الفقه على المذاهب الأربعة

الاقتصادية والمالية

مباحث المزارعة


تعريف المزارعة

- هي في اللغة مفاعلة مشتقة من الزرع والزرع له معنيان : أحدهما : طرح الزرعة - بضم الزاي - وهي البذر والمراد إلقاء البذر على الأرض . الإنبات إلا أن المعنى الأول للزرع مجاز والمعنى الثاني حقيقي ولهذا ورد النهي عن أ ن يقول الإنسان زرعت بل يقول حرثت فقد روى البزار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يقول أحدكم زرعت وليقل حرثت " ومعنى هذا أنه لا يصح أن يقول زرعت ويريد المعنى الحقيقي للزرع وهو الإنبات لأن المنبت هو الله تعالى كما أشار إلى ذلك سبحانه بقوله : { أفرأيتم ماتحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } فقد نسب سبحانه لعباده الحرث وهو إلقاء البذرة أما الإنبات فإنهم لا يستطيعون إدعاءه إذ لو كان من عملهم لكان لازما والواقع غير ذلك فقد يلقون البذر ولا ينبت أصلا أو ينبت ثم تجتاحه جائحة كما قال تعالى : { لو نشاء لجعلناه حطاما } أما إذا قال : زرعت وأراد منه المعنى المجازي أي ألقيت البذر فإنه جائز ولهذا روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا يغرس المسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولادابة ولاشيء إلا كانت له صدقة " فهذا صريح في جواز نسبة الزرع إلى الإنسان إلا أن الواقع أن عمل الإنسان هو شق الأرض والقاء البذر وتعهدها بالوسائل العادية أما الإنبات فليس لهو فيه عمل ما
ومثل ذلك المعنى كما قال تعالى : { أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } فخلق الجنين وتكوينه ليس من عمل الإنسان بأي حال
ثم إن المشهور أن مصدر المفاعلة لا يقع إلا بين اثنين كالمشاركة والمضاربة فإن الأشتراك وهو المصدر الذي أخذت منه المضاربة واقع من اثنين
وقد يستعمل مصدر المفاعلة في فعل واحد فيقال إن المفاعلة ليست على بابها فهل الزرع الذي هو مصدر المزارعة مستعمل في فعل العامل الذي يزرع الأرض فقط فتكون المفاعلة ليست على بابها ؟
والجواب أنه يصح استعماله في الأمرين وذلك لأنالزرع مسبب عن شيئين أحدهما : فعل العامل وهو الحرث والبذر والسقي ونحو ذلك . وثانيهما : فعل المالك وهو تمكين العامل من الأرض والآلات التي يزرع بها فالزرع واقع بسبب الإثنبن فالمفاعلة على بابها فإذا قطع النظر عن فعل المالك لظهورنسبة الزرع إلى العامل المباشر كانت المفاعلة على غير بابها
وبعضهم يقول إنه لا يصح قطع النظر عن فعل المالك البتة لأن مصدر المفاعلة يجب أن يكون بين اثنين إلا في أمور مقصورة على السماع كسافر وجاوز وواعد فإن مصدر هذه الأفعال مستعمل في فعل الواحد سماعا فلا يجوز قياس غيرها عليها وحينئذ فلا يصح استعمال ضارب زيد عمرا بمعنى ضربه
ومن هذا يتضح لك أن المزارعة معناها لغة : الشركة في الزرع
أما معنى المزارعة في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية قالوا : المزارعة شرعا هي عقد على الزرع ببعض الخارخ من الأرض ومعنى هذا أن المزارعة عبارة عن عقد بين مالك أرض وعامل يعمل في الأرض يشتمل على أن العمل يستأجر الأرض ليزرعها ببعض المتحصل من الزرع أو أن المالك يستأجر العامل على أن يزرع له أرضه ببعض الخارج المتحصل من الأرض
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز . وأبو يوسف ومحمد يقولان بجوازه . وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم
وهذا النوع من المعاملة مختلف فيه عند الحنفية فأبو حنيفة يقول إنه لا يجوز . وأبو يوسف و محمد يقولان بجوازه . وقولهم هو المفتى به في المذاهب لأن فيه توسعة على الناس ومصلحة لهم على أن أبا حنيفة قال بجواز المزارعة إذا كانت آلات الزرع والبذر ويكون له بعض الخارج بالتراضي لا في نظير الأجرة وإنما منع أبو حنيفة المزارعة بالمعنى الأولى لورودالنهي عن استئجار العامل ببعضض ما يخرج منعمله كما إذا استأجر إنسانا ليطحن له إردبا من القمح علىأن يأخذ كيلة من الدقيق الذي يطحنه وتسمى هذه المسألة ( بقفيز الطحان )
والمزارعة بالصورة الأولى استئجار للعامل ببعض ما يخرج من عمله على أن الممنوع هو أنيشترط الأخذ من دقيق الغلة التي يطحنها بخصوصها أما إذا شرط له كيلة من الدقيق مطلقا فإنه يصح وله أن يأخذها من الدقيق الذي طحنه ومثل ذلك ما استأجر ثورا من آخر ليطحن له أو استأجر رجلا ليجني له هذا القطن على أنيأخذ منه نصف قنطار مثلا فإنه لا يجوز أما إذا قال له اجن هذا القطن وأعطيك نصف قنطار من القطن الجيد ولم يشر للقطن الذي يجنيه العامل فإنه يصح . وله أن يعطيه منه بعد ذلك
على أنه لاخلاف عندهم في جواز استئجار الأرض بالطعام سواء كان مماكان تنبته الأرض كالقمح والقطن أو كالعسل فكل ما يصلح ثمنا يصلح أجرة كما سيأتي في الإجارة وأما المخابرة ( بفتح الباء )
فهي مرادفة للمزارعة في المعنى الشرعي فهي عقد على الزرع ببعض ما يخرج من الأرض وأما في اللغة فهي مشتقة منالخبار وهو الأرض اللينة
الحنابلة - قالوا : المزارعة هي أن يدفع صاحب الأرض الصالحة للزراعة أرضه للعامل الذي يقوم بزرعها ويدفع له الحب الذي يبذره أيضا على أن يكون له جزء مشاع معلوم من المحصول
كالنصف والثلث . فلا يصح أن يعين له إردبا أو إردبين أو نحو ذلك . ومثل ذلك ما إذا دفع له أرضا بها نبت ليقوم بخدمته حتى يتن نموه ويكون له نظير ذلك جزء معين شائع من ثمرته فإن ذلك يسمى مزارعة أيضا
فالحنابلة يقولون بجواز المزارعة بالصورة التي يقول بها صاحبا أبي حنيفة إلا أنهم يخصون المالك بدفع الحب
ومنا هذا تعلم أن الحنابلة يقولن بحل تأجير الأرض المعلومة مدة معينة ببعض ما يخرج منها كثلث غلتها ونصفها سواء كانت غلتها طعاما كالقمح والشعير أو غير طعام كالقطن و الكتان وحكم الإجازة والمخارة كالمزارعة في المعنى الشرعي
ثم إن الأصل في جوازها هو السنة الصحيحة فمنها ما روى ابن عمرقال : عامل النبي صلى الله عليه و سلم أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع . متفق عليه
المالكية - قالوا : المزارعة شرعا هي الشركة في العقد وتقع باطلة إذا كانت الأرض منطرف أحد الشريكين وهو المالك والبذر والعمل والآلات من الشريك الثاني كما يقول الحنابلة والصاحبان . فما يفعله ملاك الأراضي الصالحة للزراعة في زماننا من إعطاء أرضهم لمن يزرعها وينفق عليها على أن يأخذوا نصف المتحصل من غلتها أو يأخذوه ويأخذوا معه نقودا كأن يسلموا فدانا للعامل ويأخذوا منه ثلاثة جنيهات مثلا ونصف ما يتحصل من زرع الفدان فإنه غير جائز عند المالكية لأنه يكون تأجيرا للأرض أو بعضها بما يخرج منها وهو ممنوع عندهم
فالمزارعة التي تجوز هي أن تجعل للأرض قيمة أجرتها من النقود أو الحيوان أو عروض التجارة كأن يقال إن أجرة هذا الفدان تساوي أربعة جنيهات : أو تساوي ثلاثة ثيران أو تساوي ثوبا من القماش . ولا يجوز تقويم الأرض بغلة أو قطن أو عسل إذ لا يصح تأجير الأرض عندهم بالطعام ولا بما تنبته كما يأتي في الإجارة
فإذا علمت أجرة الأرض فيقوم العمل بأن يجعل له قيمة وكذلك تقوم آلات الزراعة فإذا دفع المالك الأرض وكانت قيمة أجرتها خمسة جنيهات فإنه يصح للعامل أن يحسب قيمة عمله وقيمة نفقات الزرع ويجعلها في مقابل أجرة الأرض بما يخرج منها فالبذر يكون على كل واحد من الشريكين أن مناصفة فإذا بينت أجرة الأرض قيمة أجر العمل وآلات الزرع كان لكل واحد من الشريكين أن يأخذ من الربح بنسبة ما دفعه فإن كانت قيمة الأرض خمسة وقيمة الآلات والعمل خمسة كان لكل واحد منهما نصف الربح وعلى هذا القياس فإذا اشترط أحدهما أن يأخذ أكثر مما يخصه فسدت
هذه صورة المزارعة الجائزة عند المالكية . ومحصل ذلك أن الممنوع عندهم هو أن تشتمل الشركة على أجرة الأرض أو بعضها بما يخرج منها فمتى سلمت من هذا فإنها تحل إذا تساويا في الربح . وهذا هو المشهور عندهم وبعضهم يقول إنه يجوز تأجير الأرض بما يخرج منها ولكنه ضعيف في المذهب . على أن المالكية أجازوا تأجير الأرض تبعا للمساقاة فإذا ساقاه على أرض مغروسة نخلا وصالحة لزراعة غيره فإن له أن يتعاقد معه على زرعها ببعض ما يخرج منها
الشافعية - قالوا : المزارعة هي معاملة العامل في الأرض ببعض ما يخرج منها على أن يكون البذر من المالك والمخابرة هي المزارعة إلا أن البذر فيها يكون على العامل فليس على العامل في المزارعة إلا العمل بخلاف المخابرة وكلاهما ممنوع عندهم لأنه لا يصح تأجير الأرض بما يخرج منها . وهذا هو المعتمد وأ جازها بعضهم
وقد قالوا في علة المنع إن العقد فيها على شيء غير معروف لأن العامل يعمل في الأرض بدون أن يدري ما يصيبه ففيه غرر ويمكن تحصيل منفعة الأرض بتأجيرها إن كان مالكها عاجزا عن زرعها . وفي التأجير حسم للنزاع وبيان لحق كل منهما موضحا فلأي شيء يترك التعاقد الواضح مع إمكانه ويعمل بتعاقد فيه غرر وقد ورد النهي عن الخابرة والمزارعة في السنة لذلك . على أنهم أجازوا المزارعة تبعا للمساقاة كما يأتي



حكم المزارعة وركنها وشروطها وما يتعلق بذلك

- للمزارعة بالمعنى المتقدم أركان وشروط وحكم وكلها مبنية ئفي المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية قالوا : ركن المزارعة الذي يتم العقد به هو الأيجاب والقبول بين المالك والعامل فإذا قال صاحب الأرض للعامل دفعت إليك هذه الأرض لتعمل فيها مزارعة بالنصف أو الثلث وقال العامل قبلت فقد تم التعاقد بينهما
وبديهي أن صيغة الإيجاب والقبول المذكورة تتضمن وجود عمل العامل والأرض التي يعمل فيها وآلات الزرع التي يستخدمها والبذر الذي يلقى على الأرض حتى تنبت ولذا عد بعضهم أركانها أربعة وهي : الأرض وعمل العامل والبذر وآلات الزرع
وأما شروطها فهي قسمان قسم يشترط لصحة العقد وقسم إذا وجد يفسد العقد فأما شروط الصحة فأنواع :
النوع الأول : يتعلق بالمتعاقدين وهو العقل فلا تصح المزارعة من مجنون ولا صبي لا يعقل أما الصبي المميز المأذون من وصية فإن مزارعته تصح ولا تشترط فيها الحرية فتصح أيضا من العبد المأذون من سيده
النوع الثاني : يتعلق بالمزروع وهو أن يبين النوع الذي يريد زرعه من قمح أو قطن أو نحوهما إلا إذا قال له صاحب الأرض ازرع ما شيءت فإنه يجوز له أن يزرعها ما شاء إلا أنه ليس له أن يغرس فيها شجرا لأن عقد المزارعة خاص بالنبات . فإن لم يبينا جنس البذر من قمح أو شعير مثلا فإن كان البذر على العامل فسدت المزارعة وإن كان على المالك فإنها لاتفسد وذلك لأن عقد المزارعة لا يتأكد في حق من عليه البذر قبل إلقائه على الأرض فيجوز له فسخه قبل ذلك بدون عذر فإن كان البذر على المالك فلا يلزم ببيان جنس البذر لأنه صاحب الحق في بيان النوع الذي يختار زرعه في أرضه وحيث كان عليه البذر كان العقد صحيحا ويكتفي في إعلام العامل في إلقاء البذر الذي به يتأكد العقد أما إذا كان البذر على العامل فإن العقد يتأكد في حق صاحب الأرض بالإيجاب والقبول فلا بد من بيان نوع البذر إلا إذا فوض صاحب الأرض للعامل له ازرع ما شيءت من زرع الأرض بعد فساد المزارعة فإذا تمكن العامل من زرع الأرض بعد فساد العقد ورضي له المالك فإنها تنقلب صحيحة لأن المالك قد رضي بالضرر الذي لحقه من عدم بيان جنس المزروع وخلى بينه وبين زراعة الأرض وتركها في يده حتى ألقى البذر فزال المفسد بذلك
النوع الثالث : يتعلق بالناتج المتحصل من الزرع وهو ستة :
أحدهما : أن يكون مذكورأ في العقد فلو سكت عن ذكر المتحصل وكيفية استحقاق الشريكين فيه فسد العقد
ثانيها : أن يكون المتحصل لهما معا فإذا اشترطا أن يكون الخارج كله لأحدهما دون الآخر لا يصح عقد المزارعة ثم كان الخارج كله للعامل كان إعارة من المالك وإذا كان الخارج كله للمالك كان إعانة من العامل
ثالثهما : أن تنكون حصة كل من الشريكين من نفس الخارج فلو كان شرطا أن يكون نصيب أحدهما قمحا مع كون الخارج قطنا لا يصح وكذلك لو شرطا أن يكون نصيب أحدهما قطانا من القطن المزروع في أرض أخرى وهكذا
رابعهما : أن يكون نصيب كل منهما من ذلك الخارج معلوما كالبصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذكك
خامسهما : أن يكون جزء شائعا كا منهما من ذلك كأن يكون نصفا أو ثلاثا أو نحو ذلك
سادسهما : أن لا يشترط لأحدهما وزيادة معلومة كأن يشترط لأحدهما نصف الخارج مع زيادة أردب أو يشترط له قيمة البزر ثم يقسم الباقي نصفين أو ثلاثا لجواز أن لا تخرج الأرض سوى البذر
النوع الرابع : يتعلقب الأرض التي يراد زرعها وهو ثلاثة : أحدها : أن تون صالحة للزراعة فلو كانت سبخة نزلا يجوز العقد وأما إذا كانت صالحة للزراعة في المدة التي بنيت في العقد ولكن منع من زرعها مانع وقت العقد كعدم الماء فإن العقد يصح
ثانيهما : أن تكون معلومة كان يبين أنه دفع إليه الأرض المحدودة بكذا ليعمل فيها مزارعة فإذا لم تكن الأرض معلومة فلا تصح المزارعة ولو دفع له أبنية من الأرض وقال له الذي يزرع منها قمحا يكون كذا والذي يزرع منها ذرة يكون كذا فلا يصح العقد أيضا إذا لا بد من بيان ما يزرع قمحا بحدوده وما يزرع منها يكون منها ذرة كذلك حتى لا تكون الأرض التى يراد زرعها مجهولة . وكذلك لا يصح العقد إذا قال بعضها يكون ذرة وبعضها يكون قمحا لوجود الجهالة في مقدار ما يزرع من النوعين فلا بد من بيانه
ثالثهما : أن تكون الأرض مسلمة إلى العقائد من كل ما يمنع زرعها وأن يمكن العامل من العمل والتخلية بينه وبين الأرض ومثل ذلك ما إذا اشترط أن يكون العمل بينهما معا فإن العقد لا يصح لعدم التخلية التامة وبين الأرض مسغولة بزرع فإذا كان نباتا صغيرا فإن العقد يصح على أنه معاملة ( مساقاة )
لا مزارعة أما إذا كان الزرع كبيرا قد أدرك فإن العقد لا يصح رأسا لا مزارعة ولا مساقاة إذ لا يكون للعامل حينئذ
النوع الخامس : يتعلق بالمدة وهو شروط ثلاثة :
أحدهما : أن تكون المدة معينة
ثانيهما : أن تكون صالحة لوقوع الزرع فيها
ثالثهما : أن لا تكون ممدة إلى زمن طويل بحيث لا يعيش إليه أحد المتعارفين غلبا
ويصح عقد المزارعة بدون بيان المدة إذا كان وقت الزرع معروفا لا يفاوت وقفه وتقع على أول زرع
النوع السادس : يتعلق بآلة الزرع وهو أن تكون في العقد تابعة فإذا جعل للبقر الذي يحرس مقابلا معينا من عمل أو بذر أو نحوهما فسد
ومن شروط الصحة أيضا بيان من عليه البذر سواء أكان المالك أم العامل لأن البذر إن كان من قبل صاحب الأرض مانت المزارعة استاجارا للعامل وإن كان البذر من قبل العامل كانت استأجارا للأرض فإذا لم يذكر من عليه البذر لم بعلم إم كان العقد إجارة للأرض أو للعامل فيكون المعقود عليه مجهولا فلا يصح العقد
وأما الشروط المفسدة لعقد المزارعة فمنها : اشتراط كون الخارج لواحد منهما . ومنها :
اشتراط العمل على صاحب الأرض فلو اشترط العامل ان يكون العمل على صاحب الأرض فسد الغقد لأن ذلك يمنع تسليم الأرض إلى العامل وهو شرط من شرزط الصحة كما تقدم
ومنها : شرط كون آلة الزرع من حيوان ونحوه على المالك أما شرط الحصاد والتذرية ونحو ذلك فقيل يجوز أن يكون ذلك على العامل إذا كان عرف الناس على هذا وقيل أنه شرط يفسد العقد وذلك هو المفتى به
والذي ينبغى في ذلك هو أن كل ما يحتاج إليه الزرع قبل إدراكه وجفافه من السقي والحراسة وقلع الحشائش الضارة به وحفر الأنهار ونحو ذلك فإنه يكون على المزارع العامل
أما ما يحتاج إليه الزرع بعد جفافه وإدراكه فهو على قسمين :
القسم الأول : ما يحتاج إليه الزرع قبل قسمة الغلة من تخليص الحب من السبل والتبن والتذرية وتنقية الحب ونحو ذلك ونفقات هذا تكون على الشركين بنسبة مالهما من الخارج من النصف أو الثلث وهكذا
القسم الثاني : ما يحتاج إليه الزرع بعد قسمة حبه من الحمل إلى البيت ونحو ذلك ونفقات هذا تكون على كل واحد في نصيبه بمعنى أن كل واحد ينفق على ما خصه بعد القسمة
ومن الشروط المفسدة للمزارعة أن يشترط كون التبن لمن لا يدفع البذر لأن هذا الشرط لا يقتضيه العقد فإن العقد يقتضي أن يكون التبن لصاحب البذر فإذا اشترط كون التبن لصاحب البذر صح الشرط والعقد وكان التبن لصاحب البذر وإذا لم يتعرض للتبن فلم يشترط كونه لهذا ولا لذاك فبعضهم يقول إنه يكون لصاحب البذر لأن التبن ناتج من الحب فهو من حق صاحب الحب بدون شرط وبعضهم يقول أنه يكون بينهما على حسب نصيب كل منهما تبعلا للعرف على أن العامل إذا كان شريكا بالربع فإن الظاهر عندهمأن لاشيء لهم في التبن وإذا كان بالثلث فإنه يستحق نصف التبن
ومنها أن يشترط صاحب الأرض على المزارع أن يحدث بأرض شيءا يستمر بعد انتهاء زرع المدة المتفق عليها كبناء دار أو مصرف ما أو حفر ( ترعة )
أو نحو ذلك فإن شرط شيء من ذلك في العقد فقد فسد وأما كراء الأرض ( وهو قلبها للحرث )
فلا يخلو إما أن يشترط شيء لمصلحة الزرع أو لمصلحة الأرض بحيث تستمر فائدته بعد انتهاء مدة الزرع المتفق عليها من أول شرط صحيح يقتضيه العقد لأن الزرع لا يصلح إلا بالحرث والثاني شرط فاسد مفسد للعقد . ومثال ذلك ان يشترط ( حرث )
الأرض من أجل الزرع وحرثها مرة أخرى بعد حصاد الزرع ليستلمها صاحبها محروثة فإن المرة الثانية في هذه الصورة لا علاقة لها لالزرع فيفسد العقد أما إذا اشترط ( حرثها )
مرتين أثناء مدة الزرع وكانت منفعة المرة الثانية مقصورة على الزرع لا تفيد الأرض بعد انتهاء الزرع فإنه يصح . وإذ قد عرفت معنى المزارعة عند من يجيزها ومن يمنعها وعرفت الشروط المصححة لها والمفسدة فإنه يسهل عليك معرفة الصور الجائزة والمممتنعة منها ولكننا نريد أن نذكر لك هنا ملخص ما ذكره من الصور الجائزة والممتنعة عند الصاحبين بعدما عرفت فيما تقدم الصور الجائزة عند الإمام
فأما الصور الجائزة عندهما فمنها : أن تكون الأرض من أحدهما والبذر والعمل وآلات الزرع من الاخر وشرطا أن يكون لصاحب الأرض شيئا معلوما من المتحصل من الزرع كالنصف أو الثلث أو نحو ذلك لأنه في هذه الحالة يكون العامل مستأجر للأرض بشيء معلوم مما يخرج منها وذلك جائر عندهما كما أن استأجار العامل ببعض الخارج من الأرض جائز كذلك إنما الممتنع هو استأجار غيرهما
ومنها : أن تكون الأرض والبذر وآلات الزرع على المالك ويكون العمل وحده على العامل ويكون له نصيب معين في المتحصل من الزرع كالنصف أو الثلث أو الربع وهذه الصور جائزة أيضا لأنها استئجار العامل ببعض ما يخرج من الأرض وقد علمت جوازه عندهما
ومنها : أن تكون الأرض والبذر من أحدهما والعمل وآلات الزرع على الثاني وهذه أيضا جائزة أيضا لأن صاحب الأرض في هذه الحالة يكون مستأجرا ليعمل في أرضه ببقرة ونحوه من آلات الزرع
وأما الصور الممتنعة فمنها : أن تكون الأرض وآلات الزرع كالبقر وما في معناه من الآلات التى تستعمل لشق الأرض من أحد الشيكين ويكون البذر والأرض من الشريكين الأخر وإنما كانت هذه الصور فاسدة لأن منفعة الأرض لا تجانس منفعة آلات الحرث حتى تنضم إليها ويقدمها اللمالك في نظير البذر والعمل وذلك لأن منفعة الأرض إنبات الزرع ومنفعة البقر وما في معناه العمل ولا تجانس بين المنفعتين حتى يمكن خلطهما وهذا هو الذي عليه الفتوى وقيل بجوار هذه الصورة إذا جرى عليها العرف
ومنها : أن يكون البذر من أحدهما والأرض والعمل وآلات الزرع من الآخر وهذه الصورة فاسدة لأنها عبارة عن كون صاحب البذر قد استأجر الأرض ببذره . وقد عرفت مما تقدم أن من شروط الصحة أن يتتمكن المستأجرلا على الآخر فكيف يمكنه أن يضع يده عليها وهي في يد العامل
ومن أجل ذلك لا يصح أن يشترك في المزارعة ثلاثة على أن يكون على أحدهما وعلى الثانى البذر وعلى الثالث البقر وما في معناه من آلات الزراعة . لأنه في هذه الحالة يكون صاحب البذر مستأجرا للأرض وهي في يد الذي عليه العمل فلا يمكن أن يضع المستأجر عليها يده فيفسد العقد
أما إذا اشترك أربعة على أن يكون البذر على احدهما والأرض على الثانى والقر على الثالث والعمل على الرابع فإن عقد المزارعة يفسد بعلة أخرى وهو أن البقر وحده لا يصح اسئجاره ببعض الخارج من الأرض وفي هذه الحالة يكون مستأجرا ببعض الخارج لأنه جعل قسما مقابلا . للأقسام الأخرى من البذر والعمل والأرض ولهذا جعل من شروط الصحة أن لا تكون آلة الزرع مقصودة في العقد ببعض الخارج منها كما يصح استأجار العامل ببعض الخارج من الأرض ولا يصح استئجار غيرهما
ومنها : ان يكون البذر والبقر من أحدهما والعمل والأرض من الاخر وهذه الصورة لا تصح لأنك قد عرفت أنه يشترط تجانس منفعة الأمرين المنضمين لبعضهما فيما يدفعه كل واحد من الشريكين ولا تجانس بين منفعة البذر والبقر كما تجانس بين منفعة الأرض والعمل
ومنها : أن تكون الرض على أحدهما والبذر عليهما معا مناصفة واشترطا أن يكون العمل على غير صاحب الأرض وأن يكون الخارج من الأرض بينهما نصفين وهذه الصورة فاسدة لأنها تتضمن أن العامل يزرع نصف الأرض ببذره على أن يأخذه كله فتكون مزارعة بجميع الخارج من الأرض بشرط 'عارة نصفها للعامل وذلك باطل
أما إذا كانت الأرض ملكا لهما معا والبذر عليهما وكذلك العمل واشترطا أن يكون الخارج بينهما نصفين فإنه يجوز لأن كل واحد منهما يكون عاملا في نصف الأرض واشترطا أن يكون الخارج بينهما نصفين فإنه يجوز لأن كل واحد منهما يكون عاملا في نصف الأرض ببذره فكانت هذه إعارة نصف الأرض لا بشرط العمل
وأما حكمها فينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : حكم المزارعة الصحيحة وهو ملك منفعة الأرض حالا والشركة في المتحصل من الزرع مالا وذلك لأن صاحب الأرض ملك العامل منفعة أرضه وهو اللزوم تارة وعدمه تارة أخرى فيكون العقد لازما على من لابذر عليه سواء كان صاحب الأرض أو العامل فإذا كان عقد المزارعة مشتملا على يكون البذر على صاحب الأرض فإنه لا يلزم بتنفيذه إلا إذا بذر الحب فعلا فأما قبل بذره فإن له أن يفسخ العقد بدون عذر خوفا من ضياع بذره بدون فائدة أما العامل الذي عليه فإنه يكون ملزما بتنفيذ العقد بمجرد تمامه بالإيجاب والقبول ولا يصح له فسخه بدون عذر فإذا كان العقد مشتملا على أن البذر على العامل كان الأمر بالعكس فلا يلزم بتنفيذه إلا إذا ألقى البذر فعلا فإذالا لم يذكر من عليه البذر صحيحا فإنه يكتفى بذكره ضمنا كأن يقول له دفعت إليك الأرض لتزرعها لى أو استأجرتك لتعمل في أرضي فإن في هذه الحالة
يكون البذر على رب الأرض بخلاف ما إذا قال دفعتها لك لتزرعها لنفسك فإن معنى هذا أن البذر يكون على العامل
القسم الثاني : حكم المزارعة الفاسدة وهو أمور :
أحهما : أن المزارع لا يجب عليه شيء من أعمال المزارعة فلا يلزم بشيء إلا بالعقد الصحيح
[ يتبع . . . ]
ثانيهما : أن البذر إن كان من قبل رب الأرض كان للعامل عليه أجر المثل وإن كان البذر من العامل لرب الأرض عليه أجر مثل أرضه ثم إن الذي يدفع البذر يكون له كل الخارج من الأرض فإن كان من قبل صاحب الأرض استحق الخارج ومفع للعامل أجر مثله الذي يستحقه على عمله فالخارج كله حلال له فلا بالبصدق بشيء منه أما إن كان البذر من قبل العامل واستحق الخارج من الأرض ودفع لرب الأرض أجرة مثل أرضه فالخارج كله لا يطيب له بل الذي يحل له أخه من الخارج هو قدر بذره وقدر أجرة الأرض التى دفعتها ويتصدق بما عن ذلك
ثالثهما : أن أجر المثل لا يجب في المزارعة الفاسدة مالم يوجد استعمال الأرض . فإذا لم يعمل المزارع في الأرض شيءا فلا يجب له أجر مثل العمل كما لا يجب عليه أجر مثل الأرض فإذا استعملت الأرض وجب أجر المثل وإن لم تخرج شيئا
( وبعد )
فإذا فسد عقد المزارعة في موضع من مواضع سواء كان فاسدا بإجماع أئمة المذاهبأو بعضهم وأراد الشريكين أن يطيب لهما الخارج فإنه يمكنهما ذلك بعمل ما يأتى : وهو أن يعزل كل واحد من الشريكين ( رب الأرض والمزارع )
نصيبه من المتحصل حسبما اتفقا ثم يقول رب الأرض للمزارع : قد وجب لي عليك أجر مثل الأرض ووجب لك علي أجر مثل عملك وعمل ثيرانك وقيمة بذرك فهل صالحتنى هذه الحنطة ( مشيرا إلى نصيب المزارع )
وعلى ما وجب لك علي مما وجب لى عليك ؟ فيقول المزارع : صالحت ثم يقول المزارع لرب الأرض : قد قد وجب لي عليك أجر مثل عملى وثورى وقيمة بذري ووجب لك علي مثل الأرض صالحتنى على هذه الحنطة ؟ ( مشيرا إلى نصيب رب الأرض )
وعما وجب لك على عما وجب لى عليك ؟ فيقول رب الأرض : صالحت
وحاصل ذلك أن يقرر كل منهما لصاحبه فب ما وجب له وما وجب عليه ويطلب منه مصالحته على أخذ النصيب المفروز من الغلة وأن يترك ما وجب له نظير ما وجب علبه وبذالك يطيب لكل منهما نصيبه من الغلة لأن الحق بينهما لا يتعداهما إلى غيرهما فمتى تراضيا فقد حل لكل واحد منهما نصيبه وفي ذلك سعة لا تخفى ويسر عظيم
المالكية - قالوا : ركن المزارعة ما به تنعقد على وجه صحيح وحكمهما الجواز إذا استوفت شرائطها
أما الزرع في ذاته سواء كان في مشاركة أو لا فهو كفاية لاحيساج الإنسان والحيوان إليه وهل يلزم عقد الشركة في المزارعة بمجرد الصيغة أو لا يلزم خلاف فبعضهم يقول : إنه ينعقد لازما بمجرد الصيغة وبعضهم يقول : إنها لا تلزم بمجرد ذلك بل لا بد بعد العقد طرح الحب على الأرض أو شتل الخضر كالبصل والخس أو وضع جذور القلقاس والقصب ونحو ذلك فالكل واحد من الشيركين بعد العقد أن يفسخه ويرجع عنه مالم يطرح الحب ونحوه انه يلزم بعد ذلك وليس له فسخه وبعضهم يقول : إنها تلزم بالعمل فإذا شقت الأرض بالحرث وسويت لزم العقد وإن لم يطرح الحب فالأقوال ثلاثة . الأول : أنها تلزم تلزم بالصيغة وحدها . الثانى : أنها تلزم بالصيغة والعمل من حرث الأرض في الأرض من حرث وتسوية . الثالث : أنها إلا إذا طرح البذر ويشترط الأول : أن يشتمل العقد على كراء الأرض بشيء ممنوع وذلك بأن تجعل الأرض في مقابل البذر سواء كان طعاما كالقمح والذرة أو لا كالقطن وذلك لأنه يمتنع تأجير الأرض بما ينبت بها مطلقا إلا ما استثنى من الخشب ونحوه كما يأتى في الإجازة وكذلك يمنعون تأجير الأرض بالطعام وإن لم ينبت بها كالعسل وقد تقدم إيضاح ذلك في تعريف المزارعة قريبا
الشرط الثاني : أن يتساوى الشريكان في الربح بأن يأخذ كل واحد منهما بنسبة ما دفع من رأس المال فلا يجوز أن يدفع اصف النفقات الازمة ثم يأخذ الثلث نعم يصح لكل من الشريكين أن يتبرع لصاحبه بشيءمن حصته ولكن لا يصح ذلك إلا بعد أن يخرج كل واحد منهما ما التزم به كاملا وبعد أن يبذر البذر ويشترط أن لا يتقدم ذلك وعد ولا عادة
الشرط الثالث : خلط زريعة كل من الشريكين ببعضها والزريعة بتشديد الراء ( التفاوي )
سواء كانت حبا أو غيره كما تقدم
فإن كانت الزريعة من كلا الشريكين فإن المزارعة لا تصح إلا إذا خلط كل شيء منهما ما يخصه بما يخض صاحبه إما حقيقة بأن يضع كل منهما بذره على بذر الآخر أو حكما بأن يخرج كل منهما ما عليه إلى الأرض ( الغيظ )
ثم يبذر من هذا ومن ذاك بدون تمييز فإذا اختص أحدهما بالبذر من تقاويه في فدان خاص تفسد المزارعة وقال بعضهم : لا يشترط ذلك بل لو اختص كل واحد بفدان ببذره فأخذ الحب ويذره بدون أن يخلطه ببذر صاحبه فإنه يصح والقولان راجحان
الشرط الرابع أن يخرج كل واحد من الشريكين بذره مماثلا لبذر صاحبه في الجنس والنصف فلا يصح أن يخرج أحدهما قمحا والآخر فولا فسدت الشركة وكان لكل واحد ما انبته بذره وعليه يقول : إنه لازم وبعضهم إنه ليس بلازم فيصح أن يخرج أحدهما قمحا والآخر فولا
فالشرط المتفق على رجحانها اثنان : أن لا يشتمل العقد على تأجير الأرض بممنوع وان يتساوى الشريكان في الربح بحسب رأس المال وبعضهم يقول بجوار تاجير الأرض مما يخرج منها فتصح المزارعة عنده مطلقة وفي المالكية وفي ذلك سعة
الصورة الأولى من صور الصحيحة : هي أن يتساوى الشريكان أو الشركاء في الأرض والعمل والبذر وآلة الزرع والثيران وأن يتفقان على ان يأخذ كل واحد من الربح بقدر ما اخرجه وهذه الصورة جائزة بالتفاق وقد تم بيانها وهي جائزة عند الشافعية بلاخلاف
الصورة الثانية : أن تكون الأرض مملوكة لهما معا أو أرضا مباحة ليست ملكا لأحد ثم يتفقان على زرعها شركة وعلى أحدهما البذر وعاى الثانى العمل وهذه أيضا صحيحة وتصح عند الشافعية لو أن صاحب البذر جعل للشريك الآخر بعضا من البذر شائعا نظير عمل شريكه له فيما لصاحب البذر من الرض شائعا
الصورة الثالثة : أن تكون الأرض مملوكة لأحدهما ويكون عليه البذر أيضا نظير أن يكون على الآخر العمل باليد والبقر والآلة فقط . فسيأتى وهذه أيضا جائزة إذا كانت لها قيمة
الصورة الرابعة : أن تكون مملوكة لأحدهما وعليه بعض البذر وعلى الشريك الاخر العمل وبعض البذر وهذه الصورة تصح بشرط أن لا ينقص ما يأخذه العامل من الزرع عن نسبة ما دفعه من البذر بل لا بد أن تكون حصة مستوية لما دفعه أو زائدة عليه
مثال ذلك : أن يخرج رب الأرض ثلثي البذر ويخرج العامل الثث ثم يشترط أن يكون للعامل نصف الربع أو ثلثه فإذا اشترط النصف فقد أخذ أكثر من نسبة بذره لأنه أخرج الثلث ولإذا اشترط الثلث فقد أخذ ما يساوى بذره أما إذا اشترط له الربع فإن المزارعة تفسد
الصورة الخامسة : أن تكون الأرض مملوكة لأحدهما وعليه البذر والبقر والآلة وعلى هذا الشريك الثانى العمل فقط وهذه الصورة نعروفة بمسألة الخماس وقد اختلف في صحتها والراجح أنها تصح إذا كان العقد بلفظ الشركة على أن يكون للعامل جزء من الربح أو الخمس أما إذا كان العقد بلفظ الإجازة أو لم ينص على الشركة والإجازة فإنه يكون فاسدا الإجازة بجزء مجهول لا تجوز وعدم النص يحمل على الإجازة وبعضهم يقول إنها ولو وقعت بلفظ الشركة
وأما صور الفساد فمنها : أن يتفقا على إسقاط الأرض من الحساب ويستويان فيما عدا ذلك من بذر وعمل ونحوهما كما يستويان في الربح . وهذه فاسدة لأن إلغاء الأرض التى لها قيمة توجب التفاوت بين الشريكين فلا يكون أحدهما مساويا لصاحبه في رأس المال أما إذا كانت الأرض رخيصة لا قيمة لها فإن إلغاءها جائز
ومنها : أن يكون لأحدهما أرض رخيصة لا قيمة لها وعليه العمل ويكون على الثاني البذر وهذه فاسدة لأن بعض البذر في هذه الحال يكون واقعا في مقابلة الأرض وقد عرفت أن ذلك ممنوع . وقد يقال إن الأرض الرخيصة يصح إلغاؤها كما ذكر في الصور التى قبلها والجواب أن البذر لم يقع في الصورة الولى مقابل الأرض لأنك قد عرفت أنهما متساويان في البذر وفي كل شيء ما عدا الأرض فإنها أسقطاها من الحساب
ومنها : أن تكون احدهما الأرض وبعض البذر ويخرج الاخر العمل وبعض البذر ويأخذ العامل الربح أنقص من نسبة بذره كما تقدم في الصورة الرابعة
ومنها : أن تكون مملوكة لهما معا وأخرج كل واحد منهما نصيبا من البذر واختص أحدهما بالعمل وهذه الصورة ممنوعة للتفاوت في رأس المال لأن الذي اختص بالعمل وحده يكون زائدا فيما أخرجه عن الآخر فإذا اشترطا التساوى في الربح بعد ذلك كله كان إجحافا بالذي عليه العمل وقد علمت بطلانه
ومنها : أن يتساوى الشريكان في الجمع ولكن أحدهما يسلف الآخر البذر لأن السلف في هذه الحالة يكون في نظير منفعة المقترض بالزرع والسلف الذي يجر نفعا لا يجوز
أما أحكام المزارعة الفاسدة فهي على وجهين :
الوجه الأول : أن يعرف الفساد قبل الشروع في العمل وحكم هذا الوجه ان العقد يفسخ وتنتهى المسألة
الوجه الثاني : أن لا يعرف الفساد الا بعد العمل ويشتمل هذا الوجه على ست صور :
الصورة الأولى : أن يشترك المتعاقدان معا في العمل سواء كان عمل كل واحد منهما مساويا لعمل الآخر أو كان أكثر أو أقل على المعتمد وأن تكون الأرض من أحدهما والبذر على الاخر وحكم هذه الصورة أن يقسم الزرع بينهما نصفين فيأخذ كل واحد نصفه ثم يرجع كل منهما على صاحبه بنصف ما دفعه من رأس المال فيأخذ صاحب البذر من صاحب الأرض مثل نصف بذره ويأخذ صاحب الأرض من البذر نصف كراء أرضه ولا يخفى أن فساد هذه الصورة إنما جاء من جعل البذر مقابلا للأرض وهو ممنوع لأنه لا يجوز تأخير الأرض بالطعام كما تقدم قريبا
الصورة الثانية : أن يشترك المتعاقدان في العمل ولكن ليس لأحدهما سوى العمل أما البذر والأرض وآلات الزرع فللآخر هذه مسألة الخماس المتقدمة وقد عرفت انها لا تكون فاسدة إىلا إذا كان العقد بلفظ الإجارة لا بلفظ الشركة أو أطلق عن ذكر الشركة والإجارة أما إذا ذكر بلفظ الشركة فإنه يكون صحيحا على الراجح وحكم هذه الصورة إذا كان العقد فاسدا ( بأن ذكر فيه لفظ الإشارة او لم يذكر شيء



أن لا يكون للعامل من الزرع شيء وإنما يكون له اجر مثله في عمله
الصورة الثالثة : أن ينفرد أحد الشريكين بالعمل وأن يكون له مع عمله البذر أما الأرض فتكون للاخر وحكم هذه الصورة أن يكون الزرع للعامل وعليه أجر مثل الأرض وإنما فسدت هذه الصورة لأن الأرض وقعت في مقابلة العمل والبذر فيكون جزء من الأرض في مقابل العمل والجزء الآخر في مقابل البذر وقد عرفت أنه لا يجوز
الصورة الرابعة : أن ينفرد أحدهما بالعمل وأن يكون له مع عمله الأرض أما البذر فلشريكه وحكم هذه كسابقتها وهو أن الزرع يكون للعامل وعليه أن يدفع مثل بذر لصاحبه
وإنما فسدت هذه الصورة لأن البذر جعل في مقابل الأرض والعمل فكان جزء منه للأرض وجزء مقابلا للعمل وقد علمت أنه لا يجوز
الصورة الخامسة : أن ينفرد أحدهما بالعمل وتكون الأرض والبذر لهما وحكم هذه الصورة أن يكون الزرع للعامل أيضا وعليه أن يدفع لشريكه مثل بذره ومثل أرضه وفساد هذه الصورة أن يكون الزرع للعامل أيضا وعليه أن يدفع لشريكه مثل بذره ومثل كراء أرضه وفساد الصورة أن يكون المساواة لأن الذي ينفرد بالعمل يكون مظلوما كما تقدم
الصورة السادسة : أن ينفرد أحدهما بالعمل ولا يكون له شيء سوى عمله كما تقدم بل تكون الأرض والبذر وآلة الزرع للآخر وفي هذه الحالة لا يكون للعامل سوى أجرة عمله كما تقدم وكل ما تقدم من الصور مبنى على المختار المرتضى وفيه أقوال اخرى لا حاجة بنا إلى إيرادها
الحنابلة - قالوا : ركن المزارعة الإيجاب والقبول فأما الإيجاب فإنه لا يصح بكل لفظ يدل على المعنى المقصود كأن يقول به زارعتك على أراضي هذه أو دفعت إليك لتزرعها بنصف ثمرتها أو نحو ذلك
وتصح المزارعة بلفظ الإجازة فلو قال استاجرتك على أن تعمل في أرضى بنصف الزرع الذي يخرج منه أو على أن تعمل في بستانى بنصف ثمرته . أو زرعه فإنه يصح أيضا بما يدل عليه من قول أو فعل فلو استلم الأرض شرع في العمل بدون أن يتكلم فإن يعد قابلا
وهو عقد جائز غير لازم فيصح لكل من الطرفين فسخه ولو بعد إلقاء البذر فإن فسخها رب الأرض فإنه يلزمه أن يدفع للعامل أجرة عمله
ويشترط لصحة العقد أمور أحدها أهلية العاقد فلا يصح من مجنون وصغير ولا يميز كما تقدم في البيع . ثانيها : معرفة جنس البذر وقدره فلا يصح العقد إذا كان البذر مجهولا . ثالثهما : تعيين الأرض وبيان مساحتها رابعها : تعيين النوع الذي يراد زرعه فلو قال رب الأرض للعامل إن زرعتها شعيرا فلك الربع وإن زرعتها حنطة فلك النصف لم يصح لوجود الجهالة ومثل ذلك ما إذا قال ما زرعته من شعير فلى نصفه وما زرعته من قمح فلى ثلثه ولم يبين مساحة المزروع من كل منها فإنه لا يصح
ولا يشترط أن يكون البذر من صاحب الأرض على الصحيح إنما الشرط أن يدفع كل واحد منها رأس مال فيصح أن يدفع احدهما الأرض فقط ويكون على الاخر البذر والبقر والعمل كما يصح أن يكون البذر أو البقر أو هما على صاحب الأرض وعلى الآخر وهكذا
ويشترط أن يكون نصيب كل منهما شائعا كالنصف أو الثلث أو نحو ذلك فإن شرط أحدهما ان يكون له عدد معبن كإرردبين أو ثلاثا فإنه لا يصح وحكم الفاسدة أن الزرع يكون لصاحب البذر وعليه أجرة العامل
وإذا كان لشخص فدان أرض فأعطاه لعامل على أن يزرعه بنصف غلته ولكن قال له صاحب الأرض إنني آجرتك نصف آجرتك نصف الفدان بنصف البذر اللازم للفدان ونصف منفعتك ومنفعة دوابك فيكون للعامل نصف الفدان في نظير نصف البذر الذي وضع في النصف الثانى ونصف منفعة العامل اللازمة له فإن ذلك لا يصح لأن المنفعة وجهولة نعم إذا أمكن ضبطها وتقديرها فإنه يصح
وإذا شرط المزارع أن يأخذ رب الأرض مثل بذره ثم يقسم الباقى فلا يصح . لأنه بمنزلة اشتراط عدد من الأرادب
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - للمزارعة بالمعنى المتقدم أركان وشروط وحكم وكلها مبنية ئفي المذاهب



الشافعية - قالوا : المزارعة بمعنى تأجير الأرض بما يخرج منها أو تاجير العامل بما يخرج من الأرض فاسدة فإذا عمل المزارع في أرض بناء على ذلك العقد الفاسد فإن الخارج من غلتها يكون لمالكها وعليه أجر العامل وقيمة ما أنفقه على الأرض
وقد عرفت أن المزارعة أن المزارعة بذلك المعنى يصح تبعا للمساقاة وذلك بأن يدفع أحد الملاك أرضه المغروسة نخلا أو بها كرم عنب للهامل أن يقوم على تنميتها بسقيها والمحافظة عليها في نظير جزء معين من ثمرتها وهذا هو عقد المساقاة فإذا كان بتلك الأرض التى عليها النخل والكوم فراغا صالحا لزرعه حبوبا ونحوها فإنه يصح تأجيره ببعض الخارج من غلته ولكن بشروط :
الأول : أن يكون عقد المساقاة وعقد المزارعة واحد فلو انفراد كل منهما بعقد فسد المزارعة على المعتمد
الثاني : أن لا يفصل بين المزارعة والمساقاة فاصل حال العقد كأن يتعاقدا على المساقاة ثم يصبرا زمنا طويلا يفهم منه أنه قد تم التعاقد بينهما ثم يشرع بعد ذلك في عقد المزارعة
الثالث : أن تتقدم المسافاقاة على المزارعة في العقد كي يعلم أن المساقاة هي المقصودة وان المزارعة تابعة لها
الرابع : أن يكون عامل المساقاة هو بعينه عامل المزارعة وزاد بعضهم شرطا خامسا وهو : أن يتعذر تنفيذ عقد المساواة بدون زرع الأرض وذلك بأن يمكن سقى الشجر أو النخل وحده اما إذا أمكن فإنه يصح تأجير الأرض المتصلة به مزارعة ولكن المعتمد أن هذا الشرط غير لازم على أنهم قالوا : غن المزارعة يمكن تحصيلها في صور أخرى ليس فيها تأجير الأرض بما يخرج منها منها : أن يخرج المالك الأرض والبذر ثم يعطى الأرض مشاعا إعارة ويستأجره على العمل في نصف الأرض المشاع الباقي له بنصف البذر العامل في نصف الأرض الذي استعار فإذا عمل العامل في الأرض على هذا التعاقد استحق نصف الخارج منها ولا يكون فيه استاجار الأرض ببعض الخارج . لأن المالك في هذه الحالة يكون قد استأجر بالبذر الذي بذره
ومنها : أن يشترك المالك والعامل في رأس المال كأن يدفع المالك الأرض ويقوم المزارع بالعمل والدواب اللازمة على أن تكون قيمة اجرة الأرض مساوية لما يقوم به المزارع وهذه الصورة إنما تصح بثلاثة شروط
الشرط الأول : أن يكون البذر من منهما وذلك لأن نصيب كل منهما في الغلة يتبع البذر الذي أخرجه
الشرط الثاني : أن يأخذ كال واحد منهما نصيبا مساويا لما دفعه فإذا كانت أجرة الأرض تساوي ثلث الخارج فلا يصح أن يشترط أخذ النصف
الشرط الثالث : أن يقول المالك للعامل قد نصف الأرض بنصف العمل والبقر حتى لا يوجد تاجير الأرض بما يخرج منها
ومنها : أن يقرض المالك العامل نصف البذر مثلا ثم يؤجر له نصف الأرض شائعا بنصف عمله ونصيب منافع دوابه التى تعمل في الزرع وهذه المنافع وإن كانت مجهولة في ظاهرها إلا انها منضبطة في المادة والعرف



دليل المزارعة

- أما دليل صحة المزارعة فهو مأخوذ من السنة الصحيحة فمن ذلك ما رواه ابن عمر قال : عامل النبي صلى الله عليه و سلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع . متفق عليه وروى عن أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن على ثم أهلوها إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع . فقد عمل الخلفاء الراشدون بالمزارعة ولم ينكر عليهم أحد فكان كالإجماع
هذا هو دليل المزارعة المشهور وهو يحتمل أمرين :
الأول : أن يكون ذلك مختصا بالأرض المزروعة نخلا كما هو الشأن في أرض خيبر
الثاني : أن يكون ذلك عاما في كل أرض سواء كانت مغروسة أولا
وقد اختلفت وجهة نظر المجتهدين على بناء هذا الاحتمال فمن منع المزارعة بمعنى تأجير الأرض بما يخرج منها أو تاجير العامل بما يخرج من الأرض تمسك بالأحاديث الدالة على النهى عن تاجير الأرض بما يخرج منها أو تأجير العامل بما ينتج من عمله لأن ذلك تأجير بمجهول لجواز أن لا تخرج الأرض شيئا من الزرع فيضيع على العامل عمله
والشريعة الإسلامية تحث الناس دائما على أن تكون معاملتهم واضحة جلية حتى ترتفع من بينهم أسباب الشكوى والخصام وتحث أيضا على الرفق بالعامل فلا يصح أن تجعل عمله معلقا في ميزان القدر بل لا بد أن يكون ضامنا لشيجة وجهوده وكده وبيان ما سيحصل عليه من أجر أما ما ورد في حديث ابن عمر ونحو بأرض خيبر وهي مزروعة نخلا له ثمر معروف فكان العامل على تنميتها وسقيها وهو واثق من نتتيجة عمله وهذه هى المسافاة التى سيأتى بيانها ولا خلاف في جوازها فلا يصح أن يقاس عليها الأرض التي لا زرع بها أصلا أو الأرض التي ينبت بها ضعيف
أما من اجاز المزارعة بالمعنى المذكور وهو تأجير الأرض بما يخرج منها فقد رأى أن الحديث عام وليس فيه ما يدل على الجواز خاص بهذه الأرض بدون غيرها ولأن العلة وهي كون الأجرة مجهولة موجودة أيضا في المساقاة فإنه يجوز أن لا يجوز أن لا يثمر النخل أو يشيص أو تجتاحه آفة فيضيع على العامل عمله
على أن الذي منع المزارعة بالمعنى النتقدم أجازها تبعا للمساقاة وفيها تاجير الأرض بمجهول على أى حال . وحينئذ تكون المزارعة مستثناة من منع التأجير بمجهول كالمساقاة لما في ذلك من مصلحة الناس وعدم الحرج فإن بعضهم قد يملك أرضا وليس له قدرة على زرعها ولا يجد من يستأجرها : وبعضهم لا يملك أرضا ولكن له قدرة على الزرع ويرغب في زرع الأرض على أن يكون لكل منهما نصيب شائع معلوم مما يخرج منها فإذا منعنا ذلك فقد أضعنا على الفريقين مصلحة وضيقنا عليهما مما يخرج منها فإذا منعنا ذلك فقد أضعنا على الفريقين مصلحة وضيقنا عليهما ما فيه سعة وليس للشريعة الإسلامية غرض في ذلك إنما غرضها مصلحة الناس وراحتهم والتوسعة عليهم
هذا بيان وجهة نظر كل من الأئمة المتازعين في جواز المزارعة ( أو تأجير الأرض بما يخرج منها ومنعه )
وبديهي أن كل واحد من الفريقين إنما يبحث في تفكيره عن المصلحة التي تنشدها الشريعة الإسلامية ويناضل عن تفكيره عن المصلحة التى تنقضي إلى الحصول على تلك المصلحة والبعد عن الضرر الذي يلحق العامل الضعيف أو يصيب غيره
وإذا كان الحال على ما ذكر فإنه يمكننا أن نطبق رأي الفريقين على ما هو واقع في زماننا وأن نختار ما هو مناسب لمصالح الناس ومنافعهم
فمن الناس من ينتهز فرصة حاجة العامل الشديد إلى العمل فلا يعطي له أرضه إذا غبته غبا فاحشا وأرهقه إرهاقا شديدا فإذا ما دفعته الحاجة إلى العمل مزارعة في تلك الأرض كانت نتيجة عمله للمالك خاصة فيستولى على غلتها فوق ما يفرضه عليه من مال وعمل وهذا لا يجوز في نظر الشريعة الإسلامية التي توجب مساعدة المضطر ومعونة العامل الضعيف . فلهذا ينبغي تحذير الناس من المزارعة التي يترتب عليها حرمان العامل من كده واستغلال المالك إياه لحاجته . وعند ذلك يفتى برأي المالكية الذين يشترطون المساواة في الربح بنسبة ما قام به كل من الشريكين من عمل أو أرض أو نحوهما حتى لا يطمع أحدهما في صاحبه
أما إذا كانت عاطفة الخير متبادلة بين الناس وكل من الشريكين لا يريد إلا أن ينتفع بما يستحقه من أرض أو عمل فلا ينبغي أحدهما على صاحبه ولا يغنيه في أمر ولا يخونه في عمل وكانت المصلحة تقتضي العمل في الأرض مزارعة بقسمة ما يخرج من غلتها فإنه في هذه الحالة يفتى برأي من أجاز تأجير الأرض بما يخرج منها بدون نظر إلى القيود التي ذكرها الفريق الآخر



   

مباحث المساقاة


تعريفها وشروطها وأركانها وما يتعلق بها

- المساقاة في اللغة مشتقة من السقي . وهي استعمال شخص في نخيل أو كروم أو غيرها لإصلاحها على سهم معلوم من غلتها ذلك هو المعنى اللغوي وهو مساو للمعنى الشرعي إلا أن المعنى الشرعي يشتمل على شرائط خاصة يترتب عليها صحة العقد بخلاف المعنى اللغوي فالمغايرة بينهما من هذه الناحية ثم إن المساقاة مفاعلة والقياس أن يكون مصدرها وهو السقي واقعا بين اثنين مع أنه هنا واقع من العامل وحده وأجيب بأنها على غير بابها أو أنها لوحظ فيها التعاقد وهو أعماله خصوصا إذا كان بالدلاء من بئر عميق فإن السقي يكون شاقا
كل المشقة فلا تكاد الأعمال الأخرى تذكر بجانبه
أما معنى المساقاة اصطلاحا فهو عقد على خدمة شجر ونخل وزرع ونحو ذلك يشرائط مخصوصة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : ما ينبت بالأرض ينقسم إلى خمسة أقسام :
الأول : ان يكون له أصل ثابت وله ثمرة تجنى مع بقاء ذلك الأصل زمنا طويلا كالنخل وشجر العنب والتين والبرتقال والمانجو ونحو ذلك
الثاني : أن يكون له أصل ثابت ليس له ثمر يجنى كاللأثل والصنوبر والصفصاف ونحو ذلك
الثالث : أن يكون له أصل غير ثابت وله ثمر يجنى كالموز والمقشأة ( المقات من بطيخ وعجوز وقثاء ونحو ذلك )
ومن المقثأة القرع ومثلها الباميا وقصب السكر ونحو ذلك
الرابع : أن يكون له أصل غير ثابت يجنى ولكن له زرع وورق يبتفع به وذلك كالورد والياسمين ونحو ذلك
الخامس : الخضر الرطبة التي يقصد الأنتفاع لا بثمرها وهي على قسمين : ما يقلع من جذوره ولا خلفة له كالبصل والثوم والفحل ونحوها مما لا ينبت غيره بعد قلعة . وما له خلفة كالكراث والكزبرة
والجرجير والبقدونس والبرسيم ونحو ذلك مما يقطع وتبقى أصوله فتنبت ثانية ولكل قسم من هذه المساقاة عليه شرطان
الشرط الأول : أن يكون الشجر أو النخل قد غرسه زمن حتى صار بالغا لأن يثمر في عامه الذي وقع فيع العقد سواء كان ذلك الثمر موجودا وقت العقد أو لم يكون موجودا أما إذا كان صغيرا كالنخل الصغير الذي لم ( يطرح )
في العام الذي حصل فيه التعاقد فإن المساواة لا يصح عليه ويسمون النخل الصغير الذي لم يبلغ فهل يصح العقد على الصغير تبعا للكبير ؟
والجواب : أنه إذا كان عدد الصغير قليلا بحيث لا يتجاوز الثلث فإنه يصح . أما إذا كان عدد الصغير أكثر من الثلث فإن العقد يكون فاسدا
الشرط الثاني : أنه إذا كان على النخل أو الشجر ثمر العقد فإنه يشترط أن يكون ذلك الثمر صغيرا لم يظهر صلاحه وظهور الصلاح في كل شيء بحبسه ففي البلح باحمراره أو اصفراره وفي غيره بظهور الحلاوة به فإذا ظهر صلاحه فإنه لا يصح عقد المساقاة عليه في هذه الحالة لأن الشجر يكون مستغنيا عن الخدمة حينئذ
وبعض أئمة المالكية يقول بصحة العقد على أنه إجارة لأن الإجارة عنده بلفظ المساقاة فإذا أراد المالك أن يتعاقد مع العامل على خدمة بستان به شجر قد ظهر صلاح ثمره فهل يصح التعاقد ؟ والجواب أنه يصح بشرطين :
أحدهما : أن يكون الشجر الذي ظهر صلاحه أقل من الذي لم يظهر بحيث لا يزيد عن ثلثه كما تقدم في الذي قبله
ثانيهما : أن يكون الشجر أنواعا مختلفة كنخل ورمان ويكون النوع الذي ظهر صلاحه غير النوع الذي لم يظهر صلاحه فإذا ظهر بعض صلاح البلح مثلا ولم يظهر بعض صلاح الرمان وكان الذي ظهر صلاحه من البلح أقل مما لم يظهر فإنه يصح
أما إذا كان الشجر نوعا واحدا كنخل فقط وظهر بعض صلاح ثمره فإن جميع النخل في هذه الحالة يحل بيعه فالذي لم يظهر صلاحه يكون في حكم ما ظهر صلاحه وكذلك إذا كان الشجر الذي بالبستان نوعين فأكثر ثم ظهر صلاح كل نوع منه سواء كان قليلا فإنه في هذه الحالة يدل على صلاح الجميع
وحكم ما يدل في العقد تبعا أن يكون بين المالك والعامل فإذا شرط أن ينفرد به أحدهما بطل العقد
وهناك شرط ثالثفيما له أصل وله ثمر يجنى وذلك الشرط هو أن يكون الشجر مما لا يخلف والإخلاف له معنيان معنى في الشجر ومعنى في الزرع فمعناه في الشجر هو أن ينبت بجانب الثمرة التي استوت قبل قطعتها شجرة أخرى جديدة مثمرة كالموز فإنه بعد أن تثمر شجرة الموز تنبت إلى جانبها شجرة أخرى تثمر قبل قطع الأولى وهكذا ومعهناه في الزرع هو أن ينبت له خلف بعد قطعة كالبرسيم ونحوه مما تقدم وحكم الشجر الذي يخلف بعد قطعه أنه لا تصح مساقاته لما فيه من الجهالة وعدم معرفة ما يتفرغ من الشجر الذي يخلف بعد القطع كشجر النبق وغيره ( فإن معظم شجره ينبت ثانيا إذا قطع وبقي أصله )
فإن المساقاة تصح عليه وحكم الزرع الذي يخلف أنه لا تصح عليه المساقاة كما ستعرفه
وأما القسم الثاني : وهو ماله أصل ثابت وليس له ثمر يجنى فإن المساقاة لا تصح عليه
واما القسم الثالث : وهو ماله أصل غير ثابت وله ثمر يجنى كالمقثاة وكذلك القسم الخامس وهو الخضر الرطبة فإنه لا تصح المساقاة عليها إلا بخمسة شروط :
الشرط الأول : أن يكون مما لا يخلف مما لا يخلف بعد قطعة المساقاة في البصل والفحل والخس والجزر ( والمقات )
فإنها لا تنبت غيره بعد قطعه وكل ما يقلع من أصول ولا يترك أصله حتى ينبت ثانيا كالبرسيم والكراث والكزبرة والبقل ونحوها فإنه لا تصح عليها المساقاة
الشرط الثاني : أن يعجز صاحبه عن تمام سقيه وخدمته فإن أمكنه أن بخدم مقثأته وبصله وفجله فإنه لا يصح أن يتعاقد مع غيره على أن يتم له خدمته بجزء منه
الشرط الثالث : أن يخاف موته إذا لم يتعاقد مع غيره على سقيه
الشرط الرابع : أن يكون قد برز من الأرض ليكون شبيها بالشجر
الشرط الخامس : أن لا يكون صلاحه قد ظهر فإن لم تتحقق هذه الشروط في ذلك القسم فإنه لا تصح المساقاة عليه
وأما القسم الرابع : وهو ماله أصل غير ثابت ولكن له زهر وورق ينتفع به كالورد والياسمين فإنه كالشجر فلا يشترط فيه عجز صاحبه عن سقيه وإنما يشترط فيه الشروط التي ذكرت أولا في الشجر واختلف في القطن الذي يجنى مرة بعد أخرى وكذلك العصفر فقيل إنه يشترط فيه الشروط الخمسة المتعلقة بالزرع وهو الراجح وقيل هو كالشجر فلا يشترط فيه سوى الشجر ولا يشترط في المساقاة أن يكون الزرع محتاجا للسقي فلو فرض وكانت الأرض ندية والشجر يشرب بعروقه منها بدون حاجة إلى سقي فإنه يصح عقد المساقاة لأن الشجر يحتاج إلى خدمة كثيرة غير القي وحراسته وخدمة الأرض التي علها وهذا كاف في صحة العقد ويسمى
الزرع الذي لا يجتاج إلى الماء بعلا
وكذلك لا يشترط في المساقاة أن تكون بجزء الثمرة بل تصح بجزء الثمرة وبجميعها فلو اشترط العامل أن تكون الثمرة كلها في نظير خدمته فإنه يصح وكذلك إذا اشترط ذلك المالك إنما الذي يشترط من ذلك أن يعين عدد مخصوص أو يعين ثمرة نخلة مخصوصة كأن يقول المالك للعامل ساقيتك على بستاني هذا بشرط أن يكون لي عشرون كيلة من بلحه أو بشرط أن يكون لي بلح نخلة كذا يصح أن يجعل نصيب أحدهما شائعا في بعض النخل أو الشجر كما لا يصح أن يكون نصيبه مجهولا كأن يكتفي في عينيه بالعرف إذا كان الناس لهم عرف في مثل ذلك
وكذلك يشترط أن يكون الجزء الذي يخص كلا منهما مستويا في جميع أشجار البستان فإذا كان البستان نخل ورمان وعنب واتفقا على خدمته بالثلث فإنه يجب أن يكون الثلث شائعا في الجميع فلا يصح أن يكون في النخل الثلث وفي غيره الربع مثلا ويفي هذا الشرط اشتراط شيوع النصيب في جميع الأشجار لأنه إذا كان له الثلث شائعا فلا بد أن يكون في كل أنواع الشجر بنسبة واحدة ولكن دكرناه لزيادة الإيضاح
فالشروط المختصة بنصيب كل من المالك والعامل ثلاثة :
أحدهما : ان يكون معينا كالربع او الثلث أو نحو ذلك سواء كان تعينه بالنص لفظا أو بعادة أهل البلد
ثانيهما : أن يكون شائعا مستويا في جميع الأشجار
ثالثهما : أن لا يعين قدر مخصوص كعشرين كيلة أو يعين ثمن شجر مخصوص
هذه هي شروط صحة المساقاة
وأما شروط المفسدة لها فمنها : أن يشترط المالك إخراج الخدم أو الدواب الموجود في البستان حين التعاقد فإذا لم يشترط ذلك ثم أخرجها بدون شرط فإن العقد لا يفسد . وكذلك إذا أخرجها قبل التعاقد ولو كان إخراجها بعد العزم على العقد
ومنها : أن يشترط تجديد شيء في البستان لم يكن موجودا حين العقد كبناء حائط أو غرس شجر فإذا جدد أحدهما شيئا من نفسه بدون شرط فإنه لا يضر
ومنها : أن يشترط أحدهما على الآخر القيام بعمل خارج عن خدمة الشجر كأن يشترط أحدهما على صاحبه خدمة بيته او القيام بطحن غلته او نحو ذلك
وعلى العامل أن يقوم بجميع ما يحتاج إليه البستان عرفا ولو بعد انتهاء مدة المساقاة كتلقيح الشجر وتنقية من الحشائش الضارة وإحضار ما رث من حبال ودلاء لازمة للسقي وهكذا وعلى المالك أن يدفع أجرة الخدم الذين كانوا في البستان حين التعاقد وأن يجدد بدل من يمرض منهم واما أركلنها فهي أربعة : الأول : ما يتعلق بالعقد من شجر وعامل ومالك . الثاني : المشروط للعامل . الثالث : العمل . الرابع : ما به تنعقد من الصيغة وتنعقد بلفظ ساقيت بخصوصه على رأي بعضهم وتنعقد به زبلفظ عاملت ونحوه على رأي البعض الآخر وهو الراجح
الحنفية - قالوا : المساقاة وتسمى المعاملة تصح في كل نبات يبقى في الأرض سنة فأكثر فتصح في الشجر الكبير كشجر النبق ( النخل )
ونحوهما وكذلك تصح في الزرع سواء كان خضرا كالراث والسلق والجرجير ونحو ذلك وتسمى بالبقول . أو كان ( مقثأة )
كالبطيخ والعجور
والقثاء والشمام ونحو ذلك ومنه القرع ومثله الباذنجان والباميا أو كان شجر كروم كالعنب والرمان والسفرجل ونحو ذلك ويسمى ذلك كله بالرطب جمع رطبة كقصعة وقصاع ولا يشترط في الشجر أن يكون مثمرا فتصح في الصفصاف والجوز والصنوبر والأثل ونحوها بشرط
أن تكون في حاجة إلى السقي والحفظ فإذا لم تحتج لذلك فلا تصح عليها المساقاة . وركنها الإيجاب والقبول وذلك بأن يقول له دفعت إليك هذا البستان مساقاة فيقول العامل قبلت ويشترط لها أمور ومنها : أن يكون العاقدان عاقلين ولو يكونا بالغين
ومنها : انهما إذا تعاقدا على شجر مثمر يزيد بالعمل فيه فإذا كان فيه طلع أو فيه ثمر قد احمر أو اخضر أو اصفر ولكنه لم يستو فإنه تصح مساقاته أما إذا كان قد استوى وأصبح صالحا للجني ولكن ينقصه أن يكون رطبا فإن مساقاته لا تصح
ومنها : أن يكون الخارج من الثمر لهما فلا يصح أن يكون لواحد منهما فقط
ومنها : ان تكون حصة كل واحد منهما معلومة القدر كالثلث أو الربع أو نحوهما
ومنهما : أن تكون شائعة في جميع الشجر
ومنها : التسليم للعامل وهو أن يخلى بينه وبين الشجر فلو اشترطا أن يكون العمل عليهما معا فسد العقد
ولا يشترط في صحة المساقاة بيان المدة فإذا تعاقدا بدون بيان مدة فإن العقد يصح ويقع على أول ثمرة تخرج بعد العقد فإذا تعاقدا على خدمة كرم وليس لثمرته مدة يعرف فيها ابتداؤه وانتهاؤه فإنه لا يصح اما إذا كانت له مدة تعلم فإنه يصح
وأما الشروط المفسدة لعقد المساقاة فمنها : كون الخارج كله لأحدهما . ومنها أن يكون لأحدهما نصيب معلوم العدد أو الكيل العدد أو الكيل كأن يشترط أن يكون كيلة من الثمر ونحو ذلك ومنها شرط العمل على صاحب الأرض لأو عليهما معا لما عرفت
ومنها : أن يشترط على أحدهما حمل الثمر وحفظه بعد قسمته لأن بعد القسمة يكون كل واحد مسؤولا عن نصيبه
ومنها : شرط قطع الثمر أو قطفه على العامل وحده . ومنها : شرط عمل تبقى منفعته بعد انتهاء مدة المساقاة كبناء حائط أو غرس أشجار أو نحو ذلك ومنها أن يكون نصيب تابعا للعمل فلو تعاقدا على أن يخدم العامل ليأخذ ثلث ثمره ويأخذ المالك الثلث الثاني ويأخذ شخص ثالث لم يعمل الثلث الآخر لم يصح العقد
ويتعلق بالمساقاة أحكام :
منها : أن ما يحتاج إليه الشجر ونحوه من السقي وإصلاح الترع والحفظ وتلقيح النخل وتنقية الحشائش ونحو ذلك فإنه يلزم به العامل . أما ما يحتاج إليه الشجر من النفقة وما تحتاج إليه الأرض من تقليب ويسمى " عزقا " أو سباخ أو نحو ذلك من النفقات المطلوبة لإصلاح الأرض والشجر لينمو الثمر ويزيد فإنه يكون عليهما بحسب نصيب كل منهما
ومنها : أن يقسم الخارج بينهما بحسب الشرط
ومنها : أنه إذا لم يخرج الشجر شيئا فلا شيء لواحد منهما على الأخر
ومنها : عقد المسا قاة لازم من الجانبين فلا يضح لأحدهما فسخة بعد تمامه من غير رضا صاحبه إلا لعذر كمرض العامل إذا كان يضعه عن العمل أو تبين للمالك أن العامل سارق معروف با لسرقة فإن له أن يفسخ التعاقد معه . وتفسخ بموت المتعاقدين أو أحدهما وبانقضاء المدة
ومنها : أن العامل يجبر على العمل إلا لعذر
ومنها : جواز الزيادة على الشرط والحط منه
وأما المساقاة الفاسدة فحكمها أن الخارج يكون كله للمالك وأن للعامل أجر مثله سواء أخرج الشجر ثمرا أولا . وصفة عقد المساقاة أنه لازم كما عرفت
وبالجملة فشرائط عقد المزارعة إلا فيما لا يمكن وجوده في المساقاة كبيان نوع البذر . وحكمها وهو الصحة على المفتى به خلافا للإمام الذي يقول بعدم صحة المساقاة كالمزارعة
ولكن يفرق بين المساقاة والمزارعة بأربعة أمور :
الأول : أن يعقد المساقاة لزم فلا يصح لأحدهما فسخة بعد الإيجاب والقبول بخلاف عقد المزارعة فإنه لا يلزم في جانب صاحب البذر إلا ألقي بالأرض كما تقدم
[ يتبع . . . ]
الثاني : إذا تعاقدا على مدة معينة في المساقاة ثم انقضت المدة قبل استواء الثمرة فإنه يكون للعامل الحق في أن يقوم على الأشجار ويباشرها حتى تنتهي ثمرتها ولكن لا يكلف العامل يدفع أجرة حصته من الشجرة حتى تستوي الثمرة التي يجنيها وبيان ذلك أنه انقضاء مدة المساقاة قد يتوهم أن يقول المالك للعامل لا حق لك في بقاء ثمرك على الشجر الذي أملكه بعد بطلان العقد بانقضاء مدته فإذا شيءت بقاءه إلى أن ينتهي فادفع عليه أجرا . ولكن هذا لا يجوز إذ ليس للمالك مطالبة العامل بأجر على بقاء الثمر لأن الشجر استئجاره
أما المزارعة فإن العامل وإن كان له الحق في القيام على الزرع بعد انقضاء المدة حتى تنتهي ولكن للمالك الحق في مطالبته بأجر أرضه التي عليها زرعه إلى أن ينتهي لأن الأرض يصح استئجارها
الثالث : إذا تعاقد شخص مع آخر على خدمة بستان مساقاة وعمل فيه ثم ظهر أن ذلك البستان حق لشخص آخر غير الذي تعاقد معه فإن كان به ثمر فإن العامل يرجع على من ثبت أن ذلك له . أما إذا تعاقد معه عقد مزارعة وثبت أن الأرض حق لغير من تعاقد نعه فإن الزرع كله يكون لمن ثبت له الأرض ويرجع العامل عليه بقيمة ما يخصه من الزرع
الر ابع : أن بيان المدة شرط في المزارعة وليست شرطا في المساقاة وذلك لأن وقت إدراك الثمر معلوم عادة فإذا لم يبينا المدة فيقع العقد على أول ثمر في تلك السنة كما تقدم
الشافعية - قالوا : المساقاة هي أن يعامل شخص يمولك نخلا أو عنبا شخصا آخر على أن يباشر ثانيهما النخل أو العنب بالسقي والتربة ونحو ذلك وله في نظير عمله جزء معين من الثمر الذي يخرج منه ولللولي أن ينوب عن المالك القاصر في ذلك
وأكانها خمسة :
الركن الأول : الصيغة وهي تارة تكون صريحة وتارة تحتمل أن تكون صريحة وأن تكون كناية فالصريحة هي ما كانت بلفظ ساقيت وعاملت فإذا قال له ساقيتك على هذا النخل أو العنب بكذا من ثمره فإن العقد يقع صريحا لازما اما الألفاظ التي تحتمل الأمرين فهي كأن يقول له سلمت لك هذا النخل أو هذا العنب لتتعهده بكذا من ثمره . أو يقول له تعهد هذا النخل الخ أو يقول له اعمل فيه . فهذه الألفاظ الثلاثة تحتمل أن تكون صريحة في المساقاة وتحتمل أن تكون كناية لأنه يصح أن يقول قصدت بها الإجارة فيفسد العقد حينئذ لأن الإجارة لا تصح بجزء من الخارج
ولكن المعتمد أن هذه الألفاظ صريحة في المساقاة لأن عدم ذكر لفظ الإجارة مع جعل العوض جزءا من الثمر يعين المساقاة
نعم لو صرح بلفظ الإجارة بأن قال له : أجرتك هذا النخل بجزء من ثمره فإنها تقع إجارة فاسدة نظرا للتصريح باللفظ وإن كانت في معنى المساقاة
وكذا لو قال له ساقيتك على هذا النخل بعشرين جنيها فإن يقع فاسدا لأن المساقاة إنما تكون بجزء من الثمر لا بالنقد ولا يصح أن يكون إجارة نظرا للفظ المساقاة وإن كان في معنى الإجارة من حيث كونه بالنقد
ويشترط لصحة الصيغة القبول لفظا فلا يكفي مباشرة من العامل أو تسليم الشجر من المالك فإذا كان أخرس فإن إشارته تقوم قوله إلا أن إشارته تون صريحة إذا كانت مفهومة لكل أحد وتكون كناية إذا كانت مفهومة للفطن فقط فإذا كانت كناية لا يلزم بها إذا امنتنع عن تنفيذ العقد إلا إذا قامت قرينة ترجح إرادة العقد
الركن الثاني : العاقدان إذ لا تتحقق المساقاة إلا بمالك وعامل يشترط فيهما أن يكون كل واحد منهما أهلا للتعاقد فلا تصح من مجنون وصبي
الخ ما تقدم في البيع ويجوز للولي أن يتولى ذلك عن القاصر كما عرفت قريبا
الركن الثالث : مورد العمل وهو النخل أو العنب إذ لا تتحقق المساقاة إلا
بوجودهما
ومذهب الشافعية المعمول به الآن أن المساقاة لا تصح إلا في النخل والعنب بخصوصه ويعللون هذا بأن غيرهما من الأشجار ينمو بنفسه فلا يحتاج إلى من يباشر العمل فيه بخلاف النخل والعنب وقد يقال إن كثيرا من الأشجار تحتاج إلى تربية وعلاج أكثر كالمانجو وغيرهما أما المذهب القديم عندهم فإنها تصح في جميع الأشجار المثمرة واختاره بعض أئمتهم
وعلى مذهب المعمول به عندهم إذا ساقى شخص آخر على نخل آخر كنبق أو برتقال أو غيرهما فهل تصح المساقاة عليهما تبعا للنخل ؟ خلاف والأصح الجواز بالشروط المتقدمة في المزارعة التي تصح تبعا للمساقة . فإذا كان بالبستان شجر لا يثمر كالصنوبر فإنه لا تصح المساقاة عليه تبعا للنخل كما لاتصح المساقاة منفردا ومثله الزرع الذي لا ساق له كالبطيخ والعجور وقصب السكر فإنها المساقاة عليها تبعا كما لا تصح منفردة وبعضهم يقول بجواز المساقاة عليها تبعا بالشرائط المذكورة
ويشترط لصحة المساقاة أن يكون النخل أو العنب والشجر التابع معينا مرئيا فلا تصح أن يقول له ساقيتك على احد البستانين اللذين أمامنا من غير أن يعين واحدا منهما ولا تصح المساقاة على ان يغرس العامل نخلا ابتداء على أن يكون له نصفه أو ثلثه أو نحو ذلك لأن الغرس ليس من عمل المساقاة فإذا فعل ذلك فسد العقد وللعامل أجر مثله . إذا ساقاه على نخل مغروس ولكنه صغير لم يبلغ الحد الذي يثمر فيه ويسمى ( وديا . وفسيلا )
بأن يتعهد سقيه وتربيته من ثمره لا منه فإن ذلك يشمل ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يقدرا مدة يثمر فيها النخل أو ظنا وفي هذه الحالة يكون العقد صحيحا فإذا لم يثمر النخل في تلك المدة فلا يستحق العامل أجرا ويضيع عليه عمله فإذا قدر له مدة خمس سنين مثلا تبتدئ بعد شهرين ثم أثمر قبل قبل حلول الموعد فإن لا يستحق أجرا . وكذا إذا أثمر قبيل أن تنتهي المدة وتأخر بلوغ الثمر حتى فرغت المدة فإن للعامل حقه
في الثمر وعلى المالك أن يتم المطلوب للنخل
الصورة الثانية : أن يقدر له مدة لا يثمر فيها غالبا ولا يقينا وظنا ولا احتمالا وفي هذه الحالة يقع فاسدا بلا نزاع وللعامل عمله
الصورة الثالثة : أن يقدر يحتمل أن يثمر فيها ويحتمل أن لا يثمر لجهل حال بلوغ مثل هذه النخل واختلف في هذه الصورة فقبل بفساد وقيل بصحته لأن الثمر مرجو ومن بعدم صحته يقول إن العامل يستحق الأجرة وإن لم يثمر
الركن الرابع : العمل إذ لا تتحق المساقاة بدون عمل فالعامل مكلف بأن يقوم بكل الأعمال اللازمة لإصلاح الثمر ونمائه من سقي وحفظه وتنقية حشائش ضارة وتنظيف مجاري الماء وقطع الفروع الجافة التي تضر بالشجر ( تقليم العنب )
وتلقيح النخل ونحو ذلك من الأعمال التي تتكرر كل سنة ولا يشترط ان تبين هذه الأعمال في صيغة العقد بل يلزم بها العامل على أي حال حتى حال لو كلن المتعارف عند بعض الناس أن لا يعمل بعضها لأن ذلك ضروري
أما الأعمال الداخلة في معنى المساقاة من غير الأعمال فإنه يشترط بيانها تفصيلا في صيغة العقد إلا إذا كان فيها عرف متبع بين الناس معلوم للعاقدين فإنه في هذه الحالة يصح بدون بيانها تفصيلا ويتبع فيها عرف أهل الجهة التي فيها النخل والشجر فإذا لم يكون فيها عرف أو كان ولم يعرفه المتعاقدان فسد العقد بدون بيانها واختلف في قطع الثمر وتجفيفه فقيل على العامل وقيل على المالك والأصح أنه على العامل
أما الأعمال الثابتة التي لاتكرر كل سنة فهي على المالك كحفر الآبار
والمساقي وبناء الأسوار ووضع السقوف ونحو ذلك فإذا اشترط على العامل شيء من ذلك فسد العقد وكذا فإذا اشترط على المالك أن يعمل شيء من ذلك فسد العقد وكذا إذا اشترط على المالك أن يعمل شيئا من أعمال المساقاة التي يختص بها العامل فسد العقد فإذا اشترط احدهما على الاخر شيئا لا يختص به خارج العقد كما إذا اشترط المالك على العامل أن يبني سورا فإن العقد لا يفسد ولا يلزم بتنفيذه
ويشترط في العمل ثلاثة شروط :
أحدهما : أن يكون مقدرا بمدة كسنة أو أقل أو أكثر اشترطا مدة غير معينة فسد العقد
الشرط الثاني : أن يكون العامل منفردا بوضع اليد أيضا فإن اشترطت المشاركة فسد أيضا لأنه لا يكون حرا في العمل
نعم يصح أن يشترط مساعدة العامل بخادم المالك بشرط أن يكون الخادم معروفا بالرؤية أو الوصف وأن يعمل تحت تدبير العامل
الركن الرابع : الثمر ويشترط لها شروط
أحدهما : أن تكون مختصة بالمالك والعامل فلو شرط دخول ثالث معهما في الثمرة فسد العقد ثانيهما : أن يكون نصيب كل منهما معينا كالنصف أو الثلث أو نحو ذلك فلو قال : ساقيتك بجزء من الثمر فإنه لا يصح لأن الجزء غير معين . نعم لو قال ساقيتك على أن يكون بيننا فإنه يصح ويكون بينهما مناصفة
ثالثهما : أن تكون الثمرة قد ظهر صلاحها فلا تصح المساقاة على الثمر الذي ظهر صلاحه هذا ولا يشترط أن يكون للعامل شيء من الشجر كالجريد ونحوه مما يختص به المالك
واعلم أن عقد المساقاة لازم لا يصح لأحد الشريكين فسخه فإذا امتنع العامل عن العمل لعذر أو لغيره فللمالك أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليلزمه . وإذا كان النخل أو العنب مملوكا لاثنين فإنه يجوز لأحدهما مساقاة الآخر عليه يشترط له جزءا زائدا عما يستحقه بملكه فإذا كان يملك النصف فلا تصح المساقاة إلا إذا كانت بجزء من النصف الثاني
الحنابلة - قالوا : المساقاة يشمل أمرين :
أحدهما : أن يدفع المالك أرضا مغروسة نخلا أو شجر مأكول بجزء معلوم من ثمرته كنصفها أو ثلثها
ثانيهما : أن يدفع له أرضا وشجرا غير مغروسة ويعمل عليه بجزء معلوم منه أو من ثمره ولكن المعنى الثاني يختص باسم المناصبة والمغارسة لأنه الشجر ليغرسه
ومن هذا يتضح أن المساقاة أعم لأنها تشمل ما كان الشجر مغروسا لافعل أو غير نغروس أما المناصبة فهي مختصة بغير المغروس
ويشترط لصحة عقد المساقاة شروط :
أحدهما : ان يكون الشجر له ثمر مأكول كما ذكر تصح على شجر الكافور والحور والصنوبر والصفصاف والسنط ونحو ذلك من الأشجار التي لا ثمرة لا تؤكل ومثل ذلك الورد والياسمين ونحوهما فإنه لا يصح عقد المساقاة عليه لأنه ليس له ثمر . وبعضهم يقول إن المساقاة تصح على الورد والياسمين ونحوهما من المزروعات التي لها زرع ينتفع به بجزء معلوم من زهره
ثانيهما : أن يكون الشجر له ساق فلا تصح عقد المساقاة عليه ولإنما يصح عليه عقد المزرارعة ثالثهما : أن يكون نصيب كل منهما جزء معينا بجزء مشاع كالنصف أو الثلث أو الربع أو نحوه ذلك
حتى لو جعل المالك للعامل جزءا من ألف جزء جاز لأنه لا يلزم التساوي في الأنصبة أما لو بين نصيب واحد منهما بعدد معين كعشر كيلات ومثل ذلك ما إذا جعل دراهم معلومة وكذا لو جعل له جزءا معلوما كالخمس وضم إليه جنيهين مثلا فإن كل ذلك لا يصح لجواز أن لا يخرج شيء من الثمر يساوي النقد عينه
رابعها : أن يكون الشجر معلوما للمالك والعامل بالرؤية أو الصفة التي لا يختلف الشجر معها كالبيع فإذا ساقاه على أحد هذين البستانين ولم يعين واحدا منهما فإنه لا يصح وكذا ساقاه على بستان لم يعرفه ولم يصفه وصفا يرفع الاشتباه
خامسهما : أن لا يشترط للعامل ثمر مخصوص من بين الأشجار كما إذا كان في البستان شجر برتقال وتين وتفاح فاختص العامل بشجر التين مثلا فإنه لا يصح وكذلك إذا اشترط له ثمر سنة غير السنة التي ساقاه في سنة أربع بثمر سنة خمس مثلا وكذلك لا تصح إذا ساقاه على بستان بثمر بستان آخر وكذلك إذا ساقاه بجزء من ثمر هذا البستان في هذا العام على أن يعمل فيه في العام الذي بعده فإن كل ذلك يفسد العقد
وركن المساقاة الإيجاب والقبول وتنعقد بلفظ المساقاة والمعاملة كاعمل في بستاني أو تعهده وبالجملة فالمعول عليه في ذلك هو المعنى فمتى حصل بأي لفظ صح . وأنا القبول فإنه يصح بما يدل عليه أيضا من قول وفعل فشروع العامل في العمل قبول
وتصح المساقاة بلفظ الإجارة كما تصح المزارعة بذلك لما تقدم من أن الإجارة تصح بجزء مشاع معين من الخارج من الثمر
وتصح المساقاة على الشجر الصغير الذي لم يبلغ حد الإثمار بجزء من ثمرته بشرط أن تكون مدة المساقاة يثمر فيها الشجر غالبا وكذلك تصح المساقاة على أن يغرس العامل شجرا ابتداء ويتعهده حتى يثمر وينمو جزء منه وهي المغارسة النتقدم دكرها كما يصح بجزء من ثمره أو بجزء من الشجر وجزء من الثمر بشرط أن تكون الأصول التي يراد
غرسها من مالك الأرض كالبذر فإذا اشتراها العامل وغرسها كان المالك مخيرا بين قلعها ويدفع له قيمة ما نقص منها وبين تركها وعليه قيمتها
وهو عقد غير لازم كالمزارعة فالكل من العاقدين فسخة في رأي وقت فإذا فسخ العامل بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما شرطاه عند العقد في هذه الحالة يملك العامل نصيبه من الثمر الظاهر ويلزم بالعمل وفي إلزامه بالعمل وله أن يبيع نصيبه لمن يقوم مقامه بالعمل ويصح أن يشترط على من يبيع له أن يعمل بدله . أما إذا فسخ فإن عليه للعامل أجرة مثل عمله
ولا يشترط توقيت المساقاة بمدة لأنها عقد غير لازم كما عرفت فلو عينت مدة للمساقاة ولكن الثمر لم يثمر فيها فلا شيء للعامل



مباحث المضاربة


تعريفها

- هي في اللغة عبارة عن أن يدفع شخص مالا لآخر ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما على ما شرطا والحسارة على صاحب المال
وهي مشتقة من الضرب بمعنى السفر لأن الاتجار يستلزم السفر غالبا . قال تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض } أي سافرتم وتسمى قراضا ومقارضة مشتقة من القرض وهو القطع سميت بذلك لأن المالك قطع قطعة من ماله ليعمل فيه بجزء من الربح والعامل قطع لرب المال جزءا من الربح الحاصل بسعيه فالمفاعلة على بابها
وأما عند الفقهاء : عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع احدهما للآخر مالا يملكه ليتجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح كالنصف أو الثلث أو نحوهما مخصوصة
وظاهر أن هذا المعنى يطابق المعنى اللغوي إلا أنه مقيد بالشروط التي
تجعل العقد صحيحا أو فاسدا في نظر الشرع
ومناسبة المضاربة للمساقاة والمزارعة ظاهرة لأنك قد عرفت أنهما عقدان بين اثنين من جانب أحدهما الأرض أو الشجر ومن جانب الآخر العمل ولكل منهما نصيب في الخارج من الثمر وكذلك المضاربة فإنها عقد يتضمن أن يكون المال منة جانب والعمل من جانب آخر ولكل من الجانبين نصيب في الربح وتسمى المضاربة قراضا عند الفقهاء أيضا ويقال لرب المال مقارض - بكسر الراء - وللعامل مقارض - بفتحها - أما المضاربة فيقال للعامل فيها مضارب - بكسر الراء - وليس للمالك اسم مشتق منها

مبحث أركان الشركة

- ولها أركان وشروط وأحكام مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية : قالوا : عقد المضاربة بالنظر لغرض المتعاقدين يكون شركة في الربح لأنه دفع من جانب المالك ويذل عمل من جانب المضارب بأن يتجر في المال ليشترك مع صاحبه في ربحه فالغرض من
ذلك العقد هو الاشتراك في الربح ومن أجل ذلك عرفوه بأنه عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر
ولكن المضارب له أحوال يختلف معها حكم المضاربة ولهذا قالوا : إن حكم المضاربة بتنويع إلى أنواع :
أحدهما : أن المضارب عند قبض المال وقبل الشروع في العمل يكون أمينا وحكم الأمين أن يكون المال أمانة في يده يجب عليه حفظه ورده عند طلب المالك وليس عليه الضمان إذا فقد منه
ثانيهما : أنه عند الشروع في العمل يكون المضارب وكيلا وحكم الوكيل أنه يقوم مقام موكله فيما وكل فيه ويرجع على صاحب المال بما يلحقه من التعهدات المالية المتعلقة بوكالته . ومن أحكامه أنه لا يجبر الوكيل على العمل فيما وكل فيه إلا في دفع الوديعة كأن قال رجل لآخر : وكلتتك في دفع هذا الثوب المودع عندي لفلان فإنه إذا غاب الموكل على دفع الثوب لصاحبه وعقد الوكالة ليس لازما فإن لكل منهما أن يتجلى عنه
بدون إذن صاحبه
ثالثهما : انه عند حصول الربح يكون حكم المضارب كالشريك في شركة تاعقود المالية وهي أن يكون لكل من الشريكين حصة معينة من الربح الناتج الآتية لأن المفهوم الآتي مشترط فيه أن يدفع كل واحد من الشريكين رأس مال
رابعهما : إذا فسدت المضاربة يكون حكم المضارب حكم الأجير بمعنى أن الربح جميعه يكون لرب المال والخسارة تكون عليه وللمضارب أجر مثله سواء ربح المال أو خسر خلاف والصحيح أنه إذا عمل في المضاربة الفاسدة فلا أجر له إذا لم يربح لأنه إذا أخذ أجرا مع عدم الربح الفاسدة
تكون الفاسدة أروج من الصحيحة إذ من الصحيحة إذ ليس له شيء إذا
لم يربح في الصحيحة فكيف يستحق في الفاسدة مع عدم الربح ؟
خامسهما : إذا خالف المضارب شرطا من الشروط يكون غاضبا . وحكم الغاضب أنه يكون آثما ويجب عليه رد المغصوب شرطا من الشروط يكون غاصبا . وحكم الغاصب أنه يكون آثما ويجب عليه رد المغصوب وعليه ضمانه وقد اغترض جعل الوجه الثالث والرابع من أحكام المضاربة وذلك لأن اعتبار المضارب أجيرا للشروط ومتى خالف فقد نقص العقد فكيف يصح جعل الغضب من أحكامها وقد أجيب بأنهما من أحكام الفاسدة ؟ ولكن هذا الجواب لا ينفع في مسألة الغصب لأن حكم الإجارة الفاسدة وهو أن يكون للمضارب أجر مثله وليس للغاصب أجر
على أن الكلام في أحكام المضاربة الصحيحة فالظاهر أن ذكر هذين الأمرين من الأحكام مبنى على التسامح
سادسهما : أنه إذا شرط أن يكون الربح كله للمضارب كان قرضا فإذا قبض المال وعمل فيه على هذا الشرط يكون مسؤولا عنه وحده فله ربحه وعليه خسارته وإذا فقد منه كان ضامنا له ويجب عليه رده
لصاحبه
سابعهما : إذا شرط أن يكون الربح كله للمالك كان حكمه كحكم هقد البضاعة وهو أن يوكله في شراء بضاعة بلا أجر فكل ما يشتريه يكون له وعليه نفقات حمل وليس للمشتري أجر فهذا هو حكم المضاربة
واما ركنها : فهو الإيجاب والقبول وذلك يكون بألفاظ تدل على المعنى المقصود كأن يقول له : خذ هذا المال واعمل فيه مضاربة أو مقارضة أو معاملة أو خذ هذا المال مضاربة على ما رزقنا الله من ربح فهو بيننا نصف أو ثلث فيقول المضارب : أخذت أو رضيت أو قبلت . ولو قال : خذ هذا المال بالنصف أو على النصف ولم يرد على هذا فإن ذلك يكون مضاربة صحيحة وأما شروط صحتها فهي أمور :
منها : أن يكون رأس المال من النقدين الذهب والفضة المسكوكين باتفاق أهل المذهب وتصح بالفلوس الرائحة على المفتى به والمراد بالفلوس الرائحة ما يتعامل به من غير الذهب والفضة كالقروش الصاغ والتعريفة وغيرهما من النقد المتخذ من النيكل أو النحاس في جواز المضاربة بالذهب والفضة إذا لم تكن مضروبة وقد اختلف في جواز المضاربة بالتبر إذا كان رائحا كالنقد المضروب فقيل تصح به وقيل لا وكذلك لا تصح المضاربة بعروض التجارة فإذا أعطى رجل لآخر قطنا أو ثيابا ببمائة جنيه مثلا وقال له : بعضها مضاربة على أن يكون الربح بيننا فهي مضاربة فاسدة فإذا باعها وخسر لا يكون العامل مسؤولا عن تلك الخسارة حتى لو اصطلح مع رب المال على أن يعطيه كل المال بدون خسارة فإن ذلك الصلح لا يعمل به . وهل للعامل أجر مثله في حال الخسارة أو لا ؟ خلاف تقدم قريبا فإذا عمل المضارب في الثمن الذي باع به البضاعة عومل بالشرط الذي تعاقدا عليه لأنه في هذه الحالة يصير مضاربة فالعامل في الأول لم يضمن لأنه أمين بمقتضى الوكالة فلما عمل في الثمن صار مضاربا بعد ذلك فاستحق المشروط ومنها : أن يكون رأس المال معلوما عند العقد كي يقع العاقدان في منازعة
ومنها : أن يكون رأس المال معينا حاضرا عند المالك فلا تصح المضاربة
بالدين الذي له عند المضارب فإذا قال له : اعمل قال له : اعمل فيما عندك من مضاربة على أن يكون لك نصف الربح فإنه لا يصح . فإذا اتجر المديون في مال الدين الذي عليه وخسر أو ربح كانت الخسارة عليه والربح له وكان الدين باقيا بحاله وقيل يبرأ المديون من الدين ويكون الربح لصاحب المال والخسارة عليه وللمضارب أجر مثله أما إذا كان الدين عند شخص آخر غير المضارب فقال له صاحبه لي عند فلان مائة جنيه فاقبضها واعمل مضاربة ففعل فإنه يصح مع الكراهة وكذا إذا قبض بعض المائة وعمل فيه فإنه يصح كذلك أما إذا قال له اقبض ديني من فلان فاعمل مضاربة أو ثم اعمل فيه مضاربة فقبض بعضه وعمل فيه مضاربة فإنه لا يصح لأن الفاء وثم تفيد لا يعمل فيه إلا بعد قبضه جميعه
وإذا أودع رجل عند آخر مالا وقال له اعمل فيما عندك مضاربة فإنه يصح . وكذا إذا أعطى رجل لآخر مالا يشتري له بضاعة ثم قال له اعمل فيه مضاربة فإنه لا يصح
ومنها : أن يكون المال مسلما للمضارب بحيث يتصرف فيه وحده فإذا شرط أن يعمل رب المال مع غير المضارب فإن العقد يفسد ولا فرق في ذلك بين أن يكون صاحب المال هو الذي تولى صيغة العقد أو غيره
فإذا كان صاحب المال صغيرا وتولى التعاقد وليه شرط أن يعمل الصغير مع المضارب فسدت وإذا فسدت يكون للمضارب أجر مثله من مال القاصر . وإذا وكل شخص آخر في أن يتعاقد مع شخص في ماله مضاربة فاشترط الوكيل أن يعمل مع ذلك المضارب بجزء من الربح فسد العقد لأن الوكيل يقوم مقام موكله فيما وكل فيه . وقد عرفت أنه لا يصح أن يشترط صاحب المال العمل مع المضارب فكذلك وكيله
ومنها : أن يكون نصيب المضارب من الربح معلوما على وجه شائع كالنصف والثلث أو نحوهما أما إذا عين عدا مخصوصا كأن قال له اعمل هذا المال مضاربة ولك عشرون جنيها من الربح فإن العقد يكون فاسدا وكذلك إذا ضم إلى نصيبه عددا معينا كما قال له اعمل مضاربة ولك نصف الربح وعشرون جنيها فوق ذلك فإنه لا يصح وكذا إذا شرط له نصف الربح إلا عشرين جنيها أو عشرة أو أقل أو أكثر فإن العقد يفسد أما إذا شرط أن له ربح نصف المال أو ثلثه بدون تعيين نصف خاص أو ثلث خاص فإنه لا يصح
وإذا شرط للمضارب أجرة شهرية زيادة عن نصف الربح مثلا فإن ذلك الشرط باطل ولكن العقد صحيح فإذا عمل على ذلك الشرط فإنه لا يستحق إلا نصيبه في الربح فقط أما إذا دفع له مالا ليضارب فيه بشرط أن يعطيه منزله ليسكنه أو أرضا ليزرعها فإن العقد يفسد بذلك المالكية - قالوا : المضاربة أو القرض في الشرع عقد توكل صادر من رب المال لغيره على أن يتجر بخصوص النقدين ( الذهب والفضة )
المضروبين يعامل به ولا بد أن يدفع رب المال للعامل القدر الذي يريد أن يتجر فيه عاجلا فقولهم : توكيل يشمل كل توكيل وقولهم : على أن يتجر بخصوص النقدين اخرج التوكيل على أن يتجر بعرض تجارة أو حبوب أو حيوان فإنه في هذه الحالة يكون قراضا فاسدا فإذا قال له رب المال خذ هذا القطن مثلا وثمنه مائة جنيه فبعه ولك نصف ربحه أو أقل أو أكثر ففعل ذلك فإنه لا يأخذ الجزء الذي سماه من الربه لأن المضاربة فاسدة ولكن للعامل الحق أولا في أجر مثل بيعه إن كان له أجر وثانيا له جزء في الربح يعادل الجزء الذي يستحقه العامل الذي يضارب في مثل ذلك المال ويقال له قراض المثل سواء كان ذلك الجزء موافقا لما سمي أو أقل أو زيد وينتظر في ذلك للعادة فإن لم يربح شيئا فلا شيء له . وكذلك إذا قال له خذ هذا القطن فبعه واعمل بثمنه مضاربة على أن لك كذا من ربحه فإن حكمه كالأول وبعضهم يقول إن ذلك إنما يكون مضاربة فاسدة إذا كان بيعه محتاجا لعناء وله شأن أما إذا كان بيعه هنيا فإن المضاربة تكون صحيحة ولكن المعتمد المنع مطلقا فإذا كانت عروض التجارة تحت رجل آخر يتولى بيعها غير رب المال والعامل ثم قال رب المال للمضارب : خذ ثمن العروض التي يتولى بيعها فلان واعمل فيها مضاربة بكذا فإنه يجوز وهذا كله إذا لم تكن عادة أهل البلد الذي وقع فيه العقد أن يتعاملوا بعروض التجارة فقط أما إذا كانت عادتهم هذه وليس عندهم نقد مضروب فإنه يصح جعل العروض رأس مال المضاربة حينئذ
وقولهم : مضروب معناه مختوم بختم الحاكم يخرج به التوكل على أن يتجر له بقطع الذهب أو الفضة غير المضروبة ويشمل ذلك صورتين : الصورة الأولى أن يكون عقد المضاربة في بلد لا تتعامل بالمضروب بغير المضروب أصلا . الصورة الثانية أن يكون في بلد تتعامل بالمضروب وغير المضروب وفي كلتا الحالتين ينتنع أن يجعل رأس المال من غير المضروب فإذا وقع العقد وعمل المضارب على ذلك فإنه يمضي على عمله ويكون له قراض المثل فقط إذا جعل قطع الذهب أو الفضة أثمانا . أما إذا باعها واتجر بثمنها فإن له مع قراض المثل أجر مثل بيعها إن كان له أجر في العادة . وقد عرفت أن قراض المثل هو أن يكون له جزء في الربح يساوي ما يؤخذ عادة من مثل ذلك المال الذي يعمل فيه مضاربة بقطع النظر على الجزء المسمى عند العقد فإذا لم يربح شيئا فلا شيء له
أما إذا كان عقد المضاربة في بلد لا تتعامل إلا بقطع الذهب والفضة ولا تعرف النقد المضروب فإن عقد المضاربة يكون صحيحا وليس للعامل إلا
الجزء الذي سمي من الربح ومثل قطع الذهب والفضة الفلوس كالقروش المأخوذة من النحاس فإنه لا يصح جعلها رأس المال المضاربة فإن جعلت ووقع العقد عليها كانت قراضا وعلى العامل ردها عمل فيها فحكم ذلك كالذي قبله وهو أنه إذا باعها بنقدين وضارب في ثمنها كان له أجر مثل بيعها وقراض مثلها وإذا عمل بها هي كان له قراض مثلها فقط
وقولهم : وأن يدفع له عاجلا القدر الذي يتجر له فيه خرج ما ليس كذلك وهو يشمل أمورا ثلاثة : الأول : الذين وكذلك بأن يكون لرب المال دينا على العامل فقال له : اعمل في الدين الذي عليك مضاربة بثلث ربحه أو نحو ذلك فإن ذلك يكون مضاربة فاسدة فإذا اتجر العمل في ذلك الدين كان له ربحه وعليه خسارته والدين باق بحاله وعلى المدين ضمانه
فإذا وكل رب المال العامل على أن يخلص له دينا عند آخر ويتجر من ربحه فإن ذلك يكون مضاربة فاسدة أيضا فإذا مضى فيها العامل فإنه يكون له أجرا مثل تخليص الدين إن كان له أجر عادة وله قراض المثل في ربحه أي يأخذ جزءا من الربح يساوي الجزء يأخذ المضارب من مثل ذلك المال عادة سواء وافق المسمى أو لا كما تقدم فإذا أحضر المدين
اتلدين وقبضه صاحبه منه ثم عامله به مضاربة فإنه يصح . وكذلك إذا أحضره ولم يقبضه ولكن يشترط في هذه الحالة أن يشهد المدين رجلين أو رجلا وامرأتين على أنه قد أحضر الدين وبرأت ذمته منه وفي هذه الحالة يصح أن يجعل رأس مال مضاربة
الأمر الثاني : الرهن بأن يكون تحت يد العامل نقود مضروبة مرهونة عنده في نظير دين له عند رب المال فإنه لا يصح في هذه الحلة أن يقول صاحب المال المرهون للراهن : اعمل فيه مضاربة بنصف ربحه مثلا إلا إذا سد الدين الذي له عليه مثال ذالك ما يفعله الملاك في زماننا مع المستأجرين فإنهم يأخذون منهم تأمينا نقديا رهنا على دين إجارتهم فإنه لا يجوز أن يقول صاحب التأمين لمن هو عنده اعمل فيه مضاربة بنصف الربح الذي يخرج منه أما إذا كان المرهون عروض تجارة أو حيوان فأن المنع فيها ظاهر لأنه لا يصح أن تجعل رأس مال المضاربة كما علمت وكذالك إذا كان المرهون في يد أمين فإنه لا يجوز أن يقول صاحب الرهن للأمين : اعمل فيها مضاربة بجزء من الربح قبل أن يسد الدين الذي رهنت تحت يد الأمين من أجله
الأمر الثالث : أن يكون المال وديعة عند العامل فأذا أودع شخص عند شخص آخر مالا فإنه لا يصح أن يقول له أتجر في ذلك المال ولك نصف ربحه أو ثلثه أو نحو ذلك
فإذا أحضر الوديعة واستلمها صاحبها فإنه يصح أن يعطيها له ليعمل فيها مضاربة بعد ذلك وكذلك إذا احضرها ولم يستلمها صاحبها ولا حاجة الى الإشهاد في الوديعة وكذلك إذا كانت الوديعة تحت يد شخص غير الشخص الذى أودعت عنده فإنه لاتصح المضاربة عليها فإذا أودع شخص عند أخر نقودا ثم خاف عليها الشخص الذى أودعت عنده فأودعها شخصا آخر فإنه لا يصح أن تجعل رأس مال المضاربة ابضا فإذا اتجر فيها من اودعت عنده بإذن صاحبها كان الريح لصاحبها والخسارة عليه للعامل اجرة مثله والرهن فىذلك كالوديعة . اما إذا اتجر فيها من غير إذنه فالربح والخسارة على العامل
[ يتبع . . . ]
ويؤخذ من بيان التعريف على هذا الوجه بعض الشروط الازمة لصحة عقد المضاربة وجميع شروطه عشرة احدهما : دفع راس المال للعامل فورا فإذا كان مؤجلا فسد العقد ثانيها : كون راس المال معلوما وقدره وقت العقد ككونه مائة جنيه مصرية مثلا فلا يصح ان يضاربه على مبلغ غير معين ثالثها : كون رأس المال غير مضمون فلو شرط رب المال على العامل ان يكون ضامنا لرأس المال إذا فقد منه قهرا عنه فإن المضاربة تكون فاسدة فإذا عمل العامل على هذا الشرط كان له قراض مثل هذا المال في ربحه ولا يضمنه إذا فقد بلا تفريط لأن هذا الشرط باطل فلا يعمل به أما إذا تطوع العامل بالضمان من تلقاء نفسه بدون طلب من رب المال فقيل تصح المضاربة بذلك وقيل لا تصح وإذا سلم رب المال للعامل وطلب منه ضامنا يضمنه فيما تلف من ماله يتعدى العامل فإنه يصح إذا طلب منه ضامنا يضمنه مطلقا فيما تلف بتعديه وغيره فإن المضاربة تفسد ولا يلزم الشرط
رابعها : كون رأس المال عينا يتعامل بها اهل البلد سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة
خامسها : ان يبين الجزء الذي يختص به العامل من الربح كالنصف أو الثلث ونحوهما فإن لم يبينه أصلا كأن قال له : اعمل فيه ولك نصيب في ربحه أو لك جزء أو نحو ذلك ثم عمل فيه على هذا الإبهام فإن للعامل قراض مثله فإن كان للناس عادة في نحو هذا فإنه يعمل بها حتى إذا كانت العادة بإن العامل يأخذ النصف كان له النصف وإن كانت تقضي بأقل أو أكثر عمل بها
أما إذا قال هل : اعمل والربح مشترك فإن ذلك معين لإن معناه متساوي
في الربح عرفا فللعامل في هذه الصورة نصف الربح
سادسها : أن لا يختص أحدهما بشيء معين سوى الجزء الذي له فلا يصح أن يضاف لأحدهما عشر جنيهات أو خمس مثلا على ثلث الربح أو
نصفه نعم للعامل أن يأخذ ما يضطر إلى إنفاقه في سبيل التجارة وما يلزمه من مؤونة السعر ونحوها بقدر الضرورة
سابعها : أن يكون الجزء المعين في الربح مشاعة كالنصف والثلث ونحو ذلك فلا يصح ان يكون مقدرا بعدد كأن يقول له لك عشرون جنيها في الربح كما لا يصح أن يكون مبنيا بحالة معروفة كأن يقول له : اعمل مضاربة ولك في الربح مثل ما أخذ فلان وهل يصح أن يشترط الربح كله للعامل أو لرب المال أو لا ؟
والجواب أنه يجوز ولكن لا يكون داخلا في تعريف المضاربة لأنك قد عرفت أنها عقد على أن يتجر العامل بمال المالك وله جزء من ربحه
ثامنها : أن يخص العامل بالعامل فلا يصح أن يشترط مشاركة رب المال
أو غيره معه و إلا فسد العقد
تاسعها : أن لا يحجر على العامل في عمله كأن يقول : لا تتجر إلا في الصيف فقط أو في موسم القطن او القمح او نحو ذلك مما عين فيه زمن العمل فإن العقد في هذه الحالة يقع فاسدا وللعامل أجرة مثله على رب المال الخسارة وله الربح
عاشرها : ان لا يضرب له أجلا فإذا ضرب له أجلا كأن قال له : اعمل فيه سنة أو اعمل به بعد شهرين فإنه يكون مضاربة فاسدة وللعامل في هذا القراض المثل لا أجر المثل لأنه اخف مما قبله فإن الذي قبله فيه حجر شديد على العامل بخلاف ذلك فإن الأمر أمامه كما يجب في المدة التي حددها له
أما حكمه فهو الجواز وأما أركانه فهي رأس المال والعمل والربح والعاقدان والصيغة . وحيث أنك قد عرفت انه عقد توكل فلا بد فيه من الللفظ كأن يقول : اعمل في هذا المال ولك كذا من ربحه فيقول قبلت . وذلك لأن التوكل لا بد فيه من اللفظ فلا تكفي فيه المعاطاة كان يسلمه المال فيأخذه العامل ويعمل فيه بدون لفظ وبعضهم يقول أنه عقد إجارة للعامل وعلى هذا لا يشترط فيه اللفظ لأن الإجارة تكفي في المعاطاة كالبيع متى وجدت قرينة تدل عليه
الحنابلة - قالوا : المضاربة عبارة عن أن يدفع صاحب المال قدرا معينا من ماله إلى من يتجر فيه بجزء مشاع معلوم من ربحه ولا بد من ذلك المال من أن يكون نقدا مضروبا ويقوم مقام دفع المال أن يكون قد أودع عند شخص مالا ثم قال له : اعمل في هذا الماللا المودع مضاربة فتصبح المضاربة عندهم بالوديعة
وحكم المضاربة يختلف باختلاف الأحوال فهي في أول الأمر أمانة ووكالة لأن العامل يتصرف بإن رب المال فهو وكيله في التصرف - والمال تحت يده أمانة - فإذا ربح العامل في المال كان عقد المضاربة شركة لاشتراكهما في الربح وإذا فسدت المضاربة كان إجارة لأن العامل يأخذ أجر مثله وإذ خالف العامل ما أمره به صاحب المال تكون غصبا فعليه أن يرد المال وربحه ولا شيء له نظير عمله لأن حكم الغاصب كذلك
وركنها : الإيجاب والقبول بكل لفظ يؤدي معنى المضاربة أو القراض أو المعاملة أو نحو ذلك لأن المقصود المعنى وهو يحصل بكل ما يدل عليه
وتكفي فيها المعاطاة فإذا أخذ العامل المال وباشر العمل فيه من غير أن يقول : قبلت فإنه يصح فلا يشترط فيها اللفظ كما يشترط في التوكل
ويشترط لصحة المضاربة شروط :
منها : أن يبين نصيب العامل من نصف أو ثلث أو نحوهما لأنه لا يستحقه إلا بالشروط فإذا لم يبين أصلا بأن يقال : خذ المال مضاربة ولم يذكر نصيب العامل في الربح أو بينه على وجه العامل على هذا كان الربح لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجرة مثله . وإذا شرط المالك أن يكون الربح كله لم تكن مضاربة وإنما تكون إضاعا له ( توكيل على عمل بدون أجر )
فالربح كله لرب المال ولا شيء للعامل لأنه يكون في هذه الحالة وكيلا متبرعا فلو شرط رب المال أن يكون ضمان ماله على العامل لا ينفذ ذلك الشرط لأن هذا العقد يقتضي كون المال أمانة غير مضمونة ما لم يتعد العامل أو يفرط فإنه يضمن حينئذ
وإذا شرط أن يكون الربح كله للعامل كان قرضا ليس للمالك شيء من ربحه ولا شيء عليه من خسارته وعلى العامل ضمانه حتى لة قال صاحبه : لا ضمان عليك لا ينفذ ذلك الشرط لأن عقد القرض يقتضي أن يضمنه المقترض فإذا فقد منه شيء أو فقد كله لزمه
ومنها : أن يكون رأس المال معلوما فلا تصح المضاربة بصرة فيها جنيهات من غير عد وبيان لما في ذلك من الغرر المفضي إلى النزاع في الربح لجهله حينئذ
ومنها أن يكون رأس المال حاضرا فلا تصح بالمال الغائب أو المال الذي في الذمة فإذا كان لشخص مال عند آخر لم يحن موعده فإنه لا يصح أن يضاربه به عليه . نعم إذا قال له : اقبض ديني من فلان أو منك واتجر فيه مضاربة فإنه يصح وكذا إذا قال له : اقبض وديعتي من فلان أو منك واعمل فيها مضاربة فإنه يصح لأنه في هذه الحال يكون قد وكله في قبض الدين أو الوديعة وعلق عقد المضاربة على قبضها وتعلبق المضاربة صحيح
ومنها : أن يكون رأس المال ذهبا أو فضة مضروبين مختومين بختم الملك فلا تصح إذا كان رأس المال قطع ذهب أو فضة لم تضرب كما لا تصح إذا كان فلوسا ( عملة من غير الذهب والفضة(
كالنحاس ونحوه سواء كانت رائحة يتعامل بها أو كاسدة . وكذلك لا يصح أن يكون رأس المال عرض تجارة فإذا قال شخص لآخر : خذ هذه الثياب أو هذا البر أو هذه الغم وهي بمائة جنيه مثلا وبعها مضاربة بجزء معين من الربح فإنه لا تصح إذ ربما ارتفع سعرها فربحت قبل ان يعمل فيها المضارب عملا فيأخذ نصيبا من ذلك الربح بدون عامل وذلك غبن لصاحب السلعة كذلك لا يصح ان يقول له بعها ولك نصف الربح ما يزيد على قيمتها لأن قيمتها قد ترتفع فتستغرق كل الربح الذي حصل عليه العامل فلا ينال شيء وكل ذلك موجب للنزاع نعم يصح أن يقول له : خذ هذا القطن وبعه
واعمل بثمنه مضاربة لأنه في هذه الحالة يكون قد وكله في بيعه وعلى المضاربة على قبضة للثمن فأشبه الوديعة وتعليق المضاربة جائز اما إذا قال له : ضاربتك على ثمن هذه السلعة قبل بيعها فإنه لا يصح لأن ثمنها معلوم قبل بيعها فلا تصح المضاربة به فعلا
ومنها : أن يكون نصيب كل منهما مشاعا في كل المال بأن يقدر النصف أو الثلث أو نحو ذلك فإذا عين لواحد منهما مخصوص كعشرة جنيهات أو خمسة أو نحو ذلك فسدت . وإذا اشترط أن يكون الربح بينهما فإنه يصح ويكون لكل واحد نصفه
وإذا فسدت بالمضاربة كان الربح كله لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجر مثله خسر المال أو ربح
وهناك شروط لا تفسد العقد ولكنها هي باطلة لا يعمل بها منها : أن يشترط عليه أن يكون نصيبه من الخسارة أكثر من نصيبه في الربح او شرط عليه ان ينتفع بالسلعة التى يشتريها العامل او ان تبقى الشركة بينهما مدة معينة اولا يشترى إلا من فلان فهذه كلها شروط فاسدة لاتنفذ ولا يعمل بها ولكن العقد لا يفسد بها فيستمر على حاله ويصح ان تؤقت المضاربة بوقت معين كان يقول له : خذ هذه الجنيهات واتجر مضاربة مدة سنة فإذا مضت السنة فلا تيع ولا تشتري فإن ذلك يصح
الشافعية قالوا : المضاربة او القراض عقد يقتضى أن يدفع شخص لاخر مالا ليتجر فيه على ان يكون لكل منهما نصيب فى الربح بشروط مخصوصة
ومن هذا تعلم ان المضاربة قائمة على ستة أركان : مالك المال هو الذى يدفع والعامل الذى يتجر به والعقد الذى هو الصيغة اعنى الأيجاب والقبول . فلا تتحقق المضاربة إلا الصيغة فإنها ذكرت ضمنا فى قوله عقد لان العقود لابد فيها من الصيغة والمراد بالركن ما يتوقف على ذكره تحقق العقد فلا يرا أن العمل فى الربح يوجدان العقد فكيف يكونان ركنا له يتوقف وجوده عليهما لان الغرض ان وجوده يتوقف على ذكرهما إذا لم يذكرا في العقد يكون فاسدا وهذا لا ينافى أن وجودهما فى الخارج يكون بعد تحقق صحة العقد وقد عرفت فى اركان البيع أن الركن منقسم إلى قسمين : اصلى وهو ماكان داخلا فى حقيقة الشيء وذلك هو الإيجاب والقبول وغير أصلي وهو ما يتوقف وجود الشيء
فمن نظر إلى الأول قال إن ركن المضاربة الاجاب والقبول فقط . ومن نظر إلى الثاني عد أركانها على الوجه الذي ذكره الشافعية وذلك النظر مطرود في كل العقود منه على ذكر
أما شروط صحة المضاربة فهي تتعلق بكل ركن من هذه الأركان فأما العامل والمالك فتشترط فيهما معا أن يكونا للتصرف كما هو الشأن في سائر العقود فلا يصح عقد المضاربة من أعمى ولكن يوكل من يقبض عنه
ويشترط في العامل وحده أن يكون مستقلا بالعمل منفردا فلو اشترط أن يعمل معه غيره فسد العقد ويستثنى من ذلك اشتراط أن يعمل معه غلام المالك فإنه يجوز ولكن بشروط ثلاثة :
أحدهما : أن يكون الغلام معروفا للعامل بالمشاهدة أو الوصف
ثانيهما : أن لا يشترط أن يكون بعض المال تحت يد الغلام
ثالثهما : أن لا يحجر به على العامل أن لا يتصرف العامل إلا إذا رجع رب المال أو لا يتصرف إلا تحت إشراف فلان لأن كل هذا يغل يد العمل فتقوم معذرته في الأعمال والتفريط والمفروض أنه أمين فتقييده بعد ذلك ضار بالمال وموجب لفتح باب النزاع . وأما العمل فيشترط فيه شرط الأول : أن يكون عملا في تجارة من بيع وشراء فلا تصح المضاربة على عمل صناعي كأن يضارب نساجا على أن يشتري قطنا ثم ينسخه ويبيعه منسوجا او يضارب خبازا على أن يشتري قمحا ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه قرضا وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه عمل محدود تصح إجارة العامل عليه فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت للضرورة حيث لا تمكن الإجارة وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل مجهولة وقد يكون رب المال عاجزا عن القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع من المعاملة بأن يشرك معه غيره في الربح المجهول في نظير ذلك العمل المجهول . فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط
فإذا تعاقد معه على أن يتجر فاشترى العامل من تلقاء نفسه قمحا وطحنه وخبزه فإن ذلك لا يفسد العقد ولكن أجرته تكون على العامل ويكون ضامنا له إذا تلف لأن وظيفة العامل في المضاربة إنما هي التجارة ولوازمها فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن عليه أن يقوم بنشرها وطيها وقياسها بالذراع ونحوه
كلما دعت الحاجة وإن كان يتجر في مكيل أو موزون كالحنطة والسكر
فإن عليه أن يزن أو بكيل ونحو هذا مما تستلزمه التجارة أما إنه يخبز أو ينسج فهذه ليست أعمالا تجارية وإنما هي أعمال صناعية فليست من وظيفته
الشرط الثاني من الشروط المتعلقة بالعمل : أن يكون العامل حرا في عمله فلا يصح لرب المال أن يضيق عليع والتضييق عليه يكون على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن يشترط عليه شراء سلعة معينة كأن يقول له : لا تشتر إلا حللا هندية . فإن شرط عليه ذلك فسد العقد . نعم له أن يمنعه من شراء سسلعة معينة ويعمل بذلك الشرط
الوجه الثاني : أن يشترط عليه شراء شيء ينذره وجوده كأن يقول له : اشتر فاكهة الشتاء في زمن الصيف أو لا تشتر إلا الخيل المضمرة البلق إلا إذا كان في محل يكثر وجود ذلك أو لا تبع إلا لفلان فإن ذلك يفسد العقد
أما إذا قال له : لا تشتر من فلان ولا تبع لفلان فإن له ذلك . وإذا شرط أن يشتري من حانوت ( دكان )
مخصوص فإن العقد يفسد أما إذا اشترط من سوق معين فإنه يصح
ولا يضر أن يعين المالك جنس التجارة أو نوعها كأن يقول له : اشتري قمحا هنديا فإن ذلك يصح إذا لم يندر وجوده إذا لم يندر وجوده كما تقدم
الشرط الثالث : أن لا يكون العمل مؤقتا بمدة معلومة فإذا قال له : قارضتك لمدة سنة فسد العقد سواء صرح بمنعه من التصرف بعد تلك المدة بأن قال : قارضتك سنة ولا تبع بعدها أو لا تشتر بعدها أو لم يصرح بشيء
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - ولها أركان وشروط وأحكام مفصلة في المذاهب [ 1 ]
بل قال له : قارضتك لمدة سنة وسكت فإن العقد فاسد على أي حال لأن التأقيت ينافي الغرض من الربح . نعم إذا قال : قارضتك ولا تشتري بعد سنة فإنه يصح لأنه لم يقيض المقارضة بالمدة ولكن منعه من الشراء فقط بعد سنة وذلك لا يضر إلا إذا لم يمنعه عن بيع ما يكون قد اشتراه ولم يفيده بمدة يحجر عليه فيها يحرمه من الربح على انه إنما يصح إذا كانت المدة واسعة كما ذكر . أما إذا كانت ضيقة لا يأتي فيها شراء شيء لغرض الربح عادة فإنه لا يصح على أي حال وأما الربح فيشترط له أمور :
الأول : أن يكون مختصا بالعاقدين فلا يصح أن يجعل لغيرهما جزء منه إلا لعبيديهما فما شرط لأحدهما يضم ما شرط لسيده
الثاني : أن يكون الربح مبينا بالجزئية والتعيين كالنصف أو الثلث أو نحوهما لو قال له : قارضتك على أن يكون لك نصيب أو جزء من الربح فسد . أما إذا قال له : قارضتك والربح بيننا فإنه يصح ويكون لكل واحد منهما النصف وقيل : لا يصح ولكن المعتمد الأول ولا بد من بيان نصيب العمل فلو قال له : قارضتك ولي نصف الربح فسد على الأصح لأنه لم يبين نصيب العامل فيحتمل أن يقول أنه أراد يكون النصف له والنصف الآخر يتصرف فيه كما يحب وليس للعامل شيء
أما إذا بين نصيب العامل بأن قال : قارضتك ولك نصف الربح فإنه يصح على المعتمد لأن النصف الباقي يكون لصاحب المال من غير شبهة وبعضهم يقول : لإنه لا بد من بيان نصيب المالك أيضا
الثالث : أن يكون الربح مختصا بالعاقدين فلا يصح أن يدخل معهما فيه آخر إلا إذا كان مملوكا لأحدهما فيصح أن يبشترط له شيء من الربح مضاف من ملك سيده إذا اشترط أن يكون الربح كله للعامل فقيل : إن عقد المضاربة يفسد وقيل : لا أما إذا اشترط الربح كله للمالك فقيل : يفسد فللمالك الربح وعليه الخسارة وللعامل أجرة مثله كما هو الشأن في سائر صور المضاربة الفاسدة وقيل يكون إيضاعا ( توكيل بلا جعل )
وهو الأصح رضي أن يعمل مجانا . ولا يصح أن يشترط لأحدهما شيء معدود الربح كعشرة جنيهات والباقي بينهما لأنه قد لا يربح سواهما فيحرم الشريك الآخر من الربح . وكذلك لا يصح أن يخص أحدهما بربح نوع مخصوص
وأما الصيغة فهي الإيجاب والقبول فإنها تحقق بقوبول المالك ضاربتك وعاملتك ونحوهما فيقول العمل قبلت أو رضيت . وإذا كان الإيجاب بلفظ الماضي كما في ضاربتك وعاملتك المذكورين فلا بد أن يكون القبول رفضا فلا يصح أن يأخذا العمل المال ويعمل فيه دون تصريح بالقبول أما إذا كانت الصيغة بلفظ الأمر كأن يقول المالك : خذ هذا الألف مثلا واتجر فيه على أن يكون الربح بيننا نصفين وقيل لا بد فيه من القبول لفظا أيضا كغيره من سائر العقود وقيل يكفي فيه الشروع في العمل فإذا أخذ وعمل فيه بدون قول صح العقد ومثل ذلك ما إذا قال له : خذه وبع فيه واشتر على أنا يكون الربح بيننا ويشترط لصحة الصيغة أن يذكر فيها الربح نصا فإن لم ينص على الربح فسد العقد كما تقدم
وأما المال فلا يشترط له شروط . وأحدها أن يكون نقدا مضروبا ( ذهبا أو فضة مختومين بختم الحاكم ليتعامل بهما )
فلا تصح بالتبر ( كسارة الذهب والفضة إذا أخذ من معدهما قبل تنقيتهما من ترابهما )
ولا بقطع الذهب التي لم تضرب ضربا يتعامل به كالحلي من أسورة والخلاخل ونحوهما فلو أعطت امرأة حليها لشخص على أن يتجر فيه بجزء من الربح فإنه لا يصح وكذلك لا يصح بعرض التجارة كالنحاس والقطن والقماش ونحو ذلك
ومن عروض التجارة الفلوس ( العملة المأخوذة من غير الذهب والفضة )
فلا تصح المضاربة بها لأنها مأخوزة من النحاس والبرونز وهما من عروض النجارة وبعضهم يقول إن الفلوس يتعامل بها كالنقدين فهي من النقد لا من عروض التجارة فيصبح جعلها رأس مال المضارية
ثانيها : أن تكون معلومة القدر والجنس كمائة جنيه مصري أو ألف ريال مصرية فلا تصح بالمجهول لما فيه من الغرر المفضي للتنازع
ثالثها : أن يكون معينا فلا يصح أن يقول له : ضاربتك على أحدى هاتين الصرتين المتساويتين فإن قال له ذلك ولم يعين إحداهما في مجلس العقد فسد وإذا قال المالك : قارضتك على مائة جنيه في ذمتي ذم بينهما في مجلس العقد فإنه يصح لأن الواقع في مجلس العقد مثل الواقع في نفس العقد . أما إذاكان له دين في ذمة العامل أو في شخص آخر أجنبي عنهما فإنه لاتصح المضاربة عليه وكذلك لاتصح المضاربة على المنفعة كأن يقول له : خذ هذه الدار وقم على تأجيرها كلما خلت ولك نصف ما زاد على أجر مثلها



دليل المضاربة وحكمة تشريعها

- دليل المضاربة الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز ذلك النوع من المعاملة ولم يخالف فيه أحد وقد كان معروفا في الجاهلية فأقره الإسلام لما فيه من المصلحة وذلك شأنه في كل تشريعة فهو دائما يبحث عن المصلحة ليقرها ويحث على تحصيلها ويحذر من المفسدة والدنو منها حتى يعيش المجتمع عيشه راضية يستعين بعض أفراده فيما يعود عليهم جميعا بالخير والسعادة فالمضاربة عقد قد يكون فيه مصلحة ضرورية للناس وعند ذلك يكون داخلا في القاعدة العامة وهي الحث على عمل فيه المصلحة ويكون له حكم الفائدة المترتبة عليه فكلنا عظمت فائدة المضاربة كلما كان طلبها مؤكدا في نظر الشرع ولهذا قال بعضهم انها سنة ولا حاجة إلى تأويل قوله هذا بأنها ثبت بالسنة لا أن حكمها السنية لأنها نوع من المعاملة
الاختيارية فهي جائزة لأنه يمكن حمل قول هذا القائل على أنها سنة حقيقة من حيث أنها قد يترتب عليها استثمار المال ومنعه الفقير بل قد يتأكد إذا كانت الحاجة ماسة كما إذا كان فيها تقليل العاطلين وتنشيط حركة التجارة ورواحها بين الأمة فإذا كان مع شخص مال ولمنه عاجز عن تنميته واستثماره وإلى جانبيه شخص لا مال وهو قادر على استثمار المال أفلا يكون من السنة في هذه الحالة أن ينتفع المالك باستثمار ماله وينتفع الفقير العاطل بالجد والعمل وينتفع غيرهما ممن يتداول بينهما النقود وسلع التجارة من بقية أفراد الأمة ؟
لا شك في أن ذلك من الأمور التي تحث الشريعة الإسلامية عليها وترغب فيها ولكن بشرط أن تتأكد الأمانة وحسن التصرف والصدق والإخلاص فإن ذلك أساس اطمئنان أرباب الأموال ونجاح العمال فمن قال إنها سنة فقد فرض أن التشريع إنما هو لجماعة المسلمين والمسلم الصحيح هو الامين الذي لا يخون . الصادق الذي لا يكذب المخلص الذي لا يضمر لصاحبه سوءا . وذلك الذي يرتاح له صاحب المال معه من حفظ ماله واستثماره . فإذا لم يوجد ذلك المعنى كان منهيا عنه فإن الإنسان لا يصح له أن يعطي ماله لخائن أو منذر أو سيئ التصرف لأن المحافظة على المال واجبة وإضاعته منهي عنها وبالجملة فغرض الشارع الحث على المصلحة حيث كانت والتحذير من المفسدة أين وجدت ولهذا الكلام بقية في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق
وأول قراض وقع في الإسلام هو قراض عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وحاصل ما ورد من ذلك أن عبد الله وأخيه
خرجا في جيش العراق وكان أبو موسى الأشعري يومئذ أمير البصرة فنزلا عنده فرحب بهما فرحب وأكرمهما وقال لهما إني أحب أن أعمل لكما عملا ينفعكما لو أقدر على ذلك ثم قال لهما إن عندي مالا من قال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فخذاه سلفا واشتريا به تجارة من العراق تبيعانها بالمدينة ةتدفعان رأس المال إلى أمير المؤمنين وتنتفعان بريحه فرضيا بذلك وفعلا باعا فربحا فلما دفعا إلى أمير المؤمنين سألهما : هل أسلف أبو موسى كل الجيش أو اختصكما أنتما به ؟ فقالا بل اختصنا فقال إنه قد فعل معكما ذلك لأنكما ابنا أمير المؤمنين يريد أنه قد حاباهما وطلب منهما أن يدفعا رأس المال وربحه إلى بيت المال فسكت عبد الله أما عبيد الله فقال له هذا لا ينبغي لك يا أمير المؤمنين لأن المال كان في ضماننا ولو هلك لألزمتنا به قرض مضمون وليس للمقرض أن يأخذ فائدة من المستقرض فلم يلتفت عمر إلى قوله
وأعاد ما قاله فطلب منهما تسليم المال وربحه فرد عليه عبيد الله ثانيا فقال رجل من الحاضرين لو جعلته قراضا يا أمير المؤمنين أي لبيت المال نصف الربح ولهما نصفه فقال : أجعله قراضا وفعل ذلك


مبحث في بيان ما يختص به كل من رب المال والعامل

- يختص كل منهما بأمور لا يجوز له أن يتعداها وهي مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الشافعية - قالوا : يختص العامل بما يأتي :
- 1 - التصرف في البيع والشراء ولكن ينبغي له أن يتصرف تصرفا حسنا فلا يصح أن يشتري سلعة بالثمن الذي يطن أنها تباع به بل لا بد من أن يترجح عنده أنه سيربح فيها لأن ذلك هو الغرض من المضاربة . وكذلك لا يصح له أن يبيع السلع بثمن مؤجل غير مقبوض لأنه قد يضيع عند المدين وفي ذلك ضرر على رب المال فله منعه عن البيع في هذه الحالة أما إذا منعه من البيع بثمن مقبوض فإن العقد يفسد وللعامل أن يبيع بثمن غير مقبوض بإذن المالك فإذا أذنه المالك فإنه يصح بشرط أن يشهد على البيع أو يكتب الدين فإن لم يفعل ذلك كان ضامنا لما باع به بحيث لو هلك لومه دفعه لرب المال . وله أيضا أن يشتري سلعة مؤجلة ( سلما )
بإذن رب المال كأن يشتري عشرين إردبا من الحنطة ويستلمها في شهر كذا
- 2 - للعامل أن يبيع بعرض تجارة فإذا اشترى عشرين قنطارا من القطن وأراد بيعها بثياب منسوجة فإنه يصح لأن ذلك وسيلة للربح والعامل مختص بكل ما من شأنه أن يفضي إلى الربح
- 3 - عليه أن يرد السلعة التي اشتراها إذا وجد بها عينا وكانت المصلحة في ردها وليس للمالك أن يرضي بالعيب ويمنعه من الرد لأن له حقا في المال بعمله إلا إذا كانت المصلحة تقتضي إمساك السلعة لأن البيع لم ينقص فائدة ربحها
وفي هذه الحالة لا يكون للعامل الحق في ردها على المعتمد . نعم قد يقال إن العمل كالوكيل المكلف بشراء سلعة فمتى وجد بها عيبا له الحق في ردها مطلقا فيصح أن يقال ذلك هنا ويكون ييعامل الحق في رد السلعة المعيبة سواء كان عيبها يمنع الربح أولا ولكن الصحيح أن هناك فرقا بين الأمرين لن الغرض في المضاربة إنما هو الربح وحيث كان الربح غير ضار بالربح فلا يحق للعامل ردها خلاف الوكيل في شراء سلعة فإنه مكلف بشراءها خالية من العيوب فله الرد مطلقة ومن هذا يتضح لك أن المداتر على المصلحة فإذا كانت الصلحة تقتضي الرد وأراد العامل إمساكها وأراد رب المال ردها نفذت إرادت رد المال فإذا لم تعرف المصلحة بأن كانت الحالة مستوية الرد والإمساك فإن القول للعامل حينئذ لأنه مباشر للعمل
وليس له أن يعامل رب المال بأن يبيعه شيئا من تجارة القراض وليس له ان يشتري بأكثر من رأس المال إلا بإذن صاحب المال فإن زاد بدون إذن كان ذلك على حسابه فلا يحسب من مال القراض وليس للعامل أن يسافر بالنال بدون إذن المالك فإن فعل كان عليه ضمانه وإن إذن له بالسفر فلا يصح له أن يسافر في البحر الملح إلا بنص عليه اتقاء للخطر وليس له الحق في أن ينفق على سفره من رأس المال على الأصح وقيل يصح الإنفاق بقدر ما يزيد على نفقاته كالكراء والباس اللازم للسفر ونحو ذلك مما يقتضيه السفر في العرف ويحسب من الربح فإن لم يحصل الربح فيعتبر خسارة . وهذا القول وإن كان ضعيفا فإنه أقرب إلى عرف التجار وأسهل في عمل التجارة فلو شرطت نفقات السفر في العقد وعلى العامل فعل ما يعتاد كطي الثوب ونشره ووزن الأشياء الخفيفة كالمسك والذهب أما الأشياء الثقيلة كالقطن والحبوب ونحوهما فليس عليه وزنها وإنما يستأجر على ذلك بحسب العرف ويدفع الأجرة من مال المضاربة
أما الذي يفعله بنفسه فإنه لا أجر له عليه وإن استأجر عليه لزمته . أما المالك فقد عرفت ما يختص به مما تقدم ومنه :
- 1 - أن له منع العامل من شراء متاع فإذا أراد أن يشتري بالمال قطنا مثلا فللمالك منعه ولكن الذي يمنع منه المالك إنما هو أن يشترط على العامل شراء سلعة نعينة كما مر
- 2 - للمالك منعه من السفر
- 3 - للمالك منعه من البيع بثمن غير مقبوض
- 4 - للمالك منعه من معاملة شخص معين وليس له أن يشترط عليه معاملة شخص معين وإذا فسدت المضاربة فلا تخلو إما أن يكون الفساد بسبب عدم أهلية المالك وفي هذه الحالة لا ينفذ شيء من تصرفات العامل أصلا . وإما أن يكون الفساد بسبب فوات شرط من الشروط التي تقدمت وفي هذه الحالة ينفذ تصرف العامل لأن المالك قد أذنه بالتصرف ويكون الربح جميعه للمالك وعليه للعامل أجرة المثل وإذا اشترط المالك أن يكون الربح جميعه له وقبل العامل ذلك الشرط فإنه لا يكون له أجرة في هذه الحالة
وإذا اشترى العمل بغير مال القراض كأن أخذ سلعا بثمن مؤجل في ذمته بذلك أن يشتري لنفسه كان الربح له للمالك منه ولا أجر عليه
الحنفية - قالوا : يختص المالك بأمور :
أولا : له أن يقيد المضاربة بالومان فيصح له أن يشترط أن لا يعمل المضارب إلا في موسم البصل أو القطن أو لا يعمل إلا في الشتاء أو الصيف أو لا يعمل إلا مدة سنة أو نحو ذلك ثانيا له أن يقيدها بالمكان فيصح له أن يشترط أن لا يعمل إلا في مصر أو اسكندرية أو نحوهما من البلدان
ثالثا : له أن يقيدها بالنوع فيصح له أن يشترط على المضارب أن لا يتجر إلا في نوع القطن أو الحبوب أو الغنم أو نحو ذلك
رابعا : له أن يقيدها بالشيء فيصح له أن يشترط على المضارب ألا يعامل إلا شخصا معينا فلا يبيع إلا لفلان ولا يشتري إلا من فلان
وفي هذه الأحوال لا يصح للمضارب أن يخالف مما تقدم قيد به المالك فإن خالف يعتبر غاصبا فإذا اشترى شيئا بمال المضاربة يكون على حسابه ولا شك لرب المال وعليه ضمان المال ولا أجرة له وإذا خالف شرطا يمكن فيه الرجوع فيه على المخالفة ثم رجع عادت المضاربة كما كانت . وذلك كما إذا اشترى من بلد غير البلد الذي اشترطه رب المال فإنه إذا عاد واشترى من البلد المشروط عادت المضاربة صحيحة
وليس للمالك أن يشترط غير مفيد كما إذا نهاه عن البيع بثمن مقبوض فإن ذلك الشرط لا يعمل به لأن فيه إضرارا بالربح والعامل شريك فيه نعم إذا كان بيعه مؤجل مضمونا وفيه زيادة عن الثمن المقبوض فإن للمالك الحق في نهيه عن البيع بالثمن المقبوض الناقص فإن فيه فائدة حينئذ . وإذا اشترط عليه شرطا فائدته بسيره كما إذا شرط عليه أن يعمل في سوق من أسواق مصر كأن قال له : اعمل في سوق روض الفرج مثلا أو سوق مصر القديمة فإن هذا القيد لا يعمل به إلا إذا نهاه عن العمل في غيره كأن قال له : لا تعمل في سوق كذا لأن المالك له الولاية على ماله فإذا نهى العامل عن شيء لزمه تنفيذ نهيه
فإذا لم يقيد المالك المضاربة بالزمان والمكان أو غيرهما مما ذكر - وتسمى هذه بالمضاربة المطلقة - فإن تصرفات العامل تنقسم فيها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن له الحق في عمل أشياء في مال المضاربة بجرد العقد من غير توقف على تفويض المالك بأن يقول : اعمل برأيك ولا على إذن
صريح وهي أمور منها :
حق البيع والشراء لكل احد حتى ولو كان مما لا تقبل شهادته بالنسبة له بسبب القرابة أو الزوجية والملك فيجوز أن يبيع لولده وزوجه ووالديه إلا أنه لا يصح أن يبيع بغبن كبير لا لقريب ولا أجنبي فإن فعل ذلك كان مخالفا حتى لو قال له المالك : اعمل برأيك . وقد عرفت حكم من خالف شرطا فإنه يعامل معاملة المغصوب أما البيع والشراء بالغبن اليسير الذي يقع عادة منم الناس ولا يمكن الاحتراز عنه وقيل يصح وقيل يمنع أيضا
ومنه أن يبيع ما اشتراه من عروض التجارة لرب المال ولكن رب المال في هذه الحالة يكون مخير بين أن يدفع الثمن وتستمر المضاربة وبين أن لا يدفعه ويحسبه من رأس ماله وتنقطع المضاربة أما إذا اشتر عرض تجارة من رب المال بمال المضاربة فإنها تفسد
ومنها أن يبيع بثمن حال ومؤجل إلى أجل متعارف بين الناس وفي مثل ذلك فإذا باع بأجل طويل فقيل يصح وقيل لا
ومنها : إذا باع لأحد سلعة فظهر للمشتري أن بها عيبا فإن للمضارب أن يحط عنه من ثمنها ما يقابل مثل ذلك العيب عادة فإذا انقص له من ثمنها نقصا كثيرة لا يتناسب مع ذلك العيب كان على حساب المضارب نفسه ولا تفسد به المضاربة
ومنها : له أن يشتري عن مال المضاربة دابة لاستعمالها في شؤون التجارة ةليس له أن يشتري سفينة مثلا بالإذن
ومنها أن يستأجر أرضا ويشتري بذر من مال المضاربة كي يزرعها أو يغرس فيها نخلا فإذا فعل ذلك فإنه يصح و الربح بينهما على حسب الشرط أما إذا اخذ شجرا أو نخلا لسعمل فيه مساقاتة من مال المضاربة فإنه لا يصح ويضمن المضارب المال الذي أنفقه على ذلك حتى ولو تعرض له المالك
ومنها أن له أن يسافر من مال المضاربة برا وبحرا وليس له أن يسافر سفرا مخوفا يتحاما الناس عنه على المعتمد
ومنها أن المضارب أن يوكل عنه غيره في البيع والشراء . ومنها أن له أن يدفع مال المضارب بضاعة بأن يعطيه لمن يشتري بع عروض التجارة متبرعا . وإذا أعطى المال لصاحبه بضاعة وعمل فيه بالبيع والشراء فإنه يصح ويعتبر معينا للمضارب والشرط على حاله لا فرق
في ذلك بين أن يكون المال نقدا أو عروض تجارة وإذا أخذ رب المال من منزل المضارب بدون إذنه فإن كان نقدا فإن المضاربة تبطل . وإن كان عروض تجارة المضاربة لا تبطل ولكن رأس المال ألفا وباع رب المال عروض التجارة بالغبن ثم اشترى ( رب المال )
بالألفين عرضا يساوي أربعة آلاف فإنه يكون له وعليه للعامل خمسمائة وهي نصف الربح الذي ربحه في بيع العرض الأول . وإذا دفع المضارب المال لمالكه
مضاربة فإن المضاربة الثانية تفسد والمضاربة الأولى باقية على حالها فالربح بينهما على ما شرطا في المضاربة الأولى
ومنها أن يدفع أن يودع مال المضارب عند من يجب . ومنها أن له أن يرهن مال المضاربة ويرتهن به
ومنها أن له قبول الحوالة بالثمن على المعسر لأن كل ذلك من لوازم التجارة وصنيع التجارة القسم الثاني : أن له الحق في عمل أشياء بتفويض المالك بأن يقول له :
اعمل برأيك وهي أمور :
منها أن يتعاقد مع غيره مضاربة . ومنها أن يشترك مع شخص آخر
ومنها أن يخلط مال المضاربة بمال نفسه أو بمال غيره إلا إذا كانت العدة في تلك البلاد أن يخلط المضاربون أموالهم بأموال المضاربة وأرباب الأموال يرضون بذلك فإنه يصح الخلط في الخلط في هذه ولو لم يقل له المالك : اعمل برأيك أما إذا قال ذلك فإنه يصح له أن يعمل كل هذه الأمور
القسم الثالث : أن له الحق في عمل أمور بإذن المالك الصريح بها . منها أن المضارب ربما يملك أمرين بالإذن الصريح والاستدانة فلا يملكها بمجرد المضاربة كله ثم يشتري غيرها دينا وليس عنده من مال المضاربة شيء من جنس الثمن الذي به ومثل ذلك ما اشترى تجارة بجميع المال ثم استدان لإصلاحها فإذا اشترى ثيابا بمال المضاربة ثم استدان نصفها أو قتلها أو حملها كان متطوعا إذا أذنه المالك بذلك
ومنها الإقراض فلا يصح له أن يقرض مال المضاربة إلا بإذن صريح من المالك
المالكية - قالوا : الأعمال والشروط التي تصدر من المالك والعامل إلى ثلاثة أقسام :
الأول : ما يفسد العقد وللعامل فيه قراض المثل في الربح إن وجد ربح فإن لم يوجد ربح فلا شيء له . الثاني ما يفسد العقد وللعامل فيه قراض المثل المدكور مضافا إليه أجر المثل إن كان قد عمل عملا زائدا على التجارة ولمثل ذلك العمل أجر الثالث : ما يفسد العقد وللعامل أجر المثل
سواء خسر المال أو ربح
وإذا عرفت ذلك فاعلم أن لكل من المالك والعمل حدودا لا يصح له أن يتعداها فإذا خالفها وكانت من القسم الأول أو الثاني فإن المخالفة إذا عرفت أثناء العمل لا يفسخ العقد ولا يوقف العمل بل يستمر العامل في عمله وله قراض مثله مع أجرة عمله في غير التجارة إن كان قد عمل على الوجه المتقدم اما إذا كانت المخالفة من القسم الثالث ثم عرفت أثناء العمل فإن العقد يفسخ ويوقف العقد ويأخذ العامل أجر مثله فيما عمله سواء ربح أو خسر
فاختصاص العامل الذي ليس للمالك أن ينقصه هو أمور :
منها أن له الحق في الاتجار بدون توقيت العمل بمدة كأن يقول امالك اعمل به سنة أو اعمل به تبتدئ من الآن ولكن لا تعمل إلا بعد شهر فإن
شرط عليه ذلك وعمل فله قراض المثل بخلاف ما إذا حدد له وقت العمل كأن قال : لا تشتر إلا في الصيف أو لا تبع إلا في الشتاء فإن ذلك يفسد والعقد وللعامل أجر مثله وسيأتي
ومنها أن له الحق في شراء النوع الذي يستمر وجوده في الأسواق فبيس للمالك أن يشترط عليه شراء شيء يوجد تارة ويعدم تارة أخرى فإذا فعل ذلك وعمل المضارب في التجارة فإن العقد يفسد وللعامل قراض المثل في الربح سواء اشتر ما طلبه أو اشترى غيره على المعتمد
وبعضهم يقول : إذا اشتر ما اشترطه عليه فلا يفسد العقد أما إذا اشترط عليه شراء شيء يقل وجوده ولكنه موجود دائما فإنه يصح
ومنها أن للعامل الحق في أن يشتري السلعة التي يتجر فيها من مال القرض بالنقد كما أن له الحق في بيعها كذلك بالنقد فليس لرب المال أن يشترط عليه شراءها أو بيعها بالدين فإذا اشترط عليه ذلك فسد العقد وللعامل قراض المثل في الربح أما الخسارة فإنها على العامل في هذه الحالة فإذا خسر المال أيضا وليس للعامل أن يبيع السلعة بالدين من غير إذن كما سيأتي من اختصاص رب المال
ومنها أن للعامل الحق في القيام على بيع السلع التي يشتريها بمال القراضفإذا باع رب المال سلعة منها بدون إذن العامل لا ينفذ بيعها وللعامل رده لأنه هو المباشر لحركة التجارة وهو الذي يقدر الظروف التي يربح فيها منة بيع السلعة ومنها أن للعامل الحق في أخذ اللمال بدون ضامن فإذا شرط المالك ضامنا يضمنه إذا هلك المال بلا تفريط فإن العقد يفسد وللعامل قراض المثل في الربح
أما إذا طلب ضامنا يضمنه فقد المال بسبب إهماله أو بتعديه فإنه لا يضر كما تقدم
[ يتبع . . . ]
وإذا تطوع العمل بالضامن فقيل يصح وقيل لا . فهذه الحقوق التي للعامل إذا خولفت يفسد العقد وللعامل قراض المثل فقط . ويزاد عليها ما إذا اختلف العاقدان ( المالك والمضارب )
في الربح بعد العمل وكانت مسافة الخلف بينهما واسعة كأن قال أحدهما لي الثلثان فقال الآخر بل لك الثمن فإن في هذه الحالة يكون للعامل قراض المثل دفعا للنزاع وإن كان العقد صحيحا على حاله . أما إذا كانت مسافة يبنهما ضيقة بأن ادعى كل واحد منهما زيادة محتملة فإنه يعمل بقول المضارب وإذا ادعى المالك فقط زيادة يعمل بقوله . كما إذا ادعى العامل فقط . أما إذا كان الاختلاف قبل العمل فالقول للمالك على أي حال لأن العامل لم يشرع في العمل بعد والعقد غير لازم فللمالك الحق في تعيين النصيب كما يحب
أما المسائل التي فيها المثل مع أجر المثل فهي متعلقة برأس المال وقد تقدمت موضحة في مجترزات التعريف قريبا فارجع إليها إن شئت
وأما الحقوق التي للعامل ويترتب على مخالفتها فساد العقد وفسخه بمعرفتها أثناء العمل ويكون للعامل في هذه الحالة أجر المثل سواء ربح المال أو خسر فهي أمور :
منها أن يكون العامل منفردا بالعمل فلا يصح للمالك أن يشترط وضع يده على العامل فإذا اشترط ذلك وعمل العامل كان له أجر المثل وفسخ العقد أثناء العمل ومثل ذلك ما إذا اشترط العامل على رب المال أن يعمل معه
ويستثنى من ذلك أن يشترط رب المال أن يعمل مع العامل خادم بنصيب من الربح من غير أن يكون رقيبا على العامل بشرط أن يكون النصيب للخادم لا لسيده وإلا فسد العقد
ومنها أن يكون له الحق في أن لا يعمل شيئا لم تجر به العادة كخياطة ثياب التجارة وخرز الجلود المشتراة له ونحو ذلك فإذا وقع ذلك الشرط فسد العقد وللعامل أجر المثل ومثل ذلك ما إذا اشترط عليه أن يزرع بمال القراض لأن الزرع غير التجارة بخلاف ما إذا كلفه أن ينفق المال على الزرع فإنه يصح أما الذي علىى العامل من ذلك فإنه هو ما جرت به العادة من الأشياء الخفيفة التي لا تستلزم عناء كنشر الثياب للمشتري
وطيها فإذا استأجر العامل على ذلك كانت الأجرة في ماله
ومنها أن من حق العامل أن لا يشارك معه غيره في مال المضاربة فإذا اشترط عليه المالك مشاركة الغير فسد العقد وللعامل أجر المثل
ومنها أن من حق العامل أن لا يخلط مال المضاربة بماله فإذا اشترط عليه المالك ذلك فسد العقد وله أجر مثله أما إذا خلطه العامل بدون شرط فإنه يجوز بشروط : أحدهما أن يكون المال مثليا لا قيما وقد يقدم بيانها في مباحث البيع وأن يكون في الخلط مصلحة غير متيقنة وأن يكون الخلط قبل أن يشتغل بأحدهما
ومنها أن له الحق في الشراء والبيع في مكان أراد فإذا اشترط عليه المالك أن لا يشتري إلا إذا وصل إلى بلد كذا وبعد بلوغه يكون له التصرف في أي محل فسد العقد وللعامل أجر مثله
ومنها أن له الحق في التصرف بدون مشاورة المالك فإذا اشترط عليه ذلك فسد وله أجر المثل
ومنها أن له الحق في الشراء من أي شخص فإذا اشترط المالك عليه أن يشتري من شخص معين كأن قال له : لا تشتر إلا من فلان أولا تبع بفلان فسد العقد وللعامل أجر المثل
ومنها أن له الحق في بيع ويشتري في أي زمان فإن اشترط على العامل أن لا يسافر بالبحر وأن لا ينزل منخفضا كترعة وأن لا يسافر ليلا . فإذا خالف العامل واحدا من هذه الأمور الثلاثة فإن عليه ضمان المال بشروط ثلاثة :
الشرط الأول : أن يكون قادرا على التنفيذ فإذا كان في جهة وتعين عليه النزول إلى المنخفض أو للسفر في البحر أو ليلا مع الركب فإنه لاضمان في هذه الحالة
الشرط الثاني : أنه يضمن إذا تلف المال بسبب غير النهب والغرق فإذا نهب أو غرق في البحر لا يضمن وكذلك إذا اجتاحته جائحة سماوية . أما إذا تلف بغير ذلك كأن أصابه البلل من البحر فأفسده أو سقط عليه منه نازل من المنخفض فتلف أو اصطدم بشجرة لم يرها ليلا فكسر فإن عليه ضمانه في هذه الحالة
[ يتبع . . . ]
الشرط الثالث : أن يقع ذلك التلف وقت المخالفة فإذا تلف نعد الخروج من البحر أو بعد الصعود من المنخفض أو بعدها انقضاء الليل الذي منع من السفر فإنه لا يضمن وإذا تنازع العامل ورب المال في أن التلف وقع زمن المخالفة أو بعدها فإن القول يكون للعامل فيصدق في ذلك
ثانيا : له أن يشترط على العامل أن لا يشتري سلعة بعينها لقلة ربحها أو لأنها تخسر وفي هذه الحالة يجب على العامل التنفيذ فإذا خالف كان عليه ضمان المال مطلقا حتى ولو نهب منه أو غرق في البحر أو اجتاحه جائحة سماوية
ومنها أن للمالك منعه من السفر بماله قبل أن يشغل فيه فإذا منعه قبل ذلك وسافر عليه ضممان المال
ومنها أن له الحق في أن يشتري من العامل شيئا من مال القراض بشرط أن يشتري منه كما يشتري من الربح للمالك حقا فيه
ومنها أن الحق في منع العامل عن أن يشارك غيره بمال المضاربة فإذا شارك العامل شخصا آخر إذن المالك فسد العقد وعلى العامل ضمان المال إذا تلف
ومنها أن له الحق أن يمنعه عن أن يبيع السلعة بثمن مؤجل فإذا فعل العامل ذلك بدون إذن فسد العقد وعلى العامل ضمان المال وكذلك للمالك الحق في منع العامل من أن يتعاقد مع غيره مضاربة في رأس مال المضاربة فإن فعل ذلك بدون إذن رب المال فسد العقد وله أجر المثل
ومنها أن للمالك الحق في منع العامل من أن يستعمل مال المضاربة في الإنفاق على زرع بمكان ليست له فيه حرمة ولا جاه أو في الإنفاق على
مساقاة نخل بمكان ليست له فيه حرمة ولا جاه فإذا خالف العامل ذلك بأن اشترى بذرا وآلة حرث وايتأجر أرضا من مال اللمضاربة وزرعها فسد العقد وإذا فسد العقد وإذا نهب الزرع أو سرق كان على العامل ضمانه
أما إذا زرع في مكان له فيه جاه فإنه لاضمان عليه إذا سرق الزرع أو نهب ومنها أن للمالك الحق في منع العامل من أخذ مال آخر من غيره مضاربة إن كان يشغله عن العمل في مال له هذا ولا يجوز للعامل أن يشتري سلعا للقراض بثمن مؤجل حتى ولو أذنه رب المال فإن فعل كان ضامنا للمال الذي اشترى به وله ربحه وعليه خسارته ويكره أن يشتري العامل من رب المال عروض تجارة حتى لا يكون ذلك احتيالا على جعل رأس المال عروض تجارة
الحنابلة - قالوا : للمضارب الحق في أن يبيع ويشتري بجميع أنواع البيع المتقدمة فيصح له أن يبيع مرابحه ومساومة ونحوهما وله الحق في المطالبة بالدين واقتضاءه بالمخاصمة فيه وأن يحيل من له عليه دين على آخر عنده من المضاربة وأن يقبل إحالة الغير عليه وأن يستأجر عينا يستغلها من ذلك المال . وله أن يرد السلعة التي اشتراها إذا وجد فيها عيبا وله الإيداع والرهن والارتهان وله حق السفر مع أمن البلد والطريق فإذا سافر إلى جهة يغلب فيها السلامة ضمن المال إذا كان يعلم بذلك أما إذا لم يكن لديه علم فإنه لا يضمن . وله أن يقر بالثمن أو ببعضه وبالنفقات اللازمة للتجارة كأجرة الحمالين . وله أن يبيع بثمن مؤجل وإذا ضاع لا ضمان عليه إلا إذا باع لشخص غير موثوق به أو إلى شخص لا يعرفه فإنه في هذه الحالة يكون مفرطا فعليه ضمان ما ضاع
وليس له أن يضارب برأس مال المضاربة ولا أن يشارك فيه أحدا وليس كذلك أن يخلط مال المضاربة أو بمال غيره وكذلك ليس له أن يبضع ( والإبضاع هو أن يدفع من مال المضاربة جزء إلى شخص يتجر فيه متبرعا على أن لا يكون لذلك الشخص شيء من الربح بل الربح للمضارب ورب المال )
وليس له أن يقرض مال المضاربة ويجب على المضارب أن يفعل ما جرت العادة به كنشر الثياب وطيها وختم النقود ونحو ذلك
وليس للمضارب أن يأخذ شيئا من الربح إلا إذا سلم رأس المال لصاحبه فإذا اشترى سلعتين ربح في إحداهما وخسر في الأخرى ضم الربح إلى الخسارة



مبحث إذا ضارب المضارب غيره

- إذا أعطى محمد مالا لخالد ليتجر فيه مضاربة فأعطاه خالد لشخص ليتجر فيه مضاربة بجزء من الربح فإن في ذلك تفصيلا في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : إذا ضارب العامل شخصا فلا يخلو إما أن يكون ذلك بإذن رب المال أو لا فإذا لم يكن بإذنه فسد العقد ولكن لا يضمن العامل إلا إذا عمل فيه المضارب الثاني ففي المثال المذكور إذا أعطى خالد المال لشخص ليعمل فيه المضاربة فهلك المال في يد ذلك الشخص قبل أن يعمل فيه فإن خالدا لا يضمنه لأن دفع المال إيداع والمضارب يملك إيداع المال فإذا عمل ذلك الشخص بالفعل تأكد كونه مضاربة وليس للعامل أن يضارب غيره بدون المالك
أما إذا عقد خالد مع غيره مضاربة فإنه لا ضمان عليه إذا هلك المال في يد الشخص الثاني الذي تعاقد نعه وذلك لأن فساد العقد يجعل العامل أجيرا والمضارب يملك من يعمل له في التجارة ويكون لذلك الشخص الثاني على خالد أجرا مثله ولخالد نصيبه المشروط في الربح مع المالك ولو غصب المال من المضارب الثاني كان الضمان على الغاصب وإذا استهلكه الثاني أو وهبه كان الضمان عليه فقط
أما إذا ضارب بإذن المالك بأن استأذن خالد محمدا في أن يعطي رأس مال المضاربة أو بعضه لشخص على أن يتجر فيه بجزء من الربح فأذن له فإنه يصح ثم إن كان محمد ضارب خالدا بقوله : ان ما رزقنا الله من الربح يكون بيننا بالنصف وضارب خالد الشخص الآخر بالثلث كان لرب المال الذي شرطه وللشخص الثاني الثلث الذي شرطه له خالد ولخالد السدس فقط أما إذا قال له ما رزقك الله بكاف الخطاب فإنه يكون للشخص الثاني الذي تعاقد معه خالد الثلث الذي شرطه والباقي يقسم بين خالد وبين محمد نصفين وبين فيكون لكل منهما الثلث ومثل ذلك ما إذا ما قال له ما ربحت من شيء فهو بيننا أو ما كان لك فيه من ربح فأعطاه لغيره مضاربة فإن المضارب الثاني بأخذ الثلث المشروط وما بقي يقسم بين المضارب الأول وهو خالد ورب المال نصفين فيكون لكل واحد من الثلاثة الثلث وإذا قال يقسم لخالد : ما رزقنا الله من الربح يكون بيننا نصفين فأعطى خالد رأس المال لغيره مضاربة بنصف الربح أخذ المالك النصف والمضارب الثاني النصف ولا شيء لخالد مطلقا
الشافعية - قالوا : أعطى العامل رأس مال المضاربة لشخص آخر ليتجر فيه مضاربة فلا يخلو إما أن يكون ذلك بدون المالك أو يكون بإذنه فإن كان بإذن المالك فهو على وجهين أحدهما : أن يكون المضارب الأول قد تعاقد مع الثاني على أن يكون شريكه في العمل والربح وفي ذلك قولان قول بالفساد وهو الأول من الربح بل يأخذه المالك وعليه أجر المثل للعامل الثاني للعامل الثاني لأنه عمل بإذنه أما إذا عملا معا فللأول من الربح بنسبة ما عمل والباقي للمالك وعلى الأول للثاني أجر المثل فإذا
قصد الثاني إعانة الأول فلا شيء
ثانيهما أن يكون المضارب الأول تعاقد مع الثاني على أن يعمل الثاني وحده وفي هذه الحالة يكون العقد صحيحا وينعزل المضارب الأول ولكن يشترط لصحة العقد حينئذ أن يكون رأس المال مستوفيا للشروط التي تصح بها المضاربة كأن يقول : نقدا لا عروض تجارة إلى آخر ما تقدم . أما إذا تعاقد العامل مع شخص آخر مضاربة بدون إذن المالك فإن العقد الثاني يكون فاسدا فإذا اشترى الثاني شيئا بمال المضارية أو باع أو نحو ذلك من العقود التي يتولاها تقع باطلة لأنه فضولي لا لأن ثلثها على المال ويضمن ما تصرف فيه لأنه كالغاصب وللعامل الأول نزع المال الذي أعطاه للثاني والعمل فيه بالعقد الأول بينه وبين المالك صحيح
أما إذا اشترى شيئا ولم يدفع ثمنه من مال بل بثمن مؤجل في ذمته وكان ذلك الشرط للعامل الأول فإن يكون للعامل الثاني أجر المثل على العامل الأول أما إذا اشترى لنفسه فإن له الربح فإن الربح ولا شيء له على العامل الأول
المالكية - قالوا : إذا تعاقد مع شخص آخر مضاربة فإن كان ذلك بإذن رب المال فهو صحيح وإن لم يكن بإذنه فهو فاسد فإذا أعطى محمد لخالد مالا ليتجر فيه بجزء من ربحه فأعطاه خالد لشخص آخر ليعمل فيه مضاربة بدون إذن محمد كان ضامن المال على خالد فإذا هلك المال أو خسر كان عليه أن يرده لصاحبه أما إذا ربح المال فإنه لا شيء لخالد أيضا وإنما الربح يكون بين العامل الثاني وبين رب المال وإذا تعاقد خالد مع محمد على أن يكون له النصف في الربح ثم تعاقد مع شخص آخر بدون إذن محمد على أن يكون له الثلثان فإن الربح يكون العامل الثاني وبين رب المال مناصفة ويضمن خالد للعامل الثاني ما بقي من الربح الذي اشترطه فعليه أن يكمل له النصف إلا الثلثين حسب الشرط . وإذا تعاقد الشخص مع ذلك الشخص بأقل مما له كأن جعل له الثلث مع أن له النصف لا يستحق خالد شيئا بل يكون الربح للعامل ورب المال فيأخذ العامل الثاني الذي شرطه له والثلثان يأخذهما رب المال ولا شيء الأول وهو خالد فإذا لم يربح المال فلا شيء للعامل الثاني مطلقا لأن القاعدة أن العامل لا يستحق إلا في الربح فإذا انعدم الربح فلا شيء له
الحنابلة - قالوا للعامل أن يضارب في المال إذن رب المال فإذا فعل فسد العقد أما أذنه يجوز له أن يضارب به ويقع تصرفه المضارب الثاني صحيحا




مبحث قسمة الربح في المضاربة

- إذا ربح العامل في مال المضاربة شيئا فإن قسمته بينه وبين رب المال تفصيلا في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : لاتصح قسمة الربح قبل أن يقبض صاحب المال رأس ماله فإذا قسم الربح قبل ذلك وقعت القسمة موقوفة فإن قبض المالك رأس المال صحت وإلا بطلت القسمة فإذا عمل المضارب في رأس المال فربح مائة فأعطى لرب المال خمسين وهو قد أخذ خمسين كانت القسمة موقوفة فإذا قبض رب المال من رأس ماله صحت وإلا كانت القسمة باطلة ويحسب مبلغ الخمسين الذي أخذه رب المال من رأس ماله ويلزم العامل أن يدفع له الخمسين التي أخذ على أنها من رأس المال فإن تصرف فيها وأضاعها فعليه أن يرد مثلها حتى يتم لرب المال رأس ماله والمال الذي يبقى في يد المضارب وهو الربح فيقتسمانه وإذا هلك في يد أو نقص المضارب لا يضمن لأنه أمين على الاثنين كما تقدم
وإذا قسم الربح وبقي رأس المال في يد المضارب ففسخ عقد المضاربة ثم جدد عقد مضاربته آخر فإن الربح الذي قسم تنفذ قسمته ولا يرد بعد ذلك
وإذا أنكر المضارب رأس المال ثم أقر بعد ذلك بمائة كان عليه ضمان المال وإذا اشترى بعد الإقرار فاقياس أن يكون مشتريا لنفسه والاستحسان أن تكون المضاربة باقية ولا ضمان على العامل
الشافعية - قالوا : يصح قسمة الربح قبل أن يقبض رأس المال إلا أن الربح إذا قسم قبل بيع جميع السلع وقبل أن يصبح رأس المال ( ناضا )
أي يتحول عن عروض تجارة إلى نقد ملك الربح لا يستقر فلو حصل بعد القسمة خسارة في رأس المال جبرت بالربح فيرد الجزء الذي أخذه العامل منه وبحسب الجزء الذي أخذه رب المال من رأس المال وهل العامل يملك حصة من الربح بمجرد أنه يملكها بمجرد ظهور الربح على أنك عرفت أن الماك لا يستقر إلا بعد أن تباع السلع ويتحول رأس المال إلى نقد ولم تقع خسارة فيه ولا جبرت الخسارة من الربح فيرد من العامل في هذه الحالة
وإذا استرد المالك شيئا من ماله ظهور والخسارة فإنه لا يضر ويبقى رأس المال ما بقي بعد ذلك . أو لو استرد شيئا بعد ظهور الربح فالمردود يحسب من رأس المال ومن الربح بنسبة ماله فإذا كان المال مائة والربح خمسون له نصفها فاسترد خمسة وسبعين مثلا وتحسب من رأس المال وخمسة وعشرون نصف الربح الذي يستحقه
المالكية - قالوا : القاعدة في رأس المال إذا خسر منه شيء بالعمل فيه
أو تلف بآفة سماوية أو سرقة لص فإن الخسارة تجبر من الربح بمعنى أن الباقي بعد التلف أو الخسارة يكمل بالربح ثم إن زاد شيء بعد ذلك يقسم بين المالك والمضارب بحسب الشرط الذي دخلا عليه فإذا قسم
الربح قبل أن يقبض المالك رأس ماله عمل بهذه القاعدة فيرد الذي دخلا عليه فإذا قسم الربح قبل أن يقبض المالك رأس ماله عمل بهذه القاعدة فيرد الذي أخذ من الربح ويكمل به رأس المال في حال الخسارة . أما إذا قبض المالك رأس المال من العامل بعد الخسارة أو التلف ثم أعاده له
ثانيا ليعمل فيه مضاربة فإنه لا يجبر بالربح بعد ذلك لأنه مضاربة جديدة وكذلك إذا تلف المال جميعه فأعطاه المالك مالا جديدا فربح فإن ربحه الجديد لا يجبر المال التالف لأنه مضاربة أيضا وإذا تلف بعض المال وأراد المالك أن يسد ذلك العجز الذي وقع بإعطاء العامل مبلغا قدر الذي تلف فإن كان التلف قد وقع بعد العمل فإن العامل يلزمه بقبوله كما يلزم قبول بدل المال إذا تلف كله أما المالك فلا يجبر سد العجز على أي حال
الحنابلة - قالوا : لا يستحق المضارب شيئا من الربح حتى يستلوم رأس المال إلى صاحبه والخسارة تجبر من الربح فإذا اشترى متاعا ربح فيه ثم اشترى صفقة أخرى فخسر فيها حل الربح محل الخسارة ولا يحسب شيء من الخسارة على رأس المال فإذا قبض رأس المال ثم رده للعامل مرة أخرى ليعمل فيه مضاربة فربح فيه فإن ذلك لا يجبر خسران ما قبله لأن هذه مضاربة جديدة ويقوم مقام القبض بالفعل أنة تباع كل السلع ويصير رأس المال نقدا أو فضة وهذا معروف في زماننا ( بتصفية التجارة )
ويعبر عنه الفقهاء بأن رأس المال صار ناضا ( ومعنى ناضا في اللغة )
تحول المتاع إلى نقد فإذا تحاسبا بعد ذلك واقتسما الربح ولم يقبض رب المال ماله واتفق معه على أن يعمل فيه مضاربة فربح فإن ذلك الربح لا يجبر الخسران السابق



مباحث الشركة


تعريفها وأقسامها

- الشركة ( بكسر الشين وسكون الراء )
وقد تفتح الشين وتكسر الراء ولكن الأول أفصح حتى قال بعضهم إنه لم يلبث فيها غيره ومعناها لغة خلط أحد المالين بالآخر بحيث لا يمتازان عن بعضهما . وأما معناها في الاصطلاح فهو يختلف باختلاف أنواعها لأن الشركة تتنوع إلى شركة مفاوضة وعنان وأبدان ووجوه ذلك وفي ذلك تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : تنقسم الشركة أولا إلى قسمين شركة ملك وشركة عقود فأما شركة المالك فهي عبارة عن أن يتملك شخصان فأكثر عينا من غير عقد الشركة . وأما شركة العقود فهي عبارة عن العقد الواقع عن أن يتملك شخصان فأكثر عينا من غير عقد الشركة . وأما الشركاء لصاحبه شاركتك في كذا ويقول الآخر : قبلت وذلك هو المعنى العام الذي يتناول جميع أقسام شركة العقود وسيأتي تعريف كل قسم على انفراده فيما يأتي
ثم إن شركة الملك تنقسم إلى قسمين شركة جبر وشركة اختيار فشركة الجبر هي أن يجتمع شخصان فأكثر في ملك عين قهرا كما ورثا مالا أو اختلط مال أحدهما بمال الآخر قهرا بحيث لا يمكن تمييزهما مطلقا كاختلاط قمح أو يمكن بمشقة وصعوبة كاختلاط شعير بقمح أو أرز بشعير وأما شركة الاختيار فهي أن يجتمعا في ملك عين باختيارهما كما إذا خلطا مالهما باللاختيار أو اشتريا عينا بالاشتراك أو أوصى لهما بمال فقبلاه فإن ذلك كله ملك باختيار الشريكين وركز شركة الملك اجتماع النصيبين فمتى اجتمع نصيب شخص مع نصيب آخر تحققت شركة الملك ويتعلق بشركة الملك مسائل ( الأولى )
إذا اشترك اثنان في ملك أرض زراعية وغاب أحد الشريكين فإن للآخر أن يزرع الأرض كلها بقدر المدة التي انتفع فيها شريكه على المفتى به لأن الشريك الغائب يرضى بما ينفع أرضه عقلا وإن لم يأذن في الزرع وله الحق في أن ينتفع كما انتفع شريكه
أما إذا كان الزرع يضر الأرض أو كان تركها بدون زرع أنفع لها لكونه يزيد في قوتها فليس للحاضر أن يزرع فيها زرعها شيئا أصلا في هذه الحالة يكون حكمه حكم الغاصب فإذا حضر الغائب أ أصلا فإذا زرعها في هذه الحالة ولم يقر الزرع بل أراد قلعه فإن له أن يقسم ويأخذ الأرض نصيبه منها ويقلع الزرع الذي بها كما يجب وما وقع في نصيب الشريك الذي زرع الذي يترك لشريكه قيمة ما نقصته الأرض بالزرع في نصيب شريكه تعويضا له لأنه غاصب بالنسبة لذلك النصيب هذا إذا كان الزرع صغيرا يصح قلعه أما إذا استوى أو قرب من الاستواء فإنه لا يصح قلعه وعلى الزراع أن يدفع لشريكه قيمة ما نقصته في نصيبه تعويضا ويأخذ زرعه
( الثانية )
إذا اشترك اثنان في دار للسكنى وغاب أحدهما فإن لشريكه أن يستعمل كل الدار في سكنه إذا كان ذلك الاستعمال ينفعها ولم يخربها الترك أما إذا لم يكن كذلك فإن للحاضر أن يستعمل ما يخصه منها فقط بأن يقسم حجرها أو شققها ويسكن فيما يخصه أو يسكن مدة ويتركها مدة أخرى بنسبة نصيب كل منهما . وبالجملة فكل تصرف يقع من الشريك الحاضر في مصلحة نصيب الغائب فإنه ينفذ وكل ترف يضر به لا ينفذ ويكون الحاضر أن لا يلاحظ ما ينتفع شريكه على أي وجه من الوحوه ثم إذا سكن أحد الشريكين في دار بينهما وخربت بالسكن كان على الساكن تعميرها
( الثالثة )
إذا خلط أحد الشريكين ماله بمال الآخر برضاه كما إذا كان لكل منهما صبرة من القمحب فاتفقا على خلطها أو اختلط مال أحدهما بمال الآخر بدون إرادتهما كما إذا وضع كل منهما قمحه في مخزن ملاصق للآخر فسقط الحاجز فاختلطا فإنه في هذه الحالة لا يصح لكل مهما أن يبيع نصيبه بدون إذن الآخر وذلك لأنه في هذه الحالة يكون منهما مالكا لكل حبة من حبات قمحه كاملة فلا يصح أن يبيع مشاعا إلا بعد الفرز والقدرة على تسليمه بخلاف ما إذا ورث اثنان قمحا فإن كلا منهما يملك نصيبه في الجميع شائعا بدون إذن . أما إذا خلط أحدهما قمحه بقمح الآخر بدون عمله فإن للذي خلط أن يبيع الجميع لأنه بالخلط ملك نصيب الآخر وصار ضاكنا له بالمثل لأنه قد تعدى
( الرابعة )
أنه إذا اشترك اثنان في بناء دار مثلا فلا يخلو إما أن تكون الأرض ملكا معا أو تكون ملكا لأحدهم دون الآخر أو تكون ملكا لأجنبي . فإن كانت ملكا لهما فإنه لا يصح لأحدهما أن يبيع نصيبه في البناء لأجنبي مطلقا سواء أذن شريكه أو لم يأذن وذلك لأن للبائع في هذه الحالة أن يطلب من المشتري هدم البناء وإخلاء أرضه منه إذ ليس للمشتري سوى الأنقاض وذلك الهدم يضر بالشريك الآخر ومثل ذلك ما إذا كان البناء لشخص أن يبيع نصفه لأن المشتري يطالب بالهدم ليأخذ الأنقاض التي اشتراها فيلحق الضرر بالبائع فيكون البيع فاسدا وهل يصح للشريك أن يبيع نصف حصته في البناء لشريكه أو لا خلاف ؟ فقيل يجوز وقيل لا لأنه في هذه الحالة يصح للبائع أن يطلب من لأحدهما دون الآخر فإنه لا يصح أحدهما أن يبيع نصيبه من الأجنبي لما في ذلك الذي ذكر وهو أن المشتري هو الذي يملك الأرض أو الذي لا يملكها وذلك لأن الذي لا يملك ليس له حق البناء ولكن الذي يملك أباحه إياه وما كان بطريق الإباحة فإنه يصح إزالته فإذا كان البيع لصاحب الأرض فالأمر ظاهر وإذا كان لغيره فإنه يصح له أو للمالك إزالته لأنه عرضة للإزالة
أما إذا كانت الأرض ملكا لغيرهما كأن مستعارة أو مستأجرة أو مغصوبة أو موقوفة ثم اشترك اثنان في البناء عليها فإنه لا يجوز لأحدهما بيع بصيبه من أجنبي لأن المشتري هدم البناء ليستولي على الأنقاض التي اشتراها وفي ذلك ضرر بالشريك ويجوز لأحدهما أن يبيع نصيبه لشريكهإذا لم يترتب على ذلك ضرر مثلا إذا استعان شخصان أرضا مدة معينة واشتركا في البناء عليها ثم مضت المدة فإن لأحد الشريكين أن يبيع نصيبه للآخر لأنه لا يملك مطالبته بالهدم لأنها ليست أرضه ولا علاقة له بها ومثل ذلك ما إذا كانت مستأجرة لمدة قد انتهت تلك المدة بخلاف ما إذا كانت مدة الإيجارة لم تنته فإنه لا يجوز البيع للشريك أيضا لأنه يصح للبائع المستأجر أن يطالب بالهدم ليستلم الأرض المؤجرة له إلا إذا أجره نصيبه قبل البيع . أما الأرض المغصوبة فإنه يصح بيع كل واحد نصيبه لصاحبه وللأجنبي لأن البناء الذي عليها عرض للهدم في أي وقت
وأما الأرض الموقوفة فإنه إذا اشترك اثنان عليها بعد تحريكها مدة طويلة على رأي من يقول بجواز الحكر زمنا طويلا فإنه يصح لكل منهما أن يبيع نصيبه للأجنبي والشريك لأن المشتري يحل محل البائع في تحكير الأرض وفي نصيبه من البناء فلا ضرر في ذلك على الشريك . وكذا إذا باع نصيبه قبل التحكير ثم حكرت الأرض فإن البيع ينقلب صحيحا لزوال علة الفساد وهي الضرر الذي يترتب على الهدم
( الخامسة )
إذا اشترط اثنان في شيء لا يمكن قسمته كحمام وسفينة وبئر وآلة لسقي الماء ( ماكينة )
أو آلة للطحن ( وابور )
أو غير ذلك مما تضيع منفعته بالقسمة ثم احتاج لتعمير وأراد أحد الشريكين تعميره فامتنع الآخر فإنه لا يصح له أن يعمره قبل أن يرفع الأمر للقضاء لأن يقضي في هذه الحالة يخبر الممتنع عن العمارة فليس من المصلحة أن يتسرع ويستبد بالعمل بدون إذن القاضي ما دام موقنا بأن القاضي سيلزم الشريك بالتعمير فإذا أمر القاضي بالتعمير ولم ينفذ عجزا أو نعتا فإن القاضي يأذن من يريد التعمير بالعمل ويمنع الرشيك من الانتفاع بالعين حتى يؤدي قسطه من التعمير على المفتى به وهكذا في كل شيء لا يمكن قسمته فإن القاضي أن يجبر الممتنع مع شريكه فإذا عمل أحدهما بدون إذن صاحبه أو أمر القاضي كان متطوعا لا يرجع بشيء مما أنفقه أما إذا اشتركا في شيء مضطرا في تعميره إلى الشريك الآخر كما إذا اشترك اثنان في بناء على أن لأحدهما ( الدور )
الأعلى وللثاني الأسفل واحتاج الدور الأعلى إلى ردم فإنه وإن كان لكل منهما قسم من البناء مستقل به ولكن أحدهما بالآخر في التعمير
وحكم هذا القاضي لا يجبر الشريك على التعمير فإذا عجز صاحب العلو من تلقاء نفسه وأنفق على الأسفل ما يحتاج إليه كان له حق الرجوع بما أنفقه على شريكه لأنه مضطر للعمل معه ففي هذه الصورة لا يحتاج إلى القضاء ابتداء ولكن له الحق فيما أنفقه في آخر الأمر
ومثل ذلك كل ما يقبل القسمة ويكون أحد الرشكين مرتبطا بالآخر في العمل معه ارتباطا قهريا كحائط بين اثنين عليها سقف كا منهما فإذا انهدمت وكانت هذه الحائط تقبل القسمة بأن كان أساسها عريضا ويمكن قسمته بحيث يأخذ أحد الشريكين نصفه ويترك النصف الآخر أو إذن القاضي فإن له حق الرجوع بما أنفقه لأن الشريك الممتنع لا يجبر على البناء في هذه الحالة لأنه يمكن قسمة الحائط
ويجبر على القسمة إذا طلبها الشريك على المفتى به فإذا كانت الحائط ضيقة لا تقبل القسمة فإنها تكون القسم الأول وهو ما يجبر فيه القاضي الشريك على التمير فلا يصح له حينئذ أن يرفع الأمر للقاضي
الوجه الثاني : أن لا يكون أحد الشريكين مضطرا في التعمير إلى الشريك الآخر كما إذا اشتركا في دار يمكن قسمتها وتخربت فإن منهما حق قسمتها فإذا لنفرد أحدهما بتعميرها من غير إذن الآخر كان متطوعا وضاع عليه ما أنفقه في نصيب شريكه
واعلم أن القاضي لا يجبر الشريك على التعمير إلا في ثلاثة أمور :
الأول : أن يتعذر قسمة العين المشاركة بينهما كما تقدم
الثاني : أن يكون الشريكان صغيرين ولكل واحد منهما رصي . فإذا اشترك صغيران في حائط محمول عليها سقف كل منهما ثم اختلت فأراد أحد الوصيين بناءها وامتنع الآخر فإن القاضي يجبر الممتنع عن التعميير سواء كانت الحائط تقبل القسمة أو لا . بخلاف ما إذا كان الممتنع كبيرا كما تقدم فإن القاضي لا يجبره إذا كانت تقبل القسمة لأن الكبير يعرف الضرر ورضي به . أما الصغير فلم يعرفه وأراد الوصي إدخاله عليه فالقاضي يجبره في هذه الحالة . فإذا كانت الشركة بين صغير وكبير وكان الضرر يلحق الكبير فإن وصي الصغير لا يجبر أما إذا كان يلحق الصغير فإنه يجبر
الثالث : أن يكون الشريكان ناظرين على العمل إما بالمال أو بالأبدان أو بالوجوه وكل واحد من الثلاثة ينقسم إلى قسمين مفاوضة وعنانا فالأقسام ستة :
النوع الأول : الشركة بالمال وهي عبارة عن أن ينفق اثنان فأكثر على أن يدفع كل واحد منهما مبلغا من المال لاستثماره بالعمل فيه ولكل واحد من الشركاء جزء معين من الربح وتنقسم شركة المال إلى القسمين المذكورين ( مفاوضة وعنانا )
القسم الأول : شركة المفاوضة في المال وهي عبارة عن أن يتعاقد اثنان فأكثر أن يشتركا في عمل بشرط أن يكونا متساويين في مالهما وملتهما ويكون كل واحد منهما كفيلا عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه فيما له فلا تصح أن يكون مال أحد الشريكين شركة مفاوضة أقل من مال صاحبه ولكن مشروط بأن يكون المال مما تصح الشركة به بأن كان نقدا فلا يصح أن يملك أقل مال صاحبه ولكن ذلك مشروط بأن يكون المال مما تصح الشركة به بأن كان نقدا فلا يصح أن يملك أحدهما ألف جنيه ويملك الآخر خمسمائة مثلا فإذا تساويا في ملك النقدين ولكن انفرد أحدهما بملك عقار أو عروض تجارة أو دور فإنه يصح أن يكون تصرف أحدهما أقل من تصرف صاحبه فلا تصح بين صبي وبالغ ولا بين مسلم وكافر ولا يخفى أن التساوي في التصرف يستلزم التساوي في الدين وإنما ذكر لزيادة الإيضاح . وبعضهم يقول إنه تصح مع الاختلاف في الملة إلا أنها تكره . ولا بد أن يتضمن العقد الكفالة والوكالة كما ذكرنا فلا تصح إن خلت من ذلك
القسم الثاني : شركة العنان في المال وهي أن يشترك اثنان في نوع واحد من أنواع التجارة كالقمح أو القطن أو يشترك في جميه أنواع التجارة ولا تذكر فيها فهي تتضمن الوكالة دون الكفالة فتجور بين المسلم والكافر . والصبي والمأذون له في التجارة والبالغ الخ ولا يشترط تساوي الشركاء في رأس المال كما سيأتي
فالفرق بين شركاء المفاوضة والعنان هو أن يكون كل واحد من الشريكين في المفاوضة أهلا للكفالة بأن يكونا بالغين حرين عاقلين متفقين في الملة وأن يكون رأس مالهما على السواء بخلاف شركة العنان فإنه لا يشترط فيها ذلك كما عرفت
النوع الثاني : شركة الأعمال وهي أن يتفق صانعان فأكثر كنجارين أو حدادين أو أحدهما نجار والآخر حداد على أن يشتركا من غير مال أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما على وحكم هذه الشركة أن يصير كل واحد منهما وكيلا عن صاحبه في تقبل الأعمال جائز سواء كان الوكيل يحسن مباشر العمل أو لا
وتنقسم شركة الأبدان إلى قسمين أيضا وعنانا :
فالقسم الأول من شركة الأبدان مفاوضة هو أن يذكر فيها لفظ المفاوضة أو معنى بأن يشترط الصانعان أن يتقبلا الأعمال على التساوي وأن يتساويا في الربح والخسارة وأن يكون كل واحد كفيلا عن صاحبه فيما يلحقه بسبب الشركة
والقسم الثاني من شركة الأبدان عنانا : هي أن يشترطا التفاوت في العمل والأجر بأن يقولا إن على أحدهما الثلثين من العمل وعلى الآخر الثلث مثلا والربح والخسارة بينهما على نسبة ذلك وكذلك إذا ذكر لفظه عنان :
النوع الثالث : شركة الوجوه وهي أن يشترك اثنان ليس لهما ولكن لهما وجاهة عند الناس توجب الثقة بهما على أن يشتريا تجارة بثمن مؤجل وما يربحانه بينهما وتنقسم شركة إلى قسمين أيضا مفاوضة وعنانا
فالقسم الأول : من شركة الوجوه مفاوضة هي أن يكونا من أهل الكفالة وأن يكون بينهما نصفين وعلى كل واحد منها ثمنه وأن يتساويا في الربح ويتلقطا بالمفاوضة ويذكرا معنى تقصيها فتتحقق وكالة كل واحد منها عن صاحبه فيما له وكفالته فيما عليه
القسم الثاني : من شركة الوجوه عنانا هي أن يفوت شيء من هذه القيود كأن لا يكونا من أهل الكفالة أو يتفاضلا فيما يشتريانه كأن يشتري أحدهما ربع السلع والآخر باقيها أو لم يذكر شيئا يدل على المفاوضة
[ يتبع . . . ]
فهذه هي أقسام الشركة ولم يعد الحنيفية المضاربة قسما من أقسام الشركة لأنك قد عرفت أنها إنما تكون شركة إذا حصل ربح أما إذا لم يحصل ربح فتختلف الأحوال التي عرفتها في بابها على المضاربة جاءت على غير القياس فلهذا أفردت بباب وحدها بخلاف غيرها من أقسام الشركة فإنها على القياس وبعض المذاهب عدها قسما من أقسام الشركة نظرا لكونها شركة في الربح
المالكية - قالوا : تنقسم الشركة إلى أقسام : شركة الإرث هي اجتماع الورثة في ملك عين بطريق الميراث وشركة الغنيمة وهي اجتماع الجيش في ملك الغنيمة وشركة المبتاعين شيئا بينهما وهي أن يجتمع اثنان فأكثر في شراء دار ونحوه وهذه الأقسام هي التي عبر عنها الحنفية بشركة الملك وحكمها عند المالكية لا يجوز لأحد الشريكين أن يتصرف بغير إذن صاحبه فإذا تصرف فقيل يكون كالغاصب وقيل لا فإذا زرع أحد الشركاء
في أرض مملوكة لهم أو بنى فيها فإن ورعه بقلع وبناءه يهدم على القول الأول أما على الثاني فإن زرعه وبناءه يتركان وعليه كراء نصيب شريكه في الأرض وله قيمة بنائه الذي بناه لشبهة الشركة ويتعلق بهذه الشركة فروع كثيرة :
منها : أنه إذا اشترك اثنان او اكثر في عقار لا يمكن قسمته كحمام وفرن وبرج ثم خرب ذلك العقار وأراد أحد الرشكاء تعميره فأبى الاخر فإنه يقضى على من امتنع من التعمير بأن يعمر أو يبيع جميع حصته لشريكه الذي يريد التعمير ولو كان يملك أكثر العقار أو يبيع لمن يعمر وقيل يقضى عليه بأن يبيع بعض حصته التي تكفي التعمير ولكن أول أرجح لتقليل الشركاء
ولا فرق أن يكون العقار الذي لا ينقسم بعضه ملك وبعضه وقف وأبى الموقوف عليه أو ناظر الوقف التعمير فأنه يقضى بأن يعمره الشريك ويستوفي ما أنفقه على عمارته من إراده ولمن قال أنه يباع منه بقدر الحاجة إلى التعمير لأن الغرض تقليل الشركاء كما ذكر في بيع غير الموقوف نعم لا يقضى ببيع الوقف إلا إذا لم يكن للوقف ريع يعمر منه ولم يوجد من يستأجره بأجرة معجلة سنين تكفي لتعميره فإن وجد ذلك فإن لا يقضى ببيعه
هذا ولا يقضى بالبيع في الحالتين إلا بعد الأمر بالعمارة ويقضى بالبيع إذا لم ينفذ الأمر بالتعمير ومنها :
أنه إذا اشترك اثنان مثلا يملك أحدهما منها الطبقة السفلى ( الدور الأسفل ويملك الثاني الطبقة العلية ( الدور الأعلى )
ثم اختل الدور الأسفل أو ضعفت جدرانه عن احتمال الدور الأعلى فإن الحاكم يأمر صاحب الدور الأسفل بأن يعمر فإن لم يفعل يقضي عليه ببيعه لمن يعمر لا فرق بين أن يكون العقار ملكا أو وقفا بالشروط المتقدمة
وعلى صاحب الدور الأسفل حفظ الدور الأعلى من السقوط حال بناء الدور الأسفل بتعليقه أو عمل دعائم تحفظه من السقوط ونحو ذلك
وعليه أيضا السقف لأنه متعلق به عند التنازع وليس على صاحب الأسفل أن يبني سلما يرقى عليه صاحب الدور العلى وكذلك ليس عليه البلاط الذي يوضع على سقف الدور الأسفل فيقضى عند التنازع بالسقف
لصاحب الأسفل وبالبلاط لصاحب العلى أما ( كسح )
المرحاض الموجود في الدور الأسفل المشترك بينه وبين الأعلى فيعمل فيه بالعرف فإن لم يوجد عرف فإنه يقوم باشتراك بقدر الاستعمال على الظاهر وكذلك المراحيض الموجودة في البيوت المستأجرة فإنه يعمل في كسحها وتنظيفها بالعرف فإن لم يوجد عرف فقيل على المالك وقيل على المستأجر . واما طين المطر الذي ينزل في الأسواق فليس على أصحاب ( الدكاكين )
رفعه إلا إذا جمعوه في وسط الطريق فأضر بالمارة فإن عليهم في هذه الحالة كنسه
ومنها : انه إذا اشترك اثنان في دار على أن يكون لأحدهما الدور الأسفل وللآخر الأعلى ثم أراد صاحب الأعلى أن يبني ( دورا ثالثا فإنه لا يمكن في ذلك ويقضى عليه بعدم فعله إلا إذا كان البناء لا يضر بالدور الأسفل لا حالا ولا مآلا ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة والمعرفة بمثله . و منها :
أنه إذا اشترك ثلاثة مثلا في دار ثم تهدم وأراد أحدهم تعميره وامتنع الآخران فإن له أن يعمرها ويستولي على إرادها جميعه حتى يخلص بما أنفقه ثم يقتيمون الإراد بعد ذلك إلا إذا أعطوه ما أنفقه فإنه يصح له الاستيلاء على الإيراد وحده بعد ذلك
وله الاستلاء على الإيراد في أربه صور :
الأولى : أن يستأذن شريكاه بالعمارة فيمتنعا
الثانية : أن يستأذنهما فيسكنا ثم يمتنعا أثناء العمارة
الثالثة : أن يستأذنهما فيمتنعا ثم يسكتا عن رؤية العمارة
الرابعة : أن يأذنوا له في العمارة ثم يمنعاه من قبل شراء المؤن التي يعمر بها ثم عمر بعد منعهما وفيما عدا ذلك يكون ما أنفقه دينا في ذمتهم
ومنها : أنه إذا كان لأحد الجيران حائط متصلة ببيت جاره ويتوقف إصلاحها على دخول عمل جاره فليس لجاره أن يمنعه من الدخول في داره لترميمها وإصلاحها فإذا امتنع يقطى عليه بتمكينه من غرز خشب ونحوها وبتمكينه من اخذ ثوب سقط عنده أو دابة دخلت أو نحو ذلك وكذا إذا كان خزان مرحاطه في دار جاره فإنه يقضى له بإدخال العمال لكسحه وللجار منعه من إدخال الطين والجص في داره وعليه أن يفتح نافذة في حائط داره لإدخال ما يلزمه من ذلك حتى لا يقذر دار جاره
ومنها : أنه إذا كان بين جارين حائط يستر أحدهما فأزالها صاحبها وانكشف بسبب ذلك جاره فإنه يقضى على من أزالها لإعادة بنائها إلا إذا كان هدمها لخلل فيها يخشى منها الضرر أو هدمت وحدها فإنه في هذه الحالة لا يقضى على صاحبها بإعادتها ويقال للجار افعل ما يسترك إن شئت
ومنها : إذا بنى أحد في طريق مشتركة بين الناس فإنه يقضى عليه بهدم ما بناه ولم يضر بالمارة سواء كانت تلك الطريق نافذة أم لا فإن كانت لأحد الناس دار يملكها فهدمت وصارت طريقا فإن ملكه لا يزول عنها بذلك لا يمنع من البناء فيها إلا إذا مضى زمن طويل ( وقدره بعضهم بعشر سنين )
فإنه لا يكون له حق فيها حين إذن
ومنها : ألا يمنع الباعة من الجلوس بأفنية الدور ويقضى به وهي ما زاد على مرور الناس في طريق واسعة نافذة إذا كان في جزء من اليوم أما إذا كان في كل النهار فإنه يمنع ولا يقضى به على الرجح ومثله فناء الحانوت ( الدكان )
ويمتنع الجلوس في أفنية الدور ونحوها لحديث لأن فيها ضياع للوقت وضرر بالمارة
وإن تنازع اثنان من الباعة في الجلوس بمكان فإنه يقضى للسابق منها ومثل ذلك الجلوس في المسجد إلا إذا كان غير السابق يجلس فيه لتعليم العلم أو الإفتاء فإنه يقدم على غيره استحسانا يعني أن الأفضل للسابق أن يترك ذلك المكان للمدرس
ومنها : أنه إذا فتح جار نافذة في حائط بيته بينه وبين جاره وكانت تلك النافذة تكشف جاره بان يرى وجوه سكانها فإنه يقضى عليه بسدها وإزالة معالمها بحيث لا يبقى لها أثر يمكن الاحتجاج به
أما إذا كانت النافذة لا تلرى منها الوجوه أو على المزارع والحيوانات فإنه لا يأمر بسها إذ لا ضرر منها وليس ببجار أن يطلب سد نافذة مضى عليها عشر سنوات وهو ساكت
ومنها : أن للجيران منع إحاث ما يتصاعد منه دخان يضر بهم وبمساكنهم كبناء حمام بجوارهم أو مطبخ أو فرن أو نحو ذلك وكذلك لهم منع إحداث ما تتصاعد منه رائحة كرية كمدبغة ومسمت ونحوهما
ومحل ذلك ما إذا حدث شيء من ذلك بعدهم . أما إذا كان موجودا من قبل ودخلوا عليه فليس لهم منعه
ومنها : أن للإنسان أن يمنع من إيجاد الجرين ( الجرن )
عند منزله لأنه يتضرر بالتين الحاصل من التذرية ومثل البيت في ذلك الحانوت ( الدكان )
وكذلك يقضى بمنع إحداث ما يضر بجدار البيوت كرحا ومدق وبئر حاض واصطبل وأما الحداد والنحاس والنجار فإنهم لا يمنعون به ومثل هؤلاء الصباغ الذي يدق القماش
وكذلك يمنع إحاث مصطبة في مقابل باب المنزل ( دكان )
للبيع والشراء إذا كان يضر بالسكان ويكشفهم . ولا يمنع مالك من فتح باب طريق نافذ إلى القضاء ولو كان في مقابل باب جاره
وكذلك لا يمنع من بناء ما يحجب الضوء أو الشمس عن داره وله أن يمنع من إحداث ما يمنع الضوء والشمس المحتاج خشبة فيه لأن ذلك من مكارم الأخلاق
وأما أقسام الشركة المشهورة غير ما ذكر فهي سنة :
مفاوضة وعنان وجبر وعمل ومضاربة ولكل منها تعريف خاص
وقد عرفها بعضهم تعريفا تاما فقال :
هي تقرر ملك متمول بين مالكين فأكثر . فقوله تقرر متمول معناه استقرار ملك شيء له قيمة مالية بين مالكين فأكثر فلكل واحد أن يتصرف فيه تصرف المالك خرج به تقرر شيء غير مالي كتقرر النسب والولاية فإن النسب الثابت بين اثنين ليس شيء مالي فلا يتصرفان في النسب تصرفات الشركات
وكذلك تقرر الولاية بين اثنين على مملوك فإنه لا يكون شركة وقوله بين مالكين خرج به تقرر شيء مالي بين وصيين أو وكيلين فإن القاصر الموجود في يد تصرفات الشركاء لأن ماله بينهما ليس مملوكا لهما
ويدخل في التعريف جميع لأنواع الشركة سواء كانت شركة إرث أو غنيمة أو شركة مال ستعرفه في التعريف وكذلك يدخل في التعريف شركة الأبدان باعتبار الفائدة المالية التي تترتب لأنها تكون مملوكة بينهما
وقد عرف بعضهم الشركة المالية التجارية بأنواعها بأنها عبارة عن إذن كل واحد من الشريكين أو الشرطاء للآخر في أن يتصرف في مال يملكه على أن كلا منهما يتصرف لنفسه وللآخر فكل من الشريكين يعمل في مال الآخر لصاحبه ولنفسه بخلاف الوكيل فإنه يعمل في مال الموكل خاصة . وأما تعريف كل قسم من أقسام الشركة على حدة فإليك
بيانه :
فأما شركة المفاوضة فهي اشتراك اثنين فأكثر في الاتجار بماليين على أن يكون منهما نصيب في الربح بقدر رأس المال بدون رأس ماله بدون تفاوت وأن يطلق كل من الشركاء حرية التصرف للآخر في البيع والشراء ولاكتراء وأن يشتري في غيبته وحضوره سواء اتفقا على أن يتجرا في نوع واحد كالقمح أو الشعير أو في جميع الأنواع . وبعضهم يقول إنها إذا كانت في نوع واحد تكون عنانا لا مفاوضة لأن شركة المفاوضة يجب أن تكون عامة في كل الأنواع ولا تفسد شركة العنان عندهم بانفراد أحد الشريكين بمال غير مال الشركة فيصح أن تكون الشركة على ألف كل منها خمسمائة وعلى أحدهما زيادة على الخمسمائة
وأما شركة العنان فهي أن يشتركا على أن لا يتصرف أحدهما إلا بإذن صاحبه فإن كل واحد مهما آخذ صاحبه يمنعه إذا أراد حتى لو تصرف أحدهما بدون إذن الآخر كان له رده . وإذا اشترطا أن يكون لأحدهما التصرف المطلق دون الآخر فقيل إنها تكون عنانا في المقيد ومفاوضة في المطبق . وقيل تفسد وهو الظاهر
وأما شركة العمل ( وهي المعروفة شركة الأبدان في بعض المذاهب )
فهي أن يشترك صانعان فأكثر على أن يعملا معا ويقتسمان أجرة عملها بنسبة العمل بشرط أن تكون الصنعة متحدة كحدادين . أو نجارين أو خياطين أو نساجين فلا يصح اشتراك حداد ونجار ولا اشتراك صانع ونساج نعم يصح اشتراك صانعين تتوقف صنعة أحدهما على صنعة الآخر كأن يشترك الذي يغوص في البحر لاستخراج اللؤلؤ مع صاحب الزورق الذي يحمله ويمسك له . وأن يتساويا في العمل بأن يأخذ كل واحد بقدر عمله من الغلة ويصح أن يزيد أحدهما على الآخر شيئا يتعارفه الماس ويحصل التعاون بينهما ولو كانا بمجلين مختلفين ( كدكاكين )
وإذا كان لكل منهما آلة للبرادة أو الحدادة أو النجارة فإنه لا يجوز أن يعمل بها قبل أن يشتري كل منهما نصف ألته بنصف الأخرى حتى يكون لكل منهما نصف إحداهما ملكا أصليا والنصف الآخر بالشراء . وقيل يجوز والأول هو المعتمد
وأما شركة الذمم فهي عبارة على أن يتعاقد اثنان على أن يشتريا شيئا غير معين بثمن مؤجل في ذمتها بالتضامن بمعنى أن كلا منهما كفيل لصاحبه ثم يبيعانه وما خرج من الربح فهو بينهما وأما شركة الوجوه عند المالكية فهي عبارة عن أن يتفق رجل ذو وجاهة مع رجل خمل لا وجاهة عنده على أن يبيع الوجيه تجارة الخمر لأن وجاهته تحمل الناس على الثقة به والشراء منه وله في نظير ذلك جزء من الربح وهي ممنوعة عندهم أيضا لأن فيها تغريرا بالناس فإذا وقع ذلك فعلا كان للوجيه أجر المثل أما المثل من اشترى من الوجيه فله رد السلعة وإمساكها بثمنها وإن كانت نفذت فإنها بالأقل من القيمة
وأما إذا وقع عقد شركة الذمم فإنه يعمل مع الشريكين بحسب ما اتفقا عليه من الربح
وأما شركة الجبر فهي عبارة عن أن يشتري شخص سلعة بحضرة تاجر اعتاد الاتجار في هذه السلعة ولم يخطر بأنه بشتريها لنفسه خاصة ولم يتكلم ذلك التاجر فإنه له الحق في أن يشترك فيها مع من اشتراها ويجبر من اشتراها على الشركة مع ذلك التاجر
والماكية : يقولون إن عمر رضي الله عنه قضى بهذا بالعرف في ذلك ويشترط فيها ستة شروط ثلاثة في السلعة وثلاثة في الشخص الذي يريد الاشتراك فاما الشروط الخاصة بالسلعة فهي أن تشتري بالسوق الذي تباع فيه عادة وأن يكون شراؤها للتجارة فإذا اشتراها للاقتناء أو ليجعلها أثاث منزله فإنه لا حق للغير في أن يشاركه فيها وأن يكون الاتجار فيها بها في البلد الذي اشتريت به فإذا اشتراها للسفر بها فإنه لا يجبر على الشركة فيها
وأما الشركة المتعلقة بالشخص الذي يطلب فهي أن يكون حاضرا في السوق وقت شراء السلعة وأن يكون من تجار تلك السلعة التي يبعث بحضرته وأن لا يتكلم وقت الشراء وهناك شرط آخر يتعلق بالمشتري وهو أن لا يقول لهم إنني أشتري ولا أريد أن أشارك أحدا فمن شاء أن يزيد فليفعل فإن قال ذلك فإنه لا يجبر الحاضر على مشاركة المشتري إلا إذا طلب ذلك فقبل وأما شركة المضاربة فقد تقدم معناها وأحكامها في بابها فارجع إليها إن شئت
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - الشركة ( بكسر الشين وسكون الراء )
وقد تفتح الشين وتكسر الراء ولكن
الحنابلة - قالوا : تقسم الشركة إلى قسمين : شركة في المال . وشركة في العقود فشركة المال هي اجتماع اثنين فأكثر في استحقاق عين بإرث أو شراء أو هبة أو نحو ذلك ولا فرق بين أن يملكا العين بمنافعها أو يملكا رقبتها دون منفعتها أو منفعتها بدون رقبتها . وأما شركة العقود وهي المرادة هنا فهي اجتماع اثنين فأكثر في التصرف وتنقسم شركة العقود إلى خمسة أقسام :
شركة العنان . وشركة الوجوه . وشركة الأبدان . وشركة المفاوضة وشركة المضاربة
فأما شركة العنان فهي أن يشترك اثنان فأكثر بمالين على أن بعملا معا في تنميتها والربح بينهما على ماشترطا أو يشترك اثنان فأكثر بماليهما على أن يعمل أحدهما فقط بشرط أن يكون للعامل جزء من الربح أكثر من ربح ماله ليكون ماله الجزء نظير عمله فإن شرط له ربحا قدر ماله فقط إيضاع لا يصح لأنه عمل في مال الغير بدون أجر
وأما شركة الوجوه فهي أن يشترك اثنان فأكثر في شراء تجارة بثمن في ذمتهما اعتمادا على وجاهتهما التي توجب الثقة بهما ثم يبيعانه والربح بينهما نصفين أو ثلاثا أو نحو ذلك وهي في جائزة مطلقا سواء عينا جنس ما يشتريانه أو قدره أو قيمته أو لم يعنيا شيئا فلو قال أحدهما لللآخر ما اشتريت من شيء فهو بيننا صح
وأما شركة الأبدان فهي أن يشترك صانعان فأكثر على أن يعملا بأبدانهما وما يروقانه من الأجر فهو بينهما على ما اشترطا وهي جائزة مطلقا سواء اتخذت الصفة أو اختلفت فيجوز اشتراك نجار مع حداد ولكل واحد منهما أن يأخذ وللمستأجر أن يعطيها لأيهما أراد
ومن شركة الأبدان الاشتراك في تملك المباحثات كالاصطياد ولاحتطاب ونحو ذلك
وأما شركة المفاوضة فهي الاشتراك في استثمار المال مع تعويض كل واحد لصاحبه في الشراء والبيع والمضاربة والتوكيل والبيع والسعر بالمال والرهن والارتهان والضمان وغير ذلك إلا إنه لا يصح أن يدخلا فيها الكسب النادر كوجدان بقطة أو نحو ذلك
وأما المضاربة فقد تقدم معناها
الشافعية - قالوا : الشركة الجائزة نوع واحد وهي شركة العنان ( بكسر العين )
وهي عبارة عن أن يتعاقد اثنان فأكثر على الاشتراك في مال للاتجار فيه ويكون الربح بينهم على نسبة أموالهم بشرائط مخصوصة سيأتي بيانها
أما أنواع الشركة المذكورة في المذاهب الأخرى فهي باطلة وهي ثلاثة أقسام :
الأول : شركة الأبدان وهي أن يشترك اثنان فأكثر يحترف واحد منهم حرفة ليعمل كل منهما ببدنه وما يرزقهم الله من أجر يقسمونه وهذه ممنوعة سواء اتحدت الحرفة كحدادين ونجارين أو اختلفت كحداد ونجار فإذا وقع عقد شركة كهذه فإن حكمه أن كل ما يحصله أحدهم من أجرة عمله وحده يختص به ولا يعطي منه شيئا لشريكه وما يعملانه معا يوزع عليهما بنسبة مثل أجرة عمل كل منهما . مثلا إذا عملا معا في بناء حائط يأخذ كل مهما أجرة مثل عمله التي يستحقها في اليوم فلو كان أحدهما يستحق في اليوم عشرة قروش وزعت الأجرة عليها بهذه النسبة
الثاني : من أقسام الشركة الباطلة شركة المفاوضة وهي أن يتعاقد اثنان فأكثر على الاشتراك بأموالهم من غير خلط المالين ببعضها قبل العقد أما إذا خلط المالين ببعضهما قبل العقد فإنها لاتكون شركة مفاوضة بل تكون من شركة العنان الجائز حتى ولو صرحا بالمفاوضة ونويا بها العنان فإنها تصح بعد الخلط قبل العقد وكما تكون المفاوضة بالأموال تكون بالأبدان فقط أو بالأموال والأبدان
الثالث : شركة الوجوه وهي أن يشترك زجيهان فأكثر في شراء تجارة بثمن مؤجل لوجاهتهما ليبيعونه والربح بينهما أو يشترك وجيه وخمل على أن يشتري الخمل بماله ويبيع الوجيه بوجاهته ويبيع الخمل وكل هذه الأقسام باطلة



تعريفه أركانها وشروطها وأحكامها

- للشركة العامة أركان : العاقدان والصيغة والمحل - وهو شيئان : المال والأعمال [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : للشركة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأنه هو الذي يتحقق به العقد وأما غيره من العاقدين والمال فهو عن ماهية العقد كما تقدم في البيع وصفة الإيجاب أن يقول أحدهما شاركتك في كذا وكذا ويقول الآخر قبلت ولا فرق في ذلك بين أن يذكر نوعا خاصا كأن يقول له شاركتك في القمح أو القطن أو يذكر شيئا عاما كأن يقول أنواع التجارة وإذا لم يذكر لفظ الشركة بأن قال أحدهما ما اشتريت اليوم من أصناف التجارة فهو بيني وبينك فقبل صاحبه فإنه يكون شركة
ولكن ليس لأحدهما أن يبيع بدون صاحبه لأنهما قد اشتركا في الشراء ولم يشتركا في البيع فلا يصح لأحدهما أن يتصرف بدون إذن الآخر
ومثل ذلك ما إذا أقته بوقت كأن قال له ما اشتريت اليوم أو هذا الشهر فهو بيني وبينك ولا يشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا بالفظ فإذا دفع له ألفا وقال له أخرج مثلها واشترى تجارة والربح سيكون بيننا فأخذها وفعل بدون أن يتكلم انعقدت الشركة وكيفية كتابة الشركة أن يقال :
هذا ما اشترك عليه فلان أو فلان اشتركا على تقوى الله تعالى وأداء الأمانة وعلى رأس مال قدره كذا يدفعه فلان ورأس مال قدره كذا يدفعه
صاحبه وذلك كله في أيديهما يشتريان ويبيعان مجتمعين ومنفردين ويعمل كل منهما برأيه ويبيع بالنقد وبالتأجيل فما كان من ربح فهو بينهما على قدر رؤوس أموالهما وما كان من خسر أو تبعة فهو كذلك ثم يكتب التاريخ
هذا هو النص الكامل لكتابة عقد الشركة وإن كان بعضه غير لاوم مثل التنصيص على أن كلا منهما يبيع بالنقد وإلى أجل لأن ذلك يملكه بمجرد العقد نعم بعضهم يقول إنه محتاج إلى إذن ولكنه ضعيف ثم إن اشترط الربح متفاوتا وصحيح فلا يلزم أن يقول وما كان من ربح فهو بينهما على رأس مالهما إلا صادف ذلك اتفقا ولهما أن يفقا على أن يأخذ أحدهما من الربح أقل من رأس ماله فإن كان ذلك فلينص عليه
أما الخسارة فإنه يجب أن تكون بنسبة رأس المال فإذا اشترط أن يكون على أحدهما أكبر من نسبة رأس ماله فسد العقد



شرط الشركة وأحكامها

- لشركة العقود شروط : بعضها يتعلق بالعاقدين . وبعضها يتعلق بالصيغة ويعضها يتعلق برأس المال . وبعضها يتعلق بالربح ولكل نوع من أنواع الشركة شروط تتعلق به من ذلك بخصوصه وكلها مفصلة في المذاهب في أسفل الصحيفة [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : الشروط المتعلقة بالشركة تنقسم إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : يتعلق بجميع أنواع الشركة سواء كانت بالمال أو بغيره
القسم الثاني : يتعلق بشركة المال سواء كانت معاوضة أو عنانا
القسم الثالث : يختص بشركة المفاوضة بأنواعها
القسم الرابع : يختص بشركة العنان كذلك
فأما الأول : فيشترط للشركة بجميع أنواعها أمران : الأول وهو متعلق بالمعقود عليه أن يكون النعقود عليه قابلا للوكالة فيه فإذا تعاهد اثنان على أن يشتركا في الاصطياد أو الاحتطاب أو في جميع الحشائش المباحة وبيعها فإن العقد لا يصح لأن هذه الأشياء مباحة فلا ينعقد فيها التوكيل لأن الحصول يثبت لمن يباشرها فمن حطبا أو صاد سمكا أو غزالا أو غير ذلك فإنه يملكه بمجرد الحصول عليه لغيره ملك يتصور أن يوكله في التصرف فيما يملكه منه
ثانيهما : وهو متعلق بالربح أن يكون الربح جزءا شائعا معلوما كالنصف أو الثلث أو نحوهما فإن كان الربح مجهولا أو معينا بعدد يفسد فإذا قال أحدهما شاركتك ولك جزء من الربح ولم يعين أو قال ولك عشرون جنيها من الربح فإنه لا يصح أما الأول فلأن الجهالة في الربح توجب النزاع وأما الثاني فلأن تعيين عدد من الربح يقطع الشركة إذ ربما لا يربح سوى هذا المبلغ فيأخذه أحد الشريكين المشروط ولا يكون الثاني شريكا فنتقطع الشركة حينئذ
أما القسم الثاني : وهو متعلق بشركة المال سواء كانت عنانا أو معاوضة فهو أمور :
أحدهما : أن يكون رأس المال من النقدين كالجنيه والريال فلا يصح العقد في شركة المعاوضة ولا في شركة العنان إذا كان رأس المال تجارة أو حيوان أو من المكيلات كالقمح والعدس أو الموزات كالسمن والعسل فإذا اختلط ما يملكه اثنان من القمح ببعضهما فإن ذلك سيكون شركة ملك كما تقدم والربح بينهما بنسبة ما يملكان والخسارة تكون عليهما بتلك النسبة أما إذا كانا من جنسين مختلفين وشعير فالثمن يكون بينهما على قدر قيمة ما يخصه يوم بيعه ومثل عروض التجارة قطع الذهب والفضة التي لم تضرب ( تختم بختم الحاكم )
إلا إذا جرت معادة بالتعامل بها فإنه يجوز أن يجعل رأس مال الشركة المالية على الصحيح أما المصنوغ من الذهب والفضة كحلي النساء وخلاخلهن فإنه كالنحاس والبرنز فإنه يصح جعلها رأس مال الشركة إذا كان يتعامل بها كما تقدم في المضاربة
على أنه يصح أن يجعل عروض التجارة رأس مال الشركة بحيلة وهي أن يبيع كل واحد منهما نصف ما يملكه الآخر ثم يخلطان ما يملكانه ببعضهما فيكون شركة ملك بحيث لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الاخر إلا بإذنه ثم تعاقدان على شركة المفاوضة فيقوض كل منهما لصاحبه أن يتصرف
ثانيهما : أن يكون رأس المال حاضرا عند العقد أو عند الشراء فلو دفع
دفع مائة جنيه لشخص وقال له ادفع مثلها واشتر بها وبع صح فإن العقد لا يصح
ثالثها : أن يكون رأس مال الشركة دينا فإذا كان لشخص دين على آخر وقال شاركني على أن رأس المال الذي أدفعه هو الدين الذي لي عند أو عندك فإنه لا يصح لأن الدين مال غائب وقد عرفت أن الشرط حضور المال
وأما الشروط المختصة بشركة المفاوضة فهي أمور :
منها : أن يكون رأس مال الشريكين أو الشركاء على السواء بأن يكون قدر ما يدفعه كل واحد مساويا لما يدفعه الآخر فلا يصح في المفاوضة أن يدفع أحدهما مائة جنيه والآخر خمسين جنيها فإن كان رأس مال أحدهما مخالف لرأس مال صاحبه بأن دفع أحدهما ذهبا والآخر فضة وجب أن يكون كل منهما مساويا للآخر في القيمة فإنه يجب أن يكون كل منهما مساويا للآخر في القيمة فإذا دفع أحدهما عشرة جنيهات مصرية مثلا وجب أن يدفع الآخر خمسين ريالا من الفضة أو مائة قطعة من ذات العشرة قروش وهكذا
ومنها : أن لا يكون لأحدهما من المال الذي تنعقد به شركة المفاوضة شيء مدخر بل ينبغي له أن يخرج كل ماله . فإذا كان معه ألف جنيه فلا يصح أن يعقد شركة مفاوضة مع غيره بخمسمائة بل ينبغي أن يعقدها بالألف فإذا عقدها بأقل مما يملك من المال كانت شركة عنان لا مفاوضة ويجوز أن يملك أحدهما عقارا أو دورا فسدت وصار عنانا ولو كان لأحدهما وديعة من النقدين عند شخص زائد على رأس مال المفاوضة فسدت المفاوضة وهذا الشرط يتعلق الشرط برأس المال
ومنها : أن يكون كل من الشريكين أهلا للكفالة بأن يكونا بالغين حرين عاقلين متفقين في الملة كما تقدم وهذا الشرط متعلق بالعاقدين
ومنها : أن تكون الشركة عامة في جميع أنواع التجارة فلا يصح تخصيصها بنوع واحد كالقطن أو القمح أو نحو ذلك وهذا الشرط متعلق بالمعقود عليه
أما الأحكام شركة المفاوضة فهي أن كل شيء يشتريه أحد الشريكين كان على الشركة كإطعام أهله وإدامه وكسوته . وكذلك المتعة والنفقة والاسئجار للسكنى والركوب للحاجة كالحج وغيره فإن كل ما يشتريه أحدهما مما يتعلق بذلك خاصا به ومع ذلك فإن الآخر يكون كفيلا عنه حتى أن لصاحب الكسوة والطعام ونحو ذلك ما ذكر أن يطالب الشريك الآخر الذي لم يشتر وعليه أن يؤدي ويرجع على شريكه بما يستحقه فيما دفعه من مال الشركة
ولا يشرك أحدهما الآخر فيما ورث من ميراث ولا حصل عليه من جائزة سلطانية ولا هبة ولا صدقة ولا هدية
وإذا كان لأحد الشريكين شيء مملوك قبل عقد الشركة فليس للآخر شيء إذا اشترى أحدهما جملا بشرط الخيار ثم تعاقد مع صاحبه على شركة المفاوضة ثم أسقط خياره فإن الجمل يكون له وحده وليس لشريكه فيه نصيب
وإذا أودع أحدهما وديعة كانت عند الآخر وإذا كان يعمل أحدهما في مال مضاربة ما يخصه من الربح بينه وبين شريكه شركة مفاوضة
وإذا ثبت في ذمة أحدهما دين بتجارة وشبهها كان الآخر متضامنا فيه ويشبه التجارة الغصب والاستهلاك والوديعة الموجودة أو المستهلكة والعارية لأنه إذا غصب أحدهما شيئا كان ضامنا له والضمان يفيد له تملك الأصل المغصوب فيكون الشريكان مفاوضة متضامنين في أدائه ومثل الغصب الوديعة فإذا أودع شخص عند أحد أحد الشريكين وأنكره أو استهلكه كان ضامنا كالتجارة ومثل ذلك العارية وكذلك إذا كفل أحدهما شخصا على مال بإذن صاحبه فإن شريكه يكون ضامنا معه في دفع ذلك المال
اما إذا كفل أحدهما شخصا بنفسه بأمر صاحبه أو كفله بدون إذنه فغن الشريك الآخر لا يلزم بذلك
وخرج ما لزم أحدهما مما لا يشبه التجارة كالدين المهر والخلع والجنابة والصلح عن دم العمد والنفقة فإن كل ذلك لا يضمن فيه الآخر
هذا ولا تبطل الشركة بالشرط الفاسد عند الحنفية وإنما يبطل الشرط فلو اشتركا في شراء حيوان أو عروض تجارة على أن يبيعه أحدهما دون الآخر لم تفسد الشركة ولا يعمل بالشرط . وكذلك إذا اشتركا على أن يدفع أحدهما المال وحده فإن الشرط يكون فاسدا والعقد صحيح وهكذا كل شرط فاسد فإنه لا يفسد العقد ولا يعمل به
المالكية - قالوا : الشروط التي تتعلق بالعاقدين ثلاثة وهي : الحرية فلا تصح بين رقيق وحر ولا بين عبدين إلا إذا كان مأذونا له بالتجارة من سيده فإنه يكون في حكم الحر . والرشد فلا يصح بين سفهين أو سفيه ورشيد . والبلوغ فلا تصح من صبيين ولا من صبي وبالغ فإذا اشترك صبي مع بالغ فلا ضمان على الصبي ومثل ذلك ما إذا اشترك سفيه مع عاقل فإنه لا ضمان على السفيه ومثلها العبد مع الحر . وهذه الشروط هي شروط صحة التوكيل والتوكل فلا يصح لشخص أن يوكل غيره أو يتوكل عن غيره إلا إذا كان حرا بالغا رشيدا
وأما الصيغة فشرطها أن تكون بما يدل على الشركة عرفا سواء كان بالقول أو الفعل ومثال الأول أن يقول كل منهما اشتركنا على كذا أو يقول أحدهما ويسكت الآخر راضيا أو يقول أحدهما شاركني ويرضى الاخر ومثال الثاني أن يخلط كل منهما ماله صاحبه ويتجرا ومتى تحققت الصيغة بالقول أو الفعل لزم عقد الشركة . وإذا أراد أحدهما أن ينفصل عن صاحبه قبل خلط المالين وامتنع الآخر فليس للأول حق الانفصال إلا إذا بيعت السلع التي اشترياها وظهر رأس المال
وأما رأس المال فإنه يصح بأمور ثلاثة أحدهما النقدان من الذهب والفضة وهذا يشترط فيه ثلاثة أمور :
الأول أن يتحد ما يدفعه أحدهما بما يدفعه الآخر في الجنس بأن يخرج أحدهما ذهبا فقط والآخر فضة فإن فعلا ذلك فلكل منها رأس ماله ويقسمان الربح لكل عشرة واحد
الثاني : أن يتحد المالان في الصرف والوزن والجودة والرداءة فلا يصح أن يختلف في التصرف كأن يصرف جنيه أحدهما مثلا بخمسة وتسعين جنيه والآخر بتسعين مع اتحادهما في الوزن لأنهما إن اتفقا على إلغاء الزيادة فقد تفاوتا في رأس المال أحدهما في هذه يدفع أكثر من صاحبه ولم يحسب له ما دفعه والتفاوت مفسد للشركة وإن اتفقا على حساب الزيادة ترتب على عدم اعتبار الوزن في صرف الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة وهو ممنوع
وكذلك لا يصح أن يختلفا في الوزن لما عرفت . اما اختلافهما في الجودة والرداءة بأن كان أحدهما جيدا والاخر رديئا فإنه لا يصح لأن قيمة الجيد أزيد من قيمة الرديء طبعا على إلغاء الوزن وإلغاء الوزن في عيار الذهب والفضة ممنوع
الأمر الثالث : أن يكون رأس مال الشركة من النقدين حاضرا فإذا اشتركا على مال غائب فإنه . لا يصح اما إذا كان مال أحدهما حاضرا ومال الآخر غائبا فإن كانت غيبته بعيدة بحيث لا يمكن إحضاره في مسافة يوميين فإن الشركة لا تصح
وإذا كان بعض مال أحدهما غائبا ويعضه حاضرا كأن كان معه ألف منها خمسمائة بيده والباقي مودع في مكان ثم اشتركا على الأفين فإنه ينبغي تأجيل العمل حتى تحضر الخمسمائة في مسافة قريبة فإن عملا قبل ذلك كان لصاحب الخمسمائة نصيبه من الربح ذلك وهو الثلث فقط ثانيهما : أن يكون رأس المال عينا من أحدهما وعروض تجارة من الآخر كأن يدفع أحدهما نقدا من ذهب أو فضة ويدفع الآخر يلعة من قماش أو قطن أو قمح
ثالثها : أن يكون رأس المال عرض تجارة من الشركين كأن يدفع أحدهما قطنا والآخر ثيابا أو شعيرا أو أرزا أو يدفع أحدهما قطنا والآخر قطنا كذلك إذ فرق أن يكون رأس المال من العرض متحد الجنس أو مختلفة إلا أنه لا يصح أن يكون رأس المال من كل منهما طعاما فلا يصح أن يدفع كل واحد قمحا أو شعيرا وإنما جازت في صورة ما إذا كان أحدهما طعاما فلا يصح أن يدفع كل واحد قمحا أو شعيرا وإنما جازت في صورة ما إذا كان مال أحدهما طعاما والآخر عرض تجارة تغلبا لجانب النقد وعرض التجارة على الطعام
وعلى كل حال فيشترط في جعل رأس المال عرض تجارة أن يقوم رأس المال وتعتبر الشركة فيه بالقيمة ثم إن كان عروض التجارة معدودا أو مكيلا فتعتبر قيمته بعد وقبضه لأنه إنما يدخل في ضمان المشتري بالقبض فتعتبر قيمته ومثل ذلك العرض الغائب غيبته قريبة فإن قيمته تعتبر يوم قبضة واما غير ذلك فتعتبر يوم عقد الشركة
وأما الربح والخسارة فإنه يشترط فيه أن يكون بحسب نسبة المال فلا يصح لأحدهما أن يأخذ أكثر من نسبة رأس ماله الذي دفعه
ومثل الربح العمل فعلى كل منهما أن يعمل بنسبة رأس ماله فإن اشترطا التفاوت في الربح أو العمل بطلت الشركة فإذا لم يشرعا في العمل وظهر لهم بطلان الشركة بذلك فسخ العقد فإذا عملا في المال واتضح البطلان بعد العمل قسم الربح بينهما على قدر رأس المال الذي دفعه كل منهما
فإذا كان لأحدهما ثلث المال وللآخر الثلثان واشتريا على أن يكون لصاحب ثلث المال نصف الربح ولصاحب الثلثين النصف الاخر فإن لصاحب الثلث بالسدس الزائد على مقدار رأس ماله ولصاحبه الثلث الرجوع على صاحب الثلثين بأجر عمله الذي يقابل سدس الربح الذي زيد له وهو سدس أجرة العمل كله
هذا محصل الشروط المعتبرة في شركة العقود عامة . وقد تقدمت الشروط الخاصة بكل نوع على حده عند تعريفه قريبا
الشافعية - قالوا : قد عرفت مما تقدم أن القسم الصحيح من أقسام الشركة عند الشافعية هو شركة العنان وأما غيرها فهو باطل وقد عرفت حكمته فيما تقدم . وكذلك أن أركانها أربعة : صيغة وشريكان ومال . ويتعلق بكل ركن منها شروط :
فيشترط في الصيغة أن تشتمل على ما يفيد الإذن بالتصرف لمن يتصرف بالبيع والشراء ونحوهما فإن كان التصرف من أحدهما يلوم أن تكون الصيغة مشتملة على إذن الآخر إياه كل منهما لصاحبه جعلنا هذا المال شركة وأذنتك بالتصرف فيه على سبيل التجارة بيعا وشراء فيقول الاخر قبلت ولا يكفي اشتركنا فقط بل لابد من التصريح بما يدل على الإذن المذكور
وأما الشريكان فيشترط في كل منهما الرشد والبلوغ والحرية فلا يصح عقد الشركة من سفيه أو مجنون أو صبي أو رقيق غير مأذون له وكذلك لا يصح من مكره أو فضولي . ويصح من أعمى على أن يكون المتصرف ويوكل عنه في القبض بشرط أن يكون أهلا لأن يكون عنه غيره بان يكون رشيدا بالغا
وأما رأس المال فيشترط له أمور ( أولا )
أن يكون مثليا والمراد بالمثل ما يحصره كيل أو وزن ويجوز فيه السلم كالنقدين من الذهب والفضة فإنها يحصران بالوزن وكالحنطة والشعير والأرز ونحوها فإنها تحصر بالكيل أما غير ذلك مما لا يكال ولا يوزن من عرض التجارة فإنه لا يصح أن يجعل رأس مال إلا إذا باع أحدهما بعض تجارة صاحبه بطريق الشيوع ثم يأذن كل واحد منهما صاحبه بالتصرف على سبيل التجارة وبذلك يصح جعل عرض التجارة رأس مال سواء اتحد جنسه أم اختلف
( ثانيا )
اختلاط المالين قبل العقد بحيث لا يتميز أحدهما من الاخر . أما خلطهما بعد وقوع العقد فقيل يصح وقيل يمتنع وعلى الثاني فإنه يلزم إعادة الصيغة
[ يتبع . . . ]
( ثالثا )
يشترط اتحاد ما يخرجه من المال ببعضه فلا يصح أن يخرج أحدهما ذهبا والاخر فضة وبالعكس . وكذلك لا يصح أن يخرج أحدهما فضة من ذات العشرة وقروش ويخرج الاخر من ذلت الخمسة ونحو ذلك إلا إذا ملكا مختلفا بطريق الهبة أو طريق الميراث فإنه لا يشترط اتحاده وإنما الشرط أن يأذن كل واحد منهما صاحبه في التصرف بطريق التجارة
ولا يشترط التساوي في رأس المال ولا في العمل على المعتمد فيصح أن يكون رأس مال صاحبه ويكون عمله الذي يقابل زيادة من المال تبرعا منه لا يستحق عليه شيئا نعم يشترط أن بقسم الربح والخسارة على قدر المالين سواء تساوى الشريكان في العمل أو تفاوتا فإذا دفع أحدهما مائة ودفع الآخر خمسين لزم أن يأخذ الثاني ثلث الربح فإن اشترط أقل من ذلك أو أكثر فسد العقد ويرجع كل واحد منهما بأجرة عمل مثله في ماله فإذا كانا متساوين في مال صاحبه مقابل عمل الآخر في ماله ويكون ذلك مفاوضة
الحنابلة - قالوا : تنقسم الشروط في الشركة إلى ثلاثة أقسام :
الأول - شروط صحيحة لا يترتب عليها ضرر ولا يتوقف العقد عليها كما إذا اشترطا أن لا يبيعا إلا بكذا وأن يتجرا في مكان كذا أو أن لا يسافر بالمال ونحو ذلك فهذا كله صحيح لا ضرر فيه
الثاني - شروط فاسدة لا يقتضيها العقد كاشتراط عدم فسخ الشركة مدة سنة مثلا أو أن يبيع بها
القسم الثالث : الشروط التي يتوقف عليها صحة العقد وهي أمور : منها أن يكون المالان معلومين للشريكين . ومنها حضور المالين بمال غائب أو في ذمة كالمضاربة . ومنها أن يشترطا لكل واحد جزءا من الربح معلوما مشاعا كالنصف والثلث ونحوهما . ومنها غير ذلك الشروط التي تقدمت في المضاربة فارجع إليها



مبحث في تصرفات الشركاء في المال وغيره

- لكل واحد من الشركاء أن يتصرف باختلاف أنواع الشركة فأما تصرفهم في شركة ؟ ؟ المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا حكم تصرف الشركاء باختلاف أنواع الشركة فأما تصرفهم في شركة المفاوضة فهو على قسمين :
الأول : أن يتصرف كل منهم في مال الشركة
الثاني : أن يتصرف كل منهم فيما وقع من شريكه من التعاقد مع الغير فأما الأول فهو على وجوه :
أن يكون لكل واحد الحق في أن يبيع بكثير الثمن وقليله إلا إذا كان في بيعه غبن كثير لا يقع بين الناس عادة فإنه لا يجوز أن يشتري إلا بما هو معروف عند الناس عادة وهل يصح له أن يبيع بعرض التجارة أو لابد من البيع بقيمة العرض والنفوذ خلاف
ومنها : أن لكل منهم أن يبيع لمن لا تقبل شهادته عليه كولد ما دام بغير غبن كثير
ومنها : أن لكل منهم أن يودع مال الشركة
ومنها : أن لكل منهم أن يبيع ويشتري بثمن مقبوض ومؤجل منهم أن يتعاقد عقد سلم بأن يشتري سلعة بثمن حال على أن يقبضها بعد مدة معينة أو بيع سلعة كذلك
ومنها : لكل منهم أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن أقل حالا لينتفع بالمال الذي يقبضه . ومنها : لكل منهم أن يرهن مال الشركة مقابل
دين عليه خاصة إلا أنه يضمن لشريكه القدر الذي يستحقه في المال المرهون وإن كانت قيمة المرهون أكثر من الدين الذي عليه فلا يضمن شيئا وإذا رهن مالا خاصا به في مقابل دين على الشركة فإن شريكه يكون ضامنا لنصيبه من الدين فيرجع عليه به
ومنها أن لكل واحد منهم أن يهدي بالمأكول كالحم والخبز والقاكهة وله أن يولم بشرط أن لا يخرج عن العرف في ذلك أما الإهداء بغير المأكول كالذهب والفضة فإنه لا يجوز
ومنها : أن لكل منهم أن يسافر بالمال بدون إذن شريكه على الصحيح . ثم إن كان السفر بإذن شريكه كان له الحق في الإنفاق على نفسه في طعامه وإدامه وكرائه من رأس المال إن لم يربح فإن ربحت النفقة من الربح
ومنها : أن لكل منهم أن يدفع المال مضاربة كأن يعطي شخصا مائة ليعمل فيها بجزء الربح وما بقي من الربح يكون بين الشركاء وله أن يأخذ مالا مضاربة ليعمل فيه ولكن ربحه يكون خاصا به
ومنها : أن لكل منهم أن يشارك الغير شركة عنان ببعض مال الشركة ويجوز عليه وعلى شركائه سواء كان ذلك بإذنه شريكه أو لا . وليس له أن يشارك الغير مفاوضة إلا بإذن شريكه ولا فرق فس ذلك بين أن يشارك قريبا كأبيه وابنه أو بعيدا
ومنها : أن لكل منهم أن يوكل وكيلا ويدفع إليه بعض المال ويأمره أن ينفق على تجارة من مال الشركة فإذا عزل الشريك الآخر ذلك الوكيل فإنه ينعزل إذا كان وكيلا في بيع أو شراء أو إجارة . اما إذا كان وكيلا في تخليص دين باع به الشريك الموكل سلعة من تجارة الشركة فليس للشريك الآخر عزل الوكيل لأنه ليس لأحد الشركاء أن يقبض ما باع به واحد منهم أو يخاصم فيه بل الذي يفعل ذلك هو المباشر فقط ليس لغير المباشر أن يعزل الوكيل
ومنها : أن لكل منهم أن يعير من مال الشركة ولكل واحد من الشركاء أن يمنع صاحبه من عمل شيء من الأوجه التي تقدمت كلها فإذا نهاه عن فعل واحد في نصيب شريكه الذي نهاه عن السفر
وليس لواحد من الشركاء أن يقرض من مال الشركة بدون إذن صاحبه فإذا فعل ضمن نصيب شريكه ولا بفسد الشركة
القسم الثاني : تصرف أحد الشركاء فيما يقع من التعاقد مع الغير وهو وجوه أيضا : منها أنه قال أحدهما في بيع باعه الآخر نفذت إقالته على الشركاء مثلا إذا باع أحدهم سلعة بمائة فطلب المشتري إقالته الشريك الذي لم يباشر بيعها نفذت إقالته ومثل السلم
ومنها أنه إذا باع أحد الشركاء سلعة بثمن مؤجل ثم مات فليس للشريك
أن يطالب بغير ما يخصه فإذا كان له النصف ودفع المدين يرئت ذمته والورثة هم يطالبون بنصيب الميت
ومنها : أنه إذا باع أحدهم شيئا ثم ذهب ثمن المشتري أو لأبرأه فإنه يجوز وعليه الضمان . ومنها أنه يجوز لأحد الشركاء أن يؤخر دينا لهم
عند الغير حل موعده وينفذ تأخيره على الجميع سواء كان المباشر لعقد منهم أن يطالب البائع بثمنها
ومنها : أنه أقر أحدهم نفذ إقراره على نفسه وعلى شركائه إلا إذا كان متهما بالنسبة لمن أقر له بأن كان ممن لا تقبل عليه كأبيه وابنه
وأما الثاني : وهو التصرف في شركة العنان فهو على وجوه أيضا . منها أن لكل واحد من الشريكين شركة عنان أن يوكل بالبيع والشراء والاستئجار وللآخر أن يعزل الوكيل من ذلك أما إذا وكله بتقاضي دين فليس للآخر إخراجه كما تقدم في شركة المفاوضة وبعضهم يقول إن ذلك خاص بالمفاوضة . وما عدا ذلك فإن كل التصرفات الثابتة لشريك المفاوضة تثبت لشريك العنان وكل ما يمنع منه شريك العنان إلا أمور منها أن شريك العنان لا يملك أن يشارك الغير بدون إذن شريكه فإذا اشترك اثنان شركة عنان فاشترك احدهما مع ثالث بدون شريكه الذي لم يشارك شيئا كان ربحه خاصا به
ومنها : أنه ليس لشريك العنان الذي لم يباشر البيع أن يرهن عينا من مال الشركة رهن بدين على الشركة لم يجز وضمن العين المرهونة
وإذا ارتهن عينا بدين لهما على الغير لم يجز لهما على شريكه فإن هلك الرهن في يده وكانت قيمته مساوية للدين فإن حصته تضيع ويرجع عليه ويرجع شريكه بحصته على المدين صاحب العين الموهونة على المرتهن بنصف قيمة الرهن ولشريكه أن يرجع بما يخصه مباشرة
أما الشريك المباشر للبيع فإنه يجوز له أن يرهن ويرتهن فإذا اشترى أحدهما عينا بثمن مؤجل ورهن في مقابل الثمن من مال الشركة فإن له ذلك وينفذ على الشريكين
المالكية - قالوا : لأحد الشريكين ( شركة مفاوضة )
أن يتصرف فيما يأتي :
أولا : له أن يتبرع بشيء من مال الشركة ليؤلف الذين يروجون تجارته
ويشبه ذلك ما ينفق على الإعلانلت في زماننا وكذا له أن يتصدق باليسير المعتادة بين الناس كإعارة آلة ونحو ذلك
ثانيا : له أن يعطي شخصا مالا من الشركة ليشتري له به بضاعة من بلد كذا وذلك يسمى إيضاعا وهذان من حقوق الشريكين شركة عنان أيضا على الإيضاع لا يصح إلا إذا كان مال الشركة واسعا وإلا فلا يصح الإيضاع بدون إذن شريكه
ثالثا : لأحد المتفاوضين أن يودع مال الشركة عند من يراه أمينا لعذر يقتضي الإيداع فإن أودع لغير عذر ضمن
رابعا : له أن يشارك في جزء معين من مال شركة مفاوضة أو شركة عنان بحيث لا يكون للشريك الجديد إلا العمل في الخير الذي عينه فلو عمل في كل مال الشركة بدون إذن الشريك الأول فإنه لا يصح
خامسا : له أن يعطي بعض المال لشخص مضاربة إذا كان المال متسعا يحتمل ذلك وإلا فلا يصح بدون إذن شريكه أيضا
سادسا : له أن يقبل من سلعة باعها هو أو شريكه إن كان في ذلك فائدة للتجار وإلا فائدة للتجار وإلا لزمه للشريك قدر حصته
سابعا : له أن يقبل السلعة التي يترتب سواء اشتراه هو أو شريكه بغير إذن شريكه . هكذا وإن لأحد الشريكين أن يفعل كل هذه الأمور من الأول إلى السابع وإن نهى شريكه عنها وامتنع من قبولها
ثامنا : له أن يقر بدين على الشركة ويؤخذ من مال الشركة ويلزم شريكه أن يدفع ما يخصه ولكن بشروط ثلاثة :
أحدهما : أن يصدقه المقر له على ذلك فإذا كذبه فلا يلزم شريكه شيء
ثانيهما : أن يكون المقر له ليست بينه وبين المقر علاقة توجب اتهامه في إقراره كأبويه وابنه فإذا أقر فإنه لا يلزم شريكه ويكون مسؤولا عنه المقر فقط
ثالثهما : أن يكون الإقرار لمن لا يتهم بالنسبة له حال قيام الشركة فإن أقر بعد فض الشركة وصدقه المقر له لزمه أن يدفع له نصيب الذي يخصه ثم يعتبر شاهدا بالنسبة لنصيب شريكه ويحلف هو وصاحب الدين الذي أقر له وبعد ذلك يلزم الشريك أن يدفع ما يخصه
تاسعا : له أن يبيع بالدين بغير إذن شريكه وليس له أن يشتري بالدين
بغير إذنه فإن فعل خير شريكه بين القبول والرد وفي حالة الرد يكون الثمن على المشتري خاصة ولا فرق في ذلك بين أن تكون السلعة التي اشترها بالدين معينة بينهما بأن قالوا له اشتر السلعة الفلانية أو لم تكن معينة كأن قال له سلعة أعجبتك فاشتراها فإذا أذنه شريكه في شراء سلعة معينة بالدين فإنه يصح أما يصح أما أذنه فس شراء أي سلعة بالدين فإنه لا يصح لأنها تكون من باب شركة الذمم وهي ممنوعة عندهم كما تقدم
عاشرا : لأحد المتفاوضين أن يأخذ مالا من شخص آخر غير شريكه ليتجر فيه مضاربة ويكون ربحه خاصا به لا شيء منه لشريكه بشرط أن لا يشغله العمل فيه عن العمل للشركة الأولى وعليه خسارتها بلا دخل لشريكه إلا إذا علم شريكه بذلك ولم يمنعه فإنه يكون متضامنا معه في ربحها وخسارتها
الشافعية - قالوا : لكل سلعة بشرط الخيار ثم وجد من يرغب فيها بثمن زائد قبل انقضاء مدة الخيار فإنه يتعين عليه فسخ العقد وبيعها لازائد للمصلحة وليس لأحدهم أن يبيع بالدين ولا بنقد غير متداول ببلده أو ينقد أقل سعرا من نقده بلده لأن في ذلك ضرارا لمصلحة شركائه بغير ضرورة مالم يأذن له في ذلك كله شركاؤه فإذا أذنوا فعل ولا ضمان عليه وإلا فعليه الضمان ثم إن كان قد باع بالدين أو بغير نقد البلد الذي يتعامل به فيها أو بغبن كثير لا يصح البيع شريكه ويضمنه بالتسليم أما نصيبه هو فقيل يصح البيع فيه بناء على القول بجواز تجزأة العقد بأن يكون صحيحا ببعض العين المبيعة وفاسدا في البعض الآخر ويسمى ذلك ( تفريق الصفقة )
وقيل لا يصح أيدا وكما لا يصح في نصيب الشريك بنلء على القول بعدم جواز ذلك وعلى الأول أن يكون المشتري شريكا لأنه يملك نصيب الشريك الذي باع له أما على الثاني فالبيع كله باطل وليس لأحد الشركاء أن يعطي شيئا من مال الشركة ليشتري به بضاعة بدون أجر ( ويسمى ذلك إبضاعا )
إلا بإذن شركائه
هذا وعقد الشركة جائز لكل من الشريكين فسخه متى شاء فلو فسخه الشريكان جميعا انعزلا عن العمل
أما إذا عزل أحدهما صاحبه فإن عزله ينفذ ويبقى هو في العمل حتى يعزله صاحبه أيضا وتفسخ الشركة بموت أحدهما وجنونه دائما
الحنابلة - قالوا : يجوز لأحد الشركاء أن يفعل الأمور التي تقدمت في المضاربة ويمتنع عليه ما يمتنع فيها فارجع إليها إن شئت



مبحث إذا ادعى أحد الشركاء تلف المال ونحو ذلك

- الأصل أن الشريك أمين بالمال والأمين ينبغي أن يصدق فيما يدعيه وذلك هو الأساس الأول الذي تحث شريعتنا المطهرة على إعتباره في عقد الشركة فمتى اختل ذلك الأساس فقد انهارت الشركة وفشل الشركاء
في كل ما يقومون به من الأعمال صغيرا كان أو كبيرا ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما " . رواه أبو داود والحاكم صحيح الإسناد
ومعنى ذلك أن الله سبحانه لا يزال عونا للشريكين ما دام كل مهما أمينا على صاحبه لا يخونه في كثير منه ولا قليل فإذا سولت له شهوته الفاسدة أن يخون صاحبه رفع الله تلك المعونة . ومن يكن الإله عونا له لا بد أن ينجح في عمله ويفوز بأحسن ثمراته إن كان عاجلا وإن آجلا أما الذي لا يعينه خالفه فهو خاسر لا محالة ومعرض للهلاك في الدنيا والآخرة فالأمانة هي أس نجاح الشركاء والخيانة أس فشلهم وخسارتهم جميعا وذلك مشاهد محس لا يحتاج إلى دليل فإنك ترى كثيرا من الشركات لا تلبث أن تنمحي آثارها رغما من مساعدة الظروف إياها بينما الشركات التي أقل منها مالا وأتعس حالا تستمر وتنمو وما ذلك لحرص الشركاء على تفيذ شروطهم كاملة وتمسكهم بالمانة في كل شأن من شؤونهم وبعدهم عن الخيانة في جميع الأحوال
وإن ادعى كان كذلك فكل ما يدعيه أحد الشركاء من خسارة وربح ونحو ذلك يصدق فيه على تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : كل ما يدعيه أحد الشركاء في مقدار الربح والخسران وفقد المال والدفع لشريكه فإنه يصدق في قوله بعد أن يحلف اليمين حتى ولو ادعى أنه دفع ما يخص شريكه بعد موته فإن القول بيمينه ألا ترى أن من وكل شخصا في أن يقبض وديعة له عند آخر ثم مات الموكل فادعى الوكيل أنه قبضها قبل أن يموت الموكل وهلكت في يده قبل أن يعطيها له وهو أمين لا ضمان عليه فإنه يصدق ولو أنكرت الورثة وكذلك إذا قال دفعها إليه فإنه يصدق أما إذا وكله في قبض دين ثم مات الموكل وادعى الوكيل تلك الدعوى فإنه لا يصدق ولا تبرأ ذمة المديون بذلك
وذلك لأن شاغل الدين لذمة المدين فإذا دفعه لصاحبه فقد شغل ذمته به فثبت للمديون الدائن مثل ما ثبت للدائن في ذمته فتقابل كل مهما بالآخر قصاصا وهذا هو معنى قولهم إن الديون تقتضي بامثالها . وهي ذلك تضمين للميت وإيجاب الضمان على الغير لا يصدق فيه الوكيل وإنما يصدق في نفي الضمان عن نفسه . ولهذا لا يضمن الوكيل الدين ولا يرجع عليه المديون بشيء وبالجملة فالوكيل إذا ادعى أمرا فيه نفي الضمان عن نفسه صدق أما إذا ادعى ما فيه إيجاب الضمان على الغير فإنه لا يصدق
ويضمن الشريك بالتعدي لأن الأمين إذا تعدى ضمن كما يضمن بموته من غير أن يبين نصيب شريكه فإذا اشترك اثنان وباع أحدهما تجارة بالدين ولم يبين نصيب شريكه قبل موته فإن على الورثة دفع نصيبه ولو ضاع عند المدين أما إذا بينه فلا ضمان . وإذا نهى أحد الشركاء شريكه عن البيع بالدين فباع نصيب البائع ووقع موقوفا في حصة شريكه فإن أجاره فالربح بينهما وإن لم يجزه فالبيع في حصته باطل وحكم ما إذا نهاه عن السفر فلم يمتثل حكم المضارب الذي يفعل ذلك وقد تقدم
الشافعية - قالوا : الشريك أمين مال الشركة فكل ما يدعيه أحد الشريكين
في الربح والخسران ورد بعض المال فإنه يصدق فيه . وأما إذا ادعى
المال ففيه تفصيل وذلك لأنه إذا ادعى تلفه بدون أن يعرف له سببا
أو بسبب خفي كالسرقة فإنه يصدق بلا يمين
أما إذا ادعى تلفه بسبب ظاهر كالحريق فإنه لا يصدق إلا أقام البينة على حصول الحريق وأن مال التجارة حرق به
وأما إذا عرف أحد الشريكين بأنه اشترى هذه الشلعة للشركة وادعى الآخر بأنه اشتراها لنفسه لما فيها من زيادة في الثمن أو العكس صدقمن كان المال في يده . وإذا ادعى من في يده المال انهما اقتسماه وما في يده خاص به وأنكر شريكه فالقول في هذه الحالة للمنكر لأن الأصل عدم القسمة
المالكية - قالوا : إذا ادعى أحد الشركاء التلف لمال الشركة بآفة سماوية أو خسر بالعمل فيه تجارة وأنكر شريكه عليه ذلك وادعى عليه أنه أخفاه ولم يحصل تلف ولا خسارة فلا يخلو إما أن تقوم القرائن على كذبة على كذبة في دعواه التلف والخسر كأن يكون مع جماعة لا يخفى عليهم التلف ولم يسمعوا عنه . أو تكون السلعة رابحة لا يمكن أن تخسر أو لا تقوم القرائن على ذلك وعلى كل حال فالقول للمنكر . ثم إن قامت القرائن على كذب المدعي ضمن المال وإن لم تقم القرائن حيث لا بينه ولا دليل فإنه يحلف على أنه حصل الخسار والتلف
وإذا ادعى أحدهما أن له ثلثي المال وادعى الآخر أن لكل واحد نصفه فالقول لمن ادعى النصف فيقسم بينهما نصفين بعد حلفهما وبعضهم يقول إنه يعطي لمدعى الثلثين النصف ولمدعي النصف الثلث ويقسم السدس التنازع بين أكثر من اثنين قسم المال بحسب الرؤوس
وإذا ادعى أحد الشريكين على شيء رآه بيد شريكه أنه مال الشركة فأنكر الآخر ذلك وقال إنه خاص بي فإن ذلك يحتمل أمرين : الأول أن تقوم بينه على أنهما يتصرفان تصرف شركاء المفاوضة أو لأنهما أقرا بالمفاوضة أو أن الشركة قد وقعت يدهما ولا بينه للمنكر
الثاني : أن ياتي المنكر بينه تشهد بأن هذا المال قد ورثة المنكر أو وهب له أو نحو ذلك وفي هذه الحالة يكون المال للمنكر خاصة سواء شهدت بانه جاءهه قبل ولم يدخل فيها أو قالت إنها لا تعلم إن كانت المفاوضة قبله أو هو قبلها
أما إذا قالت إن الشركة قبل المال ولم تشهد بعدم دخوله فيها فإنه يكون للشركة
الحنابلة - قالوا : الشريك بالنسبة أمين لأنه كالوكيل فالقول في رأس المال وفي قدر الربح أو لم يربح وفيما يدعيه من هلاك إلا إذا كان للآخر بينة تشهد خلاف ذلك وإن ادعى التلف بسبب ظاهر كتلف بينة تشهد به ثم حلف أنه تلف به والقول فيما اشتراه لنفسه أو للشركة ونحو ذلك



مباحث الإجارة


تعريفها وأركانها وأقسامها

- الإجارة في اللغة بكسر الهموة وضمنها وفتحها والكسر أشهرها وهي مصدر سماعي لفعل أجر على وزان ضرب وقتل فمضارعها يأجر وأجر بكسر الجيم وضمها ومعناها الجزاء على العمل . وقال : بعضهم إنها ليست مصدرا سماعيا أيضا لأن المصدر القياسي لفعل أجر كضرب الأجر بمعنى الثواب والجزاء الحسن ولم يسمع أن الإجاوة مصدر له بل هي اسم لما يعطي من الأجرة وأن الذي ينبغي تعريفه فيما ياتي هو الإيجار وهو مصدر آخر بالمد يؤجر وأصله أأجر على وزان أكرم واسم الفاعل منه كمكرم ولكن الصحيح أن الإجارة مصدر سماعي أيضا لفعل أجر كما ذكر أولا فكما أن الإيجار مصدر قياسي لآجر كأكرم فكذلك الإجارة مصدر سماعي لأجر كضرب كما أنها اسم للاجرة وهي ما يعطي من كراء الأجير وياتي آجر أن يستعمل في لإجارة الدار ونحوهما مما لا يتصور فيه ذذلك من أن تكون آجرت على وزان أفعل كأكرم ثم إنه في هذه الحالة يتعدى إلى مفعولين تقول آجرت محمدا الدار أما آجر على وزان فاعل فإنه لازم غير متعد ومنه مؤاجرة الأجير تقول آجرت مؤاجرة على أنه إذا قال آجرت الأجير ولم يقل مؤاجرة فإنه يصح أن يحمل الفعل على وزان كأكرم ويتعين في هذه الحالة أن يكون مصدره الإيجار ويصح أن يحمل على وزان فاعل ويكون مصدره الفعال والمفاعلة فيقال أجره إيجارا ومؤاجرة . وأما معناها في الشرع ففيه تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : الإجارة عقد يفيد تكليك منفعة معلومة مقصودة من العين المستأجرة بعوض
فقولهم عقد معناه إيجاب وقبول ولا يلزم أن يكون لفظا وذلك كما استأجر شخص دارا من آخر لمدة سنة فلما انقضت المدة طلب منه صاحب الدار إخلاءها وإن لم يفعل عليه اليوم بكذا فشرع في إخلاءها ولم يتمكن من الإخلاء إلا في مسافة فإن عليه أجر المثل في تلك المسافة فالإجارة منعقدة فيها بدون لفظ كما سياتي
وقولهم يفيد تمليك منفعة خرج به البيع والهبة والصدقة لأن العقد تمليك الذات لا تمليك المنفعة أما عقد النكاح فقد قال بعضهم إنه يفيد ملك الذات في حق الاستمتاع بمعنى أنه يفيد ملك البضع الذي يستمتع به وقال بعضهم إنه يفيد بالبضع وبسائر أجزاء بدنها بمعنى أن الزوج يختص بالاستمتاع بذلك دون سواه وكلا القولين قريب من الآخر لأن الذي قال إن الزوج يملك الذات لا يملك بذلك أنه يملك الذات ملكا حقيقيا كملك الإماء وإنما أراد أن
الاستمتاع ويختص به دون غيره ولذا عرفوه بأنه عقد على ملك المتعة أي يفيد ملك المتعة ومعنى الملك الاختصاص ويلزم منه حل الاستمتاع طبعا وعلى كل حال فعقد النكاح خارج أما على الأول فإنه تمليك للذات ظاهرا
وأما عقد الإجارة فهو تمليك للمنفعة ظاهرا وباطنا وأما على الثاني فإن عقد النكاح ليس تمليكا لمنفعة البضع ولإنما هو تمليك لالانتفاع وفرق بين الأمرين لأن الذي يملك المنفعة يملك كل ما يجيء منها وهنا ليس كذلك ألا ترى أن المرأة المتزوجة إذا نكحها آخر بشبهة كأن اعتقد أنها خالية من الأزواج فعقد عليها فإن النكاح يكون فاسدا وعليه مهر المثل
أما الذي ينكح منكوحة الغير وهو يعلم أنه يعلم فإنه يحد وبلزمه مهر المثل أيضا ولا يأخذه زوجها بل تملكه هي فلو كان الزوج يملك منافع البضع لاستحق مهرها . وهذا بخلاف ما لو عقد أحد على جارية الآخر فإن مهرها الذي يجب لها عنده يملكه سيدها لأنه يملك بضعها ملكا حقيقيا كما يملك كل منافعه
وقولهم ( معلومة )
خرج به الإجارة الفاسدة بسبب الإبهام الموجب للمنازعة كأن لم تتبين مدة الإجارة أو لم تحدد المنفعة التي تحتاج إلى التحديد فإن المعروف وإنما هو الإجارة الصحيحة التي يتعلق بها غرض الشرع . وقولهم ( مقصودة من العين المستأجرة )
معناه أن منفعة الإجارة
ينبغي أن تكون منفعة معتبرة في نظر الشرع والعقل خرج به ما إذا استأجر شيئا لغرض غير صحيح في نظر الشرع والعقل كما استأجر فرسا بضعة أيام ليقال إنه راكبي الخيل أو استأجر ثوبا ليوهم الناس أنه من العظماء يلبسه أو استأجر دارا ولم يسكنها ليقال إنه ثري قادر على دفع الإجارة ونحو ذلك من الأمور الصبيانية التي لا تكون لها قيمة في نظر الرجال وإن كانت مقصودة لصغار العقول فالمراد بقولهم مقصودة إنما هو القصد المعتبر في نظر الشرع والعقل لا مجرد القصد فإذا وقع شيء من ذلك كانت الإجارة فاسد ولا يلوم المستأجر أجرتها وإن استعملها
أما إذا كانت الإجارة فاسدة بسبب الإبهام وكان الغرض من الاستئجار صحيحا فإن الأجرة تلزم المستأجر بالاستعمال
وأما ركن الإجارة فهو الإيجاب والقبول لما عرفت كما تقدم أن المراد بالركن ما كان داخلا في الماهية العقد هي الصفة التي يتحقق بها وما عدا مما تتوقف عليه كالعاقد والمعقود عليه فإنه شرط لتتحقق الماهية
وتنعقد الإجارة بلفظ وبغير لفظ وهو المعاطاة فأما الأول فإنه يشترط فيه أن يكون لفظا ماضيا من العاقدين بأن يقول أحدهما أجرت هذه الدار أو أجرتها بالقصر والمد كما تقدم فيقول الآخر قبلت أو استأجرت . هذه الدار فقال له الآخر أجرت وكما تنعقد بلفظ إجارة فإنها كذلك تنعقد بلفظ الهبة والصلح كأن يقول أحدهما وهبتك منافع هذه الدار سنة بكذا أو شهرا فيقول الآخر قبلت . وكذا قال له صالحتك على منفعة هذه الدار سنة بكذا وقال قبلت فإن ذلك يكون إجارة وتنعقد أيضا بلفظ الإعارة لأن العارية بعوض إجارة فلو قال اعرتك منفعة هذه الدار شهرا بجنيهين فإنها تكون إجارة أما إذا قال له أجرتك منافع هذه الدار شهرا بلا عوض فإنها لا تكون إعارة بل إجارة فاسدة فإذا استعملها بعد ذلك يلزم باجرة مثلها . وأما الثاني وهو المعطاة فإن الإجارة تنعقد به في المدة القصيرة والأجور الصغيرة التي تحدث بين الناس عادة من غير كركوب السفينة ودخول الحمام والحلاقة ونحو ذلك فإنه يجوز أن بقع ذلك بدون عقد إجارة صحيحة وأما المدة الطويلة فإن الإجارة تنعقد فيها بالمعاطاة متى كانت الأجرة من سنة لأخرى فقد ترتفع وقد تنخفض وذلك موجب للنزاع
ومن أمثلة الإجارة التي تنعقد بدون لفظ أن يسكن أحدهما في دار بأجرة معلومة مدة معينة حتى إذا لنتهت المدة استمر ساكنا وسكت صاحبها واستلم منه بعض الأجرة فإن تنعقد بذلك سنة أخرى ويجب الأجر بدون عقد ومنه المثال الذي تقدم في التعريف
( وأما أقسامها )
فإنها تنقسم إلى قسمين : قسم يرد على منافع الأعيان كاستئجار الأراضي والدواب والثياب وما أشبه ذلك فغن عقد الإجارة لهذه الأشياء وارد على منفعتها إذ الغرض من تأجير الأراضي الانتفاع بزرعها ومن تأجير الأواني والثياب الانتفاع باستعمالها فالعقد فيها متعلق بمنفعتها وقسم يرد على نفس العمل كاستئجار أرباب المهن على الأعمال التي يقومون به من الأعمال . أما المنافع المترتبة على أعمالهم آخر خارج التعاقد
المالكية - قالوا : الإجارة والكراء معناها واحد إلا أنهم اصطلحوا على تسمية التعاقد على منفعة الأدمي وبعض المنقولات كالأثاث والثياب والأواني ونحو ذلك إجارة وعلى تسمية البعض الآخر وهي السفن والحيوان خاصة كراء مع كونهما من المنقولات . ومثل السفن والحيوان جميع الأشياء الثابتة كالدور والأراضي وغيرهما فإن العقد على منافعها يسمى كراء على أنهم قد يستعملون الكراء في معنى الإجارة وبالعكس في بعض الأحيان
وعلى كل حال فهم قد عرفوا الإجارة بانها عقد يفيد تمليك منافع شيء معلومة بعوض غير ناشيء عن المنفعة
ومثلها الكراء فإنهم قد عرفوه بهذا التعريف أيضا لما عرفت الإجارة والكراء واحد وإنما الاختلاف في التسمية
فقولهم تمليك يشمل العقود التمليك من إجارة وبيع وهبة وصدقة ونكاح وجعل ومضاربة ومساقاة فإنها تفيد أيضا تمليك الأمة المحللة وهي المستعارة التي يعقد عليها مستعيرها ليحلل نكاحها
وقولهم منافع شيء خرج به البيع والهبة والصدقلة بالشيء ما يصح أن تستأجر منفعةته سواء كان آدميا أو حيوانا أو ثيابا أو أواني أو غيرهما تقدم قريبا
وكذلك يخرج به عقد النكاح لأنه لا يفيد منفعته البضع وإنما يفيد تمليك الانتفاع ولا يلزم من تمليك الانتفاع تمليك المنافع كما في المنكوحة بشبهة ولها زوج فإن المهر الذي يجب لها تأخذه هي لا الزوج كما تقدم عند الحنفية
وقولهم منفعة مباحة خرج به تمليك منفعة الأمة المحللة التي ذكرت فإن العقد عليها لا يسمى إجارة لأن منفعتها المقصودة من العقد - وهي الوطء - غير مباحة . وقولهم معلومة خرج به الجعل كما إذا جعل شخص قدرا من المال الآخر في نظير أن يحضر له خيله الضالة فغن المدة غير معلومة . وقولهم غير ناشيء عن المنفعة فغن العامل يدفع للمالك اجرة أو شجرة من الثمرة كما تقدم
أما أركانها فهي ثلاثة : العاقد المؤجر والمستاجر والمعقود عليه وهو الأجر والمنفعة والصيغة وهي اللفظ الذي يدل على تمليك المنفعة بعوض أو ما يقوم في تلك الدلالة . وأما أقسامها فسيأتي بيانها في الشروط
الشافعية - قالوا : الإجارة عقد منفعة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم . فقولهم عقد معناه الإيجاب والقبول وهو الصيغة والعقد لا بد من عاقد . وقولهم على منفعة هي المعقود عقد كمنفعة الدار التي يستأجرها للسكنى أو الأرض التي يستأجرها ينتفع بزرعها وهكذا
وقولهم بعوض هو المعقود الذي يدفعه الطرف الثاني وهو بمنزلة الثمن في البيع فقد اشتمل هذا التعريف على اركان الإجارة وهي ثلاثة إجمالا ستة تفصيلا : عاقد وتحته أمران أيضا أجرة ومنفعة وصيغة وتحتها أمر ان إيجاب وقبول . وخرج بقولهم معلومة الجعالة فإن العقد فيها على منفعة مجهولة كما مجققة بل مجهولة وخرج بقولهم مقصودة المنفعة التافهة التي لا قيمة كاستئجار تفاحة لشمها ونحو ذلك مما ياتي
وقولهم قابلة للبذل خرج العقد على منفعة غير قابلة للبذل هو عقد على منفعة البضع وهذه المنفعة لا يصح بذلها لغير العاقد على أن عقد النكاح ليس داخلا في الحقيقة في قولهم عقد منغعة وذلك لأن الذي يستحقه الزوج هو الانتفاع بالبضع أما منفعته فلا يملكها بالعقد والدليلي على ذلك أن المراد إذا وطئت بشبهة وهي متزوجة فإنها تستحق المهر وتأخذه هي لا الزوج فمتة البضع في ذاتها ليست للزوج إنما له أن ينتفع
وقولهم قابلة للغجارة خرج به غجارة الإماء للوطء فغن منفعتهن وهي الاستمتاع بهن لا تحل بالأجرة . وقولهم بعوض خرج به الإعارة لأن الذي يستعير شيئا يأخذه عوض
وقولهم معلوم خرج به المساقاة لأنها بعوض غير معلوم إذ لا يمكن معرفة مقدار ما ينتج وإن كان لا بد من معرفة قدره من الثلث ونحوه . واما أقسامها فسيأتي بيانها في الشروط وهي اثنان عين وإجارة ذمة
الحنابلة - قالوا : الإجارة عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئا فشيئا مدة معلومة بعوض معلوم فالمعقود عليه هو المنفعة لا العين لأن المنفعة هي التي تستوفى والأجر في مقابلها ولهذا تضمن دون العين . وإنما يضاف العقد إلى العين باعتبار أنه محل المنفعة ومنشؤها
ومما تقدم في المذاهب الأخرى تعرف العقود التي خرجت عن التعريف كالبيع والهبة والصدقة ونحو ذلك مما يكون العقد فيها العين لا على المنفعة وكذلك العقود على ما لا يباح ونحو ذلك وأركانها كأركان البيع : عاقد ومعقود عليه وصيغة ثم إن العاقد يشمل المؤجر والمستأجر والمعقود عليه يشمل الأجر والمنفعة والصيغة تشمل الإيجاب القبول كما هو رأي الشافعية والمالكية في الأركان . وتقدم لك في البيع أن الحنفية يقولون إن الركن هو الصيغة وهو اصطلاح . فاما الصيغة فتنعقد بأي لفظ يعرف بما يوجب الريبة والنزاع لأن الشارع لم يعين ألفاظ العقود ولم يحدها بل جعلها مطلقة ليستعمل الناس منها ما يدل على غرضهم ويحدد المعنى الذي يقصدونه فتنعقد بلفظ الإجارة سواء أضافها إلى العين كما يقول آجرتك هذه الدار أوأضافها إلى المنفعة كما تقول أجرتك منفعة هذه الدار . وتنعقد بلفظ الملك مضافا للمفعة أيضا كأن يقول بعتك منفعة هذه الدار أو بعتك سكنى الدار وهي قسمان :
الأول : أن يكون العقد واردا على منفعة عين معينة كأن يقول شخص لآخر أجرتك هذا البعير أو هذه الدار أو واردا على منفعة عين موصوفة في الذمة كآجرتك بعيرا صفته كذا
القسم الثاني : ان يكون العقد واردا على معلوم كأن يقول سخص لآخر استأجرتك لتبني لي هذه الحائط أو لتعمل لي هذا الصندوق أو نحو ذلك من التعاقد مع أرباب المهن فغن العقد فيها وارد على أعمالهم وإن كان المعقود عليه هو العمل والمنفعة تأتي تبعا كما في عقد المساقاة فإنه يضاف إلى البستان بالثمرة تأتي كما تقدم



شروط الإجارة

- للإجارة شروط مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : تنقسم شروط الإجارة إلى أربعة أقسام كشروط البيع :
الأول : شروط الانعقاد فلا تنعقد الإجارة أصلا إلا إذا تحققت هذه الشروط
الثاني : شروط الصحة فلا تصح إلا بها وإن كانت تنعقد هذه بدونها
الثالث : شروط اللزوم فلا تلزم إلا بها
الرابع : شروط النفاذ فلا تنعقد إلا بها
فأما شروط الانعقاد فهي أمور : منها العقل فلا تنعقد إجارة المجنون والصبي الذي لا يميز أما الصبي المميز فإن مأذونا تنعقد موقوفة على إذن الوالي فلا اتنعقد إلا إذا أجازها فإذا كان مأذونا أجر الصبي المميز المحجور عليه نفسه وعمل عملا وسلمه فإنه يستحق أجره لنفسه
ومثل الصبي المميز في ذلك العبد إلا أن تكون أجرته لسيده وإذا أصاب الصبي ضررا أثناء عمله الذي استؤجر له فإن المستأجر يكون مسؤولا عنه وعليه الضمان فإذا قتل الصبي خطا كأن وقعت عليه حائط يعمل فيها كانت ديته على عائلة المستأجر وعلى المستأجر الأجر الذي استحقه المقتول وإذا أصيب بشيء من الضرر كان على المستأجر التعويض
وأما شرائط الصيغة فمنها رضا المتعاقدين فلا يصح إجارة المكره والمخطئ والناس وإن كانت تنعقد وتنفذ إلا أنها إجارة فاسدة حكمها أن فيها أجر المثل بعد الاستعمال وهذا الشرط وما قبله متعلق بالعاقد
ومنها أن يكون الشيء المستأجر مقدورا على تسليمه فلا يصح إجارة حيوان ضال غير مقدور عليه كما لا تصح إجارة شخص على عمل معصية لأنه كان مقدورا عليه بالفعل ولكن في حكم غير المقدور عليه من جهة الشرع لأن الممنوع شرعا في حكم الممتنع حقيقة
ومها أن لا يكون العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة فلا تصح الإجارة على الحج
أما الأجرة على الطاعات الأخرى كالإمامة والأذان فبيننا عليها في مبحث ما يجوز اسئجاره وما لا يجوز
ومنها أن تكون المنفعة لها قيمة مقصودة عند العقلاء كما تقدم . ومنها أن تكون الأجرة معلومة وتنقسم الأجرة إلى ثلاثة أقسام :
الأول : النقود كالجنيهات والقروش ونحوهما ويشترط في النقود بيان قدرها كعشرة حنيهات مثلا وبيان صفتها كجيدة أو مخلوط فإذا لم يكن في البلد إلا نقد واحد لا يتعامل إلا به يتصرف التعاقد إليه وإن لم ينص عليه في العقد فإذا لم ينص عليه في العقد فإذا لم يبين القدر والرصف عند اختلاف النقد فسد العقد ولا يشترط في النقد بيان الأجل فيصح تأجيله وتعجيله إذا كان مؤجلا يكون دينا كالثمن
الثاني : المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة في المقدار فإنها تصلح ثمنا في البيع وكل ما صلح أجرا ويشترط فيها أيضا بيان والصفة والأجل فينص في العقد على أنه استأجر كذا بعشر أرادب من القمح أو السمن البلدي ونحو ذلك - تدفع حالا ومؤجلا - ثم كانت الأجرة تحتاج إلى نقل يستلزم نفقات كما إذا استأجر أرضا زراعية مدة بعشرين إردبا من الفول فإنه يشترط أن يبين الموضع الذي يستلزم فيه المؤجر أجرته وإلا فسدت الإجارة فإذا لم يكن نفقه فلا يشترط ذلك ولمؤجر أن يسلم كيف شاء وبعضهم يقول لا تفسد بعدم بيان الموضع
الثالث : أن تكون الأجرة حيوانا إذا استأجر شخص آخر ليخمه سنة بجمل أو بقرق ويشترط في ذلك أن يكون معينا مشارا إليه كهذا الجمل أو هذه البقرة فإذا لم يكن كذلك فسد العقد
الرابع : أن تكون الأجرة عروض تجارة كالثياب من التان الجيد تدفع عاجلا أو آجلا فإذا لم يبين ذلك فسد العقد لأن عروض التجارة لا تكون دينا في الذمة إلا سلما فيشترط فيها ما يشترط في السلم والإشارة إلى عروض التجارة وإلى المكيلات وما معها تغني عن بيان ذلك
ولا يشترط في الأجرة أن تدفع آجلا عند الحنفية على أي حال سواء أكانت عينا غير دين كهذا الحيوان الحاضر أم كانت دينا موصوفا في الذمة وذلك لأن العقد وقع على المنفعة وهي تحصبل شيئا فشيئا بدل عن المنفعة مقابلة لها وحيث لم يمكن استيفاء المنفعة حالا فإن بدلها لم يلزم حالا وإنما يلزم أذا استوفى المستأجر المنفعة
نعم تملك بتعجيلها فعلا فإذا وقع المستأجر عاجلا ( مقدمة )
فإن المؤجر يملكها وليس للمستأجر استردادها
وكذلك تملك بشرط التعجيل في الإجارة المنجزة فإذا استاجر شخص من آخر دارا للسكنى ابتداء من يوم العقد وشروط المؤجر أن تدفع الأجرة عاجلا مقدما كما هو الحاصل الآن في عقود الإجارة فإنه يصح وللمؤجر أن يمنعه أن يمنعه من السكنى إذا لم يدفع الأجرة وله أن يفسخ العقد كذلك وقد يقال إن هذا الشرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة أحد العاقدين دون الآخر فكيف يصح والجواب أن الأجر بمنزلة الثمن والأصل فيه أن يكون والأصل فيه أن يكون معجلا فإذا أسقط البائع حقه في التعجيل ورضي بتأجيله لزمه ذلك وكذلك حتى خيار العيب في المبيع ثابت فإذا لزمه فما من هذا القبيل فإن من حق المستأجر أن لا يدفع الأجرة إلا بعد أن يستوفي المنفعة فإذا أسقط هذا الحق لزمه
أما الإجارة غير المنجزة كما إذا استأجر شخص من آخر زراعية أو دارا للسكنى يعد تاريخ العقد بيوم فأكثر فإن شرط تعجيل الجرة لا يستلزم ملكها وللمستأجر أن يمنع عن دفعها وليس للمؤجر أن يمنع عنه العين المؤجرة أو يفسخ العقد إذا حل موعده الإجارة
أما قبل حلول موعد الإجارة بطل العقد وله فسخ كذلك وذلك لأن الإجارة غير المنجزة ( ويعبر عنها بالمضافة للزمن المستقبل )
غير لاومة على المفتى به . ومحصل ذلك أن الأجرة تملك بأربعة أمور :
أحدهما الحصول على المنفعة كاملة . ثانيهما دفع الجرة بالفعل . ثالثهما شرط التعجيل إذا كانت الإجارة منجزة لا مضافة . رايعها التمكن من الحصول على المنفعة وإن لم يحصل عليها فعلا فإذا استأجر شخص دارا مدة معينة ولم يستعملها في تلك المدة مع تمكينه من الاستعمال فغن الأجرة تلزمه أما إذا منعه مانع من استعمالها كأن حال بينه وبين سكانها سخص وضع يده عليها غصبا فإنه لا يلزم بأجرتها
ومثل ذلك ما إذا استأجر أرضا ليزرعها فأغرقها الماء أو انقطع عنها الماء الذي تسقى به فإنه لا يلزم بأجرتها . وهل تفسخ الإجارة في هذه الحالة أو لا ؟ قولان
وإذا طالب الصانع أو المالك بأجرته قبل استفياء المنفعة بتمامها فإنه يجاب إلى طلبه فيعطي من الأجرة بنسبة ماقام به من العمل أو بنسبة الأيام التي سكنها بشرط أن يسلمه فإذا خاط له بنسبة خاط له بنسبة ما خاطه ومثل ذلك ما يقع من ( المنجدين )
الذي ينجدونه الفرش في البيوت فإنهم يأخذون بنسبة ما يعملون من أجرهم لأن لالأعيان التي يستعملونها فيها تحت يد مالكها فهي مسلمة له واما إذا كانت في محل الصناع ولم تسلم لأصحابها أنهم لا يستحقون أجرا إلا بعد إتمامها وبعضهم يقول لا يستحقون عليها أجرا مطلقا بعد تمامها
ومن شروط صحة الإجارة أن لا تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه فلا تصح إجارة سكنى الدار بسكنى دار أخرى ولا خدمة رجل بخدمة رجل آخر
أما إذا اختلفت المنفعة فإنه يصح كمال استأجر السكنى في زريبة بركوب دابته أو استأجر دارا بخدمة جماله أو نحو ذلك . وذلك لأن اتحاد الجنس لا يصح فيه تأجيل القبض وقد عرفت أن المنفعة تحدث شيئا فهي مؤجلة طبعا
اما اختلاف الجنس فإنه يصح معه تأجيل القبض أعطى لجاره بقرة يحرث عليها وأخذ منه جماره أو فرسه إذا اغطاه ثوره وأخذ منه ثورا آخر فإنه لا يصح لاتحاد المنفعة فإذا وقع ذلك كان لكل منها أجر مثله بعد استعمال
ومنها : خلو العقد عن الشروط لا يقتضيه ولا يلائمه كسائر العقود
ومنها : أن تكون المنفعة معلومة علما يمنع المنازعة والخصام وتعلم المنفعة بأمور :
أولا : بيان المدة لأنها إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة معلوما لأن من يؤجر منزلا للسكنى فيه سنة كانت المنفعة محدودة بتلك السنة وكذلك من يستأجر أرضا زراعية مدة معينة فغن منفعتها تكون معلومة بتحديد تلك المدة وليس للمدة حد في الملك فللمالك أن يؤجر أرضه مدة طويلة ولو كانا لا يعيشان لمثلهما على المعتمد
أما في الوقف فلا تصح إجارة الأراضي أكثر من ثلاث سنين والمساكن والحوانيت ( الدكاكين )
ونحوهما أكثر من سنة إلا إذا كانت المصلحة تقتضي بتأجير الوقف أكثر من ذلك فإن للقاضي في هذه الحالة أن يؤجرها أكثر من ذلك وليس للناظر أن يفعل ذلك بدون إذن القاضي إلا إذا نص الواقف على جواز تأجيرها أكثر من هذه المدة إذا كان منفعة فإذا قال الواقف مثلا لا يجوز تاجير هذا المنزل أكثر من سنة إلا إذا كان في تاجيره مصلحة للفقراء الموقوف عليهم فإن لللناظر أن يؤجر أكثر من سنة بناء على هذا الشرط
ومحل عدم جواز تأجير الرقف أكثر من تلك المدة إذا كان المدة إذا كان المؤجر غير الواقف أما الواقف فله أن يزيد على هذه المدة كما يحب
وقد ذكروا لجواز تأجير الواقف أكثر منة هذه المدة حيلة - وهي أن تجعل عقودا منعددة مترادفة كل عقد سنة في غير الأراضي وثلاث سنين في الأراضي ثم ينص على أنه استأجر دارا كذا عشر سنين مثلا لكل سنة عقد . أو أرض كذا تسع سنين من غير أن يكون بعضهما شرطا في بعض والغرض من هذه الحيلة أن يكون العقد الأول هو الازم لأنه منجز
أما العقد الثاني وما بعده فهي عقود لأنها وقعت قبل حلول موعدها بسنة أو ثلاث سنين وقد عرفت أن العقد المضاف غير لازم فيصبح للناظر فسخه إذا رأى ما يضر بالوقف لأن الإجارة الطويلة منعت في الوقف خوفا من ادعاء الملك فيه بوضع اليد فإذا كانت العقود متعددة وكان لكل عقد مدة خاصة كان الازم منها هو الأول والباقي غير لازم فلا خوف على الوقف حينئذ وقد يزيدون على هذا بان تجعل المدة الأولى باجرة مرتفعة ارتفاعا كثيرا وباقيها بأجرة يسيرة حتى إذا فسخ المستأجر العقد لم يجحف بالوقف . ولكن الصحيح أن إجارة الوقف لا تصح من الناظر أكثر من المدة التي ذكرت سواء أكانت بعقد واحد أم بعقود متعددة وإذا فعلها الناظر أكثر من المدة التي ذكرت سواء أكانت بعقد واحد أم بعقود متعددة وإذا فعلها الناظر وقعت فاسدة وتفسخ في كل المدة لأن العقد إذا فسد في بعضه فسد في كله على الصحيح
وقد عرفت أنه إذا اقتضت المصلحة الزيادة في مدة إجارة الوقف فإن للقاضي أن يزيد فيها بحسب تلك المصلحة ولا بد من بيان المدة أيضا في الآدمية المرضعة ويقال لها الظئر على أنه لا يشترط بيان ما يعمل في المنازل من أوجه الاستعمال إنما يشترط ذلك في إجارة الأرض فلا بد من بيان العمل الذي يريد ان يعمله فيها
الأمر الثاني : من الأمور التي تعلم بها المنفعة بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة ونحوها فلا بد أن يعين الثوب الذي يريد صبغه ولون الصبغ وقدره إذا كان يختلف ثقلا وخفة وردائه وجودة ومثل ذلك في البصياغة فلا بد من بيان الأسورة أو الخاتم وبيان الصناعة التي يريدها بحسب المتعارف في ذلك
وبالجملة فإنه يجب أن يبين في العقد ما يرفع الجهالة حتى لا يوجد نزاع بين المتعاقدين ومن ذلك ما إذا استأجر دابة فإنه يشترط بيان الغرض الذي استؤجرت له من جمل لأمتة لأو ركوب وبيان المدة وابمكان . فإذا لم يبين ذلك كانت الإجارة فاسدة ويجب أجر المثل بحقيقة الانتفاع
الأمر الثالث : الإشارة كنقل هذا القمح من مكان ذكا إلى مكان كذا لأنه إذا علم المنقول والمنقول إليه صارت المنفعة معلومة
ومن شروط صحة الإجارة بيان محل المنفعة فلو كان لأحد داران فقال : أجرتك إحدى هاتين الدارين من غير تعيين للمحل الذي يعينه فإن الإجارة لا تصح
واعلم أن العقد وإن المقصود منه إلا أن الراجح أنه ينبغي أن لا يضاف العقد إلى المنفعة فلا يقال أجرتك منلفع هذه الدار وهو يتضمن المنفعة لأنه لا معنى للاجرة إلا الانتفاع بالعين أما المنفعة فهي معدودة غير موجودة فالعقد عليها قبل وجودها عقد على معدوم
نعم قد يقال إن إضافة المنفعة إلى الدار تاتي بهذا الغرض ولكن الأرجح في العقود أن تكون بعيدة عن التأويل ثم إن المنفعة التي تصح إجارتها هي المنفعة التي لا يترتب عليها استهلاك نفس العين أو استهلاك شيء متولد منها فلا تصح استئجار النقود لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاكها كما لا يصح استئجار الشجرة للانتفاع بثمرتها أو البقر لشرب لأن اللبن والثمر أعيان ولا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها
وأما شروط اللزوم فمنها أن يكون العقد صحيحا فلا سيلزم العقد الفاسد وأن لا يكون بالشيء المستأجر عيب مرتبا للمستأجر وأن يكون سليما عن حدوث عيب يخل بالانتفاع فإذا استأجر جملا للحمل عليه مدة ثم حدث به فيه مرض يقلل الأنتفاع به فإن العقد لا يكون لازما وللمستأجر فسخه
ومنها أن لا يحدث عذر لأحد العاقدين فإذا حدث عذر شرعي فإن العقد لا يكون لازما . ومنها عدم بلوغ الصبي المستأجر إذا أجره أبوه أو وصي أبيه أو جده أو القاضي أو أمين القاضي فإذا بلغ لا يكون العقد لازما
ومنها أن يكون المستأجر الشيء الذي استؤجر له فإذا لم يسلمه لم يلزم الأجر . فهذا شرط للزوم العقد وقد عرفت ما يلزم به الآخر قريبا
وأما شروط النفاذ فمنها الملك والولاية فلا تنعقد إجارة الفضولي لعدم الملك والولاية ولكنها تنعقد موقوفة على أجازة المالك فإذا أجازها نفذت
ومنها قيام المنفعة وبقاؤها فإذا أجر فضولي منزلا يملكه شخص غيره مدة واستوفاها المسأجر وخرج من المنزل ثم علم المالك فأجاز الإجارة فإنها لاتنفذ طبعا لأن المنفعة قد أنتهت إنما الإجارة تنفع إذا كانت المنفعة قائمة يمكن الحصول عليها
المالكية - قالوا : يشنرط في العاقدين الشروط المتقدمة في البيع وهي قسمان شرط انعقاد وشرط صحة فأما شرط النعقاد فهو التميز فلا تنعقد الإجارة من صبي غير مميز ( وغير المميز هو الذي لا يفهم مقاصد العقلاء من الكلام )
كما تقدم
[ يتبع . . . ]
وأما شروط اللزوم فهو التكليف فالصبي المميز تنعقد إجارته ولكنها لا تلزم إلا بإذن وليه فإذا أجر نفسه أو شيئا يملكه انعقدت موقوفة على إذن الوالي ومثله العبد وأما الرشد فإنه شرط للزوم العقد في بعض الصور
فإذا كان المؤجر سفيها غير رشيد فلا بخلو إما أن يؤجر مفسه أو سلعته فإن أجر نفسه في إجارته تنعقد وتنفذ بدون إذن وليه إذا لم يكن مغبونا أما إن كان مغبونا فلا تلزم إلا بإجازة الولب أما إذا أجر السفيه سلعته فإن إجارته لاتلزم إلا بإجازة الولي مطلقا
ويشترط في الجر أن يكون ظاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما . وقد تقدم تفصيل ذلك موضحا في البيع فارجع إليه إن شئت على أنه يشترط في الأجر في مسائل بحيث لو أخر دفعه فيها لم يصح العقد
المسألة الأولى : أن يكون الأجر شيئا معينا كما استأجر أحد شخصا
لخدمة سنة في نظير جمل معين يعطيه إياه فإنه يجب أن يسلمه الجمل عاجلا بحيث لا يجوز له أن يؤخره أكثر من ثلاثة أيام فإن أخره فسد العقد لأن في ذلك غررا فغن الجمل قابل لتغير فيصح أن تكون قيمة الآن عشرة وأن خدمة الرجل تساويها فإذا قبضه فقد أخذ قيمة أجره كاملة اما إذا تأخر فإنه قد يهزل أو يعرض له عارض آخر تنفض به قيمة وفي ذلك ضرر باعامل أو تعرض له زيادة وفي ذلك ضرر بصاحبه فدفعا لهذا الضرر يجب تقدم الأجر
ومثل ذلك كل سلعة معينة كهذا الثوب فإنها قابلة للنقص والزيادة وفي ذلك عذر النزاع فمتى كان الأجر معينا فإنه يجب تعجيله حتى ولو كان العرف جاريا على التأجيل في مثله فإذا كان العرف جاريا على التأجيل فإنه يجب اشتراط العجيل وإلا فسد العقد
المسألة الثانية أن يكون الأجر غير معين كمال استأجره على أن يعطيه جملا ما لا جملا معينا أو ثوبا ما . مثاله أن يقول شخص لاخر : استأجرتك لخدمتي سنة وأعطيك جملا أجرة لك في نظير خدمتي وهذه الحالة تشتمل ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يشترطا دفع الأجرة مقدما وحكمها أنه يجب الدفع عملا بالشرط وإلا فسدت
الصورة الثانية : لم يشترطا التعجيل ولكن العادة بين الناس في مثل ذلك العجيل فيجب التعجيل عملا بالعادة
الصورة الثالثة : لم يقع شرط ولم تكن عادة وهذه تشمل صورتين :
الصورة الأولى : أن يكون عقد الإجارة على منفعة في الذمة لا على منفعة شيء معين كأن يقول له استأجرتك على أن تخيط لي هذا الثوب في ذمتك إن شئت فعلته بنفسك أو بغيرك فإنه في هذه الحالة استأجره على أن يؤدي له منفعة مضمونة في ذمته
الصورة الثانية : أن يستأجر منفعة شيء كأن يستأجر شخصا لخدمته أو دارا لسكناه ففي الصورة الأولى يجب تعجيل دفع الأجرة وإلا كان مقابلة دين بدين لأن العامل في هذه الحالة مدين بالمنفعة والمستأجر مدين بالأجر وهذا غير جائز نعم إذا شرع العامل فغن تعجيل الأجر لا يجب لأن الذي يصنعه العامل يكون مقبوضا إنما يجب أن يشرع بدون تأجير كأن يكون الليلة أو الغد وإلا فلا يصح فإذا لم يكن الأجر معينا ولم يشترط تعجيله ولم يجر العرف بتعجيله ولم تكن المنافع المعقود عليها في الذمة فإنه لا يجب التعجيل
وحكم هذه الحالة يختلف باختلاف حال عقد الإجارة وذلك لأنك قد عرفت أن العقد إما أن يكون على منفعة آدمي وهو ثلاثة أقسام أجير وصانع وخادم والفرق بين الأجير والصانع أن الأجير هو الذي يعمل بدون أن يكون شيء مما فيه في حيازته كالبناء فإنه يبني وينصرف وبترك عمله تحت يد المستأجر ومثله كل صانع يعمل فيما ليس في حياوته الذي يصلح الأبواب أو الشبابيك
وأما الصانع فهو الذي يعمل فيما هو تحت كالخياط والحداد والصانع ثم الصانع إلى قسمين صانع فقط وصانع بائع فقط هو الذي لا يعمل شيئا سوى الصنعة بدون زيادة عليها من عنده والصانع البائع هو الذي يزيد على الصنعة شيئا فلإنه يزيد الصبغة
وأما الخادم فهو الذي يستأجر لخدمة الغير
وإما يكون الإجارة على منفعة دار أو عقار أو حيوان أو آنية فإن كان على منفعة آدمي صانع أو أجير فحكمه أنه ليس لهما المطالبة باخذ الأجر إلا بعد الفراغ من عملها ما لم يكن هناك عرف بيقضي بالتعجيل فإنهما يعاملان به فإذا عمل النجار جزءا من عمله مثلا وأراد أخذ أجرته وامتنع المستأجر فليس له جبره على الدفع إلا بعد تمام العمل إلا إذا كانت العادة تقديم الدفع فيعمل بها فإذا أراد أن ينفصل عن العمل ولا يتمه فإن له أن يحاسب على ذلك الجزء الذي عمله
أما إذا كان العقد على منفعة دار أو عقار أو راحلة أو آدمي للخدمة أوآنية ( كآنية الفراشين )
فإنه يصح فيها الاتفاق على تقديم الأجرة وتأخيرها بشرط أن لا يتأخر الشروع في العمل أكثر من عشرة أيام وإلا فلا يصح تعجيل الدفع فإذا لم يحصل اتفاق تدفع الأجرة يوما بيوم وبذلك تعرف أقسام الإجارة
أما الركن الرابع وهو المنفعة فهي ما يقابل الذات فلا يمكن أن يشار إليها إشارة حسية استقلالا وإنما يشار إليها كذلك تبعا للذات المتعلقة بها على أن لاتكون متعلقة بجزء الذات وأن يكون الحصول عليها ممكنا مثال ذلك السكنى المتعلقة بالدار فإنها لا يمكن الإشارة إليها إشارة حسية استقلالا بدون إضافة إلى الدار وهي متعلقة بكل الدار أما إذا تعلقت بجزء من عين لا يمكن قسمتها كمنفعة جزء شائع في دابة فإنها لا تكون منفعة معتتبرة كالصفات المعنوية القائمة بالحيوان والإنسان مثل الحياة والقدر فإنه لا يصح استئجاره من اجلها لأنها منافع خاصة به لا يمن أخذها منه
وأما تاصيغة فيشترط فيها الشروط المتقدمة في البيع وقد ذكرت موضحة فارجع إليها إن شئت ويشترط شروط ( أحدهما )
أن تكون لها قيمة فلا تصح شيء له منفعتها تافهة لا قيمة لها كالإيقاد من النار ونحو ذلك مما سيأتي بيانه فيما يجوز إجازته وما لا يجوز . ثانيهما أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها حسا أو شرعا فمثال الأول إجازة أرض للزراعة ولم يصل إليها ماء أو كانت غير صالحة للزراعة فإن المنفعة فيها غير مقدور على تسلميها أما الأرض التي غمرها الماء فإنه يمكن أن ينكشف عنها ولو نادر فإنه يصح إجازتها من غير نقد فإذا انكشف عنها وإلا فلا أما الذي لا أمل في انكشاف الماء عنها فإن إجارتها ليتعدى على آخر بالضرب أو ليعصر الخمر فإن كل ذلك لا يجوز شرعا . ثالثهما أن يمكن استيفاء المنفعة بدون استهلاك شيء من العين المستاجرة أو من عين أخرى متولدة قصدا
مثال ذلك ان يستاجر بقرة ليشرب لبنها فإذا قال شخص لآخر استأجرت بقرتك مدة الشتاء بجنيهين لآخذ لبنها وقبل الآخر فإن العقد يفسد وكذا إذا قال له : اشتريت لبن البقرة مدة الشتاء بتكاليفها فغن هذا لا يصح اما في الأجرة فلأن العقد تضمن استهلاك عين متولدة من العين المستاجرة وهي اللبن المتولد من البقرة فغن المنفعة لا تتحقق إلا باستهلاك اللبن واما في الشراء فلأنه يلزم عليه شراء اللبن في الضرع وهو ممنوع على أن بيع اللبن في الضرع أواستأجار الحيوان المترتب عليه استهلاك اللبن
ليس بمننوع مطلقا وإنما هو ممنوع إذا لم تتحقق فيه شروط الجواز وبيان ذلك أن شراء اللبن في الضرع إما ان يكون جزافا من غير كيل وإنما أن يكون بكيل فمثال الأول أن يقول سخص لآخر يملك أغناما كثيرة : إنني اشتري منك لبن عشرة أغنام او خمسة مدة شهر بكذا
ومثال الثاني : أن يقول له : إنني أشتري منك بمائة رطل من اللبن آخذ منها خمسة أرطال ويشترط لجواز الأول تسعة شروط :
أن تكون الغنم المشترى لبنها متععدة وأن تكون مملوكة للبائع . وان تكون متساوية في اللبن . وان يكون الشراء في زمن الحلاب المعتاد ( كزمن البرسيم )
لنه يختلف في غيره كثرة وقلة . وأن يكون المشترك عاؤفا للقدر الذي تحلبه من اللبن وان يكون الشراء مقدرا بمدة لا ينقص اللبن قبلها . وأن يشرع في أخذ اللبن وان بدفع الثمن معجلا ( مقدما )
فإذا تححقت هذه الشروط فإنه يصح بيع اللبن جزافا
أما إذا كان الشراء بالكيل فيشترط له خمسة شروط :
الأول : أن يكون الشراء في زمن الحلاب
الثاني : أن يكون في مدة لا ينقص اللبن قبلها فإذا كان مدة الحلاب أربعة أشهر فلا يصح أن يشتري خمسة أشهر لأنه ينقص اللبن في الشهر الخامس
الثالث : أن يشرع المشتري في الأخذ منة يوم العقد أو بعده بأيام
الرابع : أن يسلم لرب الشياه دون غسيره ( أي يتعاقد عقد سلم )
فلا يصح أن يتعاقد مع غير المالك
الخامس : أن يعجل دفع الثمن لأنه عقد سلم كما عرفت لأن العين للمشتراة المعجلة فلا يصح تاجيل الثمن وإى كان مقابلة دين بدين
الشافعية - قالوا : لكل ركن من أركان الإجارة شروط فاما الركن الأول فيشترط له الشروط المتفقدمة في البيع
ومنها أن تكون مشتملة على الإيجاب والقبول لفظا وأن لا يفصل بينهما فاصل طويل عرفا الخ ما تقدم على ان البيع يشترط فيه عدم التأقيت وقت بخلاف الإجارة فإنه بخلاف الإجارة فإنها على العكس منه فيشترط فيها التأقيت
وتنقسم صيغة الإجارة إلى قسمين صريحة وكناية
فالصيغة الصريحة هي ما دلت على معنى الإجارة فلا تحتمل غيره . والكناية ما احتملت الإجارة وغيرها
ومثال الأول : ان يقول المالك : أجرتك هذه الدار سنة بكذا فيقول المستأجر فورا : قبلت وكذا إذا قال له : أكريتك هذه الدار أو منفعتها أو ملكتك شهرا بكذا فكل هذه صيغ صريحة تنعقد بها الإجارة سواء أضيفت إلى العين أو إلى المنفعة
وبعضهم يقول : إن لفظ الإجارة وضع مضافا للعين فلا يصح إضافته إلى المنفعة فإذا قال أجرتك منفعة هذه الدار بطل العقد وهذا ليس هذا بصحيح لأن لفظ الإجارة يقتضي ملك المنفعة فإضافتها للمنفعة تاكيد لا ضرر منه
ومثال الثانية : أن يقول له : جعلت لك منعفة هذه الدار سنة بكذا أو اسكن داري شهرا بكذا فإن ذلك كناية لأنه يحتمل أن يكون جعل المنفعة على طريق إجارة وغيرها
وإذا وقع العاقدين على عقد مكتوب كالمتعارف في زماننا فإنه يصح ويقوم التوقيع على المكتوب مقام التلفظ بالصيغة ويكون من باب الكناية
ومثل ذلك كل عقد مكتوب فالمتابة تقوم مقام الصيغى الفظية على انها من باب الكناية ولا تنعقد في الإجارة بلفظ البيع فإذا قال له :
بعتك داري سنة بكذا لا ينعقد مطلقا لا إجارة ولا بيعا وذلك لأن لفظ البيع يقتضي التأبيد ولفظ ( سنة )
يقتضي التأقيت فيتناقض أول لفظ مع آخرهفلا يكون صريحا ولا كناية وكذلك لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة
ثم إن الإجارة تنقسم إلى قسمين : إجارة عين وإجارة ذمة
وإجارة العين هي عبارة عن العقد الوارد على منفعة ةتعلقة بشيء معين نعلوم للمستأجر كالمبيع الحاضر المعلوم للمشتري في البيع وذلك كأن يستأجر شخص عقارا معينا كأرض زراعية معينة لينتفع بزرعها مدة مخصوصة باجرة معينة أو يستأجر كذلك لينتفع بسكناها او شخص معين ليخدمه سنة
وأما إجارة الذمة فهي عبارة عن العقد علة منفعة متعلقة بشيء غير معين بل موصوف بالذمة أو بعبارة أخرى هي كما كانت المنفعة دينا في الذمة كما في السلم
وذلك كأن يقول شخص لآخر آجرتك جملا صفته كذا ليحملك إلى بلد كذا فإن المنفعة في هذا بحمل غير معين بل موصوف في ذمة المؤجر فالمراد بالعين ( في قولهم إجارة عين )
ما قابل الذمة لا ما قابل المنفعة لأن عقد الإجارة وارد على المنفعة أي على أي حال لكن تارة تكون المنفعة متعلقة بشيء نعين كمنفعة العين الوراعية النعلومة وتارة لا تكون كمنفعة الجمل الموصوف كما بيناه
وإذا قد عرفت ذلك فعلم انه يشترط في إجاة الذمة أن تكون بصيغة خاصة فلا تنعقد بغيرها وهي الزمت ذمتك أو أسلمت إليك كذا فإذا أراد شخص أن يستأجر جملا غير معين من آخر فلا بد أن يقول له ألزمت ذمتك كذا من القروش في جمل صفته كذا يحمل لي متاعي إلى جهة كذا أو يقول له : أسلمت إليك كذا من القروش مثل ذلك
كل عقد يراد به منفعة متعلقة بشيء غير معين كما إذا قال له ألزمت ذمتك بكذا منة الرقوش لخياطة هذا الثوب أو في بناء هذا الحائظ لأن يكون معنى ذلك أن الذي يتعلق به المنفعة غير معين سواء كان هو المخاطب أو غيره ومن هذا يعلم أن إجارة العين لا يجوز معها للأجير أن يأذن لغيره بالعمل فلو قال له : استأجرتك لبناء هذا الحائط فلم يبنه بنفسه وإذن لغيره بالبناء فيه فإن ذلك لا يصح . ثم إن العامل الثاني إذا كان يعلم أن التعاقد على أن الذي يباشر العمل هو الأول لا تكون له أجرة على عمله مطلقا وإذا كان لا يعلم الحقيقة كانت له أجرة المصثل على من أذنه
ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس كرأس مال السلم فلا يجوز فيها التاجيل وإلا كان مقالبلة دين بدين لأن المنفعة في الذمة والأجرة دين في الذمة وذلك غير جائز وكما لا يجوز تأجيلها لا يجوز الحوالة بها ولا عليها ولا استبدالها ولا البراءة منها فإذا وقع شيء من ذلك بطل العقد عند شرط التأجيل فإذا اشترطا وتفرقا من المجلس قبل القبض فإنه يبطل أيضا أما إذا لم يتفرقا قبل العقد فإنه يصح
وأما إجارة العين فإن كانت الأجرة فيها معينة كاستأجرتك لتخمني سنة بهذا الجمل فإنه لا يصح تأجيلها أيضا
أما إذا كانت دينا في الذمة كاستأجرتك لتخمني سنة بمجمل صفته كذا فإنه يجوز تأجيلها وتعجيلها . وإذا استأجر شخص من آخر شيئا معينا ولم يشترط أو التأجيل كما إذا قال له استأجرت منك هذا الجمل بكذا ولم يشترط شيئا فإن الأجرة في هذه الحالة تكون معجلة وأما الركن الثاني وهو العاقد سواء كان مؤجرا أو مستأجرا فيشترط له الشروط التي تقدمت في البيع من كونه مطلقا ولا مجنون ولا محجور عليه لسفه . كما لا يصح من المكروه بغير حق إلى آخر ما تقدم في البيع الإسلام في بعض الأمور فلا يصح كافر أن يشتري مصحفا أو رقيقا مسلما . وهنا يصح للكافر أن يستأجر مسلما لخدمته وإن كان يكره
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - للإجارة شروط مفصلة في المذاهب [ 1 ] وكذلك لا يشترط إطلاق التصرف في الإجازة في جميع الصور . فإن السفيه يصح أن يؤجر نفسه في الأمور كلها التي لا يكسب بها عادة ككونه أجيرا في الحج بخلاف المهن التي يكتسب بها كالحدادة والنجارة فإنه لا يصح أن يؤجر نفسه فيها
وأما الركن الثالث : وهو المعقود عليه فإنه يشمل أمرين : الأجرة والمنفعة كما تقدم قريبا فأما الأجرة فإنها تارة تكون غير معين وتارة تكون حاضرة معينة . فيشترط في غير المعينة ما يشترط في الثمن من الشروط المتقدمة في مباحث البيع فلا بد أن تكون معلومة قدرا وجنسا ونوعا وصفة
مثال ذلك أن يقول : آجرتك هذه الدار بعشرة جنيهات مصؤية صحيحة . فذكر العشرة بيان للقدر والجنيهات بيان لجنس إذا يحتمل أن تكون عشرة قروش أو عشرة ريالات أو جنيه فلما ذكرت الجنيهات تبين جنس العشرة . ومصرية بيان للنوع لأن الجنيه أنواع متععدة كالإنكيزي والمصري وغيرهما وصحيحة بيان لصفة النقد إذ يحتمل دفعها أنصافا من الجنيهات وقد لا تكون رائجة كالصحيح
ومثل ذلك ما إذا استأجر حيوانا يشترط أن يبين جنسه من خيل أو إيل ونوعه كبختي أو روسي جمل أو هجين أو نحو ذلك وذكورته وأنوثته وصفته سيره كأن يذكر سريعة السير واسعة الخطا أو بطيئة السير ونحو ذلك
وأما إذا كانت الأجرة معينة فإنه يشترط فيها رؤيتها فإذا قال له : أجرتك له : أجرتك هذه الدار بهذا الجمل فإنه يشترط رؤية الجمل
والغرض من ذلك رفع اللبس والإبهام حتى لا يقع نزاع بين المتعاقدين ولهذا اشترطوا فيمن استأجر دابة أو راحلة ليركبها بيان قدر السير الذي في الليل والنهار إلا إذا كان للناس في مثل ذلك عرف متبع فإنه يعمل به إلا إذا اشترط أحدهما ما يخالف العرف فإنه يعمل بالشرط . ولا فرق في ذلك بين أن تكون معينة أو غير معينة
وكذلك يشترطا بيان الشيء الذي يريد أن يحمله على الراحلة أو على الدابة إن كان غائبا ورؤيته أو جسه باليد إن كان حاضرا . وبيان جنسه إن كان مكيلا
ومن أجل ذلك قالوا : لاتصح من الجهالة دابة بعلفها ولا إجارة دار مدة معينة بالإنفاق لما في ذلك على عمارتها لما في ذلك من الجهالة . فينبغي في مثل ذلك أن تقدر العمالة أو قيمة الإنفاق على الدابة ويجعل المبلغ أجرة . ثم يأذن المالك لمستأجر في إنفاق هذا المبلغ في علف الدابة بشرط أن يكون هذا الإذن خارج العقد وهذه حيلة يصح العمل بها
وكذلك قالوا : تأجير العامل بما يحصل من عمله . فلا يصح تأجير الجزار بجلد الشاة التي يسلخها لأن حال الجلد قبل السلخ مجهول . فيجوز أن يكون رقيقا أو ثخينا أو به عيب ينقص قيمته . وكذلك لا يصح تأجير الطحان ببعض ما يطحنه من الحبوب كربع أو قدح من الدقيق الناتج من لعد التحليل مجهول بالنسبة لما به من النخالة فيجوز أن تكون النخالة كثيرة ويجوز أن تكون يسيرة والباقي بعد التحليل مجهول أيضا فإن الأجرة المعينة كالدقيق المأخوذ من هذا القمح يشترط فيه القدرة على التسليم حال العقد . وهنا ليس كذلك لأن القمح لا يمكن تسليمه دقيقا قبل طحنه . هذا ينافي شرط القدرة على تسليمه . ومثله جلد الشاة فإنه مقدور على تسلينه . وقد يرد على هذا أنهم لأجازوا للشخص أن يستأجر من يحج عنه بالنفقة وهي مجهولة والجواب أن أمر الحج ليس من باب الإجارة وإنما هو من باب الجعالة فهو قد جعل له الانفاق عليه مقابل الحج عنه
وأما المنفعة : فيشترط فيها شروط :
منها : أن تكون لها قيمة فلا تصح الإجارة على منفعة كأن يستأجر أشجارا ليجفف الثياب أو آنية ليزن بها الدكان أو نحو ذلك كما تقدم
ومن ذلك ما إذا استأجر شخصا لنادي له بكلمة تروح سلعته كالدلال إلا إذا تكلم كثيرا وعمل أعمالا يستحق عليها الأجرة كالانتقال من مكان إلى مكان وعروض السلعة في كل مكان وتكرار النداء على بيعها ونحو ذلك
أما مجرد كلمة أو كلمتين فإنه لا يستحق عليها أجرا واو كانت الكلمة سببا في بيع السلع . فما يأخذه الشخص الذي يستحق عليه الأجر وإنما يحل له الأجر بنسبة تعبه وكثره تردده وكلامه ومع ذلك فلا يستحق عليها إلا أجر المثل والمتعارف بين الناس
ومنها أن لا تكون عينا مقصودة بعقد الإجارة كما استأجر بقرة من أجل لبنها فغن العقد يتضمن أن المقصود إنما هو استفياء اللبن واللبن عين لا تملك بعقد الإجارة قصدا لأن الأعيان لا تملك بالإجارة إلا تبعا
ومثل ما إذا استأجرت بستانا من أجل ثمره أو بركة ماء من أجل سمكها ونحو ذلك من كل ما تكون فيه المنفعة عينا مقصودة من العقد بخلاف ما إذا كانت المنفعة عينا تابعة كما إذا استأجر امرأة لإرضاع الخياط لأنهما لا يقصدان لذاتهما
ومها : أن يكون العمل المتعلقة مقدورا على تسليمه حسا وشرعا فلا يصح استئجار الحائض على كنس المسجد ولا استئجار زوجة الغير بدون إذن زوجها
ومنها : أن لا يكون العمل المتعلقة به المنفعة واجبا على الأجير فلا يصح الاستئجار على الصلاة ونحوها من كل العبادات التي لا نيابة فيها أما ما يرصده الواقفون على الأئمة والأذان ونحو ذلك فيؤخذ لا على أنه أجرة وإنما هو جعل أو يؤخذ الأجرة عن الحج عن الغير وغسل الميت وحفر القبر ودفن الموتى وحمل الموتى
ومنها : أن يكون العمل والمنفعة معلومين فالخياط يعرف في الثوب والمعلم يعرف عمله بالزمن كما سيأتي . وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وهكذا . وسيأتي تكملة هذا في مبحث ما يجوز اسئجاره
ومن هذا تعلم أقسام الإجارة اثنان وإجارة ذمة
الحنابلة - قالوا : يشترط لصحة الإجارة ثلاثة شروط :
الأول : معرفة الأجرة لقوله عليه الصلاة السلام : " من استاجر أجيرا فليعلمه أجره " فلا تصح الإجارة إذا لم تبين الثمن المؤجل فما صح أن يكون ثمنا في الذمة صح أن يكون أجرة كذلك ويصح إجارة بجنس ما يخرج منها . كما أجر أرضا لشخص يزرعها قمحا بأردبين قمح . ولكن يشترط أن لا يكون في العقد أجرتها بأردبين مما يخرج مما يخرج منها فإن قال ذلك فإنه لا يصح . ويصح إجازة العامل والمرضعة يطعامهما وكستوهما وعند التنازع في صفة الطعام والكسوة يكون لهما الحق في طعام وكسوة مثل طعام الزوجة وكسوتها . وسيأتي ( في مبحث ما تجوز إجازته )
تكلمه لذلك
وإذا أعطى شخص ثوبا لخياط ليخطه أو لصباغ أو نحوهما ولم يعقد إجارة فإنه يصح ويكون لهما أجر المثل بشرط أن يكون الصابع مختصا بالعمل أما إذا لم يكن كذلك فإنه يستحق أجر المثل إلا بشرط أو تعريض
ومثل ذلك ما إذا حمل شخص لآخر متاعا إلى مكان بدون عقد فإن للحمال ( الشيال )
أجر المثل
( ومثل ذلك ما جرت العادة باستعماله بدون عقد كدخول الحمام وركوب السفن ( المعديه )
وحلق الرأس وغسل الثياب وشرب الماء والقهوة وغير ذلك من أنواع المباحات فإنه يصح وفيه أجر المثل
الشرط الثاني : معرفة المنفعة المعقود عليها فهي كالبيع ينبغي العلم بالمبيع وتعرف المنفعة بأمرين : الأول : العرف ( وهو ما يتعارفه الناس بينهم )
فمتى كان الناس عرف فإنه يكتفى به عن تعيين عين المنفعة وصفتها في ذلك كسكنى الدار فإنها معروفه لا تحتاج إلى بيان . نعم لا يجوز للساكن أن يعمل فيها ما يضرها فإذا استأجر دارا للسكنى فلا يصح أن يعملها مصنعا للحدادة أوللنجارة أو مخزنا للحبوب أو نحو ذلك مما يضر الدار والعرف لا يعتبر هذه الأشياء سكنى
الأمر الثاني : الوصف فتعرف المنفعة بالوصف كما إذا استأجر حمالا ليحمل له قطعة حديد فإنه ينبغي له أن يبين زيتها ويبين المكان الذي يريد أن يحملها إليه لأن المنفعة لا يمكن معرفتها إلآ بهذا الببيان وإذا استأجر شخص آخر على أن يحمل متاعا إلى آخر فذهب فوجد المحمول إليه غائبا فرده ثانيا فإن له أجر حمله ذهابا وإيابا أما إذا وجد ميتا فليس له أجر حمله ذهابا فقط وذلك لأن الموت قهري لا يمكن معه احتياط بخلاف غيره فإنه يمن فيه الاحتياط فعلبيها تحديد الزمان والمكان والوقت قبل أن بذهب الحمال
ويجوز أن ستأجر الأجنبي الأمة أو الحرة لخدمته ولكن عليه أن يصرف وجهه عن الحرة فلا بنظر إلى شيء منها
أما الأمة فإنه يصح له أن ينظر ما عدا عورة الصلاة المتقدمة وعليه أن لا يخلو في بيت مع الأمة أو الحرة لأن الخلوة من داعي الفساد
وتصح إجارة المنفعة بالمنفعة سواء اتحد جنسها كسكنى دار بسكنى دار أخرى أم اختلفت كسكنى الدار في نظير صيغته أو تزويجه لأن كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون في الإجارة
الشرط الثالث : أن تكون المنفعة مباحة لغير ضرورة وأن تكون مقصودة فلا تصح الإجارة على ضرب شخص أو فعل محرم كالنباحة كما لا تصح إجارة الدار لتكون محلا للباعات أو لبيع الخمر أو للقمار أو نحو ذلك مما لا يحل
وكذا لا يحل استئجار أواني الذهب والفضة أو الكلب لأنه لا يباح للضرورة وكذلك لا يحل اسئجار الأشياء التي منفعتها ليست مقصوردة كالأشياء التي يزين بها حانوته أو مائدته أما أركان الإجارة فهي خمسة : العاقدان والعوضان والصيغة



مبحث ما تجوز إجارته وما لا تجوز

- في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية قالوا : الأشياء التي تستأجر :
[ 1 ] منها ما يصح استئجاره باتفاق
( ب )
ومنها ما لا يصح استئجاره كذلك
( ج )
ومنها ما هو مختلف فيه . فأما الذي يصح استئجار فهو خمسة أمور :
الأول : الدكاكين والدور
الثاني : الأراضي الزراعية والأراضي الفضاء للبناء أو لغرس الأشجار فيها
والثالث : الحيوانات كاستئجار الجمال والخيل والبغال والحمير والبقر لركوبها أو للحمل عليها أو للحراثة أو نحو ذلك
الرابع : استجار الآدمي للخدمة أولحمل المتاع أو لصنع شيء كالخياطة والصباغة والحدادة ونحو ذلك . ومن هذا استئجار المراضع لتقوم برضاع الأطفال وتسمى الظئر
الخامس : إجارة الثياب والخيام والحلي ونحو ذلك
ويعلق بكل قسم من هذه الأقسام أحكام سترد عليك مفصلة فيما يلي :
القسم الأول استئجار الدكاكين والدور ويتعلق بها أمور :
( أحدهما )
: أنها تصح إجارتها بدون بيان ما يعمل فيها كما تقدم لأن المعروف من استئجارها إنما هو السكنى والسكنى لا تتفاوت فلا يلزم بيانها
ثانيهما : أن للمستأجر أن يسكن بنفسه أو يسكن غيره باجرة ويغير أجرة حتى ولو شرط أن يسكن وحده فهذا الشرط لا يعمل به . ومثل الدكاكين والدور كل شيء لا يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالأرض الزراعية والآدمي المستأجر للخدمة فإن المستعمل بالنسبة لهما لا يختلف حاله أما ما يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالدواب والثياب والخيمة فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤخرها لغيره إذ قد يستأجر الدابة لركوبها شخص نحيف تقوى على حمله فربما يؤجرها لشخص ينصها في مكان بعيد عن الشمس والمطر فلا يضر بها فربما يؤجرها لشخص ينصبها في مكان فيه شمس ومطر فتتأثر به
ثالثهما : لا يصح للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لصحابها الذي استأجرها منه فلو استأجر محمد دارا من خالد لمدة سنة فلا يصح لمحمد أن يؤجر تلك الدار لخالد سواء كانت تلك الدار ملكا لخالد مستأجرها من شخص آخر حتى واو تخلل بينهما ثالث كأن أجر محمد تلك الدار لبكر وأجرها بكر لخالد منه ابتداء فإنه لا يصح . فلو وقع وأجرت الدار لخالد ثانيا فهل يبطل العقد الأول أو لا يبطل ؟ الصحيح أنه لا يبطل العقد الثاني الفاسد الصحيح . وهل يلزم المستأجر وهو محمد بالأجرة أو لا ؟ والجواب أنه إذا استلمها فإنه يلوم بأجرتها
أما إذا كانت في يد خالد ولم يستلمها محمد فلا يلزم بأجرتها
رابعها : إذا استأجر شخص دارا أو دكانا بمبلغ معين كجنيه في الشهر فلا يحل له أن يؤخرها لغيره بزيادة
ومثل الدور والدكاكين في ذلك غيرهما من الأشياء المستأجرة كالأرض الزراعية فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤجر ( من باطنه )
بأجرة زائدة على ما استأجر به وإنما يصح له تأجيرها بالأجرة التي استأجر بها بدون زيادة فإذا فعل فإن عليه أن يتصدق بالزيادة . ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور :
الأمر الأول : أن يضم إلى الدار المستأجرة ونحو هما شيئا من ملكه يصلح للتأجير ويؤجره معها فإن فعل ذلك وأجرها بزيادة فإنه يصح
الأمر الثاني : أن يحدث في العين المستأجرة إصلاحا كأن يبيض حيطانها ويرم جدرانها إن كانت دارا أو يشق فيها ترعة إن كانت أرضا . وبعضهم يقول إن شق الترعة لا يكفي وإنما الذي يكفي هو أن يحدث في هذه الحالة بناء على ما زاده من العمل ولا يخفى أن في شق الترعة إصلاحا فقوله غير صحيح
الأمر الثالث : أن يؤجرها بغير جنس ماستأجر به كما إذا استأجرها بنقود وأجرها بعرض تجارة قيمتها أكثر فإن الزيادة تحل له . هذا وإذا استأجر بيتين صفقة واحدة وزاده في أحدهما عن الآخر فإن له أن يؤجرها بأكثر
أما إذا استأجرهما في صفقتين فإن الزبادة لا تحل له
( خامسهما )
: للمستأجر الدور والدكاكين أن يعمل فيها كل مالا يضر ببنائها أو بسقوفها فله أن يبني التنور ( الفرن )
وإن احترق بها شيء لا يضمنه المستأجر إلا إذا بناها بدون احتياط كأن وضعها تحت سقف خشب يتأثر بما يتصاعد من نارها فإنه في هذه الحالة يكون مقصرا فيضمن ما احترق . وللمستأجر أيضا أن يكسر خشب الوقود . ويستعمل المدق ( المطحن )
لطحن الملح ونحوه ويستعمل الرحى لطحن الحبوب بشرط أن لا يضر ذلك الاستعمال بالبناء فإنه لا يصح إلا برضا المالك أو باشتراطه في العقد وعلى هذا فلا يصح للمستأجر أن يسكن الدار حدادا أو نجارا أو نحوهما من أرباب الحرف التي تحتاج إلى دق شديد يضر بالمنزل إلا إذا رضي المالك أو اشترطه المستأجر في العقد وإذا قال المستأجر : إنني اشترطت عليك أن أفعل في المنزل ذلك الذي يضر وقال المالك لم تشترط فإن القول في هذه الحالة للمالك وإذا أقاما البينة فالذي تسمع بينته المستأجر لأنه يريد إثبات شيء زائد على أصل العقد . وإذا استأجره للنجارة فاستعمله للحدادة فإن له إن اتحد ضررهما . وإذا استأجر دارا للسكنى فاستعملها للحدادة فأضر ببنائها كان ضامنا للضرر الذي حصل فعليه التعويض وسقط عنه الأجر في هذه الحالة لأن الأجرة لا تجتمع مع الضمان إذ الأصل في المستأجر أن لا يكون ضامنا أما إذا سلمت الدار ولم يضرها الاستعمال فإنه عليه الأجرة لأنه تبين في هذه الحالة أن الاستعمال غير ضار وهذا بخلاف الدابة والخيمة فعلا والثوب ونحوها فإنه إذا استأجر دابة ليرطبها فأجرها لغيره فإنه يكون غاصبا في هذه الحالة فعليه ضمانها إذا حل لها عطب وتسقط عنه الأجرة مطلقا سواء عطبت أو سلمت لأن منافع المغصوب غير مضمونة إلا في أمور ستأتي في بابها وإنما المضمون هو المغصوب
ومثل ذلك ما إذا استأجر خيمة فأجرها لغيره أو ثوبا أو نحو ذلك مما يختلف استعماله باستعمال الأشخاص فإنه لا يصح للمستأجر الأول أن يؤجره فإذا فعل كان غاصبا وعليه الضمان وذلك لأن أحوال الناس تتفاوت في مثل ذلك
( سادسهما )
: يجوز أن يزيد المستأجر في الأجرة أثناء المدة إذا كانت من غير جنس نا استأجر به فإذا استأجر شخص من آخر دكانا مدة سنة شهرية ( جنيهين )
وعرض في خلال المدة ما يوجب الزيادة فزاد المستأجر متطوعا في الأجرة فإنه لا يصح للمؤجر أن يأخذها إلا إذا كانت من غير جنس الجنيهات التي استأجر بها أما بعد انقضاء المدة فإن الزيادة من المستأجر مطلقا وهل تعتبر الزيادة في أثناء المدة عن الأشهر الباقية أو توزع على أشهر السنة كلها خلاف وليس للمالك أن يزيد الأجرة على المستأجر مدة عقد الإجارة مطلقا سواء ارتفعت إجارة العين لعارض أو لا إلا في الوقت وملك اليتيم على التفصيل الآتي في الوجه السابع
( سابعهما )
: إذا أخرجت دارا موقوفة أو ملك فاحش فإن الإجارة تقع فاسدة ومثل الدار في هذا الحكم غيرها من دكان أو أرض زراعية أو غير ذلك مما يصح استئجاره . وقد اختلف في حكم المستأجر فقال بعضهم إنه غاصب وقال بعضهم : إنه ليس بغاصب وعليه أجر المثل في المدة التي استعمل فيها الدار
والمراد بالغين الفاحش مالا يدخل تحت تقويم المقومين بمعنى أن أهل الخبرة بعضهم يقوم الدار مثلا بعشرة وبعضهم يقومها بتسعة وبعضهم يقومها بثمانية وهو يؤرجرها بسبعة فإن ذلك يكون غنبنا فاحشا لأن السبعة لم بقومها بها أحد ومتى ثبت أنها أجرت بغبن فاحش فإن الناظر يؤجرها بأجر المثل لمن يرغب فيها سواء أكان المستأجر الأول . ولا تكفي مجرد دعوى الناظر أو الأجنبي بأن الأجرة بغبن فاحش لأن الناظر متهم بنزعها من يد المستأجر كي يؤجرها لغيره والأجنبي متهم بأنه يريد استئجارها لنفسه بل لا بد من أن يخير من أن يخبر القاضي رجل خبير بمثل هذه الأمور بأن كانت الأجرة وقت العقد بغبن فاحش . وإذا شهدت بينة بأن الأجرة أجرة المثل وقت العقد واتصل بها القضاء فإنه يعمل بها ولا تنقص بخبر الواحد الخبير إلا إذا كذبها الظاهر . أما إذا لم يتصل بها القضاء فإنها تنقص ويعمل بخبر الواحد ذي الخبرة
بقيت مسألة أخرى وهي ما إذا أجر الناظر بأجر المثل ثم زادت رغبات الناس فيها فزادت أجرة المثل عما كانت عليه فماذا يكون الحكم فماذا يكون الحكم ؟ والجواب أن هذه المسألة على وجهين :
الوجه الأول : أن لا تكون العين المستأجرة مشغولة بملك المستأجر كالدار والدكان والأرض التي لا زرع بها فإن هذه الأشياء يمكن إخلاؤها من المنقولات التي بها . وحكم هذا أن الزيادة التي عرضت للعين تعرض على المستأجر بعد ثبوتها فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فالناظر يفسخ العقد ويحكم به القاضي ثم يؤجر بالزيادة وليس للمستأجر أن يتمسك بأنه أجرها بأجر المثل وليس للناظر أن يزيده في أثناء المدة على الأصح المفتى به . وبعضهم يقول إن المعتبر في ذلك هو وقت العقد فمتى كانت أجرة المثل وقت العقد فلا ينظر للزيادة التي عرضت بكثرة الرغبات وهذا القول وجيه في ذاته لمل يترتب عليه من احترام العقود وعدم نفرة الناس من تأجير الوقف فإنهم إذا عملوا بأنهم مهدون بفسخ العقد لعارض تقل رغبتهم في التأجير فليس من المصلحة نقضه ما دام مؤجرا بأجر المثل وقت العقد على أن بعضهم قال : إنه لا يفسخ في هذه الحالة إلا إذا بلغت الزيادة نصف الذي أجر به أولا فإذا كان مؤجرا بخمسة لا يفسخ إلا إذا زاد إلى عشرة وهذا القول يبرز الفسخ في الجملة لأن مصلحة الوقف في هذه الحالة تكون ظاهرة ولكن المعتمد عندهم أن الفسخ يكون بالزبادة التي لا يتغابن الناس فيها عادة سواء كانت نصفا أو ربعا أما الزيادة اليسيرة كالواحدة من العشرة فإنه لا يفسخ العقد من أجلها باتفاق
الوجه الثاني : أن تكون العين المستأجرة مشغولة بملك بحيث لا يمكن إخلاؤها بدون إتلاف ذلك الملك ويشتمل ذلك الوجه على صورتين :
الصورة الأولى : أن تكون العين مشغولة بالزرع الذي له مدة ينتهي إليها حصاده كالقمح والذرة ونحو ذلك
وحكم هذه الصورة أن تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها فإنها تحسب عليه من وقت الزيادة إلى أن يحصد ولو انتهت مدة العقد وإن لم يقبل الزيادة يؤمر بقلع الزرع إن لم يضر بالأرض فإن أضر بها يتملكه الناظر لجهة الوقف بقيمته جبرا على المستأجر
الصورة الثانية : أن تكون الأرض مشغووولة بالبناء وغرس الأشجار ليس لها مدة يقلع فيها كانخيل والرمان ونحو ذلك وفي هذه الحالة تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها تحسب عليه من وقتها إلى انتاهء مدة العقد فقط لأن الشجر والبناء ليست لهما مدة معلومة . فإذا كانت مؤجرة مشاهرة فسخها وأجرها لغيره
أما البناء أو الشجر إن كان قلعة يضر بالوقف فالناظر مخير إما أن يضمه للوقف بقيمته أو يتركه حتى يسقط وحده
أما إذا لم يضر بالوقف فإنه المستأجر يكلف برفعه وأخذه ومحل هذا كله إذا كان الغرس والبناء بدون إذن الناظر لإغن كان بإذنه فإنه يضم للوقف ويرجع الغارس أو الباني على الناظر بقيمة ما أنفقه
وإذا كانت زيادة الأجرة بسبب بناء الناظر أو غرسه فإنه لا يطالب بالزيادة باتفاق لأن الذي نشأت معه الزيادة إنما جاء من ملك المستأجر
وبعضهم يقول : إذا غرس المستأجر في أرض الروقف أشجارا أو بنى ومضت مدة الإجارة فله أن يبقيها فلا يقطع الأشجار ولا يهدم البناء ويدفع عليها بقائها في الأرض بمثل ما يستأجر به الأرض لذلك عادة . ولا يملك الناظر ولا المسستحقون جبره فلع الشجرة ورفع البناء ولا ضمنها إلأى جهة الوقف إلا إذا أذنه الناظر بأن يبني لجهة الوقف
أما إذا أذنه بأن يبيني لنفسه وأشهد على ذلك فإنه لا يضم ولا يقلع جبرا وقد أفتى بذلك بعضهم ولكن الصحيح خلافه . وقد بالغ بعضهم في رد هذا القول لأنه يرى فيه إجحافا بمصلحة الوقف وتضييعا لأعمال البر على أن الكل فيه مجمعون على أن اللازم الفتوى فيه مصلحة الوقف لأنه عليه يقوم أعمال الخير فكل ما كان فيه مصلحة ينبغي العمل به فإذا كان في ترك الأشجار والبناء بأرض الوقف مصلحة فإنه ينبغي تركها وإلا فلا
القسم الثاني : من أقسام ما يصلح للتأجير الأراضي ويتعلق بها مسائل : الأولى أنه لا بد في عقد إجارة الأراضي الزراعية من بيان ما يزرع فيها من قمح أو ذرة أو أرز أو قطن أو نحو ذلك حتى ترتفع الجهالة المفضية للنزاع بخلاف إجارة الدور والدكاكين لأن الغرض استعمال الأولى للسكنى والثانية للتجارة وهذا الاستعمال لا يتفاوت وكل ما يطلبه المالك أن لا يفعل المستأجر شيئا يضر بالبناء أو السقوف وقد عرفت أن المستأجرر ممنوع من فعل كل ما يضر فيصح العقد فيها بدون بيان
أما الأراضي الزراعية فقد زرع دون زرع بيان ما يراد زرعه أو يستأجرها على أن يزرع فيها فيها ما يشاء ويرضى المالك بذلك فإذا تعاقدا بدون العقد يكون فاسدا فإذا زرعها بعد العقد وعلم المالك وأقر زرعها فإن الإجارة تنقلب صحيحة ويجب دفع الأجرة المسماة
الثانية : إذا استأجرها مدة تسع أن يزرعها مرتين فإن له أن يزرعها مرتين
الثالثة : أن للمستأجر الارتفاع بالمساقي الموجودة في الأرض وسقيها منها وله الانتفاع بالطريق الموصلة إليها المملوكة للمؤجر وإن لم ينص عليها في العقد
الرابعة : لاتصح إجارة الأرض التي لا تصلح للزراعة كالأرض السبخة أو التي لا يصل إليها الماء كما لا تصح إجارتها في مدة لا يمكن زرعها فيها
الخامسة : لاتصح إجارة الأرض المشغولة بالزراعة إلا إذا كانت تلك الزراعة بغير حق حتى يصح قلعها وتسليم الأرض لمستأجر . أما إذا كانت بحق كأن كانت مستأجرة لشخص فزرعها وللم تحصد زرعها فإنه لا يصح إجارتها لآخر حتى ولو كانت الإجازة فاسدة لأن الإجارة الفاسدة لا يكون صاحبها غاصبا بل يكون أجر المثل فلا يجبر على قلع زرعه فإذا استأجر أرضا مشغولة بالزرع فحصد صاحب الزرع زرعه وسلمها اتقلبت صحيحة على أنه يجوز تأجير الأرض المشغولة بالزرع إذا أدرك الزرع وحل موعده حصاده لأن صاحبه يؤمر بحصاده وتسليم الأرض
وكذلك يصح تأجيرها وهي مشغولة إذا كان العقد مؤجلا إلى زمن يدرك فيه الزرع
[ يتبع . . . ]
السادسة : تصح إجارة الأرض للبناء عليها ولغرس الشجر فيها فإذا استأجر شخص من آخر أرضا فارغة مدة معينة ليني عليها دكانا فإنه يصح فإذا مضت المدة يهدم بناءه ويسلمها خالية وإذا استأجرها لغرس فيها شجرا فأثمر الشجر وانتهت المدة وبقي الثمر فإن الشجر يبقى على الأرض بأجر المثل ويصح أن يأخذ المالك الشجر والبناء بقيمته بسبب البناء بمعنى البناء والشجر يدفعا المالك فإن كانت الأرض تنقص قيمتها بهدم البناء أو بقلع الشجر فإن المالك يتملكها بقيمتها جبرا على المستأجر وإلا فالمستأجر مخير في أن يقلع أو يعطيها للمالك بالقيمة المذكورة ولهما أن بتفقا على أن يبقى الشجر أو البناء على المستأجر وتبقى الأرض على ملك صاحبها بدون إجارة بل تكون عارية وتمون منفعتها شركة بينها فلو أجراها لثالث تقسم الأجرة بينهما على تقدير الأرض بلا بناء وعلى تقدير البناء بلا أرض فإذا كانت أجرة الأرض فارغة تساوي عشرة وكانت أجرة البناء خمسة أخذ كل منهما نصيبه على ذلك الغرض وقد عرفت حكم البناء والغرس غي أرض الوقف فيما تقدم
القسم الثالث : مما يصح تأجيره الحيرانت فبصح أن يستأجر دابة ليركبها أو ليحمل عليها متاعه ونحو ذلك من الأغراض المقصودة للعقلاء كالطحين والحرث أما أسنئجارها لمجرد الزينة أو لإبهام الناس أنه فرسا أو نحو ذلك فإنه لا يصح كما تقدم
وتعلق بها أمور أحدها : أنه يلزم بيان من يركبها فإذا لم يبين فسدت وتنقلب صحيحه بركوبها فعلا سراء ركبها المستلأجر أو أركبها غيره لأن الراكب تعين عند المؤجر بعد العقد وهذا هو المطلب إذا لا يلزم التعيين ابتداء . وإذا قبدها المستأجر براكب خاص بأن قال : أركبها أنا وفلان فركبها غبره فإنه يكون غاصبا وعليه ضمانها إذا عطبن ولا أجر عليه سواء سلمت أو عطبت كما تقدم لأن منافع المغصوب لاتضمن
( ثانيها )
: وإذا أستأجرها للحمل فسمى نوعا كا القمح مثلا فإن له أن يحمل عليها مثله أو أخف كا الذرة أو الشعير ولبس له أن يحمل أثقل كا الملح مثلا
( ثالثها )
: إذا أردف خلفه شخصا آخر وكانت الدابة تطبق حمل الاثنين عادة فإن كان كبيرا يمكنه أن يستمسك وحده بدون من يستند إليه وعطبت الدابة يضمن النصف سواء كان الذى أردفه خفيفا في الوزن أو ثقيلا إذا لاعبرة بالوزن
أما إذا كانت الدابة لاتطيق حمل الاثنين فإنه يضمن الكل فإذا أردف صغيرا لا يستمسك بنفسه فإنه بضمن يقدر ثقله
( رابعها )
: إذا أستأجرها ليحمل عليها مقدارا معينا فحمل عليه أكثر منه فعطبت كان عليه ضمان ما يقابل الثقل الذي زاده فإذا اتفقا على أن تحكل عشرة فحملها خمس عشرة فعطبت كان عليه قيمة ثلث عطبها وعليه الأجر فأما الضمان في مقابل ما زاد في الثقل الموجب لعطبها وأما الأجر فهو في مقابلة الحمل الذي بين مقداره . فلم يجتمع الضمان والأجر هذا إذا كانت الدابة تطيق الكل لأنه حملها ما لا تطيق . ( خامسها )
: إذا اتفقا على حمل شيء معين ثم حملها صاحبا بيده أكثر منه فعطبت فلا ضمان على المستأجر لأن صاحبا هو الذي باشر فعل ما به عطبها وحده
أما إذا اشترك معه المستأجر في وضع الحمل عليها كأن على المستأجر ضمان ربع ما عطيت منها وذلك لأنه مأذون في النصف الثاني فيه شاركه فيه صاحبه فيكون عليه الربع فإذا اتفقا على أن تحمل ثمان كيلات فحملها ست عشر كيلة فإن وضع الزيادة صاحبها فلا شيء على المستأجر وإن اشترك معه في وضع الزيادة كان علبه الربع وهو ما يقابل أربعة من الزيلدة وعلى صاحبها أربعة تهدر طبعا
وإذا كان المحمول كالقمح مثلا موضوعا في وعاءين ( جوالين )
فوضع المستأجر عليها واحدا ومالكها واحدا ثم عطبت فلا ضمان على المستأجر سواء وضع الحمل هو أولا أو ثانيا لأنه يجعل ما وضعه هو ماكان مستحقا بالعقد وبعضهم يقول : إذا وضع المستأجر الحمل الثاني يضمن الجميع
سادسا : إذا وضع عليها شيئا زائدا على ماسماه وسلمت الدابة فإنه لا يلزم المستأجر بدفع شيء سوى ما سماه وإن كان لا يحل له أن يضع عليها شيئا زائدا على ما سماه وذلك لأنه في هذه الحالة يكون غاصبا ومنافع الغضب لا تضمن كما تقدم
سابعا : إذا ضرب المستأجر الدابة فعطبت بها فإن عليه الضمان إلا إذا استأذن صاحبها فأذنه فضربها في الموضع المعتاد فإنه لا ضمان عليه
وبعضهم يقول : إنه لا ضمان لضرب الدابة أثناء السير لأنه مستفاد بالعقد وهذا الخلاف وقع في ضرب الولي للصبي والأب فبعض الحنفية يقول لا ضمان عليه
وبعضهم يقول : يضمنان بالضرب مطلقا إذا عطب الصبي لأن التأديب لا يتوقف على الضرب إذ يمكن زجره وعرك أذنيه ونحو ذلك وقد اتفقوا على عدم جواز ضرب الإنسان المستأجر للخدمة فإذا ضربه زجره وعطب كان عليه الضمان لأن الإنسان الكبير يؤمر وينهي ويفهم فلا معنى لضربه بخلاف الدابة والصبي والصحيح أن الضرب الخفيف الذي لا يترتب عليه ضرر للحيوان ويحمله على السير فإنه مأذون فيه بشرط سلامة الحيوان فإذا ترتب على الضرب عطب كان ضامنا
ومثل دابة الغير دابة نفسه فإنه لا يحل ضربها ضربا يترتب عليه عطبها فإنه فعل فإنه يخاصم ويؤدب على ذلك ويملك مخاصمته كل أحد . وله أن بفعل ما يحتاج إلى التأديب والزجر فقط ويمنع من ضرب الحيوان على وجهه على أي حال فإن فعل فإنه يخاصم لذلك
ثامنها : إذا استأجره وعليه سرج فنزعه فعطب كان عليه الضمان وكذلك إذا استأجره بدون سرج فوضع عليه السرج فإن كان مثل هذا الحمار لا يحتمل هذا السرج عادة كان علي الضمان وإلا فلا
تاسعها : إذا عين عين له المالك طريقا فسلك غيرها واختلف الطريقان بعدا ووعورة كان عليه الضمان وإذا سلم الحمار فللمالك الأجر المسمى بقطع النظر عن اختلاف الطريق فلا يصح أن يقول له قد سلكت طريقا شاقا أو بعيدا لأن المقصود واحد وهو الوصول إلى جهة معينة فمتى سلم الحيوان لا يظهر تفاوت إنما يظهر التفاوت حال هلاكه
القسم الرابع : إجارة الآدمي وهي نوعان :
الأول : استئجار الصناع وقد عرفت في الشروط أنه لا بد من بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة فلا بد أن يعين ويبين لونه الذي يريده ونحو ذلك فإذا استأجر صانعا ليعمل له عملا في داره كالمنجدين والنجارين والخياطين الذين يدعون إلى المنازل لأداء ما يطلب منهم عن صانعهم فعملوا عملا وتركوه في يد المستأجر ففسد أو هلك فإن لهم أجورهم
فإذا استأجر خياطا ليخيط له ثيابا في داره فقطعها ( فصلها )
وأعد الخيط الذي يخيطها به ثم تركها في المنزل وانصرف فجاء لص فسرقها فإنه لا يستحق أجر على ( التفصيل )
لأنه مستأجر على الخياطة وقد سرقت الثياب فلا أجر له وإذا استأجر خبازا ليخبز له فاحترفق الخبز فاحترق في ( الفرن )
قبل إخراجه فلا أجر له وإن سرق لص الخبز من الخباز فلا أجر له ولا ضمان وقيل عليه ضمانه وإذا استأجر عمالا لحفر بئر وبائها بالطوف ففعلوا ثم انهارت فلهم أجرهم وإذا انهارت قبل بنائها بالطوف فلهم أجر نما عملوا
النوع الثاني : استئجار الآدمي للخدمة وهو جائز يالنسبة للرجال بعضعم بعضا بلا كراهية إنما لا يصح للإنسان أن يستأجر أبويه ولو كافرين وإذا عمل الأب فله أجره ومثل الأبوين الجد والجدة . وإذا استأجر ابنة أو المرأة ابنها فإنه لا يصح وما عدا ذلك فإن استئجار جائز فتصح إجارة الإخوة وسائر الأقارب
وبعضهم يقول : لا يصح استئجار العم والأخ الأكبر لما في ذلك من الإذلال الذي لا يليق ولهذا قالوا يكوه أن يؤجر المسلم نفسه لخدمة الكافر وإن كان جائز بخلاف العمل في السقي والزرع والتجارة ونحو ذلك فإنه يصح أن يؤجر له نفسه بلا كراهة لعدم المهانة في نحو ذلك
ويجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة الرجل التأكل هي وعيالها بشرط أن لا تختلي معه فإن الخلوة الأجنبية حرام ويكره للرجل أن يخلو بها
ولا يجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة بيت زوجها لأن ذلك مستحق عليها أما إذا أجرها فيما ليس من جنس خدمة البيت كزرع حديقة أو رعي ماشية فإنه يجوز . وللمرأة أن تستأجر زوجها للخدمة أو لرعي الغنم وله أن بفسخ إجارتها ولا يخدمها
النوع الثالث : إجارة المراضع والقياس عدم جوازها وإنما جازت استحسانا وذلك لأنك قد عرفت مما مضى أن الإجارة إنما ترد على استهلاك المنفعة لا على استهلاك العين والإجارة هنا ترد على استهلاك اللبن كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها وإنما استثنى المراضع لحاجة الناس إلى هذا ولمصلحة الصغير وتصح أجرتها بطعامها وكسوتها ولها عند النزاع كسوة وطعام الوسط . ولزوجها أن يطأها وهي مرضعة في بيته لا في بيت المستأجر إلا إذا رضي المستأجر بأن يخلو بها في بيته
وللزوج أن يفسخ إجارتها مطلقا سواء كان يتعير بتأجيرها أم لا
وللمستأجر أم يفسخ الإجارة بحيل المرضعة ومرضها وفجورها ظاهرا لا يكفرها لأنه لا يضر بالصبي . وعليها أن تفعل مع الصبي ما جرت به العادة من غسل ودهن وتنظيف ثياب ونحو ذلك ولا يلزمها شيء من نفقات ذلك وأجرتها على الوالد الصبي إن لم يكن له مال وإلا ففي ماله
القسم الخامس : استئجار الثياب والحلي والأمتعة والخيام ونحو ذلك فللإنسان أن يستأجر ثوبا ليلبسه أياما معلومة فإن فعل فله أن يستعمله بما قضت به العادة والعرف بالنسبة لحالة الثوب فغن كان قيما فلا يصح أن يلبسه بالليل ولا أن ينام بل يستعمله قياما أعد له فإن نلم فيه فتخرق عليه ضمانه وإذا ألبسه لغيره فضاع أو تخرق كان ضامنا له
أما إذا اشترط أن ينصبها في داره فنصبها في جهة أخرى في البد نفسها فلا ضمان عليه إذا كانت الدار مماثلة لداره . أما كانت مكشوفة تنزل فيها الشمس أو المطر فيضر القماش فإنه يضمن
وإذا استأجرت المرأة حليا معلوما إلى الليل لتلبسه ثم حبسته أكثر من يوم وليلة تكون غاضبة عليها الضمان وهذا إذا طلب منها ولم تدفعه لأصحابه . أما إذا حفظه بأن وضعته في مكان لا يلبس فيه عادة فإنه لا ضمان عليها
هذا ومما ينبغي التنبه له أن كل عين مستأجرة من حيوان أو متاع أو دار إذا فسدت بحيث لا يمكن الانتفاع بها سقط الأجر عن المستأجر من حين فسادها وعليه أجر مانتفع به مما مضى فإذا كان ساكنا بمنزل ثم تخرب في خلال الشهر فخرج منه عليه أن بدفع أجر الأيام التي قضاها من الشهر وإن اختلفا فيها فقال الساكن : إنها عشرة وقال المالك : إنها عشرون يحكم في ذلك حال المنزل والذي يشهد له من علامات الخراب يعمل بقوله
وأما الأعيان التي لا يصح استئجارها باتفاق فمنها نزو الذكور من الحيوانات على إناثها فلا يحل لأحد أن يؤجر ثوره ليحبل بقرة غيره ولا يؤجر حمارة الغير وهكذا لأن إحبال الحيوان غير مقدور عليه فلا يصح تأجيره
ومنها : الاستئجار على المعاصي مثل الغناء والنوح والملاهي كاستئجار بعض الفارغين من الشبان لبقوموا بأناشيد سخيفة ويتبادلون في مجلس الخمور والمحرمات فإن استئجارهم كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهو الذين يسمونهم ( كشكش )
ومثل استئجار الأشخاص العاطلين لضرب الناس وإيذائهم بالسبب فإنه كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهي إجارة باطلة لا يستحقون عليها أجرا وأما إجارة المغنين فإن كان الغناء مما يجوز فإنها تصح وإلا فلا وقد تقدم في باب الوليمة في الجزء الثاني من الكتاب
أما الإجارة على الطاعات فأصول مذهب الحنفية تقضي أنها غير صحيحة أيضا لأن كل طاعة يختص بها المسلم لا يصح الاستئجار عليها ولأن كل قرية تقع من العامل إنما تقع عنه لا عن غيره فلو لم يكن أهلا لأدائها لا تنفع منه فلا يصح له أن يأخذ عليها أجرا من غيره ويستدلون بحديث روي عنه عليه السلام : " اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به " وقد عهد عمر إلى عمرو بن العاص : " وإن اتخذت مؤذنا فلا يأخذ على الأذان أجرا " هذا هو أصل مذهبهم وهو بظاهره عام يشمل كل الطاعات فكان من حقه أن لا بعض الطاعات للضرورة فاجازرا أخذ الأجرة على تعليم القرآن خوفا من ضياعه ومثله تعليم العلم . والأذان والإمامة والوعظ خوفا من تعطيلها
أما قراءة القرآن خصوصا على المقابر وفي الولائم والمآتم : إنه لا يصح الاستئجار عليها إذ لا ضرورة تدعو إليها . فمن أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا أوقف له دارا أو أوصى بعتاقة أو نحو ذلك كانت وصيته باطلة لا قيمة لها لأن الأجرة على الطاعات بدعة محرمة كما ذكرنا وإنما تنفذ مثل هذه الوصايا أو الوقفيات إذا جعلت صدقات وقد قال صاحب الطريقة المحمدية رضي الله عنه ما نصه :
الفصل الثالث في أمور مبتدعة باطلة أكب الناس على ظن أنها قرب مقصودة
ومنها الوصية من الميت بالطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطائه دراهم لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح أو يهلل له وكلها بدع منكرات
باطلة والمأخوذة منها حرام للآخذ وهو عاض بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا اه
ومحصل هذا كله أن أصل المذاهب منع الإجارة على الطاعات ولهذا أجمعوا على أن الحج عن الغير من باب الإنابة لا من باب الاستئجار فمن حج عن غيره كان نائبا عنه في أداء هذه الفريضة ينفق على نفسه بقدر ما يؤدي فإن زاده معه شيء من المال الذي أخذه وجب لصاحبه ولو كان إجارة لما رد منه شيئا
وإما إقتاء المتأخرين بجواز أخذ الأجرة على بعض الطاعات فهو للضرورة خوفا من تعطليها فأجازوا أخذها على التعليم القرآن ونحوه ولم يجيزوه على قراءة القرآن إذ لا ضرورة في القراءة ويرد على هذا ما ثبت من جواز أخذ الأجرة على الرقية في عهد النبي صلى الله عليه و سلم وقوله : " إن أحل ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " وأجيب بأن الرقية تلاوة فقط بل المقصود منها الطب وأخذ الأجرة على التداوي جائز
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب [ 1 ] وقد يقال في زماننا أن الناس يتصرفون عن تعليم القرآن إذا لم يجدوا فيه شيئا يساعدهم على قوتهم فالعلة التي أباحوا من أجلها أخذ الأجرة على التعليم وهي خوف تقليل الحفاظ هي بعينها موجودة في الحفاظ الذين ينفقون الذين ينتفعون من قراءءتهم وقد يكون للإفتاء بجواز أخذ الأجرة على القراءة من هذه الجهة وجه ولكن الذي لا يمكن إقراره بحال إنما هو ما اعتاد بعض القراء من فعل ما ينافي التأديب مع كتاب الله تعالى كتلاوته على قارعة الطريق للتسول به وفي الأماكن التي نهىالشرع عنه الجلوس فيها وتلاوته على حالة تنافي الخشية والاتعاظ بآياته الكريمة كما يفعل بعض القراءة من التغني به في مجالس المآتم والولائم التي نهى الشارع عنها لما فيها من المنكرات وتأوه الناس في مجلسه كما يتأوهون في مجالس الغناء والإمعان في هذه الطريقة الممقوتة حتى أن بعض القراء يحرفون كلمه عن مواضعه تبعا لما يقتضيه نغم وتمشيا مع أهواء الناس وشهواتهم فإن ذلك كله حرام باطل لا يمكن الإقرار عليه بأي حال
ومن الأشياء التي لا تصح إجازتها الأياء التي تستأجر على خلاف شرائط الإجازة المتقدمة ومن ذلك استئجار الشخص بجزء من عمله كأن يستأجر جمالا لينقل له جرنه ويأخذ باقية في نظير أجره أو يعطي طحانا إردبا من الحنطة ليطحنه ويأخذ منه كيلة في نظير أجره فإن كل ذلك ممنوع لأن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك ولأن القدرة على تسليم الأجرة شرط في صحة الإجارة وفي هذه الحالة أن يسلم الأجرة لأنه ناطقه بالشيء المعمول فالطحان مثلا لا يمكنه أن يأخذ أجره إلا من الدقيق الذي ينتج من القمح المطحون وهو لم يوجد بعد فإذا وقعت مثل الإجازة وجب فيها أجر المثل بشرط أن لا تزيد على المسمى بينهما
والحيلة في جواز مثل ذلك أن يفرز أولا ويسلمه للمستأجر كأن يخرج الصوف أو القمح الذي يريد أن يدفعه أجرا ثم يسلمه للمستأجر وهذا جائز
ومن ذلك إجارة ماء الشرب وحده فإنها لا تصح واقعة على استهلاك عين السمك وإجارة المرعى لتأكل غنمه حشيشها فإن كل ذلك فيه استهلاك للعين فلا تنفع إجارته ولكنه يصح أن يستأجر تبعا لشيء آخر فيصح أن يستأجر القناة تجري فيها الماء فتقع الإجارة على الماء تبعا ويصح أن يستأجر قطعة من أرض المرعى ليجعلها مأوى لمواشيه ( حوش )
ويبيح له مالكها الرعي من حشيشها
وأما الأشياء المختلف في جواز استئجارها فمنها إجارة الحمام فإن بعضهم يقول : إن أخذ الحمامي أجرة مكروهة من الرجال والنساء . وبعضهم يقول : إنها مكروهة من النساء دون الرجال والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لحاجة الناس إليها وربما كانت حاجة النساء إليها أكثر من لنفاسهن وضعفهن إنما الذي ينبغي النهي عنه هو كشف العورة فيها سواء كان من فيها نساء أم رجال إذ لا يحل للنساء أن ينظرن إلى عورة بعضهن كما لا يحل للرجال على التفصيل المتقدم في مباحث ستر العورة فعلى من يدخل الحمام أن يحتاط في ستر عورته وأن يغض بصره عن النظر إلى عورة غيره وإلا فقد فعل ما لا يحل له فعله سواء أكان ذلك في الحمام أو غيره
ومنها أجرة الحجام فقد قال بعضهم بكراهية لما ورد من أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث " والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه و سلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان مكروها لم يعطيه والحديث الأول منسوخ بما ورد أن رجلا " وقال يا رسول الله إن لي عيالا وغلاما حجاما أفاطعم عيالي من كسبه ؟ قال : نعم " وأيضا فإن حديث البخاري مروي عن ابن عباس وحديث النهي رواه في السن عن أبي رافع
ومما لا شك فيه أن ابن عباس أعلم وأضبط وأفقه فيعمل بحديثه على أنه إذا اشترط الحجام أجرا معينا كره ذلك فيمكن حمل الكراهة على ذلك
ومن ذلك أجرة السمسار والدلال . فإن الأصل فيه عدم الجواز لكنهم أجازوا الناس إليه كدخول الحمام على أن الذي يجوز من ذلك إنما هو أجر المثل
فإذا اتفق شخص مع دلال أو مع سمسار على أن يبيع له أرضا بمائة جنيه على أن يكون له قرشين في كل جنيه مثلا فإن ذلك لا ينفذ وإنما الذي ينفذ هو أن يأخذ ذلك الدلال لأجر مثله في هذه الحالة
هذا وتصح إجارة الماشطة لتزيين العروس بشرط أن يذكر العمل أو مدته في العقد
وإذا استأجر شخص عاملا يمكن تعيين عمله كخياط ليخيط له هذا الثوب بكذا أو خباز ليخبز هذه الأرغفة بكذا أو هذا الإردب فإنه لا يصح له أن يجمع مع هذا التعيين الوقت فيقول خطه اليوم أو غدا أو اخبزه اليوم أو بعد ساعتين فإذا تأخر عن هذا الموعد يكون بأجرة أقل وإنما لا يجوز ذلك لأنه يفضي إلى المنازعة بأن يقول العامل المنفعة المعقودة عليها إنما هي العمل وذكر الوقت للحث على العجيل وحيث قد تم العمل في اليوم أو بعده فإنني استحق عليه الأجر كاملا ويقول المؤجر كلا بل المنفعة المعقود عليها مقدورة بالوقت فالمعقود عليه هو الوقت وحيث لم توجد قيمة المنفعة فلا تستحق الأجرة كاملة فلذا قبل بفساد العقد . نعم إذا قال على أت تفرغ منه أو تخيطه في اليوم فإن العقد ألا يفسد ويعتبر العقد على العمل وذكر هذه الكلمة يكون الغرض منه إنجاز العمل والفرقأن قوله في اليوم معناه أن تعمل في اليوم ولا يلزم أن يعمله جميعه في اليوم . وقوله على أن تفرغ منه اليوم يفيد أن ذكر اليوم ليس مقصودا كالعمل فيكون الغرض من التعاقد إنما هو العمل وأما كونه يفرغ منه اليوم فهو أمر ثانوي معناه اسعجال العمل على أن بعضهم يقول إن الإجارة لا تفسد بذلك مطلقا ولو قال اليوم بدون في أو على ويقع العقد على العمل ويكون الغرض من ذكر الوقت الحث على التعجيل
ويجوز أن يقول شخص لآخر إن خطت لي الثوب في هذا اليوم فتكون أجرته درهما وإن خطته غدا تكون أجرته نصف درهم . وإن سكنت هذه الدار حدادا فبعشرة وإن سكنتها عطارا فبخمسة . وهكذا في كل ما فيه ترديد الأجرة بالنسبة للزمان والمكان والمسافة
المالكية - قالوا : الأشياء المستأجرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم ممتنع فلا يصح استئجاره وقسم جائز وقسم مكروه
فالقسم الأول : وهو الممتنع فهو ما خالف شرطا من شروطها وقد تقدم بيان كثير منه وبقيت أمور : أولها كراء الشجر لأخذ ثمره لأن فيه استفياء عين وهو الثمر قصدا لا تبعا وهو بيع عين قبل وجودها وذلك باطل . أما الشاة لأخذ لبنها فقد مر بيانه في الكلام على المنفعة فارجع إليه وإذا استأجر دارا فيها نخلة أو كرمة فإن كان ثمرها قليلا واشترط المستأجر لأن تكون تابعة للدار في الإجلرة فإنه يغتفر تأجيرها وأخذ ثمرتها بشرط أن لا يزيد ثمن الثمر عن ثلث الأجرة . وذلك بأن تقوم الدار بغير الثمر فإن كانت عشرة وقيمة الثمر بعد إسقاط ما أنفق على الشجر من سقي ونحوه فإنه يصح في هذه الحالة أخذ الثمن لأن الخمسة إذا أضيفت إلى الأجرة وهي عشرة كان المجموع خمسة عشرة والخمسة ثلثها فيصح أخذه حينئذ أما إذا كانت قيمة أكثر من خمسة فإنه لا يصح لأن القاعدة من مذهب مالك أن كل شيء يمكن قليله من كثيره فثلثه والقليل يتسامح فيه ويستثنى من هذه القاعدة أمور ثلاثة :
[ 1 ] الآفات التي تصيب الثمرة المبيعة فغن ثلثها ليس من القليل
[ 2 ] مساواة المرأة للرجل في دية الجراحة
[ 3 ] ما تحمله العاقلة من الدبة
ثانيها : الإجازة على التعليم الغناء فإنها لا تصح والغناء بالمد التطريب بالأهوية المعروفة في علم الموسيقى وقد عرفت في مباحث الوليمة أن المالكية لا يبحون سماع شيء من الغناء إلا إذا كان على وزان :
أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحيكم
إلى أخره
وكل ما لا يباح لا يصح تأجيره أما غيره فلهم فيه تفصيل فما كان منه مباحا فإنه يصح الأجرة على تعليمه عندهم . ومن ذلك أجرة آلات الطرب كالعود والمزمار فإن استعمالها وسماعها حرام فكذلك ثمنها وإجارتها
ثالثهما : إجارة النائحة ( المعددة )
فإنه حرام بلا خلاف
رابعهما : إجارة الدجالين الذين يزعمون أنهم يخبرون عن المسروق ويردون الضائع فإنها لا تحل ومثله الاستئجار على حل المربوط ( العاجز عن إتيان امرأته )
فغن اسئجاره لا يحل وقيل يحل إن تكرر نفعه
خامسها : استئجار الحائض لكنس المسجد فإنه لا يحل
سادسها : إجارة الدكان ليباع فيه الخمر والحشيش ونحوه مما يفسد العقل أو يضر بالبدن فإنها لا تصح وكذلك إجارة المنازل لتتخذ بيوتا للدعارة أو محلا للفسق أو نحو ذلك . وكما لا تصح إجارتها كذلك لا يصح بيعها على ثمنها المعتاد إن باعها بثمن زائد عنه
سابعها : الإجارة على طاعة مطلوبة من الأجير ( طلب عين لا طلب كفاية )
إذا كانت لا تقبل النيابة كالصلاة والصيام سواء كان طلبها على سبيل الوجوب أو على الندب . فلا يصح الاستئجار على صلاة ركعتي الفجر والوتر
أما ما يقبل النيابة كالحج وقراءة القرآن وأذكار والتهليل ونحوها ففيها خلاف مبنى على وصول ثوابها للميت . فبعضهم يقول : إنها تصل فالإجارة عليها صحيحة وبعضهم يقول : إنها لا تصل فالإجارة عليها لا تصح والمنقول عن الإمام مالك أنها لا تصل وأن الإجارة عليها لا تصح ولكن الظاهر من قول أصحابه الميل إلى الميل إلى أنها تصل عملا بحديث رواه النسائي : " من دخل مقبرة وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة وأهدى ثوابها لهم كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها " فلو لم يكن ثواب القرآن ينفع الميت ويصل إليه لما حث النبي صلى الله عليه و سلم قل هو الله أحد للأموات
أما الأعمال المطلوبة من المكلف على سبيل الكفاية كتكفين الميت وتغسيله ودفنه فيجوز الإجارة عليها بلا خلاف فما يأخذه ( الحانوتية )
على تغسيل الموتى وحملهم ودفنهم من الأجرة ( جائز )
ثامنها : تأجير العامل الذي يجني الزيتون أو النبق ونحوهما أو يعصره زيتا بجزء مما يخرج منه فلو قال له انقض لي هذه الشجرة يختلف في ذلك فمنه ما يسقط من ثمره بالهز كثيره ومنه ما يسقط قليل فيكون القدر الذي ينزل منه مجهول
وكذا إذا قال له اعصر هذا الزيتون أو الرقطم ولك جزء مما يخرج منه فإنه لا يصح لأن القدر الذي يخرج من الزيت مجهول وصفة الزيت الخارج بالعصر مجهولة إذ يمكن أن يكون جيدا وأن يكون رديئا ثخينا أو رقيقا نقيا أو مشوبا ينقصه
وبعضهم يقول إذا قال له انفض الثمر الذي على هذا الشجر كله ولك سدسه مثلا فإنه يجوز فإذا وقع شئ من هذا فإن للعامل أجر مثله وجميع الثمر أو الزيت لصاحبه فإن اقنسما كان ما يأخذه العامل حراما أما ما يأخذه رب العمل فهو حلالا لأنه كله ملكه
ومثل ذلك ما إذا قال له أدريس ( هذا الجرن )
ولك ثمن ما يخرج من الحب فإنه إجارة فاسدة للجهل بقدر ما يخرج من الحب . أما إذا قال له احصد هذا الغيط ولك سبعه أو ثمنه فإنه يصح لأن الزرع ظاهر مرئي فيمكنه معرفة القدر الذي بخرج منه
ثامنها : تأجير أرض صابحة للزراعة ليزرعها با الطهام فإنه لا يصح فإذا اسنأجر فدانا ليزرعه بخمسه ( أرادب )
من القمح أو الذرة أو الشعير أو نحو ذلك مما تنبته الأرض كالعدس والفول وجميع أنواع الطعام فإنه لا يصح أنه يمكنه أن يزرع الأرض من هذا النوع الذى أستأجر به فتؤل المسألة ألى بيع الطعاملأجل منع التفاضل والغرر لأنه يحتمل أن يخرج له من الزرع قدر الأجرة أو أقل أو أكثر وكذلك لا يجوز تأجيرها بالطعام الذى لا تنبته كالعسل والجبن واللبن والشاة المذبوحة والشاة التى بها لبن . أما الشاة الحية التى لا لبن بها يجرز أنها ليست بطعام في هذه الحالة ولا يتولد منها طعام كذلك لاتصح بالسمك وطير الماء زعلة ذلك أنه ربما يزرعها طعاما كا القمح والذرة ونحو ذلك فيكون فيه بيع بطعام مخالف له وهو ممنوع
كذلك لا يجوز تأجيرها بما ينبت منها من غير الطعام كالقطن والكتان والعصفر والزعفران ونحو ذلك لأنه قد يزرع فيها ذلك النوع الذي أجره بها فيكون فيه بيع الزرع بمثله لأجل فإذا وفع فيه شيء من ذلك كان فاسدا وله كراؤها بالنقود
ويجوز كراء الأرض بالشجر الذي يمكث فيها زمنا طويلا واختلف في جواز كرائها بما ينبت وحده لا بما ينبته الناس كالحلف والحشيش والصحيح لأنه يجوز
وأما كراء الأرض لأجل بناء عليها دكان عليها جرن فيها جائز وكذلك كراء الدور والدكاكين بالطعام فإنه جائز بلا نزاع لانتفاع الشبه التي تقدمت
تاسعها : يمنع استئجار صانع على عمل بحيث لو لأتمه في يوم يكون له عشرة وإن لأتمه يومبن يكون له ثمانية لأنه في هذه الحالة يكون قد أجر العامل نفسه بما لا يعرف
فإذا استأجر خياطا على هذه الحالة وخاط له الثوب فله أجر مثله خاطه في يوم أو يومين فإن اتفق معه على أجرة معينة ثن قال له بعد ذلك عجل وأزيدك كذا فإن كان على يقين من أنه يستطيع الفراغ منه في الموعد الذي حدده فإنه يجوز أما إن كان لا يدري فيكون مكروها
عاشرها : أن يقول لآخر اعمل على دانتي كأن تحتطب عليها أو تحمل عليها الناس تحمل عليها الحبوب أو نحو ذلك أو يقول له اعمل على دابتي ولم يصرح بشيء مما يحمل عليها ولك نصف ما يتحصل من ثمن ما تحتطبه عليه وتبيعه أة نصف ما تكريها به . وتشتمل هذه الصورة على أربعة أوجه : الأول أن يقول اعمل على دابتي فيعمل بنفسه
الثاني : أن بقول اعمل عليها فيؤجرها لغيره ليعمل عليها
الثالث : أن يقول له خذ دابتي فاكرها فيأخذها ويعمل عليها بنفسه
الرابع أن يقول له خذها فاكرها فيأخذها ويكريها لغيره . والإجلرة في جميع هذه الأوجه فاسدة . فإذا وقع ذلك فحكم الأوجه الثلاثة الأول للعامل جميع ما يتحصل وعليه أجرة المثل لمالكها لأنه في هذه الأوجه يكون قد استأجر الدابة إجارة فاسدة فإذا لم يجد عملا يعمله عليها فبعضهم يقول تلزمه أجرتها مطلقا وبعضهم يقول لا تلزمه الأجرة إذ عاقه عن العمل عائق معروف
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 3 )
: - في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب [ 1 ] وحكم الوجه الرابع وهو أن يقول له خذها فاكرها فيكريها أن كل ما يتحصل من الكراء للمالك ويكون له أجر المثل فيما عمله فإذا تعاقد مع شخص ليحمله من بلد إلى آخر ومشى خلفه كان له أجر المثل على التعاقد وعلى المشي الذي مشاه وما يتحصل من الأجر للمالك لأن العامل في هذه الحالة يكون قد أجر نفسه إجارة فاسدة . هذا كله بعد الشروع في العمل أما قبله فتعين فسخ العقد وإنما فسدت الإجارة في هذه الأوجه للجهالة بقدر الأجرة
أما إذا قال له خذ دابتي الذي واحتطب عليها ولك نصف الذي تجيء به فإنه يصح بشرطين : الأول : أن يكون القدر الذي يجيء به من الخطب معروفا في العرف كأن تجري العادة بأن هذه الدابة تنقل قنطارين في اليوم أو يسترطا ذلك كأن يقولا نقسم كل قنطارين مما تنقله
الثاني : أن لا يحجر المالك على العامل كأن يقول لا تأخذ نصيبك إلا بعد أن يجتمع الحطب في مكان كذا فيصح بهذين الشرطين لانتفاع جهالة هنا محققة فإنه لا يدري بكم يبيع الحطب الذي يجيء به فالثمن مجهول تماما
وهل السفينة والحمام والربع ونحو ذلك من الأشياء الثانية مثل الدابة في ذلك ؟ والجواب أن بعضهم يقول إنها مثلها فإذا قال العمل في سفينتي أو في حمامي أو في داري أو لنا ولك نصف ما يتحصل من ريعها فإن ما يتحصل يكون لمالكها وللعامل أجر مثله
وبعضهم يقول إن السفينة والدار والحمام ونحو ذلك من الأعيان الثابتة التي لا يتولى العامل مؤنتها يكون لمالكها وللعامل أجرة مثله سواء قال اعمل عليها أو اكرها وسواء عمل عليها بنفسه أو أجرها لغيره . والثاني أصح
الحادي عشر : أن يبيع شخص لآخر نصف سلعة معين على أن يبيع المشتري النصف الثاني فلا يصح أن يقول شخص لآخر بعتك نصف داري هذه بمائة على أن تتولى بيع نصفها الثاني وإنما تمتنع هذه الصورة إن لم يعين محل البيع أو عين بلدا تبعد عن البلد الذي فيها العقد أكثر من ثلاثة أيام
أما إذا قال له أن تبيع لي النصف الثاني في هذه البلدة التي حصل العقد أو في بلد قريب منها فإنه يصح وذلك لأنه في الحال الأولى يكون قد اشترى معينا وهو نصف الدار ولم يتمكن من قبضة إلا بعد بيع النصف الثاني في بلد يبعد عن محل العقد أكثر أيام وذلك ممنوع
أما في الحالة الثانية وهي إذا كان محل البيع في البلد أو في بلد يصح تأجير القبض إليها بأن كانت مسافتها ثلاثة أيام فأقل فإنه يصح ولكن يشترط في هذه الحالة أن يجعل العاقدان للبيع أجلا معلوما بأن يقول على أن تبيع لي النصف الثاني بعد شهر مثلا حتى في المسألة بيع وإجارة أما البيع فلأنه قد باع نصف الدار بثمن معلوم
وأما الإجارة فلأنه قد اجره على أن يبيع له الثاني في وقت كذا وذلك جائز لأنه يصح أن يجتمع البيع والإجارة في عقد واحد
أما إذا لم يؤجلا فيجتمع في المسألة بيع وجعالة فكأن قال بعتك النصف بمائة على أن يكون هذا البيع جعلا لبيع النصف الثاني وهو ممتنع وذلك لأنك التأجيل بعين الإجارة إذ الجعالة يفسدها التأجيل
وإذا باع شيئا مكيلا أو موزونا أو معدودا كأن أعطاه عشرين إردبا من القمح وباع له إردبين منها بجنيه وسمسرة على بيع باقيها في خمسة أيام فيكون له نصف أجرة السمسرة فيرد نصف الإردب الذي جعل في مقابل السمسرة ويحتمل أن يبيعها في آخر يوم من العشرة أو بعد العشرة فلا يريد شيئا فقد ترددت أجرة السمسرة وهي الإردب بين كون بعضه إجارة وبعضه سلفا يرده غير جائز وإذا اشترط المشتري إنه باع النصف الثاني لا يرد شيئا من الأجرة فإنه يصح . فتحصل من ذلك أنه لا يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بثمن معين وأجرة سمسرة على بيع النصف الثاني إلا بثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يعين محل البيع بأن يكون في بلد لا تبعد عنه أكثر من ثلاثة أيام
الثاني : أن يجعل لبيع النصف الثاني أجلا
الثالث : أن يكون المبيع مثليا لا يعرف فإذا تحققت هذه الشروط صح لأنه يكون بيع وأجرة وهو جائز وإلا فلا
وأما القسم الثاني وهو الجائز فهو أمور : منها الأجرة على الإملمة مع الأذان فإنها جائزة بخلاف الأجرة على الصلاة وحدها فإنها لا تجوز كما تقدم
ومنها : الأجرة على تعليم القرآن والعلم والصنعة ونحو ذلك فإنها تجوز بشرط أن يعرف المعلم الشخص الذي يريد أن يتعلم
ومنها إجارة المراضع : فيصح أن يستأجر شخص مرضعة لابنه وتسمى ( ظئرا )
بشرط أن يعين الولد الذي يريد إرضاعه فإن كان غائبا فينبغي أن يذكر سنة . أما إذا كان حاضرا فينبغي رؤيته وإن جربته المرضع لترى قوة رضاعه يكون حسنا
وإذا استؤجرت المرضع بإذن زوجها فإنه يمنع من وطئها سواء أضر بالصغير أو لم يضر
وبعضهم يقول : إنه لا يمنع من وطئها إلا إذا أضر بالصغير فإن وطئها على القول الأول يكون لأب الصغير فسخ الإجارة
وكذلك يمنع الزوج من السفر من بلد أهل الرضيع وإذا سافر الأبوان من بلد الظئر لزمهما دفع الأجرة كالملة وإلا تركا الصبي لترضعه في محل العقد
أما إذا أجرت نفسها بغير إذن زوجها فله كل ذلك ويفسخ الإجارة
وليس للمرضعة أن ترضع ولدا آخر بعد التعاقد على إرضاع معين ولو لم يضر بالأول فإن فعلت فسخت الإجارة . وليس عليها أن تحضن الصغير لأن الإرضاع لا يستلزم الحضانة وبالعكس وإذا استأجرها لإرضاع صغيرين فمات أحدهما فسخت الإجارة وكذلك تفسخ الإجارة بسبب ظهور حمل المرضع بأن كانت حاملا وقت العقد ولكن لم يظهر حملها ثم ظهر في أثنائه . وهل تفسخ إن خيف الضرر على الرضيع أو تفسخ مطلقا ؟ خلاف فبعضهم يقول : مجرد ظهور الحمل كاف في جواز الفسخ وبعضهم يقزل : لا بل يفسخ إن خيف وهل يجب على أهل الصغير الفسخ إن خيف الضرر أولا يجب ؟ إذا خافوا عليه الموت يجب عليهم الفسخ وإلا فلا يجب وكذلك تفسخ إجارة المرضع إن مرضت مرضا لا تقدر على إرضاع الصغير وإذا فسخت الإجارة فللمرضع حساب ما أرضعت
وإذا كان أب الصغير قد أعطاها الأجرة مقدما فأكلتها فلا تطالب بدفعها . وإذا فسخت الإجارة فلا تلزم المرضع أن تحضر غيرها محلها في إرضاع الصغير
ومنها : أنه يجوز للمالك أن يستأجر العين الذي أجرها من المستأجر فإذا استأجر محمد دارا من خالد فإنه يصح لخالد أن يستأجر تلك الدار من محمد بنفس القيمة التي أجر بها أو أكثر أو أقل بجنسها أو بغير جنسها فإذا استأجرها فإذا بجنيه ذهب فله أن يؤجر لمالكها بجنيه كذلك أو بجنيه ونصف كما أن له أن يؤجرها له بإردب من القمح أو بثوب من القماش وهكذا وإنما الممنوع ما يوجب التهمة
وذلك كما أجر له داره بجنيهين شهريا وأجل له الأجرة فلا يستلمها إلا بعد سنة ثم استأجرها منه بجنيه واحد على أن يدفع له الأجرة فورا فإن في هذا شبهة وهو أنه فعل ذلك لبقرضه بفائدة ومثل ذلك ناظر الوقف فإنه لا يجوز له أن يستأجر ما أجره لغيره لأن فيه تهمة أنه فعل ذلك ليستولي على العين وينتفع بها فأجرها بأجرة زهيدة للغير ليأخذها منه بذلك
ومها : لأنه يجوز أن يستأجر دابة أو دارا إلى مدة معينة بأجرة معلومة بشرط أنه إن استغنى عنها أثناء هذه المدة سلمها لصاحبها وحاسبه لقدر المدة التي استعملها فيها إن كانت دارا أو المسافة التي قطعتها بها إن كانت دابة
هذا وإن كانت المنفعة التي باعها المالك مجهولة فيه لعدم بيان المدة إلا أن الجهالة فيها يسيرة فإن المعتاد أن الذي يستأجر شيئا من ذلك إنما يعمل حسابه فلا يستغني عنه غالبا وإن استغنى عنه فإنما يستغني عنه في أخريات المدة فيتغفر تسهيلا للتعامل . ولكن يشترط أن لا يدفع المستأجر للمالك الأجرة لأنه إن دفعها له يحتمل أن يرجع بعضها إن لم يستوف المدة ويحتمل أن لا يرجع إن استوفاها . فيكون تارة أجرة وتارة سلفا وهو ممنوع
ومنها : أنه يجوز للمالك أن يؤجر الشيء الذي استأجره مدة تلي مدة الإجارة فإذا أجره داره سنة ولم تنته جاز له أن يؤجرها مدة أخرى تبتدئ بعد نهاية السنة لا فرق في ذلك بين أن يؤجرها للمستأجر الأول أو لغيره
ومنها : أنه يجوز للمالك أن يبيع أرضا على أن تبقى نتفعتها أو أكثر أو أقل ويسلمها للمشتري بعد نهاية تلك المدة . فللمشتري في هذه الحالة أن يؤجرها قبل أن يستلمها على أن تبتدي مدة الإجارة عند نهاية مدة المنفعة التي اشترطها البائع . ولكن يشترط لجواز تأجيرها أن يغلب على تأجيرها وما لا يصح تأجيره فلا يصح دفع أجرته مقدما طبعا
أما ما يغلب الظن بقاؤه فإنه يصح دفع الأجرة مقدما وإذا احتمل الأمران على السواء فقيل يجوز العقد لا النقد وقيل لا يجوز
وللبائع أن يشترط الانتفاع بسلعته التي باعها عام فأقل إذا كانت دارا ونحوها والانتفاع بها مدة طويلة واو سنين إذا كانت أرضا أما إذا كانت حيوانا فإنه لا يصح أن يشترط الانتفاع به أكثر من ثلاثة أيام
ومنها : أنه يجوز أن يستأجر شخص أرضا على أن يبنيها مسجدا مدة السنين فإذا انقضت المدة ردم البناء وأخذ الثاني انقاضه وتعود الأرض ملكا لصاحبها ولا يجبر أحدهما على بقاء ما يخصه . ومنها : أنه يجوز الاستئجار على طرح ميتة ونحوها من النجاسات كالمواد البرازية وإن كان فيه مباشرة للنجاسة
ومنها : أنه يجوز إجارة المبنية بناء جديدة وأرض مأمونة الري مدة طويلة إلى ثلاثين سنة . وأما الدار القديمة فإنه يصح تأجيرها مدة يظن معها بقاؤها سليمة
وأما الأرض التي ريها غير مؤمون فإنه يجوز العقد دون دفع الأجرة كما تقدم هذا في الملك وأما في الوقف فإنه لا يصح تأجيره في الدور ونحوها أكثر من سنة سواء كانت موقوفة على معين كفلان وأولاده أو لا كالفقراء . وأما الأرض فإنه لا يصح تأجيرها أكثر من ثلاث سنين سواء كان المؤجر الناظر الأجنبي أو المستحق إن كانت على معين
أما إذا كانت موقوفة على غير معين كالفقراء فإنه يصح تأجيرها إلى أربعة سنين دون زيادة . فإن كان المستأجر ممن يؤول الوقف يصح أن يؤجرها له زما طويلا كعشر سنين ونحوهما لأن الوقف يرجع إليه
وإذا وجدت ضرورة تقتضي مد زمن الإجارة أكثر من المدة التي تقدمت كما إذا تهدم الوقف . وليس له ريع يبنى منه فإنه يصح للناظر أن يؤجر ليبني بها ولو طال الزمن كأربعين عاما
ومنها : أنه يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بمائة مع أنها تساوي مائة وخمسين على أن أن يتجر المشتري في ثمنها فيكون الثمن محموع أمرين : المائة والاتجار ففيه إجارة وبيع إنما يشترط بصحة ذلك شروط :
أحدهما : أن يكون الثمن معلوما
ثانيهما : أن يحضر المشتري الثمن ويشهد عليه لينتقل من دين في ذمته إلى أمانة عنده وإلا كان سلفا جر نفعا يتهم بتأخيره ليزيده بربح التجارة
ثالثها : أن تكون المدة التي يريد له فيها معلومة كسنة مثلا
رابعها : أن يعين النوع الذي يتجر فيه لأن التجارة تتفاوت بتفاوت السلع في الصعوبة والسهولة خامسها : أن يكون ذلك النوع موجودا في زمن الأجل
سادسها : أن يكون العامل مديرا يتصرف في السلع بأن يشتري ويبيع ولا يكون محتكرا بمعنى أنه يجمع السلع ولا يبيعها إلا إذا ارتفعت أثمانها لأن ذلك يؤدي إلى البيع في زمن مجهول فيدخل الجهل في الثمن لأن الثمن مجموع الأمرين كما عرفت : المائة والعمل
سابعها : أن لا يتجر له في الربح لأن الربح مجهول
ثامنها : أنه يلزم أن يشترط المشتري الذي يريد أن يتجر في الثمن على البائع أن الثمن إذا تلف منه شيء يدفع البائع غيره حتى لا يكون له وجه في ادعاء أن المشتري لم يتجر في كل الثمن بل اتجر في بعضه فلم يستلم الثمن كاملا في هذه الحالة فإذا اشترط ذلك وتلف بعض الثمن ولم ينشأ البائع تكتمله بل رضي أن يتجر له المشتري في الباقي فإنه يصح ولا يلزم بالتكلمة لأن الغرض من الشرط دفع النزاع من البائع ومتى رضي فقد انتهى الأشكال
ومنها : أنه يجوز استئجار طريق في دار أو غيرها للمرور فيها . ومنها : أنه يجوز استئجار مجراة تصب فيها مياه المرحاض
وكذلك استئجار مجراة يصب فيها الماء الذي يسقي الزرع أما شراء نفس الماء فإنه لا يجوز سواء كانت مدة شرائه قليلة أو طويلة على المعتمد
ومنها : أنه يجوز إجارة المنقولات كالأواني والدلاء والفؤوس
وأما القسم الثالث : وهو المكروه فأمور منها : إجارة الحلي فإنها مكروهة سواء كان ذهبا أو فضة وعلة الكراهة أن الله تعالى لم يجعل له زكاته في إعارته فيكره أن يأخذ عليه أجرا
ومن ذلك تعلم أن الذي تكره إجارته هو الحلي المباح الاستعمال أما المحرم فإن الزكاة واجبة فيه فتمنع إجارته فإذا استأجر رجل حليا فإن الإجارة لا تصح وبعضهم يرى كراهة إجارته سواء كان استعماله حلالا أو ممنوعا
ومنها : أنه يكره لمن استأجر دابة ليركبها أن يؤجرها لمثله في الخفة والإهانة ولا ضمان عليه إن ضاعت بلا تفريط أو ماتت أما أجرها ليحمل عليها شيئا فإنه لا يجوز له أن يؤجرها لغيره عليها مثل ذلك
ويجوز كراء الدابة بعلقها أو طعام صاحبها أو بهما معا سواء انضم لذلك نقد أو لا ليركبها أو ليطحن بها زمنا نحو شهر إذا كانت مسافة الركوب أو قدر الطحن معروفين في العادة بأن كان الركوب في البلد وما قاربها الطحن للقمح ونحوه لا الحبوب الصبغة كالترمس
ومنها : الأجرة على تعليم الفقه والفرائض فإنها الغرض نشر العلم الديني وأخذ الأجرة عليه ومكروه في الجملة فلذا كانت مكروهة
ومنها : استئجار من يقرأ القرآن بتطريب ونغم لا يخرجانه عن وضعه فإن استئجار مكروه والمراد من يقطع صوته بالأنغام لا من يجود القرآن
بالصوت الحسن أما ما يخرج بالقراءة عن وضعها فإنه يحرم استئجاره وحرم قراءة القرآن بالشاذ وهو ما زاد على العشرة على الرلجح وبعضهم يقول ما زاد على السبعة
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 4 )
: - في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب [ 1 ] ومنها : أنه يكره للمسلم أن يكري نفسه أو ولده لكافر إلا إذا لم يكن مختصا به كالخياط الذي يخيط للمسلم والكافر فإنه لا يكره . هذا ولا يحل للمسلم أن يضع نفسه تحت يد الكافر في الخدمة كخدم البيوت والمراضع فإنهم لا يحل لهم وإن فعلوا تفسخ الإجلرة ويكون لهم أجر المثل
الشافعية - قالوا : الأمور التي يصح استئجارها والتي لا يصح تقدم معظمها في الشروط وبقيت أمور :
منها : أنه لا تصح الإجارة على الطاعات التي تجب لها كالصلاة فرضا كانت أو نفلا إلا أنه يصح الإجارة على الإمامة على أن يكون الأجر في مقابل إتعاب مفسه بالحضور إلى كوضع معين والقيام بها في وقت معين لا على أداء الصلاة
ومثل ذلك ما يتعلق بالصلاة كالخطبة فإنه لا تصح الإجارة على نفس أدائها وإن كانت تصح على القيود الخاصة التي يتقيد بها الخطيب من الحضور إلى المكان ونحوه وتصح الإجارة على الحج كما تقدم في بابه
ومنها : أنه لا تصح الإجارة على التدريس إلا إذا عين المسائل التي يريد دراستها وكذا لا تصح الإجارة على زيارة القبور ولو قبر النبي صلى الله عليه و سلم للدعاء عنده
ومنها : أنه تصح الإجارة على قراءة القرآن لحي أو ميت ويحصل له الثواب سواء قرأ بحضرته أو أهدى له ثواب القراءة كأن يقول : اللهم اجعل ثواب هذا لفلان وهل يحصل ثواب القراءة للقارئ أيضا أو لا ؟ خلاف : فبعضهم يقول : إنه يثاب يقول : إن كل عبادة كان الحامل عليها أمرا دنيويا لا ثواب فيها للفاعل
ومنها : أنه تصح الإجارة على كل مسنون كالأذان والإقامة . وعلى ذكر الله تعالى كالتهاليل ( العتاقة )
إذا كان فيها كلفة يستحق عليها الأجر ولا يصح الإجارة على أن يرفع صوته بها
ومنها : أنه تصح الإجارة على تعليم القرآن على المعتمد ويقدر تعليم القرآن بالزمن وبتعيين محل العمل مثال ذلك اسئجار الدواب مثلا فإنه يمكن ضبط منافعها بيان محل عملها فأما عملها فهو سيرها أو ركوبها وأما محله فهو المسافة التي يقع فيها ذلك السير والركوب فلك أن تقدر المنفعة بمحل العمل وهو الركوب والسير كأن يستأجرها لتركبها إلى بلد سواء عملت يوما أو أقل أوأكثر ولك أن تقدر المنفعة كأن تستأجرها يوما فأكثر
ومن ذلك ما يفعله الناس في زماننا من تأجير السيارات ( الأتومبيلات )
بالمسافة أو الساعة فإنه جائز في كل من الحالين
أما إذا كان لا يمكن ضبط المنفعة بتعيين محل العمل فإنه يجب تقديرها بالزمن فقط كتعليم القرآن فإن عمل المعلم لا يمكن تقدير المسافاة التي يقع فيها فيقدر بالزمن خاصة كأن يستأجيره لعمله شهرا بكذا أو ليعمله سورة خاصة بكذا أما تعيين المنفعة ببيان محل العمل والزمن معا فإنه لا يصح كما إذا قال له : خط لي هذا الثوب في هذا النهار فإن عمل الخياط غرز الإبرة ومحله نفس الخياطة الحاصلة وهي التي تقدر عليها الأجرة فلا يصح حينئذ تقديره بالزمان لأن الزمان قد لا يفي بالعمل فيوجد النزاع
نعم إن كان الغرض من ذكر الزمن الإسراع فإنه يصح . واعلم أن الاستئجار لمجرد الخياطة باطل لأنها عمل مستقل على قطع لبثياب . أما الاستئجار على الخياطة وقطع القماش وقطع ( التفصيل )
فإنها صحيحة
ومنها : أنها تصح الإجارة لإرضاع الصبي ةتقدر بالزمان كأن يستأجرها لترضع ولده مدة كذا بكذا من النقد أو غيره ويشترط تعيين الطفل الذي يريد إرضاعه بالرؤية أو الوصف على المعتمد كما يشترط تعيين مكان الإرضاع سواء كان بيت المستأجر أو المرضعة
ويصح استئجار المسلمة والكافرة والحرة والأمة كما يصح أن تباشر التعاقد بنفسها أو بواسطة زوجها وعليها أن تعمل ما يزيد في اللبن وأن تمتنع عن كل ما يضر بالصبي فإن كان يضره أن يطأها زوجها فإنها تمنع منه وإلا فلا . فإذا لم تفعل وتغيلا لبنها أو قل ثبت الخيار للمستأجر فإن شاء فسخ العقد وإن شاء أقره
ومنها : أنه يصح إجارة العين مدة تبقى فيها غالبا فيؤجر الدار ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين بحسب حاله وللمستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه وله أن يتنازل عنها لغيره فإذا استأجر دارا فله أن يؤجرها لغيره بشرط أن يكون مثله في الاستعمال فلا يصح له أن يسكن حدادا أو نجارا إذا لم يكن هو كذلك لما في إسكانها من الضرر ما لم يشترط أن يسكن من يشاء . وإذا اشترط المالك أنه لا يجوز للمستأجر إسكان غيره فسد العقد
وأما المحل المستأجر فإن كان معينا فإنه لا يصح اسبداله بغيره فإذا استأجر هذه الدار ليسكنها فإنه لا يجوز للمالك أن يسكنه دارا غيرها فإذا شرط استبدالها في العقد فإنه يصح
هذا واعلم أن كل شيء يمكن الانتفاع به شرعا مع بقاء عينه مدة الإجارة فإنه يصح تأجيرها فلا تصح إجارة الملاهي كالزمارة والدربكة أما بقية الطبول فيصح استئجارها
الحنابلة - قالوا : تنقسم الأشياء التي يمكن عليها عقد إجارة إلى ثلاثة أقسام :
مالا يصح لمخالطة شرط من الشروط المتقدمة وما يصح بدون كراهية وما يصح بكراهية القسم الأول : ما يصح بلا كراهة وهو أمور :
منها : أنه استئجار المرضعة بإذن زوجها وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغ ويصح إجارة الوالدة لإرضاع ولدها بأجرة معلومة ولو بطعامها وكسوتها وإن لم يعين الطعام والكسوة وإذا استؤجرت للرضاع فلا تلزمها الحضانة إلا إذا نص عليها . وبشرط لصحة الإجارة للرضاع شروط :
الأول : رؤية الطفل المرتضع ولا يكفي وصفه لأن الرضاع يختلف باختلاف كبره وصغره ونهمته وقناعته
الثاني : معرفة مدة الرضاع لأنه لا يمكن تقدير الرضاع إلا بالزمن فإن العمل وهو السقي لا يمكن تعيينه
الثالث : معروفة مكان الرضاع هل عند المرضعة أو في منزل المستأجر لأنه يختلف سهولة وصعوبة
ويجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما بدر لبنها ويصلح لبنها ويصلح به وللمستأجر أن يطالبها بذلك كما يجب عليها أن تجتنب كل ما يضر بالصبي
ويجوز للمسلمة أن ترضع الطفل الكتابي بالأجرة وهل لها أن ترضع المجوسي ( الوثني )
خلاف
ومنها : أنه يجوز استئجار الدابة بعلفها أو بأجر معين مع علفها بشرط صاحب الدابة ذلك مع بيان نوع العلف أو فول أو نحوهما وكقدح وهكذا . وبعضهم يقول يصح مطلقا من غير بيان ومنها : أنه يجوز استئجار الدابة ( المولودة )
فيجوز لها أن تأخذ الأجرة على ذلك . ولو من غير شرط
ومنها : أنه يجوز الإجارة على حصد الزرع بجزء مشاع منه كربعه وخمسه وهكذا كما تجوز الإجارة على جني النخل بجزء من ثمره أما نفض الزيتون ( هزه )
ببعض ما يتساقط منه فإنه لا يصح لجهل بالباقي وللعامل أجر مثله
أما جني الزيتون كله بجزءمشاع كسدسسه مثلا فإنه يصح
ومنها إجارة الوقف فإنها تصح لأن منافع الوقف مملوكة للوقوف عليه ثم إن كان المؤجر ناظرا بأصل الاستحقاق بمعنى أن الواقف لم يعين ناظرا بل وقف على شخص وعلى هذا يكون ذلك الشخص الموقوف عليه نظرا للوقف إذا لم يشترط ناظرا يكون المستحق هو للناظر فإن كان ذلك فإن الأجرة تبطل بموته
وإذا كان المستأجر قد دفع أجرة مقدما فإنه يأخذها من تركه المؤجر أما إذا كان المؤجر ناظرا بشرط الواقف فإن الإجارة لا تفسخ بموته ويشترط أن تكون مدة الإجارة معلومة في الوقف وفي الملك كما يشترط أيضا أن بغلب على الطن بقاء العين سليمة في مدة الإجارة وإن طالت حتى ولو كان المتعاقدان أو أحدهما مرمان يظن موتهما قبل انقضاء مدة الإجارة ولا فرق في ذلك بين الملك والوقف
ومنها : أنه يصح تأجير العين مضافة إلى الزمان المستقل فإذا أجرت أرضا في سنة أربع تبتدئ سنة خمس فإنه يصح سواء كانت العين مشغولة وقت العقد برهن أو إجارة أو لم تكن مشغولة ما دام يمكن تسليمها وقت الإجارة
وإذا كانت الأرض مشغولة ببناء أو بغرس شجر للغير ونحو ذلك مما لا يمكن إخلاء الأرض منه فإنه لا يصح تأجيرها إلا بإذن صاحب البناء أو الشجر فإن كانت مشغولة ببنات لا يدوم أو بمنقولات يمكن إخلاؤها منها كاجرن أو أثاث المنازل فإنه يصح تأجيرها مطلقا . هذا والمنافع التي لحدثها المستأجر على العين تكون مملوكة له
ومنها : أنه يص للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لغيره لأن المنفعة أصبحت مملوكة له فيجوز أن يستوفيها بنفسه أو بنائه بشرط أن يكون مثله أو أقل منه في استعمال تلك العين . فإذا استأجر منزلا ليسكن فيه فإنه لا يصح له أن يؤجره لحداد ( أو صباغ )
أو نحو ذلكويصح تأجير العين لمؤجرها بأجرة زائدة أو أقل أو مساوية
فإذا استأجر زيد من عمرو دارا فلزيد أن يؤجرها لعمرو صاحبها بهذه العشرة أو بأزيد منها أو بأقل . بشرط أن لا يكون الغرض التحابل على الربا كأن يؤجره منه بعشرة لأجل ثم ستأجرها منه بخمسة مقبوضة كبيع العينة المتقدم في كتاب البيوع فإن ذلك لا يصح هنا
ومنها : أنه يجوز أخذ الأجرة على الحمام كما تقدم في الشروط وما يأخذه الحمامي يكون أجرة السطل والمئزر والمكان ويدخل الماء تبعا لأنه لا يصح إجارة الماء استقلالا ويحرم على من يدخل الحمام أن يستعمل ماء أكثر من العادة ولا يلزم تعيين الأجرة فيه كغيره من المباحات المتعارفة كركوب السفينة وحلق الرأس ونحو ذلك فإنه لا يلزم فيه تعيين الأجر كما تقدم
ومنها : إجارة الحلي فإنها بأجرة من جنسه ومن غير جنسه
القسم الثاني : مالا تصح إجارته وهو ماخالف الشروط المتقدمة وبقيت أمور :
منها : أن يقول للخياط إن خطت الثوب فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصفه لأنه لا جزم بشيء فيوجد التنازع بخلاف ما إذا استأجر سيارة أو دابة على إن رده اليوم بخمسة وإن رده غدا فبعشرة فإن ذلك يجوز لأنه عين لكل زمن عرضا فلا جهالة فيه ولا نزاع
ومنها : أنه لا يجوز إجارة عين إلا بخمسة شروط :
الأولى : أن يقع التعاقد على نفع العين الذي يمكن اسيفاؤه دون إجزاء تلك العين فلا تصح إجارة الطعام للأكل لأن الانتفاع إنما هو باستهلاك أجزاء الطعام لا بشيء آخر ومثله إجارة الشمع ليوقده لأنه يستهلك نفس العين . وكذا إجارة حيوان يأخذ لبنه أو صوفه أو يره فإنه لا يصح لأن المنفعة لا تقع إلا باستهلاك نفس العين المتولدة من الحيوان وإنما صح تأجير المرضعة لأنها يحصل منها عمل كوضع الثدي في فم المرضع وإمساكه بين يديها واحتمال ما يترتب على إرضاعه من ألم في بعض الأحيان ونحو ذلك فهي مستأجرة لهه المنافع واللبن غير معقود عليه مستقلا وأيضا فإنه أجير لحاجة الناس إليه ضرورة وكذا لا يصح استئجار شجرة لأخذ تمرها ونحو ذلك
الشرط الثاني : معرفة العين المؤجرة بروؤية إن كانت لا تضبط بالصفات كالدار والحمام . فمن أراد أن يستأجر دارا فلا تصح إجارتها إلا بعد معلينتها ومثلها الحمام
أما إن كانت العين يمكن ضبطها بالصفات فإنه يصح تأجيرها بدون رؤية كالأراضي الزراعية فإنه يكتفي فيها بوصفها وذكر حدودها ونحو ذلك . وهل يصح إجارة الحمام مطلقا أو تصح مع الكراهة والجواب أن الكراهة فيه تنزيهية
الشرط الثالث : القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الحمل الشارد كما لا يصح بيعه ولا إجارة مشاع لغير شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه إلا أن يؤجر الشريكان معا أو يؤجر أحدهما بإذن الآخر
الشرط الرابع : اشتمالها على المنفعة المعقودة عليها فلا تصح إجارة عين لغرض من الأرغاض وهو غير موجود فيها فلا تصح إجارة الأخرس ليعلم العلم وذلك ظاهر
الشرط الخامس : كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها كالبيع
ومن الأشياء التي لا تصح إجارتها ذكور الحيوانات التي تستأجر لإحبال إناثها فلا يحل استئجار ثور ليحبل بقرة ولا حملا ليحبل ناقة وهكذا لأن المقصود من ذلك إنما هو منيه وهو محرم لا قيمة له فلا يصح الاستئجار عليه فإذا احتاج شخص إلى ذلك ولم يجد من يعطيه فإنه يصح له فإنه يصح له أن بدفع الأجرة ويكون الإثم على من أخذها ولكن لا بأس أن يدفع هدية بعد العمل بدون تعاقد ومنها لأنه لا تصح الإجارة على فعل قربة إلى الله تعالى كالحج والصلاة والآذان والإقامة وتعلين القرآن والفقه والحديث وإنما يصح الأخذ عليه على أنه جعالة لا أجرا كما يجوز أخذه بلا شرط على أنه يصح الوقف على الطاعات التي يتعدى نفعها للغير كالآذان وتعليم القرآن ونحوه والإمامة والقضاء والفتيا فيجوز لمن يقوم بهذه المصالح أن يأخذ الموقوف عليه من ذلك كما يجوز له أن يأخذ مرتبا عليها ( رزقا )
لا بعنوان كونه أجرا ولا يخرجه أخذ ذلك عن كونه قربة
ولا يصح أن يصلي أحد عن آخر فرضا ولا نافلة في حياته وبعد مماته وتصح الإجارة على تعليم الخط والحساب والشعر المباح وشبهة كما تصح الإجارة على خدمة المساجد
وأما القسم الثالث المكروه فهو إجارة الحجام فإنها وإن كانت صحيحة إلا أنه يكره الأكل من كسبه



مبحث ما يضمنه العامل إذا تلف وما لا يضمنه

- وإذا استأجر شخص عاملا من العمال ليخيط له ثوبا أو يصبغه أو يبيني له دارا أو يخبز لخ خبزا أو نحو ذلك فأفسد العامل الثوب أو حرق الخبز أو أخل البناء فهل يلومه الضمان ويدفع تعويض ما أفسده أو لا ذلك تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا العامل الأجير ينقسم إلى قسمين : مشترك وخاص . فالمشترك هو الذي لا يجب عليه أن يختص بواحد سواء عمل لغيره أو لا
ومثال الأول : الخياط الذي يقبل الثياب لخياطها من أشخاص كثيرين والنجار والحداد الذين يعملون في دكاكينهم
وثال الثاني : أن يعمل واحد من الصناع في منزل الآخر عملا غير مؤقت كما استأجر شخص نجارا ليعمل له شبابيك في داره بدون أن يجعل له أجرة يومية فإن النجار في هذه الحالة لا يجب عليه أن يختص به بل له عملا لغيره وإن لم يعمل ( ويسمى هذا العمل مقاولة )
وأما الخاص ( ويسمى أجير وحده - بسكون الحاء وفتحها - مأخوذة من الوحد بمعنى الوحيد )
فهو الذي يجب عليه أن لا يعمل لغيره من استأجره وذلك كالأجير اليومي الذي له أدرة يومية فإنه لا يصح أن يشغل وفته بشيء غير العمل المستأجرة فلو استأجر بجارا شهرا على أن يعمل شبابيك وأبواب لا يصح للنجار أن يقبل عملا آخر من غيره حلال هذا الشهر سواء شرط عليه أن لا يعمل لغيره أو لم يشترط ولكن الأولى أن ينص على ذلك في العقد فيقول لع اعمل لي خاصة ولا تعمل لغيري
وحكم الأجير المشترك أن فيما هلك في يده تفصيلا وذلك لأنه إما أن يهلك بفعله أو بفعل غيره فإن هلك بفعله فإنه يضمنه سواء كان معتديا أو لا فإذا أعطى شخص ثيابا لخياط كي يخيطها له فاستعملها الخياط لنفسه فاتلفها عمدا أو فصلها فأخطأها في تفصيلها فأفسدها فإنه يلزم بها اتفاقا ومثل ذلك ما إذا دق الثوب حال الصباغة فأتلفه فالصانع الذي يتلف المصنوع فيه عليه ضمانه لأنه مسؤول عن اتقان صنعته عذرا له
وإذا هلك بفعل غيره فإن كان يمكن العامل أن يتحرز عن الهلاك ثم قصر فإنه يضمنه كذلك كما إذا كان يمكنه أن يضع الثياب في صندوق فأهملها ووضعها في مكان غير مكان حصين فأصابها زيت فأفسدها أو عبث الصبيان أو سرقت . أما إذا لم يمكنه الاحتراز كما إذا وضعتها في مكان حصين ثم حرقت بالقضاء والقدر أو سرقت فإن ذلك خلافا . وبعضهم يقول : يضمن مطلقا سواء كان معروفا بالصلاح أو لا . وبعضهم يقول : لا يضمن مطلقا . وبعضهم يقول : إن كلن معروفا بالصلاح لا يضمن وإن اكن معروفا بضده ضمن فإن كان مستور الحال فعليه نصف القيمة صلحا . وبعضهم أفتى بالصلح على نصف القيمة لا فرق بين المعروف بالصلاح وغيره هذا ولا يضمن الآدمي فلو استأجر شخص دابة وركبها وأمر صاحبه تسوقها فسقط من عليها أثناء سيرها فأصابه كسر أو رضوض أو غيره فإنه لا شيء على صاحب الدابة وذلك لأنة الآدمي إنما يضمن بالجناية عليه ولا جناية هنا لأنه أذن صاحب الدابة ومثل ذلك ما إذا ركب ركب في سفينة فغرق
وكذا إذا مات من عمل الطبيب بشرط أن لا يتجاوز المرضع المعتاد وأن يكون قد احتاط لعمله كل الاحتياط المعروف عادة فإن ترك شيئا من ذلك فأتلف عضوا للمريض أو أماته بسبب ذلك فإن على الاحتياط المقصر الضمان فيلزمه أن يدفع دية العضو الذي أفسده كاملة إذا برئ المريض . ويدفع نصفها إذا هلك وسبب ذلك أنه في الحالة الأولى قد أفسد عضوا كاملا فعليه ديته كاملة وفي الحالة الثانية أتلف نفسا بسببين :
أحدهما : مأذون فيه وهو إجراء العملية للمريض
والثاني : غير مأذون فيه وهو تجاوز المحل المعتاد وعدم الحيطة فلهذا كان عليه النصف
أما حكم الأجير الخاص ( وهو ما أجره شخص واحد ليعمل له ولا يعمل لغيره )
فإنه لا يضمن هلك في يده بغير صنعته بلا خلاف إلا إذا تعمد الفساد
وأما ما هلك بعمله هو فإن كان مأذونا فيه ضمنه فإذا أمر النجار أن يعمل في هذا الشباك فتركه وعمل في باب فأفسده كان عليه ضمانه لأنه غير مأذون فيه وقد يكون الأجير الخاص مستأجرا لاثنين أو أكثر كما استأجر جماعة راعيا ليرعى لهم أغنامهم مدة شهر بحيث لا يعمل لغيرهم فإنه في هذه الحالة يكون أجيرا خاصا لا أجير ( وحده )
وهو في هذه الحالة يضمن ما فسد بعمله فإذا ساق الغنم فنطح بعضها بعضا أو وطئ كبيرها صغيرها فكسره أو قتله كان ضامنا
ومن هذا تعلم أن لاضمان على المرضعة إذا ضاع الولد من يدها أو سرق ما عليه من الحلي إذا كانت ترضعه في بيت أهله لأنها تكون في هذه الحالة أجير وحد . أما إذا أخذته في بيتها كانت ضامنة له مسؤولة عنه
ومثلها حارس السوق وحافظ ( العمارة )
فإنه يضمن ولكن يشترط في عدم ضمانه أن لا يكون مفرطا فإذا كسر القفل وهو نائم أو ترك الباب مفتوحا ونام بعيدا منه كان مفرطا عليه ضمان ما فقد بخلاف ما إذا تسلق اللص الجدار أو نقبه أو نحو ذلك فإن الحارس لا يكون ضامنا في هذه الحالة وإذا بنى المستأجر ( كانونا أو فرنا )
في الدار المستأجرة بسببها الجيران
أو المنزل فإنه لا ضمان عليه إلا إذا ثبت أنه تجاوز الحد في إشغال النار أو قد نارا لا يوقد مثلها عادة
وإذا انقلبت شاة من راعي الغنم وخاف أنه إذا تبعها يضيع الباقي فإنه لا يتبعها ولا ضمان عليه في ضياعها
وها هنا أمور :
أحدهما : إذا تلف المؤجر والمستأجر كان القول لمن يشهد له الظاهر فلو باع شجرا به ثمر واختلفا في الثمر فالقول قول من يده الثمر مع يمينه
ومثل ذلك ما إذا استأجر خادما شهرا ثم ادعى أنه مرض مدة في أثنائه فلم يؤد الخدمة المطلوبة منه فإنه إذا وجدت أمارات تدل على ذلك فيصدق وإلا فلا
ثانيهما : إذا استأجر أرضا للزراعة فغرقت قبل أن يزرعها أو لم يصبها الماء فلا أجر عليه أما إذا زرعها فأصابت الزرع آفة فأهلكته فقيل يجب عليه الأجر وقيل لا والمعتمد أنه إذا لم يتمكن من زرعها مرة أخرى في مدته ولو كانت من نوع أقل فإنه يجب عليه الأجر وإلا فإنه يرفع عنه الأجر من وقت ما أضيب الزرع ويدفع المدة التي قبله
ثالثهما : عمل الأجير يضاف إلى أستاذه فإذا تلف صبي النجار شيئا كان المسؤول عنه النجار إلا إذا تعمد الأجير إفساده فإنه يكون مسؤولا عنه هو
المالكية - قالوا : الأصل فيمن استولى على شيء بإجارة أو كراء أن يكون أمينا ولا ضمان على الأمين فيما يتلف أو يضيع منه بشرط أن لا يتعدى على ما بيده أو يهمل في صيانته ويصدق في دعوى التلف أو الضياع سواء كان بيده من الأشياء التي إخفاؤها بسهولة كالجمال والبقر ونحوها . ويعبرون عنها بما لا يعاب عليه أو كان من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالنقود والثياب ونحوهما ويعبرون عنها بما عليه يغاب ويستثنى من هذه القاعدة أمران :
أحدهما : الأكرياء على حمل الطعام والشراب بخصوصه
ثانيهما : الصناع فأما الأرباء كالحمالين ( اليالين والعربجية ونحوهم )
فإنهم يضمنون ما تلف منهم أو ضاع من الطعام خاصة كالقمح والأرز والعسل والسمن والفواكه الرطبة والجافة . وغير ذلك من كل ما يؤكل . وكذلك ما يشرب كزجاج ( الشربات )
ونحوها وذلك لأن الطمع في مثل هذه الأشياء كثير والأيدي تكتد إليها فمن المصلحة أن يضمنها الحمالون صيانة الأموال الناس إنما يضمنون بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون التلف أو الهلاك حاصلا بسببهم . كما إذا فعل أحدهم في حفظها بأن ربطها بحبل واهن فانقطع الحبل فانكسرت أو طرحها بعنف فسقطت فانكسرت أو نحو ذلك أما إذا حصل ذلك لأسباب قهرية رجله أو رجل دابته فانكسر الإناء وتلف ما فيه من سمن أو عسل أو غيرهما فإنه لا يضمن إلا إذا ساق دابته بشدة غير معتادة أو سار سيرا غير معتاد فإنه في هذه الحالة يكون متسببا فعليه الضمان
الشرط الثاني : أن لا يكون صاحب الطعام المحمول معه أجر حمالا ليحمل له فاكهة وصاحبه في سيره إلى منزله فتلفت الفاكهة فإنه لا يكون مسؤولا عنها في هذه الحالة لأنه لم يسلمها للحمال ويتركه وشأنه بل لازمه في سيرها وحفظها . فلا ضمان على الحمال سواء كان حاملا على سفينة أو دابة أو عربة أو كان حاملا بنفسه
وأما الصناع فإنهم يضمنون ما يتعلق بهم فالخياط مثلا يضمن الثياب التي يخيطها ولا يضمن ما توضع فيه ( كالبقجة )
. فإذا ضاعت أو تلفت البقجة ( وتسمى - بخشة - بضم الباء وسكون الخاء )
فإنه لا يضمنها . والحداد يضمن السكين التي يصلحها ولا يضمن قرابها التي توضع فيه . وبعضهم يقول : إنه يضمن هذه الأشياء إذا كانت تلزم للأشياء المصنوعة . مثال ذلك : إذا كان مستأجر لينسخ كتاب فإنه يضمن هذه النسخة التي ينقل منها لأنها لازمة لا بد منها . فإذا كان قراب السيف لازما للصنعة فإنه يضمنه وهو أحسن من الأول . والنساج يضمن الغزل الذي ينسجه . والنحاس يضمن المحاس الذي يصنعه . والطحان يضمن الحب الذي يطحنه . وصاحب المعصرة يضمن السمسم أو بذر الخس أو الزيتون الذي يعصره وهلم جرا . وقد عرفت أن الصناع أجراء وقد أسقط النبي صلى الله عليه و سلم الضمان عن الأجراء . ولكن العلماء استثنوا الصناع فحكموا بضمانهما اجتهاد لضرورة الناس وفقد العمال . فلو لم يضمنوا لسها عليهم التصرف فيما تحت أيديهم بدعوى أنهم هلك منهم . وفي ذلك ضرر عظبم يعود عليهم وعلى الناس لأن تبديد سلع الناس يوجب الثقة بهم وانصرف الناس عنهم . فتتعطل مطالع الناس العاطلون من الصياغ . وفي ذلك ضرر عظيم على الأمم . فمصالح الناس وضيانة أموالهم تقضي بتضمين العمال وكثيرا ما يبني مالك مذهبه على المصالح العامة في مثل هذه الأحوال للضرورة
أما ما نقله بعضهم من أن مالكا ينظر إلى المصلحة مهما ترتب عليها من ارتكاب المحظور حتى أجلز قتل ثلث الناس لإصلاح الثلثين فهو مكذوب على المالك رضي اله عنه . فإن الشريعة قد جعلت للناس حدودا يقفون عندها وجعلت للجناية عقوبات خاصة . فمن سببت عليه جناية ينال جزاءها . وبذلك ينصلح الناس وتستقيم أحوالهم . أما ذلك القول الهراء فإنه يفتح باب الشر على مصراعيه ويجعل للظلمة سبيل على الأبرياء فيسفكون الدماء بحجة أن فيه إصلاح للناس وأي مجتهد يجرئ على تقرير تلك القاعدة الفاسدة ولذا قال بعض أئمة المالكية لا يصح أن يسطر هذا في الكتب فإنه لا يوافق شيئا من القواعد الشرعية . ومن ذلك ما قاله من أن الناس إذا كانوا في مركب وسقلت بهم فإنهم يقترعون على من يلقي منهم في البحر بنجات الباقين فإن ذلك ليس بصحيح فإنه لا معنى لإزهاق روح إنسان من أجل حياة مثله فلا يصح أن يرمي آدمي في البحر لنجات الباقين ولو ذميا
وإنما يضمن الصانع ما تحت يده بشروط :
الشرط الأول : أن ينصب نفسه للصنعة لعموم الناس كأن يجعل له محل خاصا يتقبل فيه مصنوعات الناس - لافرق في ذلك بين أن يعمل في دكان بالسوق أو يعمل في داره - فإن لم ينصب نفسه للصنعة ولم يجعلها سبب معاشه كنجار ترك صنع النجارة واشتغل بالزراعة ثم عمل لشخص بخصوصه أو عمل لجماعة بخصوصهم فإنه لا ضمان عليه فيما تلف أو هلك من صنعته سواء استلم المتاع ليعمل في داره أو عمله بمنزل صاحبه
الشرط الثاني : أن يستلم المتاع ليعمل في دكانه فإن أفسده أو أضاعه ليكون عليه ضمانه حتى لو كان صاحبه حاضرا معه أما إذا لم يستلم
بل عمله في منزل صاحبه فإنه لا يضمنه
الشرط الثالث : أن لا تقوم البينة على أن المتاع قد ضاع منه قهرا بدون تفريط ولا تضييع فإذا قامت البينة على ذلك فإنهم لا يضمنون وقيل عليهم الضمان مطلقا حتى ولو قامت البينة على أنه ما أضاعوه هم بل ضاع قهرا والأول أصح
ومثال ذلك الأعمال التي فيها خطورة طبيعية كثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران أو الثوب في قدر الصباغ وما أشبه ذلك فإن الصابع لا يضمنها إلا إذا تعدى أو عمل ما لا يلائم الصنعة غاليا فيضمن حينئذ ومن ذلك البيطار الذي يضع حدوة الدابة أو الفرس أو الخاتن الذي يختن الصبيان فيموتون بسبب ذلك فإنه لا يضمن إلا إذا أهمل أو عمل خلاف الصنعة . كذلك الطبيب الذي يقوم بعملية الجراحة أو يضف دواء لا يلائم المريض فيترتب على عمله موته فإنه لا يضمن مادام قام بواجبه ولم يخطئ العلاج
أما إذا أخطأ العلاج فوصف للمريض دواء لا يوصف لهذا المريض فقتله فإن كان من أهل المعرفة فإن دية المقتول تكون على عاقلة ذلك الطبيب وإن لم يكن من اهل المعرفة فإنه يعاقب وإذا شرط الصانع نفى الضمان فقال لصاحبه المتاع إنه لاضمان عليه إذا تلف او ضاع فلا ينفعه ذلك وقيل ينفعه ويعامل بذلك الشرط
الشافعية - قالوا : المستولى على شيء بإجارة إما ان يكون مستاجرا او اجيرا ( صانعا )
فأما المستأجر فإن حكمه حكم الأمين على الأصح فلا يضمن الشيء الذي استأجره إذا تلف أو ضاع فمن استأجر دابة فهلكت أو ثوبا فتلف فإنه لا يطالب بتعويض إلا إذا تعدى بأن استعملها استعمالا غير عادي فلو ضرب الدابة فوق العادة أو كبح لجامها بعنف غير معتاد فترتب على ذلك هلاكها صار ضامنا لها وكذلك إذا أركبها أثقل منه وكذا إذا خملها زيادة على المتفق عليه إلا إذا كان صاحبها معه فإنه يضمن بقدر الزيادة التي زادها في هذه الحالة وهل يضمن ما تلف من المنافع أولا ؟ الأصح أنه لا يضمن فمن استأجر دكانا شهر مثلا فلما انتهى الشهر تركها مفتوحة حتى مضى شهر آخر بدون أن ينتفع بها مالكها لا يطالب المستأجر بأجرة ذلك الشهر إلا إذا أغلقها ولم يخبر صاحبها
[ يتبع . . . ]
وأما الأجير وهو الصابع فإنه لا يضمن ما هلك في يده بدون تعد إذا لم ينفرد بالمتاع بأن قعد معه صاحبه حتى عمله أو أحضره منزله ليعمل لأن المال غير مسلم إليه في الحقيقة وإنما المالك استعان به في عمله كما يستعين بالوكيل بلا خلاف . أما إذا انفرد بالعمل ففيه أقوال ثلاثة أظهرها أنه لا ضمان عليه أيضا . وبعضهم يقول : إنه يضمن مطلقا وبعضهم يقول : إنه يضمن إذا كان أجيرا مشتركا وهو الذي يلتزم العمل في ذمته . أما الأجير الخاص وهو من أجر نفسه مدة معينة لعمل فإنه يضمن
وإذا تلف المتاع أو ضاع بتعدي الأجير فإنه يضمنه مطلقا قطعا بلا خلاف ومن التعدي أن يزيد الخباز مثلا في نار الفرن فيحترق الخبز فإنه يكون متعديا بذلك
أما إذا أوقدها بحسب المعتاد ولكن احترق الخبز بطبيعة العجين فإنه لا يضمن . ومن التعدي أيضا أن يضرب المعلم تلميذه ضربا يفضي به إلى الموت فإنه في هذه الحالة يضمن ومن التعدي أن يؤجر العامل لعمل فيعطيه لغيره ليعمله فيفسده فإنه يكون متعديا بذلك فيضمن ويصدق يمبنه أنه ما تعدى إذا شهد خبيران بتعديه . ومن هذا يتضح أن الأجير لحفظ حانوت لا يضمن متاعها إذا سرق ومثله الخفراء والحراس
الحنابلة - قالوا : الأجير ينقسم إلى قسمبن :
خاص ومشترك . فالأجير الخاص هو الذي تقدر منفعته بالزمن كأن يستأجره ليبني له حائطا كل يوم بكذا أو يخيط له أثوابا وله في الشهر كذا وهو الذي يعرف الآن بالأجير ( باليومية )
أو ( بالشهرية )
والاجير المشترك هو الذى تقدر منفعته بالعمل كان يستاجره على ان يبنى له هذا المنزل وشبابيكه بكذا وهو المعروف فى زمننا بالاجير ( بالمقاولة )
ولا يختص بواحد بل يتقبل العمال من كثيرين
وحكم الاجير الخاص انه لا يضمن ما أتلفه من الاشياء التى يعمل فيها إلا إذا تعمد الإتلاف او فرط فإنه يضمن حينئذ . وعليه ان يعمل للمستاجر فى كل الوقت الذى استاجرهفيه سوى زمن فعل الصلوات الخمس فى اوقاتها وصلاة الجمعة والعيدين فإنها لاتدخل فى العقد وإن لم ينص عليها وللمستاجر منعه من صلاة الجماعة إلا إذا اشترط انه لا يمنعه منها وليس للعامل ان ينيب عنه غيره لان الإجارة متعلقة بعينه ويستحق الاجير الخاص الاجرة بمجرد تسليم نفسه للعمل سواء عمل ام لم يعمل فى بيت المستاجر أو في بيت نفسه
وإذا عمل الاجير الخاص عملا لغير مستاجره فأضر به فإنه يلزم بقية ما أضاعه عليه من ذلك وإما حكم الاجير المشترك فإنه يضمن ما تلف من عمله ولو خطأ فلو خرق الصباغ الثوب من دقة أو مده او عصره فإن عليه قيمته كما إذا اخطا الخياط ففصل ثوب زيد على عمرو فإنه يضمنه . وكذا إذا عثر حماره فسقط ماعليه فانكسر فإنه يضمنه
ومثل ذلك من إذا كان مستاجرا لحمل شيء على رأسه فعثرت رجله فأتلفه فإنه يضمنه وكذا إذا اتلف شيئا بسبب سوق الدابة او إنقطاع الحبل الذى يشد به وغير ذلك
لا يضمن الأجير المشترك مافقد بغير فعله إذا وضعه فى حرز مثله ( فى محل حصين يوضع فيه مثله )
فلو وضع الخياط الثياب فى ( دولاب أو صندوق )
ثم سرقة أو حرقت فلا شيء عليه . ولا اجرة للاجير المشترك فيما عمله وتلف قبل تسليمه سواء عمله فى بيت المستاجر أو فى بيته
وكذا لا يضمن الطبيب المعروف بالحذق إذا لم يخطئ فى عمله بحسب المتبع عادة فلو عمل الطبيب للمريض عملية جراحية وقام بواجبه من الاحتياط الذى يجب ان يعمل فى مثله ولكن عرض ما ليس فى حسابه فقضى على حياة المريض فإنه لا شيء على الطبيب . ومثله الختان ( الذي يطاهر الأولاد )
والحجام والبيطري ( الذى يعالج الحيوان أو يعمل له حدوة )
فإنهم لا يضمنون شيئا إذا عملوا الاحتياط التام الذى يجب أن يعمل فى مثل هذه الاحوال . فإن الطبيب ونحوه غير معروف بالحذق فى الصناعة مالناس الذين يدعون المعرفة بقطع ( الباسور )
أو ( قطع العرق )
أو ( إزالة غشاوة العيون )
أو نحو ذلك مع أنهم لم يدرسوا شيئا من قواعد الطب فإنهم يضمنون كل ما بترتب من اعمالهم من الضرر . وإذا عمل الطبيب الحاذق عملية لصغير بدون إذن وليه فاصابه ضرر فإنه يضمن ولو يخطئ فإذا اذنه وليه فاخطا كان الطبيب ضامنا
وكذا لا يضمن الراعي ما يتلف من الماشية إلا إذا تعدى أو فرط في حفظها فإنه يضمن في هذه الحالة فإذا نام عنها فأكلها الذئب أو ضربها مفرطا فهلكت أوز ضربها من غير حاجة أو عرضها للهلاك في موضع لا يصح أن يمشي بها فيه يضمن في ذلك
وكذا لا يضمن المستأجر العين التي تلفت في يده بغير تعد ولا تفريط فمن استأجر حمارة فهلكت في يده بدون أن يضربها ضربا مبرحا أو يفرط في حفظها فلا ضمان عليه . والقول قوله في عدم التعدي بيمينه
وإذا أحرق المستأجر حطبا أو نحوه فاحتملها الريح إلى أرض الغير فأحرقت منها شيئا فلا ضمان عليه وكذلك المالك
أما إذا سقى أرضه فأثر ذلك الماء في أرض الغير فأفسده منها شيئا فإنه يضمن لأنه في هذه الحالة يكون مباشرا لا متسببا فعليه الضمان
وإذا اغتصب شخص من آخر داره فقال له : اخل لي داري وإلا فعليك بعشرين جنيها في كل شهر أو أكثر أو أقل فإن لم يخلها لزمته بالأجرة المذكورة إلا إذا أنكر الغاصب الملكية فإنه في هذه الحالة لا يكون راضيا بالإجارة فإذا ثبتت الملكية لغير فإنه يلزم بأجر المثل



مبحث ما يفسخ به عقد الإجارة وما لا يفسخ

- عقد الإجارة اللازمة ولكنه يفسخ بأمور مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : يفسخ عند الإجارة بأمور :
أحدهما : أن يكون للمتعاقدين أو لأحدهما خيار الشرط كما تقدم في البيع لأن الإجارة بيع المنافع فهي قسم من أقسام البيع فإذا أستأجر شخص دارا من الأخر على أن له الخيار ثلاثة أيام وهى مدة الخيار فله أن يفسخ العقد قبل مضي هذه المدة بشرط أن يعلم المالك بذلك على الأصح فإن كان الملك غائبا ولم يعلم بالفسخ فإنه لا ينفذ
ثانيها : خيار الرؤية فلو أستأجر أراضي زراعية مي جهات متعددة ثم رأى بعضها فله أن يفسخ الإجارو في الكل ولا يتوقف الفسخ على رضاء المالك وعلى القضاء في خيار الشرط وخيار الرؤية فمتى فسخ المستأجر العقد وأعلن المالك با لفسخ فإنه ينفذ وليس للمالك الخيار إلا ذا اشترطه
أما في حال عدم الرؤية فإن العقد يكون لازما فب حق المالك وإن لم يكن لازما في حق المستأجر
ثالثها : خيار العيب فإذا أستأجر شخص دارا أو أرضا زراعية أو دابة أو غير ذلك وكان بها عيب فإن للمستأجر أن يفسخ العقد ولا ينفسخ العقد بنفسه بل لابد من أن يفسخه الستأجر سواء كان له خيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب فإذا علم بالعيب قبل العقد فإنه لا خيار له لرضائه به . ثم أن العيب يكون على ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن يحدث في العين المستأجرة بدون أن يكون له تأثير في المنفعة مطلقا مما إذا استاجر دارا فسقطت منها حائط لاتضر بالسكنى ولا تقتل الانتفاع أو أستأجرجملا ليحمل عليه فذهبت إحدى عينه وحكم هذا العيب أنه لا يثبت به الخيار للمستأجر لأن العقد في الحقيقة وارد على المنفعة دون العين وهي في هذه الحالة لم ينقص منها شيء
الوجه الثاني : أن يكون له تأثير في المنفعة كلها بحيث لا يمكن لمستأجر أن ينتفع بهذه العين في الرغض الذي ايتأجرها من أجله كما استأجرها من أجله كما إذا استأجر دارا فانهدمت . وحكم هذا أن الأجرة تسقط من سقوط الدار ولكن لا يفسخ العقد إلا إذا فسخه المستأجر لأنه أن ينتفع بالأرض ولا يشترط في الفسخ حضور المالك ولا رضاه
ومثل ذلك ما استأجر أرضا زراعية فانقطع الماء الذي تروي به حتو لو كانت تروى بالمطر فانقطع فإنه في هذه الحالة لا أجرة على المستأجر وله فسخ العقد بدون حضور المالك وإذا وجد ماء يكفي لري بعضها فقط فإنه لا يسقط خيار المستأجر بل هو مخير في أن يفسخ العقد جميعه أو يأخذ ما روي بحسابه وإذا انقطع الماء ولكن كان يرجى عودته فإنه لا خيار للمستأجر وكذا إذا قل الماء
الوجه الثالث : أن يكون للعيب تأثير في بعض المنفعة بحيث يقلل الانتفاع ولا يفوته كما إذا استأجر رجلا للخدمة فمرض مرضا ينقص من عمله فالمستأجر بالخيار إن شاء أمضى العقد وإن شاء فسخه فإن لم يفسخ العقد ومضت المدة فإن عليه الأجرة كلها
فإذا استأجر شيئا حدث به عيب يمكن إزالته كسد بالوعة دورة المياه ونحوها وأزاله المالك فلا خيار للمستأجر فإن أزاله بلا إذن المالك كان متبرعا ليس له حق في مطالبة المالك به
فإن انتهت مدة الإجارة كان له قلعه إذا كان بعد القلع ينتفع به كما إذا بنى حائطا باللبن المحروق أو الحجارة فإن له نقضها وأخذها لينتفع بها
وأما إذا كان بعد الهمد لا ينتفع به فليس له قلعة في هذه الحالة سفه غير مفيد وخير للمستأجر أن يترطه للمالك ينتفع به
هذا ولا يجبر المالك على إصلاح الخلل الذي يحدث في ملكه فإن أبى الإصلاح فالمستأجر بالخيار إما أن يبقى أو يخرج من الدار إلا إذا كان عالما بذلك الخلل قبل العقد فإنه ليس له أن يخرج في هذه الحالة لأن علمه به قبل العقد يسقط خياره كما تقدم
أما إذا كانت الدار وقفا فإن الناظر يجبر على إزالة الخلل لأن ترك الخلل ضار بملحة الوقف والناظر ملزم بمراعاة مصلحة الوقف
ومن هذا يتضح أن على المالك إصلاح المنازل المملوكة كإصلاح بالوعة الماء ( والخزانات الخاصة بدورات المياه )
وعليه تفريغها ( كمسحها )
حتى لو امتلأت من المستأجر لأن ما يوجد بهذه الأشياء يكون منه قبل تسليمها إلا إذا اقتضى العرف أن يكون تفريغها على المستأجر إخراج الرماد والتراب مطلقا سواء في الحمام أو غيره إلا إذا كان التراب موجودا من قبل فليس على المستأجر إخراجه وإن اختلفا فيه فالقول للمستأجر رابعها : أن يستأجر شخص آخر على عمل قد يترتب على تنفيذ العقد ضرر بسببه في نفس المستأجر أو ماله . ولذلك أمثلة :
منها : أنة يستأجر طبيبا لبتر عضو من أعضائه لوجود آلام به . ثم عدل عن هذا فإن له العدول سواء سكن الألم أو لم يسكن لأن إزالة العضو في ظاهر الأمر ضرر والشخص أمين على نفسه فربما سكن الألم وسلم العضو فيكون إزالته ضررا حقيقيا
ومنها : أن يستأجر طباخا ليطبخ له وليمة عرسه ثم عدل فليس للطباخ أن يطالبه بتنفيذ عقد الإجارة لأنه قد يترتب على تنفيذ العقد خسارة المواد التي يعمل فيها من اللحم والسمن ونحو ذلك فليس للطباخ أن يطالب بتنفيذ عقد الإجارة ولا يشترط أن يوجد سبب ظاهر للعدول سوى ذلك كطلاق العروس أو موتها كما لا يشترط زوال الألم في مثال الأول بل مجرد احتمال الخسارة كاف في عدم لزوم عقد الإجارة
ومنها : أن يستأجر عمالا لهدم منزل ليجدد بدله ثم عدل عن ذلك فليس لهم المطالبة بتنفيذ العقد لأن الهدم يترتب عليه ضياع مال
ومنها : أن يستأجر خياطا ليخيط له أثوابا ثم عدل لأنه قد يترتب على تمزيقها ( تفصيلها )
وخياطتها خسارة إذ ربما يكون قد استغنى عن لبسها أو لا حاجة له إليها فليس للخياط أن يطالب بتنفيذ العقد
ومثل ذلك : ما إذا ترتب على تنفيذ العقد استهلاك عين كما إذا استأجر شخص آخر ليكتب له كتابا على ورق اشتراه أو يطبعه له فإن له أن يعدل لأن تنفيذ العقد يترتب عليه ضياع الورق وذلك نظير ما مر في في المزارعة من أن لصاحب البذر الحق في الفسخ العامل لما يترتب على تنفيذ العقد من خسارة بذره . وإذا ترتب على فسخ العقد ضرر العامل أو صاحب الأرض فإنه يرجع فيه للعرف
خامسها : أن يوجد للمالك يضطره إلى بيع العين المستأجرة ولذلك أمثلة :
ومنها : أن يكون المالك مدينا ولا مال يسد منه دينه سوى هذه العين فإن له أن يبيعها ويفسخ الإجارة وثبت الدين بإقرار المالك كما إذا أقر لشخص بأن عليه دينا وحل موعده فإن له أن يفسخ عقد الإجارة أو بعده ؟
والجواب : أنه لا يلزم ذلك بل لو أقر لشخص بدين العقد يلزمه وتفسخ به الإجارة ولا يقال إن الإقرار يتعلق بذمة المقر وحده وليس للغير حق فيه فيعامل به
وللدائن ملك المدين فتعديه للمستأجر غير مقصود على أنه يشترط أن يكون فسخ العقد بالقضاء فلا يصح للمالك أن يبيع داره المستأجرة ليسدد دينه المقر به إلا إذا فسخ العقد القاضي على الصحيح ومتى كان الفسخ بالقضاء فإن الإقرار بالدين يكون عذرا واضحا لا خفاء فيه
ومن هذا تعلم أن كل عذر خفي لا يصح أن يكون سببا لفسخ عقد الإجارة إلا إذا فسخ به القاضي
وأما الأعذار الواضحة فإنه لا يشترط فيها القضاء على الصحيح وذلك كما إذا كان على المالك دين ثابت بطريق رسمي كالديوان المسجلة المعروفة بين الناس فإن له في هذه الحالة الفسخ بدون قضاء وإنما يكون لح حق بيع العين لسداد الدين إذا لم يكن قبض أجرة معجلة تستغرق كل ثمنها ولا يزيد منها شيء يسد الدين فإن كانت الأجرة المعجلة تستغرق كل ثمنها فلا تفسخ الإجارة ولا تباع العين
أما إذا كان ثمنها يزيد على قبضه معجلا من المستأجر فإن له أن يبيعها وعليه أن يبدأ بسداد دين المستأجر وما فضل فلغيره من الدائنين . بقي ما إذا إذا أجر دارا لرجل ثم أقر هذه الدار ملك للغير فإنه في هذه الحالة لا يفسخ عقد الإجارة بل يقضي بالدار لمن أقر بها انقضاء مدة الإجارة
ومن الأعذار الصحيحة لفسخ عقد الإجارة عدم القدرة على النفقة على نفسه أو أهله فمن كانت دارا مستأجرا للغير ثم أعسر ولم يجد ما ينفقه فإن له أن يفسخ الإجارة ويبيعها وهل القضاء شرطا أو لا ؟ المختار أن القاضي يحتم بنفاذ هذا البيع ويحصل بذلك فسخ عقد المستأجر فإذا باعها بغير إذنه فإن البيع يكون صحيحا ولكنه لا ينفذ إلا بعد انقضاء مدة الإجارة بيعا صحيحا موقوفا وليس للمستأجر أن يفسخه
أما المشتري فقيل يملك الفسخ إذا علم مستأجر وقيل لا يملك ويالثاني أخذ المشايخ
ومثل المؤجر المرهون فإنه لا يصح بيعه فإن بيعه بدون إذن الراهن يقع صحيحا موقوفا لا ينفذ حتى يسد الرهن
ومن الأعذار السفر فمن أراد أن يسافر من جهة إلى أخرى فإن له أن بفسخ الإجارة ومن ذلك ما إذا استأجر القروي دارا في المصر ثم أراد أن ينتقل إلى قريته فإن له فسخ العقد
ومن الأعذار إفلاس المستأجر فإذا استأجر شخص من آخر دكانا ليتجر فيه ثم أفلس له أن يفسخ عقد الإجارة . وأما إذا كسدت الدكان فليس له أن يفسخ بذلك
وإذا أراد أن يترك التجارة في النوع الموجود في الدكان ويتجر في نوع آخر كما إذا كان يتجر في القماش فأراد أن يتجر في الطعام فإن له أن ينتقل من هذه الدكان إلى غيرها ويفسخ العقد بشرط أن لا تكون صالحة للعمل الذي يريد أن يعمله وإلا فلا
ومنا أن يستأجر دابة ليسافر بها إلى جهة ثم بدا له أن لا يسلفر إلى هذه الجهة فإن له أن يفسخ العقد في هذه الحالة ولو في نصف الطريق ولصاحب الدابة الأجرة بنسبة المسافة التي قطعتها . وإذا اشترى دابة بعد استئجار دابة الغير فإن له أن يفسخ العقد أيضا
أما إذا استأجر دارا مدة ثم اشترى دارا فليس له أن يفسخ العقد لأنه يمكنه أن ينتفع بتأجير داره التي اشتراها بخلاف الدابة فإنه وإن كان يمكنه تأجيرها إلا أن استعمال الدابة يختلف باختلاف راكبها فقد لا يرغب
صاحبها في أن يركبها غيره أو قد يؤجرها لمن يركبها فيضرها كما تقدم
وإذا استأجر شخص آخر ليسافر في خدمته يوجب فسخ عقد الإجارة بشرط أن يعقد الإجارة لنفسه لا لغيره . أما إذا عقدها لغيره فإن عقد لا ينفسخ بموته كما إذا وكل المالك شخصا في تأجير داره التي يملكها ففعل ثم مات الوكيل فإن العقد لا ينفسخ لأن الوكيل وإن كان مباشرا للعقد لم يكن له بل لموكله الذي ينتفع بالأجرة فلا تنفسخ الإجارة إلا إذا مات المالك وكذا إذا وكل شخص آخر في أن يستأجر له منزلا يسكنه ففعل ثم مات الوكيل فإن العقد لا ينفسخ . والحاصل أن عقد الإجارة لا يبطل بموت الوكيل سواء كان من طرف المؤجر أو المستأجر على الصحيح وبعضهم
يقول إن موت وكيل المستأجر يوجب فسخ العقد لأن للموكل فهو بمنزلة المالك بمعنى أن الملك يثبت للوكيل بشراء أولا ثم للمالك ثانيا وسواء صح أو لا فإن ملك الوكيل غير مستقر على أي حال فلا يصح أن يكون مالكا بموته تبطل بموته الإجارة
ومثل الوكيل الوصي ومتولي الوقف فإذا استأجر شخص من وصي القاصر أو وليه كالأب والجد أو من القاضي ثم مات القاشي المؤجر فإن الإجارة لا تفسخ مستحق الأجرة وهو القاصر باق موجود والمستحق عليه وهو المستأجر باق فلا تفسخ بموت مباشر العقد حتى ولو كان ناظر الوقف هو المستحق الوحيد الذي يملك كل الغلة فإنه إذا مات لا تفسخ الإجارة لأنه لا يملك العين الموقوفة على الصحيح
وإذا مات العاقدين الذي عقد لنفسه فإنها تنفسخ بدون حاجة إلى فسخ إلا لضرورة كأن مات المؤجر في موضع ليس به حاكم ولا قاض يرفع إليه . كما إذا استأجر شخص جملا من آخر ليسافر به في الصحراء ثم مات المؤجر أثناء السير فإن الإجارة في هذه الحالة في هذه الحالة تبقى إلى أن ينتهي السير إلى مكان به قاض أو حاكم يرفع إليه الأمر للمستأجر نفسه أو لغيره حسب المصلحة
أما إذا مات المستأجر أثناء الطريق فإنه يحسب عليه الأجر بنسبة المسافة التي قطعتها
وإذا استأجر شخص من آخر دارا ثم مات المؤجر وبقي المستأجر في الدار فإن طالبه الورثة بالأجرة ثم سكن بعد المطالبة فإنه يلزم بها وإن طالبوه بها فإن كان المنزل معدا للاستغلال بأن بناه لذلك أو اشتراه لذلك أو بناه لسكناه م أخبر الناس بأنه أعداه للاستغلال فأنه يلزم بالأجرة وإلا فلا وبعضهم يقول إنه يقول إنه يكون معدا للاستغلال بتأجيره ثلاث سنين متوالية ومن هذا تعلم أن الموت لا يبطل الاعداد للاستغلال خلافا لمن يقول ذلك ولا يفسخ عقد الإجارة بحنون أحد المتعاقدين ولو مطبقا كما لا تفسخ بما يظهره المستأجر فيها من الفسق كشرب الخمر والزنا واللواط فإن ذلك ليس عذرا يجعل للمالك أو الجيران الحق في الفسخ وإنما لهم نهيه عن الخمر ورفع أمره للحاكم ليغروه حتى يكف عن الشر والفساد وإذا رأى الحاكم أنت يخرجه فإن له ذلك كما يفعله الناس في زماننا من الفساد في بيوتهم المسكونة لهم وسط جيران صالحين فإن لهؤلاء الجيران أن يخرجه أو يؤدبه
المالكية - قالوا : ينفسخ عقد الإجارة بأمور : أحدها أن تتلف العين المتعلقة بها المنفعة المطلوبة بحيث لا يمكن للمستأجر أن يستوفيها كما إذا استأجر شخص من آخر دارا فانهدم أو اكترى فماتت فإن العقد في هذه الحالة ينفسخ لأن المستأجر لا يمكنه أن يستوفي المنفعة التي عقد أجلها : ثانيها : أن يستأجر شخص آخر على قلع ضرس فيسكن ألم الضرس قبل أو على عملية جراحية فيزول عملها فإنه هذه الحالة ينفسخ العقد
أما إذا لم يسكن الألم فإن المستأجر يلزمه دفع الأجرة وإن لم يعمل من غير أن يجبر على قلع ضرسه أو شق دمله مثلا
ثالثها : أن تغتصب الدار المستأجرة مثلا أو تغتصب منفعتها ولا يمكن تخليصها من الغاصب بالحاكم أو بشيء آخر
رابعها : أن يأمر الحاكم بإغلاق الدكاكين أو هدمها مثلا فإن الإجارة تنفسخ بذلك
خامسها : تنفسخ إجارة المرضع بظهور حملها أو حصول مرض لها لا تقدر معه على إرضاع الطفل كما تقدم
[ يتبع . . . ]
سادسها : تنفسخ بمرض خادم عجز عن فعل ما استؤجر عليه فإن عوفي بعد ذلك قبل انقضاء المدة فإن الإجارة تعود ويكمل باقي العمل . إذا استأجر دابة فمرضت ثم صحت أثناء المدة فإن الإجارة لا ترجع لما يلحق المستأجر من الضرر في السفر بالانتظار
سابعها : تنفسخ الإجارة ببلوغ الصبي وهو رشيد وهذه المسألة على وجهين :
أحدهما : أن يؤجر الوصي نفسه للخدمة
ثانيهما : أن يؤجر الوصي دار الصبي أو دابته أو نحوهما من الأشياء المملوكة له فأما في المسألة الأولى فإن القاصر إذا بلغ وهو رشيد غير سفيه فإنه يصح له أن يفسخ الإجارة بشرط أن يؤجر الولي وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لا يظن شيئا وفي هذه الحالة له أن بفسخ العقد متى بلغ رشيدا بقي من مدة الإجارة زمن كثير أو قليل
أما إذا ظن عدم بلوغه في المدة فبلغ فيها فلا يخلو إما أن يكون الباقي منها بعد بلوفه أكثر من شهر أو شهر فأقل فإن كان الباقي منها أكثر من شهر فإن القاصر يخير في هذه الحالة وإن كان الباقي شهر فأقل فليس له الإجارة بل يازم بإتمام المدة لكونها قليلة لا يترتب عليها شيء من الضرر
أما المسألة الثانية فإن له أن بفسخ العقد بالشرط الذي يذكر في المسألة الأولى وهو أن يؤجره داراه أو سلعته وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لا يظن شيئا فإذا أجرها وهو يظن عدم بلوغه في تلك المدة فليس للقاصر فسخ العقد بعد بلوغه راشدا بقي من المدة زمن قليل على المعتمد وذلك هو الفرق بين المسألتين . وبعضهم يقول إنه لا فرق بينهما فإن له الفسخ إذا كانت المدة الباقية كثيرة لا يسيرة وقد علمت أن المعتمد الأول لأن الوصي له حق الخيار عند البلوغ . أما إذا ظن بلوغه أثناء المدة ثم أجرها زيادة عن المدة التي يظن بلوغه عندها كان للقاصر الخيار لأن الوصي قد تصرف قيما لا يصح لح أن يتصرف فيه
أما إذا بلغ الصبي سفيها فلا خيار مطلقا سواء بقي من الإجارة زمن كثير أو قليل
ولا ينفسخ عقد الإجارة بإقرار المالك للغير بالعين المستأجرة فمن أجر دارا لشخص ثم أقر لآخر بأنه باعها له أو أجرها له قبل عقد الإجارة مع الثاني ولم يوافقه المستأجر الثاني ولا بينة له فإن الإجارة تستمر وليس له فسخها ويعمل لمن أقر بيعها قبل عقد الإجارة لزيد كان المشتري مخيرا بين فسخ البيع الذي أقر به المؤجر فيأخذ الثمن الذي أقر المالك أنه باع وإن كان أكثر من قيمة الدار أو يأخذ منه القيمة يوم البيع إن كانت أكثر من الثمن وإنما كان الخيار لأن المستأجر قد حال بين المبيع " وهي الدار وبين المقر له إذ بأخذ الأجرة التي أجر بها المالك قبل الاقرار أو يأخذ المثل فإذا انقضت مدة الإجارة استلم العين المؤجرة ما لم تتلف فإن أخذ قيمتها من المقر فإن أقر أنه باعها قبل عقد الإجارة وكان ذلك الإقرار بعد انقضاء مدة اجارة كان للمقر الحق في أخذ أجرتها التي أجرها المقر أو أخذ أجر المثل ثم يضع يده على العين إن كانت قائمة وإلا فله قيمتها
وإذا أقر بأنه وهبها فلمن أقر مما أجرها به أو أجرها المثل ثم يضع عليها بعد انقضاء مدة الإجارة وإن تلفت فله قيمتها
وإذا أقر بأنه أجرها لشخص قبل أن يؤجرها للآخر فللمقر له أن يأخذ الأكثر مما أجرت به وأجر المثل
ولا تنفسخ بظهور فسق مستأجر كزنا وشرب خمر وينهى عن المنكر فإن انتثل وإلا رفع أمره للحاكم إن حصل لفسقه ضرر للدار أو للجار والحاكم يؤجر الدار لغيره على حسابه في مدة الإجارة إن أمكن فإذا لم يوجد لها ساكن أخرج منها وعليه أجرتها مادامت خالية
فإذا رشد السفيه فلا يخلو إما أن يكون الولي قد دوره وأرضه ونحوهما أو يكون قد أجرها لنفسه فإذا كان الأول للسفيه فسخ هقد الإجارة بعد الرشد مطلقا سواء بقي كثير لأن الولي قد يتصرف فيما يجوز له التصرف فيه ولا يعتبر ظن رشده في مدة الإجارة ولا عدمه
وإن كان الثاني وهو ما إذا أجره نفسه فإنه لا يخلو إما أن يكون قد أجرها ليعمل في صناعة أو نحوها ليعيش منها وفي هذه الحالة لا يصح له فسخ الإجارة أيضا أو يكون قد أجره في عمل لا يترتب عليه معيشته فإن له أن بفسخ الإجارة لأن الولي لا تسلط على نفس السفيه وإنما هو متسلط على ماله فقط ولهذا لو أجر السفيه فلا كلام لوليه إلا في حالة
غبنه
وكذلك ليس للسفيه أن بفسخ العقد عند رشده إذا أجره نفسه لأن تصرف كتصرف الرشيد ثامنها : ينفسخ عقد إجارة الوقف إذا مات مستحقة الذي أجره قبل موته انقضاء تلك المدة أما إذا مات المؤجر المالك أو المستأجر فإن العقد لا ينفسخ بموتها أحدهما ويحل الوارث محلها في اسيفاء المنفعة والفرق بين الأمرين أن له التصرف في نقل المنفعة وإنما حال حياته وبعد مماته فلمالك الدار ونحوها أن يملك منفعتها لغيره بعد وفاته . أما الموقوف عليه فليس له أن يتصرف إلا حال حياته أما بعد وفاته فلا فإذا مات فسخت الإجارة سواء انتقل الاستحقاق لولده أو لمن في طبقته أو لمن يليه وسواء بقي من مدة الإجارة زمن كثير أو يسير وسواء كان المستحق المؤجر ناظرا
أو غير ناظر فإذا مات الناظر غير المستحق في الوقف فلا تنفسخ الإجارة بموته
ومثل المستأجر المالك إذا كان فسقه يضر بالجيران فإن الحاكم يبيع الدار قهرا عنه أو يؤجرها بغيره ويخرجه منها ومن اكترى دارا أو اشتراها وبها سوء كان ذلك عيبا ترد به
الشافعية - قالوا : ينفسخ عقد الإجارة بأمور
( أحدها )
تلف العين المستأجرة فإذا استأجر شخص دارا فهدمت تلك الدار أثناء مدة الإجارة فإن العقد ينفسخ في المدة الباقية
أما المدة التي مضت فإن على المستأجر أن يدفع قسطها من الأجرة باعتبار أجرة مثل هذه الدار بقطع النظر عن الأجرة المسماة . فإذا استأجر دكانا بثلاثين جنيها في السنة وكان يؤجر مثله بتسعين جنيها ثم هدم مضى ستة أشهر وكانت أجرة الدكان في المدة الباقية تتضاعف لكثرة المترددين عليها بحيث تساوي ستين جنيها وتساوي الستة الأولى ثلاثين جنيها فإن عليه أن بدفع ثلث الأجرة كلها وزهو ثلاثون جنيها وإن كانت تساوي الأجرة المسماة بتمامها للسنة وإنما يجب عليه دفع الأجرة للماضي إذا قبض العين المستأجرة وهلك المحمول على ظهرها فلا أجرة أجرة لمالكها ومثل هذا ما إذا استأجر سفيه غلافت حمولتها وسلمت هي
ويشترط للفسخ شروط ثلاثة :
الأول : أن تتلف كما ذكر في أول الكلام . أما إذا حدث بها عيب كما أصاب الدابة عرج يقلل منفعتها فإن للمستأجر في هذه الحالة خيار العيب ولا تنفسخ الإجارة
الثاني : أن يكون التلف تماما بحيث لا يمكن الانتفاع بها . أما إذا اتلف بعضها مع إمكان الانتفاع بما بقي منها كما إذا نهدم بعض الدار وبقي منها شيء صالح للسكنى فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك ويكون للمستأجر الخيار في هذه الحالة بين أن يسكن أو يخرج
الثالث : أن تكون الإجارة ذمة فإذا استأجر منه جملا معين لينقل به جرنه فأحضر له جملا فأصابه عرج أو مرض قلل منفعته أو هلك الجمل فإن على المالك أن يستحضر جملا غيره لأنه أجر جملا في ذمته بدون تعيين فكل جمل يحضره يكون معقودا على منفعته بخلاف إجارة العين فإن العقد وارد على منفعته بخصوصه فإذا هلك فسخ العقد وإذا أصابه عيب يثبت الخيار للمستأجر وقد عرفت مما مضى أن العقار كادور لا يصح تأجيرها إجارة ذمة بل لا بد من تعيينها ( ثانيها )
حبس العين المؤجرة عن المستأجر فإذا لم يتمكن المستأجر من منفعتها انفسخ عقد الإجارة سواء حبسها المالك ولو لقبض الأجرة بدون عقد جديد لأن المقصود هو المنفعة وهي باقية في جانب المستقبل لم تمس بسوء
( ثالثها )
أن يحدث عيب في العين المستأجرة وفي هذه الحالة يكون للمستأجر الخيار ولا تنفسخ الإجارة بالعذر الطارئ فإذا استأجر حماما وتعذر عليه الحصول على وقوده أو استأجر دارا ثم أراد السفر لى بلدة أخرى أو اكترى دابة ليسافر ثم عدل عن السفر فإن كل هذا لا ينفسخ به عقد الإجارة ولا يثبت لصاحبه الخيار . ومثل ذلك ما إذا أجر داره ثم حضر أهله المسافرون ودعت الحاجة إلى أن يسكنوا فيها فإن ذلك ولا تنفسخ به الإجارة
وإذا استأجر أرضا زراعية فزرعها ثم هلك الزرع بجائحة من شدة حر أو برد أو كثرة مرض أو أكله الجراد أو الدود فليس له فسخ العقد ولا حط شيء من الأجرة لأن الجائحة لم تؤثر في المنفعة وإنما أثرت في المزاروع وهذا لصاحب فيه بخلاف ما إذا غرقت الأرض فإن منفعتها تتعطل في هذه الحالة فيفسخ به العقد
وكذا لا تفسخ الإجارة بموت العاقدين أو أحدهما بل تبقى إلى انقضاء المدة ويحل الوارث محل العاقد
وكذا لا تفسخ الإجارة بموت متولي إدارة الوقف فإذا أجر ناظر الوقف عينا لمدة ثم مات أثنائها لا تفسخ الإجارة إلا إذا أجر المستحق الذي له النظر حصته ثم مات وانتقل الوقف إلى مستحق له النظر بعده فإنه في هذه الحالة تنفسخ على الأصح بشرط أن يكون له النظر مدة حياته . أما إذا كان له النظر على كل الوقف أو كان الناظر غير المستحق فإن الإجارة لا تنفسخ وكذا لا تنفسخ ببلوغ الصبي الذي أجره وليه إذا أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ بالاحتلام على الأصح أما إذا أجره مدة يبلغ فيها بالسن فإن الإجارة تنفسخ فيما زاده على خمس
عشرة سنة وصحت فيما دونه وبعضهم يقول إنها فيما قبل البلوغ وبعده حتى لا تتفرق الصفقة والأول أصح
وكذا لا تنفسخ باتقطاع ماء الأرض الزراعية إلا إذا تعذر سوق الماء فإذا تعذر فإن الإجارة تنفسخ
وإذا استأجر أرضا غريقة بالماء ثم زال بعضه وانكشف جزء من الأرض انفسخت الإجارة فيما لم يزل عنه الماء وثبت الخيار فورا في الذي زال عنه
الحنابلة - قالوا : الإجارة عقد لا ينفسخ إلا بأمور منها خيار المجلس أو خيار الشرط على ما تقدم في مباحث الخيار
ومنها : أن يجد المستأجر عيبا في العين التي استأجرها لم يعلم به من قبل أو حدث بها عيب بشرط أن يطون ذلك العيب سببا في نقصان المنفعة التي استأجرها نقصانا يظهر به التفاوت في الأجرة فإن له في هذه الحالة فسخ العقد إلا إذا كان ذلك العيب خفيفا بحيث يمكن زواله من غير لحوق ضرر بالمستأجر كعرج الدابة المؤقت
مثال العيب الذي تنقص بها المنفعة أن تكون الدابة جمرحا أو بها عرج يتأخر به عن القافلة أو يتعب معه راكبها ونحو ذلك أو تكون الدار مختلة البناء يخشى من سقوطها أو بها حائط مهدومة أو انقطع لومته الأجرة بتمامها وإذا اختلفا في العيب فقال المستأجر إنه عيب يفسخ به وقال المؤجر لا فإنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة وما يقررونه به ويكفي خبيران في ذلك
ومنها : أن يتصرف المالك في العين المؤجرة قبل تسليمها أو امتنع من التسليم حتى مضت مدة الإجارة فإن العقد في هذه الحالة
أما إذا تصرف فيها بعد التسليم كأن أجر دارا فسكنها زيد ثم أجرها مرة أخرى لعمرو فإن هذا التصرف لا يفسخ العقد وعلى المستأجر جميع الأجرة فإذا سكن المالك في جزء منها يعد تأجيرها كلها كان عليه أجرة المثل فيما سكن فيه
وإذا أجر المالك عيبا مدة معينة ثم امتنع من تسليمها للمستأجر في نصف المدة وسلمها بعد ذلك فإن العقد ينفسخ في المدة التي لم يسلمها فيها فقط وعلى المستأجر أن يدفع أجرة المدة الباقية على حساب الأجرة المسماة بينهما أما إذا سكن المستأجر في الدار بعد المدة ثم منعه المالك من السكن الباقي لا يكون له الحق في الأجرة الماضية تنفسخ سواء كانت قبل القبض أو بعده ولا أجرة عليها فإن تلف في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة أما الماضية فإنه يدفع عنها بحساب الأجرة المسماة . فإذا استأجر دارا فانهدمت في أثناء المدة فإن العقد ينفسخ فيما بقي وكذا إذا استأجر أرضا للزرع فانقطع ماؤها مع الحاجة إليه فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة أما إذا استأجر أرضا زراعية ثم زرعها فغرق الزرع أو اجتاحه آفة أو لم ينبت رأسا فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك ولا يلزم المالك بحط شيء من الأجرة
ولا تنفسخ الإجلرة بموت أحد العاقدين أو موتهما إلا إذا كان المؤجر موقوفا عليه فأجرها لكون الوقف عليه ولا ناظر له بشرط الواقف فإن الإجارة تنفسخ بموته
وكذلك لا تفسخ الأعذار كما استأجر دكانا يبيع فيه بضاعة فاحترقت فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك
ويبث الخيار للمستأجر بغضب العين المؤجرة فإذا استأجر فدانا ليزرعه فاغتصبه شخص فإن كان الفدان غير معين يلزم المالك تسليمه غيره كان مخيرا بين فسخ الإجارة أو الانتظار حتى يرد المغضوب فإن كان لمدة فسخ العقد نهاية المدة أما إذا كان غير معين لمدة فإن للمستأجر الخيار بين فسخ العقد والانتظار حتى ترد العين المغصوبة وإذا فسخ العقد كان الغاصب ملزما بالإجارة وله حق الفسخ ولو بعد فراغ المدة وعليه أجرة ما مضى قبل الفسخ من المسمى



مباحث الوكالة


تعريفها

- هي بكسر الواو وفتحها ومعناها في اللغة الحفظ والكفاية والضمان يقال فلان وكيل فلان بمعنى حافظة أو ضامنة أو كافية : وأما في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : الوكالة هي أن ينبت ( يقيم )
سخص غيره في حق له يتصرف فيه كتصرفه بدون أن يقيد الإنانية بما بعد الموت فيخرج بذلك الوصية فإنها نيابة شخص لآخر بعد موته فلا تسمى الوصية وكالة . وهل تسمى إنابة إمام المسلمين غيره من الولاة والقضاء وأئمة الصلاة وكالة أو لا ؟ خلاف والمشهور أنها لا تسمى وكالة وعلى هذا ينبغي أن يزاد في التعريف قيد يخرج هذه الإنانية فيقال : هي أن ينيب شخص لا إمارة له سياسة أو دينية غيره في حق له الخ أما من قال إنها تسمى وكالة فلا حاجة به إلى هذا القيد
الحنفية - قالوا : الوكالة هي أن يقيم سخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم على أن يكون الموكل ( بكسر الكاف )
ممن يملك التصرف فقوله في تصرف جائز خرج به ما إذا وكل الصبي غيره في هبة ماله أو طلاق زوجه فإن تصرف الصبي في ذلك غير جائز لما علمت في باب الحجر أنه ممنوع من التصرفات الضارة به سواء كانت قولية أو فعلية وقولهم : معلوم خرج به التصرف المجهول كما إذا قال له : وكلتك في مال أو أنت وكيلي في كل شيء فإنه لا يثبت له بهذه الصيغة التصرف فيما يملكه الموكل وإنما يثبت لح حق حفظه
وقوله : على أن يكون الموكل ممن يملك التصرف خرج به ما إذا وكل شخص آخر في شيء لا يملك الموكل ( بالكسر )
التصرف فيه . ويرد على هذا أن أبا حنيفة يقول : إنه يصح أن يوكل المسلم ذميا في بيع الخمر والخنزير وأن يوكل المحرم شخصا غير محرم بالصيد مع أن المسلم ممنوع من الصيد وعلى هذا تكون زيادة قيد ممن يملك التصرف غير صحيحة . فإن التوكيل سصح من الشخص الذي لا يملك التصرف
والجواب أن المراد ممن يملك التصرف في الأشياء في ذاتها بصرف النظر عن العوارض التي منعته والأصل في الأشياء الإباحة ولولا نهي الشارع عن بيع الخمر والخنزير لما منع شخص من التصرف فيهما
الشافعية - قالوا : الوكالة هي عبارة عن تعويض شخص شيئا إلى غيره ليفعله حال حياته إذا كان للمفوض الحق في فعل ذلك الشيء وكان ذلك الشيء مما يقبل النيابة فقوله أن يفوض لشخص . . . الخ معناه أن يرد الشخص الموكل ( بكسر الكاف )
أمر الشيء الذي له حق التصرف فيه إلى وكيله وذلك الشيء هو الموكل فيه لتصرف الوكيل فيه كتصرف الموكل مدة حياته . ولا بد أن يكون التوكيل بصيغة . وبذلك تعلم أن التعرف قد اشتمل على أركان الوكالة الأربعة وهي : موكل وصيغة وموكل فيه . وخرج بقوله حال حياته الوضية فإن الوكيل لا يتصرف فيها بعد موت الموكل فلا تسمى وكالة أما باقي محترزات قيود التعريف فإنها ستتضح فإنها لك في بيان الشروط
الحنابلة - قالوا : الوكالة هي استنابة شخص جائز التصرف شخصا مثله جائز التصرف فيما تدخله النيابة من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين وسيأتي تفصيلها إن شاء الله



دليلها وأركانها

- الوكالة بالمعنى المتقدم جائزة بإجماع المسلمين فلم ينقل عن أحد القول بمنعها وقد يستدل على جوازها بقوله تعالى : { فابعثوا أحدكم بورقكم } فإن ذلك توكيل لأحدهم وقد أقره الله تعالى ورسوله إذ لم يرد ناسخ له وشرع من قبلنا لنا ما لم يرد ناسخ ينسخه وقد استدل على جوازها بفعل النبي صلى اللله عليه وسلم فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه و سلم وكل حكيم بن حزام بشراء أضحية ولكن في سنده مجعول وراه الترمزي عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم ولكن حبيبا لم يسمع من حكيم فإذا كان حبيب ثقة يكون الاحتجاج بالحديث صحيحا وإلا فلا . وروي أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم وكل أبا رافع في تزويج ميمونة . وكل عمر بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة وسواء صح سند هذه الأحاديث أو لا . فإن إجماع المسلمين عليها من غير أن يحالف فيها أحد من أئمتهم دليل على جوازها من غير نزاع . أما أركانها فهي أربعة . موكل بكسر الكاف وموكل بفتحها وموكل فيه وصيغة [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : الوكالة ركن واحد وهي الصيغة التي تتحقق بها كقوله : وكلتك ببيع هذا الجمل أو شراء هذه البقرة أو نحو ذلك ولا يشترط لتحقق الوكالة أن تكون الصيغة مشتملة على قبول الوكيل . ولكن إذا رد الوكيل الوكالة ترتد فإذا قال له شئت تبيع هذه الناقة بالنيابة عني فسكت ولكنه باعها فإنه يجوز
أما إذا قال له : لا أقبل ثم باعها فإن بيعه لا يصح لأنه رد التوكيل وكذا إذا وكل شخصا في أن يطلق امرأته فأبى ثم طبقها فإن طلاقه لا يقع لأنه رد الوكالة فلا شأن له ولكن إذا سكت ولم يرد ولم يقبل صريحا فإن التوكيل يكون صحيحا فإذا طلقها على ذلك يصح طلاقه وبذلك تعلم أن الحنفية يخصون الركن بما كان داخلا في الماهية
أما ما كان خارجا فإنه لا يسمى ركنا عندهم ولو توقفت الماهية عليه



شروط الوكالة

- تنقسم الوكالة إلى أقسام منا يرجع إلى الموكل . ومنها يرجع إلى الوكيل . ومنها ما يرجع إلى الموكل فيه . ومنها ما يرجع إلى الصيغة التي تتحقق بها الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : شروط الوكالة التي ترجع إلى الموكل هو أن يكون الموكل ممن يملك فعل ما وكل به بنفسه فلا يصح التوكيل من المجنون جنونا مطبقا والصبي الذي لا يعقل أصلا . لأن النجنون لا يملك التصرف في شيء بنفسه مطلقا ومثله الذي لا يعقل أما الصبي الذي يعقل فقد عرفت في مباحث الحجر أن تصرفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : أن يتصرف تصرفا ضارا به لا محالة كالطلاق والهبة والصدقة ونحوها وفي هذه الحالة لا يصح تصرفه مطلقا فلا يصح أن يطلق زوجه أو أن يهب غيره من ماله أو أن يتصدق بشيء منه فإن فعل وقع ذلك التصرف باطلا فهو لا يملك التصرف فلا يملك أن يوكل فيه غيره
الثاني : أن يتصرف تصرفا نافعا له كقبول الهبة والصدقة فإن فيه منفعة محققة له وفي هذه الحالة يقع تصرفه صحيحا مطلقا ولو لم يأذنه وليه فهو يملك ذلك التصرف فيصح له أن يوكل فيه غيره الثالث : أن يتصرف تصرفا يحتمل النفع والضر كالبيع والشراء والإجارة وفي هذه الحالة إن كان وليه قد أذنه بذلك التصرف فإنه يقع صحيحا فيصح له أن يوكل فيه غيره وإن لم يأذنه يقع موقوتا على إذنه فإن أجازه إلا فلا ومثله التوكل
أما المجنون جنونا متقطعا بحيث يجن تارة ويفيق أخرى فإنه يصح أن يوكل في حالة صحوه بشرط أن يكون لحوه وقت معلوم حتى تعرف لإفاقته من جنونه وإلا فلا يصح له أن يوكل . وأما المعتوه وهو الغالب عليه اختلاط الأمور فإنه لا يصح توكيله
أما الإسلام فليس شرطا في الموكل فيجوز أن يوكل الذمي غيره كالمسلم لأن حقوقههم مضمونة من الضياع كحقوقنا وإذا وكل الذمي المسلم بتقاضي ثمن الخمر فإنه يكوه للمسلم أن يفعل وإذا وكل الذمي المسلم أن يرهن له خمرا في نظير نقود أو يرهن له عينا في نظير خمر يأخذه فإنه يصح إذا أخبر به على أنه رسول فيقول : أرهن لفلان خمرا . أما إذا أضافه لنفسه بأن قال : ارهن لي خمرا أو أقرضني نقودا في نظير خمر فإنه لم يكن رهنا وهل النرتد كذلك أو لا ؟ خلاف فبعضهم يقول : إذا وكل المرتد شخصا فإن ذلك التوكيل يقع موقوفا فإن أسلم المرتد نفذ ما صدر منه توكيله الغير وإن مات أو خرج من دار الإسلام إلى دار الإسلام إلأى دار الحرب بطل توكيله فإن لحق بدار الحرب ثم عاد إلى الإسلام فإن كان القاضي حكم بلحوقه بدار الحرب فإن التوكيل يبطل وإن لا فإنه ينفذ . وبعضهم يقول : إن للمرتد أن يوكل غيره ويقع توكيله صحيحا نافذا . هذا إذا كان المرتد رجلا . أما المرأة المرتدة فإن توكيلها جائز في قولهم جميعا لأن ردتها لا تعتبر في حكم ملكها فهي ملكها كالمسلمة في ذلك
وإذا وكلت قبل ردتها ثم ارتد فغن توكيلها لا يبطل إلا إذا وكلت بتزويجها وهي مرتدة فإنه يكون باطلا فإن زوجها حال ردتها لا يصح أما إذا عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح . أما إذا وكلته بأن يزوجها وهي مسلمة ثم اردت ثم عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح لأن ردتها أبطلت التوكيل في ذلك
وأما الشروط التي ترجع إلى الوكيل فهي أمران :
أحدهما : أن يكون عاقلا فلا يصح لشخص أن يوكل مجنونا أو صبيا لا يعقل أما البلوغ والحرية فلا يشترطان في الوكيل فيصح أن يكون الوكيل صبيا عاقلا يدرك ما يترتب على العقود من المتافع والمضار سواء أذنه وليه ومثله العبد في ذلك
ثانيهما : أن يعلم الوكيل بالوكالة فعلم الوكيل شرط في صحة تصرفه بلا خلاف فإذا وكل شخصا آخر في بيع متاعه ولم يعلم الوكيل فباع المتاع قبل العلم بكل تصرفه إلا إذا أجازه الموكل وعلم الوكيل بالتوكيل يثبت بالمشافهة أو الكتابة إليه أو بإخيار رجلين أو واحد عدل أو غير عدل وصدقه الوكيل
أما الإسلام وعدم الردة فلا يشترطان في الوكيل باتفاق وإن كان عدم الردة مختافا فيه في الموكل فيصح للمسلم أن يوكل الذمي حتى في بيع الخمر والخنزير عند أبي حنيفة الذي يقول إن الموكل إذا كان ذميا بلا خلاف
وإذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب وكان المسلم في دار الإسلام فغن التوكيل باطلا في هذه الحالة وكذلك العكس وهو ما إذا وكل الحربي مسلما وهو في دار الحرب والمسلم في دار الإسلام وأما الشروط التي ترجع إلى الموكل فيه فمنعها أن لا يكون من الأمور المياحة فلا يصح لشخص أن يوكل غيره في أن يحتطب له أو يسقي له الماء أو يستخرج له شيئا من المعادن المباحة كالحديد والرصاص والجواهر ونحو ذلك فإذا حصل الوكيل على شيء من ذلك فهو له وليس للموكل منه شيء ومثل ذلك ما إذا وكله ليشحذ له فإن التوكيل لا يصح وإذا شحذ الوكيل شيئا فهو له ومنها : أن لا يكون الموكل فيه استقراصا ( طلب قرض من الغير )
فإذا وكل شخص آخر في أن يطلب من شخص أن يقرضه مالا فقال الوكيل : أقرضني كذا كان الرقض للوكيل لا للموكل فإذا هلك كان المسؤول عنه الوكيل وللوكيل أن لا يعطيه للموكل نعم إذا قال : فلان أرسلني إليك لتقرضه فأعطاه فإن القرض يكون للمرسل وهذا يسمى ( رسولا )
لا وكيلا والفرق بين الرسول والوكيل أن الوكيل يكون بألفاظ التوكيل الآتي بيانها في الصيغة بخلاف الرسول فإنه يكون بلفظ الرسالة كأن يقول له : كن رسولا عني في كذا أو أرسلتك لتأتي بكذا فلا بد في الرسول أن يضيف العقد إلى المرسل . بخلاف الوكيل فإن له أن ينسب لنفسه وللمرسل إلا في أمور كانكاخ والهبة وسيأتي بيانها
ومن شورط الموكل فيه أن لا يكون حدا من الحدود التي لا تشترط فيها الدعوى كحد الزنا وحد الشرب فإن إثباته تكفي فيه شهادته الحسبة بدون دعوى فلا يصح فيه التوكل لا في إيفائه ولا في استيفائه والمراد قبضه
أما الأول فظاهر لأنه لا يصح أن يقول شخص لآخر وكلتك عني في تأدية حد الرب فتسلم طهرك للجلد ولو وقع لأنه لا يصح إلا من الجاني
وأما الثاني : فلأن هذا الحديث بدون دعوى فلا يصح فيه التوكيل مطلقا
وأما الحدود التي تحتاج إلى إقامة الدعوى كحد القذف وحد السرقة في صحة التوكيل فيها خلافا فأبو حنيفة ومحمد يقولان بأن التوكيل يصح في إثبات الحد فإذا وكب شخص آخر في حد القذف على من قذفه فإنه يصح هذا التوكيل سواء كان الموكل حاضرا أو غائبا أما في الاسيفاء فإنه يجوز التوكيل إذا كان الموكل حاضرا بأن يحضر هو ووكيله حال تنفيذ الحد وأبو يوسف يقول : لا يصح فيه التوكيل كسابقه إلا أنه يقول : إن الممنوع إنما هو التوكيل في إثبات الحد أما التوكيل في إثبات المال المسروق فإنه يونفق عليه أبا حنيفة ومحمدا ولا يخفى أن حد الزنا وحد الشرب من حقوق الله تعالى وكذلك حد القذف وحد الشرب ومعنى كونها من حقوق الله أن الله تعالى قرر لها عقوبة ثابتة ليس للمجني عليه فيها شأن فلا بد من تنفيذها فالظاهر أن أبا يوسف يقول : إن التوكيل فيها لا معنى له سواء احتاجت لدعوى أو لا
وأما حقوق العباد فإنها تنقسم إلى قسمين :
نوع لا يجوز اسيفاؤه مع وجود شبهة ونوع يجوز استيفاؤه مع الشبهة
مثال الأول : القصاص في القتل أو القود وهو القصاص في إتلاف عضو أو نحوه مما هو أقل من النفس وهذا النوع يصح التوكيل في إثباته عند أبى حنيفة ومحمد أيضا ولا يجوز في إيفائه ولا في استيفائه
أما الأول : فظاهر إذا لا يصح أن يوكل شخص آخر في أن يقتل نفسه بدلا عنه ليدفع عنه حد جنايته أو يقطع عضوا منه لأن ذلك لا يصلح إلا من الجاني نفسه
ومثال الثاني : وهو ما يجوز استيفاؤه مع الشبهة كالديوان والأعيان وسائر الحقوق غير القصاص فإنه يصح للوكيل أن يستلمها مه وجود شبهة عفو صاحبها وتركها لمن هي عليه فهذا النوع يصح التوكيل فيه إيفاء واستيفاء باتفاق
ويجوز التوكيل في سائر العقود سوى ما ذكر كالبيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق والهبة والصدقة والخلع والصلع والإعارة والاستعارة وقبض الحقوق والخصومات وتقاضي الديون والرهن والارتهان وطلب الشفعة والرد بالغيب والقسمة والاستيهاب ( أي طلب الهبة من الغير )
إلا أن بعض هذه العقود لا يصح للوكيل فيها أن يسندها إلى نفسه بل من إسنادها إلى الموكل
ومنها : النكاح فإن الوكيل لا بد أن يقول : قبلت زواج موكلي أو زوجت فلانة موكلتي فإذا قال : قبلت الزواج ولم يصفه أو قال الزواج فإنه بنعقد له لا لموكله بخلاف ما إذا كان وطيلا في الطلاق فإنه إذا أضافه إلى نفسه أن يقول : امرأة فلان طالق . أما إذا قال : امرأتي طالق فإنها تطلق فليس الإضافة إلى نفسه أن يقول : لمراتي بل معناها أن يسند طلاق امرأة موكله إلى نفسه ولا يشترط أن يقول : ففلان وكلني في أن أطلق امرأته
ومنها : الهبة فإنه لا بد فيها من الإضافة إلى الموكل فإذا وكل إنسان آخر أن يهب مائة فقال : وهبت ولم يقل موكلي فإن الهبة لا تصح
ومنها : الصلح عن دم العمد والصلح عن الإنكار فإذا ادعى شخص على آخر مائتين فأنكر المدعي عليه ثم وكل عنه من يصالح على مائة فإنه لا بد في ذلك من الإضافة فإذا قال المدعي على مائة صالحت وقبل وكيل المدعي عليه بأن قال : قبلت الصلح لفلان فإنه يصح . أما إذا قال : قبلت ولم يسند القبول لموكله فإنه لا يصح الصلح . وهذا بخلاف الصلح عن إقرار فإنه يصح إضافته إلى الوكيل والموكل
ومنها : التصدق فإذا وكله أن يتصدق من ماله بكذا فإنه ينبغي أن يضيفها الوكيل إلى الموكل وأما الصيغة فإنها تنقسم إلى قسمين : ( خاصة وعامة )
: فأما الخاصة فهي اللفظ الذي يدل على التوكل في أمر خاص كقوله : وكلتك في شراء هذا البيت مثلا . وأما العامة فهي لفظ يدل على العموم كقوله : أنت وكيلي في كل شيء وقوله : ما صنعت من شيء فهو جائز وجائز أمرك في كل شيء فليس لها لفظ خاص حتى لو قال : أردت أن تقوم مقامي أو أحببت أو رغبت فإنه يصح . وهل ينفذ تصرف الوكيل بعد ذلك في كل شيء أو يستثنى بعض الأمور ؟
والجواب : أن ذلك يختلف باختلاف العبارات فإذا قال له : أنت وكيلي في كل شيء يكون وكيلا له في حفظ المال لا غير على الصحيح
ومثل ذلك ما لو قال له : أنت وكيلي في كل شيء وقليل وإذا قال له : أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك يكون وكيلا في جميع التصرفات المالية كالبيبع والشراء والهبة والصدقة
واختلف في الإعتاق والطلاق والوقف . فقال بعضهم : إنه لا يكون وكيلا فيها إلا إذا دل دليل سابق في الكلام وبعضهم يقول : إنه يشملها
وإذا قال : وكلتك في جميع أموري فقال له : طلقت امرأتك أو قفت جميع فإنه لا يجوز على الأصح
وإذا قال له : وكلتك في جميع أموري ولأقمتك مقام نفسي لا تكون الوكالة عامة إلا إذا قال : في جميع أموري التي يجوز فيها التوكل فإنها في هذه الحالة تكون عامة تشمل البيع والشراء والأنكحة وغير ذلك
وأما في الحالة الأولى وهي قوله : وكلتك في جميع أموري وأقمتك مقام نفسي بدون أن يقول : في أموري التي يجوز فيها التوكيل فإنه ينظر إلى حال الموكل فإن كانت له صناعة خاصة فإنه يكون وكيلا عنه فيها
أما إذا لم تكن له صناعة خاصة وكانت له معاملات مختلفة فإن الوكالة تقع باطلة . والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شيء إلا الطلاق والعتاق والهبة والصدقة على المفتي به وكذا لا يملك الإبراء والحط عن الديون لأنها تبرع وهو لا يملك التبرع
وكذا لا يملك الإقراض والهبة بشرط العوض ويملك ما وراء ذلك فيملك قبض الدين وإيفاءه والدعوى بحقوق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون ولا يختص بمجلس القاضي لأن ذلك في الوكيل بالوكالة الخاصة
على أن هناك صيغا لا ينعقد بها التوكل أصلا منها أن يقول له : لا أنهاك عن طلاق زوجتي ومنها أن يقول له : أنت وصيتي
ومنها : أن يقول لغيره : اشتر لي جملا بعشرة جنيهات أو جارية بخمسين جنيها فذلك لا يكون توكيلا وإنما يكون مشورة . أما قال له : اشتر لي جملا بعشرة جنيهات ولك على شرائك درهم فإنه يكون وكيلا
ومنها : أن يقول شخص لآخر مديون له اشتر بمالي عليك جملا أو عبدا فإنه لا يصح التوكيل وأما إذا قال له : اشتر لي جمل فلان أو هذه الجارية فإنه يصح
ومنها : أن يقول لمديونه أسلم مالي عليك في قمح أو سمن مثلا ( يعني استلمه في السلم )
فإنه لا يصح التوكيل
أما إذا عين الشخص الذي يتعاقد معه عقد السلم بأن يقول : أسلم مالي عليك إلى فلان في كذا فإنه يصح
أما الصيغ الخاصة فإن منهم بأن يقول شخص لآخر : إذا لم تبع جملي هذا تكون امرأتي طالقا فإذا قال له ذلك وكله في بيع الجمل
ومنها : أن يقول : سلطتك على بناء هذه الدار مثلا بمنزلة قوله : وكلتك
ومنها : أن يقول : فوضت إليك دوابي أو أمر مماليكي وبذلك يملك حفظها ورعيها وعلفها والإنفاق عليها
ومنها : أن يقول : فوضت إليك امرأتي وبذلك يملك طلاقها في المجلس فقط أما إذا قال له : ملكتك أمر امرأتي فإنه يملك طلاقها في المجلس وغيره
الماكية - قالوا : الشروط المتعلقة بالوكيل ثلاثة :
الأول : الحرية فلا تصح بين رقيق وحر ولا بين رقيقين إلا إذا كان الرقيق مأذونا له بالتجارة من سيده فإنه حينئذ يكون في حكم الحر
الثاني : الرشد فلا تصح بين سفيهين ولا بين سفيه ورشيد . على أن هذا الشرط لهم فيه اختلاف فبعضهم يقول : يجوز في بعض الأمور ولكن ظاهر المذهب يقتضي أن المحجور عليه لا يصح أن يوكل أحدا عنه في الخصومة في تخليص ماله وطلب حقوقه . ويجوز للغير أن يوكله عن نفسه إلا إذا كانت امرأة محجورا عليها فإن لها أن توكل عنها غيرها فيما يتعلق بأمر عصمتها بل ليس لوليها قيام في ذلك إلا بتوكيل منها
[ يتبع . . . ]
والحاصل : أن في ذلك طريقين أحدهما : أنه لا يجوز توكيله ولا توكيله مطلقا وعلى ذلك الشرط الرشد . ثانيهما : أنه يجوز أن يتوكل عن غيره ولا يوكل هو عنه . أما المرأة الذي يضارها زوجها فلا خلاف في صحة توكيل الغير عنها
الثالث : البلوغ ولا يصح بين صبيين ولا بين صبي وبالغ أما إذا كانت صغيرة متزوجة وأرادت أن تخاصم زوجها أو وليها فإن توكيلها يكون مقبولا بل لازما كما عرفت
فهذه الشروط هي التي تلزم الوكيل والموكل
أما الإسلام فإنه ليس شرطا في الموكل بلا نزاع فيجوز للذمي أن يوكل المسلم عنه ويقع توكيله صحيحا . ولكن هل يصح للمسلم أن يوكل الذمي عنه ؟
والجواب : أنه لا يصح وإنما لم يذكر هذا الشرط في الشروط لأن الذمي أهل للتوكيل والتوكل ما دام حرا بالغا رشيدا . ولكن المانع من جملة وكيلا عن المسلم أمر عارض وهو ما عساه أنه يتصرف تصرفا لا تقره الشريعة
ولهذا قالوا في الشركة : إنه لا يصح للمسلم أن يشارك الذمي إذا كان بيع الذمي وشراؤه بحضرة المسلم خوفا من أنه إذا انفرد بذلك يدخل في معاملته ربا أو يشتري خمرا أو خنزيرا وذلك لا تقره الشريعة فإذا تأكد من أنه يتعامل بما تحرمه الشريعة وجب عليه أن يتصدق بالريح الذي أصابه من شركته فغن شك يستحب له التصدق . أما إذا تأكد من حسن معاملته ومطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه لا شيء عليه
ومثل الذمي في ذلك المسلم الذي لا يحافظ على دينه فالمانع من توكيل الذمي هو الخوف من تصرفا لا يطابق الشريعة الإسلامية وواجب على المسلم أن يحتفظ بدينه فلا يصح له أن يبيح لغيره التصرف باسمه فيما لا يقره الدين ولهذا اعتبر المسلم الذي لا يحافظ على دينه كالذمي وأما الشروط المتعلقة بالموكل فيه فإنها ترجع إلى شيء واحد وهو أن يكون من الأمور التي تقبل شرعا ولا تتعين فيه شراء ولا تتعين فيه مباشرة له بنفسه فيجوز لشخص أن يوكل عنه غيره في عقد بيع وشراء وإجارة ونكاح وصلح ومضاربة ومساقاة عقد يجوز فسخه كما في المزارعة قبل رمي البذر فإنه يصح لأحد العاقدين فسخه يصح له أن يوكل غيره في الفسخ
ومثل ذلك البيع الفاسد كما إذا باع صبي مميز شيئا فللولي أن يوكل من يفسخه ومن ذلك الطلاق حل لقيد النكاح فيجوز لشخص أن يوكل غيره في طلاق زوجه وفي الخلع كما يجوز له أن يوكل شخصا في إقالة من اشترى منه شيئا . وكذا له أن يوكل في قضاء دين عليه وقبض حق له على الغير . وكذا يجوز له أن يوكل - في حد أو قصاص أو تأديب - فللزوج أن يوكل عنه أباه مثلا في تأديب زوجه إذا تركت الصلاة لأن للزوج عن حق عقوبة زوجه إذا تركت الصلاة فله أن يوكل غيره في ذلك
ولولي الدم أن يوكل عنه على القتل وللشخص أن يوكل عنه في استيفاء الحدود والعقوبات وكذا له أن يوكل في الحوالة كأن يكون مدينا لشخص بكذا وله دين عند آخر فله أن يوكل شخصا في أن يحيل الدائن الذي يطالبه بدينه على المدين الذي له دين . وكذا يصح التوكيل على أن يبرئ شخصا من حق له عليه حتى ولو كان الحق مجهولا عند الجميع لأن الإبراء من الحقوق لا يتوقف على علمها
وليس له أن يوكل غيره في العبادات إلا في المالية منها كأداء الزكاة فإنه يصح التوكيل في أدائها وقد اختلف في الحج فقيل ويصح فيه التوكيل وقيل لا يصح كما تقدم
وهل يصح لصاحب الوظيفة الدينية أن ينيب عنه كالمؤذنين والإمام والقارئ في مكان خاص ؟ والجواب : انه يجوز التوكيل فيها حيث لم يشترط الواقف عدم النيابة فيها
أما إذا لم يشترط عدم النيابة فيها فإن الأجرة تسقط ولا يستحقها ولا النائب
أما إذا لم يشترط عدم النيابة فالأجرة تكون للأصل وهما على ما تراضيا عليه معا كانت النيابة لضرورة أو لغير ضرورة . ويلتحق بالعبادات الشهادة والإيمان فليس له أن يوكل عنه من يؤدي الشهادة بدله ولا يحلف اليمين عنه . ومثل ذلك الإيلاء واللعان فإنه لا يصح له أن يوكل عنه من يولي من امرأته بأن يحلف أن لا يقربها مدة معلومة أو من يلاعن عنه مع امرأته التي يتهمها بالزنا كما هو مبين في محله لأن اللعان شهادات مؤكدة باليمين وذلك لا تصح فيه الوكالة
ولا تصح الوكالة في المعاصي كالسرقة والظهار كأن يقول له : وكلتك في أن تظاهر من امراتي فإن الظهار منكر من القول وزور فإذا قال زوجة موكلي عليه أمه لا يصح الظهار
وبعضهم يقول : إن هذا كالطلاق إذ لا فرق بين ذلك وبين امرأته موكلي طالق فإن كلا منهما إنشاء كالبيع والنكاح فيصح التوكيل فيهما . وهل التوكل في طلاق محرم كما إذا قال له : وكلتك في طلاق زوجي وهي حائض مثل الظهار فلو طلقها الوكيل لا يقع به الطلاق أو لا ؟ خلاف فبعضهم يقول : إنه لا يقع لأنه توكيل على معصية
وبعضهم يقول : إنه يقع الطلاق في نفسه ليس بمعصبة وإنما حرمته عارضة بسبب الحيض وهذا الخلاف فيما إذا وكله في أن يطلقها حال الحيض . أما إذا وكله في أن يطلقها مطلقا فطلقها الوكيل حال الحيض فغن طلاقه يقع على الموكل اتفاقا لأن أصل التوكيل لم يكن على معصية . وحاصل ما تقدم أن الأفعال التي كلف الشارع بها الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ما كان لمصلحة تتعلق بخصوص الفاعل بحيث لو باشر الفعل غيره فأتت المصلحة التي شرع من أجلها فهذا تمنع النيابة قطعا وذلك كالإيمان بالله تعالى فإن الغرض من التصديق بالإله العبودية له وإجلاله وتعظيمه وذلك أمر خاص بالشخص نفسه ومصلحته ترجع إليه بخصوصه فلا يصح أن ينيب فيه غيره
ومثل ذلك الصلاة والصيام فإنهما ما شرعا إلا لتعظيم الله وإجلاله وإظهار العبودية له تعالى وذلك لا يكون إلا من الشخص نفسه فلا يصح أن ينيب غيره فيه
وكذا حلف اليمين فإنه ما شرع إلا للدلالة على صدق المدعي وذلك لا يحصل بحلف غيره فلا تصلح النيابة . وكذا النكاح بمعنى الوطء فإن الغرض منه إعفاف النفس عن الفاحشة والمحافظة على الأنساب وذلك لا يحصل بفعل الغير فلا يصح له أن ينيب غيره فيه بخلاف النكاح بمعنى العقد فغن الغرض منه تحقيق سبب إباحة الزوج وهذا السبب بتحقيق مباشرة الشخص بنفسه وبمباشرة وكيله بدون أن تفرت مصلحته الخاصة
القسم الثاني : ما كانت المصلحة تتعلق بتحقيق الفعل بقطع النظر عن الأشخاص وذلك كرد المغضوب والعارية وقضاء الديون وتفريق الزكاة وإيصال الحقوق لأهلها فإن الشارع طلب من المكلف فعل هذه الأشياء لما فيها من المنافع فمتى وجد الفعل فقد تحققت المصلحة سواء كانت لفعل المكلف أو بفعل وكيله حتى ولو لم يشعر المكلف بفعلها
القسم الثالث : ماكان مشروعا لمصلحة تتردد بين الفعل من جهة وبين الفاعل من جهة كالحج فإنه شرع لأمرين :
أحدهما تعظيم الله تعالى وإجلاله والخضوع له وهذه المصلحة متعلقة بالفاعل لا تحصل من سواه ثانيهما : إنفاق المال الذي ينتفع به الناس ومصلحة الاتفاق تحقق بحصوله من أي شخص فمن نظر إلى الحالة الأولى ملحقا بالقسم الأول فقال : إن الحج لا تصح فيه الإنابة وبذلك قال مالك : فمن حج عن شخص لا ينفعه في إسقاط الفريضة وإنما له ثواب الإنفاق والدعاء وقد قطع النظر عن الإنفاق لأنه أمر عارض بدليل أن المكي يحج بلا مال
وأما من نظر إلى المعنى الثاني وهو الإنفاق - كالإمام الشافعي - فإنه يقول بجواز الحج عن الغير وذلك لأن القربة المالية لا تنفك غالبا عن السفر فلا ينظر إلى المكي الذي يحج بلا نفقه لأن ذلك نادر
وأما الصيغة فلها اعتبارات ثلاثة وذلك لأنه إما أن ينظر إليها بالنسبة إلى جانب الموكل . أو بانسبة إلى جانب الوكيل . أو بالنسبة إلى جانب الموكل فيه . فإن نظر إليها بالنسبة للموكل فإنه يشترط لها أن تدل على معنى الوكالة عرفا أو لغة أو عادة فإذا خالفت اللغة العرف يعمل بالعرف ولا ينظر للغة
ولا يشترط لها أن تكون بلفظ مخصوص فإذا قال له : وكلتك أو أنت وكيل عني فإنه يصح . وكذا إذا قال له : تصرف عني بالفظ تصح بإشارة الأخرس أو الممنوع عن الكلام بسبب من الأسباب . ومثل انعقاد باعادة أن يكون لأخوين دار مملوكة لهما وقد جرت أحدهما أن يؤجرها ويقبض أجرتها فإنه يعتبر وكيلا عن أخيه ويصدق في دعواه أنه أعطاه من الأجرة ما لم يثبت أنه متعد
أما إن نظر إلى الصيغة بالنسبة للوكيل فإنه يشترط أن يقترن بها من جانب الوكيل ما يدل على قبول التوكيل . وهل قبول الوكيل يجب أن يكون فورا أو يصح مع التراخي ؟ خلاف . والتحقيق أنه ينظر في ذلك العرف والعادة فإن كانت الصيغة الصادرة من الموكل تستدعي الجواب فورا في العرف فإنه يجب أن يكون قبول الوكيل فورا وإلا فلا
وأما إذا نظر إلى الصيغة بالنسبة للموكل فيه يجب أن يكون معلوما سواء كانت الوكالة متعلقة بأمر عام كما إذا فوض له التصرف . أو كانت متعلقة بشيء خاص كما إذا وكله في بيع سلعة خاصة أو طلب حق خاص ونحو ذلك
أما طريق علم الموكل فيه فإنه يكون بلفظ يدل عليه أو لغة وقد عرفت أن العرف مقدم على اللغة إذا خالفها ويقوم مقام اللفظ إشارة الأخرس أو غير القادر بأي سبب فإذا قال له : أنت وكيلي أو كلتك ولم يبين الشيء الذي وكله فيه ولا قرينة تدل عليه ولا عرف بين الناس فيه فإنه لا يكفي في صحة الوكالة وإن كان لفظ وكلتك يدل على الوكالة لغة لأنه اعتبار للغة ما لم يؤيدها العرف فلا بد من بيان الموكل فيه بصيغة عامة أو خاصة
مثال الأولى : أن يقول له : وكلتك وكالة مفوضة أو وكلتك في جميع أموري أو أقمتك مقامي في أموري أو نحو ذلك مما يدل على التوكيل العام
ومثال الثانية : أن يقول له : وكلتك في شراء هذه الدار أو المطالبة لي بحقي الذي عند فلان أو نحو ذلك
ويترتب على الوكالة العامة نفاذ تصرف الوكيل في كل ما لا يضر بالمال للموكل أن يرد تصرفه أو يضمنه ( يلزمه )
شيئا أما ما يضر بالمال لا ينفذ فليس للوكيل أن يتصدق من مال موكله ولا يهبه ولا يفعله ما ينقصه . إلا إذا قال له : وكلتك وكالة مفوضة وكل ما يصدرعنك ينفذ ولو كان ضارا فإن تصرف الوكيل في هذه الحالة ينفذ فيه ضرر بالمال وإن كان يحرم عليه أن يفعل ما يضر بموكله ولو أذنه لأنه أمينة والأمين يجب عليه ألا يضر بمن ائتمنه على أي حال غير أنه لا ينفذ تصرفه إذا كان فيه سفه ويبذير . أما إذا تصرف بمعصية فإن الوكالة تكون من أصلها لما عرفت من انها لا تصح في المعاصي
ويستثني من الوكالة العامة أمور :
أحدها : طلاق زوجة الموكل فإنه لا يدخل في التوكيل حتى ولو قال له : كل تصرفك نافذ ولو فيه ضرر وذلك لأن طلاق الزوجة لا بد له عرفا من توكيل خاص بأن يقول له : وكلتك على طلاق زوجتي فلانة أو يشير إليها لأن يقول : وكلتك على طلاق هذه
ثانيها : تزويج البنت فليس للوكيل أن يزوج بنت موكله إلا بتوكيل خاص بأن يقول وكلتك على زواج بنتي فلانة أو هذه مشيرا إليها
ثالثها : بيع داره التي يسكنها . فلا بد له من توكيل خاص أيضا بأن يقول : وكلتك على بيع داري الفلانية أو هذه الدار
رابعها : بيع عبده القائم بأمور فإنه لا يدخل في الوكالة العامة . فهذه الأمور الأربعة لا تدخل في الوكالة العامة بل لا بد فيها من التوكيل الخاص
الشافعية - قالوا : يشترط في الموكل أن يكون أهلا لمباشرة الشيء الذي يزيد أن يوكل فيه غيره بحيث يصح له أن يتصرف فيه بنفسه وبذلك يخرج الصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران المتعدي بسكره والفاسق في تزويج من له عليها الولاية لأن الفسق يسلب الولاية والمعتوه والمجور عليه لسفه في مال ونحوه . والمرأة في عقد نكاح فإنها غير أهل لمباشرته بنفسها بدون ولي فلا يصح أن تنوب عن غيرها فيه ومثلها المحرم في ذلك فإنه ليس له أن يباشر عقد النكاح بنفسه مادام محلاما فلا يصح للغير أن يوكله فيه
وضابط ذلك أن كل ما جاز للإنسان أن يتصرف بنفسه في شيء جاز له أن يوكل فيه غيره . وكل ما لا يجوز أن يتصرف الإنسان في شيء بنفسه بدون وليه فإنه لا يجوز له أن يوكل فيه غيره ولكن هذا الضابط مبني على الغالب لأنه يستثني من الشق الأول منه مسائل : منها ما إذا ظفر شخص بحق له في دار مغلقة ولا يمكنه الوصول إليه إلا بكسر الباب أو نقب الجدار فإن له أن يباشر ذلك بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره ولو عجز عن العمل ما لم يكن من ذوي الهيئات ولا يليق بحاله أن يباشر ذلك العمل بنفسه فإنه في هذه الحالة يصح أن يوكل غيره فهذا الرجل يجوز له التصرف بنفسه ولا يجوز له أن يوكل غيره
ومنها : السفيه المجور عليه إذا أذنه بالنكاح فإن له أن يباشر بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره ومنها : الوكيل القادر على القيام بالعمل فيما وكل فيه فإن له أن يباشر العمل وليس بوكل عنه غيره إلا إذا كان غير لا ئق به
وكذلك يستثنى من الشق الثاني مسائل : منها الأعمى فإنه لا يجوز له أن يتصرف في بعض الأعيان التي يتوقف التصرفات فيها على الرؤية ولكنه يجوز له أن يوكل فيها غيره فهذا لا يجوز له التصرف بنفسه ومع ذلك فإنه يجوز له أن يوكل فيه غيره
ومنها : المحرم بحج أو عمرة فإنه لا يصح له أن يباشر عقد النكاح بنفسه كما تقدم ولكن يصح له أن يوكل عنه غيره ليعقد له عقد النكاح بعد التحلل من الإحرام وسواء نص في التوكل على أن العقد يكون بعد التحلل أو أطلق ولم ينص فإنه يحمل على أن يكون العقد بعد التحلل نعم يجوز لغير المحرم أن يوكل عنه شخصا يباشر له عقد النكاح لأن المحرم في هذه الحالة يكون سفيرا لا يباشر عقدا
وكما أن الموكل يشترط فيه أن يكون أهلا للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه غيره كذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلا للتصرف فيما يريد أن يوكل فيه غيره . فكل ما جاز للإنسان أن يتصرف في شيء بنفسه جاز له أن يتوكل فيه غيره . وكل ما لا يجوز له أن يتصرف فيه بنفسه لا يجوز له أن يتوكل فيه عن غيره
وهذا الضابط أيضا مبني على الغالب تستثني من الشق منه مسائل :
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - تنقسم الوكالة إلى أقسام منا يرجع إلى الموكل . ومنها يرجع إلى
منها : المرأة فإن لها أنتتوكل في طلاق غيرها . وليس لها أن تباشر طلافها بنفسها فهي لا يجوز لها التصرف في هذه المسألة مع أنه يجوز لها أن تتوكل
ومنها : السفيه المحجور عليه والعبد فغن لهما أن يتوكلا في قبول النكاح بدون إذن السيد . أما في إيجاب النكاح فإنه لا يجوز منهما مع أنه لا يصح لهما أن يتصرفا في قبول النكاح لأنفسهما بدون إذن الولي والسيد
ومنها الصبي المأمون الذي لم يجرب عليه الكذب مرة واحدة فإنه يجوز توكيله في إيصال الهدية والإذن في دخول الدار . وتفرقة الزكاة وذبح الأضحية . ومع ذلك فهو ممنوع من التصرف فهذه شروط الوكيل والموكل . ويزاد عليها في الوكيل معنيا فلو قال لاثنين : وكلت أحدكما في بيع كذا لم يصح . وأما الموكل فيه فإنه يشترط فيه أمور :
أحدها : ان يكون معلوما ولو بوجه ما فإذا كان مجهولا جهالة تامة فغن التوكيل لا يصح فمثال المجهول أن يقول له : وكلتك في جميع أموري أو في كثير وقليل فهذا التوكيل لا يصح لما في الجهالة من الغرر المفضي للنزاع
ومثال المعلوم من بعض الوجوه أن يقول له : وكلتك في بيع أموالي أو دوابي أو نحو ذلك ولو لم تكن أمواله معلومة من جميع الوجوه لأنه يكتفي بتميزها عن غيرها من العقود الأخرى
ثانيها : أن يكون قابلا لنيابة والشيء الذي يقبل النيابة هو إبرام العقود وفسخها فله أن يوكل عنه في البيع والهبة والضمان والوصية والحوالة وغيرها من العقود . وصورة التوكيل في الضمان أن يقول : جعلت موكلي ضامنا لك كذا وفي الوصية أن يقول جعلت موصبا لك بكذا . وصورة التوكيل في الحوالة أن يقول الوكيل : أحلتك بمالك على موكلي من دين بنظيره مما له على فلان . وكذا فسخ العقود فله أن يوكل في إقالة شخص من شراء سلعة أو في رد سلعة اشتراها لظهور عيب فيها . أو في فسخ عقد له حق فسخه بخيار المجلس أو بشرط من الشروط . وكذلك له أن يوكل غيره في قبض دين أو عين أو يوكله في أن يعطي غيره دينا عليه
أما إذا كان عليه عين ( كالقمح أو الدواب )
فإنه لا يصح أن يوكل غيره في تسليمها بل لا بد من أن يسلمها بنفسه على المعتمد . وكذا يصح له أن يوكل غيره في خصومة من دعوى وفي جواب عن دعوى سواء أرضي الخصم أم لا وكذا له أن يوكل في تملك أمر مباح كاصطياد السمك أو الطير . وله أيضا أن يوكل في استيفاء العقوبة وتوقيعها على الجاني فيجوز التوكيل في حضور توقيع في الحدود ولكن لا يصح التوكيل في إيفائها بمعنى أنه يوكله في أن يتحمل عنه العقوبة فإن ذلك لاقبل النيابة ( راجع مذهب الحنفية )
ولا يصح التوكيل في العبادات البدنية التي لا بد لها أو لمتعلقها من نية كالصلاة والإمامة فإن الإمامة وإن كانت لا تحتاج إلى نية ولكنها تتعلق بالصلاة والصلاة لا بد من نية ويلحق بهذا اليمين والإيلاء والظهار والشهادة والنذر فإن كل هذا لا يقبل النيابة
أما العبادات التي تتركب من بدنية ومالية فإنه يصح فيها التوكيل كالحج والعمرة وتجهيز الميت وبنذر في الحج توابعه كركعتي الطواف فإنها وإن كانت صلاة لا تنفع فيها النيابة ولكن تقبل النيابة في هذه الحالة تبعا
ومجمل القول أن العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام لا تقبل النيابة والعبادات المالية المحضة أو المركبة من بدنية ومالية فإنها تقبل الإنابة
ثالثها : أن يكون الموكل فيه مملوكا فإذا وكله في طلاق امرأة سيزوجها كانت الوكالة باطلة أما الصيغة فإنها لفظ يدل على التوكيل من أحدهما ( الوكيل أو الموكل )
وعدم رد من الآخر فإذا قال الموكل : وكلتك في كذا أو فوضت إليك كذا سواء كان مشافهة أو كتابة أو مراسلة فإنه يصح
ولا يشترط أن يقول الوكيل : قبلت بل الشرط ألا يرفض التوكيل وكذلك لا يشترط عمله بالتوكيل فإذا وكل شخص أخاه في أن يتصرف في شيء قبل أن بعلم بالتوكيل نفذ تصرفه ولا يشترط الفور فلو علم بالتوكيل ولم يشترط العمل فورا أو لم يرده فورا فإنه لا يضر على انه يشترط اللفظ من الجانبين في صورتين :
إحداهما : إذا كان لشخص عين مملوكة ولكنها في يد غيره بإجارة أو إعارة أو نحو ذلك ثم وهبها لشخص آخر فوكل الموهوب له واضع اليد بقبضها فإن ابتوكيل في هذه الحالة لا يصح إلا إذا قبله واضع اليد لفظا حتى تزول عنه يده ولا يكتفي بإمساك الأرض لأن معنى ذلك استدامة إجارتها أو إعارتها
ثانيهما : الوكالة بجعل فإذا وكل شخص آخر بأن يشتري له أرضا معلومة وله على ذلك كذا فإنه لا بد في ذلك من القبول لفظا لأن في هذه
الحالة تكون إجارة وشروطها أن يكون العمل الذي يقوم به الوكيل مضبوطا
الحنابلة - قالوا : يشترط في الموكل أن يكون أهلا للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه لأن من لا يصح أن يتصرف بنفسه فلا يصح أن يتصرف لنائبه بطريق الأولى إلا في أحوال ضرورية
منها : أن يكون الموكل أعمى فإنه ممنوع من التصرف فيما يحتاج لرؤية كعقد البيع وافجارة ولكنه يجوز أن يوكل غيره عنه في ذلك لأن منعه عن التصرف لعجزه عن العلم بالمبيع لا لنقص فيه ومثل الأعمى الغائب فإن له أن يوكل غيره في عقد البيع أو الإجارة وإن كان ممنوعا من التصرف لعدم الرؤية فخرج بذلك الصبي والسفيه والمجنون ونحوهم كما تقدم في البيع على أنه يصح توكيل الصبي المميز بإذن وليه في كل تصرف لا يشترط فيه اليلوغ فلا يصح توكيله في نحو إيجاب النكاح ولكن يصح توكيله في قبوله . أما الطلاق فإنه يصح توكيله بدون إذن وليه إذا عقله وكذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلا للتصرف فيما يوكل فيه فلا يصح له أن يوكل في شيء ممنوع من التصرف بنفسه إلا في أمور :
أحدها : أن يتوكل الحر الغني القادر على النككاح في زواج أمه لمن يتاح له فإنه ممنوع من تزويجها ولكنه يباح ل له أن يتوكل في تزويجها لغيره
ثانيها : أن يتوكل الغني عن فقير في قبض الزكاة فإنه ممنوع عن أخذ الزكاة لنفسه ولكنه يصح توكيله عن غيره ومثل ذلك الزكاة والكفارة والنذر
ثالثها : أن يتوكل في قبول زواج أخته أو عمته لأجنبي فإنه ممنوع من زواجها لنفسه مع جواز توكيله في قبول زواجها لغيره
ومنها : توكيل المرأة في طلاق نفسها أو طلاق غيرها فإنه صحيح مع أن المرأة لا تتصرف في الطلاق من غير توكيل . فهذه الصور جارية على الغالب
وأما الموكل فيه فهو كل ما فيه حق الآدمي من العقود فيصح في البيع والشراء والإجارة والمضاربة والقرض والإبراء والطلاق والرجعة والحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمساقاة والصلح والهبة والصدقة والوصية والقسمة وغير ذلك من العقود . وكذلك يصح في تملك المباحات من صيد واحتطاب وإحياء أرض ميتة
ولا تصح الوكالة في العقود التي لا تقبل النيابة كالظهار واللعان والنذر والإيلاء والقسامة والقسم بين الزوجين والشهادة والتقاط لقطة أو لقيط كما لا تصح في المعاصي والرضاع وغير ذلك ويصح للرجل أن يوكل غيره في أن يقبل له النكاح بشرط أن يسند الوكيل إليه العقد فيقول ولي الزوجة . زوجت موكلك فلانا أو زوجت فلانا فلانة ويقول الوكيل : قبلت النكاح لفلان أو لموكلي فلان فإن لم يذكر ذلك فإن النكاح يفسد وإن نوى موكله
أما حقوق الله تعالى فمنها لا يقبل النيابة وهي الأعمال البدنية المحضة والصيام والطهارة فهذه لا يصح التوكل فيها . ومنها النيابة وهي الأعمال المالية المحضة أو المركبة من المالية والبدنية والأولى كتفرقة الصدقة والزكاة والنذر والكفارة وهذه تصح فيها الوكالة مطلقا والثانية أعمال الحج والعمرة فإنهما مركبان من أعمال مالية وبدنية ولكن لا تصح النيابة فيهما مطلقا بل عند العجز عن أدائهما
ويصح له التوكيل في إثبات الحدود وفي استيفائها ممن وجبت عليه لقوله صلى الله عليه و سلم : " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فاعترفت فأمر بها فرجمت " فقد وكله في إثبات الحد واستيفائه والأولى أن يكون استيفاء الحد الموكل في الحدود المتعلقة بحقوق العباد لجواز أن يرحمه ويعفو عنه فيسقط الحد
واما الصيغة فهي كل لفظ يدل على الإذن في التصرف : كوكلتك أو فوضت إليك في كذا أو نحو ذلك . وتنعقد الوكالة بقول بع هذا الجمل أو اعتق هذا العبد . وتنفذ أيضا بقول : أفمتك مقامي أو جعلتك نائبا عني ويصح قبول الوكالة لفظ أو فعل من الوكيل يدل على القبول ولا يشترط علم الوكيل بالوكالة فلو وكل شخص آخر ولم يعلم ولكنه تصرف بعد التوكيل نفذ تصرفه . ولا يشترط الفور لقبول الوكالة بل يصح قبولها ولو بعد سنة فأكثر



مبحث الوكالة بالبيع والشراء

- الوكالة بالبيع والشراء من الأمور التي يكثر وقوعها بين الناس فلذا أفردنا في مبحث خاص كما فعل بعض المؤلفين ولها أحكام مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور :
أولا : إذا وكل شخص آخر على أن يبيع له سلعة معينة ولم يصرح في التوكيل بأنه وكله في قبض ثمن المبيع فإن كان العرف والعادة في مثل ذلك أن الوكيل لا يقبض الثمن فإنه لا يصح له قبضه وإذا قبضه وإذا دفعه له المشتري لا تبرأ وللموكل أن يطالب المشتري بالثمن
أما إذا كانت العادة جارية على أن الوكيل الذي يتولى البيع قبض الثمن أيضا فإنه يكفي أن يثبت أنه وكيل على بيع السلعة فقط وثبت ذلك فإن عليه أن يقبض الثمن ولو سلم المبيع ولم يقبض الثمن ضمنه
أما إذا لم تجر العادة بقبض الثمن ولا بعدمه فإن على الوكيل قبض الثمن أيضا وإن لم ينص عليه في التوكيل ولكن قبض الثمن من توابع البيع
وهذا كله إذا وكله على بيع سلعة معينة كما قلنا . أما إذا وكله على بيع السلع فإن له قبض الثمن والمطالبة به على أي حال
وإذا وكله على أن يشتري له سلعة فاشتراها ولكن الوكيل اشترط على البائع أنه غير ملزم بدفع الثمن والذي يدفع هو الموكل فإن الوكيل في هذه الحالة لا يصح له قبض السلعة التي اشتراها لموكله . أما إذا اشترى السلعة ولم يشترط براءة ذمته دفع الثمن فإن عليه أن يقبض السلعة ويكون هو الملزم بدفع الثمن
ثانيا : إذا وكل شخص آخر وكالة غير مقبوض على أن يشتري له سلعة غير معينة كأن قال : اشتر لي جملا فاشتراه له ثم وجد بع عيبا لم يعلم به الوكيل حال شرائه فإنه يجب على الوكيل أن يرده لصاحبه بذلك العيب سواء كان من العيوب الخفية أو من العيوب الظاهرة
أما إذا كان عالما به حال الشراء فليس له رده ويكون ملزما به دون الموكل إلا إذا رضي الموكل به فإذا عين الموكل السلعة كأن قال له : اشتر لي جمل فلان ثم وجد به عيبا فليس له رده وعليه أن يخبر موكله بذلك فإن شاء ده وإن شاء قبله الوكيل مفوضا له رد السلعة ولو عينها الموكل فيجوز له الرد ويجوز له القبول
وإذا كان العيب قليلا يغتفر مثله عادة وكان في الشراء فائدة للموكل كما إذا اشترى له ناقة مقطوعة الذنب ولكن رخيصة فليس له الخيار
ثالثا : إذا وكله وكالة غير مفوضة على أن يبيع له سلعة فباعها لآخر ثم ظهر بها عيب فإن المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري يرجع على الوكيل ما لم يعلم المشتري بانه وكيل أو يحلف وكيل وفي هذه الحالة يرجع المشتري على الموكل
أما إذا كان وكيلا مفوضا فإن للمشتري أن يرجع عليه أو على الموكل سواء علم بانه وكيل مفوض أو وكيل فقط أو لم يعلم
رابعا : وإذا وكله على شراء سلعة فإنه يجب عليه أن يشتري له سلعة لائقة به فإذا قال : اشتري لي جبة من الجوخ وجب عليه أن يشتريها من الصنف اللائق بحاله مالم يعين له الثمن كأن يقول له : اشتر لي جبة يسعر كذا فإذا عين . فبعضهم يقول : يشتري له بالسعر وإن لم يكن لاثقا به . وبعضهم يقول : لابد من شراء اللائق به
خامسا : إذا وكله أن يبيع له سلعة فلا يخلو إما أن يعين له الثمن الذي يبيع به أولا يعين فإذا عين له الثمن فباع بأقل منه فإن للموكل الخيار فب إمضاء هذا البيع ورده فإذا أمضى البيع أخذ الثمن الذي باع به وإذا رده أخذ سلعته إن كانت قائمة
أما إذا فاتت فإن الوكيل يكون ملرما بدفع نقص الثمن الذي سماه ولافرق في هذه الحالة بين أن يكون فرق الثمن يسيرا أو كثيرا
أما إذا لم يعين له الثمن الذي يبيع به فباع بأقل من الثمن المثل فإن كان فرق الثمن يسيرا يمكن وقوعه عادة بأن كان يساوي نصف العشر فأقل فإن البيع ينفذ وليس للموكل الخيار
أما إذا كان الفرق أكثر من نصف العشر فللموكل الخيار بين رد البيع وإمضائه على الوجه المتقدم
سادسا : إذا وكله على أن يشتري له سلعة فلا يخلو إما أن يعين له الثمن الذي يشترى به أو لا يعين
فإذا لم يعين له الثمن كانت هذه الصورة كصورة ما إذا وكله بالبيع وهو أنه إذا اشترى له بزيادة عن ثمن المثل فإن كانت الزيادة يسيرة فلا خيار له وإي كانت كثيرة له الخيار
أما إذا عين الثمن الذي يشتري به فإن له أن يشتري بزيادة يسيرة في هذه الحالة بخلاف حالة البيع فإذا وكله على أن يشتري له فرسا بعشرين جنيها مثلا فاشتراها بزيادة جنيه فليس للموكل الخيار في قبولها أو ردها لأن الجنبه هو نصف عشر العشرين
أما إذا اشتراها بزيادة جنيهين مثلا فإن له الخيار في إمضاء الشراء ورده ومعنى رده في هذه الصورة أن الوكيل يكون ملزما به ما لم يكن مشترطا الخيار
ويشترط في إمضاء الشراء ألا يكون قد اشترى سلما فإن كان الوكيل قد دفع نقدا على أن يأخذ بها قمحا يعد شهرين مثلا فليس للموكل أن يرضى بذلك في حالة المخالفة بل عليه أن برفض وذلك لأنه بمجرد مخالفة الوكيل أصبح الثمن دينا في ذمته فإذا أجار الموكل هذا الشراء فقد برأه من الدين في مقابلة المسلم فيه الذي لم يقبضه وهو دين فيلزم من ذلك فسخ الدين وهو باطل على أنه يلزم في هذه الصورة بيع الطعام قبل قبضه أيضا وذلك لأن القمح يلزم الوكيل بمجرد المخالفة فإذا رضي الموكل بذلك فيكون الوكيل قد باعه إياه قبل قبضه وهو باطل أيضا
سابعا : إذا وكله على أن يشتري له من سوق معين وفي زمان معين فخالفه واشترى من غير ما عينه له فإن كانت أسعار السلع تتفاوت بالنسبة للأسواق أو الأزمنة كان للموكل الخيار في القبول والرد وإن كانت لا تتفاوت فلا خيار له
ثامنا : إذا وكله أن يبيع له سلعة ربوية بمثلها كما إذا قال له : بع هذا القمح بفول فخالف في ذلك وباعه بأرز مثلا كان للموكل الخيار في إجازة البيع ورده بشرطين :
الأول أن يكون المشتري جاهلا بمخالفة الوكيل بما أمره به موكله فإن كان عالما بهذه المخالفة فسد العقد ابتداء وذلك لأنه يكون قد أقدم على شراء شيء وهو عالم بأنه يجوز أن يتم له أولا يتم وهذا مفسد للبيع في الأمور الربوية لأنه يكون داخلا على الخيار في الأمور الربوية وهو مبطل وهذا يقال : إنكم أجزتم للموكل الخيار في اجازة البيع ورده إذا خالف الوكيل في بيع ربوي أو شرائه والجواب أن هذا الخيار ليس مشترطا في الأصل بل هو خيار حكمي جر إليه الحكم وهو المخالفة أما الذي يبطل فهو الخيار الذي ثبت بالشرط من أول الأمر كأن يشترط الخيار أو يكون عاما به كما في الصورة الأولى
هذا والأمور الربوية هي الأصناف التي يحرم فيها ربا الفضل المذكورة في مباحث الربا وهي كل ما كان طعاما مدخرا مقتاتا كالقمح والشعير والأرز ونحوها أو كان ذهبا أو فضة
الشرط الثاني : الا يلتزم الوكيل أو المشتري ما نقص عن الثمن الذي سماه الموكل في حالة التوكيل بالبيع كما إذا قال له : بع هذه السلعة بعشرين فباعها بخمسة عشر ثم التزم للموكل بنقص الثمن وهو خمسة فإنه في هذه الحالة لا يكون للموكل خيار
ومثل ذلك ما إذا التزم له الوكيل بالزيادة على الثمن في حالة التوكيل يالشراء كما إذا قال له : اشتر لي سلعة بعشرة فإشتراها بخمسة عشر ثم التزم الزيادة وهي الخمسة فإنه لا يكون للموكل خيار في هذه الحالة
تاسعا : لا يجوز للوكيل أن يشتري السلعة التي وكل على بيعها ولو عين له الموكل الثمن الذي يبيع به لأنه يحتمل أن يشتريها غيره بثمن أكثر من الذي عينه له نعم يجوز له شراؤها إذا أذنه موكله بذلك أو انتهت رغبات الناس في هذه السلعة الى ثمن معين كما إذا عرضها للمبيع في الأسواق التي تباع فيها وانصرف التاس عنها
وكذلك لا يجوز للوكيل أن يبيع لمن كان له عليه ولاية حجر لصغر أو لسفه أو لجنون أو رق فلا يجوز أن يبيع لإبنه الصغير أو الكبير والمجنون أو نحوهما وذلك لأنه هو الذي يتولى عنهما القبول فكأنه باع لنفسه أما زوجته وولده الرشيد فإنه يجوز أن يبيع لهما بشرط عدم المحاباة فإن حاباهما بأن باع لهما ما يساوي بذلك الثمن ثم ارتفع ثمنها وصار عشرة وعلم الموكل فليس مطالبته بالفرق
الحنفية - قالوا : يتعلق بالوكالة على البيع والشراء أمور :
أولا : أنه إذا وكله على شراء شيء أو بيعه فلا بد أن يكون ذلك الشيء معلوما ولو بوجه حتى يتمكن الوكيل من تنفيذ أمر الموكل فإن كان مجهولا جهالة تامة فإن التوكيل باطلا إلا إذا كانت الوكالة عامة
وبيان ذلك أن الوكالة على البيع والشراء إما أن تكون عامة أو خاصة والموكل على شرائه أو بيعه إما أن يكون معلوما أو يكون مجهولا جهالة تامة أو يكون مجهولا جهالة يسيرة فإذا كانت الوكالة عامة - كما قال له - : ( وكلتك على أن تشتري لي ما رأيت )
أو ( أن تبيع من مالي ما رأدت )
فإنه يصح أن يشتري له ما يشاء من ماله ما يشاء بدون تعيين
أما إذا كانت الو كالة خاصة والجهالة فاحشة فإن الوكالة لا تصح وذلك كما إذا قال له : اشتر لي ثوبا أو دابة فالثوب والدابة مجهولان جهالة تامة ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة الجنس وهو أن يذكر شيئا يشمل أجناسا ولم يبين واحدا منها ( كالدابة والثوب )
فإذا قال له : وكلتك على أن تشتري لي دابة لا يصح لأن الدابة في اللغة اسم لكل ما يدب على الأرض من حيوان وإنسان وقد خصها العرف بالخيل والبغال والحمير وعلى كل حال فهي تشمل أجناسا كثيرة فإذا حملت على المعنى العرفي كانت شاملة للخيل والبغال والحمير فالجنس الذي يريد شراؤه مجهول إذا يحتمل أنه يريد الخيل أو البغال أو الحمير ( وليس المراد الجنسي المنطقي وهو المقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة )
بل المراد ما يكون تحته أصناف فالخيل مثلا جنس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافا كثيرة منها عربي ومنها مسكوفي ومنها مضمرة إلى غير ذلك من أصناف الخيل وكذا البغال والحمير فإنها أجناس لأنهما تشمل أصنافا كثيرة
ومثل الدابة الثوب فإن فيه جهالة الجنس لأن الثوب يشمل أجناسا مختلفة كل جنس تحته أصناف كثيرة فهو يشمل : القماش والحرير والصوف والكتان والقماش يشمل : ( المدارسي والمقصورة والشاش الإسلامبولي والهندي )
إلى غير ذلك والحرير يشمل ( القطني والألج والحرير الهندي )
وغير ذلك ومثل ذلك الصوف والكتان فكلها أجناس عند الفقهاء لأن تحتها أصنافا كثيرة فإذا لم يبين الجنس الذي يريده الموكل كانت الوكالة باطلة حتى ولو ذكر الثمن
أما إذا كانت الجهالة يسيرة فإن الوكالة الوكالة تصح وذلك كما إذا قال له : وكلتك على أن تشتري لي حمارا أو بغلا أو فرسا )
فإن الوكالة تكون صحيحة - لأنه وإن لم يكن فيه بيان شاف - ولكن جهالته غير فاحشة ويعبر الفقهاء عن ذلك بجهالة النوع وهو أن يذكر عبارة تشمل أصنافا كصيرة لم يبين واحدا منها فالمراد بالنوع الصنف فإذا قال له : وكلتك على شراء فرس فقد وكله شراء نصف مجهول لأن الفرس أصنافا كثيرة كما ذكرنا آنفا : فعدم تعيين واحد منها فيه جهالة للنوع ( أي الصنف )
ولكن هذه الجهالة يسيرة وذلك لأن الوكيل قادر على تحصيل غرض الموكل وذلك بأن ينظر إلى حاله ويشتري ما يليق به
وهناك قسك آخر وهو الجهالة المتوسطة وذلك كما إذا قال له : اشتر لي دارا بثمن كذا فإنه وإن لم يبين الجهة التي يشتري فيها ولا عدد حجرها مثلا ولكن الثمن يجعلها ملحقة بالمجهول جهالة يسيرة
أما إذا لم يذكر ثمنا ولا صفة كانت ملحقة بجهالة الجنس وبعضهم يقول : إن ذكر الثمن لا يجعل جهالتها يسيرة بل لابد من ذكر الجهة يترتب عليها اختلاف كثير في الثمن والرغبة
والحاصل أن جهالة الشيء الموكل على بيعه أو شرائه تنقسم إلى ثلاثة أقسام : جهالة الجنس وجهالة النوع والجهالة المتوسطة
وقد عرفت تعريف كل واحدة منها مع أمثلة . فإذا ذكر الموكل لفظا بين به جنس الموكل وعليه ونوعه وصفته فإن الوكالة تصح بلا نزاع وذلك كأن يقول : وكلتك على شراء فرس أدهم مسكوفي أو نحو ذلك
أما إذا لفظا يدل على أجناس مختلفة فلم يبين جنسه فلا يصح التوكيل قطعا وذلك كأن يقول : وكلتك على شراء ثوب حتى ولو ذكر الثمن
أما إذا ذكر لفظا يدل على انواع مختلفة ولم يبين النوع الذي يريده . وإذا ذكر لفظا يدل على أنواع مختلفة باختلاف أحوال الناس فتارة مجهولة والمبنية يسيرة - كالدار - فإنها تدل على دور متعددة لأنها تشمل الدار الكبيرة والمبنية بالحجر باللبن المحروق وغيره . والموجودة في بلد كذا أو جهة كذا . أو شارع كذا . إلى غير ذلك فإذا كان في قربة ولا تختلف دورها كثيرا في بنائها واتساعها وموقعها فإن الجهالة تكون يسيرة وتلحق بجهالة النوع إلا أنه لا بد فيها من ذكر الثمن كأن يقول : وكلتك على دار بكذا
أما إذا كان في مدينة يختلف حال الدور فيها باختلاف الموقع وتفاوت بنيانها اختلافا كثيرا فإنه لا بد من ذكر الأوصاف المميزة لها وإلا كانت ملحقة بجهالة الجنس فلا تصح الوكالة
ثانيا : إذا اشترى الوكيل لموكله سلعة ثم ظهر بها عيب ولم يردها الوكيل إلى صاحبها كان ملزما بها إلا إذا قبلها الموكل على عيبها
وإذا هلكت في يد الوكيل قبل أن يلزمه الموكل بها هلكت على الموكل وهل للموكل أن يرد السلعة المعينة قبل أن يستلمها من الوكيل ؟
الجواب : ليس له ذلك لأن ردها من حقوق الوكيل ما دامت في يده . فإذا مات ينتقل إلى وراثه فإذا لم يكن له وارث انتقل حق الرد إلى الموكل . أما إذا استلم الموكل السلعة فقد أصبح هو صاحب الحق في ردها بالعيب لأن الوكالة تنتهي السلعة وليس للوكيل حينئذ ردها إلا إذا أمره موكله بذلك فإنه يصح
وإذا وكله على أن يبيع له سلعة وظهر للمشتري أن عيبا فإن للمشتري أن يردها على الوكيل إلا إذا سلبت عن الوكيل أهلية التصرف كأن جن أو حجر فإنها ترد في هذه الحالة على الموكل
[ يتبع . . . ]
ثالثا : إذا وكله على أن يشتري له سلعة ولم يعطيه ثمنها فاشتراها الوكيل له من ماله ودفع ثمنها فإن للوكيل حبس هذه السلعة وعدم تسليمها للموكل إلا إذا دفع ثمنها فإن له حبسها بطريق الأولى وذلك لأنه في حالة دفع الثمن قد يتوهم أنه بالثمن لموكله فلا يصح له حبس عنه أما في حالة عدم الدفع فلا يتوهم التبرع
وإذا هلكت السلعة في يد قبل أن يحبسها عن موكله فإنها تهلك من مال الموكل فعليه أن يدفع ثمنها
ومثل ذلك ما إذا دفع الموكل له ثمن السلعة لشتريها فضاع منه الثمن فإنه يضيع على الموكل لا على الوكيل نعم إذا اشترى سلعة ثم أعطاه الموكل ثمنها ليدفعه إلى البائع فققد منه الثمن قبل يعطيه للبائع فإن الوكيل يكون ملزما به وكذلك إذا هلكت السلعة في يد الوكيل بعد حبسها عن الموكل فإنها تهلك على الوكيل وليس له أن يطالب الموكل بثمنها سواء كانت قيمة السلعة متساوية مع ثمنها أو لا
وبعضهم يقول : إن السلعة في هذه الحالة كالمرهون . فإن تهلك بالأقل من ثمنها وقيمتها بمعنى أنها تقوم وقت هلاكها فإن كانت قيمتها تساوي ثمنها بأن كان ثمنها عشرة ولم ينقص عن ذلك ولم يزد عند هلاكها فالأمر ظاهر
أما إذا زادت قيمتها عن ثمنها خمسة كانت الخمسة حقا للموكل فيطالب بها الوكيل وإن نقضت خمسة كانت حقا للوكيل فيطالب بها الموكل . مثلا إذا وكله بشراء جمل فاشتراه له بخمسة عشر ولم يدفع الموكل الثمن ولم يرض الوكيل بإعطائه الجمل قبل دفع الثمن ثم مات بعد ذلك في يد الوكيل . ففي هذه المسألة رأيان :
أحدهما : أن الجمل هلك بثمنه على الوكيل فلا يطالب الموكل بشيء سواء زادت الجمل أو نقصت
ثانيهما : أنه ينظر إلى ثمن الجمل وقيمته عن ثمنه بحيث أصبح يساوي عشرة فإن الوكيل يحسب عليه عشرة فقط ويرجع على الموكل بالخمسة
أما إذا كانت قيمته هلاكه قد ارتفعت إلى عشرين فإنه بخمسة عشر ويرجع الموكل على الوكيل بالخمسة التي زادت
رابعا : إذا اشترى الوكيل السلعة بثمن معجل ثم أجله له البائع بعد الشراء فإن للوكيل الحق في مطالبة الموكل بالثمن حالا
أما إذا اشتراها بثمن مؤجل من أول الأمر فليس له مطالبة الموكل بالثمن حالا
خامسا : إذا أراد شخص أن يتعاقد مع آخر في سلم فإنه يصح له أن يوكل عنه من يدفع للمسلم إليه ( البائع )
رأس مال السلم ( الثمن )
أما المسلم فإنه لا يجوز له أن يوكل عنه غيره في قبض رأس مال السلم وذلك لأنه مجرد أن يقبض الوكيل رأس المال ( الثمن )
فإنه يصير المسلم فيه ( المبيع )
في ذمته فيكون مسؤولا عنه مع أن الثمن يعطي إليه ولا يجوز أن يبيع الإنسان ماله بشرط أن الثمن لغيره وبذلك يكون التوكيل باطلا ويكون الوكيل هو المتعاقد ( المسلم إليه )
فيكون رأس المال مملوكا له والمسلم فيه دينا في ذمته فإذا أعطى رأس المال من وكله كان في ذمته وفي الصورة الأولى الجائزة وهي ما إذا وكل رب السلم ( المشتري شخصا ليدفع عنه رأس مال المسلم ( الثمن )
فإنه لا يصح للوكيل أن يفارق المسلم إليه البائع قبل أن يدفع له رأس المال فإذا فارقه بطل العقد . وإذا كان الموكل حاضرا وفارق المجلس قبل القبض . هل يبطل العقد أو لا ؟ رأيان فبعضهم يقول : إن الوكيل نائب فإذا حضر الأصيل فلا يعتبر النائب . وبعضهم يقول : إن الوكيل وإن كان نائبا في أصل العقد ولكنه في التصرف في الحقوق فلا عبرة بحضور الموكل ولا بمفارقته ما دام الوكيل حاضرا
ومثل السلم الصرف فإنه يجوز لكل من العاقدين أن يوكل عنه من يستلم العين التي يتبادلانها بشرط ألا يفارق الوكيل صاحبه قبل العقد
سادسا : إذا وكله على أن يشتري له شيئا بعينه كفرس فلان أو ثوره أو غير ذلك فإنه لا يجوز للوكيل أن يشتري ذلك الشيء عند غيبة موكله
أما إذا كان موكله حاضرا فإن له أن يشتريه لنفسه لأن له أن يعزل نفسه عن التوكل رأسا بحضرة موكله ويكون حرا . أما في حالة غيبة موكله فإنه لا يجوز له عزل نفسه فلا يصح أن يشتري لنفسه ما أمره موكله بشرائه له وإلا كان مغررا وذلك لا يجوز . نعم إذا قال له اشتر لي كذا بعشرين فاشتراه لنفسه بخمسة وعشرين أو قال له اشترلي بورق فاشتراه بذهب فإنه يجوز لأن في مخالفة لأن في مخالفة الموكل عزلا ضمنيا للوكيل
ومثل ذلك ما إذا وكله على أن يزوجه امرأة بعينها فإن للوكيل أن يزوجها لنفسه وذلك لأن النكاح لا بد من إضافته إلى الموكل فإذا أضافه الوكيل لنفسه فقد عزل نفسه لمخالفته مقتضي التوكيل
وإذا وكله على أن يشتري شيئا غير معين كأن قال له اشتر لي ما رأيت فهذه تحتمل ثلاث صور : الصورة الأولى : أن ينسب الثمن إلى مال أحدهما أحدهما وفي هذه الحالة تكون السلعة لصاحب المال سواء كان الوكيل أو الموكل
الصورة الثالثة : أن لا ينسب الثمن إلى مال أحد كالصورة الثانية ولكن الوكيل لم ينو عند الشراء أن تكون السلعة له أو للموكل ووافقه الموكل على ذلك وفي هذه الحالة رأيان :
الرأي الأول : أن تكون السلعة لمشتري ( الوكيل )
مطلقا سواء دفع ثمنها من ماله أو من مال الموكل
الرأي الثاني : أن تكون للذي دفع الثمن من ماله
سابعا : إذا ادعى الوكيل أنه اشترى حيوانا كفرس فهذه المسألة تحتمل صورا :
الصورة الأولى : أن يكون مأثورا بشراء ذلك الحيوان بعينه والحيوان حي لم يحدث فيه عيب وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء أخذ ثمنه أو لا بعد أن يحلف وذلك لأنه أخبر عن شيء يملك فعله في أي وقت ما دام وكيلا
الصورة الثانية : أن يكون الحيوان قد هلك أو حدث به عيب . وهذه تحتمل وجهين :
الوجه الثاني : أن لا يكون قد فقد الثمن وفي هذه الحالة يكون القول للموكل
الصورة الثالثة : أن يكون مأمورا بشراء حيوان غير معين والثمن مفقود وفي هذه الحالة يكون القول للوكيل سواء كان حيا أو ميتا
الصورة الرابعة : أن يكون الحيوان غير معين والثمن غير منقود وفي هذه الحالة يكون القول للموكل لما فيها من جهة التهمة للوكيل فإنه يحتمل أن يكون قد اشتراه لنفسه فلما رأى الصفقة خاسرة قال إنه اشتراه للموكل
ثامنا : إذا قال شخص لآخر بعني هذا الثور لفلان فباعه إياه ثم أنكر المشتري أن فلانا أمره بالشراء حقيقة
تاسعا : إذا وكله على أن يشتري له سلعتين معينتين ولم يسم ثمنا فاشترى له إحداهما بقدر قيمته أو بزيادة يسيرة يتعغابن فيها الناس فإنه يصح أما إذا اشتراها بزيادة فاحشة فإنه لا يصح وذلك لأن الوكيل على شراء شيء لا يجوز له أن يشتري بغبن فاحش
وإذا وكله على بيع شيء فخالفه فإن كانت المخالفة في خير فإنها تنفذ كما قال له بع هذا الفرس بعشرين جنيها فباعها بخمسة وعشرين بشرط أن يبيع بالنقد أي بحيث لو باعها بورق فإنه لا يصح ولو كانت مصلحة للموكل
الحادي عشر : لا يجوز لوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها لنفسه أو لمن له عليه ولا ية بسبب الحجر لصغر أو جنون أو سفه أو لمن لا تقبل شهادته كابنه الكبير وأبيه فهؤلاء الأنواع الثلاثة لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لهم كما أن يبيع سلعة موكله لهم كما لا يجوز ان يشتري له سلعة منهم لتهمة المحاباة فضلا عن أن البيع والشراء من نفسه أو ممن له عليه ولاية يستلزم أن يكون البائع والمشتري واحدا والمعروف أن عقد البيع لا يكون إلا بين اثنين . فإذا أذنه الموكل أن يبيع لمن لا تقبل شهادته فإنه يصح أن يبيع لهم أو يشتري منهم بثمن المثل كما لا يجوز له أن يبيع لهم بأزيد ويشتري منهم بأنقص بلا خلاف فإن باع أو اشترى منهم بغبن فاحش فإنه لا يصح قولا واحدا وفي الغبن اليسير خلاف ( والغبن الفاحش هو الذي لا يتغابن الناس فيه عادة أي لا يخدع بعضهم فيه بعضا . وقدره بعضهم في عروض التجارة بما زاد على نصف العشر وفي الحيوان بما زاد على العشر وفي العقار بما زاد على الخمس )
فذلك هو الغبن الفاحش وما عداه فهو يسير
أما إذا أذنه الموكل بأن يبيع لنفسه أو لابنه الصغير ففيه رأيان :
أحدهما : أنه لا يجوز لأن العاقد في هذه الحالة يكون واحدا
ثانيهما : انه يجوز ( ويظهر أن الذي يقول بعدم الجواز لعلة كون العقد واحدا لا يمنع أن يبيع الوكيل السلعة لأجنبي ثم يشتريها منه ثانبا لأنه في هذه الحالة يكون البائع غير المشتري )
الثاني عشر : يجوز للوكيل أن يبيع السلعة الموكل على بيعها بيعا مطلقا والكثير فلا يسأل عن الغبن سواء كان فاحشا أو يسيرا عند أبي حنيفة . اما صاحباه فيقولان انه يجوز أن يبيع بغير ثمن . المثل وقد رجح بعضهم قول الإمام وبعضهم رجح قول صاحبيه وعليه الفتوى
أما إذا وكله على أن تشتري له سلعة فإنه لا يجوز لوكيل أن يشتريها بأكثر من ثمن المثل بحسب العرف والعادة بالإجماع فإذا أشترى على خلاف العادة والمعروف أو اشترى بغير النقود نفذ شراؤه على نفسه وكان ملزما بالثمن الذي أخذه من مال موكله
واعلم أنهم قسموا الذين ينصرفون في البيع والشراء إلى أقسام
الأول : الأب والجد والوصي إذا باعوا أو اشتروا مال القاصر أو المحجور عليه وهؤلاء ليس لهم أن يبعوا أو يشتروا بحسب العرف والعادة ويغتفر لهم الغبن اليسير
الثاني : الوكيل بالبيع المطلق والمضارب وشريكا العنان وهؤلاء يجوز لهم أن يبعوا كما يحبون ونفذ تصرفهم ولو غبنوا غبنا فاحشا عند أبي حنيفة أما صاحباه فقد عرفت رأيهم في ذلك آنفا وقد عرفت أن شراء هؤلاء لا ينفذ إذا كان بحسب العرف والعادة باتفاق
الثالث : المريض مرض الموت إذا كان عليه دين يستغرق جميع ماله وهذا إذا باع منه شيئا فإنه يجن أن يكون بحسب العرف والعادة ولا ينفذ تصرفه إذا غبن فيه سواء كان الغبن فاحشاء أو يسيرا والمشتري بالخيارإما أن يرد السلعة لأو يكمل مانقص من ثمنها فإن مات وترك وصيا وباع وصيه بالمال لسداد دينه فإنه يعفى في بيع الوصي عن الغبن اليسير في هذه الحالة
أما إذا باع الوصي لمن لاتقبل له شهادته وحاباه ولو يسيرا فإنه لا يصح
الرابع ( الوصي )
وهو لا يجوز له أن يبيع مال اليتيم أو يشتريه لنفسه إلا إذا كان فيه خير لليتيم وتقدر الخيرية بزيادة الثلث فيجوز له إن يشتري ما يساوي عشرة بخمسة عشر ويبيع له ما يساري خمسة عشر بعشر وإلا فلا
الخامس : ( الكاتب )
و ( العبد )
المأذون بالتجارة وهذان لهما أن يبيعا وأن يشتريا على خلاف العرف والعادة عند أبي حنيفة فلو باعا ما يساوي عشرة بواحد فإنه يصح أما صاحباه فيقولان أنه لا يجوز أن يبيعا على خلاف المعروف
الثالث عشر : إذا وكله أن يبيع له سلعة يتجر فيها فباعها بثمن مؤجل فإنه يصح أما إذا وكله على أن يبيع له إردبا من القمح ليدفعه في الخراج المطلوب منه فورا فإنه لا يصح أن يبيعه بثمن مؤجل وكذا في كل سلعة قامت القرينة على الاحتياج إلى ثمنها على أنه يشترط في البيع بثمن مؤجل ألا تطول مدة الأجل طولا يخالف العادة في مثل ذلك وإلا لم ينفذ بيعه
الشافعية - قالوا : ينعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور :
أولا : إذا وكله على أن يشتري له شيئا فعليه أن يبين صنفه . فإذا قال وكلتك على شراء دار فيجب أن يبين جهتها كأن يقول في بلد كذا في حارة كذا أو شارع كذا ما لم يكن الغرض من الشراء التجارة فإنه لا يشترط بيان النوع لأن المقصود للموكل أن يشتري له ما فيه ربح في أي جهة كان وعلى أي صفة وجد فيطفي أن يقول له اشتر ما فيه ربح
ثانيا : إذا وكله على شراء معين فيجب على الوكيل أن يتبع ما أمره موكله فإذا قال له اشتر لي فلان ناقة بثمن كذا فإنه يتعين ولا يجوز للوكيل الخروج عنه وإذا وكله على أن يبيع له سلعة بثمن مؤجل إلى أجل معين كشهر أو شهرين فإنه يصح وعلى الوكيل أن يتبع ما أمره به موكله فإن خالف ذلك بأن باع بثمن حال أو بأجل انقض من الأجل الذي عينه له موكله فإنه يصح بشرطين :
الأول : ألا ينهاه الموكل عن البيع الحال أو يكون فيه ضرر على الموكل كنقص في الثمن
الثاني : ألا يعين له المشتري فإن عينه كأن قال له بع لفلان بثمن مؤجل فإنه لا يصح أن يخالفه أما إذا قال له بع بثمن مؤجل ولم يحدد الأجل فإنه على الأجل المتعارف في بيع هذه السلعة فإن لم يكن فيه عرف بين الناس فعلى الوكيل أن يتبع ما فيه مصلحة موكله
خامسا : لا يصح لوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه أو لابنه الصغير أو السقيه أو المجنون وذلك لأن عقد البيع يجب أن يكون بين اصنين أحدهما موجب كأن يقول بعت كذا والآخر قابل وهو الذي يقول قبلت ( وهنا الشخص واحد )
لأنه إما أن يبيع لنفسه أو يبيع لمن هو ولي عنه وهذا لا يصح . نعم إذا حدد الموكل الثمن ووكل عن ابنه الصغير أو المجنون أو السفيه من يقبل عنه البيع ورضي موكله الأصلي بذلك فإن البيع يصح
أما البيع لولده الكبير ( البالغ الرشيد )
ولأبيه وإن علا فإنه يصح في الأصل وبعضهم يقول : يصح لوجود التهمة فإن صرح الموكل بالبيع لهما فإنه يصح بلا خلاف
ثالثا : إذا قال له وكلتك على أن تبيع هذه السلعة بما شئت أو بما تراه فإن له أن يبيعها بغير نقد البلد ( بالعملة المستعملة في البلاد الجنبية )
وليس له أن يبيع بغبن فاحش أو بثمن مؤجل
وإذا قال له بعها بكم شئت فإن له أن يبيع بغبن فاحش وليس له أن يبيع بثمن مؤجل أو بغير نقد البلد وذلك لأن ( كم )
للعدد فيشمل القليل والكثير فهو أذنه في أن يبيع بأي ثمن وليس فيه تصريح له بالبيع إلى أجل أو بغير البلد
وإذا قال له بعها كيف شئت فله بيعتها بثمن مؤجل وليس له بيعها نغبن فاحش أو نقد البلد وذلك لأن ( كيف )
للحال فيشمل الثمن الحال والمؤجل فهو المصرح لا بالغبن ولا بمخالفة نقد البلد
رابعا : إذا وكله وكالة مطلقة فليس له أن يبيع أو يشتري إلا بثلاثة شروط :
الشرط الأول : ألا يتعاقد إلا بثمن فيه مصلحة الموكل فلا يبيع السلعة إلا بثمن المثل أو أكثر ولا يشتري إلا بثمن المثل أو أقل فإذا غبن في بيعه غبنا فاحشا فإنه لا يصح
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - الوكالة بالبيع والشراء من الأمور التي يكثر وقوعها بين الناس فلذا
والغبن الفاحش هو ما لا يغتفر بحسب العرف أما الغبن اليسير وهو كثيرا بين الناس فإنه لا يضر وإذا باع السلعة بثمن المثل ووجد لها راغب بثمن أزيد فإذا كان فرق الثمن كثيرا بحيث يقع الغبن الفاحش فإنه يجب أن يبيع السلعة للراغب إذا كان زمن الخيار فإن لم يفعل انفسخ العقد الأول الشرط الثاني : أن يبيع بثمن حال لا مؤجل فإذا باع مؤجل فإن البيع لا يصح
الشرط الثالث : أن يبيع بالنقود المستعملة في بلد البيع فلا يصح البيع بالنقود المستعملة في الممالك الأجنبية عنها مالم يأذن به الموكل
الحنابلة - قالوا : يتعلق بالوكالة بالبيع والشراء أمور :
أولا : لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله لنفسه لأن العرف في البيع أن يبيع الشخص لغيره والوكالة على العرف وكذا لا يصح أن يبيع لولده أو زوجه وكذا سائر من لا تقبل شهادته له لأن في ذلك تهمة كالتهمة التي تلحقه إذا باع لنفسه
ثابا : لا يجوز للوكيل أن يبيع سلعة موكله بعرض تجارة ولا بثمن مؤجل ولا بنقود غير مستعملة في بلد البيع إلا أذن له موكله وإذا اختلفا في الإذن فالقول للوكيل أما إذا اختلفا في التصرف كما إذا قال له أمرتني ببيع السلعة والموكل قال : بل امرتك برهنها فالول للموكل
ثالثا : إذا حدد ثمن السلعة لوكيله فإن عليه أن يتبع أمره فإذا باع مما عينه له صح البيع ولكن الوكيل ملزما بدفع الثمن الذي عينه له الموكل . وكذا إذا لم يحدد له ثمنا ولكنه باع بأقل من ثمن المثل فإنه يلزم بدفع ثمن المثل
ومثل ذلك ما إذا اشترى بأزيد من الثمن الذي عينه له أما بأزيد من ثمن المثل فإن البيع والشراء يصح ولكنه يكون ملزما بدفع الثمن . فإذا باع بأكثر مما عينه له الموكل صح ويعفى في البيع والشراء عن الغبن اليسير
أما الغبن الفاحش وهو ما لا يقع مثله ويقدر بعشرين في المائة فإنه لا يعفى عنه وبلزم به الوكيل رابعا : إذ قال له الموكل اشتر لي سلعة بثمن حال فاشتراها بثمن مؤجل فإنه يصح أو بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فإنه يصح إذا لم يترتب على ذلك ضرر للموكل لأنه في هذه الحالة قد فعل ما فيه زيادة خير لموكله
أما إذا ترتب على ذلك ضرر كما إذا قال له : بع هذه السلعة بثمن مؤجل فباعها بثمن حال فحجز عليه ظالم أو لم يستطع حفظه في ذلك الوقت فعرضه للضياع فإن الوكيل لا ينفذ تصرفه وبعضهم يقول : وعليه ضمان الضرر ومثل ذلك ما إذا قال : اشتر لي سلعة بعشرة فاشتراها بأكثر من ذلك لأجل
خامسا : إذا اشارى الوكيل سلعة بها عيب معلوم له فإن الشراء يلزم الوكيل فليس له رد السلعة وإذا رضي بها موكله مع عيبها فإنه يصح لأنه مقصود بالشراء
أما إذا كان العيب غير معلوم للوكيل فإن رد السلعة ما لم يحضر الموكل قبل ردها فإن حضر فليس للوكيل الرد وذلك لأن حق السلعة المعيبة للموكل والوكيل قائم مقامه فقط فإذا حضر الموكل كان صاحب الشأن وكذلك حق تسليم الثمن وقبض المبيع فإنه للموكل لا لوكيل فإذا حضر الموكل كان هو صاحبه
سادسا : إذا وكله على أن يبيع له سلعة فإن عليه أن يسلمها لمن اشتراها وليس له قبض الثمن فإن لم يأذنه صريحا ولكنه أذنه ضمنا بأن قامت قرينة على إذنه بقبض الثمن فإنه يصح وذلك كما وكله أن يبيع جملا في سوق عامة بعيدة عنه ولم يعين له المشتري فلا معنى لهذا إلا أنه قد أذنه بقبض الثمن فإن باع الوكيل السلعة وسلمها ولم يقبض ثمنها كان ملزما به لأنه في هذه الحالة يكون مفرطا
سابعا : إذا وكله على أن يشتري له سلعة فإن على الوكيل أن يسلم ثمن السلعة لو أخر تسليم الثمن بلا عذر ثم فقد كان الوكيل ضامنا له
ثامنا : إذا وكله أن يشتري شيئا فلا بد من بيان نوعه وثمنه فإذا قال له : وكلتك على أن تشتري لي ما تشاء أو تشتري لي عينا بما تشاء فإنه لا يصح
تاسعا : إذا وكله على بيع ماله أو بيع ما شاء منه فإنه يصح على أنه إذا قال : بع من مالي ما شئت فله بيع ماله كله



مبحث التوكيل بالخصومة

- إذا وكل عنه من يقوم مقامه في الخصومة بأن يدعي عنه دعوى صحيحة أو يجب عن دعوى فإن ذلك جائز ولا يملك هذا الوكيل قبض هذا الدين ولا الصلح بل لا بد من التوكيل على ذلك في عقد الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : التوكيل في الخصومة جائز بشروط :
أحدهما : أن يمون وكيل الخصومة واحدا لا أكثر فلا يصح له أن يوكل أكثر من واحد إلا برضا الخصم
ثانيهما : ألا يكون الوكيل عدو للخصم فإن ثبتت عدواته فإنه يصح ضده أما إذا لم تثبت عدواته له فإنه توكيله بدونة رضا الخصم
ثالثهما : لا بد من تعيين في الخصومة فلا يصح أن يقول : وكلتك كل من يخاصم عني حتى لو كان شخصان شريكين في حق عند واحد وقالا : من يحضر منا يخاصم ضده فإنه لا ينتفع لأنه يكون بمنزلة توكيل متعددة بدون تعيين الوكيل فلا بد تعيين من يخاصم منهما
رابعها : ألا يباشر الموكل نفسه الخصومة أمام الحاكم فإذا باشرها بنفسه وحضر ثلاث جلسات إنه لا يصح له أن يوكل بعد ذلك لما في ذلك من تفاقم الشر واتساع الخصومة وذلك منهي عنه في نظر الشريعة السمحة نعم يصح له أن يوكل عنه لعذر من مرض أو سفر أو اعتكاف وفي هذه الحالة عليه أن يحلف بأنه ما وكل عنه إلا لسبب من هذه الأسباب فإن امانتع عن الحلف فلا يصح له أن يوكل إلا برضا خصمه . ومن العذر أن يتشاتما أو يضيق الخصم عن احتمال خصمه فيحلف بالله ألا يقف إلى جانبه في الخصومة
أما إذا حلف لغير سب فإنه لا ينفع حلفه وليس لوكيل الخصومة نفسه بعد أن يحضر ثلاث جلسات إلا لعذر بعد أن يحلف اليمين أنه ما عزل نفسه إلا لهذا العذر وكذلك للموكل عزله . أما قبل حضوره ثلاث جلسات فإن عزل نفسه وللموكل عزل موكله قبل ذلك فلخصمه أن يوكله إلا إذا أصبح عدوا للموكل الأول فإنه لا يصح
وإذا خاصم الوكيل في قضية ثم انتهت وأراد الدخول في قضية أخرى فإنه يصح بشرط أن يكون الوكالة غير معينة ولم تطل مدة انقطاع الخصومة بين القضيتين فإذا طالت إلى ستة أشهر فإنه لا يصح
أما إذا كانت متصلة ولم تنقطع فللوكيل أن يتكلم عن موكله وإن طال كثيرا
ولا يملك وكيل الخصومة الخاصة الإقرار عن موكله إلا إذا نص عليه في عقد التوكيل فإن أقر بشيء لم يلزم الموكل ويكون الوكيل في هذه الحالة كشاهد
أما الوكيل وكالة مفوضة فإنه يملك الإقرار ويشترط لنفاذ الإقرار على الموكل في الحالتين شروط بحيث لا ينفذ من وكيل الخصومة الخاصة المنصوص فيها عن أن له الإقرار ولا من الوكيل المفوض إلا إذا تحققت هذه الشروط :
الأول : أن يقر بشيء معقول يناسب الدعوى فلا يقر بشيء زائد عن المناسب
الثاني : أن يقر بما هو من نوع الخصومة كأن يوكله في دين فيقر بأنه قبض بعض أو أبرأه عن بعضه . أما إذا وكله بدين له عند خصمه فأقر له اتلف له وديعة عنده ونحو ذلك فإن الإقرار لا ينفذ
الثالث : ألا يقرلشخص بينه وبينه ما يوجب التهمة كصديقة أو قريبة أو نحو ذلك
وإذا قال الموكل لوكيله : أقر عني بألف يكون ذلك إقرار من الموكل فلا يحتاج لإنشاء الوكيل إقرار وليس للموكل الرجوع بعد ولا عزل الوكيل عن الإقرار ويكون شاهدا عليه بها
الحنفية - قالوا : الوكالة في الخصومة جائزة لا فرق بين أن يوكل واحدا أو أكثر ولكن هل تصح بدون رضا الخصم أو لا ؟ فبعضهم رجح قول الإمام وهو أن التوكيل في الخصومة لا يجوز إلا برضا الخصم وبعضهم رجح قول صاحبيه وهو أنه يجوز رضا الخصم سواء كان المدعي أو مدعى عليه
وبعضهم فوض الأمر للقاضي وهو أنه إذا علم من الموكل التعنت والإضرار بالخصم بدون حق فلا يقبل التوكل وإذا علم من أحد الخصمين التعنت في عدم قبول التوكيل الذي يقصد منه بيان الحقيقة لا يصغي له . وهذا حسن في وماننا لأن كثيرا من الناس يعلم حق العلم أنه مبطل وأن قضيته خاسرة ولكن يحمله العناد والإغراق في الخصومة على توكيل محام لا عمل له الإضرار بالخصم بأن يحاول تأخير حقه على نفقات ضائعة نكاية به أو غير ذلك فلو أن الموكل الذي يظهر منه ذلك للقاضي لا يقبل منه لإلا برضا خصومة يكون حسنا
ومحل ذلك كله ما إذا كان القاضي غير محل التهمة وإلا فالعمل برأي الصالحين أولى وأنفع وعلى أن الإمام أجاز التوكيل بالخصومة وإن لم يرض الخصم للضرورة كما كان الموكل مريضا لا يمكنه حضور مجلس القضاء بقدميه فإذا أمكنه الحضور على ظهور دابة فإنه يلزمه الحضور إن لم يترتب على ذلك زيادة مرضه وإلا فلا
وكذا إذا عزم على سفر مدة بحيث تقوم القرينة على أنه مسافر حقا خصمه يحلفه القاضي بالله وكذا المحذرة التي تخالط الرجال عادة فإن لها أن توكل بدون رضا الخصم وكذلك إذا كان لا يحسن الدعوى فإن له أن يوكل عنه رضي الخصم أو لم يرض . وهذه الطريقة قد تجعل لمعظم العامة الحق في التوكيل . ولوكيل الخصومة أن يعزل نفسه متى شاء إذا كان متبرعا ومثله وكيل القبض ووكيل البيع والشراء وغير ذلك إلا في أمور ثلاثة : فليس للوكيل نفسه أو يعزله موكله
الأمر الأول : إذا وكله في أن يسلم عينا لشخص كأن قال له : أعط هذه الثياب أو الكتب أو الحيوانات لفلان ثم غاب الموكل عن البلدة فإنه يجب على الوكيل في هذه الحالة أن يسلمها ولا يصح له أن يعزل نفسه
الأمر الثاني : أن يوكله على بيع الرهن كما إذا رهن عينا في نطير دين ووكل شخصا على أن يبيع هذه العين لسداد الدين فإنه يجبر على بيعها ولا يصح له أن يعزل نفسه
الأمر الثالث : أن يوكل شخصا بالخصومة وهو غائب ليجيب الدعوى بناء الدعوى على طلب المدعي فإنه يجب على الوكيل أن يباشر عمله حيث لا يجد أمامه من يقاضيه
أما إذا كان المدعي عليه حاضرا فللموكل عزله لأنه يمكنه أن يطلب منه حقه وهو حاضر وكذا 'ذا لم يكن التوكيل بطلب المدعي لأنه لا حق له في الوكالة وسيأتي لذلك مزيد في عزل الوكيل والوكيل بالخصومة والمطالبة بالحقوق والمطالبة لا يملك القبض على المفتي به بل لا بد لقبض الدين ونحوه من الحقوق المالية من نص عليه في التوكيل فإذا وكله على قبض الدين ولم يوكله على الخصومة فإن له أن يخاصم عنه الخصومة طريق لأخذ ضد الصلح الموكل عليه ووكيل الخصومة يملك الإقرار بخلاف غيره من الوكلاء فلا يملك الإقرار لا فرق بين وكيل القبض أو وكيل الصلح أو غيرهما وإنما يملك وكيل الخصومة الإقرار بشروط :
الشرط الأول : أن يقر مجلس القضاء فلو أقر خارجه الموكل
الشرط الثالث : ألا ينص في توكيل الخصومة على ألا يكون للوكيل حق فإذا نص على ذلك الوكيل لا يملك الإقرار . وحاصل هذه المسألة أنه إذا قال له : وكلتك بالخصومة على ألا يكون لك حق الإقرار عني فإنه يصح فلو أقر عليه في مجلس القضاء بعد ذلك فإنه يخرج من الوكالة فلا تسمع خصومته ويكون للوكيل في هذه الحالة حق الإنكار فقط فإذا استثني الإنكار كان له حق الإقرار فإذا وكله بالخصومة على ألا يكون له حق الإقرار ولا حق الإنكار ففي صحة هذا التوكيل خلاف
الحنابلة - قالوا : التوكيل يالخصومة جائز وليس الخصومة أن يقبض الحقوق المالية إذا نص عليها في عهد التوكيل . أما إذا لم ينص فغن الخصومة لا تشمل القبض لا لغة ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض . أما الوكيل في القبض فإن له الخصومة لأنه قد لا يتوصل إليه إلا بها ففي التوكيل بالقبض إذن بالخصومة
الشافعية - قالوا : الوكالة بالخصومة تصح ولكن الخصومة لا يملك الإقرار ولا الصلح ولا الإبراء من الدين . على أن الوكالة بالإقرار لا تصح حتى ولو صرح بها الموكل في توكيله على الأصح فإذا قال شخص لآخر : وكلتك على أن تقر لفلان فقال بكذا فقال الوكيل : أقررت لفلان بكذا فإنه لا يصح لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة وهل الموكل يكون مقرا بذلك أو لا ؟
والجواب أن هذا يختلف لاختلاف العبارة . فإذا قال له : وكلتك لتقر عني لفلان بألف له علي فإنه بذلك يكون مقرا قطعا . وإذا قال له : وكلتك لتقر عني ولم يقبل علي فقبل يكون مقرا وقيل : لا والأصح أنه يكون مقرا
أما إذا قال : وكلتك لتقر لفلان بألف علي ولم يذكر عني فإنه لا يكون مقرا على الأصح لأنه لم يصرح بأن الأقرار عنه . أما إذا قال : وكلتك لفلان بألف ولم يقل عني ولا علي فإنه لا يكون مقرا قطعا




مبحث هل للوكيل أن يوكل غيره ؟

- إذا أذن الموكل وكيله يتوكيل الغير فإنه يصح له أن يوكل وأما إذا لم يأذنه فإن فيه اختلاف المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : إذا لم يأذن الموكل الأصلي وكيله بتوكبل الغير فإنه لا يصح له أن يوكل إلا في حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون وكيلا على أمر لا يليق به أن يتولاه بنفسه كما إذا وكله على بيع دابة بسوق عامة وهو عظيم لا يناسبه أن يباشر بنفسه وذلك البيع فله في هذه الحالة فإذا لم يتحقق هذا الشرط ووكل عنه غيره بدون إذن الموكل الأصلي وضاع المال كان مسؤولا عنه
الحالة الثانية : ان يوكل على عمل كثير لا يستطيع أن يتولاه وحده فله في هذه الحالة أن يوكل عنه غير ليساعده في العمل وليس له أن يوكل من يستقل بالعمل وحده
وإذا وكل الوكيل الوكيل عنه ثم عزل الموكل الأصلي الوكيل الأول فإن الوكيل الثاني لا ينعزل بمعزل الأول فإذا أراد الموكل الأصلي عول الثاني فله عزله استقلالا وللوكيل الأول عزل الوكيل الثاني وإذا مات الموكل الأصلي انعزل الوكيلان وأما الوكيل وكالة مفوضة فله الغير توكيل الغير مطلقا
الحنفية - قالوا : لا يجوز للوكيل أن يوكل عنه في دفع ما عليه بدون إذن موكله إلا في أمور : أحدها : أن يوكل شخص آخر في دفع ما عليه من زكاة فللموكل في هذه الحالة أن يوكل عنه غيره بدون إذن موكله ويجوز تصؤفه بدون إذن الموكل الأصلي ما إذا وكل شخص آخر على أن يشتري له أضحية فوكل الوكيل غيره فاشترها فالشراء في هذه الحالة يقع موقوفا على إجازة الموكل الأصلي فإن أجازه صح وإلا فلا
ثانيهما : أن يوكل شخص آخر في أن يقبض دينا فللوكبيل أن يوكل عنه شخصا ممن يعولهم ( أي من ضمن عياله )
فإذا وكل عنه من كان في عياله ودفع المديون له الدين فإنه يبرأ لأن يد من كان من ضمن العيال كيد الوكيل . أما إذا وكل شخصا أجنبيا ليس من ضمن عياله ودفع المديون له الدين ثم وصل ليد صاحبه ( الموكل الأصلي )
فإن المديون يبرأ من الدين . أما إذا لم يصل الدين إليه وهلك في يد الوكيل الثاني لم يبرأ المدين وعلى الوكيل الثاني ضمان الدين وله الرجوع على الوكيل الأول الذي وكله
ثالثها : إذا وكل شخصا على أن يبيع له سلعة ثم طلبه ليقدر له ثمنها الذي يبيعها به فوكل الوكيل عنه من يذهب إلى الموكل ليسمع منه تقدير الثمن فإن التوكيل يصح بدون إذن الموكل الأصلي لأن مقصودة وهو تقدير الثمن حصل بدون ضرر
ويقوم التفويض إلى رأي الوكيل مقام الإذن بالتوكيل فإذا قال الموكل له : اعمل برأيك أو اصنع ما شئت فله أن يوكل عنه وإذا قال الوكيل الأول للوكيل الثاني : اعمل برأيك أو اصنع ما شئت فليس أن يوكل عنه وكيلا ثالثا بذلك ويستثنى من ذلك الطلاق والعتاق كما مر فلا يصح أن يوكل عنه غيره
وإذا وكل الوكيل الول عنه وكيلا آخر بدون إذن أو تفويض فتصرف الوكيل الثاني فإن تصرفه لا يصح إلا إذا أجازه الوكيل الأول سواء كان حاضرا أو غائبا لأن الغرض هو حصول رأي الوكيل وقد حصل بإجازته للفعل ويسمى الثاني وكيلا وإن كانت وكالته بدون إذن أو تفويض غير صحيحة لأن إجازة تصرفه وكيلا حالا ألا ترى أن الفضولي بعد عمله يصير وكيلا فالإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة
وإذا وكل الوكيل الأول بأمر الموكل أو بالتفويض يكون الثاني تابعا للموكل الأصلي فلا ينعزل الوكيل الأول الذي وكله ولا بموته وينعزلان معا بموت الموكل الأصلي
الحنابلة - قالوا : لا يجوز للموكل أن يوكل غيره فيما يمكنه أن يباشر عمله بنفسه فإذا كان وكيلا على شيء لا يصح لمثله أن يتولاه فإنه يصح له أن يوكل غيره فيه وكذا كان وكيلا على شيء يعجز عن مباشرة عمله بنفسه فإنه يصح له أن يوكل في عمله غيره وإذا أذنه الموكل الأصلي توكيل الغير عنه فإنه يصح وكذا إذا وكله ومالة مفوضة بان يقول له : اصنع ما شئت فإنه في هذه الحالة يصح له أن يوكل عنه غيره
الشافعية - قالوا : يصح للوكيل أن يوكل عنه فيما يعجز عنه أو لا يليق به مباشرته بدون إذن فلا بد من إذن موكله الأصلي صراحة أو ضمنا



مبحث عزل الوكيل

- الوكالة من العقود الجائزة لأنها من جهة الموكل إذن ومن جهة الوكيل بذل نفع وكلاهما غير لازم فكل واحد من الموكل فسخ عقد التوكيل فيصح للوكيل كما يصح للموكل أن يعزله على تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : الوكالة من العقود الجائزة إلا في ثلاثة مواضع فإنها تكون لازمة بحيث لا يصح عزل الوكيل فيها وذلك لأنها لا تكون مقصودة على الوكيل والموكل بل يتعلق بها حق لغير في هذه المواضع وقد تقدمت في مبحث الوكالة بالخصومة وهي :
( أ )
الوكالة بيع الرهن فإذا رهن شخص عند آخر عينا في نظير دين ثم وكل شخصا على أن يبيع هذه العين لسداد ذلك الدين فإن الوكالة تصبح لازمة فليس للوكيل عزل نفسه كما أنه ليس للموكل عزله لتعلق حق صاحب بهذه الوكالة لأنه يريد أخذ حقه ببيع العين . ومن ذلك ما إذا وكل آخر بأن يقبض دينه من فلان المديون فإنه لا يجوز له عزله إلا إذا علم المديون لتعلق حق بذلك
( ب )
الوكالة بالخصومة بالتماس الطالب عند غيبة المطلوب مثلا إذا علم لشخص عند آخر دين ثم أراد المدين السفر إلى بلاد نائبة فطلب صاحب الدين من المدين أن يوكل عنه شخصا ليخاصمه في طلب الدين حال غيابه فوكل عنه بناء على هذا الطلب فعند ذلك الوكيل غير قابل للعزل لأنه قام مقام المدين الغائب وليس لصاحب الدين من يطالبه بدينه سواه فلو عزل الوكيل ضاع عليه حقه أما إذا كان المدين حاضرا لا غائبا فإن الوكالة تكون جائزة لا لازمة لأنه يمكن أن يخاصم المدين . وكذلك إذا لم يكن تعيين الوكيل بناء على طلبه لأنه في هذه الحالة لا يكون له حق فيه
( ج )
الوكالة على تسليم عين لشخص مع غياب الموكل فإنه يجب على الوكيل أن يسلم هذه العين لصاحبها ولا يجوز له عزل نفسه كما تقدم في مبحث الخصومة فهذه الأمور تصبح فيها الوكالة لازمة وما عداها فإن الوكالة فيها لكل منهما فسخها ولكن يشترط علم كل منهما بالعزل فإذا عزل الوكيل نفسه فعليه أن يكون بكتاب يصل إليه أو إرسال رسوله إليه بشرط مميزا سواء كان عدلا أو غيره أو كبيرا وسواء صدقه أو كذبه أو بمشافهته بالعزل أو نحو ذلك ومحل ذلك إذا كان الوكيل متبرعا أما إذاى كان بأجر فإنه يعامل بشرطه ولا يشترط علمه بالعزل في أمور :
أحدهما : إذا وكل شخص آخر ولم يعلم الوكيل بالوكالة فإن للموكل عزله بدون علمه بالعزل
ثانيهما : الوكالة بالنكاح والطلاق والعتق فإن للموكل عزل نفسه بدون علم موكله
ثالثها : الوكالة بيع مال الموكل جميعه فإن عزل نفسه بدون علم موكله
رابعها : الوكالة بشراء شيء بغير عينه لوكيل أن يعزل نفسه بدون علم موكله . وعلة ذلك كله أن الموكل لا يلحقه ضرر بعزل الوكيل بدون علمه
مثلا إذا وكله على أن يبييع ماله وكان سوق البيع رائجا فإذا عزل نفسه عن البيع بدون علم الموكل وفاته سوق البيع اعتمادا على وكيل في هذه الحالة لا يجوز له عزل نفسه بدون علم موكله وينعزل الوكيل بلا عزل : أحدهما : نهاية الشيء الموكل فيه كما إذا وكلع على قبض دين قبضه فإن الوكالة تنتهي بالقبض
ثانيها : موت أحدهما وجنونه جنونا مطبقا مدة شهر على المفتى به
ثالثهما : إذا وكل المرتد شخصا ثمو لحق بدار الحرب أو قتل فإن الوكيل ينعزل بمجرد الحكم بلحاق المرتد بدار الحرب أو قتله . أما إذا أسلم فإن التوكيل ينفذ وتبطل الوكالة اللازمة بالموت وبالجنون في أمرين : الوكالة بالخصومة بناء على طلب الخصم والوكالة بتسليم عين مع غياب الموكل أما الوكالة ببيع الرهن فإنها بهذه العوارض
المالكية - قالوا : الوكالة من العقود فلكل من الوكيل فسخ عقدها كما يشاء في ثلاثة أحوال الحالة الأولى : الوكالة بالخصومة فإنه لا يصح للموكل أن يعزله بعد نفسه كما لا يصح لموكل أن يعزله بعد أن يحضر مع الخصم ثلاث جلسات كما تقدم في منحث الوكالة ولا فرق في هذه الحالة بالخصومة ولا فرق في هذه الحالة بين أن يوكله في مقابلة عوض على الإجارة أولا وهذه الحالة لا خلاف فيها
الحالة الثانية : أن تقع الوكالة في مقابلة عوض على وجه الإجارة وذلك بأن يوكله على عمل معين بأجرة معلومة أو على غير معين في زمن معين ومثال الأول أن يوكله على أن يبيع له جماله المعروفة وله بعد بيعها خمسة جنيهات بدون أن يحدد له زمنا ومثال الثاني أن يوكله على أن يعرض هذه الجمال في السوق للبيع خمسة أيام وله جنيهات بعد هذه المدة سواء باع هذه الجمال بالفعل أو لا ولا يصح أن يعين له العمل والعمل والزمان كأن يقول له : بع هذه السلعة في خمسة أيام بأجر كذا فإن لم يبيعها لا يستحق شيئا لأن تعيين العمل يفسد الإجارة
الحالة الثالثة : أن تقع الإجارة في مقابلة عوض على وجه الجعالة وذلك كما إذا وكله على أن يستخلص له دينا في نظير جعل ياخذه بشرط أن يبين له قدر الدين أو الشخص الذي عنده الدين ولا يشترط في الجعالة أن يبين له المدين قدر الدين والشخص المدين كانت إجارة لا جعالة . وهاتان الحالتين مختلف فيهما : فبعضهم يقول : إن الوكالة لا تلزم على كل حال سواء كانت في مقابلة عوض على وجه الإجارة أو على وجه الجعالة أو لم تكن وبعضهم يقول : إنها تلزم ثم إنها إنها كانت على وجه الإجارة تلزم الوكيل والموكل بمجرد العقد
وإذا كانت على وجه الجغالة تلزم الجاعل ( الموكل )
بشروع الوكيل في العمل أما المجمول له ( الوكيل )
فلا تلزمه بل له الفسخ
وينعزل الوكيل بموت موكله لأن الوكيل نائب عن الموكل في ماله خاصة فإذا مات الموكل انتقل ماله خاصة فإذا مات الموكل انتقل ماله إلى ورثته فلا يملك شيئا يتصرف فيه نائبه حينئذ وهل ينعزل الوكيل بمجرد موت الموكل وإن لم يعلم به أو لابد من العلم ؟ خلاف والراجح أنه لا ينعزل إلا إذا علمه فإذا تصرف قبل العلم ينفذ تصرفه
وإذا عزل الموكل وكيله فقيل ينعزل بمجرد العزل وقيل لا ينعزل ألا إذا علم فإذا تصرف قبل العزل لا ينفذ تصرفه على الأول وينفذ على الثاني
الشافعية - قالوا : الوكالة لاتلتزم ولو كانت بجعل إلافي حالتين :
الحالة الأولى : أن يترتب على خروج الوكيل من الوكالة ضياع مال الموكل أو فساده فإن الوكالة في هذه الحالة يكون لازمة ولا يقبل الوكيل العزل
الحالة الثانية : أن تكون الوكالة بلفظ الإجارة واستكملت شرائطها فإنها تلزم في هذه الحالة وفيهما عدا ذلك يكون لكل من ( الوكيل والموكل )
فسخها متى شاء ولو بعد التصرف . وفسخها بكون بالقرل كأن يقول : فسختها أو أيطلتها أو يقول الموكل : عزلت نفسب أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الفسخ كقوله : رددت وكالتك أو رفعتها
وهل ينعزل الوكيل بمجرد العزل أو لا ينعزل إلا بعد أن يبلغه خبر عزله ؟ والجواب : أنه لا ينعزل إلا بعد غلمه بالعزل فلو تصرف قبل عبمه ينفذ تصرفه
وتنفسخ الوكالة بموت الوكيل أو الموكل أو بجنون أحدهما أو إغمائه
وكذا تنفسخ بطروء فسق على الوكيل بالنكاح فإذا وكل شخص آخر في عقد تكاح ففسق الوكيل كأن زنى أو سوق أو ارتكب جريمة توجب فسقة فإن وكالته تسقط لأنه يشترط في الوكيل بلنكاح ان يكون عدلا وكذا تنفسخ الوكالة بزوال ملك الموكل عن المحل الذي وكله بالتصرف فيه فإذا وكله على بيع دار أو حيوان أو طعام ثم باعه الموكل أو وقفه فإن الوكالة تنفسخ . وكذا تنفسخ إذا وكله على بيع دار ثم أجرها الموكل للغير
الحنابلة - قالوا : الوكالة من العقود الجائزة فلكل من العقدة فسخها متى شاء ويبطل الوكالة في ذاتها بموت أحد العاقدين أو جنونه جنونا مطبقا ويالحجر عليه لسفه لأن الشخص في هذه الأحوال لا يكون أهلا للتصرف فلا يصح أن يتوكل عن غيره
وكذا تبطل بطروء فسق على أحدهما فيما يشترط فيه العدالة فإذا وكل شخص آخر على إيجاب النكاح كأن قال له وكلتك على أن تزوج بنتي من فلان بأن تقول له زوجتك فلانة ثم ارتكب الموكل بعد ما يجوز فسقه فإن الوكيل ينعزل
أما إذا وكله على أن يقبل له النكاح كأن يقول له وكلتك على أن تقبل نكاح فلانة فلانة لابني أو لي الوكالة لا تبطل بفسق الموكل
وكذا تبطل الوكالة بردة الموكل لأنه ممنوع عن الصرف في ماله ولا تبطل بردة الوكيل إلا فيما ينافي الوكالة
وإذا وكل شخص آخر على أن يطلق له زوجه ثم ذهب الزوج ووطئها بطلب الوكالة بذلك لأن وطأها دليل على الرغبة فيها
ويعزل الوكيل بموت موكله وبعزله إياه ولو لم يعلم بالعزل ويكون ما بيده لا يضمن ما تلف منه تصرفه أما ما يتصرف فيه فإنه يضمنه



مباحث الحوالة


تعريفها

- الحوالة بالفتح والكسر ولكن الفتح أفصح ومعناها لغة النقل إلى محل والمعنى اللغوي عام يشمل نقل العين كنقل الزجاجة من مكان إلى مكان آخر كما يشمل نقل الدين من ذمة إلى ذمة والحوالة اسم مصدر أحاله إحاله إحاله المصدر هو الإحالة يقال أحلت زيدا على عمرو فأنا محيل وزيد محال ويقال له محتال وعمرو محال عليه أو محتال عليه والمال محال به
أما معناها في الشرع فهو الدين من ذمة إلى ذمة أخرى بدين مماثل له فتبرأ بذلك النقل الذمة الأولى فإذا كان لزيد مائة جنيه على عمرو ويحل موعد دفعها بعد ثلاثة أشهر مثلا
ولعمرو مثل هذه المائة على خالد يحل موعدها في ذلك الوقت فأحال عمرو وزيدا على خالد بالشرائط الآتية فإن ذمة عمر ويبرأ زيد وتشتغل ذمة خالد به عمرو [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : في تعريف الحوالة رأيان : أحدهما : أنها نقل المطالبة ( فقط )
من ذمة المديون إلى ذمة الملتزم فإذا كان لشخص دين عند آخر فأحاله على آخر وقبل المحال عليه ذلك الدين والتزم له فإن مطالبتة الدائن بدينه تنتقل من ذمة المديون الأصلي إلى ذمة المحال عليه الذي التزم بسداده عن المديون . أما الدين فهو باق بذمتة المديون الأصلي
ثانيهما : أنها نقل المطالبة ونقل الدين معا بمعنى أن ذمة المديون الأصلي تبرأ بحوالة الدائن إلى الشخص الملتزم بدفع الدين
وقد استدل من يقول بأنها نقل المطالبة فقط بأمور منها أن المديون الأصلي : وهو المحيل إذا أراد أن يسدد الدين ينفسه فإن صاحب الدين يجبر على قبول ولو انتقل الدين إلى ذمة المحال عليه لم يجبر صاحب الدين على قبوله منه لأن المديون الأصلي في هذه الحالة يكون متبرعا بالسداد ولا يجبر شخص على قبول التبرع من غيره
ومنها : أن صاحب الدين وهو المحال لو برأ المحال عليه بالدين فإنه لا يصح له أن يرد ذلك بخلاف ما إذا وهبه ذلك الدين فإن له أن يرد هذه الهبة ولو كان الدين قد انتقل إلى ذمته لكان له حق رد الإبراء والهبة ولكنه لما لم ينتقل الدين وكان باقيا بذمة المحيل لم يكن من حق المحال عليه رد الإبراء منه بخلاف هبته فإنه صاحب الحق في عدم قبولها . ونظير ما إذا كفل شخص آخر في دين فأبرأ الدائن الكفيل فإنه ليس له أن يرد ذلك الإبراء لأن الدين متعلق بالأول على الصحيح كما سيأتي
أما إذا وهبه الدين فإن له أن يرد هبته لأن الهبة مقصورة على الكفيل فهو صاحب الحق أو ردها ومنها : أن صاحب الدين وهو المحال إذا برأ المحال عليه فإن ذمة المديون الأصلي لمحال الحق في مطالببته ثانيا . أما إذا وهبه الدين فإن للمحال عليه الحق في أخذ الدين من المديون الأصلي إن لم يكن للمديون الأصلي دين عليه يقع في مقابلة قصاصا
ومنها : أنه إذا مات المحال عليه مفلسا أو أنكر الدين ولا بينة عليه فإن صاحب الدين وهو المحال يرجع على المديون الأصلي وهو المحيل فلو لم يكن الدين باقيا بذمته لم يصح له الرجوع عليه ويعبر عن موت المحال عليه مفلسا أو انكاره الدين ولا بينة عليه ( بالتوى )
وأصل التوى في اللغة هلاك المال ثم خصه أبو حنيفة بهذا المعنىل وزاد عليه صاحباه أن يحكم حاكم بلإفلاس المحال عليه حال حياته فإن هذه الحالة تجعل لصاحب الدين الحق في الرجوع على المحيل
ومنها : أن صاحب الدين ( المحال )
إذا وكل المدين الأصلي وهو المحيل على أن يقبض الدين من المحال عليه فإنه لا يصح ولو كان الدين قد انتقل من ذمته لصح توكيله بالقبض لأنه يكون أجنبيا في هذه الحالة
ومنها : أنه إذا اشترى شخص سلعة ولم يدفع ثمنها وأحال البائع بالثمن على شخص آخر فإن للبائع أن يحبس السلعة عن المشتري ولا يسلمها إياه إلا أعطاه ثمنها فلو كان الدين قد انتقل إلى ذمة المحال عليه صح للبائع حبس السلعة عن المشتري
وقد استدل من بقول إنها المطالبة والدين معا بأن صاحب الدين هو المحال إذا أبرأ المحال عليه من الدين أو وهبه إياه فإنه يصح . أما إذا أبرأ المحيل وهو المديون الأصلي أو وهبه فإنه لا يصح فلو كان الدين باقيا بذمة المديون الأصلي وهو المحيل لصح إبراؤه وهبته إياه
وقد اتفقوا على هذه الأحكام فكيف التوفيق بينها وبين التعريف على القولين ؟
والجواب : أن الحوالة تارة تعتبر تأجيلا للدين فتكون نقلا كما في الأحكام التي تفيد أنها نقل المطالبة فقط وتارة تعتبر إبراء للمدين الأصلي فتكون نقلا للدين والمطالبة كما في مثل هذه المفهومات الاصطلاحية لأنها ليست حدودا حقيقيقة



أركان الحوالة وشروطها

- للحوالة أركان وشروط مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية قالوا : للحوالة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول فلإيجاب هو أن يقول المديون ( المحيل )
لرب الدين ( المحال )
أحلتك على فلان بكذا . والقبول هو أن يقول من رب الدين المحال والمحال عليه قبلت أو رضين أو نحو ذلك مما يدل على القبول والرضى . فالقبول لا بد أن يقع من المحال والمحال عليه أما المحيل وهو المديون فإنه لا يشترط قبوله كما ستعرفه في الشروط وفي هذه الحالة يقع الإيجاب والقبول من المحال عليه فقط
وأما شروط الحوالة فأربعة أنواع :
النوع الأول : يتعلق بالمحيل ( المديون )
فيشترط فيه أن يكون عاقلا تصح الحوالة من مجنون ولا صبي لا يعقل . وأن يكون بالغا فلا تفذ حوالة غير البالغ إلا بعد أن يجبرها وليه وإن كانت تنعقد حوالة العاقل الذي لم يبلغ - موقوفة على إذن وليه فالبلوغ شرط لنفاذ الحوالة لا لانعقادها
ولا يشترط لصحة الحوالة أن يكون النحيل سيليما من الأمراض فتصبح حوالة المريض ولا يشترط في المحيل الديون أن يكون راضيا . فإذا انفق صاحب عليه على أن يعطيه دينه فإن له ذلك وإن لم يرض المحيل فإذا أعطاه الدين صح ولرئت ذمة المديون ولا يشترط الحرية في المحيل
النوع الثاني : يتعلق برب الدين وهو المحيل لأجله : فيشترط فيه ( أن يكون عاقلا )
فلا يصح لرب الدين أن يقنل الحوالة إذا كان مجنونا أو صبيا لا يعقل لأن القبول لابد له من العقل . ( وأن يكون بالغأ )
فلا ينفذ قبول الصبي العاقل إلا بإذن وليه فالبلوغ شرط للنفاذ كما تقدم
ويجوز للأب والوصي أن يقبل الحوالة بمال اليتيم على من كان أكثر مالا من المديون . أما إن كان مثله ففي قبولها خلاف . ( وأن يكون راضيا )
فلا يصح قبول الحوالة من مكره ( وأن يكون حاضرا في المجلس )
فلا يصح قبلول الحوالة إذا كان رب الدين غائبا عن المجلس فلو قبل عنه شخص وبلغه الخبر فأجاز لا يصح على الصحيح
النوع الثالث : يتعلق بالمحال عليه . فيشترط فيه ( أن يكون عاقل )
فلا يصح للمحال عليه أن يقبل الحوالة إذا كان مجنونا أو صبيا لا يعقل ( وأن يكون بالغا )
واليلوغ في المحال عليع شرط للانعقاد والنفاذ فلا يصح للصبي العاقل أن يقبل الحوالة نطلقا فإذا قبلها لاتنعقد ولو أجلزها وليه
( وأن يكون راضيا )
فلا يصح من المحال عليه قبول الحوالة إذا كان مكرها ولا يشترط حضور المحال عليه في المجلس حتى لو كان غائبا ثم علم ورضي فإنه يصح
النوع الرابع : يتعلق بالمحال وهو الدين فيشترط في المحال به ( أن يكون دينا للمحال على المحيل )
فإن لم يكن للمحال دين على المحيل كانت وكالة لاحوالة ولا يشترط أن يكون للمحيل دين على المحال عليه فيجوز أن يحيل على شخص متبرع بماله ويشترط في الدين ( أن يكون معلوما )
وأن يكون لازما فلا يصح للزوجة أن تحتل دائنها بمهرها كلة قبل الدخول بها لأنه غير لازم لجواز أن تطلق قبل الدخول فلا تستحق سوى نصفه وكذا لا يصح لمن له عبد مكاتب على عبده لأن دين الكتابة أنيحيل دائنة بمال الكتابة غير لازم . وخرج بالدين الأعيان فلا تصح الإحالة بها فإذا كان لشخص عند آخر نصيب في ميراث كمنزل أو فدان أو متحصلات زراعية وكان لشخص نصيب عند آخر مثلها فإنه لا يصح أن يحيله بها وذلك لأن النقل من ذمة الى ذمة نقل شرعي وهو لا يتصورإلا في الدين لأنه وصف شرعي . أما الأعيان فإنه لا يتصور فيها النقل الحسي . ويرد على هذا أنه إذا كان لشخص نقود من ذهب أو فضة عند آخر وديغة . وكان عليه دين للغير فأحال صالحب الدين على المودع عنده فإنه يصح مع أن الوديعة هنا عين لا دين
والجواب : أن الحوالة هنا نقلت الدين من ذمة المحيل إلى المحال عليه فصار المودع عنده . وديعة مطالبا بالدين فسده من المال المودع عنده . نعم إذا كان للمودع عنده وديغة عند آخر مثل الوديعة التي عنده فأحال رب الوديعة الأول على المودع عنده الثاني فإنه لا يصح لأنها حوالة عين بعين . مثلا إذا كان لزيد عند عمرو مائة جنيه وديعة وكان لخالد عند زيد مائة جنيه مثلها وديعة فأحال زيد خالدا على عمرو ليأخذ منه المائة عنده وديعته فإنه لا يصح
بقيت هاهنا مسألة وهي ما إذا كان شخص مستحقا في وقف وكان فهل له أن يحيل صاحب الدين على ناظر الوقف ليأخذ استحقاقه في دينه أو لا ؟
والجواب : نعم يجوز ذلك سواء أحاله على الناظر بدون أن يذكر نصيبه في الوقف كأن يقول له أحلتك علي أن تأخذ نصيبي أو لا . وذلك لأن المحال به في هذه الصورة دين معلوم مستقر . وقد عرفت أن المحال عليه لا يشترط فيه أن يكون مدينا للمحيل . وهذه بخلاف ما إذا أحال الناظر المستحق ليأخذ نصيبه من مستأجر قبل ظهور غلة الوقف فإن الحوالة لا تصح لأن المستحق ليس له دين عند الناظر في هذه الحالة حتى تصبح الحوالة به كذا بعد ظهور الغلة قبل قسمتها . نعم إن الحق يتأكد بعد ظهور الغلة ولكنه لا يكون دينا عند الناظر . ولكونه حقا مؤكدا صح إرثه بعد موت المستحق فإن المستحق في وقت على الذرية إذا مات ظهور غلته يورث تصيبه في استحقاقه بخلاف الاستحقاق الذي لم يتأكد كالنصيب قبل ظهور الغلة فإنه لا يورث . وإذا ضم الناظر الغلة بعد ظهورها كانت أمانة عنده مملوكة للمستحق جميعا بالاشتراك فإذا طلبها المستحقون وجب عليه تسلميها وإذا هلكت بعد الطلب كان ضامنا لها ولا يصح أن يحيل بعضهم على نصيب الآخر لأن الحوالة تكون بالعين لا بالدين إذ بالدين لكل واحد من المستحقين نصيب مثل نصيب الآخر في العين نعم يجوز ذلك إذا استهلكها أو خلطها بماله فصارت دينا في ذمته هو
الشافعية - قالوا : أركان الحوالة ستة محيل ومحال ومحال عليه ودينان دين للمحال على المحيل . ودين للمحيل على المحال عليه . وصيغة وهي الإيجاب والقبول أحلتك على فلان بالدين الذي لك علي أو أحلتك فلان بعشرين جنيها ولم يذكر الدين . أو يقول نقلت إلى فلان أو جعلت ما أستحقه على فلان لك أو ملكتك الدين الذي لي بحقك أو نحو ذلك مما يؤدي معنى الحوالة فلا يشترط أن تكون بلفظ الحوالة . ولا تصح الحوالة بلفظ البيع ولا تدخلها الإقالة
وأما شروطها فهي ستة : الأول : رضا المحيل الذي عليه الدين فإن لم يرض فلا تصح الحوالة ثم إن أريد بالرضا عدم الإكراه كان عده شرطا ظاهرا
أما إذا أريد به الإيجاب وهو أحلتك ونحوه فيكون عده شرطا تسامحا لأن الإيجاب جزء من الصيغة وقد أن الصيغة ركن لا شرط
الثاني : رضا المحال وهو صاحب الدين له أن يستوفيه بنفسه وبغيره كما إذا وكل عنه من يستوفي دينه فليس للمحال عليه أن يمتنع عن أداء الحق الذي عليه للمحال وهذا القول هو الأصح وقيل : يشترط رضا المحال عليه أيضا
الثالث : أن يكون الدين المحال به معلوما قدرا أو صفة فلو كان الدين مجهولا عند العاقدين أو أحدهما فإن الحوالة تكون باطلة
الرابع : أن يكون الدين المحال به لازما في الحال أو المال . فالدين الازم هو الذي لا يسقط عن المدين في وقت من الأوقات كصداق المرأة بعد الدخول بها . وثمن المبيع بعد انقضاء مدة أما الدين الذي يؤول إلى اللزوم كصداق المرأة قبل الدخول بها وثمن المبيع قبل انقضاء مدة الخيار فكل ذلك تصح به الحوالة
وإذا اشترى شخص سلعة بالخيار وقبل أن تمضي مدة الخيار أحال ذلك المشتري بائع والمشتري بالإحالة فقد اتفقا على لزوم البيع فإذا بقي الخيار بطل ما تقضيه الحوالة من اللزوم وكذا لو باع شخص سلعة بالخيار ولم يقبض ثمنها ثم أحال آخر على المشتري ليأخذ منه الثمن فإنه بذلك يبطل خياره
أما المشتري فإنه لا يبطل خياره إلا إذا رضي لاحوالة فإذا لم يرض بها لم يبطل خياره على المعتمد وتصح الحوالة بدين الكتابة إذا كانت من العبد فمن كاتب عبده بمال يدفعه أقساطا فأحاله العبد المكاتب على شخص ثالث فإنه يصح لأن الكتابة لازمة في حق السيد فلا يصح له الرجوع عنها أما إذا أحال السيد شخصا على العبد فإن الحوالة لا تصح وذلك لأن دين الكتابة غير لازم بالنسبة للعبد
الخامس : أن يساوي الدين الذي على المحيل بالدين الذي على المحال عليه في الجنس والقدر والحلول والتأجيل والصحة والتكسير فلا تصح الحوالة بالجنيهات على القروش والريالات لاختلاف القدر
نعم تصح بخمسة من العشرة التي على فلان وكذا لا تصح بدين حل موعده على دين لم يحل موعده وبالعكس وكذا لا تصح لقروش مكسرة على ريالات صحيحة وعكسه
ولا يشترط التساوي في التوثيق فإذا كان لزيد دين على عمرو وكان بيد زيد رهن على دينه أو كان له كفيل به وكان لعمرو دين على خالد رهن ولا كفيل ثم أحال عمرو زيدا على خالد فإن الحوالة تصح وينتقل الدين بدون رهن أو كفيل وينفك الركن الأول ويبرأ الكفيل لأن الحوالة بمنزلة القبض ألا ترى أنه لو اشترى شخص من آخر سلعة ولم يعطيه ثمنها فلم يسلمها اليائع للمشتري لعدم قبض الثمن فإذا أحاله المشتري بالثمن على آخر ورضي به فإنه لا يكون له حق في منع السلعة لأن الحوالة بمنزلة القبض
وكذا إذا أحال الزوج بالصداق على آخر ورضيت بذلك فإنه لا يكون لها حق منع نفسها عنه وإذا شرط المحال ( صاحب الدين )
أن ياتي له المحيل برهن أو كفيل لم تصح الحوالة لأن المحيل يبرأ بمجرد الحوالة فلا معنى لا شتراط ما يكفل الدين
أما إذا اشترط الرهن أو الكفيل على المحال عليه فإن الحوالة تصح ولا يلزم المحال عليه يتنفيذ الشرط
السادس : أن يكون دين المحيل ودين المحال عليه من الديون التي يصح بيعها واسبدالها بغيرها فلا تصح الحوالة بدين المسلم سواء كان رأس المال أو كان المسلم فيه قال شخص لآخر أسلمت إليك عشرين جنيها في عشرين إردبا من القمح فإنه لا يجوز للمسلم وهو صاحب رأس المال أن يحيل المسلم بغيره فإن المحال عليه إذا دفع المبلغ المحال منه رأس مال السلم لا يمكن أن يستبدل بغيره فإن المحال إذا دفع المبلغ المحال فإنما يدفعه عن نفسه وهو غير صاحب رأس مال السلم ( المسلم )
نعم ويجوز أن يحيل المسلم إليه وهو صاحب السلعة شخصا له دين يأخذ رأس مال السلم من المسلم في مجلس لأن السلم في هذه الحالة يدفع رأس مال السلم نفسه
ومثل ذلك المسلم فيه وهو السلعة لأنه ببعيها واستبدالها ومثال المسلم مال الزكاة فإنه لا يصح لرب المال أن يحيل الفقير على غيره ليأخذ منه الزكاة لأن الزكاة لا يصح بيعها
المالكية - قالوا : أركان الحوالة : محيل ومحال به وصيغة ولا تنحصر الحوالة في لفظ مشتق من الإحالة فتصح بكل ما يدل على نقل الدين كقزله : خذ من فلان وأنا برئ منه كما تصح بقوله أحلتك على فلان وحولت حقك عليه وأنت محال على فلان ونحو ذلك ويكفي الإشارة الدالة على الحوالة من الأخرس لا من الناطق
ويشترط لها شروط :
( أحدها )
رضا المحيل والمحال أما المحال عليه فلا يشترط رضاه على المشهور كما لا يشترط حضوره ولإقراره نعم إذا ثبت أن بينه وبين المحال عداوة فإن الحوالة لا تصح على المشهورة فإذا طرات العداوة بعد الإحالة فإن المحال يمنع من أخذ الدين من المحال عليه في هذه الحالة حتى لا يفاقم الشر وتزيد الخصومة التي نهى عنها الشارع
( ثانيها )
أن يكون للمحال دين على المحيل وأن يكون للمحيل على دين المحال عليه فإذا لم يطون للمحال دين على المحيل كان وكالة لاحوالة لأنه طلب ممن ليس له دين أن يتقلضي له من المحال عليه عليه ماله عنده وذلك هو معنى الوكالة وإذا لم يكن للمحيل دين على المحال عليه عقد حمالة لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل للمحال وفي هذه الحالة المحال عليه أو مات كان للمحال وهو رب الدين أن يرجع على المحيل ( المديون الأصلي )
إلا إذا علم المحال من أول الأمر بأن المحيل ليس له دين عند المحال عليه ثم شرط المحيل براءته من الدين فإنه في هذه الحالة لا يكون للمحال حق الرجوع على المحيل ولو أفلس المحال عليه لأنه ترك حقه باختباره
وبعضهم يقول : إذا أفلس المحال عليه أو مات فإن للمحال أن يرجع على المحيل حتى المحيل ولو شرط عليه البراءة ثم إذا دفع المحال عليه الدين بالفعل فهل له أن يرجع به على المحيل ليأخذه منه ؟ والجواب : أنه إذا مات قامت قرينه على متبرع به لم يكن له حق الرجوع وإلا فله حق الرجوع لجواز أن يكون قد دفعه بطريق قد دفعه بطريق القرض للمحيل
( ثالثها )
أن يكون أحد الدينين حالا فإن الدين الذي مؤجلا والدين الذي على المحال عليه مؤجلا مثله فإن الحوالة لا تصح لما يتلاتب عليه من بيع الدين الممنوع
( رابعها )
أن يكون الدين لازما فلا تصح الحوالة بدين غير لازم كما إذا أحال السيد دائنة على عبده المكاتب لأن الدين غير لازم على المكاتب . أما إذا أحال المكاتب سيده على من يقبض له دينه فإنه يصح
( خامسها )
أن يساوي الدين الذي على المحيل الدين الذي على المحال عليه في القدر والصفة ومعنى - التساوي في القدر - أنه لا يجوز أن ياخذ من المحال عليه أكثر مما يستحقه عند المحيل . فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره خمسة فأحاله المديون على شخص له عنده عشرة فيجب أن يحيله بالخمسة فقط بحيث لا يأخذ أكثر منها لأنه إذا كان الدين قرضا كانت الزبادة في الحوالة ربا وإذا كان الدين ثمن سلعة باعها فإنه يصح له باعهل له فإنه كان يصح لأن يعطيه أكثر من ثمنها . ولكنه يكون من باب بيع الدين يالدين الذي لم يرخص فيه . وكذا لا يصح أن يختلف الدينان في الصفة فلا تصح الإحالة بالجنيهات المتساوية في القدر المختلفة في الجنس مثلا كاجنيه الإنكليزي والمصري وإذا فرض تساويها في القيمة
( سادسها )
ألا يكون الدينان ( دين المحيل ودين المحال عليه )
حاصلين من بيع الطعام كالحبوب ونحوها
[ يتبع . . . ]
فإذا أسلم زيد إلى بكر عشرين في قمح . وأسلم بكر إلى خالد مثلها عشرين جنيها في قمح أيضا فإنه لا يجوز لبكر أن يحيل زيدا على خالد ليأخذ منه القمح المسلم فيه . أما إذا اقترض بكر من زيد عشرين إردبا من القمح . واقترض خالد من بكر عشرين إردبا كذلك فإنه يجوز لبكر أن يحيل زيدا على خالد منه قمحه
ففي الصورة الأولى كان الدينان من بيع ( سلم )
. وفي الصورة الثانية كاد الدينان من قرض والأول ممنوع لما يلزم عليه من بيع الطعام قبل قبضه وهو ممنوع في الطعام المستبدل . والثاني جائز فإذا كان أحد الدائنين من بيع والآخر من قرض فإنه يجوز فإذا أسلم زيد لبكر عشرين إردبا وأقرض بكر خالدا أو أكثر أو أقل فإنه يجوز لبكر زيدا على خالد بأخذه منه حقه من الغلة بشرط أن يكون الدين الذي عند بكر حالا لا مؤجلا ومثل ذلك ما إذا كان الدينان من قرض فإنه يشترط أن يكون الدين المحال حالا
وبعضهم يقول : إنه لا يجوز مطلقا إذا ترتب عليه بيع طعام المقارضة قبل قبضه فلا تجوز الحوالة في صورة ما إذا كان أحدهما دين قرض والآخر دين سلم فليس لبكر أن يحيل زيدا بدين الطعام الذي أسلم فيه ليأخذ دين القرض الذي أقرضه بكر لخالد لأن فيه طعام القرض الذي يستحقه بكر عند خالد لزيد قبل قبضه نعم يجوز إحالة صاحب دين القرض على دين البيع فإذا أقرض زيد عشرين إردبا لبكر وأسلم بكر لخالد عشرين جنيها في عشرين إردبا فإنه يصح لبكر أن يحيل زيدا على خالد لبأخذه منه حقه وذلك لأنه يجوز قضاء القرض بطعام البيع إذ ليس فيه بيع الطعام قبل قبضه فيه سداد للقرض
فشروط الحوالة ستة . وبعضهم يعد الصيغة شرطا تسامحا فتكون شروطها سبعة
الحنابلة - قالوا : أركان الحوالة ما تتحقق به محيل ومحال ومحال به وعليه وصيغته الخ . ولا يشترط في الصيغة أن تكون بلفظ الحوالة بل تصح بمعناها كما إذا قال شخص لآخر أتبعك بدسنك على زيد
وشروط الحوالة خمسة :
( أحدها )
: أن يتفق المحال به مع دين المحال عليه في الجنس والصفة والحلول والصفة والأجل فيلزم أن يحيل الدين الذي من ذهب على مثله فإذا أحال ذهبا على فضة فإنه لا يصح لاختلاف الجنس . وكذا لا يصح أن يحيل بدين مكسور على دين صحيح لاختلاف الصفة ولا يحيل دينا حل دفعه على دين مؤجل وبالعكس
( ثانيها )
: أن يكون قدر كل من الدينين ( دين المحال به ودين المحال عليه )
معلوما قدره فإذا كان مجهولا فلا تصح الحوالة
( ثالثها )
: أن يكون الدين المحال به مستقرا فلا تصح أن تحيل المرأة المدينة دائنها على صداقها قبل الدخول لأنه غير مستقر وكذا لا يصح يكاتب عبده أن يحيل دائنه على العبد ليأخذ منه دين الكتابة لأن دين الكتابة غير لازم إذ للعبد أن ينقضه
( خامسها )
: رضا المحيل أما المحال فلا يشترط رضاه إذا كان المحال عليه قادرا على سداد غير مماطل كما تقدم في شرح الحديث وكذلك المحال عليه فإنه لا يشترط رضاه



مبحث في براءة ذمة المديون بالحوالة

- إذا كان لشخص دين عند آخر فأحاله بذلك الدين على شخص فهل تبرأ ذمة المديون ( المحال )
أو لا تبرأ ؟ في ذلك تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنابلة - قالوا : متى توفرت شروط الحوالة فإن المحيل يبرأ من الدين يمجرد الحوالة سواء أفلس المحال عليه أو مات أو أنكر الدين . أما إذا لم تتوفر الشروط فإن الحوالة لم تصح وتكون وكالة حكمها حكم الوكالة . ومثل ذلك ما إذا حال شخصا لا دين له عليه شخص مدين له فإن ذلك وكالة وإن كان بلفظ الحوالة
وإذا أحال شخصا لا دين له على شخص غير مدين له فإن ذلك وإن كان بلفظ الحوالة كان وكالة في اقتراض منه
المالكية - قالوا : يتحول حق المحال عليه بمجرد الحوالة وتبرأ بذلك ذمة المديون فإذا أفلس المحال عليه أو مات أو أنكر الدين بعد الحوالة لا يكون للمحال الحق في الرجوع على المحيل ( المديون له الأصلي )
أما إذا أنكر المحال عليه الدين الذي للمحيل عنده قبل الحوالة ولا بينة عليه فإن الحوالة لا تصح لأن من شروط صحتها أن يكون الدين ثابتا فإذا كان المحال عليه مفلسا قبل الحوالة تكون صحيحة ولكن إذا كان المحال ( صاحب الدين )
عالما بلإفلاسه وقبل الحوالة فلا حق له في الرجوع على المحيل سواء كان المديون عالما بلإفلاس المحال أو لا فإذا لم يعلم اختلفا في العلم فقال المحال إن المحيل يعلم بإفلاس وأنكر فإنه يحلف إن كان يظن فيه الكذب وإلا فلا يحلف وإن تهمه المحال
الحنفية - قالوا : إن المديون يبرأ بإحالة الدائن مؤقتة ومعنى ذلك أن المحال بالدين ليس له حق الرجوع على الحيل إلا في حالة التوى التي تقدم ذكرها وهي أن يفلس المحال عليه أو بموت ففي هذه الحالة يصح للمحال أن يرجع على المديون الأول ( المحيل )
ويترتب على براءة المحيل أنه إذا مات لا يأخذ المحال الدين من ورثته بل له الحق في المطالبة بكفيل من الورثة يحفظ له حقه من الضياع
الشافعية - قالوا : يترتب على الحوالة براءة ذمة المحيل ( المديون )
من دين المحال عليه وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل ولكن يتحول نظير دين المحيل إلى ذمة المحال عليه للمحال وليس للمحال الحق في ارجوع إلى المحيل بعد الحوالة على أي حال سواء أفلس المحال عليه أو مات أو أنكر ما عليه من الدين . ومثل ذلك ما إذا أنكر الدين قبل الحوالة سواء المحال بذلك أو لم يعلم وذلك لأن قبول المحال عليه الحوالة إقرار ضمني بالدين فإنكاره لا يضر المحال وكذا إذا كان المحال عليه مفلسا قبل الحوالة فإنه لا حق للمحال في الرجوع
نعم إذا أنكر الدين قبل الحوالة وحلف ثم أحاله بعد ذلك فللمحال أو يحلف المحيل بأنه لم يكن بعلم ببراءة ذمة المحال عليه بيمينه فإن حلف المحيل فلا حق للمحال في الرجوع وإن لم يحلف حلف المحال وبطلت الحوالة . وكذا لو قامت بينه على أن المحال عليه قد أعطى المحيل دينه



مباحث الضمان


تعريفه

- الضمان في اللغة التزام في ذمة الغير وهو مشتق من الضمن لأن الذمة من ضمن البدنفي معناه الكفالة يقال كفل فلان بمعنى فلانا ضمه إليه ومنه قوله تعالى : { وكفلها زكريا } أي ضمها إلى نفسه ليعولها ويقوم بترتيبها . وهي مصدر كفل بفتح الفاء وضمها وكسرها يقال كفل كفلا وكفولا ويتعدى بالباء يقال كفلت بالرجل وقد يتعدى بعن إذا تعلق بالمديون فيقال كفلت عن المديون ويتعدى باللام إذا تعلق بالدائن فيقال كفلت للدائن . أما معناه اصطلاحا ففيه تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : في تعريق الكفالة رأيان :
أحدهما : أنها ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة بنفس أو دين أو عين فالأقسام ثلاثة كفالة بالنفس وكفالة بالدين وكفالة بالعين
ثانيهما : أنها ضم ذمة إلى ذمة في أصل الدين . ولكن التعريف الأول أصح من الثاني وذلك لأنه عام يشمل أقسام الثلاثة . أما الأول فإنه مقصور على الكفالة في الدين وبيان ذلك أنه إذا كان لشخص عند آخر دين فغن له أن يطالبه بكفيل موقوق به عنده ليضمه إلى المديون الأصلي وهنا اختلفت آراء علماء الحنفية فمنهم من يقول : إن ضم الكفيل إلى أصيل يجعل لصاحب الدين الحق في مطالبته بالدين من غير أن تشتغل ذمته بذلك الدين لأن الدين مشغولة به ذمة الأصيل فقط
وصاحب هذا الرأي يستدل عليه بأنا إذا قلنا إن ضم ذمة الكفيل إلى الأصيل يتلاتب علها شغل ذمة الكفيل لا يكون جامعا لكا أقسام الكفالة فإن الضمان بالنفس ليس فيه شغل لذمة الكفيل بلا خلاف لصاحب الدين إلا أن يطالبه بإحضار الشخص المديون بذاته . ومثل الكفالة بالأعيان وهي ثلاثة أقسام :
الأول المضمونة بنفسها
الثاني : العيان المضمونة بغيرها
الثالث : العيان غير المضمونة
فأما الأعيان المضمونة بنفسها فهي التي يجب على من أخذها أن يردها بعيمها إن كانت موجودة فإن هلكت كان عليه أن ياتي بمثلها إن كان لها مثل وإلا فعليه وذلك قيمتها كالمغصوب والمبيع بيعا فاسدا فإذا غصب شخص من آخر بقرة مثلا فإنه يجب على الغاصب أن يرد البقرة ما دامت موجودة فإذا ماتت وجب عليه أن يشتري مثلها لصاحبها
وإذا اغتصب جوهرة ليس لها مثيل وفقدت عليه أن يدفع لصاحبها قيمتها متى ثبت ضياعها بينه أو إقرار . وكذلك إذا اشترى سلعة بعقد فاسد كما ستعرفه موضحا في مبحث شروط الكفالة أما العيان المضمونة بغيرها فهي الأعيان التي يجب تسليمها ما دامت موجودة فإذا هلكت لا يجب تسليم مثلها ولا قيمتها فإنه مضمون بغيره وهو الثمن فإذا اشترى سلعة وأعطاه ثمنها ولم يقبضها وكفلها للمشتري فغن الكفيل لا يلزم برد مثلها ولا قيمتها ومثل ذلك الرهن فإنه مضمون بغيره وهو الدين فإذا كان لشخص عند آخر دين وأعطاه سلعة رهنا عن ذلك الدين ثم كفل السلعة آخر وهلكت السلعة لا يلزم الكفيل بثمنها ولا قيمتها فالأعيان المضمونة بنفسها والمضمونة بغيرها تصح كفالتها ولكن ذمة الكفيل لا تشغل بها اتفاقا فليس لصاحبها إلا أن يطالب الكفيل بإحضارها في حال وجودها ويدفع قيمتها أو رد مثلها في الأعيان المضمونة بنفسها ولا يطالب بشيء عند هلاك العيان المضمونة بغيرها فمن أجل ذلك قلنا إن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة ليشغل التعريف أقسام الكفالة الثلاثة
أما الأعيان غير المضمونة لا بنفسها ولا بغيرها فإنها لا يجب تسليمها ولا تصح كفالتها وهي الأمانات كالوديعة ومال المضاربة والشركة ونحوها . وقد اعترض على التعريف الثاني وهو ضم ذمة إلى ذمة في الدين أن هذا التعريف يستلزم تعدد الدين ومضاعفته فإذا كان لشخص دين عند آخر قدره ألف ثم كفله فيه غيره وشغلت ذمة الكفيل به في ذمة كل منها ألف ولكن هذا الاعتراض ليس بشيء لأن الدين وإن شغلت به ذمة الكفيل إلا أنه ليس لصاحبه أن يأخذ دينه إلا من أحدها فقط ومتى دفعه أحدهما فقد برأت ذمة الآخر منه فلا يلزم من شغل الذمتين به أن يأخذه من اثنين ونظير هذه الغصب من الغاصب فإذا اغتصب زيد سلعة من عمرو واغتصب خالد تلك السلعة من زيد الغاصب فإن كلا من زيد الغاصب الأول وخالد الغاصب الثاني منه يكون ضامنا لتلك السلعة لا يتعدد حقه بذلك فليس إلا أن يستوفي حقه من أحدهما إلا أنه في مسألة الغاصب تبرأ ذمة أحدهما إذا اختار صاحب السلعة الثاني وضمنه سلعته بخلاف الكفالة في الدين فإنه لا تبرأ الذمة اختيار واحد منهما ليضمن له دينه بل لا تبرأ إلا بالقبض فعلا فوجهة نظر من يقول إن الكفالة هي ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة فقط هي جعل التعريف عاما يشمل الأقسام الثلاثة
أما من قال : إنها ضم في نفس الدين مع المطالبة أيضا فقد استدل بأدلة منها
أن صاحب الدين إذا وهبه للكفيل الحق في ان يرجع به على الأصيل فلو لم تكن ذمة الكفيل مشغولة بالدين لما صح أن يهبه له الدائن لأن الدين لا تصح هبته لمن ليس عليه الدين إلا إذا أمره بقبضه كما يأتي في الهبة فدل ذلك على أن ذمة الكفيل مشغولة بالدين . وأيضا فإن صاحب الدين إذا اشترى من الكفيل سلعة بدينه فإنه يصح مع شراء بالدين لا يصح إلا ممن عليه الدين وأيضا فإن الكفيل إذا مات يؤخذ الدين من تركته ولو ذمته غير مشغولة بالدين فإن المطالبة تسقط عنه بموته
وهذه المسائل متفق عليها فكيف تقولون إنها ضم في المطالبة فقط ؟
والجواب عن ذلك أن من قال إن الكفالة هي الضم في المطالبة لا ينفي أنها قد تكون ضما في أصل الدين تعريفها بذلك لأنه لا يشمل أقسامها الثلاثة التي ذكرناها وذلك لأن الذي يتصور فيه ضم إلى ذمة إلى ذمة في أصل الدين هو الكفالة في الدين فقط . أما القسمان الآخران فأنه لا يتصور فيهما ذلك اتفاقا ولا يقال إن من عرفها بأنها ضم ذمة إلى ذمة في نفس لاحظ تعريف قسم واحد فغن ذلك لا يمنع كون التعريف ناقصا وأن الأصح بما يشمل الأقسام الثلاثة . وعلى هذا يكون الخلاف في التعريف لا ثمرة له
أما كون ثمرته في اليمين لأن حلف ألا يحنث على القول بأن ذمته مشغولة بالدين ولا يحنث على أن ذمته مشغولة بالمطالبة فهذا مما لا معنى له
هذا والمراد بالذمة العهد المتعلق بالإنسان فقولهم في ذمته كذا أي في نفسه باعتبار عهدها المتعلق بها فقولهم ضم ذمة إلى ذمة معناه ضم شخص إلى شخص إلى شخص في التعهد بالحق . وبعضهم يقول : إنها وصف شرعي تتحقق به الهلية لوجوب ماله وعليه والأول أو ضح والكالقة والضمان بمعنى واحد عند الحنفية
( وبعد )
فإن الكفالة لا تصح إلا إذا أمر بها المدين كما سيأتي وإذا كانت الكفالة بالأمر فإنها توجب دينين وثلاث مطالبات
المالكية - قالوا : الضمان والكفالة والحمالة بمعنى واحد وهو أن يشغل صاحب الحق ذمة الضضامن مع ذمة المضمون سواء كان شغل الذمة متوقفا على شيء أو لم يكن متوفقا
وبيان ذلك أن الضمان عندهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ضمان المال فإذا ضمن شخص آخر في مال فغن ذمته تشغل بذلك المال كما شغلت به ذمة الأصيل بدون أن يتوقف على أمر آخر
القسم الثاني : ضمان الوجه وهو التزام الاتيان بالغريم الذي الدين عند الحاجة فهذا الضمان لم يصح في غير المال ولا تشغل ذمة الضامن بالمال إلا إذا لم يحضر المديون أما إذا أحضره فلا يلزم بالدين . فهذا القسم يتوقف فيه شغل الذمة بالحق على عدم إحضار المضمون
القسم الثالث : ضمان الطلب وهو أن يلتزم الضامن طلب الغريم والتفتيش عليه . وهذا القسم يصح فيه ضمان غير المال ولا تشغيل ذمة الضامن بالمال إلا إذا ثبت تفريطه في الإتيان بالمضمون أو في الدلالة علم موضعه وتركه فشغل الضامن في هذا القسم تتوقف على تفريط الضامن أو تهريبه وبذلك يتضح أن شغل الذمة لا يتوقف على شيء في ضمان المال . ويتوقف على عدم الإتيان بالمضمون في ضمان الوجه . ويتوقف على تفريط الضامن في ضمان الطلب . فالطلب على الوجه الذي يشمل أقسام الضمان الثلاثة
الحنابلة - قالوا : ضمان الديون الثابتة فإذا ضمن شخص آخر في دين فقد شغلت ذمته بذلك الدين كذمة المديون الأصلي فلم الدين فلم ينتقل الدين من ذمة المضمون إلى الضامن بل باق مع شغل الضامن ولصاحب الدين الحق في مطالبة الاثنين فإذا برئت ذمة المضمون الأصلي بقضاء أو حوالة فقد برئت ذمة الضامن لأنه تابع للمضمون
أما إذا برئت ذمة الضامن فغن المضمون لم تبرأ ذمته . ومثله إذا قضى الحاكم ببراءة ذمة الضامن أو حال الضامن صاحب الدين عنه فإن المديون الأصلي لا تبرأ ذمته بذلك ويكون لصاحب الدين حق مطالبته
أما إذا قبض دينه من أحدهما فعلا فإن ذمتها تبرأ من دينه ثم إذا دفع الضامن الرجوع على المضمون صح له أن يرجع . أما إذا لم ينو فليس له حق الرجوع
القسم الثاني : ضمان ما يؤؤل إلى الوجوب وإن لم يكن واجبا بالفعل وذلك كالعيان المغصوبة والمستعارة فإن مثل هذه العيان إن لم تكن واجبة في ذمة الغاصب أو المستعير بالفعل ولكنها تؤول إلى الوجوب لأنها ردها إلى صاحبها ما دامت قائمة فغن هلكت كان ملزما بقيمتها فمعنى ضمان هذه العيان أو ضمان قيمتها عند هلاكها
ومثل العيان المغصوبة والمستعارة العيان المقبوضة على سوم الشراء ومعنى المقبوضة على سوم الشراء هو أن يساوم شخص آخر في شراء سلعة ولم يتعاقد معه نهائيا سواء قطع معه ثمنها وقبضها ولم يسلمه الثمن أو لم يقطع معه ثمنها ولكن قبضها ليطلع عليها أهله أو أصحابه فمثل هذه السلعة تكون مضمونة كالعارية والعين المغصوبة بحيث إذا هلكت وجب عليه رد قيمتها وإلا ردها بعينها
أما إذا أخذ العين بغير مساومة وبغير قطع ثمن فلا تكون مضمونة ولا يصح الضمان فيها ومثل الأعيان التي تؤخذ مساومة العيان غير المضمونة كالوديعة ومال الشركة والعين المستأجرة فإنها لا يصح فيها الضمان وذلك لأنه لا يجب على من وضع عليها يده أن يردها . فكذا لا يجب على ضامنه نعم لا يصح ضمان التعدي عليها بمعنى أنه تعدى عليها من كانت بيده فإنها تجب عليه فكذا ضامنه
القسم الثالث : ضمان الديون التي تجب في المستقبل بأن يضمن ما يلزمه من دين . مثلا إذا كان شخص يعامل تاجرا فإن له أن يأتي بضامن يضمنه فيما يلزمه من دين التجارة التي يأخذها شيئا فشيئا
الشافعية - قالوا : الضمان في الشرع عقد يقتضي التزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار عين مضمونة أو إحضار بدون من يستحق حضوره
ومعنى التعريف أن الضمان ثلاثة أقسام :
القسم الأول : ضمان الدين ومعناه أن الضامن يلتزم في ذمة المديون من حق بحيث تشتغل به ذمته كما شغلت ذمة المديون وإذا دفع أحدهما برئت ذمة الآخر وهذا معنى قوله : التزام حق ثابت
القسم الثاني : ضمان رد العين المضمونة كالعين المضمونة والعين المستعارة فإذا اغتصب زيد من عمرو سلعة فإنه يصح لخالد أن يضمن زيدا الغاصب في رد السلعة المغصوبة ويكون ملزما بردها ما دامت باقية . أما إذا هلكت فلا شيء عليه ومثل ذلك ما إذا استعار منه عينا
القسم الثالث : التزام إحضار شخص ضمنه في ذلك فإذا كان لزيد عند عمرو دين فإنه يصح لخالد إحضار نفس المدين عند الحاجة وهذا الضمان يسمى كفالة فالكفالة نوع من الضمان وهي خاصة بضمان الأبدان



أركان الضمان وشروطه

- أركانه خمسة : ضامن . ومضمون له وهو صاحب الحق . ومضمون عنه وهو الذي عليه الحق . ومضمون وهو الحق . ويقال مضمون به أي بسببه ولكل ركن من هذه الأركان شروط مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : للكفالة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول . لأنه هو الذي تتحقق به ماهية العقد وأما غير ذلك فإنه شروط كما تقدم
وعلى ذلك فلا بد من قبول صاحب الدين وهو المكفول له سواء كانت الكفالة بالنفس أو المال فإذا كان لشخص دين عند آخر فأراد أن يكفله فيه ثالث فلا تصح كفالته إلا إذا قبل صاحب الدين في المجلس أو ناب عنه في القبول شخص آخر في المجلس ثم أقر نيابه بعد المجلس وبعضهم يقول لا يلزم في الكفالة قبول صاحب الدين في المجلس فتصح الكفالة بالنفس والمال بدون قبول صاحب الحق لأن الكفيل زيادة في توثيق الدين لا يضر وجود صاحب الحق فلا تتوقف صحة الكفالة على قبوله
أما صيغة الكفالة فهي كل ما يفيد التعهد والالتزام كقوله : كفلت وضمنت وتحملت وأنا بذلك المال زعيم وغريم : دين فلان علي أو والي أو نحو ذلك . وتصح الكفالة بالنفس بكل ما يعبر عنه عن البدن حقيقة كما في الطلاق وذلك كأن يقول : ضمنت إحضار نفسه أو روحه ورأسه ووجهه . ومثل ذلك الجزء الشائع في بدنه كنصفه وثلثه . أما الجزء المعين كاليد والرجل بأن قال : ضمنت يده أو رجله فإنه لا يصح
المالكية - قالوا : يشترط ككفالة شروط وبعضها يتعلق بالمكفول عنه . وبعضها يتعلق بالكفيل ويعضها يتعلق بالمال المكفول به وبعضها يتعلق فيشترط في المكفول عنه ألا يكون محجورا عليه بسفه في الشيء الذي يضمن فيه . وذلك تصرف السفيه إلى قسمين :
أحدهما : أن يشتري أو يبيع أو ينفق شيئا لازما له لا بد منه في ضروريات أموره
ثانيهما : أن يتصرف كذلك فيما ليس بلازم بل يمكنه الاستغناء عنه
فإذا تصرف في شيء لازم فإنه يصح كفالته في ذلك الشيء وإذا دفعه الكفيل فإنه يرجع به على المحجور عليه ويؤخذ من ماله على الراجح أما إذا تصرف في شيء مستغني عنه فإن الكفالة فيه لا تصح ولا يرجع على المحجور عليه
وهل يلزم الكفيل أن يدفع المال الذي ضمنه لصاحب الدين الدين أو لا ؟ في ذلك تفصيل وهو أن الضامن إذا كان يعلم أنه محجور عليه ثم ضمنه بعد ذلك وكان المضمون له لا يعلم فإن على الضامن أن يدفع المال الذي ضمن به اتفاقل ويضيع ما دفعه فلا حق له له في ارجوع على المجور عليه
أما إذا كان العكس وهو أن الضامن لا يعلم بأن المضمون محجور عليه والمضمون له ( وهو صاحب المال )
يعلم أنه محجور عليه فإن الضامن غفي هذه الحالة لا يلزمه شيء اتفاقا
أما إذا كان الاثنان يعلمان محجور عليه أو كانا لا لا يعمان شيئا فإن في ذلك خلافا فبعضهم يقول : يلزم الضامن أن يدفع ما ضمن به وبعضهم يقول : لا يلزمه شيء فإذا ضمن صبيا بحق أمر وليه صح الضمان ويرجع الضامن بما دفعه في مال الصبي ومثل ذلك ما إذا كسر الصبي زجاجا ونحوه أو أتلف شيئا فدفع أحد قيمته لصاحبه فإن له أن يرجع بما دفعه في مال الصبي إلا إذا كان الصبي صغيرا جدا مثل ابن ستة أشهر لا ينزجر لأن ما يتلفه في هذه الحالة لا يلزم به ولا يشترط في المكفول عنه ( المديون )
أن يكون قادرا على تسليم المكفول به فيصح كفالة المبيت بمعنى حمل الدين عنه لا بمعنى ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الميت لأن ذمة الميت قد انتهت ثم إذا كان الضامن يعلم أنه لامال له ثم طرأ للميت مال لم يكن في الحسبان فليس للضامن أن يأخذ منه لأنه دفع متبرعا . أما إذا كان يطن أن له مالا أو يشك ثم ظهر أن له مالا فإنه يرجع عليه والقول في ذلك للكفيل إلا إذا قامت قرينه على أنه متبرع
ويشترط في الكفيل أمور :
أولا : أن يكون بالغا فلا يصح لللصبي أن يضمن غيره
ثانيا : أن يكون عاقلا فلا تصح كفالة المجنون
ثالثا : أن لا يكون محجورا عليه لسفه فلا يصح للسفيه أن يضمن غيره
رابعا : أن لا تكون امرأة متزوجة إذا رأت أن تضمن في مقدار يزيد عن ثلث مالها بغير إذن زوجها فإذا تكفلت المرأة بمقدار يساوي ثلث مالها فإن كفالتها تصح ولو لم يأذن زوجها ومثل ذلك ما إذا تصدقت أو وهبت أو أعتقت أو نحو ذلك فإن تصرفها ينفذ في مقدار الثلث فقط فغن فعلت أكثر من ذلك بدون إذن زوجها فإن له الحق في رد كل ما تصرفت فيه
خامسا : ان يكون مريضا ( خطرا )
إذا أراد أن يضمن في أكثر من ثلث ماله فإذا ضمن المريض في أكثر من ثلث بشيء يزيد على الدينار فغن ضمانه لا ينفذ إلا أجازته الورثة
واعلم أن الشرط الرابع والخامس من شروط النفاذ لا من شروط الصحة فإن الكفالة بدونها تصح بغير إذن سيده فغن ضمانه يصح ولا ينفذ إلا إذا أجازه السيد وإذا عتق العبد فإن الضمان يلزمه بعد العتق
سادسا : أن لا يكون الضامن عليه دين يستغرق كل ماله فمن كان عليه دين يستغرق جميع ماله فإن كفالته لا تصح ولا يكون أهلا للتبرع
ويشترط في المال المكفول به أن يكون دينا فلا تصح الكفالة في الأمانات - كالعين المستعارة والعين المودعة - وكذا مال المصاربة والشركة فإذا استعار سلعة من آخر واتى له بضامن يضمنه في تلك السلعة فإنه لا تصح وكذا لو أودع عند آخر وديعة أو مالا يعمل به مضاربة نعم يصح أن يأتي بضامن يضمن قيمتها له إذا فقدت بسبب تعد أو تفريط في المحافظة عليها وإذا فرط المستعير في العارية أو الشريك في مال شريكه أو اتلفه بتعديه لزم الضامن قيمته ما اتلفه المضمون
ويشترط في الدين أن يكون لازما أو يؤول إلى اللزوم فمثال اللازم الذي يصح ضمانه دين القرض وثمن السلعة المبيعة فإذا اشترى شخص سلعة من آخر بثمن مؤجل وأتى بضامن ثمنها فإنه يصح ضمانه دين القرض فإذا اشترى شخص سلعة من آخر بثمن بثمن مؤجل ولأتى بضامن من ثمنها فإنه يصح ويلزم . ومثل ذلك ما إذا استأجر أرضا بأجرة معلومةن فإنه يصح الضمان ويلزم
ومثال الدين غير اللازم الذي لا يصح ضمانه دين الصبي بغير إذن وليه والسفيه المحجور عليه على التفصيل المتقدم ودين الرقيقي بغير إذن سيده ودين المكاتب فإذا أتى بضامن فإنه لا يصح لأن دينه لازم . إذ يجوز له أن يبطل عقد الكتابة فهذا الدين لا يصح ضمانه لأنه لا يلزم المدين أن يفي به
ومثال الدين الذي لا يلزم في الحال ولكن يلزم في المال دين الجعل فإن من جعل لآخر جعلا على عمل يعمله فإن الجعل يلزم بعد الفراغ من ذلك العمل فيصح ضمانه لأنه وإن لم يلزم في الحال لكن يلزم في المال . فإذا قال شخص لآخر : إن جئتني بجمالي الضالة فلك عشرة جنيهات وأتى له بضامن يضمنه فيها يصح ولو يشرع في العمل لأنه إن جاء ثبت له المبلغ في ذمة الأصيل فكذلك في ذمة الكفيل وإن لم يأت بها لم يثبت له شيء وهذا هو الراجح وبعضهم يقول : دين الجعل قبل الشروع في العمل كدين الكتابة لا تصح كفالته
ويصح ضمان الدين الحال مؤجلا كما إذا كان لزيد عشرة جنيهات عند عمرو وحل موعد سدادها فإنه يجوز لخالد ان يقول لزيد : أجل أو شهرين أو نحو ذلك وأنا ضامن لك وذلك الدين وإنما يصح ذلك إذا تحقق واحد من أمرين :
أحدهما : أن يكون المدين موسرا وقت الضمان وذلك لأنه يكون التأجيل سلفا جر منفعة وهو ممنوع وذلك لأن صاحب الدين في الحالة الأولى ضامن لحقه وقادر على أخذه فإذا أجلخ بضامن لا تكون له فائدة من الضامن فرضاؤه بمد الأجل بمنزلة القرص بدون منفعة تعود عليه
أما إذا كان المديون معسرا فإن صاحب الدين لم يكن قادرا على أخذ دينه فإذا أجل له الدين نظير لنتفاعه بالضامن فإنه يكون قد أسلفه بفائدة
ثانيهما : ألا يكون المديون موسرا وقت الضمان ولكن ضمنه مدة لا يتصور أن يطرأ عليه فيها يسر بل معسرأ إلى انتهائها وذلك أن صاحب الدين يجب عليه أن ينتظر إلى ميسرته بطبيعته فالضمان لم يفده شيئا
ثانيهما : ألا يكون المديون موسرا وقت الضمان ولكن الضامن مدة لا يتصور أن يطرأ عليه فيها انتفاعه بل يظل معسرا إلى انتهائها لأن صاحب الدين يجب عليه أن ينتظر إلى ميسرته بطبيعة الحال لم بفده شيئا
أما إذا أيسر في أثناء المدة فإنه لا يجوز فإذا كان لشخص آخر عشرة حل موعد دفعها اليوم فطلب منه ان يؤجلها له ثلاثة أشهر بضمانة الغير فإن كان للمديون ما يسد به العشرة قبل حلول الأجل عادة فإن الضمان يصح
أما إذا أيسر بعد شهر أو شهرين كأن كان مستحقا في وقت ينتظر الحصول على غلته أو موضفا بوظفيته ينتظر قبض راتبها فإن الضمان لا يصح وذلك لأن صاحب الدين في هذه الحالة يكون قد أجل دينه في نظير أنه ينتفع يالضامن المدة التي يكون فيها معسرا وقد يقال انتفع في الصورة الأولى بالضامن في مدة الإعسار جميعها بأي فرق
وكذا يصح ضمان الدين المؤجل حالا كما إذا كان لشخص دين عند آخر مؤجلا إلى شهرين مثلا فقال له المدين إنه تنازل عن الأجل وصار الدين حالا ثم جاء له ضامن يضمنه وهذه الصورة غير عملية إذ لا يعقل أن يتنازل المديون عن المدة التي يحل فيها دينه ثم يأتي بضامن خوفا من الممطالة ولهم في ذلك تفصيل لا فائدة من ذكره
ولا يشترط في المضمون به أن يكون معينا فإذا قال شخص لآخر : داين فلانا وأنا ضامن له فإنه يصح الضمان فيما داينه بينه أو إقراره لا يكون حجة على الضامن وهل ضمان جميع ما استدانه مهما بلغ قدره أو يلزمه ضمان ما يعامل له مثله فقط ؟ قولان . وللضامن في هذه الحالة أن يرجع عن الضمان - قبل المعاملة لا بعدها - فإن عامله في البعض لزم الضمان فيما عامل به فقط
وأما الصيغة فيشترط فيها أن تدل على الحفظ والحياطة عرفا مثل : أنا حميل بفلان أو زعيم أو كفيل أو قبيل أو هو لك عندي أو علي أو إلي أو قبلي أو أنا قبيل به أو أذين أو عوين أو صبير أو موين ونحو ذلك فهذه كلها ألفاظ ينعقد بها الضمان
والاستعمال الصيغة ثلاثة أحوال :
( الحالة الأولى )
أن تذكر لفظ الضمان مطلقا غير مقيد بما يدلا على أنه ضمان عن المال أو النفس كما إذا قال : انا ضامن لفلان ولم يقل : في المال الذي عليه أو في إحضاره بنفسه وفي هذه الحالة خلاف فبعضهم يقول : إنها تحمل على الضمان بالمال وبعضهم يقول : بل تحمل على الضمان بالنفس
( الحالة الثانية )
أن يذكر بفظ الضمان مقيدا بما يدل على المضمون لفظا كأن يقول : أنا ضامن لما على فلان من الدين أو ضامن لنفس فلان وهذه الحالة لا خلاف في معاملة الضامن بما قيد به الصيغة من ذلك
( الحالة الثالثة )
أن يذكر لفظ الضمان مقيدا بما يدل على المضمون فيه كأن يقول : أنا ضامن لفلان وينوي دينه أو نفسه وحكم هذه الحالة أن الضامن يعامل بما نواه ويصدق في ذلك لأنه متبرع والأصل براءة ذمته
الحنفية - قالوا : ينقسم شرط الطفالة إلى خمسة أقسام :
( القسم الأول )
يرجع إلى الكفيل : فيشترط في الكفيل أن يكون عاقلا بالغا فلا تنعقد كفالتة المجنون ولا كفالة الصبي أصلا إلا في حالة واحدة يصح للصبي أن يكفل ذلك بالمال لا بالنفس ما إذا كان الصبي يتيما واستدان وليه سواء كان أبا أو غيره لينفق على الصبي فيما لا بد منه فإنه يجوز للصبي أن يكفل ذلك المال بأمر وليه وتصح كفالته في هذه الحالة ويطلب بالمال كما يطالب بذلك
أما إذا أمره أن يكفل نفس الولي لصاحب المال بمعنى أن الصبي يحضر الولي عند الحاجة فإن الكفالة لا تصح لأن الصبي في كفالة المال الذي أنفق في ضرورياته ملزم به فكفالته للولي في ذلك المال تزيد في تأكيده بخلاف كفالته في النفس فإنها محض تبرع وهو أهلا للتبرع
وكذا يشترط في الكفيل أن يكون حرا وهذا شرط نفاذ لا شرط انعقاد فإن كفالة العبد تصح ولكن لا نتفذ إلا بإذن السيد أو بعد عتقه . فإذا عتق كان ملزما بما كفل به وهو رقيق وكذا تشترط الصحة فيما زاد عن ثلث المال فلا يصح للمريض أن يكفل لوارث أو عن وارث أصلا ولو كان الدين أقل من ثلث ماله . فيشترط في الكفيل البلوغ والعقل وهما شرطا انعقاد . والحرية وهي شرط نفاذ والصحة وهي شرط فيما زاد عن الثلث من ماله
القسم الثاني : يرجع إلى الأصيل وهو المديون فيشترط فيه أن يكون قادرا على تسليم المكفول به ينفسه أو نائبه فإذا كفل ميتا مفلسا لا تصح كفالته لأن الميت المفلس عاجز عن تسليم المكفول به بنفسه وبنائبه من الورثة لأنه مفلس فإذا ترك الميت مالا فإنه يصح الكفالة عنه بقدر ذلك المال . وهذا القول هو الصحيح
وكذا يشترط في الأصيل أن يكون معلوما فلا تصح كفالة المجهول إذا كانت الكفالة في المستقبل وتسمى مضافة فإذا قال شخص لآخر كفلت لك ما تبعيه للناس بالدين فإن الكفالة لا تصح . وقد يقع هذا فيما أراد شخص أن يعلم ولده التجارة ويجلب له الناس يشترون منه فيقولون له بع : للناس ولو بالدين وأنا أضمن لك ما تبيعه من ذلك فهذه الكفالة غير صحيحة لأن الناس كفلهم مجهولون
ومثل ذلك ما إذا قال له : إن غصب منك أحد شيئا فأنا كافل له وتسمى هذه كفالة معلقة بالشرط وهي في معنى الكفالة المضافة فالمراد بالمضافة والمعلقة ما يقع في المستقبل ويقابلها الكفالة المنجرة الواقعة في الحال وهذه لا يشترط فيها أن يكون الأصيل الذي يراد كفالته معلوما . ومثال ذلك أن يقول له : كفلت بما ثبت لك على الناس فهذه صحيحة ويلزمه أن يقوم مما ثبت له في الماضي على الناس الذين يعينهم المكفول له صاحب الدين لأنه بذلك يكون له الحق في تعيين من له عليه الدين
ولا يشترط في الأصيل المكفول عنه أن يكون حرا بالغا حرا فتصح كفالة الصبي بالمال والنفس سواء كان مميزا أو لا وسواء كان مأذونا له في التجارة أو لا ثم إن كانت الكفالة بأمر الولي يجبر الصبي على الحضور مع الكفيل في الكفالة بالنفس ويرجع الكفيل بما غرم على مال الصبي أما لم تكن الولي فإن كانت الصبي وكان مأذونا بالتجارة غير محجور عليه فإن الكفيل يرجع بما غرم على مال الصبي في كفالة المال ويجبر الصبي على الحضور معه في كفالة النفس وإلا فلا
القسم الثالث : يرجع إلى المكفول له صاحب الدين فيشترط أن يكون معلوما فلا يصح للشخص أن يكفل شخصا لمن يجهله . وأن يكون عاقلا فلا تصح الكفالة عند المجنون ومثله الصبي الذي لا يعقل . لأن المكفول له لا تتم الكفالة إلا بقبوله على الصحيح فيجب أن يكون من أهل القبول ولا تصح الكفالة بقبول وليهما عنهما . أما حرية المكفول له فإنها ليست بشرط
القسم الرابع : يرجع إلى المكفول به سواء كان دينا أو عينا فيشترط لصحة الكفالة في الدين شرطان :
الشرط الأول : أن يكون دينا صحيحا . والدين هو الذي لا يسقط إلا بأدائه لصاحبه أو بالبراءة بأنه يسامح فيه صاحبه . ويقوم مقام الإبراء منه أن يفعل صاحبه ما يستلزم سقوطه مثال ذلك مهر الزوجة قبل الدخول فإنه يسقط إذا رضيت لابنه البالغ أن يقبلها بشهوة فهو وإن لم تبرئه حقيقة ولكنها بفعلها هذا أبرأته حكما
[ يتبع . . . ]
فالدين الصحيح هو الذي لا يسقط إلا بقضائه أو الإبراء منه حقيقة أو حكما وهذا هو الدين الذي يصح ضمانه أما غيره فإنه لا يصح كدين الكتابة فإن للمديون وهو العبد المكاتب أن يفسخ عقد الكتابة متى شاء ويستثنى من ذلك الدين المشترك بين اثنين فإنه وإن كان صحيحا ولكن لا يصح لأحد الشريكين أن يضمنه
مثلا إذا اشترى شخص من تاجر شريكين بعشرين جنيها إلى أجل فإنه لا يصح لأحد الشريكين أن يضمن المشتري في الثمن لأنه إن ضمنه مع بقاء الشركة بأن ضمنه في نصف شائع كان ضامنا لنفسه لأن كل جزء يؤديه الأصلي يكون له فيها نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان ضامنا لنفسه لأن كل جزء يؤديه الأصيل يكون له فيه نصيب وإن ضمنه في نصف صاحبه بدون شيوع كان معناه قسمة الدين قبل قبضة وهي لا تجوز لأن معنى القسمة هي أن يفرز كل مهما نصيبه ويحزه وذلك لا يتصور في الدين قبل قبضه لأنه شغل ذمة المدين وهو أمر معنوي فإذا كان الضامن أجنبيا فإنه يصح مع بقاء الشركة فمن اشترى سلعة من تاجر وأتى لهما بضامن فإنه يصح ويكون ما يدفعه الضامن بمنزلة ما يدفعه الأصيل وكذا تستثنى النفقة المقروءة بالقضاء أو بالتراضي فإنها دين غير صحيح لأنها تسقط بالموت أو بالطلاق ومع ذلك فإنه يصح ضمانها ومحل كون النفقة تسقط بالموت أو الطلاق إذا لم تكن مستدانة بأمر القاضي وإلا فهي دين صحيح لا يسقط أصلا
الشرط الثاني : أن يكون الدين قائما ومعنى كونه قائما أن يكون باقيا غير ساقط . فإذا كان له على ميت مفلس فإنه لا يصح ضمانه لأن الميت المفلس سقط عنه الدين . ولا يشترط أن يكون الدين معلوما تصح الكفالة بالمجهول
ومثال الدين الصحيح القرض وثمن المبيع بعقد صحيح فإذا اشترى شخص سلعة من آخر ولم يدفع ثمنها ثم كفله شخص فيها ودفع ثمنها ثم ظهر فساد العقد بعد ذلك كان الكفيل مخيرا بين أن يرجع بما دفعه على البائع أو على المشتري . أما إذا كان عقد البيع صحيحا وقت الكفالة ثم أضيف إليه شرط أفسده بعد ذلك فإن الكفيل يرجع بما دفعه على المشتري فقط يرجع على البائع والفرق أن البائع قد قبض ما يستحقه لأن العقد كان صحيحا والكفيل يرجع على المشتري لا على البائع
ويشترط في كفالة الأعيان أن تكون مضمونة بنفسها أو بغيرها كما ذكرنا في تعريف الكفالة . ومن الأعيان المضمونة بنفسها المبيع على سوم الشراء فإذا ساوم شخص آخر على سلعة سمى له ثمنها ثم استلمها على أن ينظر إليها أهله قبل أن يبت في شرائها فإن كفالتها تصح
أما إذا لم يسلم ثمنها فإنها تكون أمانة ولا تصح بما ليس مضمونا كالوديعة ومال المضاربة والشركة ولكنها أمانة كالعارية والمستأجر في يد وهذه تصح كفالتها . ولكن إذا هلكت الدابة في يد المستأجر فإن الكفيل لا تلزمه قيمتها ثم إن الكفالة وإن كانت لا تصح بنفس الأعيان غير المضمونة كما ذكرنا ولكنها تصح بتسليمها فإذا كفل شخص لآخر تسليم الوديعة التي عند فلان فلان فإنها تصح ومثل ذلك ما إذا كفل له بتسليم العرية التي عنده ويشترط في الكفالة بالنفس أن تكون النفس مقدورة التسليم فلا يصح أن يكفل شخصا غائبا لا يدري مكانه لأنه يقدر على إحضاره وتسليمه . ومثل ذلك ما إذا اتفق شخص مع آخر على أن يبني له دارا بشرط أن يتولى بناءها بنفسه فإنه لا يصح كفالة الشخص الذي يتولى العمل بنفسه لأنه ليس في قدرة الكفيل أن يرغمه على العمل نعم تصح كفالته بنفسه بحيث يتولى الكفيل إحضاره عند الحاجة
ومن الشروط التي ترجع إلى المكفول به أن لا يكون حدا أو قصاصا فلا تصح الكفالة بهما لأنهما لا يمكن تسليمها وإنما تصح كفالة الشخص الذي وجب علبه حد أو قصاص بمعنى إحضاره عند اللزوم
القسم الخامس : يرجع إلى الصيغة فيشترط لها أن لا تكون معلقة على شرط غير موافق للكفالة كأن يقول له : أكفل لك مالك على فلان من دين إن نزل المطر أو هبت الريح ونحو ذلك فمثل هذه الصيغة لا تصح بها الكفالة لأنها معلقة على شرط غير محقق الوقوع والغرض من الكفالة التأكيد فهذا الشرط لا يناسبها . أما المعلقة على شرط موافق فهي صحيحة ويكون الرشط موافقا للكفالة بواحد من أمور ثلاثة :
الأول : أن يمون الشرط سبببا للزوم الحق كأن يقول له : أكفل لك هذه اليلعة المبيعة إن ظهر أنها ملك لغير بائعها فالشرط هنا وهو ظهور كون المبيع ملكا للبائع سببا للزوم الحق المكفول به وهو وجوب الثمن للبائع على المشتري
ومثل ما إذا قال له : أكفل لك سلعة المودعة عند فلان إن أنكرها وذلك لأن إنكارها سبب لوجوب ثمنها عليه وهكذا . بخلاف ما إذا قال له : امش في طريق كذا وإن أكلك سبع فأنا ضامن فإنه ضمان غير صحيح لأن فعل السبع غير مضمون
الأمر الثاني : أن يكون سببا لسهولة تمكن من استيفاء المال من الأصيل كقوله إن قدم زيد فعلي ما عليه من الدين فالشرط في هذا المثال قدوم زيد سبب في تسهيل استيفاء صاحب الدين حقه من القادم الذي عليه الدين هو زيد . ويشترط أن يكون زيد القادم مدينا للمكفول له كما ذكرنا أو مضاربا أو غاصبا أو نحو ذلك أما إذا كان أجنبيا كأن يقول : ضمنت لك ما على زيد عند حضور عمرو من سفره فإنه لا يصح لأن عمرو الأجنبي الذي ليس مدينا ولا علاقة له بالدين لا يصح التعلق على حضوره
الأمر الثالث : أن يكون سببا لتعذر الاستيفاء نحو إن غاب زيد عن البلد فعلى فالشرط وهو غياب زيد سبب لتعذر استيفاء الدين منه فيصح أن يكفله فيه
ومثل ما إذا قال له : ضمنت لك ما على فلان من الدين إن مات ولم يترك شيئا ونحو ذلك وحاصل هذا المقام أن تعليق الكفالة صحيح إذا لم يترتب على ذلك إخلال بعقد الكفالة وهو توثيق الدين وتأكيده فإذا كان الشرط من الأمور ليست محققة الوقوع فإنه لا يصح
ومثل ذلك ما إذا أجل الكفالة إلى أجل مجهول جهالة شديدة كما إذا قال له : أكفل لك نفس زيد عند هبوب الريح أو نزول المطر وفي هذه الحالة تثبت الكفالة ويبطل الأجل
أما إذا أجل إلى أجل مجهول جهالة يسيرة كما إذا قاله : كفلت لك زيدا إلى الحصاد أو إلى موسم النيروز ونحو ذلك فإنه يصح وثبتت الكفالة والأجل
أما إذا أجل الكفالة إلى وقت معين كما إذا قال له : أكفل لك زيدا أو ما على زيد من هذه الساعة إلى شهر فإنه يكون كفيلا مدة شهر بلا خلاف
أما إذا قال له : أكفله لك شهرا بدون أن يذكر ( من )
وإلى فإن فيه خلافا فبعضهم يقول : إنه يكون كفيلا دائما وبعضهم يقول : إنه كفيل في المدة التي ذكرها ولا يكون كفيلا بعد ذلك أما إذا قال : أكفله إلى شهر فقط ( من )
فكذلك فيها الخلاف فبعضهم يقول إنها كالأول وبعضهم يقول إنها كالثاني
والتحقيق في ذلك أن صيغ الكفالة مبنية على العرف جاريا على أن هذه الصيغ لا يقصد منها إلا تأجيل الكفالة بأجل معلوم فإنها تحمل عليه لا فرق بين أن يذكر ( من )
وإلى أو لم يذكر منهما فلو قال : كفلت لك شهرا يكون كفيلا في هذه المدة فقط ولا يكفله بعد ذلك إلا إذا قامت قرينة على خلاف العرف فيعمل بها
وكما أن الكفالة نفسها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فكذلك البراءة منها لا تصح إذا علقت على شرط غير ملائم فإذا قال صاحب الدين للكفيل : إن جاء الغد فأتت بريء من الدين لا تصح البراءة ويكون لصاحب الدين مطالبة الكفيل كما كانمن قبل والمراد بالشرط غير الملائم هنا هو كل شرط لا يستنفذ منه صاحب الدين شيئا كما مثله وكقوله إن دخلت الدار فأتت بريء من الكفالة ونحو ذلك من الشروط التي لم يتعارف الناس . أما الشروط المتعارفة التي يستنفذ منها صاحب الدين فإنه يصح تعليق البراءة عليها كقوله : إن دفعت لي بعض الدين فأتت بريء من الكفالة في الباقي
الشافعية - قالوا : تنقسم شروط الضمان إلى أربعة أقسام :
القسم الأول : يرجع إلى الضامن فيشترط فيه شروط :
أحدها : أن يكون عاقلا فلا يصح ضمان المجنون بخلاف الذي غاب عقله بسبب السكر فإن ضمانه يصح
ثانيها : أن يكون باغا فلا يصح ضمان الصبي
ثاثها : أن لا يكون محجورا عليه لسفه فلا يصح ضمان المحجور عليه بسبب السفه أما المحجور عليه بسبب الإفلاس فلا ضمانه يصح وكذا يصح ضمان السفيه الذي لم يحجر عليه
رابعها : أن لا يكون مريضا مرض الموت وهو لا يصح ضمانه بشرطين :
الأول : أن يكون عليه دين يستغرق كل ماله فإن لم يكن عليه دين مستغرق فإن ضمانه يصح الثاني : أن لا يطرأ له مال جديد بعد الموت فلو ظهر أن استحقاقا في مال بعد موته فإنه يصح الضمان بالنسبة له ويؤخذ المضمون من ذلك المال . أما الذي يبرأ من مرضه فإن ضمانه يصح رابعها : أن لا يكون مكروها فلا يصح ضمان المكره
القسم الثاني : يرجع إلى المضمون له وهو صاحب الحق . ويشترط فيه أن يكون معروفا للضامن بشخصه فلا تكفي معرفة اسمه لتفاوت الناس في المطالبة شدة ولينا . وهل معرفة شخص وكيل المضمون له ؟ نعم تكفي على المعتمد
ولا يشترط رضاء المضمون له لأن الضمان لا يضره إذ التزام يزيد تأكيدا
وكذا لا يشترط معرفة المضمون عنه وهو الذي عليه الحق ولا رضاه فيجوز للإنسان أن يضمن دين الميت الذي لا يعرفه وهذا في غير ضمان النفس فإنه يشترط فيه رضاء المكفول لأنه لا يلزمه أن يذهب معه للتسليم إلا إذا أذنه بأن يكفله . ومن ضمن بغير إذن متبرعا فلا رجوع له القسم الثالث : يرجع إلى الصيغة فيشترط للصيغة شرطان :
أحدهما : أن تكون لفظا يشعر بالاتزام كأن يقول : ضمنت دينك الذي لك علي أو تكفلت لك ببدن فلان ونحو ذلك مما يدل على أنه قد التزم بالشيء الذي ضمن به
أما إذا أتى بصيغة لا تشعر بالالتزام كما إذا قال : أودي المال الذي لك عند فلان أو أحضر الشخص الذي لك عنده كذا فمثل هذه الصيغة لا تكون ضمانا وإنما تكون وعدا إلا إذا نوى بها الضمان فإنها تكون ضمانا . د
ثانيهما : أن لا تكون معلقة أو مؤقتة فإذا قال : إن جاء الغد ضمنتك أو قال : أنا ضامن مال فلان شهرا أو كافل بدنه أسبوعا لا يصح . نعم إذا كفل دين فلان الحال أن يدفعه مؤجلا بعد شهر مثلا فإنه يصح . فإذا كان لشخص عند آخر أجل موع
كفله شخص على أن يدفع ذلك الدين بعد شهر صحت الكفالة ويثبت الأجل للكفيل لا للأصيل حتى لو مات الأضصيل لم يحل الدين على الكفيل
أما إذا كان الدين مؤجلا ثم منه على أن يدفعه حالا فإن الضامن لا يلزم بدفعه حالا لأن الأجل ثابت في حق الأصيل استقلالا وفي حق الكفيل تبعا . فلا يطالب أحد منهما قبل حلول الأجل فإذا مات الأصيل حل الدين عليهما معا
القسم الرابع : يرجع إلى المضمون به سواء كان دينا أو عينا أو نفسا فيشترط في الدين أن يكون لازما في الحال أو المال . ومثال الدين في الحال الرض وثمن السلعة المبيعة ونحو ذلك
والدين الذي يؤؤل للزوم ثمن السلعة في مدة الخيار فإنه وإن لم يلزم في الحال ولكنه يلزم مالا فيصح ضمانه . وكذا يشترط أن يكون الدين معلوما ضمان المجهول قدرا أو جنسا أو صفة فلا بد من بيان ذلك كأن يقول : ضمنت ما لك على زيد من دين قدره عشرون جنيها مصرية أو إنكليزية أو نحو ولم يبين جنسها أو قال : ضمنت لك العشرين جنيها ولم صفتها فإنه لا يصح ويستثنى من ذلك إبل الدية فإنه يصح ضمانها مع عدم ذكر صفتها لأنها معروفة السن والعدد ويرجع في صفتها إلى غاب أبل البلد فلا حاجة إلى ذكر صفتها
أما الأعيان فإنها تنقسم إلى قسمين مضمونة كما تقدم في التعريف فيشترط لصحة ضمان الأعيان أن تكون مضمونة يجب ردها إلى مالكها فمعنى ضمانها ضمان ردها إلى مالكها
أما ضمان قيمتها إذا تلف فإنه لا يصح لأنها لم تتلف وقت الضمان لتثبيت قيمتها في الذمة فإن تلف بافعل فإنه يصح ضمان قيمتها بعد تلفها لثبوته في الذمة حينئذ
ومثال العين المضمونة العين المغصوبة والمستعارة . ومثال العين غير المضمونة المودعة والموصى بها والمؤجرة فهذه الأعيان لا يصح ضمان ردها لا يجب على واضع اليد وإنما الذي يجب هو أن يخلى بينها وبين مالكها . وأما كفالة النفس فيشترط لصحتها أن يكون على المكفول ببدنه حق لآدمي مالا كان عقوبة
الحنابلة - قالوا : يشترط للضمان شروط منها ما يتعلق بالضامن فيشترط فيه أن يكون أهلا للتصرف فلا يصح المجنون والصغير والسفيه ويصح ضمان المفلس لأن الضمان يتعلق بالذمة وكذا يشترط رضاء الضامن فلا يصح ضمان المكره
ولا يشترط في الضامن أن يعرف المضمون له وهو صاحب الحق كما لا يشترط أن يعرف الضامن المضمون عنه وهو عليه الحق فيجوز أن يضمن من لا يعرفه حيا كان أو ميتا
ومنها ما يتعلق بالمضمون به وهو الدين أو العين او النفس فيشترط لصحة الضمان باليدن أن يكون الدين لازما حالا أو مالا والأول كالقرض وثمن المبيع الذي لا خيار فيه . والثاني كمن المبيع قبل مضي مدة الخيار فإنه يؤؤل للزوم فلا يصح الضمان بالدين غير اللازم كدين الكتابة فإن للمكاتب أن ينقص العقد عن الأداء فدينه ليس بلازم حالا ولا مآلا
ويشترط لصحة ضمان العين أن تكون مضمونة على من هي في يده كالعين المغصوبة والمستعارة ومعنى ضمان هذه العيان ضمان ردها أو قيمتها عند تلفها أما العيان غير المضمونة فإن المضمونة فإنه لا يصح ضمانها كالوديعة والعين المؤجرة ومال الشركة والمضاربة والعين المدفوعة إلى الخياط والصباغ ونحو ذلك . نعم يصح التعدي عليها كما تقدم في التعريف مفصلا
ومنها ما يتعلق بالصيغة ويشترط فيها أن تكون بلفظ يفهم منه الضمان عرفا كقوله : أنا ضمين وكيل وحميل وصبير وزعيم ونحو ذلك ويصح الضمان بلفظ معلق ومنجز كقوله : إن اعطيت فلانا كذا فأنا ضامنه كقوله : وأنا ضامن لفلان كذلك يصح أن يكون بلفظ مؤقت كأن يقول : إذا جاء رأس فأنا الشهر فأنا ضامن لفلان
ويصح أن يضمن شخص دينا حالا إلى أجل معلوم فإذا كان لزيد عمرو ودين حل موعد دفعه فضمنه خالد على أن يدفعه بعد سنة فإنه يصح ويثبت الأجل في حق الضامن بحيث لو مات المضمون لا يحل موعد دفعه



أحكام تتعلق بالكفالة

- تتعلق بالكفالة أحكام مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : تتعلق باكفالة أحكام كثيرة منها : أنه يصح الضمان بدون إذن من عليه الدين وهو المضمون عنه فإذا كان لشخص دين ىخر فضمن الدين بدون إذن المدين صح الضمان ولزم : وبعضهم يقول : لا يصح بدون إذن الموديون وإلا فلا يلزمه الدفع . وكذا يصح لشخص أو يؤدي دين آخر بدون إذنه ويجبر صاحب الدين على قبوله بشرط الغرض من ذلك الشفقة والرفق بالمدين
أما إذا كان الغرض سداد دينه ليشهر بمطالبته عند الرجوع عليه أو يؤذيه بمداينته إياه لعداوة بينهما فإنه لا يصح وليس لمن يدد غيره بقصد الإضرار به بمطالبة عليه مطلقا
ومثل ذلك ما إذا اشترى ما إذا اشترى شخص دين آخر ليغطيه بالمطالبة ويشهر به لعداوة بينهما فإن ذلك الشراء لم يصح وعلى رب الدين أن يرد الثمن الذي باع به الدين للمشتري فإن ضاع منه فإن كان من الأشياء المثلية فعليه للذي اشترى منه الدين أن يطالب المدين بل الذي يتولى مطالبتة الحاكم ليأخذ منه المبلغ ويدفعه للمشتري ولكن لا يجب على البائع أن يرد ثمن الدين الذي قبضه إلا إذا علم أن غرض المشتري هو الإضرار بالمدين والتشهير به
أما إذا لم يعلم بذلك فإن البيع ينفذ ولا يجب عليه رد الثمن . وفي هذه لا يكون للمشتري الحق في أن يتولى مطالبة المدين بل يبيع الدين لغيره وبعضهم يقول : يفسخ الدين مطلقا علم أو لم يعلم والأول أظهر
( ومنها )
أنه إذا ادعى شخص أن دينا له دينا على غائب فقال آخر : أنا ضامن لذلك الدين ثم حضر الغائب وأنكر الدين ولم يثبت ونحوها فإن الضمان يسقط . فإذا أقر الغائب بادين وكان موسرا فإن الضمن يلزم الضمان بلزم . أما إذا كان معسرا فإن الضمان لاحتمال أنه قد تواطأ مع المدعي على أكل مال الضامن
ومنها : أنه يلزم من براءة المضمون براءة الضامن من براءة الضامن براءة المديون . مثلا إذا ضمن شخص دينا في ذمة آخر فتنازل صاحب الدين عن دينه كأن وهبه المديونأو أبرأه أو احاله على دين ثابت لازم فغن ذمة الضامن تبرأ . ومثل ذلك ما إذا مات المديون عن مال وصاحب الدين وراثه فإن ذمته يبرأ الضامن تبعا بخلاف ما إذا مات المديون مفلسا فإن ذمة الضامن لا تبرأ بموته . فهذه براءة الضامن المضمون
أما إذا برئ الضامن فغن الضامن المضمون قد لا يبرأ فالأول كما إذا دفع الضامن الدين فإن ذمة كل منهما تبرأ من الدين فلا يكون لصاحبه حق قبلها . والثاني كما غذا وهب صاحب الدين للضامن فغن ذمة الضامن تبرأ ولا تبرأ المضمون بل يكون لصاحب الدين ولا تتم الهبة للضامن إلا إذا قبض الدين قبل أن يحصل لصاحب الدين مانع يمنه من الهبة
وكذا إذا كان الضمان مؤقتا بمدة كأن يقول الضامن ضمان دين فلان علي في مدة شهرين مثلا بحيث إذا مات أو أفلس فيهما كنت ملزما بدينه . فذمة الضامن تبرأ بعد انقضاء الشهرين وتبرأ ذمة المديون الأصلي
ومن ذلك تعلم أنه يجوز الضمان مؤقتا بمدة معينة
ومنها أنه لا يجوز لصاحب الدين أن يطالب الضامن إلا في أربعة أحوال :
الحالة الأولى : أن يكون المضمون الأصلي مفلسا
الحالة الثانية : أن يكون موسرا ولكنه مماطل معروف باللدد في الخصومة والشدة فيها
الحالة الثالثة : أن يكون المديون الصلي غائبا وليس له مال يمكن سداد الدين منه . أما إذا كان له مال يستطيع صاحب الدين أن ياخذ منه دينه بدون صعوبة ولا مشقة فليس له في هذه الحالة مطالبة الضامن
وحاصل ذلك أن المضمون غذا كان موسرا حاضرا فليس لصاحب الدين مطالبة الضامن وإذا كان غابا ولكن له مال يمكن اخذ الدين منه بسهولة فطذلك ليس لصاحب الدين مطالبة الضامن
الحالة الرابعة : أنة يشترط صاحب الدين أن يأخذ دينه من أيهما جاء فإن له في هذه الحالة أن يطالب الضامن . ومثل ذلك أن يشترط مطالبة الضامن في حالة معينة كعسر المضمون أو موته أو نحو ذلك هو الراجح
وبعضهم يقول إن صاحب الدين مخير بين أن يطالب الضامن أو يطالب المضمون على أي حال ومنها الدين المؤجل يصح في ثلاثة أحوال
الحالة الأولى : موت الضامن إذا ترك مالا يكفي لسداد الدين أو بعضه فإذا ترك كل الدين لصاحب الدين الخيار في أن ياخذ دينه من ترك الضامن أو أن يتبع المضمون الصلي فإذا أخذ دينه من تركه الضامن فليس لورثته مطالبة المضمون إلا بعد حلول أجل الدين ولو كان المضمون حاضرا موسرا لأن الدين في هذه الحالة يعجل بالنسبة للضامن
فقط موسرا فإذا مات الضامن معسرا فلا حق لصاحب الدين في المطالبة إلا عند حلول الأجل وإذا ترك بعض الدين كان له الحق في أخذه ويصبر بالبعض الآخر الأجل
الحالة الثانية : أن بفلس الضامنى وفي هذه الحالة يكون صاحب الدين مخيرا بين أن أن يدخل مع الدائنين في تصفية مال الضامن ويأخذ الحصة التي يستحقها معهم وليس للضامن أن يطالب بها إلا بعد أن يحل الأجل
الحالة الثالثة : أن يموت المديون موسرا وفي هذه الحالة لصاحب الدين أن ياخذ من تركة الميت ولو لم يحل أجل الدين . أما غذا مات معسرا فليس لصاحب الدين الدين أن يطالب الضامن إلا بعد بعد حلول الجل لنه لا يلزم من حلول الدين على الصيل حلوله على الضامن
ومنها أن الضامن إذا دفع الدين يرجع به على المضمون بعد أن يثبت أنه دفعه بينه أو إقرار من صاحب الدين بانه استلم دينه
أو نحو ذلك فإذا لم يثبت ذلك فليس له الحق في الرجوع على المضمون
ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب فإن كان الضامن قد دفع الدين ثيابا من جنس الثياب التي أخذها المدين فإنه يستحق أن يأخذ من المدين ثيابا مثلها
أما إذا كان قد دفع قيمة الثياب فإنه يلزم بالقيمة إن كانت القيمة أقل من الياب فغن كانت أكثر فإن الذي يلزم المضمون بدفعه هو الثياب لا القيمة هذا إذا كان الضامن قد دفع الثياب من عنده أما إذا كان قد اشتراها من الغير بثمن فإن المثل بدون محاباة فإن المديون يلزم به بدون خلاف
أما إذا كان قد اشتراها بغبن ومحاباة فليس على المديون إلا ثمن فقط فإذا اشترى ثيابا بعشرة وهي تساوي خمسة كان على المديون خمسة
الحنفية - قالوا : يتعلق بالكفالة أحكام كثيرة منها أن الكفالة بدون أمر المديون فإذا كفل شخص آخر بدون أمره كان متبرعا فليس له أن يرجع بما أراده من الدين ومثل ذلك ما إذا كفله بامره أجنبي فإذا قال زيد لعمرو أضمن خالدا في الدين الذي عليه لبكر ففعل فإنه يكون متبرعا وليس الرجوع لا على المديون ولا على الأجنبي
أما إذا كفل المديون بامره فإنه يرجع عليه بشرطين :
الشرط الأول : أن ينص على أن الحق الذي يضمنه فيه يكون ملزما به كأن يقول له : اضمن لفلان مائة جنيه على أن ما تضمنه يكون على سداده : فهذه الصيغة تجعل للضامن الحق في الرجوع على المديون بلا خوف وفي حكم ذلك ما إذا قال له اضمن لفلان مائة جنيه أو عني لأن التصريح بكلمة ( على أو عني )
معناه الالتزام بالدين يدفعه عنه
وبعضهم يقول : إن هذه الصيغة مختلف فيها ولكن التحقيق أنه لا خلاف في أن للضامن حق الرجوع فيها
أما الصيغة التي فيها الخلاف فهي أن يقول له : اضمن لفلان مائة جنيه ولم يصرح بكامة ( عني )
ولا ( علي )
ولم ينص على انه يكون ملزما فبعضهم يقول : إن له حق الرجوع مطلقا وبعضهم يقول ليس له حق الرجوع إلا غذا كان الضامن الذي قال له ذلك خليطة كأن يكون والدا أو زوجة أو أجيرا أو شريكا شركة عنان أو نحو ذلك
الشرط الثاني : أن لا يكون الآمر محجورا عليه أو رقيقا فإن أمره صبي يضمنه فليس له حق الرجوع في ماله كما تقدم في مبحث الشروط . أما إذا كان رقيقافإنه لا يرجع إذا أعتق
ومنها : انه إذا دفع الضامن الدين فإن ذمة المديون الأصلي تبرأ ولا يكون لصاحب الدين حق عنده بل ينتقل الحق للكفيل الذي دفع ويبرأ الأصيل . وذلك فيما إذا كان للضامن دين عند آخر ثم أحال الضامن صاحب الدين على مديونه وشرط براءة نفسه فقط فإن ذمة الضامن تبرأ في هذه الحالة ولصاحب الدين أن يطالب الأصيل أو المحال بشرط أن يكون المحال عليه مفلسا أو منكرا للدين ولا بينة عليه
أما إذا كان المحال عليه مقرا بالدين وكان ذا مال فإن ذمة الأصيل تبرأ أيضا ويكون المطالب هو المحال عليه فقط
وكذا إذا دفع الأصيل الدين فإن الكفيل يبرأ ببراءة ذمة الأصيل . ومثل ما إذا أبرأ صاحب الدين المديون أو مد له في أجل الدين فإن الكفيل يتبعه في ذلك إلا إذا كفله بشرط أن يبرئه فلو قال الضامن لصاحب الدين أضمن لك دينك بشرط أن تبرئ المديون منه وفعل فإن ذمة المديون تبرأ وتبقى ذمة الضامن مشغولة بالدين وحده لأنها في هذه الحالة تكون حوالة لا كفالة . وإذا مات صاحب الدين وكان المديون وراثه ذمة الضامن تبرأ
وإذا أبرأ صاحب الدين المديون فلم يقبل منه هذه المنة فإن ذمة المديون لا تبرأ لأنه يشترط قبوله إبراء صاحب الدين وهل ذمة الكفيل ولا يعود الدين عليه ؟ خلاف . أما إذا أبرأ صاحب الدين الضامن فإنه يصح ولو لم يقبل الضامن لأنه ليس مدينا وإنما مطالب ولا يشترط في سقوط المطالبة القبول كما تقدم في تعريف الكفالة ولا يلزم من إبراء الضامن المديون الأصلي ولمن ليس للكفيل أن يرجع عليه بالمال الذي كفله به بعد ذلك لصاحب الدين مطالبة المديون الأصلي أما إذا تصدق صاحب الدين على الكفيل بالدين فإن للكفيل أن يرجع على المجديون ومثل ذلك إذا وهبه الدين كما تقدم
ومنها : أن صاحب الدين إذا أجل دينه للكفيل فلا يلزم منه تأجيل للأصيل فإذا حل أجل الدين فمد صاحبه الأجل للضامن شهرا مثلا فليس له الحق في مطالبته ولكن له الحق في مطالبة المديون الأصلي لأنه إنما أجل مطالبة الكفيل لا مطالبة المديون
ومنها : أن الضامن بالمال إذا ضمن بألف ثم صاحب الدين على خمسمائة فإنه يرجع بخمسمائة لا بالألف التي ضمنتها
أما إذا ضمن عينا جيدة ثم دفع لصاحبها عينا رديءة فلإنه يرجع على المضمون له بالعين الجيدة وذلك لأن حكم الكفالة أن الكفيل يملك بأدائه فهو محل صاحب الدين الجيد يملك المطالبة به متصفا بالجودة فكذلك الكفيل الذي حل محله . ولا يضره أنه دفع الدين رديئا ورضي به صاحب الدين
مثلا إذا استدان شخص من آخر ثابا من القماش الجيد وضمنه فيها آخر ثم دفع الضامن لصاحبها ثيابا من القماش الردئ ورضي بها للضامن في أخذ القماش الجيد الذي ضمن فيه لأنه أصبح مالكا للدين الجيد وتنازل صاحب الحق للضامن عن بعض حقه لا يلزم منه تنازله للمدين الأصلي ألا ترى أنه يصح لصاحب الدين أن يهدد الكفيل فإذا وهب صاحب الدين دينه للكفيل فإن الكفيل يملكه ويطالب به المديون على أن يدفعه له بعينه
أما إذا أمر شخص آخر بأن يدفع عنه السلعة الجيدة التي استدانها من فلان فدفع له سلعة رديئة ورضي بها صاحبها فإنه لا يرجع على المديون الأصلي إلا بالسلعة الرديئة . وذلك لأن المأمور بسداد الدين لا يملك الدين بالأداء كما يملكه الضامن فلا يأخذ إلا ما دفعه
ومنها : أنه ليس للضامن من الحق في مطالبة المديون الأصلي قبل أن يدفع عنه الدين الذي ضمنه فيه لأنه لا يملك إلا بعد أدائه كما تقدم
ومثل ذلك ما إذا دفع الدين قبل وجوب دفعه على الأصيل فإذا استأجر شخص منزلا بأجرة يدفعها في نهاية الشهر شخص ثم دفعها الضامن لا يرجع بها وذلك لأن الأجرة في لا تجب على المستأجر بمجرد العقد ولا تملك بالعقد كما تقدم في الإجارة فالضامن دفع مالا يملكه صاحب الدين أيضا
وإذا دفع المديون الأصلي الدين ولم يعلم الكفيل فدفعه الكفيل لصاحب الدين مرة ثانية فإنه لا يرجع على المديون الأصلي وإنما يرجع على صاحب الدين أخذ حقه مرتين
وهذا بخلاف ما إذا حل الدين على المديون قبل أحد ثم أتى بكفيل يضمنه إذا مد له صاحب الدين الأجل فقيل فإن التأجيل يكون للأصيل والضامن معا في هذه الحالة
والفرق بين الحالتين ظاهر لأن الكفالة في الحلة الأولى كانت مقررة من قبل فكان لصاحب الدين الحق في مطالبة الضامن والكفيل ولا يلزم من مد المطالبة ككفيل تأجيل الدين للأصيل
أما في الحالة الثانية فغن الكفالة لم تكن موجودة وليس لصاحب الدين حق يصح تأجيله إلا نفس الدين ومتى تأجل فقد تأجل بالنسبة للمديون وللضامن
ومع ذلك فغن صاحب الدين إذا اشترط أن يكون التأجيل خاصا بالضامن لا بالإصيل فإنه يعمل بشرطه ويكون له الحق في مطالبة الأصيل بسداد دينه متى شاء . ومثل ذلك ما إذا قال الكفيل أجلني أنا فأضاف الأجل إلى نفسه خاصة
ومنها : أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو بموت الضامن فغذا مات الضامن وأخذ صاحب الدين حقه من ورثته فليس له الحق في مطالبة المديون إلا عند حلول أجل الدين . وكذلك إذا مات المديون وحل دينه فليس لصاحب الدين مطالبة الضامن إلا عند حلول الأجل وإذا مات الاثنان معا كان صاحب الحق مخيرا بين أن يأخذ من تركه أيهما شاء
ومنها : أنه إذا صالح الكفيل صاحب الدين على نفسه بأن كان دينه ألفا فرضي بأن يأخذ خمسمائة ويترك الباقي فإن الصلح ينفذ بالنسبة للأصيل والوكيل في ثلاثة أحوال :
الحالة الأولى : أن يشترط الكفيل براءتهما معا
الحالة الثانية : أن يشترط براءة الأصيل ويسكت عن نفسه
الحالة الثالثة : أن يسكت ولم يشترط شيئا . أما إذا اشترط براءة نفسه فقط فإن ذلك يكون فسخا للكفالة ويبقى الدين في ذمة الأصيل فيأخذ منه صاحب الدين الدين الخمسمائة الباقية له ويأخذ الكفيل الخمسمائة التي دفعها لصاحب الدين
ومنها : أن المديون إذا دفع الدين ككفيل قبل أن يدفعه الكفيل لصاحب الدين فإن ذلك يحتمل ثلاثة أمور :
[ يتبع . . . ]
الأمر الأول : أن يدفعه تعجيلا لقضاء الدين كأن يقول له خذ ما على من الدين الذي ضمنتي فيه قبل أن تؤديه وفي هذه الحالة يصبح ذلك الدين ملكا للضامن فليس للمديون أن يسترده منه ثانيا ولو لم يسلمه لصاحبه لأنك قد عفرت في تعريف الكفالة أن الكفالة تقتضي دينا ومطالبة للضامن في ذمة المديون مؤجلين إلى أن يدفع الدين لصاحبه فإذا عجل ا لمديون دفع الدين للضامن فقد ملكه ملكا صحيحا فإذا اتجر فيه وربح كان ربحه حلالا طيبا وإذا هلك في يده كان ضامنا له ومسؤولا عنه
الأمر الثاني : أن يدفعه له وعلى وجه الرسالة كأن يقول له خذ دين فلان الذي ضمنتي فيه وادفعه له فإن الدين يكون أمانة في يده وللمديون أن يسترده منه قبل ثانيا قبل أن يدفعه لصاحبه على التحقيق وإذا اتجر فيه وربح لا يحل أن يأكل ربحه بل عليه أن يتصدق به كالغاصب وإذا هلك الدين في يده بدون تفريط فإنه لا يضمنه ولا يكون مسؤولا عنه لأنه أمين عليه
الأمر الثالث : أن يدفعه له بدون أن يذكر أنه على وجه الرسالة أو على وجه تعجيل قضاء الدين وفي هذه الحالة يحمل على وجه القضاء . وعلى أي حال فإذا دفع المديون لصاحبه بعد أن اعطاه للضامن فإنه على الضامن بما أعطاه
ومنها : أن الكفالة في الضرائب ونحوها جائزة سواء كانت عادلة أو ظالمة فيجوز للشخص أن يضمن في عوائد الأملاك سنويا وفي الخراج المقرر كذلك ونحو ذلك مما يأخذه الحاكم ليضون به الأمن أو ينشيء به المصالح العامة من شق الأنهار وبناء القناطر وإصلاح الطرق وغير ذلك من المصالح العامة وكذلك يجوز له أن يضمنه في الضرائب الظالمة كالمكوس التي كانت تفعل في الأزمنة الغابرة ونحوها . وبعضهم يقول إن الضرائب الظالمة لا يصح الضمان فيها والرأيان مصححان ولكن الأول هو الأرجح . ويرجح الكفيل بما دفعه على المضمون إن كانت الكفالة بأمره
ومنها : أن الخبر المبني على غلبة ظن الشخص واجتهاده لا يكون ضمانا ملزما للمخبر به مثلا إذا قال شخص لآخر : اسلك هذه الطريق فإنها فسلكها فلقيه لص سلبه ماله فإن المخبر الذي قال له إنها آمن لا يضمن لان عبارته هذه مبنية على ما يظنه وقد يكون مخطئا أو يكون قد عرض عليها خلل الأمن وهو لا يدري
نعم إذا أكد هذا القول بأن قال له اسلك هذا الطريق فإن كان مخوفا ونهب مالك فأنا ضامن ففعل ونهب ماله فقد اختلف فيه فقال بعضهم إنه يضمن ما فقده من المال وبعضهم قال لا يضمن وذلك لأنه يشترط لصحة الضمان أن يكون المضمون معلوما وأمن الطريق مجهول فكيف يصح الضمان ؟ وقد أجاب القائلزن بصحة الضمان في مثل هذا مع جهل المكفول عنه بطريقة استثنائية زجرا للناس عنه فإن خطورة هذه الأمور تستدعي احتاطا خاصا فإذا عرف الناس عدم المؤاخذة فيما يقولونه من ذلك يقدمون عليه بدون مبالاة فيغررون بالناس ويوقعونهم في الأخطار وهو وجيه . أما ما أجاب به بعضهم بأن المكفول عنه وإن كان مجهولا ولكن الضمان صحيح لأن فيه تعزيرا والغرر يوجب الرجوع على من غرر إذا كان الشرط فإنه جواب لا يجدي لأن ضمان الغرر هو في الحقيقة ضمان الكفالة فيشترط له ما يشترط لها
ومنها : أنه إذا قال زيد لعمرو ضمنت لك بما يقتضي لك عليه القاضي ثم غاب خالد المضمون فادعى عمرو المضمون له على زيد الضامن أن له كذا على خالد المضمون الغائب ويربهن على ذلك فإنه لا قبل منه وذلك لأنه لا يمكن القضاء على الغائب إلا إذا ادعى حقا على الحاضر لا يمكن إثباته إلا على الغائب وليس للمدعي حق على الكفيل لأنه إنما كفله بقضي القاضي به على الغائب فإذا أقام البينة على أن القاضي على المضمون عليه بكذا قبل غيابه وبعد الكفالة فإذا كانت الكفالة بأمر الغائب فإنه يقتضي له على الكفيل وعلى الغائب ضمنا وإن حضر الغائب وأنكر فلا يلتفت لانكاره أما إذا كانت الكفالة بغير أمره قضى على الكفيل دون الغائب
الشافعية - قالوا : يتعلق بالضمان أحكام منها أنه لا يصح الضمان بشرط براءة المضمون الأصلي فإذا قال شخص : ضمنت الدين الذي على فلان بشرط براءة ذمته فإنه لا يصح لأن عقد الكفالة يقتضي شغل ذمة المديون والضامن معا
ومثل ذلك الكفالة فإذا كان لشخص كفيل فجاء آخر وقال إنني أكفله بشرط براءة الكفيل الأول فإنه لا يصح
ومنها : أن لصاحب الدين أو أوراثه مطالبة الضامن والمضمون معا أو مطالبة أحدهما بكل الدين أو ببعضه فإذا دفع أحدهما برئت ذمة الآخر كما تقدم لأن الذمتين قد شغلتا بدين واحد فالدين بمنزلة فرض الكفالية يتعلق بذمة المتعدد ويسقط بأداء البعض
ومنها : براءة المديون الأصلي تسلتزم براءة الضامن فإذا برئ الضامن بأن أدى الدين أو أبرأه صاحب الدين أو غير ذلك فإن ذمته تبرأ بذلك
أما براءة الكفيل بغير الدين فإنها لا تستلزم المديون الأصلي . أما إذا كانت بغير الدفع كأن أبرأه صاحب الدين فإن كانت براءته من الضمان فقط فإنها لا تستلزم براءة ذمة المدين أما إن كانت من المدين فإنها تستلزم براءة الأصيل إن قصد صاحب إباءة أيضا وإلا فلا
ومنها : أن الدين المؤجل يحل بموت المديون أو موت الضامن فإن مات المديون الأصلي فلصاحب الدين أخذ دينه من تركه قبل حلول أجل الدين فإن تأجر عن أخذ دينه فللضامن الذي أمره المديون بأن يضمنه أن يطالبه بأخذه من تركه أو إبرائه من الضمان إذ تبدد التركة فلا يجد ما يرجع عليه إن دفع
أما الضامن الذي ضمن بدون أمر المديون فليس له أن يحث صاحب الدين على أخذ دينه من التركة لأنه لاحق له في الرجوع كما تقدم في الشروط
وإذا مات الضامن قبل حلول أجل الدين فإن لصاحب الدين أن يأخذ دينه من ترته حالا وليس لورثته الحق في مطالبة الأصلي الذي أذن بالضمان قبل حلول الجل
ومنها أن الكفيل إذا عقد صلحا مع صاحب الدين بان يأخذ أقل فلا حق له في أن يأخذ أكثر مما صالح عليه فإذا كان ضامنا لمائة فصالح على سبعين منها رجع على المديون بالسبعين فقط وكذا لو كان الدين أثوابا جيدة فصالح على أثواب رديئة فإنه لا يستحق إلا الأثواب التي دفعها وإذا كان لصاحب الدين مائة جنيه فياعه الضامن بها أثوابا فإنه يرجع على المديون الأصلي بالمائة التب باع بها لا بقيمة الثوب سواء كانت أقل من المائة أو أكثر
ومنها أن الحوالة بالدين كآدائه فإذا أحال للضامن صاحب الدين بدينه على آخر فإن كان الضامن مأذونا بالضمان من المديون كان له حق مطالبته والرجوع عليه وإلا فلا
ثم إن كان الدين من الأشياء التي تقوم كالثياب فإن كان الضامن قد دفع الدين ثيابا من جنس الثياب التي أخذها المدين فإنه يستحق أن يأخذ من المدين ثيابا مثلها
الحنابلة - قالوا : من الأحكام المتعلقة بالكفالة أنه إذا قال شخص لآخر اضمن عن فلان أو أكفل عنه ففعل كان الضمان والكفالة لازمين لنفس الذي ضمن أو كفل أما الآمر فإنه لا يلزم بشيء ومنها غير ذلك مما تقدم في تعريف الضمان وشروطه



مباحث الوديعة


تعريفها

- معنى الوديعة في اللغة ما وضع عند غير ليحفظه يقال أودعته مالا أي دفعته إليه ليكون وديعة عنده . ويقال أيضا مالا بمعنى قبلت منه ذلك المال ليكون وديعة عندي . فالوديعة من أسماء الأضداد تستعمل في إعطاء المال لحفظه وفي قبول ومصدر أودع - الإيداع - وهو بمعنى الوديعة فالوديعة اسم للإيداع وتطلق على العين المودعة أما معناها في الشرع ففيه تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] ( الماكية - قالوا : للوديعة تعريفان :
أحدهما : تعريفها بمعنى المصدر وهو الإيداع ويلزم من تعريف الشيء المودع
ثانيهما : تعريفها بمعنى الشيء المودع
فأما تعريفها بمعنى المصدر فهو على وجهين :
الأول : أنها عبارة عن توكيل على مجرد حفظ المال . فالإيداع نوع خاص من أنواع التوكيل لأنه توكيل على خصوص حفظ المال . فالتوكيل على البيع والشراء أو الطلاق والنكاح أو الخصومة ونحو ذلك لا يسمى إيداعا
وكذا خرج غير المال كإيداع الولد والزوجة عند الغير فإنه لا يسمى وديعة
وكذا خرج ما ليس مقصورا على الحفظ كالوديعة في أمر من الأمور الأخرى فإن الوكيل فيه ليس مقصورا على مجرد الحفظ بل التصرف أيضا
الوجه الثاني : أنها عبارة عن نقل مجرد حفظ الشيء المملوك الذي يصح نقله إلى المودع ( بفتح الدال )
ومعنى ذلك أن الشيء المملوك الذي نقله كالحيوان وأثاث المنازل والذهب والفضة يكون حفظه منوطا بمالكه فإيداعه عند الغير عبارة عن نقل مجرد هذا الحفظ إليه بدون تصرف وبذلك خرج مقل الملك نفسه بالبيع والشراء والهبة والصدقة وغير ذلك من العقود التي ينقل بها الملك من شخص لآخر كالرهن والإجارة وغيرها
وخرج بقوله الشيء الزوجة والولد فإنهما لا يملكان وخرج بقوله الذي يصح نقله العقار الثابت كالدور والأراضي فإن حفظها عند الغير لا يسمى وديعة على أن بعضهم يقول إنه يسمى وديعة ولا يصح إخراجها من التعريف عند الغير لا يسمى وديعة على أن بعضهم يقول أن بعضهم يقول إنه يسمى وديعة ولا يصح إخراجها من التعريف وعلى هذا فلا حاجة قيد يصح نقله
وأما تعريفها بمعنى الشيء المودع فهو عبارة عن شيء مملوك ينقل مجرد حفظه إلى المودع - بفتح الدال - فالشيء المملوك وقوله نقل مجرد حفظه خرج ما قد عرفت أنفا كما عرفت الخلاف في زيادة قيد يصح نقله
الحنفية - قالوا : الوديعة بمعنى الإيداع هي عبارة عن أن يسلط شخص غيره على حفظ ماله صريحا أو دلالة . فالصريح كما إذا قال له خذ هذا المال لتحفظه عندك لي . والدلالة كما إذا وجد شخص سلعة رجل غائب فأخذها فإنها تكون وديعة عنده بحيث إذا تركها مرة أخرى يلزم بها أما إذا أخذها وصاحبها حاضر ثم تركها ففقدت فإنه لا يضمنها
وأما الوديعة بمعنى الشيء فهي عند الأمين ليحفظها . والوديعة غير الأمانة اسم كل شيء غير مضمون فيشمل جميه الصور لا ضمان فيها كالعارية والشيء المستأجر ونحوهما ولا يشترط في الأمانة القبول
أما الوديعة فهي اسم لخصوص ما سترك عند الأمين بالإيجاب والقبول صريحا أو دلالة كما ستعرفه
الشافعية - قالوا : الوديعة بمعنى الإيداع هي العقد المقتضي الشيء المودع . والمراد بالعقد الصيغة المقتضية لطلب الحفظ كقول زيدا لعمرو استحفظك هذا المال فيقول عمرو قبلت . وتطلق شرعا على العين المودعة ولكن إطلاقها على العقد معنى شرعي فقط أما إطلاقها على العين فهو شرعي في الحفظ فيشترط في المودع ما يشترط في الموكل ويشترط في المودع ما يشترط في الوكيل ويعتبر في الوديعة ما يعتبر في الوكالة



أركان الوديعة وشروطها

- للوديعة بمعنى الإيداع أربعة أركان : العين المودعة والصيغة والمودع - بكسر الدال - والمودع - بفتح الدال - ويقال له وديع وهو الأمين الذي يحفظه الوديعة وسنلتزم التعبير به ولكل ركن من هذه الأكان شروط مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : للوديعة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأن المراد الإيداع وهو العقد وذلك هو الركن الذي تتحقق به الوديعة أما غيره فليس داخلا في الماهية فيكون شرطا لاركنا الشافعية - قالوا : يشترط في الوديعة شروطها منها ما يتعلق بالعين المودعة ويشترط فيها أن تكون شيئا له قيمة ولو كان نجسا كالكلب الذي ينفع لصيد وحراسة ونحوها أما إذا لم تكن كالكلب الذي لا منفعة له فإنه لا تصح فيه الوديعة
ومنها : ما يعلق يالصيغة . وهو إما ( صريح أو كناية )
فالصريح كقوله : ( استودعتك هذا المال )
أو ( أطلب حفظ هذا المال )
والكناية كقوله : خذ هذا المال ( ناويا إيداعه عنده )
. فالكناية لا بد فيها من النية ولا يشترط أن يكون اللفظ من جانب المودع بل يصح أن يكون من جانب الوديع . فإذا قال له أودعني هذا المال فدفعه إليه ساكتا فإنه يصح . فالشرط أن يصدر اللفظ من أحدهما : فإذا قال المودع : ( استودعتك هذا الحيوان )
ولم يقل له الوديع : قبلت ولكنه استلم الحيوان صحت الوديعة
أما إذا قال له : لا أقبل عنده فضاع فإنه لا يضمن ولا يكفي أن يتركه بين يديه بل لابد من قبضه إياه فإذا وضع شخص ثوبه أمام آخر وقال له : استودعتك هذا الثوب فسكت ولم يقبضه لا يكون وديعا
وعلى هذا فإن الثياب التي يخلعها صاحبها في الحمام لا يلزم صاحب الحمام بها إلا إذا قال له احفظ ثيابي هذه وسلمها إياه أو أعطاه عليها أجرة فإذا لم يفعل ذلك وضاعت فإن الحمامي لا يضمنها . ومثل الحمام في ذلك الخان ( الوكالة )
المعروفة المعدة لحفظ الحيوانات ونحوها . فإذا أودع شخص حماره أو فرسه في الوكالة فإن أعطى لصاحبها أجرة أو سلمها له فضاعت فإنه يضمنها إذا قصر في حراستها
أما إذا قام بواجب الحراسة بما يقتضيه العرف فخرجت الدابة من غير أن يشعر فإنه لا يضمنها ويصدق بيمينه في ذلك
أما إذا وضع فرسه في الوكالة بدون أجر وبدون أن يسلمها إلى صاحب الوكالة فإنها تضيع على صاحبها بدون ضمان
الحنفية - قالوا : يشترط للوديعة شروط . منها ما يتعلق بالصيغة وهي الإيجاب والقبول ويشترط في الإيجاب أن يكون بالقول أو بالفعل والقول إما أن يكون صريحا أو كناية فالقول الصريح كأن يقول صاحب لوديعة : أودعتك هذا المال والكناية هي ما قابل الصريح بحيث يكون اللفظ محتملا لمعنى الإيداع لمعنى الإيداع وغيره . مثاله : أن يقول شخص لآخر : اعطني هذه الدابة مثلا فيقول أعطيتك فإن كلمة أعطني الهبة وتحتمل الوديعة والوديعة أقل من الهبة طبعا فيكون هو المهنى المتقن الذي يمكن اعتباره
وأما الإيجاب بالفعل فهو أن يضع شخص ثوبا ونحوه بين يدي رجل آخر ولم يقل له شيئا فإن لك يكون إيداعا . وهذا النوع كان كثير الوقوع بين طلبة الأزهر فإن الطالب كان يأتي بمتاعه ويضيعه امام آخر من إخوانه ويذهب لقضاء حاجته . وكان معنى الإيداع متعارفا بينهم وإن لم يقل له لا أقبل الوديعة أو احفظها عند غيري أو نحو ذلك مما يدل على عدم القبول
ومن ذلك ما إذا أرسل شخص نعجته 'لى راعي الغنم مع رسول ليودعها عنده فلم يقبلها الراعي ( الغنام )
وردها مع الرسول فضاعت فإن ظاهر مسألة الثوب تقتضي أن الراعي لا يضمنها لأنه لم يقبلها صريحا وهذا رأي بعضهم
ولكن التحقيق أن الراعي يضمنها في هذه الحالة وذلك لأن عليه أن يقبلها ثم يردها بنفسه لصاحبها إن شاء أما كونه بعيدها مع رسول أجنبي منه فإنه تفريط يوجب الضمان . فهذه ليست كمسألة الثوب لأنه لم يقبل إيداعه من صاحبه
وكذلك القبول من الوديع فإنه تارة يكون صريحا كقبلت أو دلالة كسكوته عند وضع المتاع بين يديه كما ذكرنا في مسألة الثوب وكما إذا وضع ثيابه في حمام بمرأى حارس الثياب فإن ذلك يكون إيداعا . ومثل ذلك ما إذا قال صاحب الدابة لرب الخان ( الوكالة )
أين أربطها ؟ فقال له : هناك فإن ذلك يكون إيداعا
وإذا وضع شخص متاعه عند آخر فقال له : لا أقبل إيداعه فتركه صاحبه ومضى فأخذه الآخر الذي لم يقبل إيداعه وأدخله منزله فإنه يعتبر قابلا بذلك فيلزم أن لا يقصر في حفظه
وإذا وضع شخص كتابه بين يدي قوم فذهبوا وتركوه فضاع كان عليهم ضمانه وإذا تركوا عنده واحدا منهم فقام وراءهم ضمنه وحده لأنه هو الذي وجب عليه حفظه بعد قيامهم
وإذا أدخل شخص دابته في منزل آخر فأخرجها فضاعت فإن صاحب المنزل لا يضمنها لأنها تضر بمنزله بخلاف ما إذا أدخلها في مرابط دوابه فإنه إذا أخرجها فضاعت ضمنها لأن وجودها لا يضيره
ومن الشروط أن يكون المال قابلا لإثبات اليد فلا يصح أن يودع طيرا في الهواء مثلا
ومنها : أن يكون الوديع مكلفا فلو أودع عند صبي فاستلكها الصبي لم يضمن لأنه لا يجب الحفظ عليه
المالكية - قالوا : قد عرفت أن للوديعة تعريفين : أحدهما مبني على أنها نوع من أنواع الوكالة وعلى ذلك فيشترط في المودع - بكسر الدال - ما يشترط في الموكل . وشرطه أن يكون بالغا رشيدا ويشترط في الوديع ما يشترط في الوكيل . فبعضهم يقول : يكفي في الوكيل أن يكون مميزا ولا يلزم ولا يلزم أن يكون بالغا مبني أنها ليست نوعا من أنواع الوكالة لأنها نقل مجرد حفظ الملك إلى الوديع وعلى هذا التعريف فإنه يشترط لها باعتبار جواز فعلها أن يكون المودع محاجا للإيداع وأن يكون الوديع ممن يظن فيه حفظ الوديعة فمتى وجد هذا الشرط في المودع والوديع فإن الإيداع يكون جائزا فيصح للصبي أن يودع ما يخاف ضياعه أو تلفه عند من يظن أنه يحفظه له ويشترط لها باعتبار ضمانها أي إلزام الوديع بها إذا قصر في حفظها أو تعدى عليها أن يكون كل من المودع والوديع غير محجور عليهما فهذه شروط الوديعة المطلوبة في المودع والوديععلى كلا التعريفين
وأما الصيغة فإنهم لا يشترطون أن تكون باللفظ بل يقولون : إنه إذا وضع متاعه أمام آخر فسكت كان عليه حفظه لأنه بسكوته أصبح ذلك المتاع وديعة عنده إلا إذا رفض قبوله الحنابلة - قالوا : يشترط في الوديعة ما يشترط في الوكالة من البلوغ والرشد والعقل . ويشترط في الشيء المودع أن يكون مالا معتبرا في نظر الشرع فلا تصح وديعة الخمر والكلب الذي لا يصح اقناؤه . أما الذي يصح اقتناؤه ككلب الصيد فإن وديعته تصح



مبحث حكم الوديعة وما تضمن به وما لا تضمن

- الأصل في الوديعة الإباحة فالناس أحرار في حفظ ما يملكونه بأنفسهم أو بواسطة من يأتمنونه على حفظها وقد تكون واجبة كما إذا خاف صاحب المال هلاك ماله أو تلفه إن بقي معه ووجد أينا يحفظه له فإنه يجب عليه أن يودعه في هذه الحالة ويجب على الأمين أن يقبله فإن حفظ المال واجب
وقد وردت نصوص كثيرة صريحة في النهي عن إضاعة المال فمن خاف على ماله من سرقة أو تلف فإنه يجب عليه إيداعه بأي مكان أمين
وهي عقد جائز من الطرفين كالوكالة فلكل منهما التخلي عنها متى شاء وعلى المودع حفظها كما له . وليس عليه بعد ذاك ضملنها إن فقدت أو تلفت . وإذا اشترط المودع - بالكسر - ضمانها على المودع كان الشرط باطلا وإنما يضمنها إذا قصر في حفظها أو تعدى عليها وفي ذلك تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : يضمن الوديعة الوديع إذا ضاعت في أمور :
منها : أن يدفعها لأجنبي عنه ليحفظها عنده فتصح أو تتلف عند ذلك الأجنبي وفي هذه الحالة يلزم الوديع الأول بها إلا إذا فعل ذلك لضرورة كما إذا وقع داره الذي به الوديعة حريق ينقلها إلى داره جاره خوفا من حرقها فإذا ضاعت في هذه الحالة فإنه لا يضمنها بل يجب عليه في مثل هذه الحالة نقلها حتى لا تحترق فإذا أهملها مع قدرته على النقل حتى احترقت ضمنها . وإذا لم يستردها عقب انتهاء الحريق وتركها فضاعت عند الثاني فقبل : يضمن الأول وقيل لا يضمن على أن للوديع أن يحفظ الوديعة عند من يساكنه عادة من عياله وإن لم يكن معه بالفعل أو ينفق عليه فيجوز أن يحفظها عنده ولده وزوجه كما يجوز له أن يحفظها عند والديه وإن لم يحسبا من عياله لأنه يصح أن يساكنهما فإذا دفع الوديعة لولده ونحوه ممن يساكنه من عياله فهلكت عند الثاني فإن الأول لا يضمن لأنه دفعها لمن يصح أن يحفظ عنده ماله إنما يشترط أن يكون الولد ونحوه قادرا على حفظ الوديعة وأن يكون معروفا بالأمانة ويشترط في الولد أن يكون مميزا فإذا اختل شرط من هذه الشروط كان الوديع الأول ملزما بالوديعة وإذا نهاه المودع عن دفع الوديعة إلى بعض عياله فدفعها إليه فضاعت فإن الوديع يضمنها بشرطين :
الشرط الأول : أن يكون لع عيال غير ذلك الذي بهي عن حفظ الوديعة عنده
فإذا كان له ولدان مثلا فنهاه عن الإيداع عند أحدهما فلم ينفذ ذلك الني وأودعها عنده كان ضامنا لها إذا كان من الممكن أن يدفعها لولده الثاني
أما إذا لم يكن له سوى ولد واحد ولم يكن له بد من دفع الوديعة إليه لحفظها فإنه لا يضمن الشرط الثاني : أن تكون الوديعة مما لا يصح حفظه في يد من نهي عن دفعها إليه مثال ذلك أن يودع شخص عند آخر فرسا وينهاه عن دفعها لزوجه وليس له من عياله سواها فحفظها عندها فضاعت فإنه في هذه الحالة يضمنها لأنه وإن كان ليس له عيال سواها ولكن الفرس لا يصح حفظها في يد المرأة فإذا ضاعت كان الوديع ضامنا لها على أي حال بخلاف ما إذا أودع عنده عقدا من الجواهر ونهاه عن دفعه لزوجه وليس له أحد من عياله فدفعه إليها لتحفظه كما يحفظ ماله فإنه لا يضمنه لأنه لا بد له من حفظها سواه فخالف وفقدت فإنه لا يضمن
أما إذا نهاه عن حفظ عقد الجوهر عنده وليس له غيره فدفعه فإنه يضمن لأن عقد الجوهر لا يصح حفظه عند الخادم
ويجوز للوديع أن يحفظ الوديعة له ماله من غير عياله كوكيله وشريكه شركة مفاوضة أو عنان على المفتى به
وليس على الوديع الثاني ضمان فإذا أودع شخص عند آخر فرسا مثلا فدفعها الوديع لأجنبي ليحفظها عنده ثم تركها وانصرف فهلكت كان الوديع الأول ضامنا لها ولا شيء على الثاني أما إذا دفعها إليه فهلكت قبل انصرافه فإنه لا يضمنها أحد لأنها هلكت بحضرة الوديع وهو أمين فلا شيء عليه وإذا ادعى صاحب الفرس أنها هلكت عند الثاني وقال الوديع بل ردها إلي وهلكت عندي فإنه لم يصدق إلا بالبينة وذلك لأنه اعترف بالضمان بإيداعها عند الأجنبي وادعى البراءة فلا يصدق إلا إذا أقام على دعواه
ومن الأمور التي توجب على الوديع ضمان الوديعة أن يخلط الوديعة بماله أو بمال غيره بغير إذن مالكها ويشمل ذلك صورا أربعا :
إحداها : أن يخلطها خلط مجاورة كخلط الحنطة بالحنطة
ثانيها : أن يخلط ممازجة بجنسها أيضا كخلط ماء الورد أو خلط السمن بالسمن وحكم هاتين الضورتين أن المالك مخيرا بين أمرين :
الأول : أن يعتبر وديعته مستهلكة بذلك فيلزم الوديع بها ولا يكون له عليها سبيل
الثاني : أن يعتبرها موجودة فيقسم الجميع ويأخذ ما يخصه بالقسمة لأنه وإن لم يكن قد وصل إلى غير حقه في الصورة ولكنه قد وصل إليه بالقسمة في المعنى لأن القسمة فبما يكال أو بوزن إفراز ثالثها : أن يخلط الوديعة بغير جنسها خلطا يتعسر معه تمييزها خلط مجاورة كخلط القمح بالشعير فإنه وإن لم يتعذر فرز القمح من الشعير وبكنه يحصل بعسر ومشقة
وفي هذه الحالة تعتبر الوديعة مستهلكة بالخلط ويضمها الوديع فيلزم بها ومتى ضمنها اصبح مالكا لها ولكن لا يباح له التصرف قبل قبل أداء الضمان ولا سبيل للمالك الأصلي عليها في هذه الحالة وإذا أبرأه المالك الأصلي سقط حقه من العين المودعة والدين
رابعها : أن يخلطها بغير جنسها لا يعتبر معه التمييز كخلط الجوز بالوز وفي هذه الحالة تعتبر قائمة كما هي ولا ينقطع صاحبها عنها
أما إذا خلط الوديعة بماله أو مال غيره بإذن مالكها فإن ذلك يكون شركة ملك بينهما . وقد انهارت عرفت أحكام شركة الملك في أول مبحث الشركة ومثل ذلك ما إذا حصل الخلط قهرا كأن انهارت صبرة قمح الوديعة فاختلطت بغيرها
ومن الأشياء التي توجب الضمان على الوديع أن يموت ولم يبين الوديعة التي عنده فإذا مات الوديع مجهلا ( لم يبين حال الوديعة )
صارت الوديعة دينا في تركته بشرطين :
الأول : ألا تعرف الوديعة بعينها ولم توجد في تركته بعد موته
الصثاني : أن لا يكون أحد من ورثته عالما بها فإذا أخبر الوديع الورثة بها وسئل قبل موته عنها فقال : إن فلانا يعرفها فلا يضمنها وحل الوارث الذي محل الوديع المتوفي
وإذا أنكر صاحبها علم الوارث بها وقال : إن الوديع مات ولم يبين الوديعة لأحد كان على الوارث أن يفسر حال الوديعة فإذا فسرها فإنه يصدق وإذا قال الوارث إن الوديع ردها في حياته فإنه لا يصدق إلا بالنية
أما إذا برهن على أن الوديع قال في حياته : إنه ردها يقبل قوله وإذا قال الوارث : إن الوديعة كانت معلومة وموجودة يوم موته ثم هلكت بعد ذلك وقال صاحبها : إنها كانت مجهولة فإنه يصدق قوله لا قول الوارث لأن الوديعة صارت تركة في الظاهر فلا يصدق الورثة إلا بالنية
ومن الأمور الموجبة لضمان الوديعة على الوديع أن يتعدى الوديع عليها بالتصرف فيها واستعمالها فإذا أودعه دابة فركبها فهلكت كان ضامنا لأنه قد تعدى باستعمالها أما إذا هلكت من غير استعمال فإنه لا يضمن وإذا استعملها مرة ثم ترك استعمالها فإن كان ينوي العودة إلى استعمالها ثانيا فسرقت كان ضامنا لها
أما إذا لم ينو استعمالها ثانيا فإن التعدي يكون قد زال فلا ضمان عليه ومثل ذلك ما إذا أودعه ثوبا فلبسه في النهار ثم خلعه ليللا فإن كان ينوي لبسه في النهار ثانيا وسرق الثوب ليلا كان ضامنا لأن التعدي لا يزال قائما
أما إذا لم يكن ينوي لبسه بانهار وعزم على عدم استعماله فإن التعدي يكون قد زال فلا ضمان عليه على أنه يضمن ما نقصته الوديعة بالاستعمال على أي حال
ومن هذا تعلم أن تعدي الوديع يزول برجوعه عنه ويرتفع عنه الضمان بينة عدم العودة إليه وكذلك الحال في كل أمين كالوكيل في البيع والإجارة
فإذا وكل شخصا على أن يشتري له دابة فاشتراها وركبها ثم ترك ركوبها لا يضمنها إذالا هلكت وكذا إذا وكله على أن يبيع له ثوبا فلبسه لا يضمن وكذا المضارب فإنه إذا استعمل ما لا يصح له استعماله ثم رجع لا يضمن والشريك شركة مفاوضة أو عنان على ما تقدم إيضاحه في بابه ويستثنى من ذلك المستعير والمستأجر فإن من استعار دابة ليركبها فتوى
أنه لا يردها لصاحبها ثم ندم وهلكت الدابة وهو سائر فإنه يضمنها وندمه لا ينفع
أما إذا كان واقفا وترك نية عدم ردها فإنه يعود أمينا ومثله الدابة إذا نوى عدم ردها لصاحبها ثم عدل عن نيته فإن كان سائرا فإن عدوله لا ينفعه
أما إذا كان واقفا فإنه ينفعه وإذا استأجر دابة إلى مكان معين ثم جاوزه ورجع إليه ثانيا لا يبرأ ومما يوجب الضمان على الوديع أن ينكر الوديعة فإذا أودع شخص مالا عند آخر وطلبه منه فأنكره ثم سرق كان الوديع ضامنا له ملزما به حتى ولو عدل عن إنكاره وأقر به ثانيا . وإنما يجب عليه الضمان بثلاثة شروط :
الأول : أن ينكرها بعد أن يطلبها أما إذا أنكرها قبل أن يطلبها أو سأله صاحبها عن حالها فأنكرها فإنه لا يخرج بذلك الإنكار عن كونه وديعا فلا يضمنها
الشرط الثاني : أن ينقلها من مكانها التي هي فيه إن كانت من المنقولات وقت الإنكار فلو لم ينقلها وقته وهلكت فإنه لا يضمن . وبعضهم يقول : إن كانت الوديعة وجحدها بعد طلبها فإنه يضمنها ولو لم ينقلها بالفعل وذلك لأن العقد ينفسخ يطلب صاحبها وبذلك يكون الوديع قد عزل نفسه عن الحفظ وبقي مال الغير في يده بغير إذنه فيكون مضمونا وهو وجيه
الشرط الثالث : أن لا يحضرها لصاحبها بعد إنكاره فإذا أحضرها لصاحبها ومكنه من استلامها فردها إليه صاحبها ثانيا فهلكت فإنه لا يضمن لأنها تكون وديعة جديدة في هذه الحالة
ومما يوجب الضمان على الوديعة الضمان على الوديعة أن يسافر بالوديعة . وإنما يضمن بالسفر بها بشروط أن ينهاه صاحبها عن السفر بها فإذا نهاه وخالف فإن سافر بها في البحر فغرقت يضمن بلا نزاع وإن سافر بها في البر كان السفر ضروريا له وأخذ معه أهله فهلكت لا يضمن . فإذا سافر فإنه لا يضمن أما إذا لم ينهه صاحبها عن السفر فإن سافر بها إلى جهة مخوفة يخشى منها ضياع الوديعة وإلا لم ينهه صاحبها عن السفر فإن سافر بها إلى جهة مخوفة منها على ضياع فإنه يضمن وإلا فلا
الماكية - قالوا : يضمن الوديع التي عنده بأمور :
منها : أن يسقط على الوديعة شيء من يده فيكسرها أو ينقلها ولو سقط من يده خطأ بدون قصد
فإذا أودع شخص عند آخر إناء من البلور فأيقط عليه حديدة كان يعبث بها فكسرته فإنه يضمنه ولو لم يكن معتمدا إسقاطها لأن أموال الناس وودائعهم يجب صانتها والاحتياط في أمرها فلا فرق بين إتلافها عمدا أو خطأ
ومنها : أن ينقلها من مكان إلأى آخر من غير حاجة إلى نقلها فتكسر أو تتلف فإنه يضمنها في هذه الحالة أما إذا كانت الحاجة ماسة إلى نقلها فكسرت فإنه لا يضمن بشرط أن لا يفرط في الاحتياط بها أن ينقلها كما ينقل مثلها عادة فإن كان مثلها ينقل على حمل فنقلها على حمار أو كانت تحمل على أعناق الرجال كالمرأة مثلا فنقلها على جمل فكسرت فإنه يضمن لأنه فرط في صيانتها
ومنها : أن يخلط الوديعة بغيرها فإنه يضمنها بشروط :
أحدهما : أن يتعذر تمييزها أو يعسر كما إذا خلط بدهن أو زيت فإنه تعذر فزرها في الدهن ويتعسر في الزيت الذي لا يجمد إذ من الممكن تخليص السمن منه بعد أن يجمد ولكن مع شائبة لا يمكن تخليصها . ومن المتعسر أن يخلط قمحا بقوله فإنه وإن كان يمكن فرز القمح من الفول ولكن بصعوبة . ومثل هذا الخلط يوجب الضمان وإن لم تتلف الوديعة وقيل لا يوجبه إلا إذا تلف
ثانيها : أن لا تكون الوديعة مماثلة لما خلطت به جنسا وصفة أما إذا كانت مثل ما خلطت به في الجنس والصفة كخلط قمح هندي أو صعيدي ( بعلي )
بمثله فإنه لا يضمن بشرط أن يكون الخلط للحفظ أو للمصلحة أما الخلط بدون سبب فإنه يوجب الضمان إذا فقدت الوديعة أو تلف لاحتمال أنها تركت وحدها سلمت . وإذا تلف بعض القمح بعد خلطه يقسم التالف بحسب الأنصباء فإذا كانت الوديعة ثمانية أرادب والقمح المخلوط بها مثلها قسم التالف مناصفة وإذا كانت الوديعة ثلاثة أرادب والمخلوط بها ستة قسم التالف بينهما أثلاثا وهكذا
ومنها : أن ينتفع الوديع فإذا أودع شخص عند آخر دابة فاستعملها بالركوب أو الحمل عليها بدون إذن صاحبها فهلكت كان الوديع ضامنا لها وملزما ومثل ذلك ما إذا أصابها عطب على تفصيل وهو أنه إذا ركبها وقطع بها مسافة كبيرة من شأنها أن تعطب الدواب من قطعها فإنه يضمنها سواء كان عطبها بسبب سماوي أو كان بسبب استعمالها ومثل ذلك ما إذا لم يعمل إن كانت المسافة تعطب من قطعها الدواب غالبا أو لا وكذا إذا استوى الأمران . أما إذا قطع بها مسافة من شأنها أن لا تعطب الدواب بقطعتها عادة فإنه لا يضمن سواء كان عطبها بسبب استعمالها . وبعضهم يقول : إذا كان العطب بسبب الاستعمال فإنه يضمن حتى ولو كان مثله ممن يأخذ أجرة وإلا فلا . وإذا تنازعا فقال المودع : إنها عطبت
بالاستعمال . وقال الوديع كلا صدق المودع لأن القول قوله في هذه الحالة
ومن الأشياء الموجبة لضمان الوديعة أن يسافر بها فتتلف منه فإنه يضمنها بشرطين :
أحدهما : أن يقدر على ردها لصاحبها أو يجد أمينا بودعها عنده أما إذا عجز عن ردها لصاحبها لسبب من الأسباب كغايبه ولم يجد أينا يودعها عتده قبل سفره فإنه لا يضمن
ثانيهما : أن لا يرجع بها إلى محلها سالمة فإن رجع بها ثم تلف عقب ذلك فإنه لا يضمنها وذلك لأن موجب الضمان هو هلاطها في حال المخالفة لا مجرد السفر بها كما تقدم في مسألة الانتفاع . وإذا ادعى الوديع أنه سافر بها إلى محلها وهي سالمة وتلفت بعد ذلك فإنه يصدق بدون إشهاد عليه
ومنها : أن ينساها الوديع في موضع إيداعها أو في غيره فتضيع فإنه يضمنه وكذا إذا نسيها في موضع غير المكان الذي أودع فيه أولا . مثال ذلك أن يعطي شخص مالا لآخر ليشتري له به بضاعة من بلدة أخرى
[ يتبع . . . ]
فوضعه في جراب فوق دابته ثم نزل ليقضي حاجته فخاف على المال فأخذه معه ولما قضى حاجته نسيه وقام ذكره ونسي المكان الذي وضعه فيه فإنه يضمنه وقيل لا يضمنه
ومنها : أن يدخل بها الحمام ونحوه فتضيع فإنه يضمنها بشرطين :
الأول : ان لا يجد أمينا يضعها عنده قبل دخوله
الثاني : أن لا يعلم صاحبها عند الإيداع أن الوديع ذاهب إلى الحمام أو المفلس فإذا كان عاما بذلك فإن الوديع لا يضمن إلا إذا كانت العادة أن الوديع لا يدخل الحمام أو المغطس قبل أن يودع ما معه أمين فإن كان كذلك فإن الوديع يضمن . ومثل الحمام والمغطس في ذلك السوق
ومنها : أن يودعها الوديع عند أمين آخر بدون إذن صاحبها فإذا فعل وضاعت أو تلفت كان ضامنا لها بشرطين :
الشرط الأول : أن يودعها عند أجنبي عنه أما إذا أودعها عند زوجة وأمة أو شخص استأجره لخدمته أو ابنه فإنه لا يضمن إذا اعتاد الإبداع عندهم بأن تطول بأن تطول مدة إقامتهم معه ويثق معه ويثق أما إذا كانت الزوجة جديدة أو الأمة أو الأجير كذلك ولم يعرف أمنتهم فإنه يضمن إذا ضاعت الوديعة عندهم كما يضمن بإيداعها عند الأجنبي . وإذا عها عند أجنبي ثم رجعت إليه سالمة وضاعت عنده بعد ذلك فإنه لا يضمن
الشرط الثاني : أن يودعها عند الأجنبي بغير عذر . أما إذا أودعها لعذر فإنه لا يضمنها فإذا كانت في منزل وقد يقط بعض حيطانه وخاف عليها من السرقة ولم يستطع ردها لصاحبها لغيابه أو لسجنه فأودعها عند أمين غيرهفإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف . ومثل ذلك ما إذا وقع حريق في المنزل الذي هي فيه أو أراد الوديع السفر إلى جهة ولم يستطع ردها لصاحبها فإن له إيداعها عند أجنبي ولا ضمان عليه . ولكن لا بد من الشهود على العذر فإذا ادعى الوديع أنه أودعها لسقوط داره أو لسفره بدون أن تشهد البينة على ذلك فإنه لا يصدق ولا بد أن تكون البينة قد شاهدت نفس العذر فلا يكفي أن يقول للشهود : اشهدوا أنني أودعتها عند فلان لسقوط حيطان المنزل من غير أن يروا ذلك
فإذا زال العذر وجب عليه أن يسترجعها فإذا لم يسترجعها وذاعت كان عليه ضمانها إلا إذا كان العذر السفر فإنه لا يجب عليه استرجاعها إلا إذا كان ناويا العودة إلى البلدة التي سافر منها
أما إذا نوى الارتحال ليقيم في بلدة أخرى ولا يعود ينو شيئا ثم عاد بعد ذلك فإنه لا يجب عليه استرجاعها وإنما يستحب له ذلك ولا يجب على الوديع الثاني أن يردها إلى الأول إلا في الحالة الأولى وهي حالة ما إذا كان ينوي العودة أما في الحالة الثانية فإنه لا يجب عليه ردها إليه فإذا حصل تنازع في نية العودة فقال الوديع الأول : إنه كان ينوي العودة وقال الثاني : إنه ينوي عدم العودة فإنه ينظر إلى السفر فإن كان الغالب في مثله العودة فيقضي بها للوديع الأول وإن كان الغالب فيه عدم العودة
أو استوى الأمران فيقتضي بها للوديع الثاني ويكون ضمانها على الثاني ويبرأ الأول منها
ومن الأمور التي توجب ضمان الوديعة أن يرسلها الوديع إلى صاحبها بدون إذنه فتضيع من الرسول أو تتلف فإنه يضمنها . وكذا إذا ذهب الوديع بنفسه بها صاحبها فهلكت في الطريق أو تلفت فإنه يضمنها . ومثل ذلك الوديع في ذلك الوصي على مال فإذا أو صى شخص آخر على ماله ثم مالت صاحب المال فبعث المال للورثة بدون إذنهم أو سافر به إليهم فضاع أو تلف فإنه يكون ضامنا له على الراجح . وبعضهم يقول : لا يضمن وبعضهم يقول : إن سافر بها في وقت مخوف ضمن وإلا فلا
ومنها : أن تكون الوديعة دابة ونحوها فيطلق عليها الوديع الفحل بقصد إحبالها بدون إذن صاحبها فتموت بسبب وطء الحمل أو تحبل ثم تموت بسبب الولادة فإن الوديع يضمنها . أما إذا أذنه صاحبها بذلك فلا ضمان عليه
أما الراعي الذي يرعى بقرة ونحوها فإنه إذا طلب فحلا على أنثى من الحيوانات التي يرعاها لغرض إحبالها فماتت فإنه لا يضمنها وإذا كان المتعارف أن الرعاة يعملون مثل ذلك حتى لا تفوت مدة حمل الحيوان فتضيع ثمرته في هذه الحالة يكون مأذونا حكما
أما إذا كان العرف على خلاف ذلك أو اشترط صاحبها عدم ذلك فإنه يضمن وهذا القول هو الظاهر :
ومنها : أن ينكر الوديعة رأسا كأن يقول لصاحبها : لم تودعني شيئا هذه المسألة أربع صور :
الصورة الأولى : أن يستمر على إنكاره ولا بينة لصاحبها عليه وفي هذه الحالة لا يضمن الوديع شيئا
الصورة الثانية : ان يعترف بها إنكارها ثم يدعي ضياعها ولا بينة له وفي هذه الحالة يضمنها ولا ينفعه إقراره بلا خلاف
الصورة الثالثة : أن ينكر إيداعها ثم يعتبر به ويدعي أنه ردها لصاحبها ويقيم البينة على ذلك وهذه فيها خلاف فبعضهم يقول : إن بينة الوديع ناقص نفسه يقول تقبل
الصورة الرابعة : أن ينكر إيداعها فيقيم صاحبها البينة على الإيداع فيدعي الوديع ردها ويقيم البينة على ذلك . وحكم هذه الصورة الثالثة . ورجح القول بعدم سماع بينة الوديع بعد إنكاره في الحالتين
ومنها : أن يموت الوديع ولم يبين الوديعة ولم توجد في تركته فإن لصاحبها الحق في أن يأخذ مثلها أو قيمتها من تركة الميت . وإن كانت التركة مدينة فإن له أن يدخل مع الدائنين بحصة مناسبة لوديعته وفي هذه المسألة صورتان :
الصورة الأولى : أن يثبت الإيداع بإقرار الوديع قبل موته وفي هذه الحالة لا يكون لصاحبها الحق في المطالبة بها موته إذا مضى على إيداعها زمن طويل بقدر بعشر سنين فإذا مضى عليها ذلك فلا يكون له الحق إذ يجوز أن يكون قد أخذها من الوديع قبل موته
الصورة الثانية : ان يثبت الإبداع ببينة مقصودة لتوثيق بأن يحضرها المودع عند الإيداع لتأكد المحافظة على وديعته وفي هذه الحالة لا تسقط مهما طال طال عليها الزمن
هذا لم يبنها الوديع قبل موته ولم توجد في تركته . أما إذا بينها وأوصى بها بأن قال : إن الوديعة التي في مكان كذا هي لفلان فإن الميت يبرأ فإن وجدت في المكان الذي قال عنه اخذها صاحبها وإن لم توجد ضاعت عليه ولا يكون له الحق في المطالبة بشيء لأن الوديع أمين فهو مصدق فيما يقول فحيث قال إنها بمكان كذا دل ذلك على أنه لم يستلفها حال حياته ولم يتصرف فيها وأنها سرقت من ذلك المكان فلا يضمنها
أما إذا لم يقل فيحمل على أنه تسلفها وتصرف فيها فعليه ضمانها . وإذا ادعى شخص أن له وديعة عند فلان الميت ولم يثبت الإيداع ببينة أو إقرار فإن وجدت الوديعة مكتوبا عليها بخط المتوفى في أنها لفلان فإنها تكون حقا لصاحبها بشرط أن يثبت بالنية أن الخلط خط المتوفى أما إذا كانت الكتابة بخط صاحبها لا بخط المتوفى فقيل يكون فيها أيضا وقيل لا إذ يحتمل أن يكون قد تواطأ مع أحد الورثة على إخراج شيء إليه كتب عليه اسمه
ومنها : أن يكون صاحب الوديعة مضطهدا من ظالم يريد أن يصادره في ماله فيحملها الوديع إلى صاحبها حين مصادرة الظالم إياه فإذا استولى عليها الظالم فإن الوديع يضمنها في هذه الحالة لأنه يجب عليه إخفاؤها عن الظالم وحفظها . وإذا خاف الوديع فيصادرها مع ماله فقيل يجوز له حملها إليه وقيل لا
ومن الأشياء الموجبة لضمان الوديعة هلاكها بيد رسول أرسلت معه وفي هذه المسألة ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يكون ضامنا على رسول فيضمنها الرسول ( سواء كان من طرف صاحب الوديعة أو من طرف الوديع )
في حالة واحدة وهي أن يحملها فيموت قبل أن يصل إلأى البلد التي بها صاحقب الوديعة ولم توجد في تركته فتؤخذ في هذه الحالة من تركة الرسول ثم إن كان من طرف رب المال فلا يكون الوديع مسؤولا عنها وإن كان من طرف الوديع كان مسؤولا عنها فعليه أن يسلمها لربها ويأخذها هو من تركة الرسول
الصورة الثانية : أن يكون ضمانها على الوديع فيضمنها الوديع إذا أرسلها مع رسول من طرفه فمات الرسول بعد وصوله إلى البلد القاطن الوديعة ولم توجد معه وادعى صاحبها أنها لم تصل إليه كان الوديع ضامنا لها لأنه لا يبرأ إلا بوصول المال أو إلى رسول صاحبه بينة أو إقرار
الصورة الثالثة : أن تضيع على صاحبها ويبرأ الرسول والوديع وذلك إذا أرسلها مع رسول من طرف صاحب الوديعة فحملها ووصل بها البلد الذي به صاحب الوديعة ثم مات الرسول فإنها في هذه الحالة تضيع على صاحبها لاحتمال أن الرسول أعطاها لصاحبها الذي أرسله بعد وصوله فلا ضمان عليه كما لا ضمان على الوديع لأنه سلم الوديعة لرسول صاحبها ببينة فإذا سلمها إليه بدون بينة ولم يمت الرسول ولكن بينة وبين صاحبها خلف فقال الرسول إنه سلمها وقال المرسل إليه كلا ولا بينة للرسول كان الوديع ضامنا
أما إذا سلمها الوديع للرسول بينة فإنه يبرأ بذلك ويكون الضمان على الرسول إذا لم تكن له بينة ومن الأشياء التي توجب الضمان على الوديع أن يدفع الوديعة لشخص غير صاحبها فيدعي ذلك الشخص أنها ضاعت أو تلفت . ويدعي الوديع لذلك الشخص بناء على أمر صاحبها مباشرة أو بواسطة بأن يقول : أنت أمرتني بدفعها له بنفسك ولا بواسطة بدفع وديعتي لغيري فإن لم تكن للوديع بينه على دعواه طلب من صاحب الوديعة أن يحلف فإذا حلف يلزم بها الوديع وإن لم يحلف حلف الوديع وبرئت ذمته
ثم إن كانت دعوى الوديع أنه دفعها للشخص بأمر صاحبها بنفسه مباشرة فليس له حق الرجوع على ذلك الشخص في حالة ضمانه للوديعة لأنه يكون في دعواه معترفا بأن صاحبها أمره بدفعها له وقد ظلمه بالإنكار فلا يظلمه الوديع بالرجوع عليه أما إن كانت دعواه بأنه له بأمارة أو كتاب بغير خط صاحبها فغن الرجوع على ذلك الشخص إن كانت الوديعة موجودة في يده أو أتلفت بسببه أما إن كانت قد تلفت بسبب آخر فلا حق في الرجوع عليه على المعتمد
أما إن كانت للوديع بينه على صاحبها بأنه أمره بدفعها إلى ذلك الشخص فإن ذمته تبرأ ولصاحبها الحق في الرجوع على ذلك قبضها إن ثبت تعديه عليها أو كانت موجودة لم تتلف أما إذا لم يثبت تعديه عليها فلا حق له في الرجوع عليه كما لاحق له في الرجوع على الوديع
الشافعية - قالوا : الوديع أمين لا ضمان عليه بحسب الأصل وإنما يضمن لعارض من الوارض سواء أكانت الوديعة بأجرة أم بغير أجرة . والصور التي يضمن بها الوديع عشر
الصورة الأولى : أن ينقل الوديعة من بلدة إلى أخرى أو من دار إلى دار أقل منها صيانة وحفظا بدون ضرورة فإن ترتب على ذلك ضياع الوديعة او تلفها كان الوديع ضامنا لها ولو لم ينهه المودع إلا إذا كان نقلها خطأ أنها ملكه ولم ينتفع بها أثناء نقلها فإذا نقلها إلى جهة مساوية للجهة التي كانت بها أو احسن من الصيانة والحفظ وضاعت أو تلفت فإنه لا ضمن وكذا إذا نقلها من ( دور )
إلى دور ( دور )
منزل واحد أو من حجرة إلى حجرة فإنه لا ضمن ولو كانت أقل حفظا ما لم ينهه المودع عن نقلها فإنه إذا خالف نهيه يضمن
الصورة الثانية : أن يدفعها الوديع إلى شخص آخر يحفظها عنده سواه كان ذلك الشخص أجنبيا عن الوديع أو ولد أو زوجة أو خادما وكذا ليس له إيداعا عند القاضي إلا بإذن مالكها
فإذا فعل ذلك وضاعت الوديعة أو تلف كان ضامنا لها وذلك لأن صاحب الوديعة قد اختار لها الوديع بعينه ومعنى ذلك أنه لم يرض بامانة غيره . نعم للوديع وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بحارس أو خادم يعلفها ويسقيها إن كانت بحسب ما جرت به العادة وإنما يضمنها الوديع بدفعها إلى غيره بشرطين :
الشرط الأول : أن يفعل الوديع ذلك بدون إذن صاحب الوديعة فإنه لا يضمنها إذا ضاعت أو تلف لأن الثاني يكون وديعا أيضا
ولا يخرج الأول عن الإيداع إلا إذا صرح المالك بذلك أو قامت قرينه على انه يريد استقلاق الثاني بالوديعة وإذا صرح صاحبها بأن يكون في حفظ الاثنين تعيين ذلك فعليهما أن يقوما بوضعها في مكان بملكانه أو يستأجرانه أو يستعيرانه على أن يكون لكل منهما مفتاح فإذا انفرد أحدهما نحفظه برضاء الآخر كان كل منهما مسؤولا عنها
الشرط الثاني : ان يدفعها لغيره بدون عذر أما إذا دفعها بعذر فإنه لا يضمن ولو لم يأذنه صاحبها
والعذار التي تبيح للوديع إعطاء الوديعة هي كالسفر أو المرض المخوف أو الحريق الذي يشب في الجهة التي بها الوديعة أو الغرق الذي يهدد مكان الوديعة أو نحو ذلك بشرط أن لا يجدهما كأن كانا غيره ينقلها إليه ويشترط أن يحاول أولا أن يرد الوديعة إلى صاحبها أو وكيله فإن لم يجدهما كأن كانا مسافرين أو مسجونين فإنه يجب عليه أن يردها للقاضي الأمين وعلى القاضي أخذها بعد ذلك ولا يلزم تأجيره سفره من أجل الوديعة لما في ذلك من الجرح الذي لا يخفى فإذا لم يتمكن من ردها بأن مات فجأة أو قتل غيله أو سافر بها لعجز عن إيصالها لمن ذكروا فلا ضمان عليه
الصورة الثالثة : أن يسافر الوديع بها مع القدرة على ردها لصاحبها أو وكيله أو القاضي الأمين فإذا فعل وضاعت فإنه يضمن لأنه عرضها للضياع ينقلها من مكانها الأمين إلى أقل منه وكذا يضمنها إذا دفنها بمكان وسافر ولم يعلم بها أمينا براقبها
الصورة الرابعة : أن ينكرها بعد طلب المالك لها فإذا فعل يصير غير أمين فيضمن الوديعة إلا إذا أنكرها لمصلحة كأن أنكرها ليدفع شر ظالم عن مالكها أو أنكرها إذا طلبها منه أجنبي ولو بحضرة مالكها لأن إنكاره يحمل على شدة حفظها بإخفائها عن غير صاحبها
الصورة الخامسة : أن يترك الوديع الوصبة بالوديعة عند الإشراف على الموت ومعنى الوصية أن يعلم بها القاضي أو الأمين عند عدم وجود القاضي مع وصفها بما تتميز به إن كانت غائبة أو الإشارة لعينها إن كانت حاضرة مع الأمر بردها إليهما بالفعل أما في حال السفر فإن الوصية لا تغني عن رد الوديعة إليهما بالفعل على المعتمد فإذا ترك الوديع رد الوديعة لصاحبها في حال المرض المخوف كما تقدم أو ترك ردها لأنه عرضها للضياع بوضع يد عليها ولا يجب عليه الإشهاد على الوصية على المعتمد
[ يتبع . . . ]
( تابع . . . 2 )
: - الأصل في الوديعة الإباحة فالناس أحرار في حفظ ما يملكونه بأنفسهم أو
الصورة السادسة : أن يهمل الوديعة فلا يدفع عنها ما يتلفها كترك تهوية ثياب الصوف والسجاد فيجب عليه أن يستعملها الذي يحفظها وكذلك يجب عليه أن يطعمخا ويسقسها إن كانت حيوانا فإن أعطاه المالك علفا به وإلا طلب منه أو من وكيله علفها فإن لم يجدها طلب من القاضي تقدير علف لها ليرجع به على المالك وله أن يؤجرها بما يعلفها به أو يبيع به منها جزءا يعلفها منه بحسب ما يستطيع فإن تعذر عليه شيء من ذلك علفها من عنده مع الإشهاد على ما بنفقه ليرجع به المالك فإذا كان الحيوان به تخمة ونهاه مالكه عن إطعامه حتى يبرأ فخالفه وأطعمه فإن كان ذلك عمدا وعلم بالعلة فإنه يضمن وبعضهم يقول مطلقا أما إذا نهاه عن إطعام الصحيح أو دفع مهلكات الثياب ونحوه فهلكت فإنه لا يضمن وإن أثم طعام الحيوان
الصورة السابعة : أن يمنع لصاحبها بدون عذر فإذا طلبها فتأجر في دفعها بدون عذر وهلكت ضمنها . أما إذت منع ردها لعذر كصلاة وأكل ونحوهما فإنه لا يضمن والمراد بتأجيرها عن صاحبها أن لا يخلي بينهما وبين صاحبها إلا أن يحملها إليه أن ذلك لا يلزم الوديع
الصورة الثامنة : أن يضعها الوديع في مكان غير أمين أو ينساها أو يدل عليها ظالما بتعيين محلها له أو يسلمها له ولو مكرها فإنه يضمنها ويرجع بما عزمه على الظالم أما إذا أخذها الظالم من يده قهرا عنه من غير أن يدله عليها فإنه لا يضمن وكذا لو أخبره بأنها عنده من غير أن يعين له مكانها فإنه وإن كان يحرم عليه ذلك وإذا حلف وجب عليه أن يوري في يمينه إن عرف التوية وأمكنه وإلا كفر عن يمينه إن كان الحلف بالله أما إن كان بالطلاق أو العتق فإنه يحنث
الصورة التاسعة : أن ينتفع الوديع كأن يلبسها إن كانت ثوبا لا يصلحه اللبس أو يركبها إن كانت دابة لا يصلحها الركوب فإذا كانت جموحا يصلحا الركوب فلا يضمن بركوبها لذلك
الصورة العاشرة : أن يخالف الوديع صاحب الوديعة فيما يأمره به إلا إذا كان فيه زيادة حفظ فإذا قال لا تحمل هذا الصندوق على دابة فحمله فانكسر ما فيه ضمن وكذا إذا قال له لا تنم عليه ففعل فانكسر ما فيه فإنه يضمن أما إذا نام فلم ينكسر ما فيه وبعد ذلك سرق فإنه لا يضمن لأن المخالفة لم يترتب عليها ضرر
أما إذا نهاه عن وضع قفلين ففعل فإنه لا يضمن فيه زيادة احتياط
الحنابلة - قالوا : الوديع لا يضمن الوديعة إلا إذا تعدى عليها بأن فيها أو فرط في حفظها فتلفت أو ضاعت ويحصل ضمانها بأمور : منها أن يضعها الوديع في مكان لا يحفظ فيه مثلها في العرف كما إذا كانت عقد جوهر في صندوق لا قفل له فسرقت فإنه يضمن لتفريط في حفظها فإذا وضعها في مكان يحفظ فيه مثلها ( حرز المثل )
ثم نقلها إلى مكان آخر يحفظ فيه مثلها أيضا ولكنه أقل من الأول صيانة وحفظا لا يضمن لأنه فعل الواجب لوضعها في حرز مثلها
وإذا عين له صاحبها مكانا لحفظها وجب عليه أن يضعها فيه أو في مكان مثله أو اعلى منه في الصيانة والحفظ فإذا وضعها في مكان أقل منه فضاعت ضمنها أما إذا وضعها في المكان الذي عينه صاحبها من أول الأمر فإنه يحرم عليه أن يخرجها من ذلك المكان من غير حاجة فإذا فعل وضاعت ضمنها حتى ولو كان المكان الذي نقلها إليه أصون من المكان الأول
أما إذا أخرجها من مكانها خوفا عليها من حرق أو غرق أو هدم المكان الذي هي فيه فهلكت لم يضمن بل يجب عليه في هذه الحالة أن يخرجها من المكان بالأخطار وإنما يلزمه أن يضعها في حرز مثلها أو أعلى إن لم يمكن فإنه لا يكلف إلا ما قدر عليه ولا ضمان
فإذا تركها في المكان الذي عينه له صاحبها في حالة الخطر وهلكت كان الوديع ضمانها سواء هلكت بالأمر المخوف أو لسبب وهلكت فإنه لا يضمن وإذا خالفه فأخرجها فإنه لا يضمن أيضا لأنه فعل ما فيه الحفظ في الثاني وامتثل أمر صاحبها في الأول
ومنها : أن يهمل في أمر حفظها فإذا كان الوديعة حيوانا يجب على الوديع أن يصعمه ويسقيه إلا أن ينهاه صاحبه عن ذلك فإن فعل لا يضمن ولكن يأثم بتركه الحيوان من غير إطعام ويطالب الوديع صاحب الحويان أو وكيله بعلفه أو رده إليهما فإن لم يجدهما رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذ قيمة علفه من مالهما مال وإلا بما فيه المصلحة من بيع الحيوان أو إجارته أو الاستدانة عليه للإنفاق عليه ويجوز أن يأمر الوديع بالإنفاق عليه من ماله بحسب اجتهاده ويرجع بما أنفقه على صاحب الحيوان
ومنها : أن يدفع الوديع إلى أجنبي ليحفظها عنده فإذا فعل وضاعت فإذا دفعها إلى من يحفظ ماله كزوجة ولده وخادمه وخازنه ووكيله لم يضمن إن تلفت
أما إذا دفعها إلى شريكه فإنه يضمن صاحبها إذا تلفت . ولصاحبها الحق في مطالبة الوديع الأول ببدل الوديعة لأنه صار ضامنا بدفعا إلى غيره وإعراضه عن حفظها وله مطالبة الوديع الثاني لأنه قبض ما ليس له قبضه فإذا كان عاما بأنها بأنها وديعة وأنه لا عذر للوديع في دفعها إليه وألزمه المالك ببدل الوديعة فلا رجوع للوديع على الأول وإن كان جاهلا بأنها كان جاهلا بأنها وديعة ولزمه مالكها بدفع بدلها فإنه يرجع بما دفعه على الوديع الأول لأنه غيره
وللوديع أن يساعين بالأجنبي في حمل الوديعة وعلفها وسقيها ونحو ذلك مما جرت به العادة فإذا هلكت في أثناء ذلك فلا يضمن
ومنها : أن يسافر بها الوديع مع نهي صاحبها عن السفر بها وتلفت ضمنها إلا إذا كان السفر لضرورة كجلاء عن البلد لهجوم عدو أو غرق أو حرق أو نحو ذلك فإن تركها في مكانها ولم في مكانها ولم يسافر بها فتلفت ضمنها
وإذا أراد الوديع السفر على الوديعة عنده فله ردها لصاحبها إن كان موجودا فإن لم يوجد فله ردها على من يحفظ مال صاحبها كزوجه وخازنه ووكيله في قبضها إن كان له وكيل وله السفر مع وجود صاحبها إن لم يخف عليها ولم ينهه صاحبها فالوديع في هذه الحالة يكون مخيرا بين اليفر وبين ردها لمن ذكروا
ومنها : أن يحملها إلى صاحبها وعنده ظالم يريد ماله أو يسعى بها إلى الظالمأو يدل عليها لصا فيسرقها فإذا فعل كان ضامنا لها
ومنها أن يموت الوديع ولم يبين الوديعة فإذا مرض مرض الموت رد الوديعة إلى صاحبها أو وكياه فإن لم يجدها دفعها إلى الحاكم المأمون فإن تعذر عليه ذلك أودعها عند ثقة أو دفنها إن لم يضرها الدفن واعلم بها ثقة يسكن الدار التي دفنها بها فإن لم بفعل كان ضامنا ومثل ذلك ما إذا أراد أن يسافر معه على الوديعة
ومنها أن ينتفع الوديع بها كأن يركبها إن كانت دابة لمصلحته . أما إذا ركبها بأجرة علفها فلا يضمن وكأن يلبس ثوبا مودعا عنده لا لمصلحة الثوب
أما إن لبسه لمصلحة الثوب غن خاف عليه من العث ( العتة )
إن كان صوفا فإنه لا يضمن
ومنها : أن ينكر الوديعة ثم يقر بها لأن الإقرار بها بعد إنكارها لا يرفع عنه الخيانة فيضمنها إذا فقدت . ومثل ذلك إذا طلبها صاحبها أو من له حق في طلبها كوكيله فلم يدفعها إليه فإنه يضمنها إذا تلفت بعد المنع
ومنها : أن يخلط الوديعة بماله أو بمال غيره إذا كانت لا تتميز منه كخلط زيت بزيت أو سمن بمثله بغير إذن صاحبها فإذا فعل الوديع ذلك بطلت الوديعة وضمنها الوديع ووجب عليه فورا
وإذا خلطها غير الوديع بدون إذن كان الضمان على الخالط لا على الوديع لأنه هو المعتدي وإذا برئ المالك الوديع بريء
وإذا خلطها خلطا لا يتعذر معه كخلط بر بشعير أو عدس فإنه لا يضمن . وإذا وقع خلط الذي يتعذر تمييزه رغم إرادته فإنه لا يضمن ويصيران شريكين



مباحث العارية


تعريفها

- العارية مشددة وقد تخفف تطلق في اللغة على معان :
أحدهما : أنها اسم لما يتداوله الناس بينهم يقال للكتاب مستعار . بمعنى متعاور أي متداول بين الناس ومثلها العارة - بفتح الراء مخففة - كناقة والجمع عواري - بتشديد الباء وتخفيفها - وعلى هذا تكون مأخوذة من التعاور التداول وفعلها اعتور الشيء وتعوره وتعاوره يقال اعتوروا الشيء الشيء بمعنى تداولوه
ثانيهما : أنها اسم لما يذهب ويجيء بسرعة يقال أعاره الشيء وأعاره منه إعارة منه كما يقال عاره يعوره بمعنى أخذه وذهب فحقيقة العارية ذهاب الشيء وإيابه وهو قريب من الأول وعلى هذا تكون العارية مأخوذة من عار إذا ذهب وجاء سريعا وهو لا يخرج عن الأول لما فيه من التداول
ثالثهما : أنها اسم لما يقصده المستعير فهي مأخوذة من عروا إذ قصده لأن الشيء المستعار مقصود للمستعير وأصل عارية المشتقة من التعور بمعنى التدوال عورية بفتحتين مشددا على وزان فعليه فالعين الكلمة والواو عين الكلمة لام الكلمة تحركت الواو وانفتح ما قبلها قبلت أفا فصارت عارية فالألف أصيلة لأنها منقلية عن الواو التي هي عين الكلمة
ومثلها المأخوذة من عار يعور إذا ذهب وجاء أما المأخوذ من عراه يعروه إذا قصده فإذا كانت العارية مشددة الياء يكون أصلها عاوورة بواوين على وزان فاعولة قلبت الواو ياء لوقوعها متطرفة فصارت عاروية اجتمعت الواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وإذا كانت مخففة يكون أصلها عاروية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون الخ وعلى كلتا الحالتين تكون الألف زائدة لأن العين فاء الكلمة والراء عينها ويصح أن تكون الألف اصلية إذا دخل الكلمة القلب بأن تؤخر عين الكلمة وهي الراء على لازمها والراء عينها فتحركت الواو التي هي لام الكلمة وانفتح قبلت أفا فصارت عارية وعلى هذا تكون الألف أصلية لنها منقلبة عن الواو التي هي لام الكلمة
ذلك هو الصحيح في معنى العارية واشتقاقها وبعضهم يقول إنها منسوبة إلى العار وذلك لأن ردها لصاحبها بعدما منحها للمستعير عار لا ينبغي وقوعه وذلك خطأ من وجهين : أحدهما أن رد العارية ليس بعار ولو كان ذلك لما فعله النبي صلى الله عليه و سلم وقد ثبت أنه فعله . ثانيهما إن العار ياتي أما العارية فهي واوي ولذا قالوا إن القوم يعتبرون بمعنى يعير بعضهم بعضا ولم يقولوا يتعاورون نعم نقل أنهم يتعيرون العواري وهي جمع العواري وهي جمع عارية كما عرفت ولكنه ضعيف وقد تستعمل الياء بدل الواو فما ورد من ذلك لا يكون حقيقة بأصل وضعه
وأما معناها في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : تعرف العارية على أنها مصدر . وتعرف على أنها اسم للشيء المستعار فعلى الأول يقال إنها تمليك منفعته مؤقتة لا بعوض
فإذا ملك شخص غيره منفعة الدابة ليسافر أياما معلومة بدون اجر أو جملة لينقل عليه جرته أو محراثه ليحرث له أرضه في زمن معين أو غير ذلك التمليك عارية ولا فرق بين أن يكون الوقت طويلا أو كثيرا فيدخل في العريف تكليك المنفعة طول حياة المستعير ويقال له ( العمري )
بضم العين وسكون الميم وكذلك يدخل فيه وهو تمليك منفعته الخادم طول حياة المستعير ولا يدخل فيه حبس منفعة العين ( الوقف )
إلا على القول بأنه يصح ان يكون مؤقتا . وعلى أنها اسم للشيء المستعار يقال لها ( مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بلا عوض )
. ولكن يرد على التعريفين أنه يدخل فيهما ما ليس منهما في بعض الأحوال وهو إرث المنفعة ومثاله أن يستأجر شخص أرضا أو دارا أو أثاث منزل مدة معينة ثم يموت قبل أن يستوفي منفعتها ففي هذه الحالة تنقل المنفعة إلى الورثة بدون عوض منهم وهنا ينطبق عليه تعريف العارية لأنه يملك منفعة بدون عوض أو مال بدون عوض مع أنه ليس بعارية
والجواب أن العارية ليس لها عوض مطلقا اما هذه الصورة فإن المستأجر المنوفي إنما أجرهم بعوض فهي في الحقيقة تكليك بعوض من المستأجر الأول وإن انقلت إلى الورثة بدون عوض منهم
الحنفية - قالوا : العارية هي تمليك المنافع مجانا وبعضهم يقول إنها إباحةلا تمليك وهو مردود من وجهتين :
الأول : أن العارية تنعقد بلفظ التمليك الشيء الذي استعاره لغيره إذا كان ذلك الشيء بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه على المتبرع
فإن ملك دابة أو كتابا أو ثيابا أو غيرها مما يحل الانتفاع به وكان أهلا للتبرع فإنه يصح له أن يعيرها لغيره بان يبيح الانتفاع بها مع بقاء العين ليردها إليه ثانيا سواء حدد لها مدة ويقال لها العارية النقيدة أو ويقال لها المطلقة
الحنابلة - قالوا : العارية معناها العين المعارة وهي المأخوذة من مالكها سواء حدد لها أو مالكها أو مالك منفعتها للانتفاع بها زمنا أو مطلاق بلا عوض وتطلق العارية مجازا واغعارة هب إباحة نفع العين عوض من المستعير أو غيره
والإباحة معناها رفع الحرج عن تناول ما ليس مملوكا له فيصح له أن بنتفع به كما يجب



حكم العارية وركنها وشرطها

- العارية في ذاتها من أعمال البر التي تقتضيا الإنسانية لأن الناس لا غنى لهم عن الاستعانة ببعضهم بعضا فهي منودبة بحسب ذاتها
وقد يعرض لها الوجوب كما إذا احتاج شخص من آخر مظلة في الصحراء وقت الحر الشديد توقفت عليها حياته أو إنقاذه من مرض فإنه يجب على صاحبها في هذه الحالة أن يعيرها إياه وقد يعرض لها الحرمة كما إذا كان عند شخص جارية أو خادمة تشتهى وطلب غعارتها منه شخص يختلي بها أو يتمكن من قضاء إربه منها فإنه في هذه الحالة لا يحل له أن يعيرها إياه وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه و سلم استعار فرسا من أبي طلحة فركبه واستعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال له صفوان أغصب يامحمد في هذه الحالة أو عارية فقال له بل عارية مضمونة
وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها على أنها داخلة في قوله تعالى : { وتعاونوا على البر التقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } إذا لا شك أن سد حاجات الناس بعضا بعضا والإحسان إليهم من أنواع البر التي توثق بها الشروط وتنمو بها الألفة وتتأكد وذلك المودة ممدوح في نظر الشريعة الإسلامية كل المدح وأركان العارية أربعة : [ 1 ]
معير وهو الذي يمنح العارية
ومستعير وهو الذي يأخذها
ومعار وهو الذي تمنح
وصيغة . ولكل ركن من الأركان شروط مفصلة في المذاهب [ 2 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : للعارية ركن واحد وهو الإيجاب والقبول فلا بد في العارية من الإيجاب والقبول لأنها تمليك وهو لا يتحقق إلا بذلك ولا يشترط الللفظ بل يكفي التعاطي وهو أن يعطي المعير العارية للمستعير والمعير يأخذها ويكون معروفا بينهما أنها عارية تصح بلفظ أعرتك وأطعمتك غلة أرضي ومنحك هذا الثوب . وحملتك على دابتي هذه . بشرط أن لا يريد بلفظ منحط وحملتك الهبة . وكذا تنعقد بقوله : آجرتك داري شهرا مجانا . وداري لك سكني عمرى ( بسكون الميم وفتح الراء )
[ 2 ] الشافعية - قالوا : يشترط في المعير أن يكون أهلا للتبرع ما اجتمع فيه أمور :
أحدها : أن يكون بالغا فلا تصح العارية من الصبي
ثانيهما : أن يكون عاقلا فلا تصح من مجنون
ثالثهما : أن يكون غير محجور عليه لسفه فلا تصح من محجور عليه وهل يجوز لكل من الصبي والمحجور عليه أن يعير بنفسه كأن يخدم شخصا في عمل من الأعمال مجانا أو لا ؟ الجواب أنه يجوز بشرطين :
الأول : أن لا يكون العمل الذي يعمله مجانا لا يؤخذ عليه أجر في العادة . أما إذا كان يؤخذ عليه أجر فإنه لا يصح للصبي أو المحجور عليه أن يعير ليعمل ذلك العمل مجانا
الثاني : أن لا يكون ذلك العمل متعاقا بصناعته التي يكسب بها عيشه . كما إذا كان صبي نجار فأعار نفسه لشخص مجانا ليصلح له صنودقا مجانا . أو يصنع له ( دولابا )
كذلك أو كان صبي حداد فأعار نفسه لشخص مجانا ليصلح له قفلا أو كان خياط فأعار نفسه لشخص ليخيط له ثيابا وهكذا فإن هذه الإعارة لا تجوز
ومن هنا يتضح انه إذا قال شخص لولد غيره . اعمل لي كذا فإن كان العمل مما لا يؤخذ عليه أجر في العادة كأن يكلف غلام بإحضار أمر من الأمور فإنه يصح وإلا فلا
وأما المحجور عليه لفلس فإنه يجوز له أن يعير نفسه بشرط أن لا يشغله العمل الذي يعمله له عن كسبه كما يصح أن يعير شيئا من ملكه غير منقول كما إذا أعار جاره دارا يوما
رابعها : أن يكون المعير مالكا للمنفعة التي يريد إعارتها ولا يشترط أن يكون مالكا للعين لأن الإعارة إنما ترد على المنفعة دون العين
فتصح إعارة المكتري والموصي له بالمنفعة والموقوف عليه بإذن الناظر لأنهم وإن كانوا لا يملكون العين إلا أنهم يملكون المنفعة وهي التي يباح للمستعير أن ينتفع بها
أما الذي لا يملك العين ولا يملك كالمساعير فإنه لا تصح إعارته فمن استعار دابة غيره لا يصح أن يعيرها لغيره إلا بإذن مالكها كان كل منهما ضامنا فإن تلفت عند الثاني كان عليه ضمانها إلا أنه يشترط لضمان الأول أن لا يسمى مستعيرا خاصا فإن قال له : ائذن لي أن اعيرها فأذن أصبح مستعير بل هو وكيل وبرئ من الضمان
هذه شروط المعير أما المستعير فيشترط له أمران :
أحدهما : تعيينه فلا تصح الإعارة لمجهول فإذا فرش لمن يجلس عليه لم يكن عارية بل يكون مجرد إباحة وكذا إذا قال لزيد وعمرو : أعرت أحدكما فرسي ولم يعينه إن كان زيدا أو عمرا
ثانيها : أن يكون المستعير مطلق التصرف فلا يصح أن يعير فرسه لصبي مجنون إلا إذا تعاقد على ذلك مع وليهما . وأما السفيه جواز فإن الراجح جواز قبوله الإعارة فلا تتوقف على قبول الولي
وأما ( المعار )
فيشترط له أمور : أحدها الانتفاع به حالا أو مالا ومثال ما ينتفع به مالا الجحش الصغير فإنه يصح إعارته إعارة مطلقة أو مقيدة بمدة يمكن الانتفاع به فيها أما ما لا يمكن الانتفاع به أصلا كاحيوان المعقد المريض فإن إعارته . والمراد بالمنفعة ما يسيتفيده المستعير
وهي قسمان : قسم منفعة محضة ليست بعين كسكنى الدار وركوب الدابة واستظلال بالمظلة ونحو ذلك وقسم عين من العين المستعارة كلبن الشاة وثمر الشجر فإذا استعار شاة لآخذ لبنها أو نسلها أو شجرة لأخذ ثمرها فإن العارية تصح إن كان اللبن تؤخذ من الشاة المستعارة والثمر عينا تؤخذ من الشجرة المستاعرة فتصح غعارة الشاة لآخذ لبنها أو نسلها وإعارة الشجر لأخذ ثمرها ونحو ذلك على المعتمد
وبعضهم يقول : إن اللبن والنسل والثمر لم يستفيدها المستعير بطريق الإعارة وإنما استفادها بطريق إباحتها وقد استعيرت الشاة والشجر للوصول إلى ما أبيح له وذلك كما اسيتعار شخص قناة في أرض غيره ليوصل منها ماءه إلى أرضه . فالماء المملوك له لا يمكنه الوصول إليه باستعارة القناة فمنفعة القناة هي الإيصال إلى الاستفادة بالماء ولا فرق في ذلك بين أن تكون بلفظ العارية أو بلفظ الإباحة
ثانيهما أن يكون المستعير مباحا فلا تصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كإعارة خادمة مشتهاة لمن لا يؤمن عليها إذا كانت الخدمة تتضمن خلوة أو نظرا محرما فإذا كانت غير مشتهاة لصغر أو قبح منظر أو كانت الخدمة للأولاد الصغار ولا تختلط بها والدهم فإن العارية تصح
ومن الأشياء التي يحرم الانتفاع بها آلات الهو المحرمة كالمزمار
أما غير المحرمة كالطبل والشطرنج فإن إعارتها تجوز كما تجوز إجارتها
ومنها : إعارة السلاح لحربي يستعين به قتال المسلمين فإنه يحرم
ثالثها : أن ينتفع بالمستعار مع بقاء عينه أما إذا استهلكت العين فإن العارية لا تصح لعدم وجود حقيقتها إذا العارية هي ما ينتفع مع بقائه ليرد لصاحبه وعلى هذا فلا تصح إعارة المطعومات لاستهلاكها بتناولها
وأما الصيغة فيشترط فيها أن تكون لفظا يشعر بالإذن في الانتفاع سواء كان اللفظ صادرا من المستعير . كأن يقول : اعرني كذا أو صادرا من المعير كقوله : اعرتك فلا بد من لفظ أحدهما
أما الآخر فلا يشترط لفظه بل يكفي فعله كما لا يشترط الفور بل لو قال له : أعرتك دابتي ولم يرد عليه فورا فإن الإعارة تصح ويقوم مقام اللفظ الصريح الكناية مع النية وكذا إشارة الأخرس المفهمة
الحنفية - قالوا : يشترط للعارية شروط بعضها يتعلق بالمعير والمستعير فيشترط فيه أن يكون عاقلا فلا تصح إعارة المجنون وأن يكون مميزا فلا تصح إعارة الصبي الذي لا يعقل
أما البلوغ فليس بشرط فتصح إعارة من الصبي المأذون بالتصرف ويعضهما يتعلق بالمعار فيشترط فيه أن يكون الانتفاع به ممكنا بدون استهلاكه . فإذا لم يكن الانتفاع به ممكنا أصلا كالحيوان المريض فإنه لاتصح غعارته وكذا إذا كان يمكن الانتفاع به مع الاستهلاكه كالمطعوم والشمع الذي لا ينتفع به بدون حرقه وكذا يشترط في المعار أن يقبضه المستعير فإذا لم يقبضه لا تصح الإعارة
وأما الشروط المتعلقة بالصيغة فقد تقدمت في بيان الركن قريبا
المالكية - قالوا : يشترط للعارية شروط بعضها يتعلق بالمعير : وبعضها يتعلق بالمستعير وبعضها يتعلق بالمستعار فيشترط في المعير شروط منها أن يكون مالك المنفعة بسبب ملك الذات المنتفع بها أو استئجاره لها أو استعارته لها فلا يشترط فيه أن يكون مالكا لذاتها بل الشرط ملك المنفعة سواء كان مالكا للذات أو فيصح لمن استأجر دارا مثلا ان يعير لغيره وكذا من استعارها فإن له أن يعيرها بشرط أن لا يمنعه المالك المعير من الإعارة لغيرها صريحا أو ضمنا والمنع الضمني : لولا أبوك أو أخوك ما أعرتك لأن هذا يتضمن قصر الإعارة عليه فلا يصح أن يعيرها لغيره فإذا أعار شخص ما لا يملكه بسبب من الأسباب المذكورة كان فضوليا فلا تنعقد إعارته أصلا لأنها بغير عوض بأخذه من المستعير ومثلها الهبة والوقف وسائر ما يخرجه الفضولي بغير عوض
أما ما يخرجه بعوض كما إذا باع شخص ملك غيره بدون إذنه فإن البيع ينعقد موقوفا على إجازة المالك فإذا أجاز البيع نفذ
ومنها أن لا يكون المعير محجوزا عليه لصغر أو سفه فلا تصح إعارة الصبي والسفيه والرقيق ولو كان مأذونا له في التجارة لأنه مأذون له في التصرف بعوض لا أن يعير بدون عوض . نعم يصح له أن يعير ما به اسئلاف الناس منه تجارته ( الزباين )
ومنها : أن لا يكون المعير مالك الانتفاع فقط وهو من ملك أن ينتفع دون غيره
والفرق بينه وبين المنفعة أن مالك المنفعة جعل الشارع له الانتفاع بنفسه كما جعل له أن يتنازل عن الانتفاع لغيره كالمالك والمستأجر والمستعير فلكل منهم أن يؤاجر وأن يهب وأن يعير كما له أن ينتفع بنفسه أما مالك الانتفاع فقد قصره الشارع على ان ينتفع بنفسه فقط وذلك مثل الأماكن الموقوفة على المجاورين وأبناء السبيل ونحوهم فإنها إذا استحق السكنى فيها شخص بعنوان كونه مجاورا مثلا فإنه لا يملك منها إلا حق الانتفاع فقط فلا يصح ان يعيرها لغيره أو يهبها أو غيره ذلك . نعم يجوز له أن يتنازل عن حقه في الانتفاع بها مجانا وفي مقابلة دارهم مدة معينة أو دائما
وهنا مسألة يعبرون عنها بملك الخلو وهي من قبيل ملك المنفعة . والخلو ( هو اسم لما يملكه دافع الجنيهات من المنفعة التي وقعت الجنيهات من مقابلتها )
توضيح ذلك ان توجد دار خربه موقوفة على جهة أو أرض فضاء لا بناء عليها موقوفة كذلك وليس للوقف ريع يعمر به فيدفع شخص مبلغا لجهة الوقف لبناء الذي أنفق عليه ماله وهذه المنفعة تسمى بالخلو فإذا كانت أجرة الوقف بعد بنائه تساوي عشرة فاتفق الباني على ان يدفع منها ثلاثة حكرا والسبعة الباقية في مقابلة ما أنفق على البناء فإنه يصح ويصير المبلغ الذي أنفقه على البناء مالكا بذلك المكان فيجوز له ان يعيرها لغيره وأن يهبها له وتورث عنه إذا مات إلى غير ذلك
وكذلك الخلو المعروف بمصر الان وهو أن يستأجر شخص دكانا مثلا بأجرة شهرية ثم يريد إخلاءها لغيره على أن يأخذ منه مبلغا في نظير الإخلاء فإنه جائز عملا بعرف الناس ويكون من قبيل ملك المنفعة
واما المستعير فيشترط فيه ان يكون أهلا للتبرع عليه بالمستعار فلا يصح أن يعطي الإنسان غعارة لمن ليس أهلا لها كإعارة المصحف لكافر لأنه لا يصح التبرع عليه به
وأما المعار فيشترط فيه أن يكون عينا ذات منفعة وأن يكون استعمالها مباحا وإن لم يكن بيعها مباحا ككلب الصيد وجلد الأضحية فإنه يجوز استعمالها لا بيعها فتصح إعارتهما بناء على ذلك زكذا لا تصح إعارة جارية لمن لا يؤمن عليها وإعطاء مالا لا يمكن استعماله إلا باستهلاك عينه كالطعام والنقود لا يسمى عارية بل هو قرض وإن وقع بلفظ العارية لأن المقصود من العارية الانتفاع بها مع ردها لصاحبها
وأما الصيغة فهي كل ما دل على تمليك المنفعة بدون عوض سواء كانت بلفظ كأعرابي وأعرتك أو نعم جوابا لأعرابي أو كانت بإشارة أو غير ذلك
الحنابلة - قالوا : يشترط في العين المستعارة أن تكون مما ينتفع به مع بقاء عينه كالدور والثاب والدواب ونحوها فلا تصح غعارة ما لا ينتفع به إلا إذا استهلمكت ذاته كالأطعمة والأشربة ونحوها كن إن اعطاها أحد لآخر بلفظ إعارة كان محتملا لإباحة الانتفاع بها على وجه إتلافها واستهلاكها
ويشترط في المعير أن يكون اهلا لأن يتبرع لغيره فلا تصح إعارة المحجور عليه ولا ناظر الوقف ولا ولي يتيم من مال اليتيم
ويشترط في المستعير أن يكون اهلا لقبول الاستعارة فلا تصح غعارة المصحف للكافر لأنه ليس أهلا لقبوله
أما الصيغة فلا يشترط فيها أن تكون بلفظ يكفي كل ما دل على الرضا من قول أو فعل لأنها إباحة لا عقد فإذا قال له : أبحتك بكذا كان ذلك عارية كما إذا قال له : أعرتك أو قال : أعرتني فأعطاه أو نحو ذلك
ومثل ذلك ما إذا دفع إليه الدابة ليركلها عند تعبه فأخذها بدون قول ذلك عارية



أقسام العارية وما يتعلق بها من الأحكام

- تنقسم العارية إلى أقسام وتتعلق بها أحكام مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : تنقسم العارية إلى أربعة أقسام :
أحدها : أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع كما إذا قال له : أعرتك داري أو دابتي أن يفيده بزمن أو يبين كيفية الانتفاع
حكم هذا القسم أن للمستعير الحق في أن ينتفع بالعارية بدون شرط ولا قيد
وثانيها : ان تكون مقيدة بالوقت والانتفاع كما إذا قال له : أعرتك داري شهرا لتخزن فيها متاعك وفي هذه الحالة لا يجوز للمستعير أن ينتفع بها أكثر من شهر ولا ينتفع بها بغير خزن متاعه وله أن يستعملها فيما هو أحسن مما أبيح له كما إذا أباح خزن الحديد والأحجار فاستعملها في خزن القماش
ثالثها : أن تكون مقيدة بالوقت مطلقة كما إذا قال له : اعرتك دابتي ثلاثة أيام ولم يبين له كيف يستعملها
رابعها : ان تكون مقيدة بالانتفاع مطلقة في الوقت . وفي الحالتين لا يجوز له أن يتعدى ما أمره به صاحبها
وعلى أي حال فهي غير لازمة فلصاحبها أن يستردها متى شاء إلا إذا ترتب على استردادها ضرر بالمستعير فإن العارية في هذه الحالة تبطل وتبقى العين المستعارة بيد المستعير بأجر المثل مثال ذلك أن يعيره حائطه ليضيع عليه خشب سقفه فإذا فعل وبنى فليس لصاحب الحائط أن يستردها في هذه الحالة لما يترتب على ذلك من هدم السقف الضار بالمستعير فتبقى الحائط بأجر مثلها إن كان مثلها له أجرة
ومثل ذلك ما إذا أعاره فرسا ليسافر بها إلى جهة وسافر معه فليس له أن يستردها في مكان لا يقدر فيه المستعير على الركوب بالأجرة او بالشراء فتبقى مع المستعير بأجر المثل . ومثل ذلك ما إذا أعاره أرضا ليزرعها فليس له أن يستردها حتى يحصد زرعه ولصاحبها أجر المثل . وإذا أعار حائط منزله فوضع عليها السقف ثم باع المنزل فللمشتري أن يسترد الحائط ويرفع اليقف إلا إذا شرط ابائع عليه عدم استردادها وقت البيع فيعمل بالشرط
ومثل المشتري الوارث - إلا أن الوارث له استرداد العارية على أي حال
فإذا استعار شخص حائطا ووضع عليها خشب سقفه وبنى ثم مات المعير فإن للوارث استرجاع الحائط على أي حال حتى ولو كان المستعير من ضمن الورثة إلا قسمت التركة وقعت تلك الحائط في نصيب المستعير
وإذا استعار أرضا ليقيم عليها بناء أو يغرس فيها شجرا فإنه يصح وللمالك أن يسترد أرضه متى شاء لما تقرر من أن العارية غير لازمة ثم إن كانت العارية مؤقتة بوقت ورجع المالك قبل حلول الوقت فإن له تكليف المستعير إزالة البناء وقلع الشجر على أن يضمن المالك ما نقص من قيمة البناء والشجر بأن يقوم الشجر وهو مغروس إلى المدة المضروبة للعارية فإن كان يساوي وقت استردادها أربعة ويساوي وقت انتهاء أجل العارية عشرة كطان المالك أن يدفع الستة التي نقصت أما إذا رجع المالك بعد حلول الوقت المالك يسترد أرضه من غير أنن يضمن شيئا فعلى المستعير أن يقلع غرسه ويزيل بناءه إلا إذا كان ذلك يضر بالأرض فإذا كان المستعير قد زرع أشجارا للفاكهة ومضت مدة الاستعارة واسترد المالك أرضه وكان قلع الشجر يضر بالأرض فإن المستعير يكلف بترك الأشجار قائمة على الأرض بدون قلع وله الحق في أخذ قيمتها بحيث لو فرض وقلعت في ذلك الوقت وبيعت احتسابا كانت قيمنتها هي التي يستحقها المستعير ملكا لصاحب الأرض ومثل ذلك ما لو بنى على الأرض ومضت مدة العارية وكان الهدم يضر بالأرض فإن المستعير يكلف ترك البناء قائما بون هدم وله الحق في أخذ قيمته أنقاضا ويكون ملكا لصاحب الأرض وإذا كانت العارية مطلقا واسترد المالك أرضه فإن المستعير يخبر في هذه الحالة بين أن قيمة الشجر أو البناء قائمين ويصيران ملكا لصاحب الأرض بعد أن يدفع قيمتها وبين أن يقلعها ويأخذهما خشبا وأنقاضا إلا إذا كان القلع يضر بالأرض فإن الخيار في هذه الحالة يكون للمالك فله أن يكلف المستعير بإزالة ما أحدثه على الأرض من شجر وبناء شيئا ويحتمل ما لحق أرضه من ضرر وله أن يستبقي الشجر والبناء ويدفع للمستعير بنسبة ما إذا كانا للمستعير ما إذا كان مقلوعين لا قائمين
وإذا أعاره ليزرعها لا يصح له أن يستردها قبل حصاد الزرع سواء كانت العارية مؤقتة أو لا ولكن للمالك الحق التي أنفقها المستعير إذا كان الزرع لم ينبت لأن بيع الزرع قبل نباته أما بعد نباته فإنه يجوز على المختار فإذا لم يرض المستعير بأن يدفع أجر المثل وأبى القلع يضمن له صاحب الأرض ما انفقه فقيل ذلك وقيل لا
الحنابلة - قالوا : تنقسم العارية إلى مطلقة ومؤقتة بوقت أو عمل وهي غير لازمة على حال فللمستعير أن يرد عاريته متى شاء لأن المنافع لم تحصل في يد المستعير دفعة واحدة . حتى يملكها بل هي تستوفي شيئا فشيئا فما يستوفيه منها فقد وما لم يستوفيه لم يقبضه فيصح لصاحبه الرجوع فيه كالهبة قبل القبض إلا إذا ترتب على ردها ضرر المستعير كما إذا أعار إذا أعار سفيه لحمل متاعه فليس له أن يستردها في وسط البحر لا يتمكن من غيرها وإنما له استرداد بعد أن ترسو على الشاطئ
وكذا إذا أعار حائطا ليضع عليها خشب سقفه فليس لضاحبها مرجوع إذا وضع سقفه وبنى لأن استردادها يترتب عليه الإضرار بالمستعير فإذا سقط السقف من تلقاء نفسه فليس له حق إعادته على الحائط ثايا إلا بإذن صاحبها أو عند الضرورة بحيث لا يجد وسيلة للسقف إى بإنكار على هذا الحاشئط فإن الإعارة في هذه الحالة تكون لازمة . وكذا إذا أعار أرضا ليزرعها فليس له الرجوع قبل الحصاد
وإذا أراد أن يدفع قيمة الزرع ليملكه ويسترد عاريته فإنه لا يجاب إى ذلك إلا إذا رضي المستعير . نعم له أن يأخذ أجرة مثل الأرض إذا كان الزرع يمكن حصاده وقت طلب العارية من حين رجوعه إلى حين الحصاد وليس له أن يأخذ أجرا فيما عدا ذلك من الأمثلة التي ذكرت قبل كأجرة على سفينة أو حائط أو نحوهما
وإذا أعار أرضا ليغرس أو بيني فيما حجرة . فإن في ذلك تفصيلا وهو إما أن يشترط صاحب الأرض على المستعير أن يقلع شجره أو يهدم بناءه في وقت كذا أو متى رجع المالك عن إعارته أو لا يشترط فإن عومل المستعير بهذا الشرط ولصاحب الأرض أن يطالبه بإزالة الشجر وهدم البناء في الوقت المعين أو عند رجوعه حسبما شرط بدون حق للمستعير في المطالبة بما ينقصه شجره بعد القطع أو بناه بعد الهدم لأن المؤمنين عند شروطهم . ويلزم المستعير أن يسوي الأرض إذا حصل فيها حفرة بقلع الشجر أو هدم البناء إلا إذا شرطه عليه صاحبها قبل أن يعيرها إياه أما إذا أعاره الأرض بدون أن يشترط عليه شيئا فزرع فيها شجرا أو بنى فيها بناء ثم طلبها فإن المستعير لا يلزم بالقلع ولا بالهدم إلا ضمن له المستعير ما ينقص من قيمة بنائه وشجرة فإذا ضمن البناء أو الشجر فإن المستعير عليه . وأجرة القلع أو الهدم تكون على المستعير ولصاحب الأرض أن يأخذ الشجر أو البناء بقيمته ولو لم يرض المستعير . وليس للمستعير بقيمتها بدون رضا صاحبها متى رضي صاحبها بدفع النقص أو الشراء وإذا أبى صاحب الأرض أن يدفع بيع الأرض النقص أو يأخذ الشجر أو البناء فإنه لا يجبر على ذلك ولكن للمستعير في هذه الحالة أن يطلب بيع الأرض الأرض له ويجبر المعير على البيع دفعا للنزاع لأنه أبى قبول الزرع أو البناء بقيمته فعليه أن يبيع الأرض بقيمتها فإذا لم يرض المستعير ولم يرض بالشراء ولم يرض المالك النقص يترك الشجر والبناء قائمين يتفقا
المالكية - قالوا : تنقسم العارية إى ثلاثة أقسام :
الأول : العارية المقيدة بالزمن كأن يقول له : اعرتك هذه الدار شهرا أو سنة أو نحو ذلك
الثاني : العارية المقيدة بالعمل كأن يقول له : اعرتك ثوري لتطحن عليه إربا أو لتحرث به فدانا أو اعرتك جملي لنتقل عليه جرنك أو نحو ذلك فإن العارية في هذه الأمثلة مقيدة بالعمل الذي استعيرت من أجله
الثالث : العارية المطلقة وهي ما لا تقيد بزمان أو عمل كان يقول له : اعرتك هذه الأرض أو هذه الدابة أو الدار أو هذا الثوب
وحكم المقيدة بقسمتها اللزوم إلى انتهاء القيد فليس لصاحبها الحق في استرجاعها قبل فراغ الأجل ونهاية العمل فلا يصح له ان بعيره ثورا ليحرث له فدانا ثم يأخذ منه قبل نهاية حرث الفدان وهكذا
وحكم المطلقة أن لصاحبها الحق في ردها متى شاء الراجح ما لم يترتب على ردها ضرر بالمستعير فإذا أعار أرضا مطلقة فله استراجاعها قبل أن يشغلها المستعير بالزرع متى أرد ولو بعد مضي الزمن الذي جرت العادة به مثل ذلك العادة يعمل بها كالشرط . وذلك هو الراجح
أما التعويض فهو قيمة ما بنى به من مواد وأجرة عمال إن كانت المواد مملومة له أما إن كان قد اشتراها بغبن فاحش أما إذا اشتراها بغبن فاحش فلا يلزم صاحب الأرض إلا يالقيمة . وكذلك يدفع النقات نفسها إن كان جديدا لم يستعمل ولم تتغير حاله أما إذا مضى عليه زمن كويل فإنه يلزم بدفع قيمته وقت استرداده
فإذا كانت استعارة الأرض مقيدة بزمن أو لم تكن مقيدة بزمن مضى المعتاد بالنسبة لها فإن صاحب الأرض بالخيار بين أن يأمر بهدم البناء وقلع الشجر وتسوية الأرض كما كانت وبين أن يدفع قيمته انقاضا بعد إسقاط أجرة من يهدم ويستوي الأرض إذا كان المستعير لا يتولى ذلك بنفسه فإذا تولى المستعير ذلك بنفسه لا تحسب عليه أجرة الهدم
الشافعية - قالوا : العارية تنقسم قسمين : مطلقة مؤقتة بوقت معين وهي عقد جائز من الطرفين فيجوز للمستعير أن يرد العارية كما يجوز لصاحبها أن يطلبها متى أراد إلا في أمور فإنها تكون لازمة
منها : ان يعيره سفينة لينقل عليها متاعه من شاطئ إلى شاطئ فإنه لا يجوز له ان يستردها في وسط البحر والمتاع موجود فيها وإنما له أن يستردها قبل أن تقوم ولصاحبها في هذه الحالة أجرة المثل من وقت طلب ردها إلى أن تصل إلى الشاطئ
ومنها : ما إذا أعاره سترة يضعها أمامه في الصلاة فإنه لا يجوز أن يستردها حتى تنتهي الصلاة
ومنها : ما إذا أعاره أرضا لزرعها فإنه لا يجوز له أن يسترد العارية قبل الزرع حصاده
وإذا أعاره أرضا للبناء عليها أو لغرس الشجر فإن ذلك يكون على وجهين :
الأول : أن يعيره الأرض للغرس عليها أو البناء بشرط أن بقلع ما غرسه أو يهدم ما بناه عندما يطلب منه العارية . وفي هذه الحالة يلزم المستعير أن يقوم بالشرط أيضا وإلا فلا فإذا امتنع المستعير عن قلعه فللمعير أن يقلعه وإذا احتاج القلع إلى نفقه صرفها بإذن القاضي فإن لم يجد صرفها بية الرجوع وأشهد على الصرف
الوجه الثاني : أن يعيره الأرض ليبني عليها أو يغرس فيها بدون أن يشترط عليه القلع او الهدم عند استرجاع العارية . وفي هذه الحالة إن أجابه المستعير وقلع غرسه وهدم بناءه باختبار فذاك وعليه في هذه الحالة تسوية الأرض وإن لم يشترطها عليه صاحبها لأنه فعل باختياره . وإن امتنع من القلع أو الهدم فلا يجبر عليه وخبر بين ثلاث خصال :
أحدهما : ان يشتري ما بناه المستعير أو رغسه بقيمته بعقد مستقل مشتمل على إيجاب وقبول وبذلك يكون البناء أو الشجر ملكا لصاحب الأرض
ثانيهما : أن يقلع الشجر أو يزيل البناء . وبشرط أن يدفع ما ينقصه ثمنه عند بيعه أنقاصا أو خشبا مقلوعا فإذا كان يساوي ثمن البناء او الشجر قائما عشرة وإذا قطع أو هدم بيع ثلاثة كان صاحب الأرض ملزما بدفع سبعة وأجرة القطع والهدم على المستعير . أما أجرة نقل النقاض فهي على المالك قطعا
ثالثهما : أن يبقى الشجر قائما بأجرة على أن تكون الإجارة مؤيدة لجهالة المدة فإذا اختار الأجر كان للمستعير الحق في أن يقلع الشجرة ويغرس بدلها في محلها وسواء من جنسها أو من غير جنسها
وإن كان مستأجرا لجميع الأرض فإنه يصح له أن يؤجرها ما بين المغروس . ولا بد من عقد إجارة مستقل على المعتمد فإن لم يتعاقدا قدرت أجرة المثل
فإن امتنع المالك عن أن يختار واحدا من هذه الثلاث وامتنع المستعير عن أن يقلع باختباره تركا حتى يختار واحد منهما ما له الخيار فيه ويبقى قائما حتى تنتهي ولكل منهما أن يدخل لملاحظة ما يخصه بشرط أن لا يترتب على دخوله ضرر وليس لصاحب الأرض حق في الأجرة مدة التوقف على الأوجه
ويشترط لتخيير المالك بين هذه الخصال ثلاثة شروط :
الأول : أن يكون في قلع الشجر أو هدم البناء نقص في قيمتها فإن لم يكن تعيين القلع أو الهدم بلا نزاع فإنه لا ضرر على المستعير حينئذ وللمالك الحق في الاسيلاء على ملكه لا ضرر
الثاني : أن لا يكون المستعير شريكا تعيين بقاء الشجر أو البناء باجرة المثل فليس له القلع مع دفع نقص الثمن لأن معنى الأرض وليس للمالك حق شرائها بدون رضا مالكها
الثالث : أن لا يكون ذلك قلع الشجر المملوك لغيرك أو المفروض أنه شريك في كل أجزاء الشجر فيه ثمر قد صلاحه وفي هذه الحالة يجب انتظار المالك حتى يجنى ثمره ثم يكون له بعد ذلك الخيار
وإذا وقف صاحب الأرض أرضه كان الناظر مخيرا بين هذه الخصال المذكورة بشرط أن لا يختار دفع الثمن إلا إذا كان دفع الثمن إلا إذا كان فيه مصلحة للوقف أما إذا وقف المستعير بناءه أو شجره فإن للمالك الخيار أيضا ولا يملكه بالقيمة فإن الوقف لا يملك نعم شراؤه إذا تبرع به للجهة اللموقوف عليها ولكل من المعير والمستعير أن يبيع ماله كغيره مما يملك



مبحث ما تضمن به العارية وما لاتضمن

- المستعير أمين في نظر الشريعة الإسلامية لأن العارية التعاون الموجب للتواد ولا معنى لهذا إلا أن يكون كل واحد منهم ذا غيره على مال أخيه خصوصا المستعير فإنه ينبغي له أن يبالغ في المحافظة على العارية التي بذلها له أخوه لمجرد المعونة تقديرا لفضله واعترفا بما له من جميل إذ لا يليق به أن ينسى منه مالك العارية وسماحته فيستهين بماله ويخونه فيما أباحه له من منفعة فيؤديه بذلك ومن يفعل ذلك يكون ذئبا ضاريا لا يصح أن يكون فردا من أفراد النوع الانساني الذي لا بد من التعاون والتواد
من أجل ذلك كان الشأن في المستعير المانة والحرص على العارية فإذا أصابها تلف أو هلاك فإن المستعير لا يكون مسؤولا عنها يكون بمنزلة صاحبها
أما إذا خرج عن طبيعته واستهان بها فهلكت أو تلفت كان مسؤولا عنها وذلك في أمور مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : لا تضمن العارية من غير تعد فإذا أعار شخص دابته لآخر فلم يرهقها ولم يفرط في حفظها ولم يتعد عليها فماتت فإنها تضيع على صاحبها ولا يلزم المستعير بدفع شيء وإذا أعاره الدابة وشرط عليه ضملنها كان الشرط باطلا لا يعمل به وإنما تضمن العارية ويلزم بها المستعير في أمور : منها أن تكون مستحقة للغير
فإذا استولى شخص على دابة مملومة لغيره ثم أعارها فهلكت عند المستعير كان المستعير ملزما بها لأن صاحبها الأصلي لم يعره فعليه ان يدفع قيمتها ولا رجوع له علىالمعير متبرع لم يأخذ شيئا ولصاحب الدابة أن يلزم لها المعير ولا رجوع على المستعير
ومنها : أن يؤجرها المستعير أو يرهنها فإذا أعاره دابة ليقطع مسافة فأجرها المستعير فهلكت عند المستأجر فإن المستعير يلزم بها المستأجر على المعير إذا كان لا يعلم أنها عارية أما إذا كان يعلم ما يدفعه يضيع
وكذا رهن الدابة فهلكت في يد المرتهن فإن للمعير أن يلزم بها المستعير
ويلزم بها المرتهن فإذا دفع قيمتها المرتهن ضاعت عليه ولا يرجع على المستعير بشيء سوى دينه الأول الذي من أجله ارتهن الدابة
ومنها : أن يعير العارية بدون إذن صاحبها إذا كانت من الأشياء التي تختلف باختلاف المستعمل فإذا أعاره دابة ليركبها فليس له أن يعيرها لغيره بدون إذن صاحبها لأن الدابة يختلف حالها باختلاف مستعملها فإن قد يركبها رجل سمين لا تقولاى على حمله ورجل نحيف لا يرهقها السير . وقد يستعملها بعض الأفارد برفق وبعضهم بقسوة وعنف إلى غير ذلك . فإذا أعار شخص دابته لمن يظن فيه الرفق وحسن الاستعمال فلا يجوز له ان يعيرها لغيره إلا بإذن صاحبها . ومثل الدابة الثوب فإن استعماله يختلف المستعمل فإذا أعارها لشخص آخر وهلكت كان المستعمر الأول ضامنا أما إذا أذنه صاحبها بإعارتها صراحة قال أعرني
هذه الدابة على أن أركبها وأركب من أشاء أو اعرني هذا الثوب لألبسه أنا وأعيره لغيري هذه الدابة على أن أركبها وأركب من أشاء أو أعني الثوب لألبسه لغيري كما أشاء فإنه في هذه الحالة يجوز له إعارتها وإذا هلكت لا يضمن ومن استعار دابة ونحوها على ان يركبها هو أو يركبها من يشاء بهذا الإطلاق ثم ركبها هو أول مرة فإنه لا يصح له أن يعطيها لغيره ليركبها بعد ذلك وكذا إذا اعطاها لغيره فركبها مرة ثانية فإنه لا يصح أن يستعملها هو فأي الأمرين فعل يعين ابتداء فلا يجوز له العدول عنه إلى غيره
ومثل ذلك ما إذا استعار ليحمل عليها متاعا أو ليركبها فإنه متى شاء فعل أحد المرين مرة تعين فلا يجوز العدول عنه إلى الأمر الثاني
هذا كله إذا كانت العارية تختلف باختلاف المستعمل كما بينا أما إذا كانت لا تختلف كما إذا أعاره آلة ( ميكانيكية )
ليحرث بها أرضه فأعار لجاره مع تساوي الأرضين وضروف العمل من كل وجه لا يضمن وإذا قيد المعيرلا يوقت خاص فاستعملها في غير ما قيده فهلكت فغن كانت مخالفة إلى شر فإنه يضمن وإلا فلا مثلا إذا استعارها ليحمل عليها كيسا من الملح فحمل عليها كيسا من الشعير فماتت فإنه لا يضمن لأن المعلوم أن الشعير أخف من الملح وأهون على الدابة وكذلك لا يضمن إذا حمل كيسا يساوي وزنه كيس الملح من أي نوع من الأنواع أما إذا حمل عليها كمية من الحديد يزيد وزنها عن كيس الملح فإنه يضمن
ومنها : أن تكون العارية مؤقتة بوقت فيمضي وقتها ولا يردها المستعير فتموت وهي تحت يد المستعير فإنه يضمنها وليس له أن يقول إن ربها تركها لأن نفقة الرد على المستعير فيجب عليه ردها عند نهاية الوقت وإلا ضمن بخلاف ما إذا استعار سلعة ليرهنها فإن نفة ردها على صاحبها أن يرجع على المستعير وذلك لأن صاحبها ينتفع برهنها لأنها تصير مضمونة ثم يمسكها المستعير بعد ذلك ثم يردها المستعير يالقيمة ومنها : أن تكون العارية مؤقتة ثم يمسكها المستعير بعد ذلك ثم يردها إلى صاحبها مع آخر فتموت أو تتلف فإن المستعير يضمنها لأنه تعدى بإمساكها بعد المدة فعليه الضمان أنا إذا أرسلها قبل مضي المدة فإنه لا يضمن وذلك لأنه قبل مضي المدة فعليه الضمان أما إذا أرسلها قبل المدة فإنه لا يضمن وذلك لأنه قبل المدة يكون باقيا على وصف المستعير يصح له أن يودع على المختار فإذا أعطاها لأجنبي كانت وديعة عند ذلك الأجنبي وذلك حق من حقوق المستعير فإذا هلكت لا يضمن أما بعد مضي المدة فإن المستعير يكون وديعا وليس للوديع غيره فإذا أعطاها لغيره فهلكت ضمن
ومن هذا تعلم أنه إذا أرسلها قبل مضي المدة مع الغير فإنه لا يضمن سواء كان ذلك الغير أجنبيا أو خادما أو غيرهما لأن المستعير له أن يعير في بعض الأحوال فكذلك له الإيداع في باب أولى
أما بعد انقضاء المدة فإنه يضمن على أي حال سواء أرسلها مع أجنبي أو مع أجيره أو خادمه ومنها : أن يستعير قلادة من ذهب ثم يلبسها الصبي لا يحفظ لباسه لعدم تمييزه فإذا سرقت ضمنها لأنه بذلك يكون مفرطا
ومنها : أن يضع العارية بين يديه ثم ينام مضطجعا فتضيع فإنه لتقصيره في حفظها
أما إذا أخذه النوم وهو جالس فضاعت فإنه لا يضمن لعدم تعمد التفريط في هذه الحالة واعلم أن كل أمين ادعى إيصال الأمانة إلى صاحبها فإنه يقبل قوله بيمينه كالوديع إذ ادعى رد الوديعة والمستعير إذا دعى رد العارية وغيرهما
المالكية - قالوا : العارية إما أن تكون من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالثياب والحلي ونحوهما مما يمكن وضعه في صندوق أو ( دولاب )
أو نحو ذلك وتسمى ( مما لا يغاب عليه )
أس مما يمكن إخفاؤه
وإما أن تكون من الأشياء التي لا يمكن إخفاؤها كالعقار والحيوان ولو صغيرا كاطير فإن هذه الأشياء لا يخفيها الناس ( مما لا يغاب عليه )
أي وستره عن العين في العادة
فإن كانت من الأشياء الت يمكن إخفاؤها فإن المستعير يضمنها إذا تلفت أو هلكت إلا قامت البينة على أنها تلفت بغير سببه وأنه ما قصر في حفظها فإذا لم تشهد البينة له بذلك فإنه يلزم بضمان ما ضاع بسرقة أو حرق أو كسر وغيره . أما ما فسد فسادا فإنه يلزم بقيمة النقص الذي وإن كان الفساد كثيرا ضمن الكل
وإذا شرط المستعير نفي الضمان عن نفسه فهل يصح شرطه أو لا ؟ خلاف : والأرجح أن شرطه لا يقبل عليه ضمان ما ضاع أو فسد ولو شرط براءته من الضمان ابتداء فيغرم المستعير قيمة العارية يوم ضياعها إن كان ذلك اليوم معروفا للشهود . فإذا شهد الشهود انهم رأوها عنده منذ خمسة أيام وكانت تساوي في ذلك التاريخ عشرة يلزم بالعشرة أما إذا لم يرها أحد ولم يعلم تاريخ فقدها فإنه يلزم بقيمتها يوم إعارتها فإن كانت تساوي يوم إعارتها عشرة وتساوي وقت ادعاء ثمانية يلزم المستعير يالعشرة وإن كانت وقت إعارتها تساوي عشرة ووقت ادعاء ضياعها تساوي ثمانية يلزم بالأكثر فيغرم العشرة . على أنه إنما يدفع قيمتها كاملة إذا لم يكن استعماله إياها في مدة الاستعارة بما هو مأذون فيه غير منقص لقيمتها أما إذا كان منقصا لقيمتها بعد إسقاط ذلك النقص لأنه مرخص له فيه فأصبح حقا من حقوقه
أما إذا كانت العارية من الأشياء التي لا يمكن غخفاؤها فإن المستعير لا يضمنها وإذا شرط عليه المعير الضمان . ويكون شرطه لغوا لا قيمة له ولكن يكون عليه الضمان إذا استعملها المأذون له فيه من صاحبها أو أقل منه مساويا له فإذا أعاره دابة ليحمل عليها أردبا من البر مصر إلى القناطر الخيرية مثلا فحمل عليها ذلك الإردب بعينه فعطبت فإنه لا يضمن وكذا إذا حمل عليها إردبا مثله في الثقل كإردب من العدس ومن باب أولى وإذا حمل إردبا أخف منه كإردب من الشعير فإنه في هذه الأحوال لا يضمن
أما إذا حمل ما هو أثقل من المباح له كأن حمل حجارة أو ملحا بدل الحنطة فعطبت به فإنه يضمن
ومثل ذلك ما إذا اكترى دابة لحمل أو ركوب فأكراها لغيره فإن مثل ما اكتراها له فعطبت فإنه لا يضمن وإن في أثقل فإنه يضمن
الشافعية - قالوا : لا يضمن المستعير العارية إذا تلفت كلها أو بعضها إلا بعضها إلا إذا استعملها استعمالا غير مأذون فيه فإذا أعاره دابة فحجمل عليها متاعه وأزعجها بالسير فانطلقت تعدو حتى وقعت في حقفرة فماتت فإنه يضمنها لأن موتها تسبب عن استعمال غير مأذون فيه
أما إذا ماتت حال الاستعمال المأذون فيه كما إذا حمل عليها القدر الذي أذن له فيه صاحبها أو أقل منه أو مساويا ولم يزعجها بالضرب ونحوه ولكنها عطبت بسبب ذلك القدر المأذون فهلكت فإنه لا يضمن
أما إذا هلكت بسبب آخر المأذون باستعماله فإنه يضمن
كما إذا استعار لاستعماله في ساقيه الثور في الساقية فإنه يضمنه مات بسبب غير الاستعمال فإنه يضمنه لأنه مات بسبب غير الاستعمال المأذوم فيه
وإذا أعاره ثوبا فذاب من الاستعمال فإنه لا يضمنه
أما إذا نام به فبلي فإنه يضمنه لأنه لم يأذنه يالنوم فيه
وإذا اختلفا في كون التلف من الاستعمال المأذون فيه أو لاصدق المستعير بيمينه على المعتمد لأن الأصل براءة ذمته
ولا يشترط في الضمان أن تكون العارية في يد المستعير بل يضمن ولو كانت في يد صاحبها
مثال ذلك أن يطلب شخص من آخر أن يحمل متاعه على دابته وهو سائر وليس عليها شيء فيجيبه إلى طلبه ويسيرا معا . وبذلك تكون الدابة عارية لصاحب المتاع فإذا أزعجها بالسير فعطبت وماتت ضمنها المستعير . أما إذا ماتت بثقل الحمل فإنه لا يضمن
وإذا استعار عارية بشرط عدم الضمان يفسد العقد على النعتند
والضمان بالقيمة لا بالمثل وإن كانت العارية من المثليلت كالخشب والحجر . وبعضهم يقول بل الضمان بالمثل في المثليات . ولكن إليه وقت تلفه حتى لا يكلفه يدفع ما أذهبه بالاستعمال المأذون له فيه في الماضي
وإذا اكترى شخص دابة من آخر ثم أعارها لغيره فهلكت في يد المستعير فإنه لا يضمن لأنه أعار المنفعة التي يستحقها والرقبة غير مملوكة له
الحنابلة - قالوا : العارية متى قبضها المستعير في ضمانا كان الشرط فاسدا لا يعمل به ويستثنى من ضمان العارية كتب العلم الموقوفة
فمن استعار كتابا موقوفا وتلف بغير تعد ولا تفريط لم يكن ملزما به لأن المستعير أحد الموقوف عليهم طبعا . فتلف الكتاب في يده بلا تعد ولا تفريط يرفع عنه الضمان
وبخلاف ما إذا كان الكتاب مملوكا أو موقوفا على معين فإذا تلف عنده ضمنه
وإذا تلفت العارية بالاستعمال أو بطول الزمن فإنه لا يضمنها لأن الأذن في الاستعمال الائق بالشيء إذن باستهلاكه
ولا يشترط في العارية تعيين نوع الانتفاع فإذا أعاره عارية مطلقة فله أن يستعملها بما جرت به العادة والعرف
وإذا استعمله في غير ما جرى به العرف كما إذا أعاره ثوبا فاستعمله في الاستظلال به من الشمس فإنه يضمن ما نقص من قيمته بسبب ذلك الاستعمال
وليس للمستعير أن يعير غيره أو يؤجر إلا بإذن مالك العارية فإذا فعل وتلفت العارية عند الثاني كان لصاحبها أن يلزم بها من شاء منهما . ولكن الرجوع على الثاني
وإذا أجر المستعير العارية بإذن صاحبها فالأجرة لصاحبها



مباحث الهبة


تعريفها

- كل من شأنه أن يقرب من قلوب الناس فيها المحبة ويؤكد روابط الود مطلوب في نظر الشريعة الإسلامية ويتفاوت طلبه بتفاوت حاجة الناس إليه فما كان لازما ضروريا لحياتهم كان القيام به فرضا لازما على كل فرد من الأفراد كزكاة الأموال التي فرضها الله تعالى بقوله : { والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم } لأن لا بد منه في هذه الحياة الدنيا أن يوجد أفراد بين الناس عاجزون عن سلزك سبل الحياة وتحصل الضروري من القوت
فمن المفروض إنقاظ هؤلاء وإعطائهم ما يدفع غائلة الجوع والعري
أما ما زاد على ذلك من إنفاق المال وبذله فهو مندوب لما فيه من إيجاد التألف والتحاب فالهبة مندوبة رسول الله صلى الله عليه و سلم " تهادوا تحابوا "
فمن تصدق بهيبته التحبب إلى الناس روابط الأخوة الإسلامية التي قال الله تعالى في شأنها { إنما المؤمنون إخوة } وقصد امتثال النبي صلى الله عليه و سلم فإنه يثاب على هبته بقدر نيته
أما من وهب ماله أو اهاده لغرض خسيس لا يقره ورسوله فإنه يعاقب بقدر نيته . كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إنما الأعمال بالنيات "
ومعنى الهبة في اللغة التفضل على الغير ولو مال قال الله تعالى : ( فهب لي من لدنك وليا )
أما معناها في اصطلاح الفقاء ففيه تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : الهبة تمليك العين بلا شروط العوض في الحال
ومعنى ذلك ان الشخص الذي يملك عينا صحيحا يصح له أن يملكها غيره من غير أن يتوقف ذلك التمليك على عوض يأخذه صاحب العين المرهوب له
وهذا لا ينافي أن للمالك أن يهب تلك العين بشرط أن بأخذ عوضا وهي الهبة بشرط العوض لأن الغرض نفى كون مشروطا في صحة الهبة
أما كونها قد لا يفعلها إلا الوض فذلك كما إذا قال له وهبتك هذه الدار بشرط أن تعطني مائة جنيه
فقوله تمليك جنس يشمل البيع والهبة وغيرهما
وقوله العين فصل يخرج تمليك المنافع من إجارة وعارية ونحوهما . ولكنه يخرج هبة الدين لغير المدين لأن الدين لا يسمى عينا
فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا على آخر فوهبها لشخص آخر وأمره بقبضها فإن الهبة تصح لأن الموهوب له أن بقبض المائة أولا بالنيابة عن صاحبها ثم يكون قابضا لها عن نفسه لأنها موهوبة له
نعم لا تصح الهبة إلا إذا امره بالقبض . ولا تلزم إلا بالقبض فإذا رجع الواهب قبل القبض بطلت الهبة
الجواب : ان الدين وغن كان لا يسمى عينا وهو دين إلا أنه يصير مالا بعد أن يأذنه بالقبض ثم يقبضه بالنيابة فإنه يصير بعد ذلك عينا لا دينا فتصح هبته فالمراد ما هو في الحال أو المآل
أما هبة الدين لمن عليه الدين فإنها ليست هبة حقيقة بل هي مجاز عن إبرائه من الدين فهي إسقاط وإن كانت بلفظ الهبة
وقوله بلا شرط العوض فصل أخرج البيع ونحوه مما يشترط فيه العوض ولكن تدخل فيه الصدقة لأنها تمليك العين بلا عوض
وأجاب بعضهم بأن التعريف هنا تعريف بالأعم وهو جائز في مثل هذه التعارف وقد يقال إن الصدقة ملاحظ فيها وجه الله تعالى فقط
أما الهبة فيلاحظ فيها خاطر الموهوب له سواء كان ذلك مع ملاحظة وجه الله أو لا كما يقول المالكية فإذا لوحظ ذلك في التعريف يكون حسنا
وقوله : في الحال فصل يخرج الوصية لأنها تمليك بلا عوض في المستقل
المالكية - قالوا : الهبة تمليك لذات بلا عوض لوجه الموهوب له وحده وتسمى هدية
ومعنى ذلك أن الشخص الذي عينا ملكا صحيحا له أن يملكها غيره بدون مقابل يأخذه مرضاة لذلك الشخص بقطع النظر عن الثواب الأخروي فالتمليك على هذا الوجه يسمى هبة
فقوله تمليك جنس يشمل الهبة والبيع ونحوهما
وقوله : لذات فصل يخرج المنافع كالعارية والوقف ونحوهما
وقوله : بلا عوض فصل يخرج ونحوه مما يشترط فيه العوض
وقوله : لوجه الموهوب له الخ فصل الصدقة لأنها تمليك لوجه الله تعالى وحده أو تمليك بقصد مرضاة الشخص ومرضاة الله على الراجح
وقيل الصدقة هي ما قصد بها ما قصد بها وجه الله وحده بدون ملاحظة المعطى ( بالفتح )
الشافعية - قالوا : الهبة تطلق على معنين :
أحدهما : عام يتناول الهدية والصدقة
ثانيهما : خاص بالهبة ويقال لها ذات الأركان
فالمعنى تمليك تطوع حال الحياة فالتمليك خرج عنه ما ليس فيه تمليك كالعارية والضيافة والوقف لأنها إباحة وخرج بالتطوع التمليك القهري كالحاصل بالبيع هل الزكاة والنذر والكفارة كالبيع يقع فيها التمليك قهرا أو هي لا تمليك فيها بل هي من قبيل وفاء الدين ؟
والجواب : أن المستحقين في هذه الأشياء ملكهم قبل ان تدفع إليهم فإذا حال الحول على المال أصبح ملك المستحقين للزكاة متقررا في ذمة المكلف فإعطاؤها للذمة لا تمليك جديد ومثلها النذر والفارة . وقوله الحياة أخرج الوصية
فالمتطوع بتمليك ماله من غير عوض حال حياة يقال له : مصدق ومهدي وموهب أما المعنى الخاص فهو مقصور على الهبة وهو تمليك تطوع في حياة لا لإكرام ولا ثواب أو احتاج بإيجاب وقبول
فقوله : لا لأجل ثواب أو احتياج أخرج الصدقة لأن المقصود منها الثواب الأخروي أو سد حاجة الفقير
وكذلك قوله بإيجاب وقبول فإن الصدقة والهدية لا يشترط فيها الإيجاب والهبة بهذا المعنى هي مقصودة عند الإطلاق
ومن هذا تعلم أن الصدقة هي تمليك تطوع حال الحياة لأجل الثواب أو الاحتباج وهذا المعنى يسمى هبة والهدية تمليك تطوع كذلك لقصد الإكرام الخ . وهذا المعنى يسمى هبة أيضا فكل صدقة هبة وكل هدية هبة
أما الهبة بالمعنى الخاص فلا تسمى صدقة ولا هدية . فإذا حلف لا يتصدق أو لا يهدي ثم وهب بالمعنى الخص فإنه لا يحنث
أما إذا حلف لا يهب ثم تصدق أو أهدى فإنه يحنث
ويمكن اجتماع الثلاثة فيما إذا أعطى له شيئا إكراما وقصد ثواب الآخرة تأتى بإيجاب وقبول فهذا يقال له هبة وصدقة وتنفرد فيما إذا يقصد الثواب أو الإكرام ويأتي بالإيجاب والقبول
أما الصدقة والهدية فإنهما لا ينفردان لأن الإعطاء مع الإكرام يسمى هدية وهبة وكذلك الإعطاء مع قصد الثواب
الحنابلة - قالوا : الهبة تمليك جائز التصرف مالا معلوما أو مجهولا تعذر علمه موجودا مقدورا على تسليمه غير واجب في هذه الحياة بلا عوض
فقوله : تمليك جائز التصرف معناه أن يكون لشخص مال مملوك فيملكه ( يعطيه )
لغيره بشرط أن يكون صاحب المال أهلا للتصرف ( مكلف رشيد )
وقوله : ( مالا )
يشمل العقار الثابت والمنقول فإنه يصح هبته
وقوله : ( معلوما أو مجهولا تعذر علمه )
معناه أن المال الذي يوهب لا بد أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا علمه كما إذا اختلط قمح شخص بقمح جازه فإنه يصح أن يهب أحدهما قمحه لصاحبه
وقوله : موجودا خرج المعدوم فلا يصح هبة قبل أن تحمل به
وقوله : مقدورا على تسليمه خرج ما ليس كذلك كالطير في الهواء فإن هبته لا تصح
وقوله : غير واحب خرج به المال الواجب بذله كمال الزكاة والنذر والكفارة فإنه ليس بهبته
وقوله : بلا عوض خرج به البيع ونحوه
والهبة والهدية والصدقة والعطيه بمعنى واحد وهو تمليك في الحياة بلا عوض إلا أنها تختلف بالنية
فإذا أرد بإعطائه ثواب الآخرة فقد كانت صدقة
وإن قصد إكراما وتوددا ومكافأة كانت هدية
وإن لم يقصد شيئا كانت هبة وعطية



مبحث أركان الهبة وشروطها

- أركان الهبة ثلاثة : عاقد وهو الواهب والموهوب له وموهب وهو المال وصيغة . وكل ركن من هذه الأركان له شروط مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية قالوا : الهبة ركن واحد وهو الصيغة وهل هي الإيجاب والقبول معا أو الركن الإيجاب فقط ليس ركنا فإذا قال : وهبت داري لفلان صحت الهبة ولو لم يقبل الموهوب له ؟ خلاف . فمنهم من يقول : إن الهبة تصح بمجرد الإيجاب والدليل على ذلك أنه لو حلف أن لا يهب شيئا من ماله ثم وهب ولم يقبل الموهوب له فغن يحنث فلو لم تصح الهبة بمجرد الإيجاب لما حنث
ومنهم من يقول لا بد من القبول قولا فلا تصح الهبة إلا به أما حنثه بمجرد الإيجاب المذكور فإنه مبني على أن غرض الحالف بقوله : والله لا أهب عدم إظهار الجود فإذا أظهره فقد حنث وقد أظهر بمجرد الهبة وإن لم تتحق ماهيتها
والدليل على ذلك أنه ألقى مالا في الطريق ليكون لمن يرفعه فإنه يصح ويكون هبة . وقد عرفت أنه لا يشترط أن يكون الإيجاب والقبول لفظا فلو قال شخص لولديه وهبت هذه الدابة لأحدهما فأيكما أخذها تكون له فأخذها أحدهما صحت الهبة . وتنعقد الهبة بالتعاطي فإذا كان معروفا بين اثنين أحدهما قد وهب دابته للآخر فأعطاها المالك فأخذها بدون أن يتلفظا بالإيجاب والقبول فإنه يصح
الحنفية - قالوا : شروط الهبة انواع :
نوع يتعلق بالركن المذكور ونوع بالموهوب وهو المال يتعلق بالواهب
فأما الذي يتعلق بالركن فهو أن لا يكون معلقا على شيء غير محقق الوقوع كقوله : وهبت لك هذه الدار متى حضر أخوك من السفر أو إن أمطرت السماء أهب لك هذه الدابة أو نحو ذلك لأن الحضور من السفر ونزول المطر أمر محتمل . وأن لا يكون مضافا إلى وقت بأن يقول : وهبت لك هذا الشيء غدا أو أول الشهر أو نحو ذلك
ومن ذلك ما إذا قال له : داري لك رقبي ( بضم الراء القاف )
وعناه إن مت أنا فهي لك وإن مت أنت فهي لي فهي معلقة بموت صاحبها وهو يحتمل أن يموت قبل الموهوب له وبعده فهي معلقة على أمر غير محقق فلذا كانت غير صحيحة وإذا كانت هبة غير صحيحة فتكون عارية وسميت رقبى لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه وقيل تكون هبة ويلغو الشرط أما الألفاظ التي تنعقد بها الهبة فهي كل لفظ يدل على تمليك الرقبة كقوله : وهبت لك هذه الدار أو نحلت بمعنى أعطيت أو أعطيت أو أطعمتك هذه الغلة ومثل ذلك ما إذا أضاف إلى جزء يعبر عنه الكل كقوله : وهبت لك رقبة هذه الدابة أما إذا أتى بلفظ يدل على تمليك المنفعة كانت عارية كقوله : أعرتك هذه الدار أو أطعمتك هذه الأرض لأن الأرض لا تطعم وإنما تطعم الغلة فتدل هذه العبارة على إعارة الأرض لا على تمليكها وإذا أتى يحتمل الأمرين ينظر إلى نية القائل مثل أن يقول : حملتك على هذه الدابة أو أعمرتك هذه الدار أي جعلتها لك طول عمرك فإن المحل يحتمل أن يراد به إعارتها مؤقتا ويحتمل أن يكون دائما
وأما قوله : جعلتها لك طول عمرك أو عمري فإنه يحتمل أن يريد جعل له منفعتها أو جعل له رقبتها . فإذا دفعها إليه ونوى الهبة وإلا كانت عارية
وإذا قال له : ملكتك هذه الدار أو هذا الثوب فإنه لا يكون هبة إلا إذا قامت قرينة على الهبة لأن التمليك يصدق على البيع والهبة والوصية وبعضهم يقول إنها هبة
وإذا قال : جعلت هذا البستان باسم ابني ولم يقل جعلته له فقيل : يكون هبة وقيل لا يكون والظاهر أنه يكون هبة لأن العرف جار على ذلك
بل لو قال : غرسته باسم ابني فلان ولم يقل جعلته يكون هبة لأن العرف على انعقاد الهبة بمثل ذلك
وأما الشروط المتعلقة بالواهب فأمور :
منها : أن يكون حرا فلا تصح هبة الرقيق
ومنها : أن يكون عاقلا محجور عليه فلا تصح هبة المجنون والمحجور عليه
ومنها : أن يكون بالغا فلا تصح هبة الصغير
ومنها : أن يكون بالغا فلا تصح الصغير
ومنها : أن يكون مالكا للموهوب فلا تصح ما ليس بمملوك
أما الموهوب له فإنه لا يشترط فيه وذلك الهبة للصغيرة ونحوه
نعم إن كان الواهب يعول الصبي كالأخ عدم الأب فإن الهبة تتم بالإيجاب وحده
أما إذا وهب له أجنبي فإن الهبة لا تتم إلا بقبض الولي وهو أربعة :
الأب ثم وصيه ثم الجد ثم وصي الجد
وعند عدم وجود أحدهم تتم بقبض من يعوله كعمه وامه وأجنبي . فإن كان الصبي مميزا فإنها تتم بقبضه هو ولو وجود أبيه لأنها من مصلحته
وأما الشروط التي تتعلق بالموهوب فأمور :
منها : أن يكون موجودا وقت الهبة فلا تصح ما ليس بموجود وقت العقد بان وهب له ثمر بستانه في العام المقبل أو ما تلد أغنامه بعد حملها
ومن ذلك ما يفعله العوام من هبة ما تلده الغنم أو البقر للولي أو للمسجد فإنها هبة باطلة ومثل ذلك ما لو وهب له الزبد الذي يخرج من هذا اللبن أو الدهن الذي يخرج من هذا السمسم أو الدقيق الذي يخرج من هذه الحنطة فإن هبة كل ذلك لا تصح حتى ولو قال له : سلطتك على قبضها عند وجودها لأن المعدوم لا تصح هبته على أي حال
أما إذا كان موجودا فغن هبته تجوز ولو كان متعلقا بشيء آخر
كما إذا وهب له الصوف الذي على ظهر الغنم ثم جزه وسلمه إياه فإنه يصح وتكون الهبة لازمة ومنها : أن يكون الموهوب مالا فلا تصح هبة ما ليس بمال أصلا كالميتة والدم والخنزير وصيد الحرم وغير ذلك كما لا تصح هبة المال الذي لا قيمة له في نظر الشرع كالخمر
ومنها : أن يكون الموهوب مقبوضا وهذا الشرط للزوم الهية وثبوت الملك للموهوب له فلا يثبت له الملك بالقبض
ومنها : أن يكون الموهوب مشاعا فيما يقبل القسمة . فإذا وهب له نصف دار غير مقسوم فإن الهبة لاتصح
فإذا أراد شخص أن يهب للآخر نصف دار فعليه أن يقسمها أولا فإن تهسر عليه قسمتها فيمكنه أن يبيعه النصف بثمن معين ثم يبرئه من الثمن
أما الذي لا يمكن قسمته كالحمام والآلات البخارية ونحوها فإنه تصح هبة المشاع فيها بشرط أن يكون قدره معلوما
وإذا وهب له مشاعا فيما يقبل القسمة وسلمه له قبل القسمة فإن الموهوب له لا يملكه بالقبض وإذا تصرف فيه لا ينفذ تصرفه ويكون عليه ضمانه وإنما التصرف للمالك الأصلي
وبعضهم يقول : إنها تملك بالقبض لأنها هبة فاسدة والفاسدة يملك بالقبض
وعلى كل فقد أجمعوا على أن لصاحبها الرجوع بعد القبض في هذه الحالة
وإذا مات الواهب كان لوارثه حق الرجوع على أن الصحيح أن هبة المشاع قبل قسمته لاتفيد الملك بالقبض
ومنها : أن لا يكون الموهوب مشغورلا بملك الواهب فإذا وهب لابيه بستانا على أن الثمر الذي عليه للمواهب فالهبة لاتصح
ومثل ذلك ما إذا وهب فيها متاع للواهب . فإنه لا يصح بل عليه أن يفرغها أولا من متاعه ومنها : أن يكون الموهوب مملوكا للواهب فلا تجوز هبة الأشياء المباحة كالماء والعشب كما لا تجوز هبة ملك الغير بدون إذنه
المالكية - قالوا : يشترط في الواهب أن يكون أهلا للتبرع وهو من اجتمعت فيه أمور :
ثانهيما : أن لا يكون مدينا بدين يستغرق كل ماله وهبته وإن كانت تصح إلا أنها تقع موقوفة على إجازة رب الدين فإن أجازها فإنها تنفذ فهذا لنفاذها
ثالثهما : أن لا يكون مجنونا ولا سكرانا . فلا تصح هبتها
رابعهما : أن لا يكون مرتدا فلا تصح
خامسهما : أن لا يكون زوجة فيما زاد على ثلث مالها
فإذا وهبت المرأة من ثلث مالها الهبة موقوفة على إذن زوجها أما إذا وهبت الثلث فأقل فإنه يصح ويفذ بدون إذن الزوج فهذا شرط نفاذ أيضا
سادسها : أن لا يكون مريضا مرض الموت فيما زاد على الثلث فإذا وهب المريض زيادة عن ثلث ماله انعقدت هبته موقوفة على إذن الوارث
ويشترط في الموهوب شروط :
منها : أن يكون مملوكا فلا تصح هبة ما لاتصح ملكه كالكلب الذي لم يؤذن في اقنائه كما لا تصح هبة ملك الغير بدون إذنه
فإذا وهب شخص ملك غيره لم تنعقد الهبة بخلاف ما إذا باع ملك غيره فإنه يقع صحيحا موقوفا على إجازة المالك . وبعضهم يقول : إن هذه الأمور كالبيع فمتى أجازها المالك نفذت لأنها تكون في الحقيقة صادرة منه في هذه الحالة
ومنها : أن يكون الموهوب من الأشياء القابلة من ملك إلى ملك في نظر الشارع هبة الاستمتاع بالزوجة لأن نقل هذا الاستمتاع ممنوعا شرعا ومثل ذلك هبة أم الولد . وتصح هبة جلود الأضاحي لأنها وإن كانت لا يصح بيعها فلا تقبل النقل بالبيع ولكن يصح إهداؤها والتبرع بها فتصح هبتها
ولا يشترط في الموهوب أن يكون معلوما فيجوز أن يهب مجهول العين والقدر ولو كان يظن أنه يسير فظهر له أنه كثير وهب من عمه لشخص وكان لا يعرف قدره ويظن أنه يسير فاتضح أنه كثير فإن الهبة تصح
وكذا إذا وهبه ما في جيبه وهوز يظن أنهاعشرة قروش فيه جنيها أو جنيهين فإن الهبة تصح وليس للواهب الرجوع على المشهور
وأما الصيغة فهي كل ما يدل على التمليك من لفظ أو فعل ولا فرق بين أن تكون دلالة اللفظ صريحة أو لا . مثال اللفظ الصريح ملكت . ومثال اللفظ الذي يدل على التمليك فهما لا صراحة خذ هذه الدار مثلا
ومثال الفعل أن يمنح الأب أو الأم ولدهما حليا سواء كان الولد أو انثى أو صغيرا فإذا اشترى الأب لأحد أبنائه من ذهب أو خاتما من الماس أو حلى له مصحفا بالذهب أو اشترى لبنته حلقا ذهب أو أساور من الماس أو لبنة من ذهب أو غير ذلك كان مملوكا للابن بطريق الهبة فإذا مات الأب لا يصح للورثة أن ينازعوه فيه ومثل الأب في ذلك الأم ولا يطالب الولهب بالاشهاد على ذلك لأن الاستعمال الحلي المشتري في حال الوالد أو الوالدة قرينة على التمليك إلا إذا أشهد الواهب سواء كان أبا أو أما بأن هذا الحلي ليس نعطى للولد بطريق التمليك بل ليستمتع به فقط فإن في هذه الحالة لا يكون مملوكا
وعلى عكس ذلك الزوجة فإن زوجها إذا اشترى لها حليا ولبسته يحمل على أن الغرض من ذلك تزيينها لاتمليكها إلا إذا أشهد على أنه ملك لها هذا إذا كانت عنده أما ما جرت به العادة من إرسال متاع العروس وهي دار ألبها فإن سماه عارية كان كذلك وإن سماه هدية كان هبة وإن لم يسم شيئا يحما على الهدية
ومثل الحلي في ذلك ما اشترى لولده دابة ليركبها أو كتب علم يحضر فيها أو سلاحا يتزين به أو ثيابا فاخرة يلبسها أو نحو ذلك
وإذا قال بولده ابن هذه الخبرة لتكون دارا وقال : إن هذه الخبرة دار ابني فلان فإن ذلك لا ينعقد به الهبة لأن العرف ينسب ملك الأب للابن وأمره ببنائها لا يقتضي التمليك
ومثل ذلك ما إذا قالت المرأة لزوجها : ابن هذه التجربة لأنها دارك
أما إذا قال الأجنبي لغيره ذلك فإنه يحمل على التمليك . فإذا بنى الابن أو الزوج الخبرة من ماله ومات الأب أو الزوجة فإن للباني قيمة بنائة منقوضا لأنه يكون عارية وقد انقضت بموت الأب أو الزوجة
هذا وتملك الهبة بلإيجاب والقبول أما قبضها في تمليك الموهوب على المشهور . فإذا قال المالك : وهبت هذه الدار لفلان وقبلها أصبحت الدار مملوكة له بحيث لا يصح للواهب الرجزع فيها بعد ذلك واذا امتنع عن تسليمها ولو برفع الأمر للحاكم
وبعضهم يقول : يشترط في تمام الهبة القبض والحيازة فإن عدم القبض فإنها لا تلزم وإن كانت صحيحة
ويجوز تأخير القبول عن الإيجاب فإذا وهب دارا فسكت عن قبولها ثم قبلها بعد ذلك فإن له ذلك
وليست العمرى هبة وانما هي تمليك المنفعة مدة حياة المعطى - بالفتح - أو المعطي ( بالكسر )
- بلا عوض إنشاء والعمرى يضم العين وسكون الميم معناه مدة العمر وهي عند الإطلاق تحمل على عمر المعطي فإذا قال : عمرتك داري كان معناه أعطيك داري لتنتفع بها طوا عمرك
والعمرى مندوية لأنها إحسان فإذا كانت في نظير عوض كانت إجارة فاسدة لأن مدة عمره مجهولة فزمن الإجارة مجهولة . وهي من قبيل الوقف على زيد مدة حياته فيخرج بها الوقف المؤبد أو المؤقت بزمن معين
ولا يشترط فيها لفظ الإعمار بل كل ما يدل على تمليك المنفعة في عقار أو غيره مدة عمر المعطى - بالفتح - يكون عمرى
كقوله : أعرتك داري أو ضيعتي أو فرسي أو سلاحي . وأعطيت أو أيكنت ونحوه ولكن إذا قال له : أعطيت فإنه لا بد من قرينة تدل على الإعمار بأن يقول : أعطيتك سكنى داري أو غلة أرضي مدة حياتك . فإن لم يفعل ذلك كانت هبة لا عمرى
فإذا مات المعطى - بالفتح - رجعت الدار ونحوها ملكا للمعطي - بكسر - إن كان حيا ولوارثه من بعده إن كان قد مات
أما الرقبى وهي أن يقول شخص لآخر : داري لك إن مت أنا قبلك تضعها إلى دارك ودارك لي إن مت أنت قبلي أضمها إلى داري فهي باطلة فإن وقع ذلك قبل موت أحدهما فسخ العقد وإن علم بعد الموت رجعت الدار للورثة ولا يعبأ بالعقد
الشافعية - قالوا : يشترط في الواهب شروط : منها أن يكون ملكا حقيقة أو حكما والملك الحكمي هو كملك صوف الأضحية الواجبة بالنذر فإنها وإن كانت عن ملكه بالنذر إلا أن اختصاصا فيصح له أن يهب صوفها
ومثل ذلك هبة الضرة ليلتها لضرتها فإنها مملوكة لها حكما . ومنها أن يكون مطلق التصرف في ماله فلا تصح الهبة من المحجور عليه لصغر أو سفه أو جنون . ومنها غير ذلك مما تقدم في البيع . ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتملك . وهل يكفي في ذلك التمييز بحيث لو أهدى رجل بالغ صبيا مميزا شيئا وقبله تصح الهبة ويملكه الصغير أو لا ؟
والجواب إن الصغير لا يملك بالقبول ولكن لا يحرم الدفع له إلا إذا قامت قرينة بأن الوالي لا يرضيه ذلك خوفا من تعويد الصبي على التسفل والدناءة كان كذلك فإنه إعطاء الصبي شيئا بدون رضاء وليه
وتصح الهبة للمحجور عليه ويقبض له أو الحاكم إن يكن له ولي وعلى الوالي أن يقبل وهب لمحجوره فإن لم يفعل انعزل سواء وصيا أو قيما
أما الأب فإنهما لا يعزلان عن الولاية بعدم قبول الهبة . ولابد لملك الهبة من القبض فإذا وهب الجد أو الأب ابنه شيئا لا يملكه إلا إذا قبضه عنه . وطريق قبضه أن ينقله من مكان إلى مكان [ يتبع . . . ]
ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض لا تنفسخ ويقوم الوارث مقام الأصل في ذلك . ويشترط في الصيغة الشروط التي تقدمت في البيع
ومنها أن يكون مطابقا للإيجاب على المعتمد فإذت وهب له نعجتين فقال أحدهما : لم تصح الهبة لعدم المطابقة بين الإيجاب والقبول
ومنها : أن يكون القبول عقب الإيجاب فورا وأنه الفصل إلا بالأجنبي فإذا قال له : وهبت لك وسلطتك على القبض فقال له : قبلت فإن الفصل بقوله وسلطتك لا يضر لتعلقه بالعقد
ومنها : أن لا يعلق العقد فلا يصح أن يقول له : وهبت لك هذه الدار إن قدم فلان أو وهبت لك هذه الدابة أول الشهر وإذا وهبه شيئا على أن يرجع إذا احتاج إليه فإنه لا يصح
وتصح الهبة بعمرى ورقبى فالعمرى كأن يقول له : أعرتك هذا المنزل أي جعلته عمرك فإن مت رجع لي والرقبى كأرقبتك هذا أو جعلته لك رقبى على معنى إن مت قبلي عاد وإن مت قبلك كان لك فالهبة في هذا صحيحة والشرط لغو لا قيمة ولا تملك الهبة إلا بالقبض بإذن الواهب فإذا قبض بغير إذنه بأن وضع يده على الموهوب كان عليه ضمانه ولو أذن له ورجع الإذان قبل أن يقبض بطل الإذن ومثل ذلك ما إذا مات أحدهما قبل القبض
ولا يطفي في القبض أن يضع الموهوب بين يدي الموهوب له بل لا بد من الإذن
الحنابلة - قالوا : اشترط في الواهب أن يكون جائز التصرف فلا تصح من سفيه ولا صغير ولا عبد ونحوهم كسائر التبرعات فإذا وهب الصغير أو السفيه فلا تصح هبتهما وإن أجاوها الولي أما العبد فتجوز هبته بإذن سيده
ويشترط في الموهوب له أن يكون أهلا للتصرف قبول الهبة من صغير ولو كان مميزا كما لا يصح قبضه للهبة ومثله المجنون فيقبض ويقبل لهما وليهما
فالأب العدل ولو ظاهر يقوم مقامهما فإن لم يوجد لهما ولي أو وصي يقبل عنهما الحاكم أو من يقيمونه مقامهم وعند عدم الأوليلء يقبضهما
أو من يليهم من قريب
ويشترط في الموهوب أن يكون معلوما فلا تصح هبة المجهول إلا إذا تعذر علمه كما تقدم فلا تصح الحمل في البطن واللبن في الضره والصرف على الظهر وإذا أذن صاحب الشاة في جز الصوف ولبن الشاة كان إباحة ومثل ذلك هبة الدهن في السمسم والزيت في الزيتون فإنه لا يصح هبتهما قبل عصره
ويشترط في الموهوب أيضا أن يكون موجودا فلا تصح هبة المعدوم كهبة الثمر قبل أن يبدو وأن يكون مقدورا على تسليمه فلا تصح هبة ما لا يصح بيعه وبعضهم يقول : تصح هبة الكلب المأذون فيه والنجاسة التي يباح الانتفاع بها
واما الصيغة فالشرط فيها أن تكون بما يدل على الهبة عرفا من لفظ كوهبت وملكت ونحوهما أو فعل كتجهيز ابنته هبة بالفعل ويصح تعليقها على شرط مستقبل كقوله : إن جاء رأس الشهر وهبتك
وإذا علق على الموت كقوله : إن مت وصية
ولا يصح توقيت الهبة بوقت كقوله : وهبتك هذا الثوب شهرا . ويستثنى من ذلك العمرى والرقبى فإن الهبة بهما جائزة وقد تقدم بيانهما في المذاهب النتقدمة فارجع إليهما . وهل تصح ويملك الموهوب بالعقد أو لابد من القبض ؟ رأيان الأحسن منهما أنهما لا تملك إلا بالقبض فإذا تصرف الموهوب له قبل القبض لا ينعقد تصرفه



مبحث في هبة الدين

- إذا كان لشخص دين عند آخر له هذا الدين أو وهبه لأجنبي فإنه لا يجوز على تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : هبة الدين جائزة
فإذا قال له : وهبت لك الدين الذي لي عليك فإنه يصح ولكن هبة حقيقية لأن الهبة يشترط فيها إن يكون عينا لادينا فهي مجاز عن إسقاط الدين عنه وإن كانت بلفظ الهبة كما تقدم
ويتم اسقاط الدبن بمجرد قول الواهب وهبت لك الدين فلا يشترط قبول المدين
فإذا لم يقبل المدين ورد الهبة فإنها ترتد ويبقى الدين عليه على المختار
هذا إذا كان كفيلا فوهب له صاحب الدين دينه الذي كفله فإن الهية تصح بشرط القيول
واذا رفض هذه المنحة فإن رفضه يصح
إما إذا أبرأه صاحب الدين من الكفالة فإن إبرأه يتم من غير قبول ولو رد إبراأه لا يقبل رده لأن صالحب الدين قد استغنى عن كفالته فلا يجبر على قبولها
وإذا أبرأ الأصيل عن الدين أو وهبه له فإن قبل فقد برئ الأصيل والكفيل . وإن لا يقبل لا يبرأ واحد منها
وإذا كان لشخص دين على آخر فمات الدين لوارثه فإنه يصح ولو رد الزارث الهبة فإنها ترتد ولو وهب الدين لبعض الورثة كانت الهبة للجميع
أما إذا أبرأ أحد الورثة فإن الإبراء يصح في نصيبه وحده
هذا كله في هبة الدين لمن عليه الدين
أما هبة الدين للأجنبي فهي صحيحة : وقد عرفت في تعريف الهبة أنه يشترط في صحة هبة الدين أن يأمر الدائن الموهوب له بالقبض فيقبضه بالنيابة عنه وبذلك يصير الدين غينا فيقبضه عن تفسه
المالكية - قالوا : تصح هبة الدين لمن عليه الدين ولغيره فإن كانت لمن عليه الدين كانت إبراء ولإبراء يحتاج الى قبول على الراجع لأنه نقل للملك
فإذا لم يقبل المدين لاتصح هية الدين له وبعضهم يقول : إن هبة الدين إيقاط لانقل للملك فلا يحتاج إلى قبول
أما إذا وهب الدين لغير من عليه الدين فإن الهبة تصح بشروط ثلاثة :
الشرط الأول : أن يشهد على الهبة ولإشهاد شرط صحة
الشرط الثاتي : أن يدفع الواهب له سند الدين إن كان له سند
وهذا الشرط يختلف فيه فبعضهم يقول : إنه شرط صحة وبعضهم يقول : إنه شرط كمال
الشرط الثالث : أن يجمع بين الموهوب له وبين من عليه الدين إن كان حاضرا أما إن كان غائبا فلا يشترط الجمع وهل شرط الجمع بينهما إن كان المدين حاضرا شرط صحة أو كمال ؟ والراجع أنه شرط كمال
فإذا كان لشخص مائة جنيه دينا عند آخر وأراد أن يهبها لأخيه مثلا فإن الأكمل في ذلك أن يشهد على الهبة وأن يجمع بين أخيه وبين المدين إن كان حاضرا ويحيله ويعطي أخاه سند الدين إن كان معه سند
وبذلك تتم الهبة اتفاقا فإن تعذر حضور المدين أو لم يكن للدين سند فإنه يكفي لصحة الهبة الإشهاد والقبول
وهل إذا كان تامدين حاضرا ولم يجمع بينهما أو كان للدين سند ولم يعطه للموهوب له يصح أو لا ؟ خلاف ذكلرناه لك أولا
إن دفع المدين الدين للواهب بعد علمه بالهبة ضمنه الموهوب له
ونظير هذه المسألة رهن الدين فإنه لابد فيه من الإشهاد
وصورة رهن الدين أن يشتري سلعة من محمد بعشرين جنيها وللمشتري دين عند خالد يسوي عشرين جنيها أو أكثر أو أقل فرهن دينه عند محمد في نظير سلعته فعليه في هذه الحالة أن يشهد بأنه رهن لمحمد دينه الذي له عند خالد وأن يعطي محمدا سند الدين إن كان له سند وأن يجمع بينه وبين اغلمدين على التفصيل الذي ذكرناه في الهبة
الشافعية - قالوا : هبة الدين للذي عليه الدين إبراء فلا تحتاج لقبول
أما هبته لغير من عليه الدين فمختلف فيها :
فبعضهم يقول إنها هبة صحيحة وبعضهم يقول إنها باطلة
والثاني هو المعتمد لأن الدين غير مقدور على تسليمه وهو متصف بكونه دينا فإنه إذا قبض لا يكون دينا بل يكون عينا أما بيع الدين فإن المعتمد صحته
فإذا كان لشخص دين عند آخر فإنه يصح له أن يبيعه بثمن فيكون الدين في مقابله الثمن وذلك التزام لتحصيل المبيع وهو التزام صحيح بخلاف الهبة فإنها لا مقابل لها فالتزام تحصيل الموهوب غير صحيح
الحنابلة - قالوا : هبة الدين صحيحة لمن عليه الدين
فإذا وهبه له صح وإذا أبرأه منه صح وإذا أسقط عنه صحيح وإذا تركه له صح وإذا ملكه له صح وإذاىتصدق به عليه صح
كل ذلك صحيح سواء كلن الدين معلوما أو مجهولا
أما هبة الدين لغير من هو عليه فإنها لا تصح لأن الهبة تقتضي وجود معين هنا



مبحث الرجوع في الهبة

- ليس للواهب أن يرجع في هبته في أمور مفصلة في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : يصح للواهب أنة يرجع في هبته بعد أن يقبضها الموهوب له ومن باب أولى له الرجوع قبل القبض لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض وإن كان الرجوع في الهبة مكروها تحريما على الراجح أو تنزيها وإذا أسقط الواهب حقه في الرجوع ثم رجع بعد ذلك صح رجوعه لأن حقه في الرجوع لا يسقط بإسقاطه
ويبطل حق الرجوع في الهبة بسبعة أمور :
الأول : أن يزيد الموهوب له في العين زيادة متصلة بها كما إذا وهب له نعجة غجفاء فعلفها حتى سمنت فليس للواهب أن يرجع في هذه الحالة حتى ولو عادت عجفاء كما كانت ومثل ذلك ما إذا أهدى له حيوانا صغيرا عنده أو أهدى رقيقا جاهلا فعلمه أو ثوبا فصبغه أو خاطه
أما إذا أهداه شاة فجعلت عنده فإن كان الحبل يزيد في قيمتها فإنه يمنع الرجوع وإلا فله حق في الرجوع
وإذا أهداه أرضا فبنى فيها أة غرس أجشارا فإن كان البناء والغرس يزيد في قيمة الأرض كلها فإنه يمنع الرجوع منها كلها وإن كان يزيد في البقعة التي فيها امتنع الرجوع في تلك البقعة ثم إذا هدم البناء او قلع الشجر كان له الرجوع في هذه الحالة لأن الزيادة ليست في نفس العين كما في سمن الحيوان وهزاله
فإذا وهب له عينا تساوي عشرة ثم زاد سعرها فإن الزيادة لا تمنع الرجوع وإذا نقلها الموهوب له من مكان إلى مكان فارتفع سعرها بسبب ذلك النقل لم يكن له حق الرجوع لأن الزيادة التي طرأت عليها كانت بعمل الواهب واتفاقه يقول له الرجوع
أما الزيادة المنفصلة فإنها لا تمنع الرجوع في أصل العين فإذا أهدى له بقرة فولدت كان له حق الرجوع في البقرة لا في الولد . وهل يرجع في البقرة مع احتياج ولدها للرضاع أو ينتظر ؟ قولان ومن الزيادة المنفصلة الثمر فإذا أهدى له بستانا فأثمر كان له حق الرجوع في هبة البستان أما الثمر فهو من حق الموهوب له
الأمر الثاني من موانع الهبة : موت أحد العاقدين بعد القبض فإذا وهب شخص داره لأخيه ثم مات الموهوب له فلا حق للواهب في الرجوع وكذا إذا مات الواهب فلا حق لوارثه
الأمر الثالث : العوض فإذا وهب دارا بشرط عوضا فإنه يصح وضع الرجوع وسيأتي بيان ذلك في باب الهبة في مقابل العوض
ويشترط في الخروج عن الملك أن يكون تاما من كل وجه بقي له به اختصاص فإن الرجوع لا يسقط
مثال ذلك ما إذا وهب له شاة فضحى بها وصارت لحما فإن له أن يرجع ويأخذ اللحم فإنه في هذه الحالة لم يخرج من ملكه بالكلية
الأمر الخامس : الزوجية - فإذا وهب الزوج لزوجته شيئا فإنه لا يصح له الرجوع فيه أما إذا وهب لها قبل أن يتزوج بها ثم تزوج فإن له الرجوع
الأمر السادس : القرابة فلو وهب لذي رحم منه ولو كان ذميا أو مستأمنا فإنه لا يصح له الرجوع فإذا وهب لأبيه أو ابنه أو عمه أو غير
ذلك من محارمه بالنسب فإن حقه في الرجوع يسقط . أما إذا وهب لمحارمح من الرضاع أو المصاهرة فإن له حق الرجوع
الأمر السابع : هلاك العين الموهوبة وذلك ظاهر فإذا ادعى الموهوب له الهلاك صدق بدون حلف
وإذا قال الواهب إن العين باقية وهي هذه وأنكر الموهوب له حلف المنكر أنها ليست هذه ولا يصح الرجوع إلا بتراضيهما . أو بحكم الحاكم وإذا رجع يالرضا أو القضاء كان ذلك فسخا لعقد الهبة من الأصل وغعادة لملكه القديم لا هبة للواهب فلهذا لا يشترط فيه قبض الواهب ولو كان هبة جديدة لاشترط فيه القبض
المالكية - قالوا : ليس للواهب حق في الرجوع أن الهبة عقد لازم لكن بعضهم يقول : إنها تتم وتلزم بمجرد العقد فلا يشترط في إتمامها القبض وهذا المشهور وبعضهم يقول : إنها لا تتم إلا بالقبض فالقبض شرط في تمامها فإن عدم لم تلزم وكان للواهب حق الرجوع إلا الأب والأم فإن لهما حق الرجوع على التفصيل الآتي بعد
على أنهم أمورا بها الهبة منها أن يتأخر قبضها لثبوت دين على الواهب يستغرق كل ماله سواء كان ذلك الدين سابقا على عقد الهبة أو طرأ بعده إلا أن بطلانها في الحالة الأولى نتفق عليه أما بطلانها في الحالة الثانية فهو على المشهور
ومنها : أن يهب لشخص آخر قبل الأول بشرط أن يقبضها الموهوب له الثاني قبل الأول لأنه يرجع على الأول بوضع يده على الموهوب ولا يلزم بدفع تعويض للموهوب له الأول لم يتهاون الأول في طلبها على المشهور
ومن ذلك هبة الدين فإذا كان لشخص عند آخر دين ثم وهبه من عليه الدين ولم يعمل الأشياء التي تقوم مقام القبض من استلام الدين إن كان
أما إذا عمل الأول الأشياء تقوم مقام القبض فإن الدين ولا يبرأ الثاني
ومنها : أن يعد شخص هدية لآخر ثم بها هو أو رسوله ثم يموت الواهب تبطل في هذه الحالة لأنه لم يقبضها قبل المانع من القبض وهو موت الواهب وكذلك إذا مات الموهوب له فإنها تبطل لعدم القبول إن لم يسهد بأن الهبة لفلان فإذا أشهد لا تبطل بموت أحدهما لأن الوارث يقوم مقام المرسل إليه في القبول
ولا تبطل الهبة ببيع الواهب إياها فإذا وهب له عينا ولم يعلم له بالهبة ولم يقصر في طلبها ثم باعها فإن الموهوب له بخير في إجازة البيع وأخذ الثمن أو في فسخه وأخذ الهبة
أما إذا باع الهبة بعد علم الموهوب له بها وتفريطه في وضع يده عليها فإن البيع ينفذ والثمن مختلف في أمره هل يأخذه الواهب الموهوب والراجح أن الثمن للموهوب له
ومنها : أن يتأخر قبض الهبة حتى يمرض مرضا يموت به فإن الهبة في هذه الحالة تبطل حتى ولو قبضها حال مرضه لأن الشرط أن يقبضها حال فتبقى الهبة موقوفة حال المرض حتى يتبين الحال فإن بطلت الهبة ولا تؤخذ منى الثلث ولا من غيره لأن المفروض أنه وهبها حال الصحة لا في حال المرض تنفذ من الثلث كالوصية أما إذا برء فإنها لا تبطل
ومثل ذلك ما إذا جن الواهب فإنه وهب حال الصحة ثم تأخر الهبة توقف حتى يتبين حاله من الإفاقة أو الموت مجنونا
ومنها : ومنها : أن يهب الوديعة أو العارية لمن هي بيده وفي ذلك ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يعلم الموهوب له ويقبل الهبة في حياة الواهب فإذا مات الواهب بعد ذلك تمت الهبة اتفاقا
الصورة الثانية : أن يعلم الموهوب له بالهبة وفي هذه الصورة تبطل الهبة باتفاق لعدم تحقق القبول والصحيح القبول لا بد منه
وإذا قبض الموهوب له الهبة قبل أن يجزم بالقبول بل أخذها ها يقبل أو لا ثم مات الواهب قبل ذلك وقبل الموهوب له الهبة بعد موته فإنه يصح
ومثل ذلك ما إذا قبل الهبة في حال حياته ثم طلب الهبة وألح في طلبها ولكن الواهب يسوقه حتى مرض ومات الواهب فإن الهبة لا تبطل بذلك
ومثل ذلك ما إذا باع الموهوب له الهبة أو وهبها قبل قبضها من الواهب ثم مات الواهب فإنها لا تبطل لأن تصرفه فيها بمنزلة قبضها وإن لم يقبضها المشتري أو الموهوب له الثاني وكذلك إذا وهبه عينا ولم يعلم الموهوب له بها حتى مات الموهوب له فإنها لا تبطل ويأخذها وارثه
ومنها : ان يرجع الأب في هبته فإذا هبته بطلت فإذا رجع بطلت وعادت له وذلك للأب وحده دون غيره من الأقارب والأرحام إلا الأم على التفصيل الآتي :
أما الأب فله حق الرجوع في هبته لودله الحر سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا غنيا أ فقيرا بعد أن يقبضها الولد ويضع عليها يده وصيغة الرجوع أن يقول الأب : رجعت فيما وهبت أو أخذته منه أو اعتصرته ( أي أخذته قهرا عنه )
وبعضهم يقول : لا بد من أن يقول اعتصرته والأول أظهر لأن العامة لا تعرف لفظ اعتصرته والحديث الوارد في هذا الموضوع لا يشترط هذا اللفظ ولفظ الحديث ( لا يحل لأحد أن يهب هبة ثم يعود فيها إلا الوالد )
وبكن يشترط لصحة رجوع الأب في هبته شرطان :
الشرط الأول : أن يريد بالهبة الصلة والعطف والحنان على الولد لكونه محتاجا أو خمىلا بين الماس أو نحو ذلك فغن أراد ذلك فإن الرجوع
الشرط الثاني : أن يريد بالهبة مجرد ثواب الآخرة لاذات الولد فإن أراد ذلك كان صدقة بلفظ الهبة فلا يصح له الرجوع . نعم إذا أراد العطف أو الصدقة ولكنه شرط الرجوع في هبته أو صدقته متى شاء فإن له ذلك ويعمل شرطه
ومنها : ان ترجع الأم في هبتها وللأم حق الرجوع بالشرطين المذكورين في الأب مع زيادة شرط ثالث :
وهو أن لها حق الرجوع بشرط أن يكون ولدها كبيرا أو صغيرا له أب . أما إذا كان الولد يتيما ووهبت له فليس لها حق الرجوع . ولها حق الرجوع مع وجود الأب سواء كان الأب والابن موسرين أو معسرين حتى ولو كان الأب مجنونا
وإذا وهبت لابنها في حياة أبيه ثم مات أبوه بعد ذلك فإن لها حق الرجوع على المختار ويمنع رجوع الأب والأم أمور :
احدهما : أن يتصرف الموهوب له في الهبة ببيع أو رهن أو هبة أو يعمل ما يغير صفة الهبة كأن صوغ النقود حليا ونحو ذلك
ثانيها : أن يطرأ على ذات الهبة زيادة القيمة كتعليم صنعة أو كبر وسمن هزيل . ومثل ذلك النقص كهزال سمين فذلك التغير يمنع الرجوع
ثالثها : أن تكون الهبة سببا في الثقة بالولد فيعطيه دينا أو يزوجه بنته أو يزوج الموهوب لها لابنه إن كانت أنثى في هذه الحالة لا يجوز للأب أن يرجع في هبته
أما إذا وهب له وهو متزوج أو عليه دين فإن له الرجوع لأن الهبة لم تكن في تغرير أحد
ومنها : أن يمرض الولد فإنه لا يصح للأب الرجزع عليه حال المرض لأنه إذا مات كانت الهبة حقا لورثته برئ كان لوالده حق الرجوع
الشافعية - قالوا : كتى تمت الهبة بالقبض بإذن الواهب أو تسليمه للشيء الموهوب فإن الهبة تلزم ولا يصح الرجوع فيها إلا الأب وإن علا فيصح للأب أن يرجع في هبته ومثله الجد وإن علا وكذلك الأم والجدة وهكذا . فللوالد أن يرجع في هبته على ولده سواء كان الولد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا
ويشترط للرجوع شروط :
أحدهما : أن يكون الولج حرا فإذا كان رقيقا فلا يصح الرجوع . لأن الهبة للرقيق هبة لسيده وهو أجنبي لا رجوع عليه
ثانيهما : أن يكون الموهوب شيئا عينا فإن كان دينا للولد فوهبه الوالد له فإنه لا يصح له الرجوع فيه
ثالثهما : أن يكون الموهوب في سلطة الولد بحيث يتصؤف فيه فلا رجوع إذا انقطعت سلطة الوالد على الموهوب كما إذا وهب العين الموهوبة له بغيره وقبضها الغير فإنه في هذه الحالة تنقطع سلكته وملكه فليس لوالده الرجوع . ومثل ذلك ما إذا رهن العين النوهوبة وقبضها المرتهن فإنه في هذه الحالة لا حق للوالد في الرجوع . وذلك لأن الولد لا سلطة له عبى العين حينئذ وإن كان ملكه باقيا . أما إذا اغتصب العين الموهونة من الولد فإن سلطته تبقى عليها للولد الرجوع رابعها : أن لا يحج على الولد لسفه فإن حجر عليه امتنع الرجوع
خامسها : أن لا تكون العين اللمرهومة مستهلكة كبيض الدجاج والبذر إذا نبت في الأرض . ولا يمنع الرجوع زراعة الأرض وإجارتها لأن العين ياقية وإذا رجع الوالد لا تفسخ الإجارة بل تبقى على حالها ولا ينتفع بها مدة الإجارة
سادسها : أن لا يبيع الولد الموهوبة فإن باعها امتنع الرجوع
ومثل ذلك الوقف ونحوه من كل ما يزيل السلطة فإذا عاد ملكه بعد بيعه لم يعد الرجوع ولا يمنع الرجوع الزيادة المتصلة بالعين من سمن ونحوها فللوالد أنة يأخذها مع تلك الزيادة
أما إذا زادت منفصلة كأن ولدت الدابة الموهوبة أو أثمر البستان فإن زسادة المنفصلة تكون للولد لأنها حدثت وهي في ملكه فللأب الرجوع في الأصل
وإذا أسقط حق الرجوع فإنه لا يسقط ويحصل الرجوع بقوله : رجعت فيما وهبت أو استرجعته أو رددته إلى ملكي الهبة أو أبطلتها أو فسختها ونحو ذلك ولا يحصل الرجوع ببيع الواهب العين التي وهبها ولا بواقفها ولا بهبتها ولا بإعتاقها . ويكره الرجوع من غير سبب أما إذا كان لسببب كرجر الولد الإنفاق في الشهوات الفاسدة والمعاصي فإنه لا يكره بل إذا كان الرجوع في الهبة وتجريد الولد من المال هو الطريق الوحيد منعه عن المعاصي فإنه يجب على الوالد أن يفعل
أما إذا كان الودل عاقا وكان الرجوع يزيد في عقوقه فإنه يكره
الحنابلة - قالوا : للواهب الرجوع في هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض
وإذا باع الواهب الموهوب أو هبته قبل القبض لأن عقد الهبة لا يتم إلا بالقبض
وإذا باع الواهب الموهوب أو وهبه قبل بطلت الهبة لأن ذلك يعتبر رجوعا
أما بعد القبض فإن الهبة تتم للموهوب له فلا حق للواهب في الرجوع إلا إذا كان أبا فقط فإذا فضل الأب أبنائه بهبته فإن له الرجوع فيها ويجب الرجوع إذا وهب له من غير إذن الباقي لأن التسوية بين الأبناء بحسب حقوقهم الشرعية زاجبة على الأب والأم وغيرهما من الأقارب . وعلى أن الرجوع خاص بالأب المباشر فقط سواء أراد التسوية بين أولاده فليس للأم ولا للجد ولا لغيرهما من الأقربين الرجوع في الهبة بعد تمامها بالقبض
الأول : أن تكون عينا لا دينا ولا منفعة فإذا كان للأب على ابنه فوهبه له حق له في الرجوع في هبته لأن هبة الدين إسقاط لا تمليك حتى يملك إليه
وكذلك ليس له الرجوع في إباحة منفعة بعد استيفائها فإذا أباح الأب لابنه سكنى دار سنة مثلا وسكن الوالد بالفعل كا هذه المدة فليس لوالده أن يرجع في ملك المدة التي سكنها وله الرجوع من الآن
الثاني : أن تكون باقية في ملك الولد . فإن خرجت عن ملكه بأن باعها الوالد أو وهبها لغيره أو وقفها ولو على نفسه ثم على غيره من بعده أو دفعها صداقا لامرأة أو عوضا في صلح أو نحو ذلك بطل حق رجوع الأب فيها . وإن عادت إلى الولد بسبب جديد كأن اشتراها ثانيا أو ورثها أو غير ذلك لم يعد حق الرجوع على الابن
أما إذا عادت بسبب فسخ البيع بعيب فيها أو لفلس المشتري فلم يقدر على دفع الثمن ونحو ذلك فإن للأب حق الرجوع
ومثل ذلك ما إذا تلفت العين فلا حق للأب في الرجوع في قيمتها
الثالث : أن لا تخرج العين عن سلطة كما غذا وهبها وقبضها المرتهن فليس للأب حق الرجوع بعد ذلك
ومثله ما إذا حجر على الابن لفلس فإذا فك الرهن ورف الحجر عاد حق الرجوع
أما إذا لم تزل سلطة الابن وتصرفه في العين فإن للأب الرجوع كالرهن والهبة قبل القبض والإجارة والمزارعة زحعلها مضاربة
وإذا رجع الأب في حال تعاقد على الهبة فإن كان العقد من العقود الازمة لا يملك الأب فسخه كالإجارة وإن كان من العقود التي لا تلزم كالمضاربة والمزارعة والمشتركة فإن له فسخه
الرابع : أن لا تزيد العين الموهوبة عند الولد زيادة متصلة ترفع قيمتها كالسمن والكبر والحمل . ومن ذلك ما إذا وهب له حيوانا مريضا فبرئ عنده
أما الزيادة المنفصلة كولد وثمر الشجرة ونحوهما فلا تمنع الرجوع على العين وتكون الزيادة ملكا للولد أما تلف بعض العين أو نقص قيمتها فإنه لا يمنع الرجوع
وصفة الرجوع من الأب فيما وهبه لابنه أن يقول : رجعت في الهبة له أو ارتجعتها أو رددتها أو عدت فيها أو أعدتها إلى ملكي وغير ذلك من الألفاظ الدالة على الرجوع
والأكمل أن بقول : رجعت فيما لك من كذا ولا يحتاج الرجوع إلى حكم حاكم ولا إلى علم الولد
وإذا أسقط الأب حقه من الرجوع فإنه لا يسقط . وبعضهم يقول : إنه يسقط



مبحث في مقابل عوض مالي

- تصح الهبة في مقالبل عوض مالي كما إذا قال شخص لآخر : وهبت لك داري هذه بشرط أن تعوضني عنها مائة جنيه أو نحو ذلك على تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] المالكية - قالوا : للواهب أن يشترط العوض المالي على هبته ويعبر عن العوض بالثواب ويقال للهبة ( هبة الثواب )
وينبغي أن يكون شرط العوض مقارنا لصيغة الهبة كأن يقول وهبتك أو أعطيتك هذا الشيء على أن تعوضني أو تثيبني
وهل يشترط تعين جنس العوض وقدره أو لا ؟
والجواب أنه لا يشترط على الصحيح
ففي ذلك صورتان الصورة الأولى : أن لا يعين جنس العوض وقدره بأن يقول الواهب : وهبت لك كذا بشرط أن تعوضني فإذا قبل الموهوب له كان الحكم في هذه الصورة أن عقد الهبة بلزم الواهب إذا قبض الموهوب العين الموهوبة
أما قبل القبض فللواهب الرجوع فإذا قبضها الموهوب له لا يلزمه دفع العوض بالقبض بل له أن يردها على صاحبها أو يدفع له قيمتها على صاحبا قبولها أو قبول قيمتها
أما قبل القبض فله أن يمتنع عن قبول قيمتها ولو مضاعفة هذا إذا لم يتصرف فيها الموهوب له تصرفا بزيد في قيمتها فإن زادت عنده بسمن أو كبر أو نقصت بمرضص فإنها تلزم الموهوب له في هذه الحالة وعليه دفع فقيمتها على المعتمد وليس له ردها
والحاصل أن الواهب يكون مخيرا قبل القبض أما بعد القبض فإن الواهب يلزم بتنفيذ الهبة ويكون الخيار للموهوب له بين رد العين الموهوبة وبين دفع قيمتها يوم قبضها وهذا إذا لم يتصرف بما يغير حالها من زبادة فإن فعل كان ملزما بالقيمة
الصورة الثانية : أن يعين جنس العوض وقدره كأن يقول له وهبت لك هذه الدار بشرط ان تعوضني مائة أو تعوضني البستان الفلاني وحكم هذه الصورة أن العقد يلزم بمجرد القبول سواء قبض الموهوب له بالعوض سواء قبض أو لم يقبض فالعقد منهما برضى الموهوب له فإذا متنع عن دفع العوض يجبر عليه
والهبة في نظير العوض بيع في الحقيقة فلا تخالف إلا في أمور يسيرة منها أنها تجوز مع جهل العوض بخلاف البيع فإنه يشترط فيه الثمن وأنها تجوز الأجل بخلاف البيع
ولا يلزم أن يكون القبول فيها فورا كما في البيع فهي تحل ما أحله البيع ما حرمه ؟ ؟ فلا تصح هبتة ما لا يصح بيعه كالجنين في بطن أمه وثمر البستان الذي يظهر صلاحه
ويلاحظ في العوض أن يكون مما يصح دفعه في بيع السلم حتى لا يفضي إلى الربا فإذا وهب له عروض تجارة يجوز أن يعوضه عنها من فضة وذهب أو طعام من قمح وشعير إلى ونحوهما أو عروض تجارة من غير جنس العروض الوهوبة وهب له قماشا ساغ أن يعوضه عنها أو أصنافا عطرية ونحو ذلك
وإذا وهب له فضة فلا يصح أن يعوضه عنها دهبا إذا كان في المجلس قبل تفرقهما أما في المجلس فيجوز لأنه يكون من قبيل الصرف
وكذلك إذا وهب له ذهبا فإنه لا يجوز أن يعوضه فضة إلا في المجلس له خروفا مذبوحا ( لحما )
فإنه لا يجوز أو يعوضه خروفا حيا وبالعكس . وإذا وهب ( حبوبا )
فإنه يجوز أن يعوضه عنها عروض تجارة ونقودا ولا حبوبا لئلا يفضي ذلك بيع الطعام لأجل منع الزيادة ولو في الجملة
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا لا مبهما ولا معينا ولكنه ادعى أنه قصد العوض عند هبته بعد قبض العين الموهوبة فإنه يصدق مالم تقم قرينة أو يدل عرف عملي يشهد ضده فإذا كان مثل الواهب لا يطلب في هبته عوضا من مثل الموهوب لن القول للوهوب له قبل القبض فالقول للواهب مطلاق
وإذا كانت الهبة لعرس وكان العرف يقتضي معوض عليها فللواهب أن يأخذ قيمة هبته معجلا ولا ينتظر إلى عرس عنده كما هو المعتاد في بعض الجهات هدايا العرس مثلها إلى مهديها
وإذا اخذ المهدي قيمتها عاجلا فإن لصاحب العرس أن يحاسبه على ما أكله عنده وأتباعه من نساء ورجال
أما إذا كان العرف لا يقضتي الرد فلا حق للواهب في طلبها
وإذا وهب نقودا مسكونة ولم يشترط العوض فإنه لاحق له في المطالبة بالعوض بدعوى أنه كان ينوي العوض مطلقا ومثل التقود المسكوكة السبائك والحلي المكسر فإنه لا عوض فيه إلا بالشرط أما الحلي الصحيح فإن الواهب يصدق فيه
فإن وهب أحد الزوجين للآخر فإنه لا يصدق في دعوى العوض إلا إذا شرطه أو قامت قرينه تدل على نية العوض وهذا في غير النقود المسكوكة أما هي فلا يصدق فيها إلا بالشرط ولا تكفي القرينة
وكذا إذا وهب شيئا لقادم من سفر ولم يشترط العوض فإنه لا يصدق في دعوى العوض ولو كان فقيرا وتضيع الهبة مجانا
الحنفية - قالوا : الهبة بشرط العوض جائزة ويصح عقد الهبة والعوض لازما للواهب والموهوب له إذا قبض الواهب العوض أما إذا لم يقبضه كان لكل منهما الرجوع ولو قبض الموهوب الهبة كما عرفت
ويشترط في ذلك أن يذكر الموهوب له لفظا يعلم الواهب منه لأن العوض بدل عن كل هبته كأن يقول له : خذ هذا المال أو العقار عوض هبتك أو بدلها أو في مقابلها ونحو ذلك . فإذا لم يذكر ذلك كان للواهب حق الرجوع في هبته وكان للموهوب له حق الرجوع في العوض الذي دفعه وبعضهم يقول إنه لا يشترط أن يقول خذ بدل هديتك أو عوضها بل اللازم فعل ما يدل على ذلك بما هو متعارف بين الناس فإذا دفع إليه المبلغ بقصد العوض وكان معروفا أنه لا يكون لهما حق الرجوع
ويشترط في العوض ما يشترط في الهبة فلا يتم إلا بالقبض ولا بد أن يكون مقروزا غير شائع الخ ولا فرق فيه بين أن يكون موازيا للهبة أو أكثر أو أقل
وإذا وهب الأب لابنه الصغير فإنه لا يجوز له أن يأخذ في نظير هبته عوضا من مال الصغير وإذا وهب الموهوب . وإذا وهب النصراني للمسلم عينا فإنه لا يجوز أن يعوضه بدلها خمرا أو خنزيرا ويشترط أن لا يكون العوض بعض الموهوب . فإذا وهب له بقرتين فلا يصح أن يعطيه إحداهما عوضا فإذا فعل كان للواهب حق الرجوع في الثانية
وهل يشترط في العرض أن يذكر في عقد الهبة أو يصح بعد تمامها بحيث إذا قبضها الموهوب له وأراد الواهب الرجوع فيها فأعطاه الموهوب له عوضا يصح ويمنع الرجوع ؟ خلاف
وبعضهم يقول : إنه لا بد من ذكره في عقد الهبة
وبعضهم يقول : لا بل اللازم هو إضافة للهبة التي تمت كأن يقول : هذا عوض عن هبتك فإذا قبضه لا يكون له حق الرجوع
أما إذا لم ينص على أنه عوض عن هبته فإن الوض يكون هبة جديدة ويكون لكل منهما حق الرجوع
الشافعية - قالوا : الهبة بشرط العوض ويقال له الثواب صحيحة بشرط أن يكون العوض معلوما وفي هذه الحالة تكون بيعا لها حكم البيع
أما إذا لم يشترط العوض ولا عدمه فإذا كانت قرينة على طلب العوض وجب دفعه أو رد الموهوب وإذا لم تقم قرينة فلا عوض ولا فرق في ذلك بين أن يكون الواهب أعلى من الموهوب له أو نظيره أو أدنى منه
وإذا شرط عوضا غير معين كأن قال : وهبتك على أن تعوضني دابة مثلا فإن الهبة تبطل فإذا قبضها كانت معاوضة بالشراء الفاسد فيضمنها ضمان المغصوب
الحنابلة - قالوا : الهبة بشررط العوض تصح إن كان العوض معلوما حكم اليبع تثبت فيها الشفعة ونحوها مما يثبت في البيع
أما إن كان العوض مجهولا فإن الهبة لم تصح أصلا ويكون حكمها في هذه الحالة حكم البيع الفاسد فغن قبضها الموهوب له كان عليه ضمانها بمثلها وإن كانت مثلية وقيمتها إن كانت متقومة وإن كانت باقية وجب عليه ردها بزيادتها المتصلة والمفصلة
وإذا لم يشترط الواهب العوض لفظا وادعى أنه وهبها للعوض يسمح قوله - ولو قامت القرينة على ذلك أو كان العلاف مؤيدة في دعواه - لأن مدلول لفظ هبة العوض والقرائن لا تساوي اللفظ الصريح فلا يعمل بها



مباحث الوصية


تعريفها ودليليها

- الوصية تطلق في اللغة على معان يقال إلى فلان بمال جعلته له وأوصيته بولده استعطفته عليه وأوصيته بالصلاة أمرته بها . ويقال وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته به وصلته به كأن الموصي لما أوصى بالمال وصل ما بعد الموت بما قبله في نفوذ التصرف
والاسم الوصاية بكسر الواو وقد تفتح
وأما معناها في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب [ 1 ] وأما دليل مشروعيتها فالكتاب والسنة
أما الكتاب فقوله : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } وأما السنة فقوله صلى الله عليه و سلم : " وما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده "
ومعنى الحديث : ليس من الحزم والرأي السديد أن يمر على الإنسان زمن يملك فيه مالا يوصي به ولا يكتب وصيته فليس المراد خصوص الليلتين بل الحث على المبادرة بكتابة الوصية



[ 1 ] الحنفية - قالوا : الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع
فقوله تمليك يشمل العقود التي تنقل ملكيتها كالبيع والهبة وغيرهما
وقوله مضاف لما بعد الموت يخرج ما عدا الوصية
وقوله بطريق التبرع يخرج الإقرار بالدين فلو أقر في حياته بدين لآخر ثم مات كان ذلك الإقرار تمليكا للدين بعد الموت
وقد يقال إن الإقرار بالدين ليس تمليكا وإنما هو إظهار لما في ذمته فهو خارج بتمليكه وعلى هذا فلا حاجة إلى قيد بطريق التبرع
ولا فرق في الموصى به بين أن يكون عينا أو منفعة . ولا يشترط أن يضيف الوصية إلى الموت لفظا فلو قال أوصيت بكذا ولم يقل بعد موتي صح حتى ولو لم يصرح بالوصية بل ذكر على الوصية كقوله لفلان ألف قرش من ثلثي مالي أو ربعه فلا تصح إلا إذا ذكرت الوصية
المالكية - قالوا : الوصية في عرف الفقهاء عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بنوته أو يوجب نيابة عنه بعده
ومعنى التعريف أن عقد الوصية يترتب عليه أحد أمرين :
الأول : ملكية الموصى له ثلث مال العاقد ( الموصي )
بعد موته بحيث لا يكون العقد لازما إلا بعد الموت أما قبل الموت فلا يكون العقد لازما
الثاني : نيابة عن الموصي في التصرف فالموصي إما أن يوصي بالإقامة نائب عند موته ( وصي )
وإما أن يوصي بمال
وبعض المالكية عرف بالوصية بما عرفها به الحنفية . ولا يخفى أن الأول يشمل الوصية بمعنى إقامة الوصي بخلاف الثاني
الشافعية - قالوا : الوصية تبرع بحق مضاف إلى بعد الموت سواء أضافة لفظا أولا فإذا قال أوصيت لزيد بكذا كان معناه بعد الموت
الحنابلة - قالوا : الوصية هي المر بالتصرف بعد الموت كأن يوصي شخصا بان يقوم على أولاده الصغار أو رزوج أو يفرق ثلث ماله ونحو ذلك
وهذا تعريف الوصية يمعنى الإيصاء أي إقامة وصي . وأما تعريفها بمعنى إعطاء الغير جزءا من المال فهو أن يقال الوصية " تبرع بالمال بعد الموت "



أركان الوصية وشروطها

- أركانها : موص وموصى له وموصى به وصيغة . وأما شروطها ففيها شروط المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : إن للوصية ركنا واحدا وهو الإيجاب والقبول كما عرفت في نظائره فأما الإيجاب فهو أن يقول أوصيت بكذا لفلان أو أوصيت إلى فلان . أو جعلت إلى فلان ثلث مالي بعد موتي ونحو ذلك من الألفاظ المستعملة في الوصية
وأما القبول فإنه شرط فادة الملك به فلا يملكه الموصى له قبل القبول فلا يشترط القبض في الوصية بخلاف الهبة
ويشترط في القبول أن يكون بعد الموت فإذا قبل الموصى له في حال حياة الموصي أو رد الوصية وقع ذلك باطلا وله القبول بعد الموت . وذلك لأن الوصية تمليك بعد الموت فهي معلقة على الموت حتى لو أروصى له بثلث غنمه الموجودة تحت يده ثم مات بعد أن انقرض نصفها لا يملك إلا ثلث الباقي وهكذا فالإيجاب لا يتحقق ثبوته إلا بعد الموت . فطذلك القبول أو الرد لا ينفع إلا بعد الموت
أما قبل الموت فلا إيجاب . وبعضهم يقول إن القبول بشرط لأن الوصية من باب الميراث والقبول إما أن يكون صريحا كأن يقول قبلت الوصية . أو يكون دلالة
ومثاله أن يموت الموصى له من غير قبول سكوته دلالة على القبول ويأخذ وارثه الموصى به . ويقوم الفعل مقام القول كما إذاى نفذ الموصى له الوصية فعلا فإن ذلك يعتبر قبولا
الحنفية - قالوا : يشترط في الموصي أن يكون أهلا للتمليك ( رأي يفيده غيره الملك )
وهو ما اجتمع فيه أمور :
منها : أن يكون بالغا فلا تصح وصية الصغير واحد بتجهيزه ودفنه وعلى ذلك يحمل ما ورد عن عمرر رضي الله عنه من إجازته صبي مراهق
ومنها أن يكون عاقلا فلا تصح وصية المجنون حال جنونه ولو أفاق ومات بعد إفاقته لن الأهلية كانت معدومة وقت الوصية
وإذا وصى حال إفاقته ثم جن فإن جنونه مطبقا واستمر ستة أشهر بطلت الوصية وإلا فلا
أما إذا وضى وهو سليم ثم طرأ عليه وسواس حتى صار معتوها واستمر كذلك حتى بطلت الوصية
ومنها أن لا يكون مدينا دينا يستغرق كل ماله فإن كان كذلك فإن الوصية لا تصح . وذلك لأن سداد الدين مقام على تنفيذ الوصية
ومنها : أن لا يكون هازلا ولا مخطئا ولا مكرها
ومنها أن لا يكون وارثا وقت الموت لا وقت الوصية
فإذا أوصى شخص لأخ وارث وقت الوصية ثم ولد يمنع الخ من الإرث صحت الوصية وعلى عكس ذلك ما إذا أوصى لأخ لا يرث لوجود ابن للموصي ثم مات الابن قبل موت أبيه وأصبح الأخ وارثا فإن الوصية تبطل
وإذا أجازت الورثة للوارث فإنها تنفذ
ويشترط في المجيز أن يكون عاقلا بالغا صحيحا لا مريضا فإذا أجاز المريض ومات في مرضه لا نتفذ إجازته إلا إذا أجازتها الورثة فيهم هذه الشروط
ومنها : أن لا يكون رقيقا - ولو مكانيا - إلا إذا علق ما بعد الغتق فإنه يصح وتجوز وصية ابن السبيل وهو البعيد عن ماله
ومنها : أن لا يكون الموصي معتقل اللسان طرأ على لسانه مرض منعه من النطق فإن وصيته لا تصح إلا إذا استمر زمنا فصار كالأخرس بحيث يتكلم بالإشارة المعهودة وحينئذ تكون إشارته وكتابته كالنطق فإشارة الأخرس تقوم مقام نطقه لأنها أصبحت معهودة للناس
ومثله من طرأ على لسانه مرض وصارت له إشارة معهودة يخاطب بها الناس فإنها تقوم مقام نطقه في الوصية والطلاق والنكاح والشراء أما إذا كانم مرضه عارضا وليست له إشارة معهودة فإن هذه العقود لا تصح منه حتى يبرأ لسانه
ويشترط في الموصى له أمور :
منها : ان يكون أهلا للتمليك فلا تصح الوصية لمن لا يملك كما إذا قال أوصيت بهذا التبن لدواب فلان هذه الصيغة تفيد أنه جعل التبن ملكا للدواب وهذا لا يصح ولو أراد إطعامها به لأن العبرة في مثل هذا اللفظ لا لنقد المتكلم . فإذا قال أوصيت بهذا التبن ليعلف به دواب فلان فإنه يصح ولا يشترط القبول في مثل هذه الحالة لأن للوصية جهتين إذ هي تارة تشبه الهبة وفي هذه الحالة يشترط لها القبول فمتى كان القول ممكنا بحيث ينأتى من الموصي له شرطا لنفاذها وتارة تشبه الميراث فلا يشترط فيها القبول عند تعذره كالوقف على الفقراء والمساكين
وكذا تصح الوصية إذا قال أوصيت بكذا لللإنفاق على دابة فلان أو فرسه ويجب تنفيذ الوصية للإنفاق على الدواب ولا يصح بيعها وإذا مات بطلت الوصية . وإذا كان يملك دواب حال حياة الموصي ثم اشترى غيرها بعد موته فإنه ينفق على الذي اشترها بعد موته فقط لأنها هي المقصودة بالوصية
ومنها : أن يكون حيا وقت الوصية ولو تقديرا فيشمل الوصية للجنين في بطن أمه فإنه حي تقديرا فتصح الوصية للحمل كما تصبح به كقوله : أوصيت بحمل دابتي هذه لفلان أو أوصيت بهذه الدابة للحمل الذي في بطن فلانة ولا يشترط القبول في هذه الحالة كما عرفت وإنما تصح الوصية للحمل بشرط أن يكون موجودا حين الوصية ويعرف حيا في مدة نقل عن ستة أشهر من تاريخ الوصية إذا كان لها زوج متمكن من قرباتها فإذا مات الموصي ثم ولدت بعد موته في مدة تقل عن ستة أشهر علم أن الوالد كان موجودا وقت الوصية
أما إذا ولدته بعد مضي ستة أشهر كاملة لم يثبت عند الوصية لأن أقل الحمل ستة أشهر فيمكن أن تكون علقت به بعد الوصية فلا يكون موجودا عندها
أما إذا كان الزوج ميتا أو كانت مطلقة بائنا فإن الوصية تصح إذا ولدته لأقل من سنتين من وقت الموت أو الطلاق ولو كان لأكثر من ستة أشهر من وقت الوصية فإذا جاءت به لأقل من سنتين حيا فإنه يثبت وجوده عند الوصية حكما بدليل ان النسب ميثبت من الزوج باعتبار أنها به قبل موته أو قبل طلاقها
وبذلك نكون قد حكمنا بوجود الولد موت الموصي لأن المفروض أن الموصى مات بعد الزوج ومتى حكمنا بذلك فقد حكمنا بوجود الولد عند الوصية كما لا يخفى
وكما تصح الوصية لحمل الإنسان كذلك تصح لحمل الحيوانت ليفق عليها من الموصى به كما عرفت
ومنها : أن لا يباشر قتل الموصي عمدا أو خطأ فإذا أوصى شخص لآخر ثم قتله الموصى له بعد الوصية بطلت وكذا إذا ضربه ضربة قاتلة ثم أوصى له بعد الضربة ومات فغن وصيته تبطل . وإذا أجازت الورثة وإذا كان القاتل صبيا أو مجنونا نفذت الوصية ولو لم تجزها الورثة
ومنها : أن يكون الموصى له معلوما ويكفي علمه بالوصف كالمساكين والفقراء فتصح الوصية إذا قال : أوصيت للفقراء أو للمساكين
ولا يشترط في الموصى له أن يكون مسلما فتصح الوصية من المسلم للذمي إلا ان يكون حربيا في دار الحرب . فإذا خرج من دار الحرب وطلب أخذ الوصية فلا يأخذ الوصية منها شيئا ولو أجاز الورثة
أما المرتد فإن الوصية له لا تصح من المسلم وتصح وصية الذمي المسلم ويشترط في الموصى به أمور :
منها : أن يكون قابلا للتملك بعقد سواء كان مالا أو منفعة فكل ما يصح تمليمه بعقد البيع ونحوه أو بعقد الإجارة كمنافع الدار والدواب ونحوهما فإنه يصح الوصية به . ولا يشترط أن يكون الموصى به موجودا في الحال فتصصح الوصية بالمعدوم المحتمل وجوده كالوصية بثمر لفلان ما دام حيا
ومثل ذلك ما إذا أوصى لزيد بثلث ماله ولم يكن له مال وقت الوصية ولكن ربح مالا قبل موته فإن زيدا يستحق ثلثه بعد موت الموصي
نعم إذا كان الموصي به معينا فإنه يشترط موجودا وقت الوصية
كما لإذا قالت : أوصيت لفلان بثلث غنمي فإنه يلزم أن تكون الغنم موجودة عند الوصية ومثل ذلك ما إذا كان الموصى به شائعا في بعض ماله
كما إذا قال : أوصيت لفلان بالمعز من غنمي فإنه تكون المعز موجودة عند الوصية
أما إذا كان شائعا في كل المال كما إذا قال : أوصيت له بمعز من مالى فإنه لا يشترط وجود المعز عند الوصية بل الشرط وجودها عند الموت
ومنها : أن يكون الموصى به ثلث المال فلا تنفذ الوصية فيما زاد على الثلث إلا أن يجيزه الورثة وهو كبار . ولا تنفع إجازتهم في حال حياته بل لا بد من الإجازة بعد موته . فإذا أجازوا حال حياته حال حياته كان لهم الرجوع
وإذا أوصى بجميع ماله لشخص وليس له وارث نفذت وصيته بدون إجازة بيت المال
وإذا أوصى الرجل لزوجته ببكل ماله وليس لها وارث سواه فإن الوصية تصح وتاخذ كل المال ومثله ما إذا أوصت المرأة لزوجها . أما غير الزوجين فإنه إذا لم يكن ثمة وارث سواه فإنه يأخذ الكل بدون وصية إما برد أو رحم بخلاف الزوجين فإنهما لا يأخذان كل المال إلا بالوصية
المالكية - قالوا : أن يكون حرا فلا تصح وصية الرقيق ولو بشائبه رق
ثانيهما : أن يكون مميزا فلا تصح وصية المجنون والصغير والسكران إذا فقدوا التمييز وقت الإيضاح . فالبلوغ غير شرط
ومثل ذلك السلامة من السفه فإنهما ليست بشرط إذ للسفيه أن يوصي سواء كان له قيم مولى عليه أو لا
فإذا تداين السفيه ولي ثم مات الولي لا يلزم ورثته سداد ذلك الدين إذا
أوصى به فإنه يسدد من ثلث ماله
وبعضهم يقول : يلزمه الدين بعد موته وإن لم يوص عليه
وهل تصح وصايا الصبي مطلقا أو تصح بشرط أن تكون وصايا بقربة ؟ خلاف
فبعضهم يقول : إذا أوصى الصبي لسلطان مثلا فإن وصيته باطلة على رأي من يشترط لصحة وصيته أن تكون بقربة لأن الوصية لذي سلطان بقربة
وتكون صحيحة على رأي من لا يشترط ذلك
ولا يشترط في الموصي الإسلام فتصح وصية الكافر للمسلم . إلا إذا وصى بما يحرم على المسلم الانتفاع به كالخمر والخنزير
ويشترط في الموصى له أن يكون ممن يصح أن يملك ما اوصى له به إما حالا وإما مآلا فيصح الإيصاء للحمل الموجود أو الذي سيوجد
فإذا قال : اوصيت بكذا لمن سيوجد فللان من أولاده فإنه يشمل من كان حملا في بطن أمه ويشمل من لم يكن موجودا اصلا فيؤجر الموصى به للحمل إذا لم يكن حمل وللوضع إن كان حمل فإذا وضع الولد واستهل صارخا استحق الموصى به وإلا فلا فنزول الولد مستهلا شرط استحقاقه للموصى به لا لصحة الوصية
فإذا ولدت أكثر من واحد وزرع الموصى به عليهم بنسبة واحدة الذكر مثل الأنثى ما لم ينص على غير ذلك فإن نص على تفصيل أحد عمل بنصه
ولا يشترط في الموصى له أن لا يكون قاتلا للموصي الوصية للقاتل بشرط أن تقع الضربة وأن يعرف المقتول قاتله فإذا ضرب شخص آخر ضربة قاتلة أو خطأ ثم اوصى له بعد الضربة بشيء من ماله ومات فإن الوصية تصح وتؤخذ الوصية من ثلث التركة وثلث مال الدية في القتل خطأ ومن أصل مال المتوفى في القتل عمدا
أما إذا أوصى له قبل أن يضربه فأماته فإن الوصية تبطل سواء عرف القاتل ولم يغير الوصية أو لا على الراجح لأن في ذلك شبهة استعجال الوصية كالميراث
ويشترط في الصيغة أن تكون بما يدل على الوصية من لفظ صريح كأوصيت أو غير صريح ولكن يفهم منه الوصية بالقرينة كاعطوا كذا لفلان بعد موتي ومثل اللفظ والإشارة المفهمة ولو كان الموصي قادرا على النطق
أما القبول فهو شرط لنفيذ الوصية بعد الوصية بعد الموت ولا بد أن يكون القبول بعد الموت فإذا حصل القبول قبل الموت فإنه لا ينفذ
ويشترط لصحة القبول أن يكون حاصلا من الشخص الذي عينه الموصي إذا كان بالغا رشيدا فإن لم يكن كذلك فإن وليه يقوم مقامه في القبول عنه
فلو مات الموصى له قبل القبول فإن وارثه يقوم في القبول
فإذا لم يكن الموصى له معينا كأن أوصى للفقراء والمساكين فإن الوصية تصح بدون قبول هذه الحالة
وإذا مات الموصي وتأخر القبول زمنا ارتفعت فيه قيمة الموصى به فهل الزيادة تكون حقا للموصى له اختلف في ذلك على أقوال ثلاثة :
أحدهما - أنها كلها للموصى له
ثانيها - أنهما كلها للموصي
ثالثها - أن للموصى له ثلثها فقط . والقول الثالث هو أعدل الأقوال وأشهرها
فإذا أوصى له ببستان يساوي ألف جنيه وكان ذلك يعادل ثلث ماله ثم مات الموصي وتأخر قبول الموصى له حتى أثمر البستان فزاد ثمنه مائتي جنيه فأصبح يساوي ألفا ومائتي جنيه ثم قبله الموصى له بعد ذلك . فعلى القول الأول يكون له خمسة أسداس فقط وهو ألف لأن السدس الذي زاد فيه قبل قبوله وهو المائتين يكون حقا لورثة الموصي
وعلى القول الثاني : يكون البستان الذي يساوي ألفا مع المائتين الزائدتين حقا للموصى له لأنه ثبت له ملك البستان بوفاة الموصي فما يحدث فيه يكون حقا له
وعلى القول الثلث يكون للموصى له الأصل وهو يساوي الألف وثلث الثمرة لأنه وغن كانت ثبت له الملك بموت الموصي ولكن المعتبر في تنفيذ الوصية القبول فمتى لم يحصل القبول كانت الزيادة الحادثة تركة يستحق الموصى له ثلثها والثلثين للورثة وذلك أعدل الأقوال وأشهرها فهو يستحق ألفا وستة وستين وثلثا . فإذا أخذ الألف فقط نقص عما يستحقه من ثلث مال المتوفى كله لأن المائتين اعتبرت تركة للمتوفى إذا لم تحدث في ملك الورثة
الشافعية - قالوا : يشترط في الموصي أن بالغا عاقلا حرا مختارا فلا تصح وصية الصبي والمجنون والمعنى عليه
أما السكران المتعدي بسكره فهو كالمكلف تصح منه سائر العقود وكذا لا يصح وصية الرقيق مكاتبا كان أو غيره كما لا تصح وصية المكره
ولا يشترط الإسلام فتصح الوصية من الكافر سواء كان حربيا أو لا وكذا تصح وصية المرتد بشرط أن يعود للإسلام
أما إذا مات مرتدا فإن وصيته ولا يشترط في الموصي أن يكون محجورا عليه فتصح وصية المحجور عليه لسفه أو فلس لأن صحيحة وهو في حاجة إلى الثواب
أما الموصى له فيشترط فيه شروط :
أحدهما : أن يكون ممن يتأتى له الملك بنفسه إن كان مكلفا أو بوليه إن كان صبيا أو مجنونا ونحوهما فتصح للعاقل والكبير والصغير حتى الجنين في بطن أمه ولو قبل انفصاله على المعتمد . نعم يصح أن يقول :
أوصيت بكذا لأولاد زيد الموجودين لمن سيحدث له من الأولاد فإن الوصية تصح للجميع على أن يكون المعدوم تابعا للأولاد الموجودين وهذا بخلاف الوقف كما سيأتي لأن الوقف يصح في ذلك نظرا لكون المقصود منه الدوام ولكن يقبل عمن ليس أهلا كالصغير والمجنون لوليه
[ يتبع . . . ]
الملك فإن الوصية له لا تصح كالميت فإنه يصح لفلان حال موته
أما الوصية لميت نغسله وتكفينه وتجهيزه فهي جائزة لأنها في الحقيقة وصية لمن يلي أمر تجهيزه أو يقال لجهة بر لا لشخص الميت
ومن ذلك الوصية على الدابة لأنها أهل للملك إلا إذا كان الغرض صاحبها أو علفها فإن كان الوقف على علف الدابة كان وقفا على جهة بر إطعام الحيوان والرفق به من جهات البر فيشترط لصحة الوصية أن يقبلها مالك الدابة لأنه بالوصية في هذه الحالة ولكن لا يسلم علفها المالك بل يصرفه الوصي إن كان وصي فإن لم يكن يسلم للقاضي أو نائبه
ولا يصح الإنفاق على غير الجهة التي عينها الموصي وهو علف الدابة . فإذا باع الدابة لغيره فإن كان ذلك حال حياة الموصي كانت الوصية باقية للبائع
وإذا باعها بعد موته انتقلت للمشتري على المعتمد على أنه يلزم لصرف به على علف الدابة إذا قامت قرينه أن المقصود مالك الدابة فإنه يملك الموصى به أي حال
ومن ذلك ما إذا أوصى على من سيحدث لزيد من الأولاد فإنه لا يصح لأن الشرط أن يكون الموصصى له ممن يتأنى له الملك والمعدوم لا يتأنى له الملك
ثانيها : أن يكون الموصى له معينا إن كلن غير جهة كزيد فإذا أوصى بثلث ماله لزيد ولم يعينه في العقد فلا تصح الوصية له
أما إن كان الموصى له جهة بر فإنه لا يشترط تعيينها فإذا قال أوصيت بثلث مالي للفقراء والمساكين فإنه يصح ولا يلزم تعيين فقراء مخصوصين بل لو قال : أوصيت بكذا من مالي ولم يذكر الموصى له أصلا فإنه يصح لأن الموصى له يكون مذكورا ضمنا وهو جهة البر
ثالثها : أن يكون مياحا قابلا بالاختيار فلا تصح الوصية بحد قذف على غير من هو عليه فإذا قال القاضي مثلا أوصيت بتنفيذ حد قذف فلانة على زيد وكان زيد غير قاذف فإن الوصية لا تصح لأن حد القذف لا يقبل النقل ممن وجب عليه إلى غيره أما إذا كان زيد هو القاذف فإن الوصية تصح ومثل ذلك بالشفعة لشخص لا يستحقها
وتصح الوصية بالحمل لأنه لا يقبل النقل من اختصاص شخص إلى آخر فإذا أوصى شخص لآخر بالحمل الذي في بطن بقرته فإن الوصية تصح وإذا كان الحمل موجودا في بطن أمه يشترط أن يكون وجوده معروفا عند الوصية وأن ينفصل حيا ويرجع في معرفة مدة حمله إلى أهل الخبرة وكما تصح للحمل فإذا قال : أوصيت لولد فلان الذي في بطن أمه بكذا فإن الوصية تصح له بشرط أن يكون موجودا عند الوصية وأن ينفصل حيا حياة مستقرة . ويعرف وجوده إذا ولدته في مدة تقل عن ستة
أشهر من وقت الوصية إذا كانت المرأة فراشا ينسب الحمل إليه كأن تكون متزوجة . اما إذا لم تكن كذلك فإن لم يكن لها فراش أصلا فلا تصح الوصية أما إذا كان لها زوج ومات عنها أو طبقها فإن الوصية تكون له إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر إلى أقل من أربع سنين وهي أكثر مدة الحمل
أما إذا كان الحمل معدوما رأسا فإن الوصية تصح به وله لأنه لا يشترط أن يكون الموصى به موجودا فتصح الوصية بثمر البستان ويحمل الدابة في هذا العام على الأصح . وكذا لا يشترط في الموصى به أن يكون طاهرا فتصح الوصية بالكلب المباح نفعه وبالزيل الذي ينتفع به أما الذي لا ينتفع به فلا تصح به الوصية
وأما الصيغة فيشترط لها أن تكون بلفظ يدل على الوصية سواء كان صريحا أو كتابة فالصريح كقوله أوصيت له بكذا أو أعطوه له أو هو هبة بعد موتي . والكناية كقوله هواه من مالي بشرط النية في الكناية . أما القبول فهو أن يقول : قبلت وهل يشترط أن يكون لفظا فلا يكفي فيه الفعل ؟ قولان والأوجه أنه لا بد من اللفظ ولا بد أن يكون القبول بعد الموت إذ لا تلزم الوصية إلا بعد الموت
الحنابلة - قالوا : أن يكون عاقلا فلا تصح من المجنون مطبقا
أما الذي يغمى عليه أو يختنق ( يتشمج )
أحيانا ثم يقيق وصيته حال إفاقته
أما ضعيف العقل ضعفا لا يمنع رشده فإن وصيته في ماله فله أن يوصي بعد موته بثلث ماله كما يصح له أن يقيم وصيا على أولاده من بعد
لأن رشده لم يذهب فله أن يتصرف لنفسه ولأولاده
فإذا كان ضعيف العقل تمنع رشده ويوجب الحجر عليه فإنه يصح له أن يوصي بماله فقط ولا يصح أن يقيم وصيا على أبنائه لأنه إذا كان لا يحسن التصرف على نفسه فلا يملك اختيار من يتصرف على غيره
ويلحق بالمجنون السكران فإن وصيته لا تصح
ومنها : أن يكون مميزا فلا تصح من طفل فاقد التمييز أما البلوغ فليس بشرط قتصح من الصغير المميز . منها أن يكون قادرا على النطق فإن اعتقل لسانه فلا تصح إشارته ولو كانت مفهومة إلا إذا كان ميؤسا من برئه فإن إشارته المفهومة تكفي كالأخرس فإن وصيته تصح بإشارته المفهومة فإن لم تفهم إشارته فلا تصح وصيته
ومنها : أن لا يكون محجورا عليه لسفه إذا أراد الإيصال على أولاده فإذا قال المحجور عليه لسفه أوصيت على أولادي فلانا من بعدي فإن وصيته تبطل لأنه لم يحسن التصرف على نفسه فلا يحسن اختيار من يوصيه على غيره
أما وصيته بمال فإنها تصح لأن فيها نفعا كالصلاة والصيام ونحوهما من العبادات ومثله المحجور عليه لفلس فإن وصيته ولا يشترط في الموصي أن يكون مسلما فتصح من الكافر كما تصح من الفاسق
ويشترط في الموصى له أن لا يكون قاتلا للموصي سواء كان القتل عمدا أو خطأ فإذا أوصى شخص لآخر فقتله بطلت الوصية وإذا ضربه فجرحه ثم أوصى له ومات من الجرح بطلت الوصية أيضا
ولا يشترط في الموصى له أن يكون مسلما فتصح للكافر ولو مرتدا أو حربيا بدار الحرب ما لم يكن مقاتلا فإن كان فلا تصح الوصية على الصحيح
وأن يكون موجودا عند الوصية فتصح الوصية على الحمل بشرط أن يكون موجودا حال الوصية بأن تضعه لأقل من ستة أشهر من حين الوصية وبشرط أن تكون فراشا لزوج أو سيد أو بائنا فإن لم تكن فراشا أو كان زوجها في بلد بعيد أو محبوسا فإن الوصية إذا وضعته لأقل من أربع سنين كما ذكر عند الشافعية
وتصح الوصية لفرسس زيد ودابته ولو لم يقبل زيد الموصى به و يصرف الموصى به في علفه فغن مات الفرس قبل الإنفاق عليه كان الباقي لورثة الموصى ويتولى الإنفاق عليه الوصي أو القاضي لا صاحب الفرس
ويشترط في الموصى به أن يكون في اختصاص الموصى فلا تصح الوصية بملك الغير ولو ملكه بعد الوصية فإذا قال : أوصيت بمال فلان ثم ملكه بطلت الوصية
ولا يشترط في الموصى به ان يكون موجودا فتصح الوصية بالمعدوم كثمر البستان مدة معينة أو دائما كما تصح الوصية مما تحمل دوابه وأغنامه وبعضهم يقول : لا تصح بمثل ذلك ولا يشترط فيه أن يكون طاهرا فتصح الوصية بالزيت المتنجس الذي ينتفع به بشرط أن لا يستعمل في مسجد كما تصح الوصية بكلب الصيد بشرط أن لا يكون أسود بهيما ونحو ذلك مما فيه نفخ مباح
وكذا لا يشترط فيه أن يكون مقدروا على تسليمه فتصح الوصية بالطير في الهواء والحيوان الشارد ونحو لك وعلى الموصى له أن يسعى في الحصول عليه
أما الصيغة فيها أن تدل على معنى الوصية سواء كان إيجابا أو قبولا
فأما الإيجاب فهو كقوله : وصيت لك بكذا أو أوصيت لزيد بكذا أو أعطوه من مالي بعد موتي كذا أو جعلته له بعد موتي أو هو بعد موتي ونحو ذلك مما يؤدي إلى مما يؤدي إلى معنى الوصية كملكته له بعد موتي
وأما القبول فيشترط فيه أن يكون بعد الموت ولا عبرة بقبوله أو رده قبل الموت ويحصل القبول باللفظ كقبلت وبالفعل كأخذ الموصى به ونحو ذلك مما يدل على الرضا كبيع الموصى به وهبته أما الرد فيحصل بقوله : رددت الوصية أو لا أقبلها ونحو ذلك ويجوز التصرف في الموصى به بعد ثبوت الملك بالقبول ولو لم يقبض
لا يشترط القبول إذا كان الموصى له جماعة غير محصورين كالمساكين والعلماء ونحوهم



مبحث حكم الوصية

- حكم الوصية بالنسبة للوصي يختلف الأحوال
فتارة تكون الوصية واجبة وتارة تكون مندوبة وتارة تكون محرمة وفي ذلك تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : ينقسم حكم الوصية بالنسبة للموصي إلى أربعة أقسام : الوجوب الندب الإباحة الكراهة
فاما الوصية الواجبة فهي ما يترتب عليها إيصال الحقوق لأربابها كالوصية برد الودائع والديون المجهولة التي لا مستند لها فإنه بفترض عليه أن يوصصي بردها إلى أربابها لأنه إن لم يوص ببها ومات تضيع على أربابها فيأثم بذلك
وأما الوصية المستحبة فعي ما كانت بحقوق الله تعالى كالوصية بالكفارات والزكاة وفدية الصيام والصلاة والوصية بحجة الإسلام وغير ذلك من القرب
وبعضهم يقول : عن الوصية بحقوق الله المفروضة واجبة عليه أن يوصي بالزكاة والكفارات الواجبة ونحو ذلك والظاهر الأول
وأما الوصية المكروهة فهي ماكانت لأهل الفسوق والمعاصي كالوصية لإخوان السوء والضلال وأما الوصية المباحة فهي ماكانت للأغنياء من اهله وأقاربه أو من غيرهم فليست الوصية للأهل والأقربين مفروضة
وأما قوله تعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك الوصية للوالدين } الآية فهو حكم مؤقت للوالدين بإعطائهم جزءا من المال قبل نزول آيات المواريث وتنظيم حقوق الوراثة وقد انتهى بزول المواريث
وإذا أوصى بفرض كإخراج الزكاة وكفارة القتل واليمين وإخراج فدية الصيام والصلاة فإن كان الثلث يكفي لها جميعها فالأمر ظاهر . وإلا فيقدم حق العبد على حق الله تعالى فتقدم الزكاة وكفارة القتل ونحوهما على فدية الصيام . ويقدم من حقوق من حقوق الله الفرض على الواجب والواجب على المستحب
فإذا اجتمعت فرائض كالحج والزكاة قدم الحج وهما يقدمان على الكفارات والكفارات تقدم على صدقة الفطر لأنها واجبة لا فرض
وصدقة الفطر على الأضحية للخلاف في وجوبها والأضحية مقدمة على النوافل
وأما حكمها بالنسبة للموصى به فهو كون الموصى به ملكا جديدا للموصى له
والمراد بالحكم هنا الأثر المترتب على الشيء . فالأثر المترتب على الوصية كون الموصى به ملكا جديدا له
هذا والأفضل لمن له مال قليل أن لا يوصي إذا كانت لهع ورثة
والأفضل لمن له مال كثير أن لا يوصي بأكثر من الثلث
الشافعية - قالوا : الوصية باعتبار الأحكام الشرعية إلى خمسة أقسام :
القسم الأول : الوصية الواجبة وهي الوصية بما عنده من ودائع وديون معلومة فيجب عليه أن يوصي بها ولو لم يكن مريضا حتى لا تضيع حقوق الناس بموته فجأة
القسم الثاني : الوصية المحرمة كما إذا أوصى مشاغب بحيث إذا جعل له حق في التركة أفسدها
القسم الثالث : الوصية المكروهة وهي ماكانت بأكثر من ثلث المال أو كانت لوارث
القسم الرابع : الوصية المستحبة استحبابا مؤكدا وهي ما استوفت الشرائط ولم تكن واجبة أو محرمة أو مكروهة كالوصية لغير الوارث المستقيم العقل والوصية للفقراء والمساكين ونحو ذلك القسم الخامس : الوصية المباحة كالوصية للأغنياء
الحنابلة - قالوا : تنقسم الوصية إلى أقسام :
القسم الأول : الواجبة وهي ما يترتب على عدمها ضياع حق الله أو العباد فتفترض الوصية على من كانت عنده ودائع أو عليه دين بدون بينة كما تفترض على من عليه واجب من زكاة أو حج أو كفارة أو نذر
القسم الثاني : المستحبة وهي الوصية للقريب الفقير الذي لا يرث بشرط أن يكون الموصى ترك مالا كثيرا عرفا . وأن لا تزيد عن خمس المال كي لا يؤذي الورثة
فالوصية المستحبة هي ما اجتمعت فيها هذه الشروط فإن لم يكن له قريب ففقير فتسحب الوصية للفقراء والمساكين والعلماء ونحوهم
القسم الثالث : الوصية المكروهة وهي الصادرة لمن لم يترك مالا كثيرا إذا كان له وارث محتاج والاحتياج يختلف باختلاف باختلاف الناس
القسم الرابع : الوصية المحرمة وهي ماكانت بأكثر من الثلث فيحرم على من كان له وارث غير أحد الزوجين أن يوصي بأكثر من الثلث . ولكن التحقيق أن هذا مكروه فقط وعلى هذا يدخل في قسم المكروه
القسم الالخامس : الوصية المباحة وهي فيما عدا ذلك
المالكية - قالوا : تنقسم الوصية إلى خمسة أقسام :
الأول : الواجبة فتجب على من كان عليه دين أو عنده وديعة كي لا تضيع حقوق الناس أو كانت بقربة واجبة
الثاني : الوصية المندوبة وهي ماكانت بمحرم وواجبة
الرابع : الوصية المكروهة وهي ما كانت صادرة من شخص له مال قليل وله وارث
الخامس : الوصية المباحة وهي ما كانت بمباح
وبعض المالكية يقسمها إلى قسمين : واجبة وهي فيما إذا كان له أو عليه حق ومستحقة وهي فيما عدا ذلك
هذه تفاصيل المذاهب في حكم الوصية وذكرناها كما هي ولا يخفى أن بعضها وإن لم يكن مذكورا في بعض المذاهب ولكن قواعدهم لا تأباه



مبحث الوصية بالحج والقراءة ونحوهما وبما يعمل في المآتم وغير ذلك

- الوصية بالحج والقرآة على القبور وغيرهما والوصية بالبهاليل ( العتاقة )
ونحوها والوصية بما اعتاد الناس عمله في المآتم من أكل وشرب وغيرهما والوصية بالدفن في مكان خاص وبناء القبر ذلك اختلاف المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : الوصية بقراءة القرآن على القبور أو المنازل باطلة فإذا أوصى بجزء من ماله للقراءة على قبره لا تنفذ وصيته وإذا عين بوصيته شخصا مخصوصا كأن قال : أوصيت لمحمد بكذا من مالي ليقرأ به القرآن على قبري : إن الوصية تصح على أن يأخذ مال الموصى به بطريق البر والصلة لا بطريق الأجرة على القراءة وقيل : تبطل على أي حال وهذا مبني على كراهة أخذ الأجرة على الطاعات وبعضهم يجيزها فيجيز الوصية بها
ومثل ذلك الوصية بالبهاليل ( للعتاقة )
ونحوها مما اعتاده كثير من الناس فإن الوصية به باطلة فإذا عين شخصا مخصوصا جرى فيها الخلاف المتقدم
أما الوصية بالعبادات فإنها مستحبة كما عرفت فيستحب لمن عليه حج أن يوصي به وبعضهم يرى وجوب ذلك فإذا أوصى بأن عنه حجة الفريضة فإذا كانت يكفي للإنفاق على رجل يسافر من بلده راكبا وجب عنه من بلده يبدأ السفر منها
أما إذا كان المال لا يكفي فينفق على من يحج عنه من الجهة التي يكفي منها المال مثلا أوصى رجل من أسوان أن يحج عنه فإن كان المبلغ الذي أوصى به يكفي للسفر من أسوان وجب أن يكون الحج مبدئا منها فإن كان المبلغ يكفي لأن يحج عنه من السويس وعلى هذا القياس ولا يصح أن يحج عنه ماشيا ولو كان المبلغ للحج عنه ماشيا لأن الحج لا يجب إلا على من له قدرة على الركوب فيثبت في حق الغائب على هذا الوجه
وإذا مات حاج في طريقه وأوصى بأن يحج عنه فهل يبدأ عنه من المكان الذي مات فيه أو من بلده ؟ خلاف فقيل عنه من بلده شخص راكيا لاماشيا وهو المعتمد . وقيل يحج من المكان الذي فيه فإن لم يكف المبلغ من بلده يحج عنه من المكان الذي يكفي فيه المبلغ
وإذا أوصى بأن يحمل من الموضع الذي مات به إلى موضع آخر ليدفن فيه كأن أوصى بأن ينقل من جهة كذا إلى جهة كذا فإن الوصية تكون باطلة . وإذا نقله الوصي وأنفق عليه ملزما بما أنفقه من ماله لا من التركة إلا إذا أجازه الورثة
وإذا أوصى بأن يفرش تحته في قبرره مرتبة ونحوها فقيل : تصح لأن ذلك يشبه الزيادة في الكفن فلا بأس به وقيل لأنه ضياع مال من غير جدوى
وإذا اوصى بعمارة قبره على وجه الزخرف والزينة والبناء المعروف في زماننا فالوصية به باطلة أما إذا كان متهدما محتاجا للعمارة فالوصية به صحيحة
وإذا أوصى بأن تبنى على قبره قبة ونحوها كانت الوصية باطلة لأن هذا ممنوع باتفاق
أما إذا أوصى بأن يطلى قبره بالين ( والجس )
ونحوهما ففيه خلاف . فبعضهم يقول : إن كان لحاجة كتقوية بناء القبر كي لا تسطو عليه الوحوش أو الإخفاء الرائحة أو نحو ذلك فإنه يجوز بلا خلاف وإذا فلا
وإذا أوصى بأن يدفن في داره فالوصية باطلة إلا أن يجعل داره مقبرة للمسلمين فتصح الوصية وإذا أوصى بمبلغ كبير يشترى كفنه فإنه لا يعمل به ويكفل بطفن المثل بأن ينظر إلى ثيابه حال حياته لخرروج الجمعة أو العيدين أو الوليمة ويشترى له كفن من نوعها
وإذا اوصى بثلث ماله في اتخاذ مقابر لفقراء المسلمين أو في أكفانهم فإنها تصح بخلاف ما إذا لم يذكر الفقراء بل قال : في مقابر المسلمين فإن الوصية لا تصح
وإذا أوصى باتخاذ طعام في المآنم فإنه يصح بشرط أن يأكل منه المسافرون والبعيدون عن جهة المتوفى . أما الذي مسافته قريبة ومدة
إقامته فإنه لا يجوز له الأكل منه ولا بأس بحمل الطعام إلى أهل الميت في أول يوم لاشتغالهم بالمصيبة أما اليوم الثالث فإنه يكوه لأن أهل الميت لا يشغلون بعد ذلك إلا بالنياحة بحمل الطعام إعانة على المعصية
وإذا اوصى بمصاحف توقف في المسجد يقرأ فإن الوصية باطلة عند الإمام وصحيحة عند محمد . وكذا إذا أوصى بان يجعل أرضه هذه مقبرة للمسلمين فإن الوصية تكون باطلة عند أبي حنفية أما إذا اوصى بان يجعل أرضه هذه مسجدا فالوصية صحيحة باتفاق
وإذا أوصى بأن ينفق ثلث ماله على المسجد فإنه يجوز ويصرف على عمارته والأدوات الازمة له وإنارته ونحو ذلك . وإذا أوصى بثلث ماله لبيت المقدس جاز وتنفق على عمارته وما يلزم لإقامة شعائره
المالكية - قالوا : الوصية لمن يقرأ على قبره تنفذ كالوصية بالحج عنه سواء عين الشخص الموصى له أو لم يعين . أما الوصية لمن يصلي عنه أو يصرم عنه فإنها باطلة ومثل ذلك ما إذا أوصى بما فيه ضياع للأموال بدون جدوى كالوصية بقنديل من فضة يعلقه على قبر ولي نبي أو بمقصورة أو ثوب يوضع على المقصورة أو نحو ذلك مما لم بأمر الشارع به وللورثة أن يفعلوا به ما شاؤوا ومثل ذلك الوصية بالنياحة عليه أو ضرب قبة على قبره مباهاة فكل ذلك تبطل الوصية به ولا تنفذ
ومن ذلك أيضا الوصية بالمال الذي بنفق في الموالد تقام عبى الوجه الذي يقع في هذه الأزمنة من اختلاط النساء بالرجال وسريان الفساد والعمل بما لم يأمر به الششرع ونحو ذلك من المنكرات فإن الوصية بكل هذا باطلة ولا تنفذ . وتصح الوصية بالكفن والحمل والدفن والغسل ونحو ذلك مما تصح الأجرة عليه . أما الأشياء المتمضحة للعباد كالصلاة عليه فإن الوصية بها لا تجوز . وتجوز الوصية لأي مسجد من المساجد وإن كان المسجد لا يتصور تملكه لأن الغرض بالوصية له الوصية بالإنفاق على مصالحه كوقوده وعمارته وذلك معروف للناس فلا يقصدون من الوصية للمسجد إلا هذا فإذا كان الغرض معنى آخر حملت الوصية عليه للجامع الأزهري فإن الغرض المعروف للناس من الوصية عليه الإنفاق على طلبته . وبالجملة فإن النظر في مثل للعرف فيعمل بما هو متعارف
ولا تصح الوصية ببناء مسجد أو مدرسة على أرض موقوفة على دفن الأموات كقرانة مصر فإنها لخصوص الدفن فلا يصح عمله شيء آخر عليها . ولا تصح الوصية بما لا يصح عمله في المآتم كالنياحة وإقامة السرادق في الطرق ونحو ذلك من المعاصي التي عنها الشرع لأن الوصية يالمعاصي باطلة . اما الأشياءء التي تجوز على الوجه المتقدم في ملاحث الجنائز فغن الوصية جائزة . وتستحب الوصية بالطاعات كما تقدم فإذا أوصى بأشياء متععدة من الطاعات من الطاعات كالزكاة وفدية الصيام وفك الأسير المسلم ونحو ذلك فإن كان الثلث يكفي لنفيذها ولم تجزها الورثة فإن بعضها يقدم على بعض بترتيب خاص على الوجه الآتي :
أولا : تقدم الوصية بصداق امرأة تزوجها ودخل عليها وهو مريض مرضا مخوفا ومات بهذا المرض وفي هذه الحالة يلزمه إما صداق مثلها إن كان أقل من الصداق الذي سماه لها أو الصداق المسمى غن كان من صداق المثل فالذي تستحقه في هذه الحالة هو الأقل من الصداق المسمى أو صداق المثل
ثانيا : فك الأسير المسلم وقيل يقدم فك الأسير على الجميع ثم المدبر ثم صداق المريض ثم الزكاة التي فرط فيها في حال صحته وأصبحت دينا عليه فتخرج من الثلث إذا اوصى بها من غير أن يعترف بحلولها في ذمته
أما إذا اعترف بحلولها فإنها تصبح دينا يجب إخراجها من رأس المال سواء أوصى أو لم يوص ومثل ذلك زكاة الماشية إذا حل الماشية إذا حل موعد إخراج زكاتها ومات عند ذلك فإن زكاتها من رأس المال سواء أوصى بإخراجها أو لم يوص
ومثل ذلك زكاة الماشية إذا حل موعد إخراج زكاتها ومات عند ذلك فإن ذلك فإن زكاتها تجب من رأس المال سواء أوصى بإخراجها أو لم يوص
ومثلها زكاة الزرع إذا أفرك حبه ( صار فريكا )
والبستان إذا تلون ثمره فإذا وقع ذلك عند موته فإن زكاته تجب زن رأس المال سواء أوصى بها أو لم يوص
ثالثا : زكاة الفطر إن كانت عليه زكاة فائتة أما زكاة فطر رمضان الذي مات بعد وجوبها عليه مباشرة ولم يخرجها فإن إخراجها يجب من رأس المال إذا اوصى بها فإن لم يوص بها فإن الورثة يؤمرون بإخراجها ( فإن امتنعوا )
فلا يجبرون
رابعا : عتق كفارة ظهار وعتق كفارة قتل ورتبتهما واحدة
خامسا : كفارة يمين باسم الله تعالى أو بصفته من صفاته
سادسا : كفارة فطر رمضان متعمدا ثم كفارة التفريط في كفارة رمضان حتى دخل رمضان الثاني
سابعا : وفاء النذر سواء كان في صحة أو مرض وساء كان معلوما عند الناس من جهة الوصي فقط
ثامنا : المنجز عتقه في المرض
تاسعا : الرقيق الموصى بعتقه إذا كان معينا عند الموصي كعبدي فلان أو معينا عند غيره كسعيد عند زيد أو غير ذلك
عاشرا : المكاتب
حادي عشر : المعتق لسنة ويقدم المعتق لأكثر منها
ثاني عشر : عتق غير معين كأن قال : اعتقوا رقبة
ثالث عشر : حج عن الموصي بأجرة إلا إذا كانت حجة الفرض إلا إذا كانت حجة الفرض فإنها تكون في مرتبة العتق الغير المعين
ومثلهما الوصية بجزء من مال فإنها في مرتبة العتق المطلق وحج الفريضة فيأخذ كل واحد منها حصة حال اجتماعهما
الشافعية - قالوا : تصح الوصية بقراءة القرآن لأن ثواب القراءة يصل إلى الميت إذا وجد واحد من ثلاثة أمور : ان يقرأ قبره فإن لم يكن فليدع له عقب القراءة . فإذا لم يفعل فلينو حصول الثواب له فإذا وجد واحد من هذه الأمور فإن الثواب يصل إلى الميت
وبعضهم يقول : لا بد من الجمع بين الدعاء والنية
وإذا أسقط أجر القارئ دنيوية فإن أجر الميت لا يسقط كما تقدم في الإجارة وقيل : لا يصل ثواب القرآن إلى الميت وهو ضعيف
وتصح الوصية بالحج سواء كان فرضا أو نفلا وينفق من يحج ميقاته بالإحرام سواء قيد بذلك بأن قال : يحج عن محل ميقاتي أو أطلق يحمل على المعهود شرعا والنعهود شرعا هو أن يبدأ الحج من محل الميقات
أما إذا قيد بمكان أبعد من محل الميقات فيعمل ببما قيد به . ومحل ذلك ما إذا كان ثلث المال يسع الحج من الأمكنة المذكورة فإن لم يكف فإنه يحج عنه عن محل الميقات إذا أمكن فإن لم يمكن فيحج عنه من فوق الميقات ولو من مكة ولا تبطل الوصية . وإذا لم يكف الثلث لشيءء من ذلك فإنه يكمل من رأس المال . بمعنى أن يشترك الحج وغيره من الموصى لهم في الثل فإذا ضاق الثلث عنهما كمل رأس المال ولهم في بيان ذلك طريق خاص . وهو أنه إذا فرض وأوصى زيد بمائة جنيه من ماله لعمرو وأوصى بأن يحج عنه حجة الفريضة وكانت قيمة نفقاتها مائة جنيه وكانت التركة كلها ثلاثمائة جنيه والورثة لم يجيزوا الوصية إلا من الثلث وهو المائة وهي لاتكفي للوصيتبن كما هو ظاهر فيكمل للحج من رأس المال ولا يمكن معرفة الجزء الذي يكمل به إلا بعد معرفة ثلث الباقي بعد التكملة
ومعرفة ثلث الباقي تتوقف على معرفة الجزء الذي به التكملة فتتوقف معرفة كل منهما على الآخر . وهذا يسمى دورا . وكيفية حل هذا الدور أن يقرض الجزء الذي به التكملة شيئا مجهولا بأن يقال : التركة ثلاثمائة جنيه إلا شيئا ويقسم الباقي أثلاثا شيء ويقسم الثلث بين عمرو الموصى له وبين الحج فيخص كل واحد خمسين جنيها إلا سدس الشيء ثم يضاف الشيء الذي اقتطعناه من المبلغ إلى نصيب الحج خمسين جنيها وهمسة أسداس لأن المفروض أنه اختص بخمسين إلا سدسا ضم إليها واحد كامل أعني ستة أسداس فصار نصيبه خمسين وخمسة أسداس . وتكون المسألة من ستة على طريق حساب الفرائض قيضرب الخمسسون فيكون المجموع 300 تقسم على خمسة أسداس فيكون الخارج 60 وذلك هو الشيءء المجهول الذي أخذ من أصل التركة ليكمل به الحج فإذا طرح 60 من أصل التركة 300 كان الباقي 240 ثلثه 80 يقسم بين زيد وبين الحج فيخص زيدا 40 والحج 40 فإذا ضم إليها الستون وجد المائة المطلوبة للحج
هذا في الحج المفروض أما إذا أوصى بالنقل ولم يكن الثلث للحج من الميقات فقيل : تبطل الوصية به وقيل لا تبطل
وتصح الوصية بعمارة المسجد ومصالحه بشرط أن يقبل الناظر فإذا قال الموصي : أرت أن يكون الموصى به ملكا للمسجد فإنه يصح بشؤط أن يقول أوصيت بهذا للمسجد أما إذا قال : هذا على المسجد فإنه يكون وقفا عليه
هذا وما عدا ذلك من الأمور المذكورة فإن ما جاز عمله بدون حرمة أو كراهة تجوز الوصية به وإلا فلا
الحنابلة - قالوا : تصح الوصية بكتابة العلم والقرآن قربة نافعة وتصح الوصية للمسجد على أن تصرف في مصالحه
وإذا أوصى بالحج عنه فإن لم يعين المبلغ الذي يحج به دفع إلى من يحج عنه قدر نفقة المثل فقط فإن ضاع المال في الطريق لا يضمنه الحاج وكذا إذا مرض أو منع من الحج . أما إذا توهم المرض أو خاف منه فإن عليه ما أنفقه أما إذا عين المبلغ كأن قال : حجوا عني بألف فعلى الوارث أن يصرف المبلغ من الثل إن كان الثلث يسعه ولكن ينفقه على قد ما ينفق على الحج فيحج به مرة بعد أخرى وهكذا . ويصح ان يبدأ بالحج عنه من الميقات أما ما قطع قبل الميقات من المسافة فليس من الحج وإذا عين الموصي من يحج لزمه تنفيذه للوارث فلا يصح أن يحج عنه وكذا إذا أطلق ولم يعين أحدا فإذا قال : يحج عني الوارث فإنه يصح
والوصية بالصدقة أفضل من وصبة بحج التطوع ولا تصح الوصية بما نهى عنه مما يعمل على القبور من بناء غير مأذون فيه وهوما زاد على شير محل القبر وغير ذلك مما تقدم النهي عنه في الجنائز



مبحث الوصية لقوم مخصوصين كالجيران والآقارب ونحوهم

- إذا قال أوصيت لجيراني ولأقاربي أو نحو ذلك فإنه يصح ولكن بيان الجيران أو الأقارب فيه تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : إذا أوصيت لجيراني بكذا فإن الوصية تكون لجيرانه الملاصقين له فكل دار ملزمة به من يمين أو شمال أو خلف فالوصية تعطى لأهلها من سكانها بالسوية بينهم سواء كانوا مسلمين أو ذميين نساء أو رجالا قربت الأبواب أو بعدت ما داموا ملازقين للدار على أن من كان يملك دارا وليس فيها لا يأخذ من الوصية شيئا وذلك رأي الإمام اما صاحباه فيقولان : الجار يشمل أهل المحلة جميعا وهم الذين يضمهم مسجد وتحد وجماعة واحدة ودعوة واحدة لأن العرف يطلق الجار على هذا
وإذا قال : أوصيت لأصهاري بكذا استحق الوصية كل ذي محرم من زوجة فيأخذ من الوصية آباء الزوجة وأعمامها وأخواتها وكذا تكون لكل ذي محرم من امرأة أبيه وعمه وخاله وكل ذي محرم منه لأن الجميع أصهار له ومع ذلك فالعبرة مثل هذا للعرف فإذا كان العرف يقصر الصهر على الآباء فإنما يعمل ببه وإنما يدخل الوصية من كان صهرا له عند موته بحيث تكون المرأة التي أوجبت المصاهرة باقية على ذمته
أما إذا طلقها طلاقا بائنا قبل موته فإن أقاربها لا يدخلون في الوصية لأنهم لا يكونوا أصهارا له في هذه الحالة وإذا طلقها ثم مات وهي عدته فإنه كان الطلاق رعيا كان أقاربها أصهارا له يستحقون الوصية اما إذا كان الطلاق بائنا فإنهم لا يكونون له أصهارا
وإذا قال : أوصيت لأختاني بكذا استحق زوج بنته وأخته وعمته وخالته . وزوج كل ذات رحم محرم منه كزوج بنت أخته وبنت بنته وابنه . والعبرة في ذلك للعرف فإذا كان العرف يطلق الختن على كل ذي رحم محرم لأزواج هؤلاء فإن الوصية تشمله . مثلا زوج البنت ختن وزوج العمة ختن وزوج الخالة ختن . فإذا كان لهؤلاء الأزواج أرحاما فإن كان العرف يطلق الختن على أرحام الأزواج أيضا فيعمل به . وكذا كان العرف يخص الختن بزوج البنت فقط فإنه يعمل به وهكذا
وإذا قال : اوصيت بكذا لأهلي فأبو حنبفة يخص الأهل بالزوجة وصاحباه يقولان : يشمل كل من في نفقته ما عدا خدمه ويستدل أبو حنيفة بأن الأهل حقيقة في الزوجة . قال تعالى : { وسار بأهله } { وقال لأهله : امكثوا } . والعرف ينطبق على اللغة ولذا يقولان : تأهل من جهة كذا فإذا قال الشخص : أرصيت لأهلي بهذا الإطلاق ينصرف إلى الحنفية المستعملة . والصاحبان يقولان : إن اللغة تستعمل الأهل في أقارب الرجل وعشيرته : قال تعالى : { فنجيناه وأهله إلا امرأته } . والجواب : أن أبا حنيفة لم يمنع استعمال الأهل في العموم . ولكنه يقول : إن معناه الحقيقي الزوجة فإذا قامت قرينة على العموم كالاستثناء الموجود في الآية . فإنه يحصل عليه على أننا إذا قلنا إن المعول في مثل ذلك على العرف كان العرف مقياسا للجميع
وإذا قال : أوصيت بكذا لآل بيتي شمل قبيلته لأن الآل هو القبيلة التي يلسب إليها ويدخل فيها كل آبائه الذين لا يرثون إلى أقصى أب له في الإسلام إلا الأب الأول الذي ينسب إليه الجميع إذ يقال له : إنه من اهل بيته ولا يدخل فيه أولاد البنات ولا اولاد الأخوات ولا أحد من قرابة أمه لأن الولد إنما ينسب لأبيه لا لأمه
وإذا قال : أوصيت بكذا لأهل جنسي شمل أهل بيت أبيه لأن المراد بالجنس في مثل ذلك النسب والنسب إلى الآباء وكذا أهل بيته نسبه فولد المرأة ليس من جنسها لأنه لا ينسب إليها
وعلى هذا فلا يعتبر الشرف من الأم فقط عند الحنفية وإن كان له مزية في الجملة وعلى هذا فلا يعامل الأشرغ فيحل له أن يأخذ الصدقات ولا يكون كفؤا للشريفة من الأب ولا يأخذ من الوقف على الأشراف إلا بنص خاص ونحو ذلك
وإذا قال أوصيت بكذا لأقاربي أو لأرحامي ونحوهما فإن في مثل هذه الصيغة خلافا بين الإمام وصاحبيه فهو يقول إن هذه اليصغة تشمل الأقربب من أرحام الموصي المحارم . ولا تصح إلا إذا توفرت فيها شروط أربعة :
أحدها : ان يكون المستحق مثنى ( اثنين )
فأكثر فإذا كان القريب واحدا يأخذ نصف الوصية فقط
ثانيها : أن يكون المستحق أقرب إلى الموصي بحيث لا يوجد من يحجبه من الميراث فإذا وجد من يحجبه من الوصية أيضا
ثالثها : أن يكون ذا رحم وارثا من الموصي ولا يدخل الوالدان والوالد تحت هذه الصيغة لأنهما لا يقال لهما أقارب لشدة التصاقهما بالموصي . أما ولد الوالد والجد فإنهما يدخلان ويستوي فيه الكافر والمسلم والصغير والكبير
أما الصاحبان فإنهما يوقلان : إن هذه الصيغة تشمل كل من ينسب إلى الموصي من قبل الأم أو من قبل الأب ويستوي فيه الأقرب والأبعد والواحد والجماعة والمسلم والكافر
وإذا أوصى لأقاربه ومات عن عمين وخالين ريرثانه لوجود ابن وارث مثلا فسمت الوصية بين العمين نناصفة على رأي الإمام لتحقق الشروط فإنهما اثنان ورحمان مجرمان ولم من يحجنهما من الوصية وليسا بوارثين
وأما عند الصاحبين فإن الوصية تقسم بين العمين والخالين بلتساوي فيأخذ كل زاحد ربعها لإن لفظ الأقارب لشمل كل من ينسب إلى الوصي
أما إذا ترك عما واحدا وخالين أخذ العم نصف الوصية وأخذ الخالان النصف الآخر عند الإمام لأن العم الذي انطبقت عليه الشروط ولم يحجبه من الوصية أحد كان واحدا فله النصف لأنك عرفت أن الوصية لاتنفذ بتمامها إلا إذا كان المستحق اثنين وأن الواحد له النصف فبقي النصف الآخر لمن لامانع يمنعه وهم الخالان
أما عند الصاحبين فتقسم الوصية بين العم الواحد والخالين أثلاثا لأن لفظ الأقارب يشنلهم جميعا ينسبة واحدة
وإذا مات وترك عما واحدا فله نصف الوصية والنصف الآخر يرد للوارث عتد الإمام وعند صاحبيه يأخذ قريبه ولو لم يكن محوما
وإذا ترك عما وعمة قسمت الوصية بينهما مناصفة بالتساوي لأن درجتهما في القرابة واحدة وليس المراد تقسم الوصية كتقسم الميراث لأنه لو كان كذلك لستقل العم بالوصية دون العمة بل المراد أنه إذا اجتمع ذو القراية قدم الأقري فالأقري
وإذا قال : أوصيت لذي قرابتي أو لذوي قرابتي أو رحمي ووجد عم واحد له استحق الوصية كلها لأنه فب هذه الحالة لا يشترط فيه أن يكون نثنى وكذا لم كان له عم وخالان فإن العم ينفرد بالوصية عند الإمام أما صاحباه فيقولان بالقسمة بين الجميع بالتساوي كما عرفت
وإذا قال : أوصيت لبني عثمانأو لبني سعد أو نحو ذلك فإن هذه الصيغة تشمل صورتين :
الصورة الأولى : أن يكون محمد أو عثمان أو سعد أبا عاما لجماعة كثيرين أو يكون أبا خاصا أي ليس أبا لجماعة كثيرين
فإن كان أبا عاما كبني تميم وتميم أبو قبيلة فإن الوصية تكون لأولاده وأولاده وكل من يشمله لفظ البنوة لبني آدم ذكورا بالسوية بينهم بشرط أن يحصى عددهم وضابط ذلك أن يعرف عددهم بدون كتاب أو حساب . وقيل : إذا بلغ عددهم مائة فأكثر كان مما لا يحصى وقيل ذلك مفوض لرأي القاضي فإذا كان عددهم كثيرا لا يحصى بطلت الوصية . زكذلك إذا كن إناثا فقط أو ذكورا فقط فإنهم يدخلون في الوصية إذا كان عددهم مما يحصى
ويتناول الأب العام : أبا الشعب وأبا القبيلة وأبا العمارة وأبا البطن وأبا الفخذ وأبا الفصيلة . فكل أب من هذه أعلى من الآخر على هذا الترتيب وتوضح ذلك في القبائل . مثلا أن بقال : مضر أبو الشعب فإذا قال : أوصيت لبني مضر شمل ذلك جميع القبائل القريشية . وإذا قال : أوصيت لبني كنانة خرج أبناء مضر لأن كنانة أنو القبيلة . ولإذا قال : أوصيت لأبناء قريش خرج ابنه كنانة وأبناء مضر . لأن قريشا عمارة . وإذا قال : أوصيت لأبناء قصي خرج أبناء قريش وما فوقهم لأن قصيا أنو بطن . وإذا قال : أوصيت لأبناء هاشم خرج أبناء قصي فما فوقهم لأن هاشما أبو فخذ وإذا قال : أوصيت لبني العباس خرج أبناء هاشم فما فوقهم لأن العباس أبو فصيلة
ومن ذلك تعلم أن أول الأسماء شعب يليه قبيلة فعمارة فبطن ففخذ ففصيلة فنضر شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي وبطن وهاشم فخذ والعباس وأبو طالب فصيلة وبعضهم يقدم
القببلة : أول أسماء العشائر شعب ثم قبيلة ثم فصيلة ثم بطن فالأب العام يتناول أنا الشعب ومن يليه والأب الخاص ما ليس كذلك وقد عرفت حكم الوصية لأبناء الأب العام
الصورة الثانية : أن يكون أبا خاصا فإذا قال : أوصيت لبني فلان وكان أبا خاصا فإذا كان أبناؤه كلهم ذكورا فإن الوصية تكون لهم
وإذا كان أبناؤه كلهن إناثا فلا شيء لهن في الوصية أما إذا كان بعضهم ذكرا وبعضهم أنثى ففيه خلاف فأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان : الوصية للذكور منهم دون الإناث فإذا لم يكن له أولاد لصلبه وكان له أولاد أولاد . فإن كن بنات فإنهن لا يدخلن في الوصية وإن كانوا ذكورا ذكورا يدخلون . هذا إذا قال : أوصيت لبني فلان فإن كان أبا خاصا فإن أولاده لصلبه يدخلون في الوصية سواء كانوا ذكورا فقط أو ذكورا وإناثا لأن الولد يشمل الذكر والأنثى ويدخل الحمل في بطن أمه إذا ولدته حيا لأقل من ستة لأشهر الخ
أما الولد فإنه في هذه الوصية أما إذا كان أبا عاما فإن الوصية تشمل ولد مع وجود الولد الصلب فإذا كان للأب ولد واحد فإنه يأخذ الوصية كلها وهذا بخلاف ما إذا قال : أوصيت لأولاد فلان فإنه إذا كان له ولد واحد يأخذ نصفها فقط وإذا قال لأولاد فلان فلان وليس لفلان أولاد لصلبه فإن يدخل فيها أولاد أبنائه لا لأولد الإناث قولا واحدا . أما أولاد الذكور ففيهم خلاف
وإذا قال : أوصيت لبنات فلان وكان له بنات لصلبه وبنون لا يدخل البنون بلا نزاع فإذا كان له بنون لصلبه وبنات بنين دخل بنات ففي دخولهن خلاف كما تقدم فإذا ذكر شيئا يعلم منه أنه أراد بنات فإنه يعمل به باتفاق
وإذا قال : أوصيت لورثة زيد مثلا كانت الوصية لهم حسب الميراث الشرعي للذكر مثل حظ الأنثيين ويشترط لصحة هذه الوصية أن يموت زيد الموصي قبل لورثته قبل موت الموصى لهم لأنهم لا يكونون ورثته إلا إذا مات الموصي قبل زيد لا يتحقق فيهم وصف الوراثة لزيد فتبطل الوصية . ومثل ذلك ما إذا قال : أوصيت لعقب زيد
وإذا قال : أوصيت لأيتام بكذا دخل في الوصية اليتيم الذي مات أباه قبل بلوغ الحلم شواء كان غنيا أو فقيرا ذكرا أو أنثى بشرط أن يحصى عددهم كما تقدم
فإذا قال لم يمكن إحصاء عددهم خصت الوصية بالفقراء منهم ومثل ذلك ما إذا أوصى لأرامل بني فلان أو عميانهم أو مرضاهم
وإذا قال : أوصيت للعلويين فإن الوصية لا تصح لأن العلويين لا يمكن حصرهم وليس فيه ما يشعر بالحاجة وذلك لأن اللفظ العام الذي يدل على عدد لا يحصى إن كان فيه ما يشعر بالحاجة كأيتام بني فلان أو زمانهم أو أراملهم فإن الوصية تصح وتقصر على الفقراء لأن اللفظ يدل على أن غرض الموصى بوصيته دفع حاجة هذه الفئة
أما إذا لم يكن فيه ما يشعر الحاجة وكان عاما يدل على عدد لا يحصى فإن الوصية به تكون باطلة
ومثل ذلك ما إذا قال : أوصيت للفقهاء أو للفقراء بدون قيد إلا إذا قال : لفقرائهم . وكذا لو أوصى لطلبه العلم على الإطلاق فإنه لا يصح بخلاف ما إذا أوصى لفقرائهم أو أوصى لطلبة جهة معينة
وإذا قال : أوصيت بكذا للمساكين فله صرفه إلى مسكين واحد . وبعضهم
يقول : لا بد من الصرف لاثنين . فإذا ذكر مساكين بالتعيين فلا بد من الصرف إليهم . ولو أوصى لفقراء بلدة كذا جاز أن يصرف لفقراء غيرهم وقيل لا ولكن الأول هو المفتى به
وإذا أوصى وصية مطلقة ( غير مقيدة بفقير )
فإنها تصح ولكن لا يجوز للغني أن يأخذ منها إذ لا يمكن جعلها هبة له بعد موت الموصي بخلاف الصدقة حالا فإنها تجعل هبة له ولذا قالوا : الصدقة على الغني هبة والهبة للفقير صدقة أما إذا أوصى وصية عامة وهي التي يذكر فيها أنها لغني أو فقير أو خصت بالغني فإنها تحل للأغنياء
وإذا قال : أوصيت لإخوتي الثلاثة المتفرقين بأن كان أحدهم أخا لأب وأم
وكان الثاني أخا لأب فقط وكان فقط وكان الثالث أخا لأم فقط وكان له ابن يرثه فإن الوصية تصح ويأخذونها اثلاثا فإن كان له بنت بطلت الوصية بالنسبة للأخ لأب وأم لأنه يرث مع البنت . أما الأخوان الآخران فإن الوصية تكون صحيحة بالنسبة لهما لأنهما لا يرثان
وإذا لم يكن له ابن ولا بنت كانت الوصية لأب فقط وبطلت بالنسبة للأخ الشقيق والأخ لأم لأنهما يرثانه دون الأخ لأب . وإذا أوصت المرأة بنصف مالها لأجنبي ثم ماتت وتركت زوجا اخذ الرجل الأججنبي ثلث المال من التركة أولا ثم أخذ الزوج ونصف الباقي فرضا وهو ثلث المال كله ويبقى كله ويبقى الثلث يعود منه على الأجنبي السدس كي يكمل وصيته لأنها وصت له نصف مالها ويأخذ بيت المال السدس الآخر تركت ثلاثمائة جنيه وأوصت لشخص منها بمائة وخمسين بدئ منها بإخراج الوصية وهي مائة ثلث الجميع ويبقى مائتان يأخذ الزوج نصفها فرضا وهو مائة وتبقى مائة يأخذ الموصى له نصفها وهو سدس الجميع ويضمها إلى المائة فيكمل له النصف الموصى له والخمسون الباقية تكون لبيت المال
أما إذا أوصت المرأة لقاتلها بنصف المال وماتت فإن الوزج يأخذ النصف أولا لأن الميراث مقدم على الوصية للقاتل
المالكية - قالوا : إذا أوصيت لجيراني بكذا شملت الوصية جيرانه الملاصيقين له من أي جهة من الجهات ( خلف وأمام ويمين وعلو وأسفل )
وكذلك الجيران المقاتلين له إذا كان بينهما شارع صغير
[ يتبع . . . ]
أما إذا كان بينهما سوق كبير أو نهر فإنهما لا يكونا جيرانا في الوصية وتدخل الزوجة مع زوجها في الاستحقاق في الوصية . أما زوجة الموصي نفسه إذا كان بها مانع من الإرث فإنها لا تدخل في الجار إذا كانت بجوار الموصي لأنها تسمى جارة عرفا ولا يدخل الخادم مع سيده إلا إذا كان للخادم بيت خاص مجاور للموصي فإنه يدخل في الوصية حينئذ . وهل يدخل الصغير مع أبيه والبنت البكر مع أبيها في الوصية للجيران أولا ؟ قلان ولكن بعضهم استظهر أن الولد الصغير والبت البكر إذا كانا يتفقان من مالهما لا من مال أبيهما دخلا في الوصية اتفاقا ومثلها الثيب بنكاح والولد الكبير فإنهما يدخلان في الوصية قطعا لأن نفقتهما لا تجب على أبيهما والجار الذي يستحق الوصية هو الذي جارا وقت الشيء الموصى به فإذا خرج الجار من المنزل بعد كتابة الوصية وحل غيره عند إعطائها استحقها الجار الجديد وهكذا
وإذا قال : أوصيت للمساكين فإن الفقراء يدخلون فيهم وكذا إذا قال : أوصيت للفقراء فإن المساكين يدخولن فيهم عملا بالعرف وإن كان في الأصل أحدهما غير الآخر لأن المسكين هو الذي لا يملك شيئا لا يكفيه قوت عامله
ومحل ذلك ما لم ينص الموصي على شيء معين فإذا قال : أوصيت للمساكين الفقراء الوصية بالمساكين وبالعكس
وإذا قال : أوصيت لأقاربي أو لأهلي أو لذوي رحمي فإن كان له أقارب من جهة الأب لا يرثون كانت الوصية لهم وحدهم دون أقاربه من جهة الأم
أما إذا كان أقاربه من جهة الأب يرثون الوصية تكون لأقارب الأم لا يرثون
أما إذا قال : أوصيت لأقارب فلان أو لأهله أو لذوي رحمه فإن كان لفلان أقارب من جهة الأب كانت الوصية لهم وحدهم سواء كانوا لفلان أولا لأن الممنوع من الوصية ورثة الموصي لا ورثة غيره . وإن لم يكن له أقارب من جهة الأب كانت الوصية لأقاربه من جهة الأم
ويزاد في نصيب المحتاج سواء اسنحق الوصية أقارب الأب فإن استووا
في الحاجة سوي بينهم في الإعطاء فإن فيهم محتاج وأحوج يزاد في نصيب الأحوج سواء كان قريبا أو بعيدا ما لم ينص الموصي على حالة معينة فإنها تتبع كما إذا قال : أعطوا الأقرب أو أعطوا فلانا ثم فلانا فإن الأقرب يقدم على غيره بحسب نص الموصي بأن يميز في نصيبه لا أنه ياخذ الكل وإلا بطلت الوصية التي نص فيها على أنها للأقارب
وإذا أوصى لخدمة المسلمين وله خدم مسلمون وغيرهم يعتبر المسلم من كان مسلما وقت الوصية فلو أسلم بعدها لا يستحق ولو في يومها
وإذا أوصى بأولاد غنمه لزيد أو بما تلد أو بما ولدت فإنه يدخل في تلك الحمل في بطن أمه . وإذا قال : اوصيت لبني تميم أو بني زهرة وأوصيت
للغزاة أو لأهل الأزهر أو المرسة ونحو ذلك من غير ذلك من غير المعين فعلى من يتولى قسمة الوصية أن يقسمها بحسب اجتهاده على من يجده منهم فلا يلزم بالتعميم كما لا يلزم أن يسوي بينهم في الأنصبة بل يعطي كل واحد حسب ما يراه لائقا به
ومثل ذلك ما إذا أوصى للقراء والمساكين فإنه لا يجب عليه تعميم الوصية لكل الفقراء والمساكين كما لا يجب أن يسوى بينهم في القسمة
أما إذا كان الموصى لهم معينين كما إذا قال : أوصيت لفلان وفلان وفلان من بني تميم أو من بني محمد أو نحو ذلك فإنه يجب أن تقسم الوصية بينهم بالسوية بلا خلاف ومن مات قبل القسمة تنتقل حصته لوارثة ومن ولد فلا يدخل بخلاف غير المعين كبني تميم فإن مات منهم قبل القسمة لا يستحق ومن ولد وقتها يستحق
وإذا كان الموصى لهم يمكن حصرهم ولكن الموصي ؟ ؟ فيه خلاف فبعضهم يقول : إن حكمهم كحكم غير المعينين فيقسم على من وجد منهم ولا تلزم التسوية فى القسمة عليهم ومن مات منهم لا ينتقل نصيبه لورثته . وبعضهم يقول : إنهم كالمعينين وهو الظاهر فتقسم الوصية بينهم كما تقسم على المعينين
وإذا قال : اوصيت لرجال بني فلان أو نسائهم شملت الوصية الصغير والكبير من النوعين
الشافعية - قالوا : إذا اوصى لجيرانه بشيء شملت الوصية أربعين دارا من كل جانب من جوانب داره الأربعة فتكون مائة وستين دارا في الغالب فإذا لم يقبل بعض الجيران يعود نصيبه على الباقين منهم وتنقسم الوصية على عدد الدور بحيث تأخذ أقل ما يمكن من المال فذاك وإلا فتعطى الدار على عدد السكان فإذا وسعت الوصية عدد الدور بحيث تأخذ أقل ما يمكن من المال فذاك وإلا فتعطى الدار الأقرب فالأقرب . وهل المراد الجار المالك أو الجار الساكن ؟ قولان . والعبرة بالجوار حال الموت فإذا مات الموصي والجار ساكن أو مالك استحق الوصية ولو تغير الحال بعد الموت بأن انتفع أو باع فلا
وإذا اوصى للعلماء فتصوف الوصية لعلماء الشوع من تفسير وحديث وفقه وتوحيد عملا بالعرف ويكفى لتنفيذ الوصية ان تصرف لثلاثة من اهل كل علم فإذا اعطيت لمحدث ومفسر وفقيه فقد نفذت . والعالم بالتفسير هو الذى يعوف كتاب الله تعالى وما قصد بها نقلا واستنباطا فالمسائل التوقيفية التي تتوقف معرفتها على نقل يجب على المفسر ان يكون عالما بها وبادلتها من النقل . وكذا المسائل العقلية التى يتوقف إدراكها من اللفظ على علوم أخرى فإن لم يكن قادرا على استنباطها لا يكون مفسرا
أما العالم بالحديث فهو الذى يعرف حال الرواة وحال المروى من صحيح وسقيم وعليل وغير ذلك وليس من علمائه من اقتصر على مجرد السماع . أما الفقيه فهو الذى يعرف من كل باب طرفا نافعا يهتدى به إلى معرفة باقي الباب وإن لم يكن مجتهدا
وأما المتكلم فهو العالم بالله وصفاته وما يستحيل عليه وبأدلة ذلك وهو من أجل العلوم الدينية . أما المذموم منه فهو الخوض فيما نهى عنه
وإذا أوصى لعلماء بلد كذا وليس بها علماء وقت الوصية فإن كان فى تلك البلدة علماء بعلوم أخرى غير العلوم الشرعيه المذكورة كانت الوصية لهم وإلا بطلت الوصية ونظير ذلك ما إذا أوصى بغنم وليست عنده وقت الوصيه ولكن عنده ظباء فإن الوصيه تحمل على الظباء
وإذا أوصى للفقراء دخل المساكين وبالعكس وتختص بمساكين المسلمين وفقرائهم . أما إذا جمعهم في الوصية بأن قال : أوصيت للفقراء والمساكين فإنه يقسم مناصفة بين الطائفتين المسكين وهم الذين لا يملكون شيئا والفقراء وهم الذين يملكون مالا يكفيهم قوت عامهم ويكفي لتنفيذ الوصية أن تقسم بين ثلاثة منهم لأنها أقل الحمع كما تقدم في الوصية للعماء ولمن يتولى قسمة الوصية أن يميز أحدهم عن الآخر سواء قسم بين ثلاثة أو أكثر
وإذا عين فقراء بلد كذا ولم يكن بها فقراء عند الوصية بطلت . وإذا أوصى لزيد والفقراء صحت الوصية ويأخذ زيد كأحدهم ولا يصح حرمانه بل لا بد من إعطائه بخلاف غيره من الفقراء فإن المتولي القسمة أن يحرمه ويعطي غيره
وإذا أوصى لجمع معين منحصر كما إذا قال : أوصيت للعلوين وهم أولاد
على كرم الله وجهه فإن الوصية تصح وتنفذ بقسمة الموصى به على ثلاثة منهم فأكثر كالوصية على الفقراء والمساكين
وإذا أوصى بشيء لأقارب زيد شملت الوصية كل قريب لزيد من أولاد أقرب جد ينسب إليه زيد من جهة أبيه أو من جهة أمه مسلما كان أو كافر فقيرا أو غنيا وارثا أو غير وارث ويعد الجد قبيلة بحيث لا يدخل أولاد جد فوقه ولا أولاد جد في درجته مثلا إذا أوصى لأولد العباس لا يدخلون أولاد عبد المطلب في الوصية ولا يدخلون أولاد أبي طالب
وكذا إذا أوصى لأقارب زيد الحسني ( ابن الحسين )
فإنه لا يدخل فيهم أولاد الحسين وعلى هذا القياس . ولا يدخل زيد في الوصية إلا إذا ذكره بصفة أنص ولا يدخل في الأقارب الوالد والولد لنهما لا يقال لهما أقارب عرفا ولكن يدخل أولاد الأولاد
ويجب أن يشترك الأقارب جميعا في الوصية كما تجب التسوية بينهم وإن كثروا وشق استيعابهم فإذا لم يكن لهم إلا قريب واحد صرف له كل الوصية
وإذا أوصى لأقرب أقارب زيد فالوصية لذريته ولو من أبناء البنات على أن يقدم الأقرب فالأقرب فيقدم ولد الولد على ولد ولد الولد ويدخل في هذه الصيغة الوالد والولد وإن كانا لا يدخلان في صيغة الوصية للأقارب لأن العرف لا يطلق الأقارب على الوالد والولد ولكن أقرب الناس إلى المرء والده وولده فيدخلان في هذه الصيغة دون تلك فيقدم الأولاد ثم أولادهم ثم أولاد أولادهم وإن نزلوا ذكورا وإناثا ثم من بعدهم الأب والأم ثم من بعدهم الإخوة ويقدم الأخ الشقيق من بعده الأخ لأب والأخ لأم وهما في مرتبة واحدة وهذا أحد المواضع التي يقدم فيها الأخ للأم على الجد والموضع الثاني في الوقف على الأقرب والموضع الثالث الوقف الذي لم يعرف له مصرف معين أو انقطع الأقرب والموضع الثالث الوقف الذي لم يعرف له مصرف معين أو انقطع مصرفه كما سيأتي في بابه
أما الأخ لأبوين أو لأب فإنهما لا يقدمان على الجد إلا في هذا الموضع وفي مسألة الولاء ثم يعد من بعد الإخوة أبناء الإخوة ثم من بعد أبناء الإخوة الجد من جهة الأب أو من جهة الأم الأقرب ثم العمومة والخوؤلة وهما في مرتبة واحد ثم أبائهما . ويستوي في كل الطبقات الإناث والذكور فلا فرق بين أب وأم وابن وبنت وأخ وأخت لاستوائهم في القرب وإذا اجتمع ولد بنت مع ابن ابن ابن قدم ولد البنت لأنه أقرب
وإذا قال الموصي : أوصيت لأقاربي كان حكمه حكم أقارب زيد إلا أنه لا يدخل في أقاربه الوارث لأن الوصية لوارث لا تصح للوارث كما كما عرفت فتخص الوصية بالباقين
الحنابلة - قالوا : إذا أوصى لجيرانه فإن الوصية تشمل أربعين دارا من كل جانب ويقسم المال الموصى به على عدد الدور ثم تقسم حصة كل جار على سكانها . وإذا قال : أوصين لجار المسجد شملت الوصية من يسمع الأذان
وإذا قال : أوصيت لأهل سكني ( بكسر السين )
استحق الوصية أهل زقاقه والزقاق الدرب والجمع أزقة وإذا قال : أوصيت لأهلي خطي ( بكسر الخاء )
والمعروف ضمها استحق الوصية أهل دربه وما قاربه من الشارع الذي يكون به طبقا للعرف ولا يدخل في الوصية إلا من كان موجودا عندها فمن يتجدد من الجيران بين الوصية والموت لا يدخل فيها كذلك من يتجدد عند عطاء الوصية فإنه لا يستحق
وإذا أوصى للفقراء والمساكين أو اوصى لهم معا أو أوصى لأصناف الثمانية الذين يستحقون الزكاة دفعة واحدة فإن الوصية تصح ويعطي جميع الأصناف بخلاف الزكاة فإنه يكتفي بإعطاء صنف الزكاة فإذا أوصى للفقراء والمساكين وأبناء السبيل فإنه ينبغي أن تقسم الوصية أثلاثا على الأصناف الثلاثة وهكذا إلى الثمانية . ويكفي من كل صنف شخص واحد لتعذر استيعاب الجميع بخلاف ما إذا عين أسماء فقراء مخصوصين فإنهم يستحقون بأشخاصهم بالتساوي
ويستحب أن يعطي عدد كثير منهم متى أمكن وأن يكون الدفع لهم بحسب الحاجة فيميز كل من كان أحوج منهم عن غيره كما يستحب تقديم أقارب الموصي إذا كانوا فقراء ولا يصح نقل الوصية إلى غير الموصي كالزكاة
وإذا اوصى في سبيل الله انصرفت الوصية إلى الغزاة وحجاج بيت الله وإذا أوصى لأهل العلم شملت الوصية من انتصف به وأهل حفظته
وإذا أوصى لأقرب قرابة زيد لا يعطى مال الوصية للأبعد مع وجود الأقرب فيقدم الأب والابن وهما في مرتبة واحدة لأن نسبتها إلى يد ةسواء إذ كل واحد منهما ينسب إلى زيد بنفسه بدون واسطة ثم من بعدها الأخ الشقيق ثم من بعده الأخ لأب لأن من له قرابتان أقرب ممن قرابة من جهة واحدة
وكل طبقة متقدمة يتقدم أبناؤها موضحا في مباحث الوقف إن شاء الله



مبحث الوصية لمتعدد بالثلث أو أكثر أو أقل

- في الوصية لأشخاص أو أكثر أو أقل تفصيل في المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : إذا أوصى شخص بثلث ماله لزيد وأوصى بثلث ماله لعمرو ولم تجز الورثة الوصية بأكثر من الثلث اشترك زيد وعمرو في الثلث على أن يقسم بينهما مناصفة لكل منهما سدس باتفاق
وإذا أوصى بثلث ماله لزيد وأوصى وللآخر بالثلث أو أقل أو أكثر ولم تجز الورثة ففي قسمة الثلث بين الموصى لهما خلاف بين الإمام وصاحبيه
وضابط ذلك أن الوصية إذا كانت بالثلث فما دونه وكانت لمتعدد ولم تجز الورثة الوصية بأكثر من الثلث قسم الثلث بينهما بسبة نصيب كل منهما أما إن أجازتها الورثة أخذ كل منهما حصته من كل المال باتفاق
وإذا اوصى لأحدهما بأكثر من الثلث ولم تجز الورثة فأبو حنيفة يقول : إن الزيادة تقع باطلة ويبطل ما قصده الموصي من تفصيل من أوصى بالزيادة فيقسم الثلث بينه وبين الآخر بدون تفاصيل . أما الصاحبان فيقولان : إن الزيادة عن الثلث وإن بطلت لعدم إجازتها من الوارث فلا يكون له حق فيها ولكن تفصيله على الآخر لا يبطل فيقسم الثلث على أن يفصل الذي ميزه الموصي في وصيته
بيان ذلك إذا فرض أو أوصى شخص لزيد بجميع ماله وأوصى عمرو بثلث ماله ولم تجز الورثة الوصية فالإمام يقول : يقسم الثلث بينهما مناصفة ومن ميزه الموصي في وصية له بالكل يميز فيأخذ ثلا ثة أرباع الثلث ولآخر يأخذ ربعه وطريق القسمة على اصطلاح علماء الفرائض أن يقال : إن أصل المسألة من ثلاثة لاحتياجنا إلى الثلث الذي بينهما ومخرج الثلث ثلاثة فأن التركة كلها ثلاثة يطلب الموصى له بكل المال والثلث سهم واحد يطلبه الموصى له بالثل فنجعل الثلاثة أربعة وبذلك يزيد عدد السهام واحدا وتنقص قيمتها فتكون أربعة يأخذ صاحب الثلث سهما واحدا ويأخذ صاحب الكل أربعة أسهم وهذا هو معنى قولهم : يضرب صاحب الكل ثلاثة أجزاء من الثلث وهي ثلاثة أباع الثلث ويبقى ربع الثلث للآخر
هذا لم تجزه فإذا فرض وأوصى لرجل بكل ماله وأوصى لآخر بثلث ماله ولم يكن وارث أو وارث أجاز . فكيف تكون القسمة بينهما ؟
والجواب : أن القياس فيها على رأي الإمام أن يقال : يقسم بينهما بطريق المنازعة ومعنى ذلك أن بعض المال متفق عليه الاثنين وهو الثلثان لأن الموصى له بالثلث لا ينازع الموصى له بالكل في الثلثين فيعطى الثلثان
لصاحب الكل بدون نزاع ويبقى الثلث ينازع فيه له بالثلث السدس ويصيب صاحب الكل السدس الثاني وبإضافته الثلثين يكون مجموع ما أخذه الموصى له بالكل خمسة أسداس والموصى له بالثلث سدسا واحدا
وهذه الطريقة سهلة ولكن بعضهم اعترض عليها بأن نصف الثلث يأخذه الموصى له بالثلث عند الإمام في حال ما إذا لم تجز الورثة فأي فرق بين الحالتين حالة الإجازة وعدمها فينبغي قسمتها بطريق المنازعة على أن يستحق صاحب الثلث ربع المال وسدسه
وبيان ذلك أن يقسم الثلث أولا لعدم توقفه على إجازة وارث فيأخذ كل منهما نصفه منازعة ثم يقسم الثلثان فيكون أصل المسألة من ثلاثة لحاجتنا فيها إلى الثلث ومخرج الثلث ثلاثة فكأن كل المال ثلاثة والثلث سهم واحد استوت منازعتها فيه فيستحق ككل منهما نصف سهم وهو فتنكسر المسألة بالنصف وذلك يستلزم ضرب منخرج النصف في أصل المسألة وهي ثلاثة فيكون الحاصل ستة أسهم اثنان بينهما يقسم بينهما فيستحق كل واحد منهما سهما منه الباقي أربعة ثلاثة منها لا نزاع فيها لصاحب الثلث لأنه إنما ينازع في سهم واحد يضمه إلى ما أخذه ليكمل له الثلث وصاحب الكل ينازع في هذا السهم أيضا ليكمل فيقسم ذلك السهم بينهما نصفين فتنكسر المسألة بالنصف أيضا ومخرجه اثنان كما عرفت فتضرب في ستة فيكون الحاصل اثني عشر فيضاعف لكل واحد ما أخذه أولا فصاحب الثلث قد أخذ من الستة أسهم الأولى سهما ونصفا فيعطى له من الستة الثانية سهما ونصفا أيضا فيكون المجموع ثلاثة وصاحب الكل قد أخذ أربعة أسهم ونصف سهم وصاحب الكل أخذ ثلاثة أرباعه وهو تسعة وبذلك يتضح الفرق عند الإمام بين حالة إجازة الورثة وعدمها ففي حالة عدم الإجازة نصف الثلث وفي حالة عدمها يأخذ ربع الجميع
ونتيجة هذه الطريقة يوافق عليها الصاحبان فلا يكون فرق بينهما وبين الإمام في المعنى لأنهما يقولان إن الموصى له بالكل يأخذ ثلاثة أرباع الكل والموصى له بالثلث بأخذ الربع غير أنهما يقسمان بطريق العول لا طريق المنازعة
أصل المسألة من ثلاثة :
مخرج الثلث لحاجتنا إلى الثلثين فكأن كل التركة ثلاثة فصاحب الجميع يدعي الثلاثة وصاحب الثلاثة وصاحب الثلث يدعي سهما واحدا وهو الثلث فيضم إلى أصل المسألة واحد فتعول إلى أربعة أي تزيد إلى أربعة بعد أن كانت ثلاثة وتنقسم على هذا فيأخذ صاحب الكل ثلاثة أربعة وهي ثلاثة أرباع وصاحب الكل يأخذ سهما واحدا من أربعة وهو الربع
ولكن عدم وجود فرق بين حالة إجازة الورثة وعدمها للموصى له بالثلث لا يترتب عليها هذا التغير في التقسيم وإلا فإن الصاحبين أيضا يقولان : إن الموصى له بالثلث يأخذ الربع على أي حال سواء أجاز الوارث أو لم يجز نعم إن هذه الطريقة يترتب عليها الوفاق بين الإمام وصاحبيه وهو خير لا نص فيها عن الإمام
وإذا أوصى لرجل بربع ماله وأوصى لآخر بنصف ماله فإن لم يكن وارث أو اجازت الورثة أخذ كل واحد منهما ما أوصى له به وإلا نفذت الوصية من الثل على أن يأخذ كل منهما بقدر ما أوصى له به من الثلث فالأول له نصف الكل والثاني له ربعه فأبو حنيفة يقول : إن الموصى له بالنصف لا يجوز أن يأخذ من الوصية أكثر من الثلث
أما الموصى له بالربع فإنه يأخذ الربع وحينئذ يجنمع في المسألة ربع وثلث ومخرج الربع من أربة ومخرج الثلث من ثلاثة والثلاثة والأربعة فتضرب أربعة ثلاثة ليكون الحاصل اثنا عشر ثلثها أربعة وربعها ثلاثة فيستحق الموصى له بالثلث أربعة أسهم والموصى له بالربع ثلاثة أسهم فيكون المجموع سبعة أسهم فتجعل هذه السبعة ثلث الوصية فإذا ضربت في ثلاثة كان المجموع أحدا وعشرين سهما فالتركة كلها وعشرون ثلثها سبعة للوصية وثلثا سبعة للوصية وثلثاها عشر للورثة
هذا عند الإمام أما الصاحبان فيقولان : الموصى له بالنصف بأخذ من الثلث بقدر ما اوصى له به من الكل . والموصى له بالربع يأخذ بقدره ويخرج النصف اثنان والربع سهم فيحمل الثلث بينهما ثلاثة أسهم يأخذ صاحب الربع سهما واحدا ويأخذ صاحب النصف سهمين وعلى هذا القياس . إلا أن الإمام يوافق الصاحبين في ثلاث صور فييبيح قببيح لمن أوصي له بأكثر من الثلث أن يأخذ بقدر ما أوصى له به . والصورة الأولى : تعرف بالمحاباة وذلك كأن يكون عند شخص فرسان أو عبدان وأوصى منهما يساوي ستين جنيها والثاني ثلاثين فاوصى بأن يباع ما يساوي ستين لزيد بعشرين وأوصى بأن يباع ما يساوي ثلاثين لعمرو بعشرة فإذا مات الموصي وليس عنده مال سواهما اعتبر المبلغ الذي حاباهما به في البيع وهو أربعون للأول وعشرون للثاني موص به لهما وهو أكثر من ثلث تركته كما لا يخفى لأن ثلث ماله ثلاثون وقد أوصى لأحدهما بأربعين أكثر من الثلث فعلى قاعدة الإمام ينبغي أن يشترك الاثنان في الثل بالتساوي على صاحب العشرة ولكنه في هذه المسألة أقر الوصية على حالها فكل منهما يأخذ الفرس بالثمن الذي حدده الموصي لأنه في الحقيقة لم يقدر الوصي بالمال ويموت الموصي خرج الفرسان عن ملك الورثة بيعها للموصي لهما فلا تتوقف على إجازة الورثة
الصورة الثانية : مسألة الدراهم المرسلة غير المقيدة بثلث أو نصف أو نحوهما وصورتها أن يوصي لزيد ريالا . ويوصي لعمرو بستين وماله كله تسعون ولم تجز الورثة فكل منهما يأخذ ما أوصى له به . وذلك لأنه لم يقدر الوصية بثلث أو أكثر أو أقل وهذا المبلغ بحتمل أن يزيد بأن يظهر له مال بعد موته بطريق الميراث أو غيره
الصورة الثالثة مسألة العتق وتسمى بالسعاية وهو موضحة في محلها فارجع إليها إن شئت
وإذا قال شخص : أوصيت لزيد ( بمثل )
نصيب ابني صحت الوصية سواء كان للموصي ابن أو لا ثم إن كان له ابن واحد كان للموص له النصف وللابن النصف وإنما يستحق الموصى له النصف إذا اجاز الوارث وإلا فله الثلث أما إذا كان اثنان كان له الثلث . ومثل البنين البنات فإذا أوصى له بمثل نصيب بنته وله بنت واحدة كان له النصف إن أجازت الورثة وإلا كان له الثلث وإذا كان له بنتان كان للموصى له الثلث وإذا كان مع ثلاثة بنات وقد أوصى له بنصيب بنت واحدة كان له الربع وإن كان فرض الثلاثة مجتمعات الثلثين لنه اوصى له بنصيب واحدة ونصيبها الربع
وإذا قال : أوصيت لزيد بنصيب ابني ولم يقل بمثل ابني فإن كان له ابن موجود لم تصح الوصية لأن نصيب ابنه ثابت بكتاب الله فلا يصح تغيير ما فرضه الله أما إذا لم يكن ابن فإن الوصية تصح ويكون له النصف يأخذه إذا اجازه الوارث ومثل ما إذا قال : اوصيت بنصيب ابن لو كان
أما إذا كان موقوفا على إجازة الوارث وبعضهم يقول : بل من اول الأمر لأنه اوصى له بمثل نصيب معدوم فيقدر ذلك النصيب المعدم سهما واحدا من ثلاثة وبذلك يستحق الثلث
وإذا قال : أوصيت لزيد بجزء من مالي أو بسهم أو بعض أو حظ أو شيء أو نحو ذلك فإن الوصية تصح ويوكل أمر للورثة فيقال : أعطوه ما شئتم وبعضهم يقول : إذا أوصى له بسهم يعطى السدس وبعضهم يقول : يعطى السدس وبعضهم يقول : يعطى مثل نصيب أحد الورثة بشرط أن لا يزيد على الثلث فإن زاد توقف على إجازة الوارث
وإذا قال : أوصيت بسدس مالي لزيد ثم قال : أوصيت بسدس مالي لزيد مرة أخرى في مجلس واحد أو فى مجلسين فإنه لا يستحق إلا السدس وذلك لان السدس وقع معرفا بالإضافة إلى مال والمعرفة إذا أعيدت معرفة تكون عين الأول
وإذا قال : أوصيت له بسدس مالي ثم قال : أوصيت بثلث مالي فإن له الثلث حتى ولو أجاز الورثة لأن الثلث داخل في السدس فالوصية تحتمل أنه أراد ضم سدس إلى السدس الأول ليكمل له الثلث وتحتمل أنه إذا أراد ضم الثلث إلى السدس فيعمل بالأمر المتيقين الذي لاشك فيه وهو الثلث لأن السدس داخل في الثلث ومع هذا فالقرينة تؤيد ذلك وهي حمل الكلام على ما يملكه الموصي وهو يملك الوصية بالثلث من غير نزاع
ولكن قد يقال إن محل لم يرض الوارث أما إذا رضي السدس إلى الثلث فلماذا لم ينفذ والظاهر أنه لامعنى للمنع في هذه الحالة
والمالكية - قالوا : إذا عدد الوصية فأوصى لزيد بشيء معين ثم أوصى به لعمور قال أوصيت بفرسي هذه ثم قال : أوصيت بهذه الفرس عينها لعمرو صحت الوصية بالنسبة للاثنين ويشتركان فيها مناصفة ولا تبطل الوصية بها لزيد نعم لو قال : الفرس أوصيت بها لزيد هي لعمرو كان معنى ذلك أنه رجع عن الوصية بها فإذا لم يقبل عمرو فلا يكون لزيد شيء
وإذا أوصى لشخص بوصية بعد أخرى فهذه المسألة تحتمل ثلاث صور :
الصورة الأولى أن تكون الوصيتان من نوع واحد بأمر متساويين كما إذا أوصى له بعشر جنيعات مصرية ثم أوصى له وصية أخرى بعشرة جنيهات مثلها مساوية لها
الصورة الثانية : أن تكون الوصيتان من نوعين مختلفين متساويين أو نتفاوتين كما إذا أوصى له بعشرة أرادب من القمح . ثم أوصى له بعشرة قناطير من القطن . واوصى له بعشرة جنيهات وخمسة أثواب ونحو ذلك
وحكم هاتين الصورتين أن الوصيتين صحيحتان والموصى له يأخذ الموصى به في الوصيتين
الصورة الثالثة : أن تكون الوصيتان من نوع واحد ولكنهما متفاوتتان قلة وكثرة إذا أوصى له بعشرة ثم اوصى بخمسة جنيهات جنيهات وبالعكس
وحكم هذه الصورة أن للموصى له أكثر الوصيتين سواء تقدم الإيصاء به أو تأخر فإذا قال : اوصيت له بعشرة ثم قال : أوصيت له بخمسة استحق العشرة عملا بالأحوط فلا تبطل الوصية بالخمسة بعدها وهكذا ولا فرق في ذلك بين أن تكون الوصيتان بكتاب واحد أو بكتابين على الراجح
وإذا اوصى لزيد بثلاثمائة جنيه مثلا معه لطلبه العلم بخمسة قروش كل ليلة فإن الوصية تصح وتكون وصية لمعلوم وهو نصيب زيد ومجهول وهو حاصل الخمسة قروش فإن أجازت الورثة فالأمر ظاهر وإلا نفذت الوصية من الثلث وطريق قسمته أن يفرض الثلث كله لطلبة العلم ثم يضاف إليه المعلوم فتزيد سهام الثلث بمثلها لأن الأصل المعلوم ثلاثمائة جنيه اختص به طلبة العلم واحتج لمثلها للموصى له فزادت المسألة فيقسم الثلث بينهما نصفين وعلى هذا القياس وإذا أوصى لزيد بنصف ماله بثلث ولعمرو بثلث ماله فإن الوصية تبطل فيما زاد على ثلث ماله ولو أجازها الورثة على المشهور فيشترك الاثنان في الثلث ولكن إذا أجاز الورثة أكثر من الثلث كان عطاء جديدا منهم لا نتفيذا لوصية الميت على المشهور فيشترط فيه أن يكون الوارث المجيز أهلا للتبرع ولا بد فيه من القبول وعلى هذا فللمجيز وهو الوارث أن يميز أحدهما بما يشاء مما زاد على الثلث وإذا قال : اوصيت لزيد بنصيب ابني وليس له سوى ابن واحد فإن جميع المال يكون للموصى له أجازة الابن وإن لم يجزه فله الثلث وإن كان له ثلاثة كأن كان للموصي له ابنان كان للموصي له نصف المال والنصف الآخر للاثنين له الثلث ولهم الباقي وإن كانوا أربعة كان له الربع وإن كانوا خمسة كان له الخمس
وإذا أوصى له بنصيب احد ورثته استحق جزءا بنسبة عدد رؤوسهم فإن كان عددرؤوس الورثة ثلاثة استحق الثلث وإن كانوا اربعة استحق الربع وإن كانوا خمسة استحقوا الخمس وهكذا ثم يقسم الباقى بين الورثة بحسب الفريضة
الشافعية - قالوا : إذا اوصى لمتعدد باكثر من الثلث ولم تجز الورثة اشتركوا فى الثلث بطريق المزاحمة وقد تقدم بيان ذلك فى مبحث الوصية بالقراءة والحج فإرجع إليه
الحنابلة - قالوا : إذا أوصى بجميع ماله لشخص وأوصى بنصفه لشخص آخر فإن أجاز الورثة ذلك قسم بينهما المال أثلاثا يأخذ الموصى له بالنصف ثلثه والباقي يأخذه الموصى له بالكل اما إذا لم تجز الورثة فيقسم الثلث بينهما على هذه النسبة ايضا
وإذا أوصى لزيد بجزء أوقسط أو حظ أو نصيب أو نحو ذلك أعطاه الوارث ما شاء من المال . وإذا اوصى لشخص بسهم من ماله فله سدس بمنزلة سدس مفروض
وإذا أوصى بمثل نصيب ابني لفظ وكان له مثل نصيب ولد نصيب ولد وكان له ثلاثة أبناء كان له الربع وإن قال : أوصيت له بمثل نصيب ولدي وكان له بنت وولد استحق مثل نصيب البنت لأنه المتيقين
وإذا أوصى لشخص بمثل نصيب من لا يستحل في التركة شيئا لا يكون للموصى له شيء



مبحث الوصي المختار

- الوصي المختار هو من يختاره المرء نائبا عنه بعد موته ليتصرف في أمواله ويقوم على مصالح المستضعفين من ورثته ( غير الراشدين )
يقال أوصى إلى فلان التصرف في ماله بعد موته . والاسم الوصايا بالكسر والفتح وقد ذكرنا في مباحث الحجر كثيرا من أحكامه وبقيت أمور أخرى نذكر بعضها هنا على تفصيل المذاهب [ 1 ]



[ 1 ] الحنفية - قالوا : يتعلق بالوصي المختار وهو الذي يختاره الشخص في حياته ليتصرف في ماله بعد مماته أمور منها شروطه فيشترط فيه شروط
أحدها : البلوغ فإذا أوصى لصبي بعد موته كان على القاضي أن يستبدله بغيره ويعزله عن الوصاية فهذا شرط لاستمراره وصيا لصحة الوصاية لأنها تقع صحيحة ولو تصرف الصبي قبل أن يخرجه القاضي كان تصرفه صحيحيا وكذا إذا بلغ قبل أن يخرجه فإنه يستمر على وصايته
ثايها : أن يكون مسلما فإذا أوصى لكافر كان على القاضي أن يستبدله بمسلم ولكن الوصية صحيحة فلو تصرف قبل إخراجه أو أسلم صح كما تقدم في الصبي
ثالثها : أن يكون عدلا فلو أوصى فاسقا كان حكمه كحكم الصبي والكافر إلا أنه يشترط في إخراج الفاسق وعزله عن الوصية أن يكون متهما على المال أما إذا كان فاسقا بجارحة ولكنه مأمون على المال فإنه لا يصح إخراجه
رابعها : أن يكون أمينا فلو ثبتت خيانته وجب عزله عن الوصية
خامسها : أن يكون قادرا على القيام بما أوصى إليه به فلو ثبتت عجزه في بعض الأمور دون بعض ضم إليه القاضي قادرا اما إذا ثبتت له عجزه أصلا فإنه يعزل ويستبدله بغيره ولا بد في الزل ضم من ثبوت العزل فلا يكفي مجرد الإخبار والشكوى لأن الميت قد اختاره وصيا حال حياته ووثق به فلا يرفع هذه الثقة مجرد الشكوى فإذا اجتمعت هذه الشروط في الوصي بأن كان بالغا مسلما عدلا أمينا قادرا على القيام بتنفيذ الوصية فلا يجوز للقاضي عزله وإذا عزله لا ينعزل على الراجح لأنه وصي مختار فهو قائم مقام صاحب المال ولم يثبت عليه خيانة ولا عجز فعزله في هذه الحالة خروج على إرادة الموصي بدون موجب
ومنها أنه إذا عين وصيين فإن في تصرفهما قولين : أحدهما انه لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف دون صاحبه فإذا تصرف أحدهما لا ينفذ تصرفه إلا إذا أجازه صاحبه فإنه ينفذ دون حاجة إلى يجديد عقد . ولا فرق بين أن يكون الإيصاء لهما معا أو كان متعاقبا بأن اوصى لأحدهما لولا ثم اوصى للآخر عقبه . وهذا القول صححه كثير من العلماء ومثل ذلك ما إذا عين ناظرين على وقف فإنه لا يصح لأحدهما أن يتصرف بدون إذن صاحبه ثانيهما أنه يجوز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف وهذا القول صححه بعض العلماء أيضا وهذا الخلاف فيما إذا كان معينين من قبل الوصي نفسه أو الواقف أو قاض واحد أما إذا كان معيين من قبل قاضيين فإنه يجوز لأحدهما ان ينفرد بالتصرف بلا نزاع لأن كل منهما نائب عن قاض فيجوز له أن يتصرف عمن أنابه ويجوز لكل من القاضيين أن يعزل الوصي الذي ولاه الآخر إذا رأى المصلحة في ذلك
وهناك أمور يصح لكل من الوصيين ام ينفرد بها بلا خلاف . منها تجهيز الموصي بعد موته والخصومة في الحقوق وشراء حاجة الطفل ورد الوديعة وتنفيذ الوصية وبيع ما يخاف عليه التلف وجمع أموال ضائعة وغير ذلك
وإذا مات أحد الوصيين وأوصى قبل موته للوصي الحي فإنه يصح وينفرد بالتصرف وذلك لأنه يجوز له ان ينفرد بالتصرف بإذنه حال حياته فكذلك بعد مماته
أما إذا أوصى إلى رجل آخر أجنبي فإنه لا يجوز له أن يفرد بالتصرف بدون إذن الحي وإذا مات ولم يوص لزميله ولا لأجنبي أقام القاضي وصيا آخر
المالكية - قالوا : يتعلق بالوصي أمور منها شروطه وهي أربعة : التكليف فلا يصح الإيصاء لشخص غير مكلف والإسلام فلا يصح الإيصاء للكافر والعدالة والمراد بالعدالة الأمانة وحفظ مال الصبي بحسن التصرف فلا يصح الإيصاء إلى من لم يكن كذلك والقدرة على القيام بتدبير الموصى عليه
وإذا كان في أول الأمر متصفا بصفة من هذه الصفات ثم عرض عليه ضدها فإنه يعزل فإذا كان مسلما ثم ارتد عزل أو كان يمكنه التصرف ثم عجز عزل وهكذا
ومنها أنه إذا أوصى لاثنين فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف بدون توكيل من الآخر إلا إذا نص في الوصية على جواز انفراد أحدهما أو قامت قرينة على ذلك
وإن مات أحدهما فإن الحاكم ينظر فيما هو الأصلح للقاصر من الاكتفاء بالحي أو ضم آخر إليه وكذا إذا اختلفا في تدبير شؤونه
الشافعية - قالوا : يشترط في الوصي عند الموت أن يكون عدلا ظاهرا وباطنا والمراد بالعدالة الظاهرة ان يكون ممن تقبل شهادتهم والباطنة ان يثبت عند القاضي عدالته بقول المزكين وأن يكون كفؤا للتصرف في الموصى به وان يكون حرا وأن يكون مسلما إذا كان وصيا على المسلمين ؟ وأن لا يكون عدوا لمن يتولى أمره وأن لا يكون مجهول الحال وكذا يشترط فيه ان يكون مكلفا عاقلا فمن فقد شرطا من هذه الشروط فلا يصح لإقامته وصيا . ويصح لإقامة وصي أعمى وأخرس تفهم إشارته وإذا أوصى الاثنين دفعة واحدة أو بالتعاقب فإنه لا يجوز لأحدهما أن ينفرد في التصرف إلا بإذن صاحبه
الحنابلة - قالوا : يشترط في الوصي ان يكون مسلما فلا يصح للمسلم أن يوصي كافرا على أبنائه وأن يكون مكلفا فلا يصح الإيصاء إلى صبي ولا مجنون ولا أبله وأن يكون رشيدا فلا يصح الإيصاء إلى سفيه وان يكون عدلا ولا مسورا أو أعمى أو امرأة
ولا يشترط لصحة الإيصاء القدرة على العمل فيصح الإيصاء إلى ضعيف ويضم القاضي إليه قويا امينا يعينه ويكون الوصي هو الول والثاني يكون معينا له
وإذا أوصى إلى الاثنين فإنه لا يجوز لأحدهما ان ينفرد بالتصرف دون الآخر إلا أن ينص الموصي على ذلك . والله أعلم