اللذة وتعلم أن عصمتها بيد الزوج فإذا رفضت إزالة ما بها كان معنى هذا أنها زاهدة في الزوج وفي اللذة مفضلة بقائها على حالها أما الصغيرة فإنها لا تدرك فوليها مسؤول عنها
أما العيوب المختصة بالرجل فهما الجب والعنة فالمجبوب - هو مقطوع الذكر - كله أو بعضه بحيث لم يبق منه قدر الحشفة التي تصل أما قطع الحشفة وحدها فإنه لا يضر خلافا للمالكية ولا يشترط في طلب الفسخ بالجب أن تكون هي سليمة من العيب المقابل فلو كانت رتقاء وهو مجبوب جاز لها أن تطالب بالفسخ وفاقا للمالكية وخلافا للحنفية فلا يشترط لها إلا عدم العلم فلو علمت به ورضيت سقط حقها في الفسخ أما عدم الوطء فإنه ليس بشرط فلو وطئها ثم جب بعد ذلك كان لها الحق في الفسخ خلافا للمالكية والحنفية وهو قريب من العقل لأن المقصود من الزواج الاستمتاع والجب يقطع الأمل منه نهائيا فكأن المرأة متزوجة بامرأة مثلها فإذا رضيت بالبقاء على هذه الحالة فذاك وإلا كان لها الحق ولذا بالغ الشافعية في هذا فقالوا : إن لها الحق في الفسخ ولو قطعته هي بيدها
والعنين فقد عرفوه بأنه العاجز عن اتيان امرأته في قبلها حتى ولو كان قادرا على اتيان غيرها . أو اتيانها هي في دبرها ويشترط لإثبات العنة شرطان : الأول : أن لا يكون الزوج صبيا أو مجنونا فإن كان صبيا أو مجنونا فإن دعوى العنة فيهما لا تسمع وذلك لأن العنة لا تثبت إلا بأحد أمرين : الإقرار أو نكوله عن الحلف بعد أن تحلف هي يمين الرد وذلك لا يتصور من الصبي أو المجنون على أن لها حق الفسخ بالجنون وعليهما انتظار الصبي حتى يبلغ فعساه أن يبرأ . الثاني : أن لا تكون العنة قد حدثت بعد الوطء وإلا فلا حق لها في الفسخ . وذلك لأنها في هذه الحالة ترجو زوالها ولا يشترط عدم علم الزوجة بالعنة قبل العقد فلو كانت عالمة بها فلها حق الفسخ وذلك لأن العنة بهذا المعنى يرجى زوالها كما قال المالكية وقد اعترض بأن العنة لا يمكن أن تعرفها المرأة إلا بعد العقد ومخالطة الرجل فكيف يعقل أن تعرفها قبل ؟ وقد أجيب بأن هذا يتصور فيما إذا تزوجها وعرفت منه العنة ثم طلقها وأراد أن يجدد نكاحها فإن الأصل استمرار العنة ولا أدري لماذا لا يكون علمها عن طريق إقراره بها أمامها ؟
فهذه هي العيوب التي توجب الخيار في الفسخ أما غيرها من عذيطة - تغوط عند الجماع - أو استحاضة ولو كانت مستحكمة خلافا لمن قال : إنها من العيوب أو بهق أو بخر . أو قروح سياله . أو حكة . أو نحو ذلك من الأمراض فإنها لا يثبت بها خيار وكذا إذا كان أحد الزوجين خنثى واضح الخنوثة كأن كان فرج المرأة كاملا ولكن لها ما يشبه الآلة المائتة الصغيرة . أو كان للرجل ذكر واضح وشق لا قيمة له أما الخنثى المشكل فلا يصح العقد عليه رأسا . على أنهما قالوا إذا كان بأحدهما مرض دائم لا يمكن معه الجماع وقد أيس من زواله كان من قبيل العنة وحينئذ يفصل فيه بين كونه قبل الوطء فيثبت به حق الخيار أو بعده فلا يثبت والحاصل أن العيوب التي يثبت بها حق الفسخ لأحد الزوجين أو لهما سبعة منها ثلاثة مشتركة وهي : الجنون والجذام والبرص ومنها اثنان يختصان بالمرأة وهما : الرتق والقرن ولم يذكروا العقل لأنه داخل فيهما واثنان يختصان بالرجل وهما الجب والعنة وأما الخصاء وهو - قطع الأنثيين مع بقاء الذكر ينتصب - فإنه ليس بعيب ولو كان لا يمني خلافا للمالكية أما إذا استوجب الخصاء عدم الانتصاب كان ذلك في حكم العنين وبذلك تعلم أن المالكية زادوا العذيطة في العيوب المشتركة وزادوا الخصاء والاعتراض في عيوب الرجل وزادوا العفل والبخر والافضاء في عيوب المرأة كما يعلم من الاطلاع في مذهبهم
والفسخ بالعيوب المذكورة على الفور إلا العنة فإنه يمهل الزوج سنة لا فرق بين أن يكون حرا أو عبدا خلافا للمالكية الذين يجعلون المهلة نصف سنة للعبد ووفاقا للحنفية والحنابلة ولا أعرف سببا للتفرقة هنا لأن الدليل الذي بني عليه التأجيل وهو أن عمر قد أجل للعنين سنة - لم يفرق بين الحر وغيره ويشترط للفسخ بكل عيب من العيوب زيادة على ما مضى شرطان . أحدهما : رفع الأمر للقاضي فلو تراضيا على الفسخ بالعيب الذي يفسخ به فإنه لا يصح . نعم يصح بالمحكم المستكمل للشروط فإذا أقام الزوجان حكما وقضى بالفسخ فإنه يصح خلافا للحنفية . ثانيهما : إقامة البينة على العيب الذي يمكن إثباته بالبينة كالجذام والبرص . أما العنة فإنها تثبت بإقراره عند القاضي أو عند شاهدين بها عند القاضي إذ لا يتصور ثبوتها بالبينة إذا ليس عندهم ما يفيد عرض الزوج على الطبيب الخبير فإن لم يعترف حلف هو فإن نكل ردت اليمين عليها فحلفت أنه عنين لجواز اطلاعها بالقرائن
فإذا ثبت العنة عند القاضي بالإقرار . أو الحلف أجل القاضي له الفسخ سنة تبتدئ من وقت ثبوت العنة وبعد السنة ترفع المرأة الأمر للقاضي فإن ادعى الزوج أنه أتاها فإن كانت ثيبا حلف أنه أتاها فإن نكل عن اليمين حلف أنه ما وطئها فإن حلفت أو أقر هو بذلك فسخ القاضي بعد قوله : ثبت عنته أو ثبتت حق الفسخ ولو لم يقل حكمت أما إذا كانت بكرا حلفت هي أولا فإن نكلت حلف هو وذلك لأن الظاهر - وهو البكارة - يؤيدها
فإذا مرضت المرأة أو منعت عنه طرحت أيام مرضها من السنة وعوض الزوج أياما أخرى أما إذا وقع ذلك للزوج فإنه يحتسب عليه
أما السلامة من العيوب الأخرى كالسواد ونحوه فقد مر حكمها في الشروط فارجع إليها إن شئت
الحنابلة - قالوا : العيوب في النكاح تنقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول يختص بالرجل وهي الجب والعنة والخصاء فأما الجب فهو - قطع عضو التناسل - كله أو بعضه بحيث لم يبق معه ما يمكن به الوطء والعنة هي - العجز عن وطء امرأته في قبلها - أما لو قدر على وطئها في دبرها أو وطء امرأة غيرها فإن العنة لا ترتفع عنه بذلك كما يقول الشافعية والحنفية فمتى عجز الرجل عن وطء امرأته كان عنينا ولو اشتهاه والخصاء هو - قطع الأنثيين - أو سلهما كما يسل الأنثيان من الحيوان مع بقاء جلديهما ولو كان الذكر باقيا سليما يمكن الوطء به لأن الخصاء إما أن يمنع الوطء أو يضعفه وكلاهما عيب فإذا طلبت امرأة المجبوب أو المخصي فسخ العقد أجيبت إلى طلبها بدون مهلة ومثل ذلك ما إذا كان الذكر أشل لا أمل في شفائه إذ لا فائدة من التأجيل وأما إذا كان عنينا فإنه يؤجل سنة هلالية رجاء برئه . وتبتدئ من وقت المحاكمة ولا يحتسب عليه منها الأيام التي تنقطع المرأة عنه فيها بفعلها أما إذا انقطع عنها هو حسبت عليه ويشترط في ثبوت العنة إقرار الزوج بها أمام القاضي أو أمام بينة تشهد بذلك الإقرار وإن كان للمرأة بينة من أهل الخبرة والثقة عمل بها وهذا حسن لأن معنى هذا عرض المعيب على الطبيب الثقة الخبير وقراره يفصل في الموضوع . ومثل ذلك ما إذا ادعت أن بذكره شللا فإنه لا يمكن أن يحكم في الموضوع حكما صحيحا إلا الطبيب الخبير
ويشترط في الفسخ شروط : أحدها أن يرفع الأمر لحاكم فلو رفع لغيره وأجل سنة هلالية لا ينفع التأجيل وكذا إذا فسخه غير الحاكم وهذا الشرط في كل العيوب إذ لا بد في الفسخ بكل عيب من الحاكم . ثانيها : أن يكون الزوج بالغا فلو كان صغيرا أو عجز عن الوطء فلا حق لها في رفعه للقاضي لإثبات عنته لأنه يحتمل أن يكون ذلك بسبب الصغر فإذا بلغ وعجز رفع أمره ليمهله سنة كغيره . ثالثها : أن لا ترضى الزوجة بالعنة فإن علمت بأنه عنين قبل العقد ورضيت به وثبت ذلك العلم ببينة فإن القاضي لا يؤجل وفاقا للحنفية وخلافا للمالكية . والشافعية الذين يقولون : إن علم المرأة بالعنة قبل الدخول لا يسقط حقها وإذا علمت بالعنة بعد الدخول وسكتت بدون أن تصرح بالرضا فإنه لا يسقط حقها أما إذا قالت : رضيت به عنينا فلا خيار لها أبدا
فإن أمهله القاضي سنة وادعى أنه وطئها في قبلها وكانت ثيبا فأنكرت فالقول قولها لأن الأصل عدم الوطء وقد تأيد ثبوت العنة فلذا كان القول قولها وهذا بخلاف ما إذا ادعى الوطء قبل ثبوت العنة وأنكرته فالقول له مع يمينه لأن الأصل السلامة وقد عرفت أنه إن كان للمدعي بينة من أهل المعرفة والثقة عمل بها كما صرح به في المبدع ولا أوثق من الطبيبة الثقة أما إذا كانت بكرا وادعى أنه وطئها في خلال السنة وشهدت ثقة ببقاء بكارتها كان القول قولها أما إذا شهدت بزوال البكارة كان القول له فإن قالت : إنه أزالها بغير الوطء كان عليه في هذه الحالة اليمين ولا يخفى أن هذه الحالة تعرف بالخبير الثقة وهي الطبيبة فيعمل برأيها بناء على ما ذكر والأحوط أن يؤخذ في ذلك برأي طبيبين
القسم الثاني : يختص بالمرأة وهو الرتق والقرن والعفل والفتق وقد عبر عنه المالكية بالإفضاء وهو اختلاط مسلكي البول والمني أو اختلاط الدبر بالقبل ويقال لها - شريم - كما تقدم والاستحاضة ويخرج الفرج نتنا يخرج منه بالوطء أما بخر الفم فهو عيب مشترك كما يأتي فإذا وجد عيب في المرأة من هذه العيوب كان للرجل طلب الفسخ بدون مهلة ولا ينتظر وقت إمكان الوطء لأن الأصل بقاء المرض بحاله فإذا كانت الزوجة عقلاء أو قرناء أو رتقاء وكانت صغيرة لا ينتظر كبرها بل له الفسخ في الحال
القسم الثالث : عيوب مشتركة بين الزوجين وهي الجنون والجذام والبرص وسلس البول واستطلاق الغائط أو بعبارة أخرى الإسهال الدائم ومن باب أولى العذيطة التي يقول بها المالكية فإن شر من هذا . لأنها عبارة عن التغوط عند الجماع وقروح سيالة في فرج المرأة . أو ذكر الرجل ولا يخفى أن السيلان . أو الزهري من هذا أو هو شر منه والباسور أو الناسور وقراع رأس له رائحة منكره وبخر فم وأن يكون أحد الزوجين خنثى واضحا فإن الخنوثة الواضحة عيب يفسخ به أما المشكلة فإن العقد يبطل معها
فأما البرص والجذام والجنون فإنها تجعل لأحد الزوجين الحق في طلب الفسخ في الحال سواء كان الزوج صغيرا أو كبيرا وكذلك الزوجة
ولا فرق في الفسخ بعيب من العيوب المذكورة جميعا بين أن تكون موجودة قبل العقد أو حدثت بعده كما لا فرق فيها بين أن يكون قبل الدخول أو بعده ولكن يشترط في ثبوت حق الفسخ بها كلها عدم الرضا فإن رضي أحدهما بالعيب صريحا بأن قال : رضيت أو ضمنا بان مكن من نفسه فلا خيار له ولا يشترط أن يكون أحدهما خاليا من العيب كما يقول الشافعية والمالكية خلافا للحنفية ثم إن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر لها سواء كان الفسخ منه أو منها . وذلك لأن طلب الفسخ إن كان منها كانت الفرقة منسوبة إليها فلا تستحق مهرا وإن كان منه كانت الفرقة منسوبة إليها لسبب العيب الذي دلسته عليه فكأنه منها . وقد يقال : إنه إذا كان منها العيب في الرجل أنه دلس عليها العيب فكان منسوبا إليه مثل ما إذا كان العيب بها ودلسته عليه
وإن كان الفسخ بعد الدخول أو الخلوة فلها المهر المسمى في العقد سواء كان الفسخ منها أو منه وذلك لأن الصداق عندهم يتقرر بالخلوة . والقبلة والنظر بشهوة وغير ذلك فلا يسقط ومثل ذلك ما لو مات أحدهما قبل الدخول وللزوج الحق في الرجوع بالمهر على من غره فأوقعه في الزواج بالمعيبة إذا كان بعد الدخول أو الخلوة ونحوها أما قبل الدخول فلا مهر وأما بعد موت أحدهما فلا رجوع له
وإذا زوج الولي الصغيرة أو المجنونة بمعيب . فإن علم به وقت العقد بطل العقد وإن لم يعلم صح العقد . وله حق الفسخ
وإذا زوجت الكبيرة بمجنون أو أجذم أو أبرص ورضيت به كان للولي حق الاعتراض وطلب الفسخ لأن ذلك يرجع إلى الكفاءة خصوصا أن فيه ضررا يخشى أن يتعدى إلى الولد وإلى الأسرة أما إذا رضيت بالعنين . والمجبوب والخصي فلا حق للولي في الاعتراض لأن الوطء من حق المرأة دون غيرها وهي رضيت أن تعيش بدونه فلا إكراه لها كما يقول الشافعية في الحالتين وإذا حدث العيب بعد العقد فلا حق للولي مطلقا لأنه حق للولي في ابتداء العقد لا في دوامه



أنكحة غير المسلمين


- أنكحة غير المسلمين سواء كانوا كتابيين كاليهود والنصارى أو غير كتابيين كالمجوس والبراهمة ومشركي العرب الذين يعبدون الأوثان وغيرهم - لها حالتان :
الحالة الأولى : أن تقع بين المهاجرين من هؤلاء في دار الإسلام وهي البلاد التي للمسلمين عليها سلطة كاملة لا فرق بين أن يكونوا ذميين مستوطنين خاضعين لما يفرضه المسلمون من جزية وأحكام أو يكونوا مستأمنين دخلوا البلاد بأمان لتجارة ونحوها بقصد العودة إلى بلادهم
الحالة الثانية : أن تقع بينهم في ديارهم دار الحرب - وهي التي لا سلطة عليها للمسلمين - ثم يهاجرون أو يهاجر أحدهم إلى بلادنا وعلى كلتا الحالتين إما أن تكون موافقة لعقود المسلمين في الشرائط والأركان بأن يتزوجا بإيجاب وقبول . وشهود . وولي بشرط أن تكون المرأة خالية من الموانع فلا تكون محرما . ولا تكون معتدة أو يكون الرجل كذلك فلا يكون متزوجا أربعا ثم يتزوج خامسة أو غير ذلك من الشرائط المتقدمة فإن كانت موافقة لعقود المسلمين كانت صحيحة في نظر المسلمين بلا خلاف [1]
فيترتب عليها ما يترتب على أنكحة المسلمين الصحيحة من إرث ووقوع طلاق . وإظهار وإيلاء . ووجوب مهر . ونفقة . وقسم . وإحصاء إلى غير ذلك . وإن كانت مخالفة لعقود المسلمين فلا يخلو إما أن تكون مخالفة في اشتراط أهلية المرأة . أو الرجل لقبول العقد أو لا . الأول تحته صورتان : إحداهما أن يتزوج محرما من محارمه كأمه . وأخته وبنته كما يفعل المجوس أو يتزوج عمته أو يجمع بين الأختين كما يفعل اليهود ثانيتهما : أن يتزوجها وهي في عدة الغير قبل انقضاء العدة أو يتزوج هو خامسة ومعه أربع . والثاني تحته صور : منها أن يتزوجها بدون شهود وولي ومنها أن يتزوجها مدة معينة كسنة . أو شهرين أو غير ذلك وهو نكاح المتعة ومنها أن يطلقها ثلاثا [2]
ثم يعود إليها بدون محلل - والطلاق معروف الآن عند غير المسلمين - ومنها غير ذلك من الشروط المتقدمة فإن وقع عقد مخالف لعقود المسلمين في بلاد الإسلام فإننا لا نتعرض لهم بل نتركهم وشأنهم بثلاثة شروط : الشرط الأول : أن يكون ذلك جائزا في دينهم فإن لم يكن جائزا كان زنا فلا نتركهم فيه وشانهم كما لا نتركهم إذا سرقوا
الشرط الثاني : أن لا يترافعوا إلينا لنقضي بينهم
الشرط الثالث : أن لا يسلم الزوجان معا . أو يسلم أحدهما فإن ترافعوا إلينا . أو أسلم الزوجان أو أسلم أحدهما فإن كان العقد على محرم من المحارم أو كان على أختين أو كان على خمس نسوة فإنهما لا يقران على الزوجية على أي حال وإن كان على امرأة معتدة ولم تنقض عدتها وقت الترافع أو عند الإسلام فكذلك يفرق بينهما [3]
أما إن كان مخالفا في غير ذلك فإنهما يقران عليه وفي كل هذا تفصيل المذاهب [4]




[1] المالكية : - قالوا : ستعرف أن لهم قولين في ذلك أظهرهما الحكم بصحة عقد النكاح بين غير المسلمين إذا كان مستوفيا لشرائطه عند المسلمين فلا خلاف وسيأتي إيضاح ذلك في التفصيل الآتي:
[2] قالوا : لا يقع طلاق الكافر لأنه يشترط لصحة الطلاق الإسلام كما ستعرفه
[3] الحنفية - قالوا : لا عدة على الكافرة إلا إذا كانت كتابية متزوجة بمسلم وطلقها فإنها تعتد بلا خلاف
[4] الحنفية - قالوا : النكاح الواقع بين الملل الأخرى من كتابيين . أو مشركين أو صابئين أو مجوس أو غيرهم إذا كان مستكملا للأركان والشرائط التي ذكرها المسلمون كان العقد صحيحا في نظر المسلمين لأن كل صحيح بين المسلمين فهو صحيح بين غيرهم مثلا إذا تزوج المشرك مشركة بإيجاب وقبول صحيحين مستكملين للشروط بحضرة شاهدين . أو رجل وامرأتين وأمهرهما ما يصح أن يكون مهرا فهذا النكاح يعتبر عند المسلمين صحيحا ومهره صحيح كما لو وقع بين مسلمين بلا فرق . أما المالكية فإنهم لا يقولون بصحته كما سيأتي وقد استدل الحنفية بقوله تعالى . { وامرأته حمالة الحطب } فقد اعتبر الله سبحانه النكاح القائم بين أبي لهب وصاحبته ونسبها إليه فقال : " وامرأته " ولو كان فاسدا لم تكن امرأته بحسب العرف واللغة واستدلوا بحديث " ولدت من نكاح لا من سفاح " ووجه كون الحديث حجة أنه اعتبر ما وقع في الجاهلية موافقا لعق نكاح المسلمين نكاحا صحيحا إذ لو كان فاسدا لكان سفاحا كسفاح الجاهلية ولكن هذا الحديث لا يصلح حجة
وستأتي مناقشتة في مذهب المالكية فاقرأها هناك بإمعان
أما إذا وقع النكاح بينهم فاسدا فإن ذلك يكون على أنواع : منها أن يقع بغير شهود فإذا تزوج الكتابي كتابية بغير شهود أو الوثني تزوج بغير شهود فلا يخلو إما أن يكون جائزا في شريعتهم أو لا فإن كان جائزا فإنهم عليه حتى إذا أسلما بقيا على نكاحهما الواقع بغير شهود وإذا لم يسلما وترافعا إلى قاضي المسلمين أو ترافع أحدهما فإنه يقرهما عليه ولا يفرق بينهم أما إذا كان لا يجوز في ديانتهم فإنهما لا يقران عليه عند المسلمين أيضا ومنها أن يتزوج كتابي كتابية وهي في عدة الغير فإن كانت في عدة مسلم بأن مات عنها زوجها المسلم أو طلقها وهي في عدته فإن النكاح يقع فاسدا بلا خلاف ويفرق بينهما ولو كان ذلك جائزا في دينهم ويتعرض لهم في ذلك وإن لم يسلما فلا يلزم في التفرق بينهما أن يترافعا إلى القاضي أو يترافع أحدهما إذ لا يتصور في هذه الحالة أن يترافعا ومثل ذلك ما إذا تزوج ذمي مسلمة فإن التفريق بينهما لا يحتاج إلى مرافعة وطلب أصلا أما إذا كانت العدة في عدة غير مسلم سواء كان موافقا لها في دينها أو لا وكان زواج المعتدة جائزا في دينهم فإن فيه خلافا فأبو حنيفة يقول : إنهما يقران عليه قبل الإسلام وبعده وإذا ترافعا . أو ترافع أحدهما إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما وأما صاحباه فإنهما يقولان : إنهما لا يقران عليه ما دامت المرأة في العدة بمعنى أنه يفرق بينهما إذا كانت العدة قائمة أما إذا تزوجها في العدة ثم انقضت عدتها وترافعا إلى قاضي المسلمين فإنه لا يفرق بينهما باتفاق . والصحيح قول أبي حنيفة والفرق بين عدة الكافر أن العدة تشتمل على حقين : حق الشرع وحق الزوج . والزوجان الكتابيان ونحوهما لا يخاطبان بحق الشرع . ولا وجه إلى إيجاب العدة حقا للزوج لأن الزوج لا يعتقد بإجابها . كما هو المفروض أما إذا كانت عدة مسلم فإنها تجب على الكتابية حقا للمسلم لأنه يعتدها
ومن هنا كان الصحيح الذي لا شك فيه أن المسلم إذا تزوج كتابية تحت زوج كتابي وفارقته لا يصح له أن يعقد عليها قبل انقضاء العدة خلافا لقول بعضهم : إن العقد عليها يصح ولكن لا يطؤها إلا بعد الاستبراء بالحيض . لأن العدة كما عرفت فيها حق الله تعالى ويخاطب به من يعتقده . والمسلم يعتقده فيلزمه العمل به . هذا وإذا فرضنا أن الكتابيين وغيرهم من أرباب الديانات الأخرى لا عدة عندهم ففارقها زوجها مثلا بموت أو طلاق وتزوجها آخر بعد ذلك بأسبوع مثلا ثم جاءت بولد قبل مضي ستة أشهر من تاريخ زواجها بالثاني وهي أقل مدة الحمل فهل يكون نسب الولد من الزوج الأول أو لا ؟ الذي قالوه : أن النسب لا يثبت من الأول ولكن بعض المحققين قال : إنه يثبت لأنه لا يلزم من صحة العقد على الثاني عدم ثبوت النسب من الأول إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر لأن معنى هذا أنه ابن الأول بلا كلام وإن كان عقد الثاني صحيحا قي ديانتهم ومنها أن يتزوج محرما له كأن يعقد على بنته أو أخته كما هو في شريعة المجوس أو يتزوج عمته أو يجمع بين الأختين كما هو في شريعة اليهود أو نحو ذلك فإذا وقع ذلك فإنها تعتبر صحيحة ما داموا على ديانتهم فيتركون عليها ولا يتعرض لهم أما إذا أسلما . أو ترافعا إلى القاضي لينظر في صحة هذا النكاح فإنه يجب أن يفرق بينهما وإن ترافع إليه أحدهما فقيل : يفرق . وقيل : لا
والصحيح أنه لا يفرق إلا إذا ترافعا إليه معا وإذا تزوج اليهودي أختين في عقد واحد وفارق واحدة منهما وهو على دينه ثم أسلما بقي عقد الثانية صحيحا ولا يفرق بينهما باتفاق . ومنها أن يطلقها ثلاثا ثم يعود إليها بدون محلل وفي هذه الحالة إذا أسلما أو ترافعا إلينا فإننا نقرهما عليه
ثم إن القاعدة أن كل عقد يقرهم عليه القاضي إذا ترافعا إليه وهم على دينهم . أو بعد إسلامهم فإنه يترتب عليه ما يترتب على العقد الصحيح من ثبوت نسب وعدة وإحصان للزوج ويتوارثان به وكل عقد لا يقرون عليه كنكاح المحارم فإنه يثبت به النسب . والإحصان ما داموا على ديانتهم ولكن لا يتوارثان به . وهذا إذا أسلما معا أو بقيا على دينهما أما إذا أسلم أحدهما فإن كانت الزوجة دون الزوج عرض القاضي عليه الإسلام فإن أسلم بقيت الزوجية بينهما وإلا فرق بينهما فإذا عرض عليه القاضي الإسلام وسكت عرضه عليه مرة ثانية وثالثة فإن سكت بعد الثالثة فرق بينهما وإن كان الزوج صغيرا فإن كان مميزا عاقلا عرض عليه الإسلام كالبالغ بدون فرق أما إذا كان غير مميز فإنه ينتظر تمييزه وإن كان مجنونا عرض الإسلام على أبويه فإن أسلما معا أو أسلم أحدهما بقيت الزوجية قائمة وإن امتنعا فرق بينهما وفي هذه الحالة تكون الفرقة طلاقا لأن الاباء من قبل الزوج . وهو يملك الطلاق فيكون اباؤه طلاقا ولا فرق بين أن تكون الزوجة كتابية أو وثنية لا كتاب لها لأنها متى أسلمت لا تحل للزوج الكتابي أو الوثني على أي حال قال تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } فإذا تزوج ذمي مسلمة ثم أسلم فرق بينهما لأن العقد الأول وقع باطلا بالإجماع ومن باب أولى إذا كان وثنيا وإن أسلم الزوج دون الزوجة فلا يخلو إما أن تكون الزوجة كتابية أو وثنية لا كتاب لها فإن كانت كتابية بقي النكاح على حاله بدون أن يعرض عليها الإسلام لأنها تحل للمسلم وهي على دينها وإن كانت وثنية عرض عليها الإسلام فإن أبت فرق بينهما ولم تكن الفرقة في هذه الحالة طلاقا لأن المرأة لا تملك الطلاق فإباؤها الإسلام لا يترتب عليه الطلاق وإذا تزوج المسلم مشركة أسلمت وتنازعا فقالت : إن المسلم عقد عليها وهي مشركة فقال : بل عقدت عليها وهي مسلمة كان القول لها ويفرق بينهما . هذا إذا وقع العقد بين غير المسلمين الموجودين في دار الإسلام أما إذا وقع بينهما في دار الحرب ثم هاجر إلينا أحدهما فإن فيه تفصيلا يأتي قريبا . هذا وقد بقي حكم ما إذا تزوج غير المسلم أكثر من أربع أو تزوج أختين ثم أسلم وفيه تفصيل وهو : أنه إذا كان قد تزوجهن بعقود متفرقة حكم بفساد العقد الأخير أما إذا تزوجهن في عقد واحد فإن فارق واحدة من الخمس أو فارق إحدى الأختين بموت أو إبانة قبل دخول الإسلام فإنه يقر على الأربع الباقيات معه . أو على الأخت الباقية وإلا فسد نكاح الجميع سواء كان ذميا أو حربيا على الصحيح وهذا التفصيل إذا لم يقع سبي للزوج ومعه زوجاته فإذا سبي وتحته خمس نسوة أو أختان بطل نكاح الجميع سواء كان بعقود متفرقة أو كان في عقد واحد وإذا سبي معه ثنتان لم يفسد نكاحهما بل يفسد نكاح الباقيات في دار الحرب . فيفرق بينهما . ومثل ذلك ما إذا كان تحته أربع وسبي منهن معه ثنتان . فإنه لا يفسد نكاحهما بل يفسد نكاح الباقيتين في دار الحرب
وإذا جمع غير المسلم بين البنت وأمها . فلا يخلو إما أن يكون قد جمع بينهما في عقد واحد أو عقود متفرقة وعلى كل إما أن يدخل الإسلام قبل الدخول أو بعده فإن تزوجهما في عقد واحد فنكاحهما باطل سواء دخل بهما . أو لا وإن تزوجهما في عقدين ودخل بهما جميعا بطل نكاحهما بالإجماع وإن كان قد دخل بواحدة فقط ثم تزوج الثانية بعد الدخول بالأولى ولم يدخل بها وأسلم فسد نكاح الثانية سواء كانت أما أو بنتا وذلك لأن الثانية إذا كانت أما ولم يدخل بها لا يفسد نكاح بنتها الأولى . وإن كانت بنتا فالعقد عليها لا يفسد نكاح أمها أما إذا عقد على واحدة منهما أولا ولم يدخل بها ودخل بالثانية فإن كانت الأولى بنتا والثانية أما بطل نكاحهما معا . وذلك لأن العقد على البنات يحرم الأمهات والدخول بالأمهات يحرم البنات . أما إذا كانت الثانية بنتا ودخل بها دون الأم ففيها خلاف فبعضهم قال : أن النكاح باطل ويفسخ وذلك لأن الدخول بالبنت أبطل عقد أمها والعقد على أمها أبطل عقدها فإذا أراد أن يتزوج إحداهما بعد الإسلام فإنه يحل له أن يتزوج البنت دون الأم لأن الدخول بالبنت جعل التحريم مؤبدا بينه وبين أصولها أما العقد على الأم فإنه لا يوجب تأبيد التحريم
الشافعية - قالوا : نكاح غير المسلمين في ديار الإسلام يتركون عليه ولا يتعرض لهم ما داموا على دينهم سواء كان صحيحا في نظر الإسلام أو فاسدا وإذا أسلموا عليه بدون بحث لأن الأصل في أنكحتهم الصحة فإذا تزوجها ودخل بها دون شهود أو تزوجها لمدة معينة مؤقتة - وهو نكاح المتعة - فإنهم يقرون عليه بشرط أن يعتقدوا في نكاح المتعة أنه نكاح دائم أما إذا اعتقدوا أنه مؤقت فإنهما لا يقران عليه وذلك لأنهما إن أسلما قبل انقضاء الوقت المحدد كان إقرارا لهم على فاسد قبل الإسلام ولم يزل عند الإسلام وهو ممنوع كما ستعرفه وإذا أسلما بعد انقضاء الوقت المحدد بينهما فالأمر ظاهر لأنهما يعتقدان انتهاء النكاح بانتهاء وقته فلا معنى لإقرارهما على الزنا والمعتبر اعتقاد أهل ملة الزوج لا أهل ملة الزوجة
وقد يقال : إن مثل هذه الأنكحة قال بصحتها بعض أئمة المسلمين أيضا والكلام هنا يصح أن يكون في الفاسد المجمع على فساده فإذا تزوجها بنكاح فاسد عند جميع المسلمين فإنهم يتركون عليه ويقرون عليه بعد إسلامهم . أو بعد مرافعتهم إلينا إن لم يكن ظاهرا لنا بقاء فساده عند الإسلام مثال ذلك أن يتزوجها وهي في عدة الغير ويبني بها وتنقضي عدتها ثم يدخلان الإسلام فإنهما لا يقران على هذا النكاح وذلك لأن الشرط في إقرارهم على النكاح الفاسد أن لا يستمر المفسد المعلوم لنا إلى وقت الإسلام فإذا أسلما قبل انقضاء عدتها من الغير ولم يظهر لنا ذلك فليس لنا أن نبحث عن المفسد ولا عن كونه مستمرا إلى الدخول في الإسلام أو لا وحاصل هذا أننا لا نتعرض لأنكحة غير المسلمين وهم على دينهم فإذا ترافعوا إلينا أو أسلموا فإننا نقرهم عليها من غير بحث عن كونها وقعت صحيحة أو فاسدة بحيث لا يجوز لنا البحث فإن ظهر لنا فسادها ننظر فيما إذا كان المفسد باقيا وقت الإسلام أو زال . فإن كان باقيا فرقنا بينهما وإن كان قد زال أقررناهم عليه كما بيناه فيما إذا عقد عليها وهي في عدة الغير
فإذا لم نعرف أنه تزوجها وهي معتدة فلا يصح لنا أن نسألهما في ذلك أو نبحث عنه أما إذا كان المفسد ظاهرا لنا بحيث لا يمكن إخفاؤه كما إذا تزوج المجوسي محرما من محارمه كأخته . وبنته وعمته . وزوجة أبيه . وابنه فإن المفسد في هذه الحالة ظاهر ومجمع عليه فإذا أسلما فرق بينهما كما يقول الحنفية وكذلك إذا ترافعوا إلينا وهم على دينهم أو ترافع إلينا أحدهما خلافا للحنفية فإننا لا نقرهم عليه وإذا أسلمت الزوجة سواء كانت كتابية . أو غير كتابية فإن كان إسلامها قبل الوطء . أو ما في معناه . كاستدخال مني الرجل بغير الوطء وقعت الفرقة بينهما حالا إن لم يسلم معها وإن أسلمت بعد الدخول كان عليها العدة فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدة ولو في آخر لحظة منها لم يفسخ العقد وإلا فرق بينهما والفرقة بينهما فسخ لا طلاق وقد عللوا ذلك بأنهما مقهوران عليها والطلاق إنما يكون بالاختيار فلذا كانت الفرقة فسخا لا طلاقا ولعل وجهه أنه إذا أسلم أحدهما كان الآخر مكرها على الإسلام . أو الفراق فالإكراه من هذه الناحية ظاهر فلا يرد أن الإسلام أو الامتناع عنه صادر بالاختيار أما ما أجيب به من أنهما مكرهان معا على الإسلام بحسب الأصل فإنه غير ظاهر كما لا يخفى . وإذا أسلم الزوج سواء كان كتابيا . أو غير كتابي وتحته امرأة كتابية فإن نكاحهما يبقى لأنها تحل له ابتداء فإن كانت كتابية مستكملة للشرائط المتقدمة وهو كتابي قبل الإسلام فهي حل له باتفاق وإن كان وثنيا غير كتابي وهي كتابية فإنها تحل له عند الشافعية على الراجح
وإذا أسلما معا في آن واحد بأن انتهى كل واحد منهما بالنطق بالشهادتين في آن واحد بقيت الزوجية بينهما . سواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده
وإذا تزوجت غير المسلمة صغيرا من دينها فأسلم أبوه وأسلمت هي مع أبيه ففيه خلاف فبعضهم يقول : إن النكاح بينها وبين زوجها الصغير يفسخ . وذلك لأن الصغير يحصل إسلامه تبعا لإسلام والده فيكون عقبه . وقد قلنا أن إسلامها هي قد حصل مع إسلام الأب فيكون إسلامها متقدما على إسلام زوجها قبل الدخول فتنجز الفرقة بينهما . ومثل ذلك ما إذا أسلمت عقب إسلام والده لأن إسلام الزوجة في هذه الحالة متأخرا عن إسلام الصغير
والحاصل أن المعية التي يتقرر بها النكاح يشترط فيها أن يسلما معا في آن واحد بحيث لا يتقدم أحدهما الآخر شيئا ما وإسلام زوجة الصغير بهذه الصورة لم تتحقق به هذه المعية لأنها إما قبله أو بعده كما عرفت
وبعضهم يقول : أنها إذا أسلمت مع والد الصغير فإن نكاحها يبقى وذلك لأن ترتيب إسلام الصغير على إسلام أبيه لا يقتضي أن إسلام الأب متقدم على إسلام الابن بالزمان بل الشارع قد جعل نطق الأب بالشهادتين إسلاما له ولابنه الصغير في آن واحد فإسلام الزوجة قارن إسلامهما معا نعم إن إسلام الأب متقدم على إسلام البن عقلا لأنه علة فيه والعلة متقدمة على المعلول عقلا ولكن التقدم العقلي لا عبرة به هنا . أما وجهة نظر الأول فهو أن العلة وإن كانت مقارنة للمعلول في الزمان . ولكن الحكم بإسلام الابن لا يمكن إلا بعد إسلام الأب فلا يقال للولد : إنه مسلم ما لم يحكم للأب بالإسلام وكلاهما حسن إلا أن الأول أظهر لأن الغرض من هذه المسألة أن نحكم بأن إسلام الزوجة مقارن لإسلامهما معا ولا شك أن كلمة الشهادتين الحاصلة من الأب أغنت عنه وعن ابنه فكأنها صدرت منهما معا والفرض أن الزوجة قالتها مع الأب فهي في الواقع مقارنة لإسلامهما معا بلا نزاع أما أن الحكم للأبن بالإسلام لا يكون إلا بعد ثبوت إسلام الأب فلا يؤثر في هذا كما لا يخفى
هذا في الصورة الأولى أما في الصورة الثانية وهي ما إذا أسلمت عقب والد زوجها الصغير فإنه قد يقال : إنها إذا أسلمت عقبه مباشرة وقد قررتم أن إسلام الصغير يتأخر عن إسلام أبيه كما هو الرأي الأول فيكون إسلامها في هذه الحالة مقارنا لإسلام زوجها الصغير لأن كليهما قد تأخر عن إسلام الأب وهو المطلوب والجواب : أن إسلام الصغير حكمي حكم به الشارع تبعا لإسلام أبيه وإسلامها هي قولي والحكمي متقدم على القولي لأنه لا يحتاج إلى عبارة يعبر بها بخلاف القولي
هذا وإنني أعلم أن مثل هذه الصورة نادرة الوقوع ولكنني قصدت من إيرادها بيان الفلسفة المتعلقة بها للإفادة بها في غيرها وللدلالة على مقدار عناية المتقدمين بالمباحث الفقهية وحكمها وذلك ما أتوخاه في غالب الأحيان هذا وإذا طلقها ثلاثا قبل الإسلام ثم جدد نكاحها بدون محلل وتحاكما إلينا في ذلك أو أسلما فإنه يفرق بينهما أما إن جدد العقد بمحلل في الكفر فإنه يكفي
وإذا أسلم غير المسلم وتحته أكثر من أربع نسوة فإن في هذه الحالة صورا :
الصورة الأولى : أن يسلمن معه جميعهن دفعه واحدة وفي هذه الصورة يجعل له الخيار في البقاء مع أربعة منهن وترك الباقي سواء دخل بهن . أو لم يدخل وله الحق في أن يختار من عقد عليها أخيرا ولو كانت خامسة أو سادسة خلافا للحنفية فإنهم يقولون ببطلان عقد الأخيرة
الصورة الثانية : أن يسلمن جميعا قبله . أو يسلمن بعده وفي هذه الحالة ينظر إن كانت عدتهن قد انقضت قبل إسلامه . أو إسلامهن . أو لا فإن كانت قد انقضت فقد انقطع النكاح منهن جميعا وإلا كان الخيار في أربع كالصورة الأولى
الصورة الثالثة : أن يسلم وتحته أكثر من أربع كتابيات . وفي هذه الحالة يكون له الخيار في أربع منهن ولو لم يسلمن لأنك قد عرفت أنه يحل للمسلم نكاح الكتابيات وهن على ديانتهن
الصورة الرابعة : أن يسلم معه أربع فقط قبل الدخول وفي هذه الحالة يبقى النكاح على الأربع المسلمات معه ويفسخ فيما عداها حتى ولو أسلم الزائد بعد ذلك لأن إسلامهن قد تأخر عن إسلام الزوج قبل الدخول فتقع الفرقة بينهما في الحال
الصورة الخامسة : أن يسلم أربع فقط بعد الدخول معه . أو قبله . أو بعده . وهن في العدة ثم أسلم الزائد عن الأربع بعد انقضاء العدة وفي هذه الحالة يتعين قصر النكاح على الأربع المسلمات ويفسخ فيما عداهن أما إذا أسلم الزائد قبل انقضاء عدة الأربع فإنه لا يتعين النكاح في الأربع بل يكون للزوج الحق في اختيار أربع من بين الجميع ومثل هذا ما إذا أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن أو بعدها كحكمهن
واعلم أن الاختيار إما أن يكون اختيارا للنكاح . أو اختيارا للفسخ والألفاظ الدالة على اختيار النكاح تنقسم إلى قسمين : ما يدل عليه صريحا . وما يدل عليه كناية فما يدل عليه صريحا فهو ما يذكر فيه لفظ النكاح . كقوله : اخترت نكاحك أو ثبت نكاحك وما يدل عليه كناية هو ما لا يذكر فيه لفظ النكاح . كأن يقول لها : اخترتك أو ثبتك فإن هذا كناية عن اختيار نكاحها . وكما يكون اختيار النكاح باخترت . وثبت كذلك يكون بأمور :
أحدها : أمسكت فإذا قال : أمسكتك فقد اختار نكاحها . ثانيا : ألفاظ الطلاق سواء كان صريحا . أو كناية . ومعنى كون الطلاق اختيارا للنكاح أنه إذا طلق واحدة منهن كان معنى ذلك الضمني أنه اختار نكاحها . إذ لو لا ثبوت النكاح ما تحقق الطلاق فكأنه قال : اخترت نكاحك وطلقتك . وعلى هذا إذا طلق الأربع المباحات له فقد اختار النصاب . وفسخ عقد الباقيات بحكم الشرع . فلا يبقى له منهن واحدة على ذمته . ثالثها : لفظ الفراق . ولكن لفظ الفراق لا يكون اختيارا للنكاح إلا إذا نوى به الطلاق . وذلك لأن لفظ الفراق مشترك بين الطلاق والفسخ . فإذا أريد منه الطلاق كان معناه أنه اختار نكاحها ثم طلقها أما إذا أريد منه الفسخ كان معناه أنه فسخ ما لا ثبوت له لأن الفسخ يرد على الفاسد من أول الأمر ولا يصح الاختيار بالوطء خلافا للمالكية . والحنابلة لأن الاختيار إما أن يكون في حكم ابتداء النكاح فكأنه يريد العقد عليها الآن وإما أن يكون في حكم استدامته وكلاهما لا يتحقق بالفعل الذي يشبه التعاطي في البيع بل لا بد فيهما من القول فيلزمه أن يقول ما يدل على الاختيار حقيقة كاخترت أو ضمنا كالطلاق وكذا لا يصح الاختيار بالظهار . ولا بالإيلاء خلافا للمالكية ووفاقا للحنابلة أما الحنفية فلهم تفصيل آخر سوى هذا فارجع إليه لتعرف الفرق فإنه شاسع
وهل الاختيار واجب فورا . أو على التراخي ؟ الظاهر أنه واجب فورا ثم إذا حصر عددا معينا ليختار منه وطلب الإمهال ليعين يصح أن يمهل ثلاثة أيام ويجبر على التعيين فإن تركه أجبر عليه بالحبس فإن أصر عزر بالضرب
ويشترط أن يكون الزوج المختار بالغا عاقلا وإلا وقف الأمر فلا يصح الاختيار منه ولا من وليه وفاقا للحنابلة وخلافا للمالكية القائلين بصحة اختيار الولي
وتبتدئ عدة المفارقة من وقت إسلامها . أو إسلام الزوج إن كان متقدما على إسلامها . لأن الإسلام هو سبب الفرقة
هذا وإذا جمع بين الأم وبنتها ثم أسلم فإن كان قد دخل عليهما معا حرمتا عليه أبدا وفرق بينهما وإن كان قد دخل بالأم فقط حرمتا عليه كذلك وإن لم يدخل بواحدة منهما حرمت الأم دون البنت وكذا إذا دخل بالبنت دون الأم فإن الأم تحرم دون البنت
المالكية - قالوا : اختلف علماؤهم في أنكحة أهل الكتاب التي تقع بينهم مستوفية للشرائط التي عند المسلمين فقال بعضهم : إنها فاسدة لأنه يشترط لصحتها الإسلام فمتى كان الزوجان كافرين كان عقد زواجهما فاسدا ولو استكمل شروط الصحة من شهود . وولي . وصيغة إيجاب وقبول . ومهر . وخلو من الموانع وهذا هو المشهور وقال بعضهم : إذا استكملت شرائط الصحة تكون صحيحة في نظر الشريعة الإسلامية أيضا أما كون إسلام الزوج شرطا في صحة العقد فمحله إذا كانت الزوجة مسلمة أما غير المسلمة فلا يشترط فيها إسلام الزوج وهذا هو الظاهر وعلى هذا لا يكون في هذه المسألة خلاف بين الأئمة لأن الحنفية . والشافعية . والحنابلة يحكمون بصحة عقودهم التي وافقت عقودنا
ولكن الحنفية قد نقلوا عن المالكية القول الأول واحتجوا عليهم بقوله تعالى : " وامرأته حمالة الحطب " لأنه لو لم تكن الزوجية صحيحة بين أبي لهب وبين حمالة الحطب لما أخبر الله عنها بكونها امرأته فإن امرأة الرجل في العرف واللغة زوجه واستدلوا أيضا بحديث " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح " أما الدليل الأول فإنه يكفي في إثبات هذا الفرع وإذا كان القول الصحيح عند المالكية موافقا لما عليه الأئمة الآخرون . فلا خصومة تستدعي الرد عليها . وأما الدليل الثاني فهو منقوض وذلك لأنك قد عرفت وجهه وهو أن النبي صلى الله عليه و سلم أخبر بأن نكاح أجداده صحيح ليس بسفاح - مع كونهم مشركين - لأنه كان موافقا لقواعد الإسلام وإلا كان من سفاح الجاهلية ووجه نقضه أن أجداد النبي صلى الله عليه و سلم كانوا مسلمين لا مشركين لأنهم كانوا يعبدون الله على شريعة إبراهيم وليس نقل هذا القول مقصورا على الرافضة فقط كما نقله بعض الفقهاء عن أبي حيان في تفسير قوله تعالى : { وتقلبك في الساجدين } وعلى فرض نقله عنهم وحدهم فإنه لا يضر في الموضوع لأنهم نقلوا مسألة تاريخية يؤيدها العقل والمنطق السليم على أن هذا القول منقول عن كثير من المؤرخين وشراح الحديث والمفسرين عند قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم لأبيه } فإنهم قالوا : إنه عمه لأن أجداد النبي جميعهم موحدون نعم نقل عن بعضهم أنه تأثر ببعض عادلت قومه ولكن في غير التوحيد وسبب ذلك ضياع شريعة إبراهيم من بينهم ولو أنها وجدت لاستمسكو بها جميعا أصولا وفروعا ويدل لذلك ما ورد من أن نور النبي صلى الله عليه و سلم كان ينتقل في الأصلاب والأرحام الطاهرة حتى وصل إلى عبد الله وآمنة . وقد نص الله تعالى على أن المشرك نجس . قال الله تعالى { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام } . فكيف ينتقل نور النبوة في الأصلاب التي حكم الله بأنها نجسة كنجاسة الخنزير ؟ أظن هذا بعيدا كل البعد [ يتبع . . .] [ تابع . . . 2]
: - أنكحة غير المسلمين سواء كانوا كتابيين كاليهود والنصارى أو غير
ومما يوجب العجب العجاب قول بعضهم : أن أبوي النبي صلى الله عليه و سلم ماتا على الكفر وفي الوقت نفسه يذكرون أن آمنة كانت تحوطها الملائكة الكرام وكان يرى نور النبوة في جبهة عبد الله الخ ما ذكروه فهل المشرك النجس تزفه الملائكة وتخالطه الأرواح الطاهرة ويرى من إرهاصات النبوة ما يفيد انه من أقرب المقربين إلى ربه ؟ وأغرب من هذا قولهم : إن الله تعالى قد أحيا أبوي النبي صلى الله عليه و سلم فآمنا به وماتا بعد ذلك . ولعل قائل هذا نسي أن قدرة الله كانت صالحة أيضا لأن يهديهما إلى توحيد الإله في حال حياتهما كما هدى زيد بن عمرو بن نفيل وغيره بل يصونهما عن عبادة الأصنام إكراما لنور النبوة الذي أشرق على جميع العالم فأخرجه من الظلمات إلى النور وأيهما أقرب إلى تعلق القدرة هدايتهما قبل الموت أو إحياؤهما لمجرد الإيمان وإماتتهما فورا على أن الإيمان بعد الموت والمعاينة لا معنى له وإذا كان الإيمان في حالة الاحتضار غير مفيد بعد أن يرى الإنسان العذاب ويوقن بما بعد الموت ؟ فإذا قالوا : إن المسألة معجزة للنبي صلى الله عليه و سلم قلنا : إن المعجزة عند الضرورة . وأي ضرورة في هذا ؟ إذ يكفي أن يغفر الله لهما بدون خرق للنظم . كل هذا كلام لا يصح ذكره في الكتب العلمية ولا المناقشة فيه بل الحق أن أجداد النبي صلى الله عليه و سلم كانوا موحدين جميعا
وما نقل عن بعضهم أنه تأثر بعادات قومه لم يكن مشركا مطلقا انظر ما روي عن جده عبد المطلب وهو يضرع إلى الله ويستغيث به من أصحاب الفيل حيث يقول :
لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك ... وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
فهل هذا كلام وثني يعبد الصنم أو كلام موحد مخلص لربه ؟
والذي أثار مثل هذه الشبهات الفاسدة أمران : أحدهما ما نقل عن أبي حنيفة أن أبوي النبي صلى الله عليه و سلم ماتا على الكفر . ثانيهما : ما رواه مسلم من أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للأعرابي الذي سأله عن أبيه : " إن أبي وأباك في النار " أما قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإن الذي حمله على ذلك هو تأييد مذهبه من أن أهل الفترة غير ناجين إذا أشركوا مع الله غيره فهم ملزمون بتوحيد الله بعقولهم لأن معرفة الله ثبتت بالعقل لا بالشرع فغير الموحد من أهل الفترة مثل غيره من المشركين الذين جاءتهم الرسل ولا يخفى أن البحث يدور حول هذه المسألة من جهتين : إحداهما هل أهل الفترة ناجون أو لا ثانيتهما : هل ثبت كون آباء النبي صلى الله عليه و سلم لم يكونوا موحدين أو لا وما طريق الإثبات ؟ ولا يخفى أن الأولى اعتقادية ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالقطعي من دليل عقلي أو نقلي والثانية تاريخية
فأما الأدلة على أن أهل الفترة ناجون فهي قطعية في نظري وذلك لأن الله تعالى قال : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وحمل الرسول على العقل خروج على الظاهر المعقول بدون ضرورة فإن الرسول إذا أطلق في لسان الشرع كان معناه - الإنسان الذي أوحى إليه بشرع أمر بتبليغه - والقرآن من أوله إلى آخره على هذا قال تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } { وأرسلنا رسلنا تترى } { جاءتهم رسلهم } { وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه } وهكذا فإذا استطاعوا أن يأتوا بكلمة رسول في القرآن على غير هذا المعنى كان لهم العذر وهذا هو المعقول المطابق لسنن الله في خلقه فإن الله سبحانه قد أرسل الرسل من بدء الخلق إلى أن استقرت وختمت بالشريعة الإسلامية التي لا تقبل الزوال بل جعل الله في طبيعتها ما يجعلها تنمو وتزداد كلما تجدد الزمن وليس من المعقول أن تقول : إن الله أرسل الرسل لتبليغ الشرائع الفرعية وتبليغ أحوال الآخرة فحسب أما معرفة الله الواحد المنزه عن كل ما يليق به فواجبة على الناس بطبيعتهم . فعليهم أن يعرفوا ذلك من غير الرسل وإلا كانوا معذبين لأن هذا القول ينقضه الواقع القطعي فإن أول شيء اهتم به الرسل هو توحيد الإله . بل كان كل همهم منحصرا في توحيد الإله ولولا ما أودعه الله في الرسل من أسرار وقوى مؤثرة فوق طبائع البشر لما وجد على ظهر الأرض موحد اللهم إلا شواذ العالم في الذكاء النادر والفطنة الباهرة أمثال زيد بن عمرو بن نفيل . وقس بن ساعدة وكبار فلاسفة العالم الذين لا يتجاوزون أصابع اليد فهل يعقل أن الله العليم بطبائع عباده يلزمهم بالتوحيد بدون إرسال رسل ؟ إن ذلك يكون قصرا لنعيمه على أفراد قلائل من خلقه وتعذيب الباقين وأين هذا من كرم الله ورحمته بعباده ؟ أين هذا من قوله : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وقوله : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } أي دليل يخصص الآية الثانية بغير توحيد الإله ؟ فإن الله سبحانه جعل للناس الحجة عند عدم إرسال الرسل سواء كان ذلك في العقائد أو في غيرها ومن الغريب أن مقاومة الرسل ما كانت إلا في توحيد الإله فإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ولوط وهود وصالح وشعيب وغيرهم لم يضطهدهم قومهم إلا من أجل معرفة الإله وتوحيده ولم يظهر جهادهم إلا في توحيد الإله ومعرفته ونظرة واحدة إلى كتاب الله تبين مقدار عنايته بمحاربة الوثنية فقد ملئ بالأدلة الكونية وضرب الأمثال المحسة والحجج القطعية على وجود الإله ووحدانيته ومع ذلك فقد كانوا من أشد الناس عنادا وإصرارا وغفلة عن الإله ووحدانيته فهل مثل هؤلاء كانت عقولهم كافية في معرفة الإله ؟
ولم توجد أمة من الأمم في زمن من الأزمنة على غير هذا المنوال فنظرية أن العقل كاف في معرفة الإله بدون رسل تتصادم مع طبيعة المخلوقات بدون استثناء اللهم إلا إذا قلنا : إن الله خلق الناس أجمعين ليعذبهم ويقصر نعمته على أفراد قلائل لا تتجاوز الأصابع عدا كلا إن الله أرحم من أن يعذب عباده من غير أن يبين لهم طريق الهداية والرشاد
فالحق أن أهل الفترة ناجون وإن غيروا وعبدوا الأصنام كما يقول الأشاعرة والمالكية وبعض محققي الحنفية كالكمال بن الهمام والماتردية قد اختلفوا أيضا فمنهم من قال : إنهم ناجون ومنهم من اشترط لنجاتهم أن يمضي زمن يمكنهم النظر فيه وأن لا يموتوا وهم مشركون بعد النظر ولما كان الماتردية والحنفية شيئا واحدا فقد أول بعضهم ما ذهب إليه بعض الماتردية من نجاتهم بأنه محمول على ما إذا لم يموتوا وهم مشركون ولا أدري لهذا الحمل معنى لأن المفروض أنهم ناجون بعد موتهم مشركين أما إذا ماتوا موحدين فلا خلاف فيه لأحد فالذي قال من الماتردية : إنهم ناجون لا يريد به إلا نجاتهم بعد موتهم مشركين وإلا كان هازلا لأن من قال : لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة وإن قضى طول عمره مشركا باتفاق المسلمين
هذا وقد أول بعض علماء الحنفية قوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } بوجه آخر فقال إن المراد بالعذاب الاستئصال في الدنيا فالله تعالى لا يهلك الأمم في الدنيا إلا بعد أن يرسل لهم الرسل فلا يصدقوهم ويضطهدوهم وعند ذلك يهلكهم الله في الدنيا أما عذاب الآخرة فإنه يقع على من مات مشركا ولو لم يرسل الله لهم رسولا
ولكن الواقع أن الآية تدل على عكس ذلك على خط مستقيم وإليك البيان :
قال تعالى : { من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فالله سبحانه قصر هداية الشخص وضلاله على نفسه وظاهر أن المراد قصر ما يترتب عليهما من نفع وضرر فكل ما يترتب على هداية المرء من منفعة وكل ما يترتب على ضلاله من ضرر مقصور عليه وحده : وإذا كان كذلك فهل يتحقق هذا المعنى في الدنيا فقط . أو في الآخرة فقط . أو فيهما معا ؟ أما أنا فلا أفهم إلا أنه يتحقق في الآخرة فقط وذلك لأن منافع هداية الناس واستقامتهم ليست مقصورة عليهم وحدهم في الدنيا بل تتعداهم إلى أبنائهم وأهليهم وعشيرتهم بل وتتعداهم إلى المجتمع وهذا واضح وكذلك مضار الضلال ليست مقصورة على الضالين فقط . فكم صرع المضلون غيرهم وأوردوهم موارد الهلاك و الفناء . وشر الضلال في تربية الأبناء والأهل وآثاره ظاهرة في المجتمع وكذلك إذا قصرنا المنافع على ما يسوقه الله تعالى من خير وشر فإن الخير الذي يجيء بسبب الصالحين لا يقتصر عليهم بل يعم غيرهم والسنة الصحيحة مملوءة بهذا والشر الذي ينزل بسبب الضالين لا يقتصر عليهم ولهذا قال تعالى : { اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة }
وحينئذ لا يفهم من الآية غلا أن المراد بالمنافع الثواب الأخروي وبالمضار العذاب الأخروي ولذا قال تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } بيانا لمعنى القصر المذكور فهو سبحانه يقول : كل واحد ينال جزاء عمله من خير أو شر قال تعالى : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } فلا يعطى أحد ثواب عمل الآخر ولا يحمل أحد عقاب وزر صاحبه وكل هذا في الآخرة بدون نزاع أما في الدنيا فإن صلاحها من أجل الصالحين يفيد غيرهم من الفاسقين والكافرين وفسادها بالخراب يؤذي أهلها سواء كانوا صالحين أو فاسدين
وبعد أن قرر الله ذلك أراد أن يظهر منته على عباده فقال عز و جل : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فلا يؤاخذ الله الناس بضلالهم ولا يعذبهم في الآخرة على عقائدهم وأقوالهم وأعمالهم التي لا يرضاها إلا بعد أن يرسل رسلا { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } فإن لهم أن يقولوا : إننا لا نعلم أن هذه العقائد أو هذه الأقوال والأعمال لا ترضيك فتكون لهم المعذرة ولا يكون لله عليهم الحجة البالغة ولا يمكن أيضا قصر رفع العذاب عنهم على الأقوال والأعمال بحيث لا يعذبون عليها هي أما معرفة الله تعالى وتوحيده فإنهم يعذبون عليها وذلك لأن هذا لا دليل عليه مطلقا بل الدليل قائم على خلافه وهو كلمة الضلال فإن الله دائما يصف المشركين بالضالين من أجل الشرك وعبادة الأوثان أما أعمالهم الفرعية من معاملات ونحوها فقل أن يعرض لها إلا على طريق التهذيب والتأنيب انظر مثلا إلى ما كانوا عليه من فساد في مسألة الأنكحة وغيرها فلما أراد الله أن يهذبهم شرع لهم بعد إسلامهم ما فيه سعادتهم فأقرأ قوله تعالى : { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا } وقوله : { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } وآية الدين . وآية المواريث . والوصية . والعدة . وإباحة النساء الأربع دون سواها . والصيام . والصلاة . والحج فإن كل هذا جاء بعد الإسلام ولم يكن محل نزاع بين المشركين وبين الرسل بل كل النزاع كان مقصورا على التوحيد فالضلال المذكور في الآية من ضلال الشرك وعدم معرفة الإله فهؤلاء الضالون لا يعذبهم الله إلا إذا أرسل لهم رسولا بلا نزاع
وبعد فلم يثبت أن آباء النبي كانوا مشركين بل ثبت أنهم كانوا موحدين فهم أطهار مقربون ولا يجوز أن يقال : إن أبوي النبي صلى الله وعليه وسلم كافران على أي حال بل هما في أعلى فراديس الجنات
أما الكلام في حديث مسلم فقد عرفت أن المالكية والأشاعرة قد احتجوا بقوله تعالى { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } وظاهر اللغة والعرف والسياق تفيد أن الرسول هو الإنسان الذي يوحى إليه من عند الله تعالى ويؤمر بالتبليغ فتأويله بالعقل تعسف واضح ومتى نطق كتاب الله بأمر يؤيده العقل وجب تأويل الأحاديث التي تخالفه إذا أمكن تأويلها وإلا وجب العمل بما يقتضيه كتاب الله تعالى
وحديث مسلم هذا يمكن تأويله وهو أن المراد بأبي النبي صلى الله وعليه وسلم أبو لهب فإن الله تعالى قد أخبر أنه في النار قطعا والأب يطلق في اللغة على العم ويؤيد هذا التأويل نص الحديث وهو : " أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار فلما قفا دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار " فظاهر هذا يفيد أن أحد المسلمين سأل عن مقر أبيه الذي مات مشركا ولم يجب دعوة النبي صلى الله وعليه وسلم فقال له النبي صلى الله وعليه وسلم : " إنه في النار " فظهر على وجه الرجل طبعا أمارة الحزن والأسف فولى آسفا فأراد صلى الله وعليه وسلم أن يزيل ما علق بنفس الرجل من أسى فاستدعاه ثانيا وقال له : " إن أبي وأباك في النار " ومعنى هذا أنه إذا كان أبوك في النار لأنه لم يؤمن بي فلا تجزع لأن أبي أنا وأنا رسول الله في النار لأنه لم يؤمن بي وهو أبو لهب طبعا فإن الله تعالى قد أخبر نبيه بأنه لم يؤمن فهو من أهل النار حتما
وأظن أن هذا المعنى لا تكلف فيه ولا تعسف بل هو الظاهر المعقول لأن كون النبي صلى الله عليه و سلم يخبر بأن أبويه في النار وهما لم يعارضاه في دعوته ولم يرفضا ما جاء به لا فائدة فيه للناس إذ لا زجر فيه لأحد وإنما الذي يصح أن يزجر الناس كون أبي لهب المعارض للدعوة في النار
والحاصل أن الأحاديث الواردة في مثل هذا المقام يجب أن تحمل على نحو ما ذكرنا ومن لم يستطع تأويلها وقف معها موقف المفوض الذي عجز عن التأويل وعمل بما يقتضيه ظاهر كتاب الله تعالى المؤيد بالعقل والله يهدي إلى سواء السبيل
هذا وقد ذكرنا هذا الكلام في مذهب المالكية مع أن الحنفية تعرضوا له في مذهبهم لأن رأينا في هذا المقام أن أهل الفترة ناجون جميعا وإن غيروا وبدلوا كما يقول المالكية على أن المالكية ليسوا في حاجة إلى إيراد هذا في المقام لأنك قد عرفت أن الصحيح عندهم هو أن عقود غير المسلمين تكون صحيحة متى وافقت قواعد الإسلام وإن كانوا كافرين فلا خلاف بينهم وبين غيرهم على الصحيح فلنرجع إلى ما كنا فيه [ يتبع . . .] ] تابع . . . 3 [ : - أنكحة غير المسلمين سواء كانوا كتابيين كاليهود والنصارى أو غير
فإن قلت : ماذا يترتب على خلاف المالكية في الحكم بصحة عقود نكاح الكافرين إن وافقت قواعد ديننا والحكم بعدم صحتها مع أنهم يقولون : إنهم يقرون على أنكحتهم إذا أسلموا على التفصيل الآتي ؟ والجواب : أن الذين يقولون بفساد أنكحتهم مطلقا ولو كانت موافقة لقواعد ديننا يترتب على قولهم أنه لا يجوز لمسلم أن يتولى عقد الكتابيين وغيرهم ولو كانت مستوفية للشروط مثلا إذا طلب الكتابيان من مسلم أن يعقد لهما بشروط عقود المسلمين وأركانها لا يجوز له أن يفعل لأن الشروط لا تخرجها عن الفساد والمسلم لا يجوز له أن يتولى الفاسد أما الذين يقولون بالصحة فإنه يترتب على قولهم العكس فيجوز للمسلم أن يعقد لهم متى كان العقد صحيحا
ثم إن المالكية يقولون : إن غير المسلمين يقرون على أنكحتهم إذا دخلوا الإسلام سواء كانت صحيحة في نظرنا أو فاسدة إلا في أمور : أحدها نكاح المحارم بنسب أو رضاع كما إذا تزوج المجوسي بنته . أو أخته ثم أسلم فإنه لا يقر على ذلك بحال أما حرمة المصاهرة فإنها لا تحصل بينهم إلا بالوطء مثلا إذا تزوج امرأة ولم يطأها . ثم تزوج أمها ووطئها وأسلم أقر على أمها لأنه وإن تزوج بنتها ولكنه لم يطئها وكذا إذا تزوج امرأة لم يطأها ثم أسلم وتركها . فإنها لا تحرم على أبيه . ولا على ابنه لما عرفت من أن الذي يوجب حرمة المصاهرة بينهم هو الوطء . ثانيها : أن يتزوجها وهي في عدة الغير ثم يسلم . أو يسلما معا فإنه يفرق بينهما سواء دخل بها . أو لم يدخل فإذا أسلم قبل انقضاء العدة التي عقد عليها فيها ثم وطئها بعد الإسلام تأبد تحريمها عليه فلا تحل له أبدا أما إذا أسلم بعد انقضاء العدة ووطئها بعد الإسلام فإن تحريمها لا يتأبد عليه بل يفرق بينهما وله أن يجدد عقده عليها بعد انقضاء العدة . ثالثها : أن يتزوجها لأجل وهو نكاح المتعة ويسلم قبل انقضاء الأجل ويطلب هو أو هي استمرار العقد إلى نهاية الأجل فإنهما لا يقران على ذلك لأن إقرارهما عليه بعد الإسلام إقرار لنكاح المتعة الممنوع باتفاق نعم إذا طلبا الاستمرار على زواجهما بصفة دائمة فإنهما يقران على ذلك فإذا أسلما بعد انقضاء الأجل وهما يعيشان عيشة الزوجية وطلبا إقرارهما فإنهما يقران
وبعد فإن أسلم الزوج وتحته امرأة كتابية فإنه يبقى على زواجه معها سواء أسلمت أو لا . وسواء كان الزوج صغيرا أو كبيرا . وأما إن أسلم وتحته زوجة مجوسية فإنه إن كان بالغا فرق بينهما إلا إذا أسلمت بعده بزمن قريب وقدر بشهر على المعتمد فإن أسلمت بعد هذا الزمان فإن إسلامها لا ينفع في بقاء زوجيتها فإن أسلمت بعده بزمن أقل من شهر بقيت الزوجية قائمة بينهما وإن كان الزوج صغيرا وقف النكاح بينهما حتى يبلغ فإن لم تسلم بعد بلوغه فرق بينهما
هذا إذا أسلم الزوج أما إذا أسلمت الزوجة فإنها لا تحل لزوجها مادام على دينه سواء كان كتابيا أو وثنيا . ولكن لا تبين منه إلا بعد أن يمضي زمن استبرائها منه بالحيض إن كانت مدخولا بها فإذا أسلم قبل مضي هذا الزمان بقيت زوجيتهما قائمة حتى ولو طلقها ثلاثا حال كفره بعد إسلامها لأن طلاق الكافر لا عبرة به فإذا انقضت عدتها قبل إسلامه بانت منه ولا نفقة لها عليه في مدة الاستبراء بعد إسلامها سواء أسلم أو لم يسلم على المختار إلا إذا كانت حاملا فإنه يلزم بنفقتها اتفاقا هذا إذا أسلمت بعد الدخول أما إذا أسلمت قبل الدخول قبل أن يسلم فإنها تبين منه بمجرد إسلامها على الراجح سواء أسلم بعدها بزمن قريب وهو أقل من شهر أو لا . وبعضهم يقول : إذا أسلم بعدها بزمن قريب كان أحق بها فلا تبين منه وعلى الأول فإنها تحل له بعقد جديد أما إذا أسلما معا فإنهما يقران على النكاح قبل الدخول وبعده
والمراد بكون إسلامهما معا أن يعلنا إسلامهما أمام المسلمين معا بأن يجيئا إلينا مسلمين سواء أسلم قبلها أو أسلمت قبله لأن الترتيب لم نطلع عليه فكأن إسلامهما لم يثبت إلا عند الإطلاع عليه فالمعية هنا حكمية والفرقة في جميع ما تقدم فسخ بغير طلاق والفسخ بغير طلاق يسقط المهر قبل الدخول
هذا وإذا أسلم وتحته أم وبنتها فإن كان لم يتلذذ بواحدة منهما كان له الحق في اختيار واحدة منهما سواء جمعهما في عقد واحد أو عقدين وذلك العقد الفاسد لا يوجب حرمة المصاهرة ويجوز لابنه وأبيه أن يتزوج من فارقها من غير مس مع الكراهة أما إن تلذذ بهما فإنهما يحرمان عليه حرمة مؤبدة وذلك لأنه وطء بشبهة فهو يوجب حرمة المصاهرة بنشرها وإن وطئ واحدة منهما وأراد البقاء معها فإنه يقر على ذلك . وتحرم عليه الأخرى حرمة مؤبدة وكما تحرم عليه تحرم على أبيه وابنه لأن الوطء ينشر الحرمة وإن كان بشبهة كما ذكرنا وإذا أسلم وتحته أختان أسلمتا معه . أو قبله . أو بعده قبل انتهاء مدة الاستبراء فإن له الحق في اختيار واحدة منهما سواء جمع بينهما في عقد واحد . أو عقدين دخل بهما أو لم يدخل
وإذا أسلم وتحته أكثر من أربع زوجات أسلمن معه . أو كن كتابيات فإن له الحق في اختيار أربع من بينهن سواء تزوجهن في عقد واحد . أو عقود متفرقة وسواء دخل بهن . أو ببعضهن أو لم يدخل وسواء كانت الأربعة المختارات له معقود عليهن في الأول . أو في الآخر وله أن يختار أقل من أربع وله أن يختار منهن شيئا وله أن يختار أربع زوجات من غير الأحياء فإذا اختار الأموات فسخ نكاح الأحياء وإذا اختار الأموات كان له الحق في ميراثهن وهذا هو فائدة اختيار الأموات ثم إن الاختيار كما يكون بلفظ اخترت فلانة مثلا كذلك يكون بغير اخترت وذلك أمور :
أحدها : الطلاق فإذا طلق واحدة منهن فقد اختارها زوجة بالطلاق وذلك لأن الطلاق لا يتحقق إلا بعد ثبوت علاقة الزوجية بالعقد الصحيح وهذا النكاح وإن كان فاسدا بحسب أصله إلا أن الإسلام صححه وعلى هذا يكون قد اختار واحدة من الأربع اللاتي له الحق في الجمع بينهن وطلقها فيبقى له ثلاث فإن طلق ثنتين بقي له ثنتان وعلى هذا القياس
ثانيها : الظهار : فإذا قال لواحدة منهن : أنت علي كظهر أمي كان معنى هذا أنه اختارها زوجة ثم ظاهر منها فيكون له ثلاثة
ثالثها : الإيلاء وهو الحلف بأن لا يقرب زوجته فإذا حلف أن لا يقرب فلانة فقد اختارها زوجة ثم حلف ففي ذلك اختيار لها وبعضهم يقول : إنه لا يكون اختيارا إلا إذا كان مؤقتا كأن حلف بأن لا يقربها خمسة أشهر أو كان مقيدا بمحل كأن حلف بأن لا يطأها في مكان كذا
رابعها : الوطء فإذا وطء واحدة منهن فقد اختار ما يحل له الجمع بينهن وإذا وطء أكثر من أربع يعتبر الأول فالأول بمعنى أنه يأخذ التي وطئها أولا ثم التي تليها وهكذا ولا يعتبر وطء ما زاد على أربع زنا لأنهن كن زوجاته بالعقد الفاسد ولا يشترط أن ينوي بالوطء اختيار الزوجات بل ينصرف الوطء إلى ذلك بطبيعة الحال هذا وإذا قال فسخت نكاح فلانة فإن ذلك يكون فسخا للنكاح ويختار أربعا غيرها والفرق بين الفسخ والطلاق - حيث قلنا : إن الطلاق يسقط واحدة من الأربع بخلاف الفسخ فإنه لا يسقط ويكون له الحق في اختيار الأربع - أن الطلاق لا يكون إلا إذا كان العقد صحيحا أو كان فاسدا غير مجمع على فساده بخلاف الفسخ . فإنه يكون في المجمع على فساده . فإذا نظر إلى العقد قبل الإسلام كان مجمعا على فساده وإذا نظر إليه بعد الإسلام من حيث أن الإسلام أقره ترخيصا كان صحيحا
هذا ويشترط أن يكون الزوج المختار بالغا عاقلا وإلا فلا يصح اختياره بل يختار له وليه إن كان له ولي فإن لم يكن له ولي اختار له الحاكم ويصح اختيار الزوج البالغ العاقل ولو كان مريضا أو محرما أو واجدا لطول الحرة الحنابلة - قالوا : أنكحة المخالفين لنا في الدين إذا كانت موافقة لأنكحتنا في شرائطها وأركانها كانت صحيحة أما إذا لم تكن كذلك فإنهم يقرون عليها ولا نتعرض لهم فيها بشرطين :
الشرط الأول : أن يعتقدوا إباحتها فإن كانت لا تجوز في دينهم لا يقرون عليها في بلادنا كالزنا والسرقة الشرط الثاني : أن لا يتحاكموا إلينا فإن تحاكموا إلينا قبل العقد لنعقده لهم جاز لنا ذلك بشرط أن نعقده على حكمنا بإيجاب وقبول وولي وشاهدي عدل منا لا منهم كما قال الله تعالى : { وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط } وإن جاؤوا إلينا بعد العقد فلا يخلو إما أن تكون المرأة مباحة أو لا . فإن كانت مباحة ليست من المحارم وليست معتدة من الغير أقررناهم على النكاح بدون أن نبحث عن كيفية صدوره من وجود صيغة . أو ولي . أو غير ذلك . وإن لم تكن مباحة كأن كانت أختا أو أما أو بنتا أو عمة أو نحو ذلك من المحرمات بنسب . أو رضاع أو كانت معتدة لم تفرغ عدتها لم نقرهم عليه بل نفرق بين الزوجين
وإذا أسلم الزوجان معا بأن نطقا بالشهادتين دفعة واحدة بقي النكاح قائما بينهما سواء كانا كتابيين أو وثنيين . أما إذا أسلمت الزوجة وحدها فإن كان ذلك قبل الدخول بها بطل النكاح سواء كان زوجها كتابيا . أو لا ولا مهر لها لأن الفرقة جاءت من قبلها فإذا أسلم زوجها وهي في العدة بقي النكاح بينهما . أما إذا أسلم بعد انقضاء عدتها فإن النكاح يفسخ ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله سواء أسلم الزوج أو لم يسلم . وإذا أسلم الزوج وحده فإن كانت الزوجة كتابية استمر النكاح بينهما على ما هو عليه سواء أسلمت أو لم تسلم . وسواء كان ذلك قبل الدخول أو بعده أما إن كانت غير كتابية وكان ذلك قبل الدخول فإنها تبين منه في الحال ولها نصف المهر لأن الفرقة من جهته فإن كان بعد الدخول وجب عليها أن تعتد منه فإذا أسلمت قبل انقضاء العدة استمر النكاح بينهما على ما هو عليه وإذا أسلمت بعد انقضاء العدة فسخ النكاح كما ذكرنا في إسلامه
قال ابن شبرمة : كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما
وإذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع زوجات فأسلمن معه . أو أسلمن قبله . أو بعده في عدتهن . أو لم يسلمن وكن كتابيات كان له الحق في أن يختار منهن أربعا فقط ويسرح الباقيات لا فرق بين أن يختار الأوائل أو الأواخر سواء عقد عليهن عقدا واحدا . أو عقودا متعددة وله أن لا يختار منهن شيئا وله أن يختار أربع زوجات ميتات ويسرح الأحياء جميعهن ليرث منهن كما يقول المالكية وبشرط أن يكون مكلفا فإن كان غير مكلف وقف أمر النساء حتى يكلف وإذا امتنع عن الاختيار أجبر عليه بالحبس والتعزير وعليه نفقتهن جميعا إلى أن يختار والاختيار يكون بأشياء : منها اخترت هؤلاء وتركت هؤلاء ولا يلزم أن يكون بلفظ اخترت بل يصح أن يكون بلفظ أمسكت إذا قال : أمسكت هؤلاء وتركت هؤلاء فإنه يصح وكذا إذا قال : اخترت هذه للفسخ وهذه للإمساك فإنه يصح لأن الاختيار كما يكون للإمساك يكون للفسخ ويصح أيضا أن يقول : اخترت هذه . ومنها الوطء فإذا وطئ بعد الإسلام واحدة منهن كان مختارا لها زوجة فإذا وطئ أربعا بقيت الزوجية بينه وبينهن وفسخت في الباقيات وإن وطئ الجميع قبل أن يعين الأربع بالقول بقيت الموطوءات أولا للإمساك وبقيت الموطوءات بعد أربع للترك . ومنها الطلاق فإن طلق واحدة منهن كانت مختارة وحسبت عليه لأن الطلاق لا يقع إلا إذا ثبتت الزوجية فيكون قد بقي له ثلاثة وظاهر أن الحنابلة يوافقون المالكية في هذه الصورة والصورة التي قبلها ولكنهم يخالفون في الظهار والإيلاء فيقولون : إنه لا يصح الاختيار بالظهار ولا بالإيلاء
وإذا أسلم وتحته أختان كان له الحق في اختيار واحدة منهن بالكيفية السابقة



- هذا ولا فرق بين هذه الأحكام بين أن يكون العقد قد وقع في بلاد الإسلام بين ذميين . أو مستأمنين أو وقع في دار الحرب ثم هاجر الزوجان . أو هاجر أحدهما إلى بلاد الإسلام فإنهما يتركان على ما هما عليه ويقران عليها إذا ترافعا إلينا أو أسلما بالتفصيل المتقدم
ولا تبين الزوجة بمهاجرة أحدهما من دار الحرب إلى دار الإسلام سواء نوى الإقامة بها أو لا وإنما تبين بالسبي على اختلاف في المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : إن تباين الدارين هو الذي يوجب الفرقة أما السبي فلا يوجبها فلو سبي أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام وقعت الفرقة بتباين الدارين لا بالسبي أما إذا سبيا معا فإن الزوجية تبقى بينهما سواء كانت زوجة مسلم أو ذمي . وكذا إذا سبيا معا ثم أسلما أو صارا ذميين فإنها لا تبين منه بل تبقى زوجيتهما قائمة وإذا أسلمت زوجة الكتابي أو زوجة الوثني الذي لا كتاب له وهو في دار الحرب أو أسلم زوج الوثنية في دار الإسلام وهي في دار الحرب فإن حكم ذلك يختلف عما إذا أسلم أحدهما وهما في دار الإسلام وذلك لأن إسلام أحدهما يوجب عرض الإسلام على الآخر فإذا لم يسلم فرق بينهما على الوجه السابق أما إذا كان أحدهما غير موجود فإنه يجب أن ينتظر الآخر مدة تقوم مقام عرض القاضي فلا تبين الزوجة نهائيا إلا بعد انقضاء تلك المدة وهي أن تحيض ثلاث مرات إذا كانت من ذوات الحيض فإن لم تكن من ذوات الحيض لصغر أو لكبر فلا تبين إلا بعد ثلاثة أشهر وإن كانت حاملا لا تبين إلا إذا وضعت الحمل فلو أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاثة أو يمضي عليها ثلاثة أشهر إن لم تكن من ذوات الحيض أو تضع الحمل إن كانت حاملا بقيت الزوجية فلا تبين منه
وبيان ذلك أن المسلمة لا تصلح أن تكون زوجة للكتابي أو الوثني وقد عرفت أنه لا يفرق بينهما بإسلامهما إلا إذا عرض القاضي عليه الإسلام والمفروض أن لا ولاية للمسلمين في دار الحرب فلا يمكن العرض والحاجة ماسة إلى التفريق فاشترطنا للفرقة هذه المدة وأقمناها مقام سبب التفريق وهو إباء الزوج لأن إقامة الشرط مقام العلة عند تعذرها جائز وعند انقضاء هذه المدة تقع الفرقة بينهما بدون تفريق وهل تكون فرقة أو طلاقا ؟
والجواب : أن فيه تفصيلا وهو إن كانت المسلمة الزوجة كما هو فرض المسألة التي ذكرناها كانت فرقة بطلاق لأن الفرقة مبنية على انقضاء المدة التي حلت محل إباء الرجل وإباؤه طلاق لأنه يملك الطلاق أما إن أسلم الزوج وكانت الزوجة وثنية فإنه لا يعرض عليها الإسلام في دار الحرب أيضا فلا تبين منه حتى تنقضي المدة المذكورة وتحل محل إبائها وإباؤها ليس بطلاق لأنها لا تملك كما تقدم قريبا ثم إن المذكورة ليست بعدة وذلك لأنها تتناول غير المدخول بها فإذا تزوج الكتابي في دار الحرب وأسلمت زوجته قبل الدخول بها لا تبين منه حتى تحيض ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض أو يمضي عليها ثلاثة أشهر إن لم تكن كذلك ولو كانت هذه المدة عدة لسقطت عن غير المدخول بها ولكنها - كما عرفت - قد اشترطت لتقوم مقام سبب الفرقة وهو الإباء المترتب على عرض الإسلام كالمدخول بها بدون فرق وهل تجب العدة بعد ذلك على المدخول بها أو لا " والجواب : أن المدخول بها إن كانت هي الحربية التي لم تسلم وأسلم زوجها فلا عدة عليها لأنه لا عدة إلى الحربية باتفاق وإن كانت هي التي أسلمت فإن فيها خلافا فأبو حنيفة يقول : إنها لا عدة عليها أيضا وصاحباه يقولان : عليها العدة بعد انقضاء المدة المذكورة ولا فرق في اشتراط المدة لبينونتها أن تبقى في دار الحرب أو تخرج مها جرة إلى دار الإسلام وحدها أو تخرج هو وحده وذلك لأننا قلنا : إن المدة تقوم مقام عرض القاضي الإسلام على من لم يسلم ولا يمكن العرض على الغائب فتقوم المدة مقام العرض أما إذا اجتمعا معا في دار الإسلام فلا يخلو إما أن يجتمعا بصفة مستديمة بأن ينويا الإقامة والاستمرار . أو يجتمعا فيه مستأمنين بأن يدخلا دار الإسلام بأمان لتجارة ونحوها وهما ينويان العودة ففي الحالة الأولى : تكون الفرقة بينهما بعرض الإسلام كالمقيمين بدار الإسلام وفي الحالة الثانية تكون الفرقة أمرين : عرض الإسلام أو قضاء المدة المضروبة
ثم إن تباين الدارين تباينا حقيقيا يوجب الفرقة بين الزوجين عند الحنفية ومعنى تباين الدارين الحقيقي أن يخرج أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام كي يقيم بها إقامة مستمرة أما إذا كان خرج إلى دار الإسلام بأمان لقضاء مصلحة ثم يعود فإنه بذلك يكون مستأمنا فلا تفريق بينهما بهذا إلا إذا قبل أن يكون من أهل الذمة بأن تجري عليه الأحكام التي فرضها المسلمون على الذمي فإنه بذلك يكون مقيما بدار الإسلام حقيقة فتبين منه امرأته
والحاصل أن الفرقة بين الزوجين كما تكون بإسلام الكتابية أو إسلام أحد الزوجين الوثنيين بعد عرض الإسلام على من أصر على الكفر في دار الإسلام وانقضاء المدة في دار الحرب كذلك تكون الفرقة بينهما بتباين الدارين وانفصالهما عن بعضهما بالسفر ونية الإقامة في دار الإسلام أو في دار الحرب نهائيا فلو تزوج المسلم كتابية في دار الحرب ثم سافر عنها وحده إلى بلاد الإسلام ناويا الإقامة فإنها تبين منه دون أن تنتظر المدة المتقدمة وذلك لأن الكتابية تحل للمسلم بدون أن يعرض عليها الإسلام أما إذا خرجت هي قبله وهو قد لحقها أو خرجا معا فإنها لا تبين وذلك لأن دخولها دار الإسلام وهي مقر زوجها الأصلي جعل التباين حكميا لأن الزوجة تابعة في الإقامة . وكذا إذا خرجت امرأة الكتابي إلى دار الإسلام دونه ناوية الإقامة فتكون من أهل الذمة وتبين بذلك وكذا إذا خرجت زوجة الكتابي إلى دار الإسلام مسلمة فإنها تبين من باب أولى ولا عدة لهما عند الإمام أبي حنيفة إلا أنها إن خرجت لتكون من أهل الذمة وهي على دينها فإنها تبين منه في الحال بدون أن تحيض ثلاثة أو بعد ثلاثة أشهر أو بعد وضع أما إذا أسلمت فإن عليها أن تنتظر المدة قائمة مقام عرض الإسلام عليه كما ذكرنا وعلى هذا فيحل العقد على الكتابية بمجرد دخولها دار الإسلام وصيرورتها من أهل الذمة ولو كانت حاملا إلا أنه لا يحل وطؤها حتى تضع الحمل كما هو رأي بعضهم وبعضهم يقول : لا يصح العقد على الحامل أيضا لا للعدة بل لشغل الرحم بحق الغير وعلى الثاني الأكثر ورجع الأول بعضهم وكذا إذا أسلمت هناك وجاءتنا مسلمة قبل أن تكمل المدة المضروبة لبينونتها فإنها تنتظر عندنا حتى تكملها ولا عدة عليها بعد ذلك عند الإمام
المالكية - قالوا : ينقطع النكاح بالسبي لا بتباين الدارين فإذا سبي أحد الزوجين . أو هما معا انقطع النكاح بينهما . وفي ذلك تفصيل وهو أن يقع السبي على الزوجين جميعا سواء سبيا في آن واحد . أو سبي أحدهما قبل الآخر وسبي الآخر بعده ومتى وقع السبي عليهما معا انقطع النكاح بينهما سواء أسلما بعد السباء أو بقيا على دينهما . وفي حالة وقوع السبي عليهما متفرقين أربع صور :
الصورة الأولى : أن تسبى هي أولا ولم تسلم ثم يسبى هو بعدها ولم يسلم ثم يسلما بعد ذلك وفي هذه الحالة لا ينفع إسلامهما في بقاء الحياة الزوجية بل تقطع بينهما بالسبي
الصورة الثانية : عكس الصورة الأولى بأن يسبى زوجها ويبقى على كفره ثم تسبى هي ثانيا وتبقى على كفرها ثم يسلما بعد ذلك . وهي كالأولى في انقطاع النكاح بينهما
الصورة الثالثة : أن يسبى هو أولا فيسلم ثم تسبى هي ثانيا فتسلم
الصورة الرابعة : عكس الثالثة أن تسبى هي أولا وتسلم ثم يسبى هو بعدها ويسلم
وقد عرفت أن إسلامهما في الصور الأربع لا يفيد في بقاء النكاح بينهما بل ينقطع بوقوع السبي عليهما جميعا سواء سبيا معا أو متفرقين وإذا أراد السابي أن يطأ الزوجة المسبية في هذه الأحوال وجب أن يستبرئها بحيضة لأنها أصبحت بالسبي أمة . فلا تعتد عدة الحرائر . أما إذا لم يقع السبي عليهما جميعا بل وقع على أحدهما فقط فلا يخلو إما أن يسلم أحدهما قبل سبي الآخر أو لا فإن كان الثاني فقد قطع السبي النكاح بينهما وإن كان الأول كان زوجها أحق بها إلا إذا كانت قد حاضت حيضة الاستبراء فإذا حاضت انقطع النكاح بينهما مثلا إذا أسلم الزوج قبل أن تسبى زوجته ثم سبيت وأسلمت . كان أحق بها قبل أن تحيض حيضة الاستبراء وتكون تحته أمة مسلمة تحت حر مسلم أما إذا قدم الزوج إلى دار الإسلام بأمان ولم يسلم ثم سبيت زوجته فقد انقطع النكاح بينهما ومثل ذلك ما إذا أسلمت الزوجة قبل أن يسبى زوجها ثم سبي وأسلم فإنه يكون أحق بها بخلاف ما إذا دخلت دار الإسلام بأمان ولم تسلم ثم سبى زوجها فإن النكاح ينقطع بينهما
والحاصل أنها إذا سبيت هي فقط قبل إسلامه انقطع النكاح بينهما سواء قدم إلى دار الإسلام بأمان أو لا وإذا سبي هو قبل إسلامها انقطع النكاح سواء قدمت إلى دار الإسلام بأمان أو لا أما إذا سبيت بعد إسلامه أو سبي بعد إسلامها وأسلما كان أحق بها
الشافعية - قالوا : السبي يقطع النكاح لا بتباين الدارين . فإذا سبيت امرأة الحربي الكافرة قبل الدخول . أو بعده انقطع النكاح بينهما حالان حتى ولو كانت زوجة ذمي لم تدخل في عقد الذمة . بأن كانت وقت العقد معه خارجة عن طاعة المسلمين أما إذا شملها العقد فإنها لا تسبى وهل إذا تزوج مسلم أصلي كتابية في دار الحرب يصح سبيها أو لا ؟ رأيان فقيل : يصح سبيها وقيل : لا يصح وهو المعتمد وهذا بخلاف ما إذا كان الزوج غير مسلم في الأصل بأن كان كتابيا أو وثنيا ثم أسلم فإن إسلامه الطارئ لا يحمي زوجته الكتابية من الأسر ذلك للفرق بين الإسلام الأصلي والإسلام الطارئ من وجهين أحدهما أن المرأة قصرت في عدم إسلامها معه قبل أن تسبى . ثانيهما : أن الإسلام الأصلي أقوى من الإسلام الطارئ . فإن قلت : لماذا قلتم : إن عقد الذمة إذا شمل الزوجية يحميها من السبي وقلتم أن إسلام الزوج لا يحميها ؟ والجواب : أن الإسلام يخاطب به كل واحد منهما استقلالا فلا تتبع الزوجة فيها الزوج بخلاف عقد الذمة فإنها إن كانت في طاعتنا يشملها لأنه ليس مقصورا عليه وحده فهي تابعة له فيه
وبهذا نعلم أن إسلام الزوج قبل سبي المرأة لا يمنع عنها السبي ومتى سبيت انقطعت علاقة الزوجية بينهما في الحال لأنها تصير رقيقة كافرة تحت مسلم وهو ممنوع ولا ينفع إسلامها بعد ذلك وهذا خلافا للمالكية القائلين : إذا لم يقع السبي على أحد الزوجين ثم أسلم قبل سبي الأخر فإن الزوجية لا تنقطع بينهما بشرط أن الزوجة قبل أن تحيض حيضة الاستبراء إذا كانت هي المسبية وتكون أمة مسلمة تحت حر مسلم . كما هو موضح في مذهبهم السابق
وكذا إذا سبيا معا أو سبي الزوج وحده فإن الزوجية تنقطع بينهما على الفور لأن مجرد السبي يقطع علاقة الزوجية
الحنابلة - قالوا : لا ينفسخ النكاح باختلاف الدارين مطلقا فلا فرق في الأحكام المتقدمة بين أن يكون في دار الإسلام . أو في دار الحرب أو يكون أحدهما بدار الإسلام والأخر بدار الحرب فإذا هاجرت امرأة الحربي إلى دار الإسلام مسلمة ولم يهاجر زوجها إليها مسلما قبل انقضاء عدتها فسخ النكاح بينهما كما تقدم وتبين المرأة من زوجها إذا سبيت وحدها أما إذا سبي الرجل وحده أو سبيا معا فلا تبين منه فوافقوا الحنفية في صورة ما إذا سبيا معا أو سبي الرجل وحده ولم يختلفا في الدار ووافقوا الشافعية والمالكية فيما إذا سبيت المرأة وحدها
وسيأتي تفصيل كل ذلك مع أدلة الجميع في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى



حكم نكاح المرتد عن دينه من الزوجين

- إذا ارتد أحد الزوجين عن دينه أو ارتدا معا . فإنه يتعلق بذلك أمور : أحدها هل يفسخ عقد الزواج بينهما إذا ارتد أحدها . أو ارتدا معا ؟ ثانيها : هل ارتداد الزوج كارتداد المرأة في الفسخ أو لا ؟ ثالثها : هل يكون الفسخ طلاقا بهدم عدد الطلقات الثلاث أو لا ؟ رابعها : هل يرث المرتد من الآخر أو لا ؟ وما حكم تصرفه في حال ردته خامسها : ما حكم مهر المرأة وعدتها فيما إذا ارتد هو أو هي ؟ سادسها : ما عقاب المرتد منهما ؟ سابعها : ما هي الأقوال أو الأعمال التي توجب الكفر والردة ؟
أما الجواب عن هذه الأسئلة فتراه مفصلا في المذاهب تحت الخط الموضوع أمامك [1]




[1] الحنفية - قالوا : أما الجواب عن الأول فإنه إذا ارتد الزوج عن دينه بانت منه زوجته في الحال لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحول ويفرق بينهما عاجلا بدون قضاء أما إذا ارتدت الزوجة وحدها فإن في ذلك أقوالا ثلاثة
القول الأول : أن ردتها تكون فسخا للنكاح وتعزر بالضرب كل ثلاثة أيام بحسب حالها وما يراه الإمام زاجرا لها وتجبر الإسلام بالحبس إلى أن تسلم أو تموت وهي محبوسة وإذا أسلمت تمنع من التزوج بغير زوجها بل تجبر على تجديد النكاح بمهر يسير رضيت أو لم ترض فلكل قاض أن يجدد نكاحها على زوجها ولو نصف جنيه متى طلب الزوج ذلك أما إذا سكت أو تركها صريحا فإنها تزوج بغيره حينئذ وهذا العمل بالتعزير والإجبار على الإسلام وتجديد النكاح فإن تعذر ذلك سقط العمل به
القول الثاني : أن ردة المرأة لا توجب فسخ النكاح مطلقا خصوصا إذا تعمدت الردة لتتخلص من زوجها وعلى ذلك فلا فسخ ولا تجديد للنكاح وهذا هو الذي أفتى به علماء بلخ وهو الذي يجب العمل به في زماننا فلا يصح للقاضي أن يحيد عنه
القول الثالث : أن المرأة إذا ارتدت تصير رقيقة مملوكة للمسلمين فيشتريها زوجها من الحاكم وإن كان مصرفا يستحقا صرفها له بدون ثمن ولا تعود حرة إلا بالعتق فلو أسلمت ثانيا لا تعود حرة ومتى استولى عليها الزوج بعد ذلك ملكها فله بيعها ما لم تكن قد ولدت منه . وهذا فيه زجر شديد للمرأة عن الردة على أن العمل به غير ممكن اللهم إلا في البلد التي لا يزال بها الرق موجودا أما إذا ارتدا معا بحيث سجدا للضم معا في آن واحد أو سبق أحدهما الآخر بكلمة الكفر ولكن لم يعلم السابق فإن نكاحهما يبقى ولا يفسخ فإذا أسلما معا دفعة واحدة بقي النكاح بينهما كذلك أما إذا أسلم أحدهما قبل الآخر فسد النكاح
أما الجواب عن السؤال الثاني فهو أن أبا حنيفة يقول : إن الفرقة بينهما لا تكون طلاقا بل هي فسخ لا يهدم شيئا من عدد الطلاق فإذا ارتد الزوج ثم تاب وجدد النكاح عليها لم ينقص ذلك شيئا مما له من الطلاق وكذا إذا ارتد ثانيا وجدد النكاح ثم ارتد ثالثا فإن له أن يجدد نكاحها بدون محلل ولا يقال له : إنك قد طلقتها ثلاثا بردتك ثلاث مرات فلا تحل له حتى تنكح زوجا آخر وهذا بخلاف ما إذا أسلمت زوجته ثم عرض عليه الإسلام فأبى فإن إباءه الإسلام يعتبر طلاقا عند أبي حنيفة كما تقدم ومحمد يرى أن لا فرق بين الحالتين فالفسخ فيهما يكون طلاقا وأبو يوسف يرى أن الفسخ في الأمرين ليس بطلاق
ووجهة نظر أبي حنيفة أن الطلاق يتضمن الزوجية فإنه لا يقع إلا على زوجة أما الردة فإنها تنافي الزوجية بطبيعتها فلا يمكن أن تجعل طلاقا يتضمن زوجية بحال بخلاف إباء الزوج عن الإسلام فإنه ليس فيه خروج عن دين الإسلام فحل محل طلاق المرأة التي أسلمت
هذا وإذا ارتدت المرأة ثم طلقها زوجها وهي في العدة وقع الطلاق فإذا طلقها ثلاثا وهي في العدة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وذلك لأن تحريمها بالردة لم يكن على التأبيد ألا ترى أنه يرتفع بالإسلام ؟ فمتى كانت في العدة كانت علاقتها به قائمة ولكن يشترط لوقوع الطلاق أن لا تلحق بدار الحرب فإذا لحقت بدار الحرب فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض . فعنده يقع وعندها لا يقع أما الزوج إذا ارتد ولحق بدار الحرب وطلق فإن طلاقه لا يقع وإذا عاد وهو مسلم ثم طلقها قبل أن تنقضي عدتها فإنه يقع
أما الجواب عن الثالث فإنه إذا ارتد الزوج وورثته المرأة بشرط أن تكون في العدة بلا فرق بين أن تكون ردته في حال مرضه أو صحته فمتى مات الزوج بعد ردته أو لحق بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإنها ترثه أما إذا ارتدت في حال صحتها ثم ماتت . أو لحقت بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإن الزوج لا يرثها وإذا ارتدت في حال مرضها ثم ماتت أو لحقت بدار الحرب فإنه يرثها والفرق بين الزوج والزوجة في ذلك أن الزوج جزاؤه على ردته أن يعدم إن لم يتب فكأنه وهو في صحته مريض مرضا يفضي إلى الموت لا محالة فيكون بمنزلة الرجل الذي يطلق زوجته وهو في مرض الموت فرارا من أن ترثه فلا يسقط طلاقها في هذه الحالة حقها من الميراث أما المرأة فلا تجزى على الردة بإعدام إن امتنعت عن العودة إلى الإسلام كما عرفت من أن جزاءها الحبس فلا تكون في حال صحتها فارة بالردة من ميراث الرجل
واعلم أن أموال المرتد لا تكون مملوكة له حال ردته ملكا تاما بل ملكا موقوفا حتى إذا أسلم عاد له ملكه التام كما كان قبل الردة بلا خلاف أما إذا لم يسلم بأن قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فإن ملكه يزول عن أمواله زوالا تاما وعلى هذا لا ينفذ تصرفه فيها بالبيع أو الشراء أو الهبة أو غير ذلك قبل إسلامه وهذا هو الصحيح وغيره يرى أن ملكه لا يزول عن ماله إلا بأحد الثلاث المذكورة من القتل أو الموت أو اللحوق فإذا تصرف قبل ذلك في كل ما فيه مبادلة مال بمال فإن تصرفه ينفذ كما سيأتي قريبا
ثم إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب انتقل ماله لورثته المسلمين ويعتبر إسلامهم عند القتل أو الموت أو اللحوق بدار الحرب فلو كان له ولد بالغ ارتد معه ولكنه أسلم في الأيام الثلاثة المضروبة مهلة للمرتد وبقي مسلما عند قتل والده أو لحوقه بدار الحرب فإنه يرث ومثل ذلك ما إذا وطئ أمة مملوكة له بعد ردته فحملت منه بولد فإن ذلك الولد يرث لأنه كان مسلما تبعا لأمه المسلمة وهذا هو الأصح وبعضهم يقول إنه يلزم أن يكون مسلما وقت الردة فلو ارتد معه ولده الكبير ثم أسلم قبل قتل أبيه فإنه لا يرث ولكن هذا ضعيف . وليس لورثته حق إلا في المال الذي كسبه وهو مسلم . فيقتسمونه بينهم حسب الفريضة الشرعية ومنهم الزوجة بعد أن يقضوا منه الدين الذي استدانه بعد ردته وذلك لأنه لا ملك له حال ردته ثم إن تصرف المرتد قبل إسلامه منه ما ينفذ باتفاق . ومنه ما لا ينفذ باتفاق ومنه ما يوقف باتفاق ومنه ما هو مختلف في توقفه بين الإمام وصاحبيه فأما الذي ينفذ باتفاق فهو خمسة :
أحدها : الطلاق في العدة لما مر قريبا . ثانيها : قبول الهبة ثالثها : تسليم الشفعة فإذا طالبه أحد بحقه في الشفعة وسلم فيه فإنه يصح وهل له أن يأخذ هو شيئا بالشفعة بعد ردته وقبل أن يسلم ؟ فقال أبو حنيفة : إنه ليس له الحق ما لم يسلم ويطلب فإذا لم يسلم ولم يطلب بطل حقه وقال غيره إن له الحق في الشفعة . رابعها : الحجر على عبده المأذون فلو كان له عبد أذنه بتجارة ونحوها فله حق الحجر عليه أثناء ردته . خامسها : الاستيلاء أي ادعاء ولد الجارية فإذا جاءت بولد حال ردته وادعاه ثبت نسبه منه ويرث الولد مع ورثته وتصير أمه أم ولد
وأما الذي يبطل باتفاق فهو خمسة أشياء أيضا - وهي الأمور التي تتوقف على التدين بدين ولو لم يكن سماويا كالمجوسية وغيرها
الأمر الأول : النكاح فيبطل نكاح المرتد مطلقا لأن النكاح إما بين مسلمين . أو بين مسلم وكتابي أو بين كتابيين أو وثنيين والمرتد لا دين له حتى ولو انتقل إلى دين الكتابيين لأنه لا يقر عليه فلا يعتبر ولا يخفى أن الوثني له دين وإن لم يكن له كتاب فلو تزوج المرتد أو المرتدة وقع العقد باطلا ثانيها : الذبح فذبيحة المرتد لا تؤكل . ثالثها : الصيد فلو اصطاد المرتد كان صيده ميتة . رابعها : الشهادة فلا تقبل شهادة المرتد ولا تصح . خامسها : الإرث فلا يرث المرتد بعد ردته ولا يورث عنه مال كسبه بعد ردته أما المال الذي كسبه حال إسلامه فإنه يورث عنه كما مر قريبا
وأما الذي يقع موقوفا باتفاق فهو أمران : شركة المفاوضة . والتصرف على ولده الصغير فإذا عقد المرتد مع المسلم عقد شركة مفاوضة في حال ردته وقع موقوفا فإذا أسلم نفذ وإذا هلك بطل وأما المختلف في توقفه فهو كل ما كان مبادلة مال بمال كالبيع بجميع أنواعه ومنه الصرف والسلم والعتق والتدبير والكتابة والهبة والإجارة والوصية فإن أسلم نفذ كل ذلك باتفاق وإن هلك أو لحف بدار الحرب بطل عند أبي حنيفة ونفذ عندهما لأن حقه في تصرفه في ملكه لا يبطل إلا عند هلاكه كما تقدم
وبقيت أشياء لم ينصوا عليها وهي ما إذا أعطي الأمان لحربي فإنه لا ينفذ لأن أمان الذمي لا ينفذ فمثله الحربي من باب أولى وكذلك لا يكون من العاقلة فلا يعين في دية ولا يعان فيها لأن ذلك معناه التناصر بين القوم والمرتد لا تناصر بينه وبين المسلمين فلا ينصر ولا ينصر أما إذا أودع المرتد وديعة عند أحد أو استودعه أحد وديعة فإنه يصح وكذا إذا التقط شيئا أو التقط أحد لقطته فإنه تجري عليه أحكامها
فإذا لحق بدار الحرب ثم عاد مسلما ووجد ماله باقيا مع ورثته كان له الحق في أخذه منهم بالرضا أو القضاء بشرط أن يكون ذلك المال قائما بيد الورثة أما إذا خرج عن ملكهم ببيع ونحوه فإنه قد ضاع عليه فلا حق له فيه أما الذي أخذ منه لبيت مال المسلمين وهو الذي كسبه في حال ردته فإن لا حق له فيه على أي حال على أنه إذا لم يكن له وارث وأخذ بيت المال ما كسبه في زمن إسلامه ثم حضر فإن له الحق فيه لأنه لم يكن فيئا للمسلمين لما عرفت من أن الفيء مقصور على المال الذي كسبه في أيام ردته فقط
وأما الجواب عن السؤال الرابع : فهو ما تقدم فإذا طلقت قبل الدخول كان لها كل المهر سواء كانت الردة من قبلها أو من قبله لما عرفت أن المهر يتأكد بالدخول والخلوة فلا يقبل السقوط أما قبل الدخول والخلوة فإن ارتدت هي لم يكن لها شيء وإن ارتد هو كان لها نصف المهر إذا سمى لها مهرا فإذا لم يسم لها مهرا كانت لها المتعة ثم إن كان الزوج هو المرتد بعد الدخول كان لها عليه نفقة العدة أما إن ارتدت هي فلا نفقة لها وعليها العدة فإذا هربت إلى دار الحرب فإنه يجوز لزوجها أن يتزوج أختها بدون عدة فإن عادت مسلمة بعد تزوجه أختها فإن النكاح لا يفسد باتفاق وإن عادت قبل تزوجها فقيل : لا يفسد وقيل : يفسد
أما الجواب عن السؤال الخامس فقد عرفت مما قدمناه لك وهو أن المرأة تجزى بالحبس إلى أن ترجع إلى الإسلام أو تبقى مسجونة حتى تموت وتعزر بالضرب كل ثلاثة أيام والرجل يحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وتاب فذاك وإلا قتل هذا إذا طلب مهلة أما إذا لم يطلب قتل لساعته وكيفية إسلامه أن ينطق بالشهادتين ويتبرأ عن الأديان لكها سوى دين الإسلام فإن عاد فعل ذلك وهكذا ولا يقتل إلا إذا امتنع عن الإسلام على أنه إذا تكرر منه ذلك يسجن ولا يخرج من سجنه حتى يظهر من حاله التوبة وعدم التلاعب والمحاكم في هذه الحالة أن يضربه ضربا وجيعا بحيث لا يبلغ به الحد
أما الجواب عن السؤال السادس فهو أن كل قول أو فعل أو اعتقاد ينافي ما هو معلوم من الدين بالضرورة كان خروجا عن دين الإسلام وذلك كمن أنكر فرضية الصلاة أو الصيام أو الحج أو قال : إن المسيح صلب أو هو ابن الله أو اعقد أن الله يشبه الحوادث أو سجد لصنم أو أهان مصحفا بإلقائه في قاذورة عمدا أو سب دين الإسلام أو حلل حراما معلوما من الدين بالضرورة كشرب الخمر و الزنا و اللواط ولعب الميسر وأكل أموال الناس بالباطل ومن ذلك السرقة والغش والخيانة وتطفيف الكيل والوزن والاعتداء على أعراض الناس ودمائهم كالقتل والقذف إلى غير ذلك من الأمور التي حرمتها الشريعة الإسلامية تحريما باتا فمن فعل شيئا من ذلك وهو مستحيل له أو قال : إنه حلال كان مرتدا عن دين الإسلام ومثل ذلك ما إذا أنكر نبوة أحد النبيين الذين ذكرهم القرآن الكريم وأنكر قصة من القصص التي وردت فيه أو أنكر آية منه فإن هذا وأمثاله هو الذي يقال إن فاعله أو قائله مرتد
ولكن مؤلفي الفتاوى قد ذكروا أمورا كثيرة قالوا عنها : إنها مكفرة ولكن الواقع غير ذلك لأنها تحتمل التأويل وكل ما كان كذلك فلا يكون مكفرا ومن ذلك أن يقول الإنسان بخلق القرآن فقد ذكروا أنه يكفر بهذه العبارة وهذا غير صحيح وذلك لأن هذه العبارة تحتمل أن ألفاظ القرآن التي نقرؤها ونتعبد بها مخلوقة لله ولا يقول عاقل أنها قديمة وما نقل عن الإمام أحمد كان من باب الأدب والورع وتحتمل أيضا ما يقوله المعتزلة من أنه ليس لله صفة زائدة على ذاته يقال لها : الكلام ولكن الله خلق الكلام الذي أسمعه موسى وخلق القرآن الذي أنزله على محمد وقد أقاموا البرهان القوي على ذلك ولم يكفرهم أحد بل كثير من أعلام المسلمين قال : إن رأيهم في ذلك صواب وتحتمل ما يقوله الكرامية من أنها حادثة زائدة على الذات قائمة بذاته وهذا لا يلزم منه الكفر إلا إذا اعتقدوا حدوث الذات لقيام الحوادث بها أو اعتقدوا أن الله ليس بمتكلم قبل أن يخلق صفة الكلام الحادثة أما إذا اعتقدوا أن الله متكلم بذاته ثم إذا أراد شيئا قال : كن وقامت بذاته ثم ترتب عليها الأثر فإنهم لا يكفرون فهذا كل ما يحتمله القول بخلق القرآن ولا يخفى أنه قابل للتأويل من جميع الجهات [ يتبع . . .]
ومنه ما إذا قال الشخص : أنا مؤمن إن شاء الله وهذه لا يصح أن يكفر قائلها إلا إذا نطق بها على سبيل الشك بأن كان شاكا في إيمانه أما إذا ذكرها تبركا أو تفويضا لله في كل الأمور فإنه لا شيء فيها نعم ينبغي للشخص أن لا يأتي بهذه الكلمة في الأعمال المطلوبة منه جزما كي يكون في حل من عدم فعلها ويوجب شك طالبها ومن ذلك أن يقول الإنسان لشخص لا يمرض : إن الله - لا يفتكره - أو هو منسي من الله وهذه الكلمة وإن كانت قبيحة ولكن صاحبها لا يكفر إلا إذا قصد معناها المتبادر منها وهو أنه يجوز على الله النسيان أما إذا كان غرضه أن الله لا يحب هذا الرجل الذي لا يمرض فلا يكفر ذنوبه بالمرض فإنه لا يكفر وإن كان قائلها جاهلا ينبغي لمن سمعه من العارفين أن يعلمه ما يقول
فهذه أمثلة مما ذكره مؤلفو الفتاوى . فينبغي النظر فيما ذكروه على هذا الوجه
وبالجملة فالمحققون من الحنفية صرحوا بأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا إذا لم يمكن تأويل كلامه فلو قال : كلمة تحتمل الإيمان من وجه . والكفر من وجوه تحتمل على الإيمان حتى قالوا : إذا قال كلمة أو عمل يستلزم ظاهره الكفر ولكن وجدت رواية ضعيفة يحمل بها على الإيمان لا يصح المبادرة بتكفيره نعم إذا فعل ما لا يمكن حمله على الإيمان كأن مزق مصحفا وألقاه على الأرض لغيظ أو غضب من حالة عصبية وهو مؤمن فإنه يؤاخذ به مع اعتقاده بالنسبة لزوجته لأن بينونتها منه بذلك حق من حقوقها ولا يمكن للقاضي أن يدخل إلى ما في نفسه بل لا بد من معاملته بظاهر أمره في حق هذه المرأة أما الذي يمكن تأويله فإن فاعله أو قائله يؤمر بالتوبة والاستغفار وتجديد عقد زوجته احتياطا فإن أبت فلا تمكن من غرضها ولا تجبر على التجديد
ومن سب دين مسلم فإنه يحمل على أمرين : أحدهما سب نفس الشخص وأخلاقه التي يتخلق بها ومن أراد ذلك فإنه لا يكفر . ثانيها : سب نفس الدين وتحقيره ومن أراد ذلك فإنه يكفر وبذلك لا يمكن الجزم بتكفير من شتم الدين فلا يترتب عليه أحكام المرتدين
ومن سب النبي صلى الله عليه و سلم صريحا أو عرض بمقامه الكريم أو سب نبيا من الأنبياء أو سب جبريل وميكائيل فقد اختلف فيه قولين : أحدهما أنه يقتل حدا ولا تقبل توبته كما يقول المالكية ثانيها : أن حكمه حكم المرتد الذي سب خالقه فإن تاب وإلا قتل وهذا هو الذهب الذي عليه المعمول وإن كان سب الرسول صلى الله وعليه وسلم من أشنع الجرائم وأقبحها وأن الذي يقدم عليه وعنده مثقال ذرة من العقل لا يرجى منه خير فإعدامه خير من بقائه
أما السحر فإن تعريفه الذي عرفه المالكية يجعل الحكم في أمره واضحا فإنه إن كان مشتملا على عبارات أو عمال مكفرة فإن صاحبها بها بلا كلام وإلا فإن ترتب عليه ضرر كان حراما يكفر مستحله وإلا شيء فيه ولا فرق بين أن تكون الآثار المترتبة عليه حقيقة أو تكون خيالا لأن الحكم في هذه الحالة على الأقوال والأفعال الصادرة من المكلف وكل ما ذكر في كتب الحنفية خاصا بالسحر لا يخرج عن هذا وكذلك ما نقل الشافعية وقد صرع بعض المحققين من الحنفية أنه ينبغي العمل بمذهب الشافعية في هذا الموضوع وهو لا يخرج عن هذا المالكية - قالوا : في الجواب عن الأول والثاني : إذا ارتد الزوج فرق بينه وبين زوجته أما إذا ارتدت هي فإن قامت القرائن على أن غرضها الاحتيال على الخلاص منه فإنها لا تبين منه بل تعامل بنقيض قصدها فإذا ارتد الزوج ليخلص من زوجته فإنه يعامل بقصده وتبين منه وذلك لأن بيده طلاقها فما كان أغناه عن الردة ليخلص منها
أما الجواب عن الثالث وهو : هل الفراق بالردة فسخ أو طلاق ؟ فإن فيه أقوالا ثلاثة : أحدهما : أن الردة نفسها طلاق بائن . فمتى ارتد بانت منه امرأته كما لو طلقها طلاقا بائنا ويجب التفريق بينهما فورا وهذا هو المشهور . القول الثاني . أن الردة طلاق رجعي وعلى القول الثاني أنه إذا تاب وهي في العدة يراجعها بدون عقد جديد أما على القول الأول فلا بد تجديد العقد . القول الثالث : أن الردة فسخ لا طلاق والفرق بين القول الثالث والقولين الأولين أن القول الثالث يقتضي بقاء الطلقات الثلاث بيد الزوج إن تاب ورجع لها أما على القول فإن عدد الطلاق ينقص بالردة كما بيناه في مذهب الحنفية
وأما الجواب عن السؤال الرابع : وهو ميراث المرتد فهو أن المرتد لا مال له لأن الردة توجب الحجر على المرتد فبمجرد ردته يحجر عليه الإمام أو نائبه ويحول بينه وبين ماله والتصرف فيه ثم يطعمه منه بقدر الحاجة ولا ينفق منه على أولاده ولا على زوجته لأنه يعتبر في هذه الحالة معسرا ثم يستتاب فإن تاب ورجع إلى الإسلام يرفع عنه الحجر ويخلى بينه وبين ماله على المشهور فيتصرف فيه كما كان قبل ارتداده أما إذا أصرع على ردته وقتل كافرا فإن ماله يصير فيئا لبيت مال المسلمين ولا يرثه أحد
وأما الجواب عن السؤال الخامس فهو أنه إذا ارتد قبل دخوله بالمرأة فلها نصف المهر على القول بأن الردة طلاق أما على القول بأنها فسخ فلا صداق لها كما إذا كانت الردة من قبلها . أما بعد الدخول فلها كل المهر لأنه يتأكد بالدخول ولا يسقط
وأما الجواب عن السؤال السادس فهو أن المرتد سواء كان رجلا أو امرأة يجب أن يطلب منه الحاكم أن يتوب ويمهله مدة ثلاثة أيام من غير ضرب أو معاقبة بتجويع وتعطيش فإن تاب برجوعه إلى الإسلام فلا يقتل وإن لم يتب حتى مضت الأيام الثلاثة بغروب اليوم الثالث قتل ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو رقا فلا يقر على كفره بجزية بخلاف أما إذا كان على غير دين الإسلام بحسب الأصل فإنه يقر بالجزية ولو ارتد أهل مدينة استتيبوا ثلاثة أيام فإن لم يتوبوا فإنهم يقتلون ولا يسبون ولا يرقون ثم إن المرأة المتزوجة تستبرأ بحيضة قبل قتلها لجواز أن تكون حاملا . واستبراء الحرة هنا عدة لها فعدة المرتدة حيضة واحدة أما إذا ارتد هو وهي مسلمة فإن عدتها كغيرها وذلك لأن الحيضة يثبت بها أنها غير حامل وما زاد على ذلك فهو أمر تعبدي والمرتدة ليست أهلا للتعبد بخلاف ما إذا كانت مسلمة والمرتد زوجها وقد علمت أن زوجة المرتد لا نفقة لها عليه لأنه لا مال في حال ردته
وأما الجواب عن السؤال السابع : فإن المالكية قالوا : إن ما يوجب الردة ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : أن يقول كلمة كفر صريحة كقوله : إنه كفر بالله أو برسول الله أو بالقرآن أو يقول : إن الإله اثنان أو ثلاثة أو المسيح ابن الله أو عزير ابن الله
الثاني : أن يقول لفظا يستلزم الكفر استلزاما ظاهرا وذلك كأن ينكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة كفرضية الصلاة فإنه وإن لم يكن كفرا صريحا ولكنه يستلزم تكذيب القرآن أو تكذيب رسول الله صلى الله عليه و سلم أو يقول : إن الله جسم متحيز في مكان لأن ذلك يستلزم أن يكون الإله محتاجا للمكان والمحتاج حادث لا قديم ومن ذلك ما إذا أحل حراما معلوما من الدين بالضرورة كشرب الخمر والزنا واللواط وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك
الثالث : أن يفعل أمرا يستلزم الكفر استلزاما بينا كأن يرمي مصحفا أو بعضه ولو آية في شيء مستقذر تعافه النفس ولو طاهرا كالبصاق والمخاط ويلطخه به بأن يبصق عليه أو يراه ملطخا بالأقذار وهو قادر على إزالتها عنه فلم يفعل وتركه استخفافا وتحقيرا فمدار الكفر على الاستخفاف والتحقير ولكن يحرم أن يفعل ما في صورة التحقير وإن لم يقصده كأن يبل أصبعه بالبصاق ليسهل به تقليب ورق المصحف ومن الفعل المستلزم للكفر شد الزنار وهو حزام خاص به أشكال مختلفة يشد به النصارى وسطهم ليمتازوا به عن غيرهم فإذا لبسه المسلم فإنه يكفر بشروط
الشرط الأول : أن يلبسه محبة لدينهم وميلا لأهله فيكون معنى لبسه لهم خروجا من جماعة المسلمين إلى جماعة الكافرين فإذا لبسه لغرض آخر غير ذلك كأن لبسه هازلا . أو نحو ذلك . فإنه لا يكفر ولكن يحرم عليه فعل ذلك
الشرط الثاني : أن لا تضطره الضرورة إلى لبسه كما إذا وجد في بلادهم لضرورة ولم يجد لباسا سواه الشرط الثالث : أن ينضم إلى لبسه عمل آخر من أعمال ديانتهم كمشي إلى الكنيسة أو تعظيم للصليب أو نحو ذلك فإن لبسه ولم يفعل ذلك فإنه لا يكفر على الراجح ومثل الزنار في حكم لبس كل ما يختص بالكافر من الملابس
هذا وقد ذكر المالكية وراء ذلك أمورا مكفرة : منها القول بقدم العالم بالزمان فإن ذلك يقتضي أن يكون مكرها على إيجاد العالم لأنه يكون علة فيه والعلة مكرهة على إيجاد معلولها ووصف الإله بالإكراه نقص ومن وصف الإله بصفة نقص فقد كفر وظاهر كلامهم أن من قال كلمة لا يقصد بها نقصا فإنه لا يكفر . ومنها السحر فإنه يوجب الكفر وقد اختلفوا في تفسيره وحكمه فقال بعضهم : إنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى وتنسب إليه مقادير الكائنات وهو بهذا المعنى ردة ظاهرة وذلك لأن المراد بالكلام العبارات التي يقولها الساحر تعظيما للشياطين ويوقع في عقائد الناس أو هو يعتقد أنها هي المؤثرة في الكائنات ومن ذلك ما يفعله بعض فاسدي الأخلاق المدعين للسحر من وضع المصحف تحت قدمه عند قضاء حاجته أو إهانة الملائكة بالسب فإن ذلك من أشنع الكفر وأرذله وقال بعضهم في تفسيره : إنه أمر خارق للعادة ينشأ عن سبب معتاد وقوله : عن سبب معتاد أخرج به المعجزة والكرامة لأن سببهما غير معتاد وعلى هذا إن كان السبب هو العبارات الفاحشة التي يعظم بها الشياطين والأعمال المنكرة التي يهان بها الدين فإنه يكون ردة قبيحة بلا كلام وإن كان بالعبارات الخالية من ذلك كالأسماء الإلهيه ونحوها فإنه يفصل فيه إن ترتب عليه ضرر لمظلوم غافل . أو إساءة إلى بريء في نفس أو مال فإنه يكون محرما ويؤدب فاعله وإلا فلا
وعلى هذا يكون السحر المكفر هو العبارات أو الأفعال الشاذة التي ذكرناها بقطع النظر عما يترتب عليها من الآثار الضارة فهي بطبيعتها من أقبح أنواع الكفر . كما ذكرنا أما الأضرار التي تترتب على السحر الذي يكون بالوسائل الصحية كالأسماء الإلهية والأعمال الخالية من سب الدين أو إهانته فإنها توجب تأثيم فاعلها إثما كبيرا إن ترتب عليها ضرر وإذا ظهر أمره يؤدب وهذا المعنى المراد للفقهاء من السحر واضح جلي لا يحتاج إلى كبير فلسفة في بيان معنى السحر ووسائله ولعل هذا المراد بقوله تعالى : { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } فالمراد بالسحر العبارات الفاسدة والأعمال المنكرة التي ترضي الشياطين فتعمل من الخبائث ما هو داخل تحت قدرتها
وأما حكم الساحر الكافر فقد اختلف فيه على قولين : أحدهما أن يقتل حدا لا كفرا كالزنديق ومعنى ذلك أنه لا يستتاب وإذا تاب لا تقبل توبته لأن الزنديق - وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر - لا تقبل توبته وميراثه لورثته المسلمين بخلاف المرتد كما تقدم . ثانيهما : أنه إذا أظهر السحر طلب منه التوبة والرجوع إلى الإسلام كالمرتد فإن أبى قتل ولا يقتل حتى يثبت أنه قال أو فعل سحرا مكفرا ولا يقتله إلا الإمام واعلم أن الزنديق الذي لا تقبل توبته هو الذي يخفي الكفر كالمنافق ثم يطلع عليه الشهود العدول وهو غافل أما الذي يظهر زندقته ويجيء تائبا وحده فإن توبته تقبل والفرق ظاهر لأنه في الحالة الأولى لا يمكن الوثوق به إذ لعله يظهر التوبة في العلانية وهو مستمر على حاله في السر
ومن الأمور المكفرة التي لا تقبل التوبة عند المالكية سب النبي صلى الله عليه و سلم أو التعريض بمقامه الكريم ولا ينفع فيه أن يقول : إنه لم يتعمد . أو كان غضبانا فلا يدري أو كان متهورا في كلامه فسبق لسانه أو غير ذلك فمن وقع منه شيء من ذلك قتل حدا لا كفرا فلا يسقط عنه القتل بالتوبة والرجوع إلى الإسلام لأن سب النبي صلى الله عليه و سلم جزاؤه الإعدام حدا والحدود لا تسقط بالتوبة ومثل ذلك ما إذا سب معصوما من الأنبياء والمرسلين والملائكة وإذا سب هؤلاء اليهودي أو النصراني فإنه يقتل أيضا ما لم يسلم لأن الإسلام يجب ما قبله أما من سب من لم يجمع على نبوته أو على كونه من الملائكة كهاروت وماروت ومريم وآسية وذي القرنين ولقمان وخالد بن سنان فلا يكفر ولكن يؤدب لأنه فعل محرما
الشافعية - قالوا : في الجواب عن الأول والثاني : إذا ارتد الزوجان أو أحدهما فلا يخلو إما أن تكون الردة قبل الدخول أو بعد الدخول فإن كانت قبل الدخول انقطع النكاح بينهما حالا لعدم تأكيد النكاح بالدخول وإن كانت بعد الدخول فإن النكاح لا ينقطع حالا فتقف الفرقة بينهما فإن أسلما أو أسلم المرتد منهما قبل انقضاء عدة المرأة دام النكاح بينهما وإلا انقطع النكاح من حين الردة سواء أسلما بعد انقضاء العدة أو أسلما في نهاية جزء منها بحيث يكون الإسلام مقارنا لانقضاء العدة أو يسلما ولا فرق في ذلك بين أن تكون المرتدة الزوجة أو يكون المرتد الزوج وليس معنى هذا أنهما يؤخران حتى تنقضي عدة الزوجية كلا فإنك ستعلم أنهما يعاقبان على الردة فورا بل هذه صورة فرضية بمعنى أنه لو فرض بقاؤهما من غير قتل أو إسلام إلى قبل انقضاء العدة وأسلما بقي النكاح بينهما مستمرا والمراد بالدخول هنا الوطء سواء كان في القبل أو الدبر أو ما يقوم مقامه وهو إدخال مني الرجل في فرجها بغير وطء كأنبوبة ونحوها ولا يلزم من عدم انقطاع النكاح بقاء ملك النكاح كما هو بحيث يحل وطؤها كلا بل يحرم وذلك لتزلزل ملك النكاح بالردة ولكن لا يحدان بالوطء في هذه الحالة لشبهة بقاء العقد بل يعزران لارتكاب الحرام ويحب العدة من أول هذا الوطء [ يتبع . . .] [ تابع . . . 2] : - إذا ارتد أحد الزوجين عن دينه أو ارتدا معا . فإنه يتعلق بذلك أمور :
وكذلك يقف تصرف الزوج المتعلق بعقد الزواج من ظهار أو إيلاء أو طلاق فإن أسلما قبل انقضاء العدة نفذ وإلا فلا وإذا ارتدت المرأة لا يكون لها حق في نفقة العدة حتى ولو أسلمت في أثنائها أما إذا ارتد الزوج كان لها الحق في النفقة ولا يحل لأحد أن يتزوج المرتدة سواء كان مسلما أو غيره
وأما الجواب عن السؤال الثالث فهو أن الردة فسخ لا طلاق فلا تنقص عدد الطلاق الثلاث على أي حال وأما الجواب عن السؤال الرابع فهو أن المرتد لا يورث فإذا ارتد أصبح ملكه للمال موقوفا فإن هلك وهو مرتد زال ملكه نهائيا وإن أسلم لم يزل ملكه عنه فيظهر زوال الملك بالهلاك وهو مرتد ويظهر عدمه بالإسلام وإذا هلك وهو مرتد أصبح ماله فيئا لبيت مال المسلمين لا فرق في ذلك بين أن يكون قد كسبه في زمن إسلامه أو كسبه بعد ردته خلافا للحنفية ووفاقا للمالكية ويقضي دينه الذي استدانه قبل الردة ويدفع منه بدل ما أتلفه فيها وتعطى مؤنة أولاده وأزواجه ويطعم منه هو قبل هلاكه أما تصرفه فإن كان في أمر لم يقبل التعليق كالبيع والرهن فإنه يقع باطلا وإن كان في أمر يقبل كالوصية فإنه يقع موقوفا فإن أسلم نفذ وإلا بطل كما ذكرنا في طلاقه وظهاره وتحرم ذبيحته بخلاف ما إذا كان كافرا بحسب الأصل فإنها لا تحرم وكما أنه لا يورث فكذلك لا يرث حتى ولو أسلم بعد الردة
أما الجواب عن السؤال الخامس فهو معلوم مما تقدم وهو إن طلقها قبل الدخول وكانت الردة من قبلها فلا شيء لها وإن كانت من قبله فلها نصف المهر وأما بعد الدخول فإن المهر لا يسقط بأي حال وقد تقدم ذلك مفصلا في مباحث الصداق
وأما الجواب عن السؤال السادس فهو أن المرتد يطلب منه أن يتوب حالا بدون إمهال فإن لم يقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن واو العطف تقوم مقام تكرر الشهادة ولا يكفي أن يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله
وأما الجواب عن السؤال السابع فهو أن كل ما ينافي الإسلام ويقطعه سواء كان قولا أو فعلا أو نية فإنه يكون ردة يجزى عليها فاعلها الجزاء المتقدم لا فرق بين أن يصدر عنه ذلك استهزاء أو عنادا أو اعتقادا فمثال القول أن يقول الله ثالث ثلاثة أو يقول كلمة عيب في حث الذات العلية أو في حق رسول الله أو نحو ذلك ومن ذلك ما إذا قال لمسلم : يا كافر وأراد رميه بالكفر حقيقة لأن من كفر مسلما كفر ومثال الفعل أن يسجد لصنم أو يلقي مصحفا في قاذورة ولو طاهرة ولو آية منه وكذا إذا ألقى كتابا شرعيا بقصد السخرية والاستهزاء ولا يضر أن يمسح اللوح بالبصاق كما يفعل صبية المكاتب لأن الغرض من هذا تسهيل المسح ومثال الردة بالنية أن يعزم على الكفر بعد ساعة أو غد فإنه بذلك يكفر فورا فإن تاب عاد له إسلامه كما كان حتى ولو كان بسبب التعريض بمقام الرسول الكريم خلافا للمالكية ووفاقا للحنفية وإذا قامت قرينة على أنه لا يقصد الاستهزاء كما إذا كان خائفا أو سبق لسانه أو كان غافلا فإنه لا يكفر وإذا سجد لمخلوق فإن كان يقصد تعظيمه كتعظيم الإله فإنه يكفر وإلا فلا ولا شيء في التحية بالانحناء ونحوها . لأن الغرض من هذا مجرد الاحترام لا العبادة
وأما السحر فهو عبارة عن التكلم بعبارات أو القيام بأعمال تنشأ عنها أمور خارقة للعادة كما عرفه المالكية وهو أمر حقيقي لا خيالي فإن الواقع يؤيد ذلك خلافا لمن قال : إنه خيالي فليس في العالم شيء من هذا القبيل وعلى كل حال فالنظر إما أن يكون إلى آثاره أو إلى العبارات والأفعال التي تترتب عليها تلك الآثار فإن كانت هذه العبارات وتلك الأفعال مكفرة كان السحر كفرا وإن كانت الآثار المترتبة عليها ضارة بالناس كانت حراما وينبغي أن يكون هذا المعنى متفقا عليه وهو حسن
الحنابلة - قالوا : في الجواب عن السؤال الأول والثاني هو أنه إذا ارتد الزوجان معا فلم يسبق أحدهما الآخر بأن سجدا لصنم . أو صليب في آن واحد فإن وقع ذلك قبل الدخول انفسخ النكاح وكذلك إذا ارتد أحدهما دون الآخر وإن وقع ذلك بعد الدخول وقعت الفرقة بينهما فلا ينقطع النكاح إلا إذا انقضت العدة فإن عاد المرتد إلى الإسلام قبل انقضائها فالنكاح باق على حاله وإلا تبين فسخه من وقت الردة ويمنع الزوج من وطئها لأن ههنا حالتين : حالة إباحة بعقد الزواج وحالة حظر بالردة فتغلب حالة الحظر على حالة الإباحة فإن وطئها الزوج في حال وقف النكاح فإنه لا يحد لشبهة الإباحة ولا كفارة عليه ولكن يعذر لأنه فعل معصية لا حد لها ولا كفارة فيكون جزاؤه التعزير ثم إن ارتدت هي وحدها فلا نفقة لها أما إذا ارتد هو فعليه نفقتها ومثل ذلك ما إذا ارتدا معا
وأما الجواب عن الثالث فإن الردة فسخ لا طلاق كما هو ظاهر
وأما الجواب عن الرابع فإن مال المرتد يقف بالردة ولكن لم يزل ملكه عنه وإنما يحجر عليه فلا يصح له أن يتصرف فيه ببيع وهبة ووقف وإجارة فإن هلك قبل الإسلام أصبح ماله فيئا للمسلمين ولكن يقضى منه دينه فلا يرثه أحد وإن رجع إلى الإسلام رفع الحجر عنه وأصبح ماله كما كان وينفق من ماله عليه وعلى من تلزمه نفقته في حال وقفه وكما أن المرتد لا يورث فكذلك لا يرث من باب أولى إذا أسلم قبل الميراث فإنه يرث ثم إن المرتد يصح له أن يملك في حال ردته كما إذا وهب له أحد شيئا كغيره ويكون حكم ما ملكه كحكم ماله الأصلي فيوقف إلى أن يسلم
وأما الجواب عن السؤال الخامس فهو أن المهر قبل الدخول يسقط إن كانت الردة من قبلها بأن ارتدت وحدها . أو ارتدت مع زوجها وإن كانت الردة من قبله هو كان لها نصف المهر أما بعد الدخول فلا يسقط شيء من المهر سواء كانت الردة من قبلها أو من قبله كما مر وتطالب به إن لم تكن قد قبضته
هذا وإذا وطئ المرتد زوجته بعد ردته وقبل أن يسلم كان لها مهر المثل بذلك الوطء إن دام الزوج على الردة أما إذا أسلم فلا شيء لها
أما الجواب عن السادس فهو أن عقاب المرتد سواء كان رجلا أو امرأة القتل إن لم يتب ويرجع إلى الإسلام لقوله صلى الله عليه و سلم :
من بدل دينه فاقتلوه
رواه الجماعة إلا مسلما وتطلب منه التوبة مدة ثلاثة أيام ثم يقتل بعدها إن أبى
أما الجواب عن السؤال الأخير فإن الأمور المكفرة تنقسم إلى قسمين : أحدهما أقوال تقتضي الخروج من الإسلام كأن يقول : الله ثالث ثلاثة . أو يقول : إنه يعبد الصنم . أو يعبد البشر أو البقر أو يقول : إن الله غير موجود أو يقول : إن إبراهيم ليس برسول ومثل ذلك ما إذا أنكر رسالة رسول ذكره القرآن الكريم أو قال : إن الله لم ينزل توراة ولا أنجيلا أما إذا قال : إن التوراة والإنجيل اللذين من عند الله فقدتا ولم يبق منهما شيء فهو صحيح لا شيء فيه أو قال : إن الإنسان لا يبعث وأنكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة كاملا كالصلاة والصيام والحج والزكاة أو أحل حراما كالزنا واللواط فإن كل ذلك أقوال توجب الردة . ثانيتهما : أفعال كذلك ومنها أن يسجد لصنم أو يلقي مصحفا في قاذورة ونحو ذلك أما لبس الزنار ونحوه من ملابسهم الخاصة فإنها حرام لا تكفر متى كان فاعلها يقر لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ومثل ذلك ما إذا لبس صليبا لا بقصد التعظيم
ومن استحل حراما وهو يتأوله فإنه لا يكفر كالخوارج الذين استحلوا قتل علي فإنهم لا يكفرون لاعتقادهم أن ذلك يوجب الزلفى إلى الله ويرفع المشاكل بين المسلمين وكذلك لا يكفر من حكم كفرا سمعه
ولا تقبل توبة من سب الله تعالى أو سب رسولا أو ملكا صريحا بل يقتل حدا وفاقا للمالكية وخلافا للشافعية والحنفية وكذا لا تقبل توبة الزنديق وهو من أظهر الإسلام وأبطن الكفر على أن القائلين بعدم قبول توبة هؤلاء قد أجمعوا على أن التوبة تنفعهم في الآخرة إن كانوا فيها مخلصين . وكذلك لا تقبل توبة من تكررت ردته



مباحث القسم بين الزوجات في المبيت و النفقة ونحوهما تعريفه


- القسم - بفتح القاف - معناه لغة مصدر قسم قسما كضرب ضربا أي فرق الأنصباء وأعطى كل واحد نصيبا أما القسم - بكسر القاف - فهو نفس النصيب يقال : هذا قسمي من الأرض أو الزرع أو الحب أي نصيبي وحصتي ويجمع بالكسر على أقسام كحمل وأحمال
وأما معناه في اصطلاح الفقهاء فهو العدل بين الزوجات في البيتوتة ولو كتابية مع مسلمة فإن كن كلهن حرائر سوى بينهن بحيث يبيت عند كل واحدة مثل ما يبيت عند ضرتها وإن كان بينهن أمة [1] فللحرة ضعف ما للأمة بأن يبيت عند الحرة ليلتين وعند الأمة ليلة وهكذا أما النفقة من مأكول ومشروب وملبوس وسكنى فلا تجب التسوية بينهن فيها بل يجب لكل واحدة منهن نفقة مثلها اللائقة بحالها فلا يحل الجور على واحدة منهن في ذلك بحيث لو أنقص واحدة منهن عن نفقة مثلها كان حراما عليه ثم بعد أن يعطي كل واحدة منهن حقها اللائق بها جاز له أن يميز ضرتها بما يحب لأنه في هذه الحالة يكون متبرعا ولكن ينبغي أن ينظر إلى ما عساه أن يترتب على ذلك من فساد وفتن فإن كان ذلك يفضي إلى شقاق بين الأسرة وتولد الأحقاد والضغائن بينها وإيجاد النفرة والعداوة بين الأولاد فإنه لا يجوز له أن يفعله وإلا فإنه يجوز [2]




[1] المالكية - قالوا : الزوجة الأمة كالحرة في البيتوتة فلها مثلها .
[2] الحنفية - لهم رأيان في ذلك فبعضهم يرى أن المعتبر في النفقة حال الزوج بقطع النظر عن الزوجات وعلى هذا يجب أن يسوي بين الزوجات في النفقة أيضا والمراد بالنفقة ما يشمل المأكول والمشروب والملبوس والسكنى وبعضهم يقول : إن المعتبر في النفقة حال الزوجين معا فتقدر النفقة بحسب مقدرة الزوج ثم توزع عليهن بحسب حالهن فيعطى للفقيرة أقل من الغنية فالتسوية غير مطلوبة حتما فإذا سوى بينهن برضائهن فذاك وإلا قدرت للمرأة الغنية نفقة أكثر من نفقة الفقيرة وهذا القول هو المعتمد وعليه فلا يكون فرق بين الحنفية وبين غيرهم لأن الغرض انتفاء الجور وإعطاء كل واحدة حقها اللائق بها بدون جرر ومتى أدى لكل منهن حقها فإنه يكون حرا في زيادة من يشاء منهن بعد ذلك
المالكية - لهم رأيان في الزيادة فإذا أعطى لكل واحدة منهن حقها في نفقة مثلها ثم وسع على واحدة منهن دون الأخرى بعد ذلك فقيل : يصح وقيل : لا والمعتمد أنه يصح وهو المعروف في مذهب مالك



حكم القسم ودليله وشرطه

- والقسم المذكور واجب فيفترض على كل واحد مستكمل للشروط الآتية أن يقسم بين زوجاته في البيتوتة ودليل ذلك قوله تعالى : { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة } فقد أمر الله سبحانه بالاقتصار على الزوجة الواحدة عند الخوف من عدم العدل فدل ذلك على أن إقامة العدل واجبة سواء قلنا : إن الاقتصار على الواحدة عند الخوف من إقامة العدل واجب كما هو الصحيح أو قلنا : إنه مندوب أما الأول فظاهر لأنه إذا كان مجرد الخوف من إقامة العدل بين الاثنتين جعل الجمع بينهما محرما فتكون إقامة العدل بينهما واجبة فلا تردد أما الثاني فلأنه إذا كان مجرد الخوف من إقامة العدل جعل الجمع بين الزوجات مكروها كان العدل بينهن واجبا لأن الذي يخاف المكلف من تركه إنما هو الواجب إذ لو كانت إقامة العدل بينهن مندوبة لما خاف أحد من تركها لأن الإنسان يخاف من العقاب والمندوب لا عقاب عليه
وأما شروطه فثلاثة : أحدها : العقل فلا يجب القسم على المجنون أما المجنونة فإنه يجب لها القسم إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكن وطؤها وإلا فلا
ثانيها : أن يكون مراهقا [1] يمكنه أن يطأ وتلتذ به النساء فإن كان طفلا فإنه لا يجب عليه القسم وكذا إذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء فإنه لا يجب لها القسم . أما التي تطيق فإنه يجب لها كالكبيرة بلا فرق فإن جار المراهق كان إثمه على وليه لأنه هو الذي زوجه وهو الذي احتمل مسؤوليته في ذلك فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن
ثالثها [2] : أن تكون المرأة غير ناشزة فلو كانت خارجة عن طاعة زوجها فلا حق لها في القسم ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء سواء كان قائما بالمرأة كحيض . أو نفاس . أو رتق . أو مرض . أو كان قائما بالرجل كما إذا كان مجبوبا . أو عنينا . أو مريضا لأن الغرض من المبيت الأنس لا الوطء لما عرفت من أن الوطء غير لازم فإذا كان مريضا مرضا لا يستطيع معه الانتقال أقام عند من يستريح لتمريضها وخدمتها




[1] المالكية - قالوا : يشترط أن يكون الزوج بالغا أما الزوجة فلا يشترط لها البلوغ بل يكفي أن تكون مطيقة للوطء كما هو الحكم عند غيرهم
[2] الحنفية - زادوا شرطا رابعا وهو أن لا يكون مسافرا فلا قسم في السفر كما يأتي قريبا



مبحث لا تجب المساواة بين الزوجين في الحب القلبي وما يترتب عليه من شهوة

- كما لا تجب التسوية في النفقة كذلك لا تجب في الوطء والميل القلبي لأن ذلك ليس في اختيار الإنسان وإنما هو تابع لحالة طبيعية فقد تنبعث شهوته إلى واحدة دون الأخرى وقد يتعلق قلبه بواحدة من حيث لا يدري وهذا هو معنى قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل } فالمراد نفي الاستطاعة التي ليست في اختيار الإنسان من المحبة القلبية وما يترتب عليها من استمتاع . أما ما عدا ذلك من إقامة العدل في المبيت وإعطاء كل واحدة نفقة مثلها بدون جور فإنه مستطاع من كل أحد فلذا كان صلى الله عليه و سلم يتحرى الدقة في العدل بين نسائه في هذا ويقول : " اللهم ان هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " ولكن ليس معنى هذا أن الرجل يترك إحدى زوجاته بدون وطء فيعرضها للخنا والفساد فإنه إن فعل ذلك فقد ارتكب إثما بل يجب على الزوج أن يعف زوجته ويصرفها عن التعلق بغيره وإن لم يستطع وجب عليه أن يسرحها وهل للزوجة الحق في طلب إعفافها ؟ وإذا طالبته فهل يقدر لها القاضي قدرا معينا ؟ وكذلك هل لها أن تشكو كثرة استعمالها إذا تضررت منه ؟ وهل يقدر القاضي له قدرا معينا أو لا في ذلك تفاصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : إذا كان الرجل متزوجا بامرأة واحدة ولم يبت عندها لاشتغاله بالعبادة أو بجواريه كان لها الحق في طلب المبيت عندها ولا يقدر ذلك بمدة معينة في الأسبوع على الراجع بل القاضي يأمر أن يبيت عندها ويصحبها من وقت لآخر بحيث لا تشعر بغيبة طويلة عنها وقدر لها بعضهم كل أربعة أيام ليلة ولكنهم قالوا : إن هذا ضعيف والمعتمد الأول
أما الوطء فليس لها حق في المطالبة به إلا مرة واحدة ولكنه يفترض عليه ديانة أن يعفها وإلا كان من الآثمين على أن بعض الحنفية يرى أنه يجب الحكم لها عليه قضاء بما يعفها فكما يجب لها القضاء بالبيتوتة عندها من وقت لآخر بالقدر الذي يراه القاضي صالحا وكذلك يجب لها الحكم بالوطء من وقت لآخر بما يراه القاضي كافيا في إعفافها وهو حسن أما إذا اشتكت من كثرة استعمال الرجل إياها . فإنه يقضي لها بأن لا يجامعها فوق طاقها ولا يقدر ذلك بعدد بل الرأي فيه للقاضي أيضا فيقضي بما يغلب على ظنه أنها تطيقه وهذا يتبع غالبا الصحة والسمن ونحو ذلك نعم قد توجد نحيفة تطيق أكثر من سمينة لأسباب داخلية ولكن هذا غير الغالب على أنه ينبغي للقاضي أن يسألها عما تطيق ويكون لها القول بيمينها وأيضا فإنه يصح على امرأتين لهما خبرة بأحوال النساء بأن يكونا طبيتين وقد صرحوا بجواز ذلك فيما إذا كانت صغيرة لا تطيق وادعى الزوج أنها تطيق فلتكن هذه مثلها ومثل ذلك ما إذا كان للرجل آلة كبيرة تتصرف المرأة منها أو لا تطيقها فإنها لا تسلم له إلا إذا قررت الخبيرات من النساء ذلك
المالكية - قالوا : يترك أمر الوطء لسجية الرجل وطبيعته فلا يكلف أن يطأ إحدى زوجاته مثل ما يطأ الأخر ولكن بشرط أن لا يتعمد الانصراف عن إحداهن ليوفر قوته للأخر التي يتلذذ بها أكثر فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه ميلا لوطئها وقدرة عليه ولكنه امتنع ليوفر للأخر التي اجمل منها مثلا كان ذلك محرما لأنه إضرار بها عن عمد منه حتى ولو لم تتضرر بالفعل
فإن كان له زوجة واحدة وتركها بدون وطء ورفعت أمرها للقاضي فإنه يقضي لها به في ليلة من أربع ليال على الأرجح لأن له تزوج ثلاث سواها . أما إذا شكا الرجل قلة الوطء . أو شكت هي كثرته فإنه يقضي عليها بما تقدر عليه على الصحيح كالأجير على الخدمة فلا يتقيد بأربع مرات في اليوم والليلة . ولا أكثر . ولا أقل وقد يقال : لماذا نظر في جانب المرأة إلى طاقتها فلا يقضي بما لا تستطيع وقضي على الرجل بمقدار معين وهو أنه يجامع في كل أربع ليال ليلة على أن المالكية قد نقلوا عن عمر بأنه قضى بمرة في الطهر ليحبلها وهذا معقول عند النزاع فلماذا لم يعمل به ؟ اللهم إلا أن يقال : إن هذا التقدير مشروط بكون الرحل شابا جلدا يستطيع أن يأتي في الجمعة مرتين بحيث لا يضره ذلك وإلا نظر لحاله أيضا ولكنهم لم يصرحوا بذلك على أن المالكية لا يفرقون بترك الوطء بعد أن يطأ الزوج مرة خلافا للحنابلة
الحنابلة - قالوا : لا يجب على الرجل أن يسوي بين زوجاته في الوطء ومقدماته من لمس وقبلة ونحو ذلك كما لا يجب عليه أن يسوي بينهن في النفقة والكسوة والشهوة بحيث يشتهي هذه كما يشتهي تلك ويجب عليه أن يطأ زوجته في كل أربعة اشهر مرة إن لم يكن عدد وهي مدة الإيلاء فإذا حلف أن لا يقرب زوجته وجب عليه أن يطأها بعد أربعة أشهر فعلم منه أن الوطء واجب بعد أربعة أشهر ومعنى هذا أن الاستمتاع حق مشترك بين الزوجين ولهذا لا يصح له أن يعزل منيه فينزل في الخارج بدون إذنها فإن لم يقدر الزوج على وطئها كل أربعة أشهر مرة فرق القاضي بينهما
الشافعية - قالوا : لا يجب على الزوج أن يسوي بين زوجاته في الوطء ولا في الاستمتاع بمقدماته ولا في الكسوة والنفقة بل يؤدي لكل واحدة منهن نفقة مثلها المطلوبة منه . وما وراء ذلك فلا قسم فيه ولكن التسوية في هذا تسن وليس للمرأة الحق في مطالبة الرجل بالوطء على الراجح لأن عقد النكاح واقع على أن يستمتع الرجل بها فالمعقود عليه المرأة لا الرجل وعلى هذا فالوطء حقه وقد تقدم هذا مفصلا في تعريف النكاح أول الكتاب وهذا لا ينافي أن لها الحق في فسخ العقد إذا كان الرجل مجبوبا ولو حدث له الجب بعد وطئها وكذا إذا كان عنينا قبل أن يطأها مرة لأن بين الأمرين فرقا ظاهرا لأنها في بقائها مع من لا يرجى منه وطء يأس تام أما السليم الصحيح فإن طمعها فيه لا ينقطع



كيفية القسم وما يترتب عليه

- للزوج أن يقسم بينهن بحسب حاله فإن كان ممن يعمل لقوته بالنهار قسم بالليل وإن كان ممن يعمل بالليل كالحارس وغيره قسم بينهن بالنهار ثم إن تراضوا على مدة معينة كأن يكون لهذه جمعة وللأخر مثلها فذاك وأن لم يتراضوا ففي ذلك تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : للرجل أن يقدر المدة التي يقيمها عند إحداهن ولكن يشترط أن لا تزيد على أربعة أشهر وهي الإيلاء لأنه حلف أن لا يقرب امرأته ينتظر هذه المدة وعندها تبين منه إن لم يطأها فلو لم تكن هذه المدة هي التي تتضرر المرأة عند مجاوزتها لما حكم الشارع بإبانتها عندها وأيضا قد روي عن عمر أنه سأل ابنته حفصة كم تصبر المرأة عن الرجل ؟ فقالت : أربعة أشهر فأمر القواد أن يصرفوا من كان له أربعة أشهر فإن قلت : إن الحنفية لا يوجبون الوطء على الرجل إلا مرة واحدة في العمر فكيف يجتمع هذا مع قولهم إن المرأة لا تصبر عن أكثر من أربعة أشهر ؟ قلت إن الحنفية يقولون ذلك على أن الرجل غير ملزم قضاء عند التنازع كما يأتي في الصحيفة التي تلي هذه والأفضل أن يقسم الزوج بينهن بما يزيل الوحشة بحيث لا يتركها مدة تتألم فيها وليس للرجل أن يذهب في ليلة إحداهن إلى الأخر فلو ذهب إلى غير صاحبة النوبة بعد الغروب يأثم أما في النهار فلا مانع أن يذهب إلى غير صاحبة النوبة ولكن ليس له أن يجامعها في غير نوبتها مطلقا وله أن يدخل إليها لعيادتها إن كانت مريضة وإذا اشتد بها المرض كان له أن يقيم عندها حتى تشفى إذا لم يكن عندها من يؤنسها وإذا ذهب إلى الضرة ومكث عندها أو وطئها في نوبة الأخرى فإنه لا يقضي
المالكية - قالوا : إذا كان مقيما في بلدة واحدة مع زوجاته وجب عليه أن يقسم بيوم وليلة بدون زيادة ولا نقص إلا إذا تراضوا غير ذلك ومثل ذلك ما إذا كان بعض زوجاته مقيما ببلدة قريبة من بلدته بحيث تكون البلدتان في حكم الواحدة أما إذا كان في بلدة بعيدة فله أن يقسم بالجمعة أو الشهر حسب الحالة ويحرم على الزوج أن يدخل على ضرتها في يومها ليستمتع بها أما إذا دخل لقضاء حاجة غير ذلك فإنه يجوز ولو أمكنه أن يرسل آخر لقضائها ويندب أن يجعل القسم ليلا إلا إذا كان قادما من السفر فإنه مخير فيما يفعل
الشافعية - قالوا : أقل نوب القسم ليلة لهذه وليلة للأخرى فلا يجوز ببعض ليلة ولا ببعض هذه الليلة وبعض الليلة التي تليها لأن في ذلك خلطا وتشويشا والأفضل أن يقسم بليلة وليس له أن يزيد على ثلاثة أيام إلا إذا تراضوا لما في الزيادة من طول العهد بينهن ويجب أن يقرع بينهن فيما يبدأ بها فإذا خرجت القرعة لواحدة بدأ بها وبعد تمام نوبتها يقرع بين الباقيات فإذا تمت النوب جرى على هذا الترتيب
وإذا كان القسم بينهن نهارا لمن عمله بالليل . كالحارس ونحوه حرم عليه أن يدخل على ضرتها بالنهار إلا لضرورة كمرضها المخوف أما إذا كانت مريضة مريضا عاديا فلا أما بالليل فله أن يدخل لقضاء حاجة وله أن يستمتع بها بشرط أن لا يطأها فإن وطئها في نوبة ضرتها حرم . ومثل هذا ما إذا كان القسم بينهن ليلا لمن كان عمله بالنهار فإنه يحرم عليه أن يدخل على ضرتها بالليل لغير ضرورة وله الدخول بالنهار والاستمتاع بغير وطء وقد يعبر عمن كان قسمه بالنهار بأن النهار أصل والليل تبع وعمن كان قسمه بالليل بأن الليل أصل والنهار تبع فأما الأصل سواء كان الليل أو النهار فإنه لا يجوز له أن يدخل إلا لضرورة كعيادتها لمرض مخوف ولا يجوز له أن يطيل المكث فإن طال قضى لضرتها الوقت كله سواء كان الليل أو النهار . وأما التبع فإنه يجوز له أن يدخل لحاجة وإن لم تكن ضرورية فإن طال زمن قضاء الحاجة بطبيعته فلا يقضي لها شيئا وإن طال هو عمدا فإنه يقضي للزوجة الأخر ما زاد على قضاء الحاجة وإذا وطئها فلا يقضي الوطء لأنه تابع الداعية والنشاط وقد يوجد لإحداهن دون الأخرى ولكنه يرتكب محرما بالوطء
الحنابلة - قالوا : يجب أن يكون القسم ليلة وليلة بحيث لا يزيد عن ذلك إلا إذا تراضوا عليه وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت العادة به قضاء حقوق وواجبات وصلاة ونحو ذلك وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى لأن في ذلك إجحافا بحقها أما إذا اتفق على ذلك لا يضره ويحرم عليه أن يدخل إلى ضرتها في نوبتها لا في الأصل ولا في التبع فإن كان القسم ليلا حرم عليه الدخول في الليل والنهار ولكن لا يجوز له أن يدخل بالليل إلا إذا كانت محتضرة وتريد أن توصي إليه ونحو ذلك من النوازل الخطيرة أما بالنهار فإنه يجوز له أن يدخل لحاجة كسؤال عن أمر يريد معرفته بشرط أن لا يمكث طويلا فإن مكث قضي اليوم لضرتها وكذلك إذا جامع فإنه يجب عليه أن يقضي الجماع خلافا للشافعية



مبحث حق الزوجة الجديدة في القسم وتنازل المرأة عن حقها فيه

- إذا تزوج جديدة فإذا كانت بكرا كان لها الحق في المبيت عندها أسبوعا نافلة لها بحيث لا يحتسب عليها . وإن كانت ثيبا كان لها الحق في المبيت عندها ثلاث ليال فإذا انتهت مدة إقامته عند الجديدة عاد إلى القسم بين زوجاته على التفصيل المتقدم [1] ولا فرق بين أن تكون الجديدة أمة تزوجها على حرة . أو حرة لخبر ابن حيان في صحيحه " سبع للبكر وثلاث للثيب " وفي الصحيحين عن أنس أن السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ثم قسم
وللزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها في مقابل مال تأخذه منها . أو بدون مقابل وإذا تنازلت لها ثم رجعت فإن رجوعها يصح وفي ذلك تفصيل المذاهب [2]




[1] الحنفية - قالوا : لا اسستثناء لإحدى الزوجات في المبيت بل الجديدة والقديمة والبكر والثيب سواء فلو تزوج بكرا جديدة أو ثيبا جديدة ابتدأ المبيت عندهما سبع ليال للبكر وثلاث ليال للثيب ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة وذلك هو معنى الحديث لأن الحديث لا يدل على عدم التسوية في القسم وإنما يدل على البدء بالدور ومن المعقول أن يجعل للجديدة أول الدور ويؤيد ذلك قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل } فقد رفع عن الناس المؤاخذة فيما لا اختيار لهم فيه وهو الميل القلبي ونهاهم عن الميل الذي في اختيارهم وهو القسم مطلقا بدون استثناء للجديدة .
[2] الحنفية - قالوا : في التنازل عن القسم في نظير مال تأخذه من ضرتها . أو من الزوج خلاف فبعضهم يرى صحة التنازل وبطلان الشرط فلو تنازلت ليلتين مثلا ولم ترجع فيهما سقط حقها وليس لها أن تطالب بأخذ المال فإذا رجعت في تنازلها قبل قضاء الليلتين كان لها الحق في الرجوع وبعضهم يرى أن لها الحق في المال المشترط لأنه عوض عن حق تنازلت عنه فينفذ والأول أرجح وإذا تنازلت لواحدة معينة كضرتها زينب مثلا فهل للزوج أن يتصرف في هذا التنازل ويجعله لفاطمة بدل زينب ؟ في هذا رأيان : الأول : أنه لا يصح له أن يتصرف . والثاني : أنه يصح والأول أرجح لأن النوبة حق المرأة وقد تنازلت عنها لضرتها فإما أن تأخذه الضرة أو تتركه وليس للزوج فيه حق وقد يقال : إن الغرض من البيتوتة الأنس والراحة والاستمتاع وكل هذا متبادل بين الزوجين فإذا تنازلت المرأة عن حقها بقي حق الرجل فله أن يتصرفه كما يجب ومع هذا فإننا إذا فرضنا أنه حق خاص بالمرأة قبل الرجل وقد وهبته لغيرها كان معنى ذلك أنها أسقطته عنه بدون إلزام له فله أن يمنحه للموهوب لها وله أن يمنحه لغيرها والجواب : أن هذا حق خاص بالزوجة وإذا وهبته أصبح حقا
للموهوب لها بدون مدخل للزوج فيه فإن شاءت أخذته وإن شاءت تركته وعلى هذا فلو تركته الموهوب لها لا يكون للزوج حق المبيت عندها وإذا رضيت الموهوب لها ليس للزوج رده خلافا للأئمة الثلاثة
المالكية - قالوا : يجوز للضرة أن تهب نوبتها لضرتها بشرط رضاء الزوج وتختص به الموهوب لها فلو أراد الزوج أن يتصرف بنقل الهبة إلى غيرها لا يصح وذلك لأنه أذن فيه فأصبح ملتزما به بخصوصه أما إذا وهبت نوبتها لزوجها فإنه يصح وحينئذ يكون له التصرف فيها فيصرفها لمن يحب من زوجاته ولها الرجوع في هبتها
وكما يجوز لها هبة نوبتها لضرتها . فكذلك يجوز لها أن تبيع نوبتها بعوض معين من مال وغيره لزوجها أو لضرتها ولكن لا يصح البيع للضرة إلا برضاء الزوج وإذا منع من البيع لا يلزمه أن يدفع لها الثمن ثم إذا اشترتها الضرة اختصت بها دون غيرها وإذا اشتراها الزوج كان له أن يخص بها من يشاء منهن وهل لإحدى الزوجات أن تشتري نصيب ضرتها في المبيت دائما أو جواز الشراء مقصور على نحو اليوم واليومين ؟ خلاف والمشهور أنه لا يجوز لها أن تبيع نصيبها دائما بل تبيع قليلا لا كثيرا ويجوز لها أن تتنازل عنها لضرتها بدون ثمن كما يجوز لها أن تعطي زوجها مالا لتبقى في عصمته أو ليدوم على حسن معاشرتها
الحنابلة - قالوا : للمرأة أن تهب حقها من القسم في جميع الزمان وفي بعضه لبعض ضرائرها أو لكلهن بإذن الزوج كما أن لها هبته للزوج فيجعله لمن شاء منهن ولو أبت الموهوب لها ما دامت الواهبة قد رضيت هي والزوج لأن الحق لا يخرج عنهما فقد ثبت أن سودة وهبت يومها لعائشة فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة . ولا تصح هبة نصيبها بمال خلافا للمالكية ووفاقا للشافعية فإن أخذت الواهبة عليه مالا لزمها رده لصاحبته . ويجب على الزوج في هذه الحالة أن يقضي لها الزمن الذي وهبته لضرتها لأنها إنما وهبته بشرط العوض ولم تأخذ العوض فحينئذ لها الرجوع فيما وهبته فإن كان العوض غير المال كإرضاء زوجها عنها جاز وبعض الحنابلة يقول : يجوز لها أن تأخذ عوضا ماليا في نظير تنازلها عن سائر حقوقها من القسم وغيره والأول هو المشهور وللواهبة أن ترجع في هبتها فيكون لها الحق في المستقبل أما الذي مضى فلا حق لها فيه
الشافعية - قالوا : للزوجة أن تهب نوبتها في المبيت لضرتها المعينة بشرط أن يرضى الزوج ولا يشترط رضاء الموهوب لها بل للزوج أن يبيت عندها ولو كرهت وكذا لها أن تهبه للجميع وإذا وهبته للجميع أخذت كل واحدة نصيبها فيه وإذا وهبته للزوج فله أن يخصص من شاء منهن به ولا يجوز للواهبة أن تأخذ بدل حقها عرضا فإن أخذته لزمها رده وكان لها الحق في قضاء ما تنازلت عنه من نوبتها وفاقا للحنابلة
وللواهبة الحق في الرجوع في هبتها متى شاءت فإذا رجعت كان لها الحق فيما بقي لا فيما مضى فلو قضى عند ضرتها الموهوب لها نصف الليلة الموهوبة مثلا ثم رجعت وجب عليه أن يخرج إليها إن لم يخف على نفسه فإن خاف كان عليه للواهبة نصف ليلة يقضيها لها
واعلم أنه إذا وهبت إحدى الزوجات ليلتها لضرتها لزمه قضاؤها في وقتها مثلا إذا كانت نوبتها ليلة الخميس فوهبتها لضرتها وكانت ليلة ضرتها ليلة الجمعة بات عند الضرة ليلتين متواليتين ولا يجوز له أن ينقلها من ليلة الخميس إلى ليلة الاثنين مثلا وذلك لأن ليلة الاثنين التي يريد أن ينقل إليها حق للضرة الثالثة وربما تتضرر من تغيير ليلتها . فإذا رضيت جاز وأيضا فإن للواهبة الحق في الرجوع فلو وهبت له ليلة الاثنين فلا يجوز له أن يقدمها إلى ليلة الجمعة إلا برضا إذ قد يعن لها أن ترجع عن هبتها فلو قدمها انقضت فلا يكون لها حق في الرجوع . أما إذا كانت ليلتها الجمعة وأراد أن ينقلها إلى ليلة الاثنين فإنه يجوز من غير رضاها لأنه يريد أن يؤخرها لها لتكون لها الفرصة في الرجوع إذا شاءت ولكن لا يجوز له النقل إلا برضاء الضرة الثالثة وعلى هذا القياس
هذا وقد نقل بعض محققي الحنفية هذا عن الشافعية فذكر أنهم يجيزون نقل الليلة الموهوبة بجوار ليلة الموهوب لها ليبيت عندها ليلتين متواليتين ورجع هو عدم الجواز لما يلحق الضرة الثالثة من الضرر ولكن الواقع أن الشافعية لم يجيزوا على الاطلاق بل اشترطوا رضاء الضرة ورضاء الواهبة بحيث لا يعود على واحدة منهن ضرر وهذا حسن ولا شيء فيه
ويتضح من هذا كله أن الأئمة الثلاثة يقولون بعدم أخذ العوض المالي في نظير هبة النوبة من المبيت وكذلك لا يجوز للزوجة بيع نوبتها لضرتها أو لزوجها بعوض مال خلافا للمالكية القائلين بالجواز ولكن الحنابلة والحنفية لهم رأيان في هذا والراجح عدم الجواز كما عرفت أما الشافعية فإنه لا خلاف عندهم في عدم الجواز



مبحث هل لمن يريد السفر أن يختار من تسافر معه من زوجاته ؟

- وإذا سافر المتزوج أكثر من مرة واحدة فلا يخلو إما أن يكون مسافرا سفر انتقال من بلدة إلى أخرى ليستوطن بها أو مسافرا سفرا مؤقتا لقضاء حاجة فإن كان الأول فإنه لا يجوز له أن يترك بعضهن ويأخذ البعض الآخر لما في ذلك من المضارة للباقيات فإذا كان لا يستطيع أن يعيش معهن جميعا في البلدة المنقول إليها وجب عليه أن يسرح منهن البعض الذي لا يريده وإلا وجب عليه أن يقرع بينهن ويأخذ معه من عليها القرعة على أن تمكث معه زمنا ثم يعيدها ويأخذ غيرها لتمكث معه مثل الزمن الذي قضاه مع ضرتها وهكذا أما ما اعتاده بعض الناس الذين يتزوجون أكثر من واحدة في بلاد الأرياف ثم ينزحون بواحدة منهن إلى مصر ويتركون الباقيات كالمعلقات بحجة أنه لا يمكن العيش بهن جميعا في مصر فإنه لا يجوز إلا برضاء الباقيات وينبغي أن يكون هذا مما لا خلاف فيه لأن لكل زوجة الحق في القسم في مثل هذه الحالة إذ لا يقال للزوج إنه مسافر وإنما يقال له : إنه أقام في جهة وهجر نساءه في جهة أخرى مع أن لهن عليه حقوقا يجبر عليها أما إن كان السفر لغرض من الأغراض من تجارة وغزو وحج واستشفاء ونحو ذلك فإن فيه تفصيل المذاهب [1]




[1] الحنفية - قالوا : للزوج الذي يريد السفر إلى جهة أن يختار من بين زوجاته من تسافر معه لأنه هو الذي يقدر مشقة السفر ويعرف الصالحة له منهن فهو صاحب الشأن وربما كان ترك بعضهن لازما لتدبير المنزل فلا يصح أخذها ولكن يرد على هذا التعليل أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقرع بين نسائه عند السفر والجواب : أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يفعل ذلك لأنهن كن عنده صالحات لاحتمال مشقة السفر وتدبير المنزل فأيتهن لم تخرج لها القرعة صلحت لتدبير المنزل لأنهن جميعا كن متمسكات بدينهن كما أمرهن الله فيعرفن واجباتهن في كل شأن من الشؤون وحيث تساوين في هذا المعنى فقد كان صلى الله عليه و سلم يقرع بينهن تطيبا لخاطرهن لا فرضا عليه خصوصا أن مذهب الحنفية يقضي بأن القسم غير واجب على النبي صلى الله عليه و سلم بل كان يفعله لما في طبيعته من حب العدل المطلق فاقتراع النبي صلى الله عليه و سلم بين نسائه لا يقتضي وجوب ذلك على غيره لما قد يعارض ذلك من المصلحة التي قررناها
وقال بعض الحنفية : إن القرعة أحب تطيبا لخاطر الزوجات والذي أفهمه أن عدم القرعة أحب وذلك لأننا قلنا : إن المسألة منوطة بالمصلحة وقد تخرج القرعة لمن لا تصلح نعم انهم قالوا : إن له في هذه الحالة أن يرد القرعة ويأخذ الصالحة ولكن هذا ينتج عكس المطلوب وهو ترضية القلوب لأن التي تخرج القرعة لها فلا تنفذ معها ينكسر خاطرها وتسوء حالها فأولى أن لا يقرع بل يختار الصالحة من أول الأمر نعم قد يقال : إذا كن متساويات في الصلاحية للسفر وتدبير المنزل ينبغي أن يقرع بينهن تطييبا لخاطرهن
هذا وليس للباقيات قسم فإذا سافر بإحداهن وقضى معها مدة أسقطت من الحساب وفازت معه بها فعند العودة لا يقضيها لضراتها لا فرق بين أن تكون مدة سفر أو مدة إقامة ولا فرق بين أن تكون من أجل الحج والغزو أو لا وكذا لا فرق بين أن تكون سفر معصية أو لا وإذا سافرت الزوجة وحدها وحضرت فلا حق لها في المطالبة بما مضى لأن الذي مضى لا يعود ولو كان السفر بإذنه . هذا وإذا سافر بهن جميعا هل يجب القسم بينهن في السفر أو لا ؟ لا نص على هذا في كتب الحنفية والذي أراه أنه يجب عليه القسم وقد صرح به الحنابلة
المالكية - قالوا : للزوج أن يختار من يسافر بها من بين زوجاته بدون قرعة وسواء كان السفر من أحل الحج والغزو أو لا وهذا القول هو ظاهر المدونة فإنها أطلقت ولكن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان السفر لغير الحج والغزو . فإن كان لهما وجبت القرعة لما فيهما من ميزة توجب التزاحم والمشاحة وهو المشهور ولكن السفر للحج في زماننا هو الذي يوجب المشاحة أما الغزو فلا ولا تقضي مدة السفر ذهابا وإيابا ولا مدة الإقامة فالتي سافرت هي وحدها ولو بإذنه لا حق لها في المطالبة بما فاتها ولو كان ذلك لقضاء حاجتها وبالجملة فالذي يفوت من أوقات القسم لا يقضى ولو لم يكن مسافرا
الشافعية - قالوا : إذا سافر سفرا قصيرا لغير نقلة من البلد إلى بلد آخر فإنه يصح له أن يأخذ بعض نسائه ويترك البعض بشروط : الأول أن يقرع بينهن فمن خرج سهمها أخذها حتما
الثاني : أن يكون السفر مباحا . فإذا كان عاصيا بسفره كما إذا سافر لتلصص فإنه لا يحل له أن يأخذ واحدة منهن . الثالث : أن عليه قضاء المدة التي يقطنها مع من يأخذ في الجهة التي سافر إليها بشرط أن يقيم مدة تقطع السفر وتوجب الإقامة أما إذا أقام مدة لا تقطع السفر كما إذا مكث لقضاء حاجة ينتظرها مدة ثمانية عشر يوما فإنه لا يقضيها
وكذا لا يقضي مدة السفر ذهابا وإيابا على كل حال وإذا سافرت المرأة وحدها بدون إذنه أو سافرت بإذنه لقضاء حاجة لها لا له فلا حق لها في المطالبة بالمدة التي سافرت فيها وأما إذا سافرت بإذنه لقضاء حاجة خاصة به فإن لها حق المطالبة بالمدة التي سافرت فيها ومثل ذلك ما إذا سافرت معه بدون إذنه فإن لها حق القسم
الحنابلة - قالوا : إذا سافر المتزوج أكثر من واحدة لغير نقلة من بلدة إلى بلدة أخرى سواء كان السفر طويلا أو قصيرا وأراد أن يأخذ معه بعض نسائه وجب عليه أن يقرع بينهن فمن خرجت لها القرعة لا يجوز له أن يأخذ غيرها نعم يجوز له أن يسافر وحده دون واحدة منهن وإن سافر بمن خرجت لها القرعة فإنه يغتفر لها مدة السفر من سير وحل ورحيل فإذا عادت فإنها لا تحسب عليها هذه المدة أما مدة الإقامة المتخللة بين السفر كأن أعجبهما مناخ جهة فمكثا بها أياما قبل أن يصلا إلى الجهة المطلوبة لهما فإنها تحسب عليها ويقضي مثلها لضراتها عند عودته وكذا تحتسب عليها الأيام التي يقيمها في الجهة التي ينويان السفر إليها أما إذا سافر بإحداهن من غير قرعة فإنه يأثم وعليه قضاء الأيام التي يقضيها معها في مدة السفر والسير والحل والترحال . ولا يغتفر لها إلا الأوقات التي ينفرد عنها إلا إذا رضيت ضرائرها بسفرها بدون قرعة فإنها تكون بمنزلة المسافرة بالقرعة وللزوج إكراه من خرجت قرعتها وإذا سافر باثنتين وجب أن يقسم بينهما إذا لم يكونا في رحل واحد أو خيمة واحدة أما إذا كان لكل منهما رحل خاص فإنه يجب القسم بينهما هذا ولا يشترط أن يكون السفر مباحا



مبحث هل للزوج أن يجمع بين زوجاته في بيت واحد وفي فراش واحد ؟

- إن كان البيت - عمارة - تحتوي على عدة مساكن - شقق أو أدوار - لكل شقة باب خاص بها ولها منافع تامة من دورة مياه ومطبخ ومنشر تنشر عليه الملابس المغسولة فإن للزوج أن يجمع بين الضرائر في هذه العمارة بدون رضائهن ولا تشترط المساواة في السكنى بل الشرط أن يكون سكن كل واحدة مناسب لحالها بحيث يرتفع الجور عنها كما تقدم
أما إن كان البيت له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ومنشر واحد وكان فيه عدة حجر لكل واحدة منهن حجرة خاصة بها فإنه يجوز بشرط رضائهن وإلا كان ملزما بإحضار سكن يليق بكل واحدة فإذا كان به حجرة واحدة ورضوا بالسكنى بها فإنه يجوز ومثل ذلك ما إذا كان في سفر ومعه زوجات وجميعهن في خيمة واحدة أو على فراش واحد [1] فإنه يجوز ولكن يكره أن يطأ إحداهن أمام الأخرى وهي مستورة العورة [2] أما إن كانت مكشوفة فإنه يحرم إذ لا يحل النظر إلى العورة كما تقدم في الجزء الأول




[1] المالكية - قالوا : إنه يحرم أن يجمع بينهن على فراش واحد ولو بدون وطء على الراجح وبعضهم يقول : إنه مكروه فقط وهم وإن لم يصرحوا هنا بحالة الضرورة كما إذا كان مسافرا ومعه زوجاته ولو خيمة واحدة أو كان في سفينة . ولكن أحوال الضرورة مستثناة بالبداهة
[2] المالكية - قالوا : إن وطء إحدى الزوجات أمام الأخرى حرام لا مكروه